عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 01-21-2009, 12:34 AM
 
Arrow إعلام الأنام بحقيقة الإسلام .


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:


إعلام الأنام بحقيقة الإسلام .


إن الواجب على الداعية إلى الله أول ما يدعو إليه أن يدعو إلى التوحيد، فيبين حقيقته، ومعناه المطلوب، ويوضح ذلك بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية، ثم يبين فضله للترغيب فيه، ويحث عليه، لأن الشيء إذا عرفت مزاياه فإن النفس تتعلق به وتحرص عليه، ولهذا نلاحظ خطأ كثير من الدعاة اليوم، أو من المؤلفين المعاصرين، الذين يزعمون أنهم يكتبون عن الإسلام، وعن الدعوة، ويمدحون الإسلام مدحاً كثيراً في محاضراتهم وفي كتبهم، وهذا حق، لكن ما هو الإسلام أولاً، لم يبينوا ما هو الإسلام، لأن كل واحدة من الفرق الضالة والمنحرفة تفسر الإسلام بمذهبها، وينزلون هذا المدح، وهذا الثناء على مذهبهم.
ولهذا فإن الله تعالى أمرنا أن ندعو للإسلام كمعنى يدان به لا مجرد اسم خالٍ من المعاني السامية قال تعالى (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) (آل عمران:64) ، كما بين أن الدين المراد هو الإسلام المرتبط بمعناه المتضمن للاستلام لله تعالى بكل ما تعنيه هذه الكلمة ، ولهذا قال تعالى : ( بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ )(البقرة: من الآية112) ، وقال تعالى : ( وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً) (النساء:125) ، فلم يكتف بقوله ( ممن أسلم ) حتى أضاف إليها ( لله ) مبيناً معناه المراد ، وهو كمال الذل والخضوع والاستسلام لله تعالى ، وهذه هي حقيقة العبادة المرادة من البشر ، ومما لا شك فيه أن المعنى الحق للإسلام هو الاستسلام لله تعالى بالتوحيد ، وأن إطلاقه وارد شرعاً ، إلاّ أن تفسيره ، وبيان المراد به هو ذلك الدين الذي حوى تلك العقائد الصحيحة التي تقبلها الفطر والعقول
السليمة ، وذلك الدين الذي شرع من الأحكام أعدلها ، ومن الأخلاق أجملها ، ومن الآداب أكملها ، ولكن لما اتخذ جماعات مطلق مسمى الإسلام إلى مذاهبهم المنحرفة ، ويقول للعالم هذا هو الإسلام يا من تسألون عنه ! ، ثم يرشد عقيدة تجهم أو رفض أو زندقة أو إرهاب وتطرف وغلو ، فعندئذِ وجب تمييز الإسلام الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم عن الإسلام الذي مغاير تماماً لما نقله أمثال أولئك الأغمار للناس وصدوهم عن السبيل .
فلا يكفي أن نمدح الإسلام ونثني عليه فقط، فلابد من عدة أمور على الداعية إلى الله أن يوضحها ويبينها، وهي:

ما هو الإسلام؟!
ما هي حقيقة الإسلام الذي ينجي من الكفر، ويدخل في التوحيد، وينجي من النار ويدخل في الجنة؟!
وما هي نواقض الإسلام التي تفسد الإسلام وتخرج منه؟!
وما هي مكملاته؟!
وما هي منقصاته؟!
وما هي الأخلاق السامية التي يدعو إليها الإسلام ؟!

تعال معي أخي القارئ لنتعرف مع بعضنا البعض، ما هو الإسلام؟ وما هي حقيقة الإسلام؟


حقيقة الإسلام :


الإسلام: هو الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والبراءة من الشرك وأهله.

والاستسلام لله بالتوحيد :
يكون بإفراد الله بالعبادة، ونفي جميع ما يعبد من دون الله، وإثبات العبادة لله وحده، فمعنى لا إله إلا الله، أي: لا معبود بحق إلا الله.
فإفراد الله بالعبادة يعني: لا يصلى، ولا يدعى، ولا يذبح، ولا ينذر، ولا يحج، ولا يعتمر، ولا يتصدق ولا يتقرب بأي عبادةإلا لله سبحانه وتعالى، ويبتغي بذلك وجه الله سبحانه وتعالى.
والدليل قوله تعالى: ((وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ))، وقال تعالى: ((وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ))، وقال تعالى: ((وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا))، وقال: ((وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا ))، وقال: ((قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا)).

