عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 03-03-2009, 11:28 AM
 
رد: حالات نفسية وعلاجها

دع القلق وابدأالحياة
ديلكارنيجى
ترجمة
عبدالمنعمالزيادى
مقدمة :
نشأ ديل كارنيجى شابا فقيرا بإحدى القرىالمنتشرة بولاية ميسورى لأبوين فلاحين ، وكان يذهب لمدرسته ممتطيا ظهر دابة بملابسبسيطة وكان ضعيف الجسد هزيلا وترك كل هذا فى نفسه أثرا بالنقص وفى نفس الوقت رغبةملحة فى التفوق والظهورولأنه ضعيف البنية فكان التفوق الرياضى مستحيلا بالنسبة لهفاتجه بدوره إلى فريق المناظرة والخطابة العامة ومن هنا بدأ تفوقه وظهوره الحقيقى .
عمل بأكثر من وظيفة ولقى فيها كلها فشلا ذريعا وفى عام 1908 اشتغل ببيعاللحوم المحفوظة وحقق نجاحا باهرا حتى تم تعيينه مديرا لأحد فروع الشركة لكنه علىالرغم من نجاحه استقال وشد رحاله إلى نيويورك يبغى ظفرا أكبر .
التحقبالأكاديمية الأمريكية لفنون التمثيل بنيويورك مؤملا أن تزدهر موهبته فى الإلقاءوالخطابة العامة ، وقضى بالأكاديمية تسعة أشهر ولما انقضت تلك الاشهر تركالأكاديمية سئما متبرما وحاول أن يقنع زميلا له بأن يترك الدراسة بدوره وقال له :
"لا أحسب أنك ستصبح شيئا مذكورا إذا داومت على هذهالدراسة"
ولم يكن زميله هذا سوى "هوارد ليندساى" الكاتب الروائى ومازال كارنيجى يذكر هذه العبارة التى قالها لصديقه لندساى باعتبارها أول محاولة منجانبه للتأثير فى شخص ما .
فى 1912 أنشأ "معهد كارنيجى للخطابة المؤثرةوالعلاقات الإنسانية" وقد لقيت برامج معهده نجاحا كبيرا واقبالا عظيما ثم سرعان ماأصبح للمعهد فروع كثيرة أربى عددها على 300 فرع فى مدن شتى بلغ تعدادها 168 مدينةفى أمريكا وكندا وجزر هاواى والنرويج . ويقدر عدد الطلبة الذين يلتحقون بالمعهدسنويا 15 ألف طالب من سائر أنحاء العالم .
ومن الطريف أن زوجته "دوروثى" كانت طالبة بالمعهد وكثيرا ما يحلو لها أن تداعبه إذا رأت منه انسياقا وراء غضبه أوتقاعسه عن أخذ الأمور بحكمة فتذكره أنها انفقت على الدراسة فى معهده 60 دولار ثمتطالبه برد هذا المبلغ حيث أنه هو صاحب المبادىء والتعاليم لا يطبقها على نفسه .
من أشهر كتبه "كيف تكسب الأصدقاء وتؤثر فى الناس" الذى أعيد طبعه 56 مرةوبيع منه ما يقارب 3 ملايين نسخة وترجم إلى 56 لغة .
( إنسر نجاح هذا الكتاب هو أنه لا يقول لك افعل ولا تفعل ، بل يسرد تجارب واقعية فهو لايحكى عن رجل اسمه جون أو سيدة ما بل يسمى لك هذا الكتاب الأشخاص بأسمائهم ويذكرمواطنهم .. المقدمة طويلة ورائعة لكنى اختصرتها وربما أعود لها لاحقاقوسالمطر)
الفصل الأول
عش فى حدوديومك
فى ربيع 1871 التقط شابا كتابا وقرا فيه 22 كلمة كان لها أبعد الأثر فى تكييف مستقبله ، كانالشاب طالبا يدرس الطب فى مستشفى مونتريال العام بكندا وحين أوشك على دخول الإمتحانالنهائى ساوره القلق على مستقبله ولم يدر ماذا يفعل ، ولا كيف يكتسب خبرة ولا كيفيكسب رزقه فيما لو تخرج . لكنه بفضل هذه الكلمات الإثنتين والعشرين أصبح أشهر طبيبفى جيله فهو الذى أسس مدرسة جون هوبكنز للطب ذات الشهرة العالمية وتربع زمنا علىكرسى الأستاذية فى الطب بجامعة أكسفورد وأنعم عليه ملك انجلترا بلقب سير ، وحيتتوفى نشرت سيرته فى مجلدين كبيرين من 1466 صفحة ، ذلك هو "سير أوسلر" .
