عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 03-03-2009, 11:26 AM
 
رد: حالات نفسية وعلاجها

ثالثا : القلق
الحالة الاولى :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا متزوجة منذ سنتين ولم أنجب إلى الآن، وقبل الزواج تعرضت لمشاكل عديدة أثرت علي كثيرا وعلى نفسيتي، أصبحت كلما تأتيني نوبة القلق أبدأ في البكاء لمدة أيام، وتأتيني كل الأفكار الحزينة، أعاني من وجود كرة صغيرة على مستوى الرقبة من شدة القلق، وآلام حادة في الرأس.

وفي هذه الأيام أعاني من آلام في الأذن، لست أدري هل السبب هو القلق أم شيء آخر؟ وبالإضافة إلى هذا أعاني من آلام في القولون، أرجوكم ما هو الحل الذي أستطيع من خلاله التغلب على القلق دون استعمال الأدوية الكيميائية؟ وما هو علاج القولون؟

وجزاكم الله خيرا.

الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سوسو حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

فظاهر جداً أن هذه المشاكل الكثيرة التي تعرضت لها قبل زواجك، قد أثرت فيك تأثيراً بالغاً بحيث إنك قد أصبحت صاحبة نفس (حساسة) و (صاحبة قلق) من وقوع المشاكل قبل وقوعها! فكثرة المشاكل وعنفها ترك في نفسك الشعور، بأن تتخوفي من وقوع المشاكل قبل وقوعها، ومن هذا المعنى، ما تعانينه الآن من تأخر الإنجاب بعد مضي سنتين على زواجك، فهنالك قلق في نفسك من أن تظلي بدون إنجاب ومن أن يؤدى ذلك إلى التأثير على ( زوجك ) وعلى بيت الزوجية كاملاً).

مضافاً إلى ذلك شعورك ( بالوحدة ) وبعدم وجود من يساندك في محنتك – إذن فأنت الآن في ( صراع) مع هذه الأفكار التي أصبحت ملازمة لك صباح مساء، فأثر ذلك على صحتك، وانعكس على بعض المظاهر لديك، فقد تجدين في نفسك، عدم إقبال على لقاء الناس، وعدم وجود شهية للطعام، وربما كان العكس أيضاً فقد يزداد وزنك بإقبالك على الطعام، كوسيلة للفرار من الهم والتفكير، فهذا وذاك واقعات في كثير من الحالات.

وأما عن سؤالك عن علاج القلق، فهو أولاً بأن تفزعي إلى الله تعالى، وأن تتوكلي عليه، وأن تضطري إليه اضطرار المسلمة التي تعلم أن لا ملجأ لها إلا بربها، وأن لا نجاة لها، إلا بخالقها قال تعالى : { أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ }.

فلا بد من تضرع ودعاء وإقبال على الله تعالى، فإذا أردت طمأنينة قلبك، فربك الكريم الرحيم يقول: { الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب} فعليك بالتقرب من الله تعالى، لا سيما في رعاية الصلوات المفروضة وأدائها في أوقاتها، فإنها صلة لك بطاعة الله تعالى وبقربه، وهي راحة المؤمن ومفزعه في كل حين، هذا مع إلحاحك على الله تعالى، أن يعيذك من الهم والغم والحزن، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه دعاءً عظيماً لزوال الهم والغم).

كما ثبت في سنن الترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ما أصاب أحد قط هم ولا حزن فقال : ( اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك ناصيتي بيدك، ماضٍ في حكمك عدل في قضاؤك أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي وغمي - إلا أذهب الله همه وحزنه وأبدله مكانه فرحاً، فقيل يا رسول ألا نتعلمها؟ فقال ينبغي لمن سمعها أن يتعلمها.
(يمكنك استبدال الكلمة الأولى عند الدعاء، فبدلا من: اللهم إني عبدك....الخ، تقولين: اللهم إني أمتك بنت عبدك بنت أمتك....الخ الدعاء)

والخطوة الثانية: هي الحرص على إجراء الفحص الطبي، الذي سوف يوقفك على حقيقة وضعك واستعدادك للإنجاب، خاصة وأن التأخر مع السلامة شائع وكثير – كما لا يخفى عليك.

