عرض مشاركة واحدة
  #122  
قديم 03-03-2010, 07:33 PM
 
الجزء السادس عشر
"عودة"

فتحت ملاك عيناها فجأة.. وعادت لتسبل جفنيها عندما آذاها ضوء الشمس المنبعث من النافذة.. ولوهلة كانت ستنادي نادين لتعد لها الفطور.. ولكن ذكرى الامس مرت على ذهنها بسرعة خاطفة.. جعل ملامحها تتقلص.. وخفقات قلبها تتوتر. . اما حدث بالامس كان حلما؟؟..
كانت ستأكد لنفسها ذلك لولا ان فتحت عينيها واستغربت المكان التي هي فيه..وعقدت حاجبيها وهي ترى نفسها تنام في غرفة اشبه بغرف المستشفيات..ما الذي جاء بي الى هنا؟ ..
وبغتة عاد اليها صفاء ذهنها.. وتذكرت ما حدث.. تذكرت الامس.. تذكرت اصعب يوم مر عليها في حياتها.. هل كان يوما حقا؟.. خالته عاما.. دهرا..من المستحيل ان يكون ما مر عليها بالامس من احداث هي ساعات فحسب ..
عادت الدموع لتتجمع في عينيها من جديد.. الم تمل من البكاء؟ .. الى متى ستظل تبكي؟.. وهل ستعيد لنا الدموع من فقدناه يوما؟.. قلبها يبكي بدموع من دم.. وعيناها ذرفت بحورا من الدموع..وهي تحاول ابعاد ذكرى الامس عن ذهنها.. كلماته لا تزال عالقة في ذهنها.. وكأنه كان يشعر بأنه سيتركها وحيدة.. فقد وصى الجميع عليها..
آه يا ابي.. العالم كله لا يعوضني دقيقة واحدة اقضيها معك.. اين انت عني الآن ؟.. تركتني وحيدة اصارع العالم وحدي .. كيف لفتاة مثلي ان تواجه كل هذه الطعنات المتكررة من القدر؟.. يا رب.. ارحني من هذا العذاب.. واشفي ابي ..
(قد تجعلنا المصائب نبدوا في عمر اكبر من عمرنا الحقيقي) .. يبدوا وان هذه المقولة صحيحة.. اشعر بأني امرأة تجاوزت الثلاثين.. تحمل على كاهلها هموم الحياة ومصاعبها..اين انت يا ابي الآن؟.. اين انت؟..
عادت الدموع لتسيل على وجنتيها بصمت.. وراودها سؤال وهي في حالها تلك.. الا تجف الدموع ابدا؟.. لو كانت الدموع تجف.. لجفت دموعها منذ زمن.. تشعر بتقلصات في معدتها.. هل هو الخوف على ابيها ام هو القلق من المستقبل المجهول الذي ينتظرها؟..
تلفتت حولها بألم وشاهدت في تلك اللحظة فقط.. مها وهي تعقد ذراعيها امام صدرها وتجلس على مقعد مجاور لفراشها وتغط في نوم عميق..يبدوا وكأنها تشعر بالبرد.. منذ متى وهي هنا؟.. اخذت تراقبها للحظة.. ولكن انطلق رنين هاتف مها المحمول فجأة محطما سكون الغرفة.. ليجعلها تغمض عينيها لتتظاهر بالنوم.. ولتهرب من الواقع ايضا..
اما مها.. فقد انتفضت فجأة عندما انطلق صوت رنين هاتفها.. وجعلها تفتح عينيها بكسل.. وتبحث عنه في حقيبتها.. وهي تشعر بأن ظهرها يؤلمها بسبب نومها على المقعد.. لقد كان يفترض بها ان تبقى الى جوار ملاك.. فقد كانت حالتها لا تبشر بخير.. وحتى اذا استيقظت منتصف الليل فزعة على والدها.. تكون مها على الاقل الى جوارها.. ولكن عيناها خانتاها.. وتثاقل جفنيها لتغط في نوم عميق دون شعور.. لقد كانت ليلة ليلاء بالفعل بعد كل ما حدث لعمهم ولملاك..
اسرعت تلتقط هاتفها من حقيبتها .. وتجيبه بصوت هامس حتى لا توقظ ملاك من نومها كما تظن: من؟..
جاءها صوت حسام وهو يقول بدهشة: من؟.. اول مرة تجيبين علي بهذه الطريقة يا مها.. خلتك رأيت رقم هاتفي..
فركت مها عينيها بتعب وقالت: لقد كنت نائمة..
عقد حسام حاجبيه وتسائل قائلا: الى الآن؟.. حتى الجامعة لم تحضريها اليوم.. ماذا بك؟.. هل انت مريضة؟..
اسرعت مها تقول: لا لست مريضة.. ولكنها ظروف.. ظروف طارئة اجبرتني على التغيب هذا اليوم..
قال حسام متسائلا: اقلقتني يا مها.. ماذا حدث؟..
ترددت مها للحظة ومن ثم قالت وهي تتنهد: عمي خالد.. لقد اصيب بحادث هذا اليوم.. وسبب له غيبوبة مفاجأة..