وهذهالكلمات الإثنتين والعشرون التى قرأها فى ربيع 1871 فى كتاب للأديب الإنجليزىالكبير "توماس كارليل" هى
"ليس علينا أن نتطلع إلى هدفيلوح لنا باهتا على البعد ، وإنما علينا أن ننجز ما بين ايدينا من عمل واضحبيّن"
وانقضت على تخرج طالب الطب اثنتان واربعون سنة ، وفى ذات يوموقف يخاطب طلبة جامعة بيل وأعزى نجاحه كله إلى ما سماه "الحياة فى حدود اليوم" ،قبل أن يلقى كلمته فى جامعة بيل ببضعة اشهر عبر الأطلنطى على عابرة محيط ضخمة ، حيثشاهد القبطان يقف فوق برج الباخرة ويضغط زرا فتجلجل آلات السفينة ويحجب جانب منهاخلف حاجز حديدى ولا يبقى منها إلا ما يلزم السفينة فى يومها وقد وقف الدكتور أوسلريشرح ذلك لطلبته :
"
وكل منكم اروع بنيانا من عابرة المحيط الضخمة ، فعليكم انتتعلموا السيطرة على آلاتكم فلا تبقوا منها إلا ما يلزم لرحلة اليوم ، فليتصور كلمنكم نفسه واقفا فوق البرج وليتخيل أنه ضغط زرا فيسمع صوت الابواب الحديدية وهىتغلق على الماضى (الماضى الذى لم يعد له وجود) ثم ليضغط زرا آخر فتسدل ستائر حديديةعلى المستقبل (المستقبل الذى لو يولد بعد) وبذلك يضمن السلامة فى يومه هذا ،عوّدوا أنفسكم العيش فى حدود اليوم " .
وقد نصح الدكتور أوسلر أن يبدؤا يومهم بالدعاء الذى كان يتلوه المسيح "خبزنا كفافنا أعطنا اليوم" وذكرهم أن هذا الدعاء كان من أجل خبز اليوم وحسب ، فلاهو يحتج على الخبز الردىء الذى كان بالأمس ولا هو يقول مثلا "يا الهى لقد عم الجفافونخشى ألا نحصل على خبزنا فى الخريف القادم" أو يقول "لو أننى فقدت وظيفتى فكيفأحصل عندئذ على الخبز" .
هل كان الدكتور أوسلر يعنى أنه لا ينبغى لنا أننستعد للغد أو نفكر فيه ؟ كلا ! فقد مضى فى خطبته تلك فقال " أن أفضل الطرقللإستعداد للغد ، هى أن نركز كل ذكاءنا وحماسنا فى إنهاء عمل اليوم على أحسن مايكون .. هذا هو الطريق الوحيد الذى نستعد به للغد !
لقد اعترض الكثيرون علىقول السيد المسيح:" فلا تهتموا للغد ، لأن الغد يهتم بما لنفسه . يكفى اليوم شرّه" وقال هؤلاء :" كيف لا نفكر فى الغد ، بل ينبغى أن نفكر فيهونتأهب له وينبغى أن نوفر مالا لأوقا الشيخوخة وأن نعد المشروعات لمستقبلحياتنا"
وهذا حق !
نعم يتحتم عليك أن "تفكر" فى الغدوتعد العدة له ولكن لا يجب أن "تهتم" له . والهم مرادفالقلق .