والخطوة الثالثة :- اتخاذ أسلوب تهدئه النفس و( عدم الانفعال) ، وعدم الانفعال الزائد، فحاولي أن تجلسي بأوضاع تكونين فيها هادئة النفس، وأن لا تتكلمي بأسلوب منفعل، مع تجنب أسباب الانفعال قدر استطاعتك.

والخطوة الرابعة: تسلية النفس وإشغالها عن التفكير، وذلك بالحرص على عمل نافع يعود عليك بالخير في دينك ودنياك، كحفظ أجزاء من القرآن الكريم، وكسماع المحاضرات الإسلامية، بل وكتعلم بعض الأمور النافعة كتدبير الشؤون المنزلية وكتعلم فن الخياطة ونحو ذلك، فالمطلوب ( شغل النفس بالحق لئلاً تشتغل بالهم والتعب النفسي).

ويدخل في هذا المعنى مصاحبة الأخوات والصديقات الصالحات اللاتي لا تسمعين منهن إلا الكلام النافع الطيب، فهذا من أنفع ما يسليك وينفعك في دينك ودنياك.

ونود لو أعدت الكتابة إلينا بعد تطبيق هذه الوصايا، وإن أمكن أن يكون ذلك بعد ثلاثة أسابيع، ونسأل الله لك التوفيق والسداد وأن يرزقك الذرية الطيبة الصالحة.

الثانية :
السلام عليكم انا مريض بمرض القلق النفسي الزائد
اتوقع الاشياء وتكون لى اوجاع جسدية اذا توترة الهلع من اي شىء والله حالتى يعني مشكلة وذهب الى دكتور وصفي دوغماتيل في البداية تحسنت ولكن الان عودتني الحالة بالاوجاعه حتى وزني نقص الوسواس افكار غير مرغوبة الحمدالله على كل حال ماذا افعل اذا جاءة الاوجاع المفاجاء

هل الحالة النفسية تسبب نقص بالوزن

الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ مشاري حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد،،،

فإن هذه الحالة التي تعاني منها يمكن أن ترجع إلى سبب رئيسي وهذا السبب هو ( القلق )، فأنت لديك توقع وخوف من حصول أي مشكلة أو ضرر يدخل عليك فيحصل بسبب ذلك لك قلق وتفكير كثير يؤدي إلى شعورك بالرهبة والخوف ثم بعد ذلك يحصل لك انفعال زائد قد يؤدي إلى شعورك بأوجاع وآلام نتيجة هذه الاضطرابات النفسية، وأيضًا فإن نقص الوزن قد يعود إلى الحالة النفسية أيضًا، فإن فقدان الشهية هو من الأعراض التي تكون مصاحبة للقلق، وهذا أمر معلوم لا يخفى، ومع هذا فإننا نود أن تقوم بالفحص اللازم عند الطبيب المختص ( الباطنية ) للتأكد من سلامة صحتك؛ فإن ذلك يفيدك ويشحذ همتك ويمنحك الطمأنينة ويدفع عنك القلق من جهة المرض البدني.

وأما عن علاج هذا الذي تعاني منه فإن ذلك ممكن بحمد لله بل وميسور أيضًا فاحرص على اتباع هذه الوصايا:

1- التوكل على الله تعالى والاعتماد عليه، قال تعالى: { ومن يتوكل على الله فهو حسبه }، فعلاج القلق والهم والحزن هو الاستعانة بالله واللجوء إليه ودعاؤه والاستغاثة به ( يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث أصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين )، ( اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن )، ( رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري ).