وكل هذه الآيات تفسر معنى لا إله إلا الله، وهي كلمة التوحيد، وهي عبادة الله وترك ما سواه .
أما عبادة الله بدون ترك عبادة ما سواه، فهذا لا يسمى توحيداً، فالمشركون يعبدون الله ويعبدون معه غيره فصاروا مشركين، فليس المهم أن الإنسان يعبد الله فقط، بل لابد أن يعبد الله ويترك عبادة ما سواه.
وهذا هو تحقيق النفي والإثبات الواردين في كلمة التوحيد لا إله إلاّ الله ، لأن ( لا إله ) تقتضي الكفر بجميع ما يعبد من دون الله ، و ( إله ) نكرة في سياق النفي تفيد العموم الكلي : أي كل إله مهما كان حاله ونوعه ، و ( إلاّ الله ) تقتضي إفراد الله بالعبادة .

والانقياد له بالطاعة:
يكون بإتباع ما أمر الله به، واجتناب ما نهى عنه، قال تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْالرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُإِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً))، وقال: ((وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون))، وقد حذرنا الله عز وجل من عدم طاعته، فقال: ((وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَاحْذَرُواْ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاَغُ الْمُبِينُ))، وقال: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ))، وقال: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ))، وقال: ((قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ)).
وطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم من طاعة الله، فلابد من إتباع ما أمرنا الله به، وما نهانا عنه، وإتباع ما أمرنا به الرسول صلى الله عليه وسلم، واجتناب ما نهانا عنه، قال تعالى: ((وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)).

والبراءة من الشرك تكون:
بقطع الصلة والبعد عن المتبرأ منه، أي قطع الصلة بما يعبدون من دون الله من الأصنام والكواكب والأحجار والأشجار.. وغير ذلك، ومجرد قطع الصلة لا تكفي أيضاً حتى يعتقد بطلانها ، وعدم استحقاقها للعبادة ، قال تعالى : ( ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) (الحج:62) .
والدليل على قطع سائر الصلات بسائر المعبودات من دون الله قوله تعالى: ((وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاء مِّمَّا تَعْبُدُونَ * إِلا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ))، وقال: ((قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ)).

فمن حقق التوحيد بشكله الصحيح الذي يرضي الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فإن هذا الإسلام هو الذين ينجي من الكفر ويدخل في التوحيد، وينجي من النار، ويدخل الجنة، قال تعالى: ((الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ))، وقال تعالى: ((إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ))، وقال: ((وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ * وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ)) وقال صلى الله عليه وسلم: " من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، والجنة حق، والنار حق، أدخله الله الجنة على ما كان من العمل "، وقال صلى الله عليه وسلم: " فإن الله حرم على النار من قال: لا إله إلا الله، يبتغي بذلك وجه الله".

نواقض الإسلام :


وبعد أن تعرفنا على الإسلام وما هي حقيقته، لابد لنا من تعلم ما هي نواقض الإسلام التي تفسد الإسلام، وتخرج منه، وذلك لأن الإسلام كما هو وصف يحتاج إلى ثبوت ، كذلك هو عرضة للزوال ، وهو ما يسمى بالردة عن الدين ، و وقوع الردة بعد الإسلام ثابت بصريح القران والسنة وإجماع المسلمين ، ولا يوجد كتاب من كتب الشريعة الشاملة إلاّ وتبحث أحكام المرتد ، وعلى هذا يجب علينا معرفة الأمور التي تنقض الإسلام بعد ثبوته حتى لا نقع فيها وينتقض ديننا من حيث لا نعلم ، وهي كثيرة جداً ومما اشتهر وقوع الناس فيه في هذه العصور المتأخرة عشرة نواقض ذكرها العلماء في باب أحكام المرتد:

الأول:
الشرك في عبادة الله تعالى، قال الله تعالى: ((إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ ))، وقال تعالى: ((إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ ))، ومن ذلك دعاء الأموات، والاستغاثة بهم، والنذر والذبح لهم كمن يذبح للجن أو للقبر.

الثاني:
من جعل بينه وبين الله وسائط؛ يدعوهم، ويسألهم الشفاعة، ويتوكل عليهم، فقد كفر إجماعاً.

الثالث:
من لم يُكَفِّر المشركين، أو شَكَّ في كفرهم، أو صحّح مذهبهم كفر.

الرابع:
من اعتقد أن غير هدي النبي صلى الله عليه وسلم أكمل من هديه، أو أن حكم غيره أحسن من حكمه، كالذي يفضل حكم الطواغيت على حكمه فهو كافر.

الخامس:
من أبغض شيئاً مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ولو عمل به فقد كفر، لقوله تعالى: ((ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ )).

السادس:
من استهزأ بشيء من دين الرسول صلى الله عليه وسلم أو ثوابه، أو عقابه كفر، والدليل قوله تعالى: ((قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ ، لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ )).

السابع:
السحر، ومنه الصرف والعطف، فمن فعله أو رضي به كفر، والدليل قوله تعالى: ((وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ )).