حظيت أخيرا بمقابلة "آرثر هيلر سلزبرجر" وهو ناشر جريدة "نيويوركتايمز" إحدى كبريات الصحف فى العالم فقال لى :
انه عندما نشأت الحرب العالمية فىأوربا ساوره القلق والإشفاق من المستقبل حتى استحال عليه أن ينام فكان كثيرا مايصحو من نومه ليلا فيتناول قلما وقرطاسا وينظر إلى صورته فى المرآة وينقلها علىالقرطاس ولم يكن يعلم شيئا عن فن الرسم . فقط لكى يبعد القلق عن ذهنه وذكر لى مسترسلزبرجر أنه لم يستطع مع ذلك أن يطرد القلق إلا حين اتخذ شعارا هو هذه الكلماتالثلاث المقتطفة من أحد التراتيل :
"خذ بيدى أيها الضوءالكريم ، وثبت قدمى "
"
إنى لا أطمع فى الأفق البعيد ، خطوة واحدة تكفينى "
وفى نفس الوقت كان هناك شاب فى مكان ما فى أوربا يرتدى البزةالعسكرية ويتلقى هذا الدرس ، ذلك هو "تيد بنجرمينو" من أهالى بلتيمور بولايةماريلاند .
وقد كتب إلىّ "تيد" يقول :
فى أبريل عام 1945 اجتاحنى القلقحتى سبب لى داءا عضالا فى القولون عانيت منه الألم المرير ولو أن الحرب لم تنته يومانتهت لكنت قد أصبت بانهيار تام .
فقد كنت أعمل ضابطا فى لجنة سجلات القبورالتابعة لفرقة المشاة الرابعة والتسعين . وكانت مهمتى أن أساهم فى إعداد سجلاتبأسماء الجنود والضباط القتلى والمفقودين والجرحى ، كما كنت أساهم فضلا عن هذا فىاستخراج جثث القتلى من الحلفاء والأعداء على السواء وكان علىّ أن أجمع مخلفات هؤلاءالقتلى وأرسل بها إلى ذويهم الذين يحلّون مثل هذه المخلفات محلا كبيرا فى نفوسهمومن هنا اعترانى القلق خشية ان يوقعنى الإرتباك فى خطأ جسيم وكنت دائم التساؤل :
ترى أيمكن أن تتاح لى النجاة بعد هذا كله ؟ ايقدر لى أن أحمل طفلى الأوحد الذىيبلغ من العمر ستة عشر شهرا والذى لم أكن قد رأيته بعد ؟
كنت قلقا مجهدا حتىاننى فقدت من وزنى 34 رطلا فلا أرى غير عظام يكسوها الجلد فيستبد بى الفزع من أنأعود غلى وطنى آدميا محطما وأنفجر باكيا كالطفل وقد حدث عقب إحدى المعرك الكبرى أنانتابتنى نوبة طويلة من البكاء وانتهى بى المطاف إلى مستشفى حربى .
وهناك وجه لىالطبيب نصيحة غيرت مجرى حياتى تماما ، فبعد أن فحصنى فحصا دقيقا أنهى إلىّ بأنمشكلتى ليست جسمانية بل عقلية ... قال :
"اسمع يا تيد .. إنى أريدك ن تنظر إلى حياتك كأنها ساعة زجاجية كتلك التى استخدمت قديما لتحديدالوقت . أنت تعلم أن هناك آلافا من حبات الرمل توضع فى نصف الساعة الأعلى فتمر ببطءوفى نظام دقيق من خلال الرقبة الضيقة إلى نصفها الأسفل فلا أنت ولا أنا نستطيع أنندفع بأكثر من حبة واحدة إلى عنق الساعة دون أن نصيبها بخلل ، وأنا وأنت والناسجميعا كهذه الساعة الزجاجية ، فعندما نصحو فى الصباح نجد مئات الأعمال فى انتظارنافإذا لم نصف هذه الأعمال كلا بدوره على حدة وفى بطء وانتظام مثل حبات الرمل من عنقالساعة ، فإننا نعرض كياننا الجسمانى والعقلى لخطر التحطيم" .