2- لا بد من تقوية صلتك بالله، فاحرص حرصًا بالغًا على طاعة الله والبعد عن الحرام، فإنك بتقوى الله تقوي نفسك وتقوي من عزيمتك، بل إن تقوى الله هي سبب الفلاح والفرج القريب العاجل، قال تعالى: { ومن يتق الله يجعل له مخرجًا }، وقال تعالى: { ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرًا }.

3- الحرص على الصحبة الصالحة، فلا بد لك من صحبة للأخيار الصالحين الذين يعينونك على طاعة الله والذين تجد في رفقتهم الأنس والإعانة على الخروج من الهم والحزن، فقد قال صلى الله عليه وسلم: ( المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا ) متفق عليه، فاحرص على هذه الصحبة واهتم بها اهتمامًا بالغًا، وتخير الأخوة الصالحين والزم طريقهم.

4- حاول أن توجد من أهلك من تبث إليه همومك وأحزانك والقلق الذي تعاني منه حتى توجد متنفسًا عن همومك وحتى تستطيع أن تبث بعض الأمور التي تضايقك في صدرك ولا تجد لحلها سبيلاً، فاجمع بين التوكل على الله تعالى وبين استشارة الصالحين العقلاء من أهلك.

5- عليك بالهدوء النفسي والبعد عن أسباب القلق لا سيما كثرة التفكير في الأمور المقلقة، فحاول جهدك ألا تسترسل في التفكير في الأمور المقلقة لا سيما التي لا وجود لها أصلاً مع المحافظة على الهدوء النفسي.

6- عليك بالترويح عن نفسك وممارسة الأنشطة التي تبهج قلبك كممارسة بعض الأنشطة الرياضية التي تحبها، وكذلك كتناول بعض الأطعمة التي تميل إليها، بل ويدخل في هذا الملابس التي تبهج القلب وتشرح النفس، فكل ذلك يعينك على التخفيف من شدة الهم والغم الذيْن يقعان لك.

ونود أن تكتب إلينا بعد أسبوعين من اتباعك لهذه الخطوات لنتابع حالتك، ونسأل الله عز وجل لك التوفيق والسداد

الثالثة :
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين,,,
أعاني من قلق شديد منذ عام تقريبا وخاصة في الفترة الصباحية أكثر من المسائية، ونفسيتي مضطربة جدا، لا أبالي لزوجتي ولا لأطفالي، وأحيانا أفكر في أشياء غريبة فما الحل؟

أفيدوني أثابكم الله وجزاكم عنا كل خير.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبدالقادر محمد بن لامة حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

فإنك قد أشرت إلى مجموعة أعراض تصيبك وهي كالآتي:
1- اضطراب شديد خاصة في وقت الصباح.
2- الإهمال للنفس وللزوجة وللأولاد.
3- التفكير في أشياء غريبة لم تعد عن التفكير فيها.

فهذا مجمل ما أشرت إليه من الأعراض، وهذه الأعراض جميعها يمكن أن ترد إلى أمر واحد وهو أنك تعاني من حالة نفسية من القلق الذي طرأ عليك حديثًا، فقد أشرت إلى أن هذا قد وقع لك منذ عام تقريبًا، وهذا يدل على أنك قد تعرضت لبعض الأمور التي أنشأت في نفسك هذا القلق، فإن هذا النوع من القلق الطارئ عليك غالبًا ما يكون ناتجًا عن تعرضك لمواقف أثرت في نفسك وأحدثت في نفسك هذا الاضطراب، فلاحظ مثلاً أن درجة القلق والاضطراب تزداد بوضوح في الصباح أكثر منها في المساء، فهذا يدل على أن هذا الزمن - وهو الصباح – هو الذي تعرضت فيه للحوادث التي أنشأت في نفسك هذا القلق، فقد يكون ذلك راجعًا مثلاً إلى طبيعة وظيفتك؛ لأن الفترة الصباحية هي التي تباشر فيها عملك، فهذا قد يقع كثيرًا خاصة إذا رجعت بذاكرتك إلى التوقيت الذي ظهرت فيه هذه الأعراض.