وعلى الرغم من ان ملاك تدرك الواقع لم تحتمل سماع مثل هذه العبارات التي تذكرها بما اصاب ابيها.. مما جعلها تضع كفها على شفتيها لتمنع شهقة كادت ان تفلت من بين شفتيها.. واشاحت بوجهها بعيدا لتكمل نحيبها الصامت..
اما مها فقد شعرت بحركة ملاك.. ولكنها ظنت انها تتحرك اثناء نومها..وعلى الطرف الآخر قال حسام بصدمة: عمك خالد؟.. والد ملاك؟..
- اجل هو..
واردفت بمرارة: ومنذ ان علمت بالامر.. حتى اصابتها حالة هستيرية.. جعلها تملأ اروقة المشفى صراخا.. واضطرت الممرضات لاعطائها منوما.. تفاديا لأية مضاعفات..
عضت ملاك على شفتيها في تلك اللحظة.. وهل يكفي الصراخ ؟.. هل تكفي الدموع؟.. لأعبر عن مكانة ابي في قلبي..
قال حسام متسائلا: وكيف حالها الآن؟..
قالت مها وهي تتنهد: لا تزال نائمة.. لا اعلم ما الذي سيحدث ان استيقضت وادركت بما حدث؟..
التقطت ملاك انفاسها بصعوبة..نائمة؟؟.. النوم راحة يا مها .. ولست املك هذا الاخير ..وقال حسام في تلك اللحظة: اهتمي بنفسك جيدا يا مها.. وكذلك بملاك.. عند اول فرصة اجدها سآتي الى المشفى.. سلامتهم جميعا..
قالت مها بشحوب: لا داعي لأن تتعب نفسك .. جميعنا معها.. ابي الوحيد الذي غادر قبل قليل فقط لأن لديه عمل هام.. كمال ومازن هنا ايضا.. غادرا الى المنزل ليناما بضع ساعات وعادا من جديد..
قال حسام مشفقا: وانت؟..
رفعت حاجبيها وقالت بحيرة: ماذا بي؟..
قال حسام بصوت حاني: لم ترتاحي منذ الامس..
اسرعت مها تقول: لقد كنت نائمة مع ملاك..
- اين؟..
قالت بحيرة: على المقعد ..
قال حسام وهو يبلل شفتيه بطرف لسانه: ولم لا تعودين الى المنزل وترتاحي قليلا؟..
- وملاك؟.. من سيبقى معها؟..
عقد حسام حاجبيه وقال: الم تقولي ان كمال ومازن موجودين معها؟..
قالت مها مجيبة: بلى.. ولكنهم لن يستطيعوا التصرف مع ملاك .. مثل ما سأفعل.. فأنا فتاة مثل ملاك وافهمها جيدا..
قال حسام مداعبا فقط ليخرج مها من حالة الحزن الذي يسمعها في صوتها: تبدين لي احيانا فتاة طيبة..
قالت مها بضيق: حقا؟.. هل ابدوا لك شريرة الى هذه الدرجة؟ ..
- احيانا فقط..
ابتسمت مها ابتسامة شاحبة عندما علمت من نبرة صوته انه يمازحها ليس الا وقالت: حسنا اذا.. سأغلق الهاتف الآن حتى تعلم كم انا شريرة..
قال مبتسما: جيد انك اعلمتني.. وان كنت ستظلين في نظري مها الطيبة والرقيقة مهما فعلت..
قالت مها بارتباك: حسام.. هل لي بسؤال؟..
كادت ان تسأله عن سبب اختلاف تصرفاته معها في الآونة الاخيرة.. وسبب حديثه المهتم بها.. ولكن قدوم مازن المفاجئ الى الغرفة.. جعلها تشعر بالخجل من التحدث امامه.. وتقول بهدوء: سأتحدث اليك فيما بعد يا حسام.. الى اللقاء..
- كما تشائين.. واذهبي الى المنزل لترتاحي قليلا كما طلبت منك..مع السلامة..
اما مازن فقد قال ساخرا وهو يراها تعيد الهاتف الى حقيبتها: الا يمل من مغازلتك يوميا ؟..
قالت مها بحدة: حسام لا ينطق بكلمة غزل واحدة عكسك تماما .. فأنت الذي...
وضع كفه على شفتيها ليصمتها وقال بصوت خافت: اصمتي.. ملاك نائمة.. ستوقظينها بصراخك هذا..
وابعد كفه عن شفتيها وقال متسائلا: كيف حالها؟..
قالت مها وهي تزفر بحرارة: كما تراها.. لقد ظلت نائمة طوال الليل والى الآن.. وكأنها لا تريد ان تستيقظ وتدرك ما حدث..
اغمضت ملاك عينيها بقوة ..ادركته يا مها وانتهى الامر.. وقال مازن في تلك اللحظة: اخشى ان مكروها قد اصابها..
واسرع يقترب منها ويتطلع اليها.. لقد كان يبدوا له تنفسها طبيعيا تماما.. وان كانت الدموع لم تجف بعد من على وجنتيها ..وقال مستطردا: انها تتنفس.. ولكن لم هي نائمة الى الآن؟ ..