وقدسرت وفق هذه الفلسفة منذ ذلك اليوم التاريخى . وقد أنقذتنى هذه النصيحة جسمانياوعقليا أثناء الحرب وساعدتنى كثيرا فى عملى بعد انهاء الحرب فكنت دائما ما اردد :
"حبة واحدة من الرمل فى الوقت الواحد .. عمل واحد فىالوقت الواحد" .
وما زلت أكرر ذلك حتى اصبحت وفى وسعى أن أنجز أعمالىبمعزل عن القلق الذى كاد يحطمنى فى ساحةالمعركة"
أنت وأنا نقف اللحظة فى ملتقىطريقين أبديين :
الماضى الفسيحالذى ولّى بغير رجعة .. والمستقبل المجهولالذى يطارد الزمن ويتربص بكل لحظةحاضرة .. ولسنا بمستطيعين العيش ولو بمقدار جزء من الثانية فى أحد هذين الطريقينالأبديين .. فإذا حاولنا ذلك لم تجدينا المحاولة إلا تحطيم أجسامنا وعقولنا . وإذنفدعنا نرض بالعيش فى الحاضر الذى لا يمكن أن نعيش إلا فيه .. دعنا نعش اليوم إلى أنيحين وقت النوم . لقد كتب الروائى الكبير "روبرت لويس ستيفنسون" يقول :
"كل امرىء يستطيع أن يحمل عبئه مهما ثقل ، إلى أن يرخىالليل سدوله . وكل امرىء يستطيع أن ينجز عمل يوم واحد مهما صعب ، وكل امرىء يستطيعأن يعيش قرير العين راضيا صبورا محبا نقيا إلى أن تغرب الشمس ، وهو كل ما تبغيه مناالحياة فى الحقيقة" .
نعم ، هذا هو كل ما تتطلبه منا الحياة ، ولكن "مسز أ . ك . شيلد" من أهالى ولاية متشيجان ، تملكها اليأس مرة إلى حد الإشراف علىالإنتحار ، قبل أن تتعلم كيف تعيش إلى أن يحين وقت النوم . روت لى مسز شيلدز قصتهافقالت :
"
فى عام 1937 فقدت زوجى ، فانتابنى الحزن الشديد فضلا عن الفقرالمدقع الذى وجدت نفسى أكابده . فكتبت إلى مخدومى السابق "مستر ليون روش" صاحب شركةروش كارلر فى مدينة كانساس أطلب عملا واستطعت أن أحصل على عملى السابق ، وهو بيعالكتب إلى المدارس الريفية والداخلية بالعمولة . وكنت قد بعت سيارتى حين انتابالمرض زوجى ولكنى استطعت تدبير شىء من المال دفعته دفعة أولى فى سيارة مستعملة وعدتابيع الكتب من جديد . وكنت أظن أن العودة إلى العمل قد تذهب بعض حزنى ولكن خاب فألى .
وفى ربيع 1938 اقتضانى العمل أن أرتحل إلى بلدة "فرساى" بولاية ميسورى . وهناك استشعرت الوحدة والإكتئاب حتى فكرت جديا فى الإنتحار .. فقد لاح لى أناستمرار حياتى على هذا المنوال أمر مستحيل . إذ كنت أخشى أن أستيقظ كل يوم لأواجهالحياة التى أظلمت فى عينى ، وكنت دائمة القلق : أخشى ألا أستطيع تسديد اقساطالسيارة أو دفع إيجار الغرفة ، وأخشى ألا أجد طعاما أقتات به .. وأخشى أن تتدهورصحتى فلا أجد الطبيب . وما منعنى من الإنتحار إلا شيئان : تصورى مدى حزن شقيقتىلموتى ، وعدم توافر ما يكفى من المال لجنازتى .