فقد تستطيع أن تربط بين أحداث وقعت لك عند ظهور هذه الحالة فتستخلص بعد ذلك أنها هي السبب في هذه الحالة التي تعاني منها، فإن الاضطراب الذي يكون في توقيت معين كالصباح أو المساء أو في بعض الشهور أو الأيام خاصة يكون ذلك راجعًا في الغالب إلى تعرض المصاب بمواقف في هذا التوقيت، فمجرد أن يدخل في الزمن الذي مرت به تلك الأحداث المقلقة يحصل له أعراض القلق التي أشرت إليها، فهذا تحليل قد يعينك على فهم طبيعة الحاصل لك.

ونبشرك بأن هذه الحالة حالة سهلة ميسورة وبإمكانك بإذن الله تعالى أن تخرج منها بيسر ولطف ودون عناء، فعليك باتباع هذه الخطوات التي لن تكلفك جهدًا يُذكر بإذنه تعالى:

1- الاعتصام بالله تعالى واللجوء إليه لجوءًا كلجوء الغريق الذي يعلم ألا نجاة له إلا بربه، فاستغث بالله وأنزل به حاجتك وتضرع إليه، أليس الله هو الذي بيده فرجك! أليس هو القادر على أن يخرجك من كل ضيق ومن كل سوء؟ إذن فلتتوكل عليه ولتفزع إليه؛ قال تعالى: {ومن يتوكل على الله فهو حسبه}، وقال تعالى: {وكفى بالله وكيلاً}.

2- الحرص الكامل على إحسان العلاقة مع الله تعالى والتقرب إليه، وهذه أعظم خطوة تقوم بها؛ فإن مادة القلق إنما تنشأ في القلب من غفلته عن تقوية العلاقة بربه، فلا بد إذن أن تحرص على طاعة الله، فأمامك الحفاظ على الصلوات الخمس لا سيما صلاة الفجر، وخاصة إن أقمتها في الجماعة في المسجد، وهنالك أيضًا رعاية حدود الله من غض البصر وصيانة اللسان وغير ذلك مما أمر الله تعالى به.

فانتبه لهذا المقام واحرص عليه! فإنك على قدر تحقيقك للقرب من الله تعالى على قدر شفائك الكامل وخروجك من كل ما تعانيه؛ قال تعالى: {يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين}.

3- الحرص على عدم الاسترسال في التفكير في الأمور المقلقة، فمثلاً: إذا كنت متضايقًا من طبيعة المعاملة التي تجدها في وظيفتك – وهذا على سبيل المثال – فلا تسترسل في تذكر المواقف المؤلمة والمحزنة ولا في الضرر الذي أصابك أو الكيد الذي يكاد لك، بل اصرف ذهنك عن الماضي المحزن، واستقبل ما يمكنك أن تصلحه وأن تقوم به من شأنك، وهذا لا يعني عدم التفكير في العواقب والحذر من الناس ولكنه يعني عدم المغالاة والمبالغة في الأمور المقلقة، فأنت تحتاج إلى الهدوء النفسي لتخرج من حالتك، بل لو أمكنك أن تبتعد عن الأسباب المؤذية لنفسك فهذا هو المطلوب.

4- الحرص على التجديد وإيجاد السبل التي تقوي من نفسك وتشرح من صدرك، فمثلاً: هنالك فرصة السفر للعمرة أو القيام برحلة مع الأسرة إلى الأماكن المباحة التي تحبها نفسك وتميل إليها، فلا بد من الترويح عن النفس والعمل على تهدئتها بما أمكن من الأسباب الجائزة المشروعة.

5- الحرص على المخالطة الاجتماعية المنتقاة بعناية، فتجنب اللقاءات التي تثير الهموم والمشاكل، واحرص على اللقاءات التي تحبها نفسك وتميل إليها كصحبة الأخوة الصالحين الذين يعينونك على طاعة الله، وهي الخطوة السادسة:

6- فلا بد لك من صحبة صالحة تجم نفسك بها وتسلِّيها، وتجد منها الإعانة على أمور الدين والدنيا، فاحرص على ذلك واطلبه؛ فإن المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا.