الثامن:
مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين، والدليل قوله تعالى: ((وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ )).

التاسع:
من اعتقد أن بعض الناس يسعه الخروج عن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم كما وسع الخضر الخروج عن شريعة موسى عليه السلام فهو كافر؛ لقوله تعالى: ((وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ )).

العاشر:
الإعراض عن دين الله، لا يتعلمه ولا يعمل به؛ والدليل قوله تعالى: ((وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ )).

ولا فرق في جميع هذه النواقض بين الهازل والجاد والخائف، إلا المكره، وكلها من أعظمما يكون خطراً، وأكثر ما يكون وقوعاً. فينبغي للمسلم أن يحذرها، ويخاف منها علىنفسه، نعوذ بالله من موجبات غضبه، وأليم عقابه.

مكملات الإيمان ومنقصاته

وبعد أن تعرفنا على الإسلام وما هي حقيقته، وتعرفنا على نواقض الإسلام، لابد لنا من تعلم ما هي مكملات الإيمان ؟ .
وذلك لأن إيمان العبد يصغر ويقل حتى يكون كالخردلة كما جاء على لسان النبي صلى الله عليه وسلم ، ويكبر حتى يملأ القلب ، ويزن الجبال العظام ! ، وقد ذكر الله تعالى زيادة الإيمان في كتابه الكريم في مواضع منها قوله تعالى : ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) (الأنفال:2) ، وعلى هذا فيجب علينا تعلم الأمور التي يستطيع أن يزيد المرء في أيمانه ، ويكون في زيادة دائماً ومنها :

أولاً:
معرفة أسماء الله الحسنى الواردة في الكتاب والسنة، والحرص على فهم معانيها، والتعبد لله بها، قال صلى الله عليه وسلم: " إن لله تسعة وتسعين أسماً مائةً إلا واحداً من أحصاها دخل الجنة "، فكلما تجلت صفات الله تعالى العلية ، وأسمائه الحسنى ، كلما اتضح حال هذا الرب ، وكماله ، وعظمة جلاله ، مما يدفع القلوب للاستزادة من طاعته والسعي إليه .
ثانياً:
تدبر القرآن على وجه العموم، فإن المتدبر لا يزال يستفيد من علوم القرآن ومعارفه، ما يزداد به إيماناً، قال تعالى: ((إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ))، وقال: ((أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا)).
ثالثاً:
معرفة أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وما تدعو إليه من علوم الإيمان وأعماله، كلها من محصلات الإيمان ومقوياته.
رابعاً:
معرفة النبي صلى الله عليه وسلم ومعرفة ما هو عليه من الأخلاق العالية والأوصاف الكاملة.
خامساً:
التفكر في الكون وفي خلق السماوات والأرض، وما فيهن من المخلوقات المتنوعة، والنظر في الإنسان، وما هو عليه من الصفات فإن ذلك داعٍ قوي للإيمان، كما قال تعالى : ( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآياتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ) (آل عمران:190) .
سادساً:
التفكر في كثرة نعم الله والآئه العامة والخاصة التي لا يخلو منها مخلوق طرفة عين فإن هذا يدعو إلى الإيمان.
سابعاً:
الإكثار من ذكر الله كل وقت، ومن الدعاء الذي هو العبادة.
ثامناً:
معرفة محاسن الدين، فإن الدين الإسلامي كله محاسن، عقائده أصح العقائد وأصدقها وأنفعها، وأخلاقه أحمد الأخلاق وأجملها، وأعماله، وأحكامه أحسن الأحكام وأعدلها.
تاسعاً:
الاجتهاد في التحقق من مقام الإحسان في عبادة الله، والإحسان إلى خلقه.
عاشراً:
الإحسان إلى الخلق بالقول والفعل والمال والجاه وأنواع المنافع هو من الإيمان، ومن دواعي الإيمان، والجزاء من جنس العمل.
الحادي عشر:
حضور القلب في الصلاة، وقد سمى الله الصلاة إيماناً بقول: ((وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ)).
الثاني عشر:
الزكاة تنمي الإيمان وتزيده، وهي فرضها ونفلها كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " والصدقة برهان " أي على إيمان صاحبها، فهي دليل الإيمان، وتغذية وتنمية.
الثالث عشر:
الإعراض عن اللغو الذي هو كل كلام لا خير فيه، وكل فعل لا خير فيه.
الرابع عشر:
العفة عن الفواحش، خصوصاً فاحشة الزنا.
الخامس عشر:
رعاية الأمانات والعهود وحفظها من علائم الإيمان وفي الحديث: " لا إيمان لمن لا أمانة له ".
السادس عشر:
المحافظة على الصلوات، وعلى حدودها وحقوقها، وأوقاتها، والمحافظة على أعمال اليوم والليلة من الطاعات والعبادات.
السابع عشر:
الدعوة إلى الله وإلى دينه والتواصي بالحق، والتواصي بالصبر، والدعوة إلى أصل الدين والدعوة إلى التزام شرائعه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
الثامن عشر:
توطين النفس على مقاومات جميع ما ينافي الإيمان من شعب الكفر والنفاق، والفسوق والعصيان، فلابد من دفع الموانع والعوائق، وهي:

-الإقلاع عن المعاصي، والتوبة مما يقع منها.
-حفظ الجوارح كلها من المحرمات.
-مقاومة فتن الشبهات القادحة في علوم الإيمان المضعفة له، والشهوات المضعفة لإرادات الإيمان.

فإن الإرادات التي أصلها الرغبة في الخير ومحبته، والسعي فيه لا تتم إلا بترك إرادات ما ينافيها من رغبة النفس في الشر، ومقاومة النفس الأمارة بالسوء.


فمتى حفظ العبد من الوقوع في فتن الشبهات، وفتن الشهوات تم إيمانه وقوي يقينه، وصار مثل بستان إيمانه: ((كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)).
ومتى كان الأمر بالعكس، بأن استولت عليه النفس الأمارة بالسوء ووقع في فتن الشبهات، أو الشهوات، أو كليهما، انطبق عليه هذا المثل، وهو قوله تعالى: ((أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاء فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ)).
فالعبد المؤمن الموفق لا يزال يسعى في أمرين:
أحدهما: تحقيق أصول الإيمان وفروعه والتحقق بها علماً وعملاً وحالاً.
والثاني: السعي في دفع ما ينافيها وينقضها أو ينقصها من الفتن الظاهرة والباطنة، ويداوي ما قصر فيه من الأول، وما تجرأ عليه من الثاني بالتوبة النصوح وتدارك الأمر قبل فواته.
قال تعالى: ((إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ)) أي: مبصرون الخلل الذي وقعوا فيه، والنقص الذي أصابهم من طائف الشيطان، الذي هو أعدى الأعداء للإنسان، فإذا أبصروا تداركوا هذا الخلل بسده، وهذا الفتق برتقه، فعادوا إلى حالهم الكاملة، وعاد عدوهم حسيراً ذليلاً، وإخوان الشياطين ((يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لاَ يُقْصِرُونَ)).
الشياطين لا تقصر عن إغوائهم، وإيقاعهم في أشراك الهلاك، والمستجيبون لهم لا يقصرون عن طاعة أعدائهم، والاستجابة لدعوتهم حتى يقعوا في الهلاك ويحق عليهم الخسار.
اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين بفضلك ومنتك، إنك أنت العليم الحكيم.


الأخلاق السامية التي يدعو إليها الإسلام :


قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ( ثم هم – أي أهل السنة - مع هذه الأصول يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر على ما توجبه الشريعة ويرون إقامة الحج والجهاد والجمع والأعياد مع الأمراء أبراراً كانوا أو فجاراً، ويحافظون على الجماعات ويدينون بالنصيحة للأمة ويعتقدون معنى قوله صلى الله عليه وسلم: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدُّ بعضه بعضا" وشبك بين أصابعه، وقوله صلى الله عليه وسلم: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر" ويأمرون بالصبر عند البلاء، والشكر عند الرخاء، والرضا بِمُرِّ القضاء، ويدعون إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال ويعتقدون معنى قوله صلى الله عليه وسلم: "أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقا" ويندبون إلى أن تصل من قطعك وتعطي من حرمك وتعفو عمن ظلمك ويأمرون ببر الوالدين، وصله الأرحام، وحسن الجوار، والإحسان إلى اليتامى والمساكين وابن السبيل والرفق بالمملوك وينهون عن الفخر والخيلاء والبغي والاستطالة على الخلق بحق أو بغير حق ويأمرون بمعالي الأخلاق، وينهون عن سفسافها وكل ما يقولونه ويفعلونه من هذا وغيره فإنما هم فيه متبعون للكتاب والسنة وطريقتهم هي دين الإسلام الذي بعث الله به محمداً صلى الله عليه وسلم ) .
والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وسلم تسليماً كثيرا.

كتبه/ أبو حميد عبد الله بن حميد الفلاسي.
عفا الله عنه وعن والديه وعن جميع المسلمين
مراجعة وتصحيح/ الشيخ بدر العتيبي وفقه الله .

مراجع:
1/ إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد للشيخ الدكتور صالح الفوزان حفظه الله.
2/ نواقض الإسلام للشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله.
3/ التوضيح والبيان لشجرة الإيمان للشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله.
4/ العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
..................

لتثبيت والله الموفق.
رد مع اقتباس