وفى ذات يوم .. قرأت مقالاانتشلنى من هذه الوحدة ووهبنى القدرة على مواجهة الحياة . ولن افتأ أشكر لهذهالجملة التى قرأتها فى ذلك المقال وهى :
"ليس اليوم إلاحياة جديدة لقوم يعقلون"
وكتبت لفورى هذه الجملة على الآلة الكاتبةوألصقتها على نافذة سيارتى فى مواجهة مقعد القيادة لكى أراها طول الوقت . لقدعلمتنى هذه العبارة أن أعيش كل يوم على حدة ، وأن أنس الأمس وألا أفكر إلا فى الغد" .
من تظنه نظم الكلمات التالية :
"
ما أسعد الرجل .. ما أسعده وحده ..
ذلك الذى يسمى اليوم يومه ،
والذى يقول وقد أحس الثقة فىنفسه ..
يا أيها الغد كن ما شئت ..
فقد عشت اليوم لليوم ، لا غده ولاأمسه"
إنها تبدو متمشية مع روح العصر الحديث .. أليس كذلك ؟
لكنهاكُتبت قبل ميلاد المسيح بثلاثين عاما ، كتبها الشاعر الرومانى "هوارس" .
ومنأفجع الحقائق التى أعرفها عن الطبيعة الإنسانية ، أننا جميعا ميالون إلى نبذ الحياة ! أننا يلذ لنا جميعا أن نحلم بروضة مزهرة عبر الأفق ، بدلا من أن ننعم بالأزاهيرالمتفتحة خارج نوافذنا فى يومنا هذا .
كتب "ستيفن ليكوك" يقول :
"ماأعجب الحياة ! يقول الطفل : عندما أشب فأصبح غلاما .. ويقول الغلام ، عندما أترعرعفأصبح شابا .. فإذا واتته الشيخوخة ، تطلع إلى المرحلة التى قطعها من عمره ، فإذاهى تلوح كأن ريحا اكتسحتها اكتساحا ، إننا لا نتعلم إلا بعد فوات الأوان ، أن قيمةالحياة فى أن نحياها ، فى أن نحيا كل يوم منها وكل ساعة" .
لقد أوشك "ادوارد إيفانزا" من أهالى ديترويت ، أن يقتل نفسه قلقا واكتئابا ، قبل أن يتعلم أنقيمة الحياة فى أن يحياها ، وأن يحيا كل يوم منها وكل ساعة" .. نشأ إيفانزا فقيرامعدما يكتسب رزقه من بيع الجرائد ، فقد اشتغل كاتبا فى محل بقالة ثم التحق بوظيفةمساعد لمدير مكتبه ، كل ذلك وهو يعول سبعة اشخاص ويكدّ ليوفر لهم القوت . ورغم أنأجره عن عمله الأخير كان ضئيلا فإنه كان يخشى الإستقالة منه مخافة أن يتضور هووعائلته جوعا . وانقضت ثمانية أعوام قبل أن يستجمع إيفانزا أطراف شجاعته ،ليبدأ عملا مستقلا . وقد بدأ بدأ عمله المستقلّ برأس مال مقترض قدره خمسة وخمسوندولارا . لكنه اصبح يربح عشرين الف دولار فى العام ! ثم حلّت به نكبة . فقد أمدّصديقا له بمبلغ كبير من المال فما لبث صديقه أن أفلس !
وفى أعقاب هذهالكارثة حلّت كارثة أخرى . فقد أفلس بدوره المصرف الذى يودع فيه إيفانزا أموالهجميعا . وأصبح إيفانزا فإذا هو مفلس لا يملك مليما واحدا بل أصبح مدينا بمبلغ ستةعشر ألف دولار ، ولم تتحمل أعصابه ذلك كله ، قال لى :
"
لم استطع أن آكل أوأنام وانتابنى المرض .. المرض الذى جرّه علىّ القلق ولا شىء غير القلق وبينما أنااسير ذات يوم أدركنى الإعياء وتهاويت فى عرض الطريق وحملنى الناس إلى بيتى . ولمالبث حتى تفجر جسمى بثورا مؤلمة حتى أن مجرد الرقاد فى الفراش أصبح محنة شديدة ،وكان هزالى يزداد يوما بعد يوم ، وأخيرا أنهى إلىّ الطبيب أننى لنم أمكث حيا أكثرمن اسبوعين ّ وصدقت ذلك وكتبت وصيّتى ولبثت فى الفراش أنتظر النهاية المحتومة .