7- محاولة الإصلاح الأسري، وذلك بأن تبدأ خطوات عملية في تبادل المشاعر اللطيفة الرقيقة مع زوجتك وأولادك، بحيث تجالسهم وتتحدث إليهم وتحاول أن تكسر العزلة النفسية التي أقامها القلق في نفسك، فلا بد من جد واجتهاد في هذه الخطوة فاحرص عليها.

8- عدم الاسترسال في التفكير في الأمور المستغربة والخيالات البعيدة التي هي أشبه بأحلام اليقظة، فإذا أحسست بهجوم هذه الأفكار عليك فارفع يديك بالدعاء واستعذ بالله من الشيطان الرجيم، فستجد أنك تخلصت منها بإذن الله تعالى.

وختامًا فإننا نسأل الله تعالى لك التوفيق والسداد والعافية من كل سوء وأن يشرح صدرك وييسر أمرك، وإن احتجت للكتابة إلينا مرة أخرى فلو تكرمت بالإشارة إلى رقم هذه الاستشارة.

ونسأل الله عز وجل أن يفرج كربك.

الرابعة :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

كما نعلم أن ديننا كاملٌ وتام، والحمد لله الذي أعزنا وأكرمنا بالإسلام، وسنة سيدنا الرسول صلى الله عليه وسلم هي المنارة التي نقتدي وبها نهتدي، ونمضي في كل الأمور كما علمنا صلى الله عليه وسلم حتى في قضاء الحاجة.

وما أريده منكم هو تسليط الضوء - وبشكل مفصل ودقيق - عن سنته صلى الله عليه وسلم في محاربة القلق والاكتئاب، وأنا أعلم أن الضعف هو الذي يؤدي لذلك، وحاشاه صلوات الله عليه من العيب، ولكن نحن في هذه الأيام نحيا في أزمات وأوضاع سيئة وصعبةٍ طغت فيها الماديات على كل شيء، وقلَّ اللقاء وربما اختفت بعض العلاقات، وأصبح المجتمع متفككاً، والإنسان كالآلة، وعليه كثرت الأمراض النفسية والأوهام والوساوس والخوف من الموت والجلطات وارتفاع الضغط والأمراض المعدية والخطيرة، وأنتم أعلم منا وتعرفون الأوضاع الحالية أكثر مني.

وعليه؛ أريد سنة الرسول صلى الله عليه وسلم في محاربة ذلك، وكيفية القضاء على الغم والهم والقلق والاكتئاب والوساوس، وبالتأكيد أن الرسول صلى الله عليه وسلم أرشدنا وعلمنا، وكان صلى الله عليه وسلم يعلم ويدرك وقتنا وما سيحدث فيه، فما العمل وما السبل؟

أريد حلولاً عملية واقعية ودون مثاليات وصعوبة، أريد أن يغمر الإيمان قلبي فلا يترك مكاناً للضعف وما سينتج عنه، وها أنا مثال على الشباب الملتزم المعتز بدينه والحمد لله ولكن عانيت جدا جدا من القلق والوساوس والاكتئاب وتشنج القولون بسبب ذلك، فكيف أهزم كل هذا وأنتصر وأطبق سنة سيدنا الرسول صلى الله عليه وسلم لأسلم ونفسي في الدنيا والآخرة، ولا حول ولاقوة إلا بالله.

الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ صالح حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

فإننا أمام شابٍ هو بحمد الله تعالى عظيم الثقة بربه .. عظيم الثقة بكمال دينه .. فإنك معتز بدينك موقن بأن هذا الدين العظيم قد اشتمل على كل ما فيه صلاح العبد في دينه ودنياه، وإن هذه المقدمة التي بدأتَ بها تدل بحمد الله تعالى على إدراكٍ عميق لعظمة هذا الدين، وأن من أخذ بسنة النبي صلى الله عليه وسلم فقد أخذ بأحظ الحظوظ وأعظم المنازل وسلم قلبه من جميع الأمراض، فإن الله جل وعلا قد بيَّن في كتابه العزيز أن الأمراض على قسمين: مرض في الأبدان، ومرض في القلوب، فالأول معلوم ومنصوص عليه في مواضع من كتاب الله العزيز، ومع هذا فقد بيَّن جل وعلا في كتابه العزيز أصول شفاء الأبدان، وأنها ثلاثة أصول:

(‌أ) حفظ الصحة.