لم يعد يجدى إذ ذاك الخوف ولا القلق ، ومن ثم امتثلت للاقدار واسترخيتورحت فى نوم عميق . ولم يكن مجموع ما قطعته فى النوم خلال الاسابيع الماضية يزيدعلى ساعتين ! ولكنى وقد أوشكت مشكلتى أن تحل بالموت ، استغرقت فى النوم كالطفل ،وبدأت المتاعب التى كنت أحسها تختفى وعادت إلىّ شهيتى وازداد وزنى مرة أخرى لفرطدهشتى !!
ومرت أسابيع قليلة ، فاستطعت أن أمشى متوكئا على عصايتين ، ثم مرتستة اسابيع فاستطعت أن أعود مرّة أخرى إلى العمل ! وكنت قبل مرضى أربح عشرين ألفدولار فى السنة ، ولكنى اليوم قانع بعمل يدر علىّ ثلاثين دولار فى الاسبوع . ولقدوعيت الدرس الآن . فمحوت القلق من نفسى وركزت كل وقتى ونشاطى وحماستى فى عملىالجديد .
وقد تقدم إيفانزا فى عمله المتواضع ذلك . فلم تمض سنوات قلائل حتىأصبح مديرا للشركة التى يعمل بها .. شركة "إيفانزا للإنتاج" !
وعندما توفى عام 1945 ، كان يعد رجلا من اشد رجال الأعمال فى الولايات المتحدى نجاحا . وإذا قُدر لكأن تطير يوما فوق جرينلاند فقد تهبط فى "مطار إيفانزا" المطار الذى أطلق عليه اسمهتخليدا لذكراه .
وإليك مغزى هذه القصة :
لم يكنادوارد ايفانزا ليحرز النجاح الذى أحرزه فى ميدان الأعمال وفى الحياة عموما ، لو لميُقدر له أن يعيش فى حدود يومه ، وأن يمحو القلق على الناشى وعلى المستقبل .
منذ خمسة آلاف سنة قبل الميلاد ، قال الفيلسوف الإغريقى "هرقليط" :
كل شىء يتغير ، إلا قانون التغير .. إنكم لا تهبطون نهرابعينه مرتين فالنهر .. فالنهر يتغير كل ثانية ، وكذلك الرجل الذى يهبطه فالحياة فىتغير لا ينقطع ، والشىء الأكيد فى هذه الحياة هو اللحظة التى نعيش فيها ، فلماذانشوه جمال لحظتنا هذه ويومنا هذا ، بحمل هموم المستقبل الذى يخضع لقانون التغير؟
وفى هذا المعنى نفسه وضع الرومان الأقدمون مثلا من كلمتين(caros diem) "استمتع باليوم" أو "استمسك باليوم" .
وكانجون راسكن يضع على مكتبه قطعة من الحجر منقوش عليها كلمة واحدة هى "اليوم" وأنا لا أضع قطعة من الحجر على مكتبى وإنما ألصق على مرآتى قصاصة ورق مكتوبةعليها هذه القصيدة لكى أطالعها كل صباح .. قصيدة كان سير وليم أوسلر يحتفظ بها علىمكتبه ، وهى من نظم الكاتب الهندى الشهير "كاليداسا" :
تحية إلى الفجر
أنظر إلى هذا اليوم ..
إنه الحياة .. جوهر الحياة ..
فى ساعاته القليلة ..
تكمن حقيقة وجودك ..
معجزة النمو ..
ومجد العمل ..
وروعة الإنتاج ..
فالأمس ليس إلا حلما ..
والغد ليسإلا خيالا ..
أما اليوم إذا عشناه كما ينبغى ..
فإنه يحعل من الأمس حلماسعيدا ..
ويجعل من الغد خيالا حافلا بالأمل ..
هكذا ينبغى أن نحيى الفجر .....