(‌ب) استفراغ المادة المؤذية.

(‌ج) الحمية عمَّا يضر الصحة.

وهذه الأصول الثلاثة هي أساس طب الأبدان، وقد أشار إليها جل وعلا جميعاً في مواضع من كتابه العزيز، وليس هذا مجال بسطها.

وأما طب القلوب ودواء النفوس فإن الله جل وعلا أشار إلى هذا المرض بقوله {فيطمع الذي في قلبه مرض}، وقال جل وعلا: {في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضاً}، فالأول مرض الشهوة المحرمة، والثاني مرض الشبهة والشك. وهذه أصل أمراض القلوب، فإن القلق والوساوس والخوف الزائد المنحرف من الأمراض والموت والفزع كل ذلك مرده إلى ضعف اليقين وضعف القرب من الله تعالى.

وسبب ذلك إما غلبة الشهوة المحرمة على القلب، وإما ورود الشبهة أو ضعف اليقين.

إذا عُلم هذا؛ فإن علاج جميع الأمراض النفسية - كلها وبلا استثناء - لا يتم على الوجه المستقيم الصحيح إلا من جهة الرسول صلى الله عليه وسلم، ونود أن نسوق في هذا المقام كلاماً عظيماً جليل القدر قرره الإمام أبو عبد الله بن القيم – رحمه الله تعالى – في هذا المعنى، فقال: (فأما طب القلوب فمسلم إلى الرسل صلوات الله وسلامه عليهم، ولا سبيل إلى حصوله إلا من جهتهم وعلى أيديهم، فإن صلاح القلوب أن تكون عارفة بربها وفاطرها وبأسمائه وصفاته وأفعاله وأحكامه، وأن تكون مؤثرة لمرضاته ومحابه، متجنبة لمناهيه ومساخطه، ولا صحة لها ولا حياة البتة إلا بذلك، ولا سبيل إلى تلقيه إلا من جهة الرسل، وما يظن من حصول صحة القلب بدون اتباعهم فغلط ممن يظن ذلك، وإنما ذلك حياة نفسه البهيمية الشهوانية، وصحتها وقوتها، وحياة قلبه وصحته وقوته عن ذلك بمعزل، ومن لم يميز بين هذا وهذا، فليبكي على حياة قلبه، فإنه من الأموات، وعلى نوره فإنه منغمس في بحر الظلمات) انتهى بلفظه.

ثبت بذلك أن علاج الأمراض النفسية إنما يكون من جهة الرسول صلى الله عليه وسلم الذي بيّن علاج جميع أمراض النفوس، بل إن الدين ما جاء إلا لشفاء هذه النفوس من كل ما يعتريها من الأمراض والعوارض التي تضرها، فأصل شفاء النفوس راجع إلى هذه الشريعة الكاملة التي فيها ما يقتلع ويجتث أصل الوساوس والقلق والهم والحزن والكآبة والاكتئاب وضعف الثقة بالنفس والرهبة من العوارض أو الاجتماع وغير ذلك، ولذلك كانت أسلم القلوب هي قلوب الصحابة رضوان الله عليهم ومن سار على طريقهم ممن هداه الله وشرح صدره.

واصطلاح الشريعة في سلامة النفس من جميع الأمراض يقع التعبير عنه بانشراح الصدر تارة وبسلامة القلب تارةً أخرى كما قال جل وعلا: {يوم لا ينفع مال ولا بنون * إلا من أتى الله بقلب سليم}، وقال تعالى: {أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله}، وقال تعالى: {فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقاً حرجاً كأنما يصعَّدُ في السماء}.

ولذلك كان المنبع الصافي في علاج أمراض النفس جميعها من جهة الرسول صلى الله عليه وسلم، وأما النظريات النفسية التي أصل وضعها في العصر الحديث والقديم من الأمم الغابرة فهذه النظريات منها ما هو حق، ومنها ما هو باطل، وما كان منها من حق ففي الدين وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم ما يغني عنه، وأما الباطل فكثير لا يحصى، ولذلك تجد الاضطراب البيِّن في تقرير من الظواهر النفسية التي هي من صميم علم النفس كظاهرة الأحلام مثلاً، فإن جميع من تصدى لتفسيرها وبيان حقيقتها من هؤلاء المتكلمين في الأصول النفسية بدون الرجوع إلى أصل الدين الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم قد اضطرب اضطراباً بيِّناً كما وقع لفرويد في تفسيره لظاهرة الأحلام التي هي من أهم مجالات البحث النفسي، حيث صنف فرويد كتاب تفسير الأحلام ووضع نظريته فيها التي جعل فيها أبرز القوى الحافزة للأحلام هي رغبات جنسية طفولية كامنة في النفس، فجعل أكثر اهتمامه إلى القدرات العقلية التي تعمل على تعويض مظاهر الأعضاء الجنسية والنشاطات الجنسية بوجه عام!!.

ثم بيَّن تلميذه كارل غوستاف يونج
c.ggyng
تهافت نظريته، وحاول أن يُوجد نظرية أقرب إلى الواقع وسميت نظريته ب (نظرية ينج في تفسير الأحلام)، ثم بعد ذلك اعترف بالعجز الكامل والإخفاق المطلق في الوصول إلى تفسير ظاهرة الأحلام، فقال مسلِّماً لهذا العجز الكامل: "ليس لدي نظرية عن الأحلام، فلا أعرف كيف تنشأ الأحلام، وإني تماماً لفي شك فيما إذا كانت طريقتي في معالجة الأحلام تستحق حتى تسميتها بطريقة ... إلى آخر كلامه". فهذا من إنصافه ورجوعه إلى الحق، فإن كل من أراد أن يفسر ظواهر نفسية دون الرجوع إلى أصل الدين المعصوم المنقول عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا بد له من أن يضطرب ويخلط في كلامه، ولا يصل إلى النتيجة الصواب في أكثر كلامه لأنه يتناول أموراً غيبية أو أموراً تتعلق بشفاء الأنفس الذي لا يمكن أن يكون إلا من جهة الرسل صلوات الله وسلامه عليهم.

والمقصود أن ترى مثالاً للاضطراب في الكلام في حقائق النفس وشفاءها إذا التمس ذلك من غير جهة هذه الشريعة الكاملة التي ما جاءت أصلاً إلا لتخليص النفوس من أدرانها والمواد الفاسدة التي تفسدها والتي أعظمها الشرك بالله ثم بعد ذلك سائر الأمراض النفسية من القلق والهم والرهبة المرضية والوساوس المقلقة وغير ذلك من أدواء النفوس.

وأما عن علاج القلق والمخاوف والوساوس فهذا بحمد الله تعالى قد بسطنا الكلام فيه في غير هذا الموضع، فيمكنك الرجوع إلى أرقام الاستشارات التالية والاستفادة منها - مع ملاحظة أنه قد روعي أصل طلبك وهو أن يكون الحل عملياً ممكناً بعيداً عن الفروض والمثالي - فراجع في الوساوس القهرية 262448، وراجع في الاكتئاب 257425 و 262031 و 265003، وراجع في القلق 261371 و 263666 و 264992.

ونسأل الله عز وجل أن يجزيك خيراً على هذا السؤال القيم الذي يدل على حسن فهمك وتمام عقلك، وأن يثبتك على دينك، والشبكة الإسلامية تتمنى دوام مراسلاتك ومشاركاتك.

انتهى