هزت مها رأسها وقالت : لست اعلم..
اسرع مازن يقول: سأنادي الطبيب.. لعله يعلم ما بها..
اسرع يبتعد عن فراش ملاك.. وهذه الاخيرة تتابع خطواته.. وقالت فجأة بصوت خافت جدا: لا داعي..
لم يسمعها مازن.. ولكن مها سمعتها.. وجعلها تقول متحدثة الى مازن: انتظر لحظة..
التفت لها مازن مستغربا.. ورآها تقترب من سرير ملاك وتقول وهي تتطلع اليها بابتسامة مرتبكة: ماذا قلت يا ملاك؟.. هل استيقظت ام انني اتوهم؟..
فتحت ملاك عينيها وادارتهما فيما حولها بلا شعور ومن ثم قالت بصوت خافت: قلت لا داعي..
ابتسمت مها ابتسامة واسعة وقالت وهي تحتضن كفها: حمدلله على سلامتك يا عزيزتي.. اخفتنا عليك كثيرا..
اسرع مازن يقترب بدوره منها ويقول مبتسما: ما هذا يا ملاك؟ .. اكل هذا نوم؟.. الم تنامي منذ اسبوع؟..
طالعته مها بنظرة.. بأن هذا ليس وقته.. ولكن ملاك لم تهتم باجابته.. واكتفت بأن تطلعت اليه ومن ثم انزلت عينيها بلا اهتمام..وارتفع حاجبا مازن بدهشة من نظرات ملاك نحوه.. فبعد ان كان يرى في عينيها اللهفة والخجل حين تراه.. يرى الآن اللامبالاة.. ربما مها معها حق.. ليس هذا وقت المزاح ابدا ..
فتح الباب في تلك اللحظة.. والتفت مازن الى القادم وقال مبتسما: اقترب يا كمال.. لتوها فقط قد نهضت..
اقترب كمال من فراش ملاك.. وتطلع اليها بنظرة غامضة ومن ثم قال بابتسامة: حمدلله على سلامتك يا ملاك..
لم تجبه ملاك وظلت صامتة.. تبادلوا جميعا نظرات الاستغراب فيما بينهم..ولكن مها ادركت ان الصدمة التي واجهتها بالامس اقوى من ان تجعلها تتقبل أي شيء بسهولة.. حتى الحديث مع الناس..
وقالت مها متحدثة وهي تحاول جذبها الى الحديث: اتريدين شيئا يا ملاك؟..
هزت ملاك رأسها نفيا بصمت.. وقالت مها مردفة: ما رأيك ان اعدل لك من وضع الفراش.. حتى ترتاحي في جلوسك؟..
لم تعلق ملاك ولو بحرف وظلت على وجومها ذاك.. وكل ما فعلته انها اخذت تداعب قلادتها.. وتعض على شفتيها بالم ومرارة وحزن عميق.. لا يزال ابيها يحتل القلب وسيظل ..وقال مازن وهو يبحث عن أي موضوع للحديث: لا بد انك جائعة.. سأذهب لأطلب من احدى الممرضات ان تحضر لك اشهى طعام بالمشفى بأكمله..
التفتت مها الى مازن وقالت بابتسامة شاحبة: لم اكن ادرك ان لديك وساطة قوية في المستشفيات ايضا..
غمز مازن بعينه وقال : ها انتذا علمت..
لديهم رغبة في الحديث.. في المزاح.. في الابتسام ..كيف؟ .. اخبروني بالله عليكم كيف؟ ..ربما لانكم لا تكننون لأبي سوى مشاعر قرابة.. وشعور بالواجب تجاهه.. لا تشعرون بكل هذا العذاب الذي اشعر به.. لا تشعرون بالآلام التي تجعلني اكره الحياة.. ذلك لانكم لم تعرفوه عن قرب كما عرفته.. لم تعيشوا معه.. لم تعرفوه الا منذ عشرة ايام تقريبا.. اما انا فأعرفه منذ ثمانية عشرة عاما.. لا تلوموني ان صمت.. وكرهت التحدث اليكم.. لا تلوموني ان آثرت الانطواء على نفسي.. فكل من بقي لي في هذا العالم هو ابي .. وابي قد تركني وحدي.. تركني اعاني كل هذا وحدي...
كانت عيناها الدامعتان تتطلعان الى مها.. وتحاولان ان تشرح لها كل ما يدور بخلدها.. فقالت مها وهي تربت على كتفها: لا عليك يا ملاك..افعلي ما شئت.. نحن نعلم جيدا انه والدك وتحبينه اكثر من العالم كله.. ونعلم ان الصدمة كانت قوية بالنسبة لك.. ولكن كل ما نطلبه منك هو الصبر والايمان.. لا تضعفي.. تمسكي بأمل ان ينهض والدك من غيبوبته يوما.. وعندها ستشعرين بالراحة قليلا.. بدلا من ان تعيشي في هذا العذاب..
عاد مازن في تلك اللحظة وهو يقول للمرضة: ضعي الطعام على الطاولة.. وصدقيني ستصلك الاطباق خالية بعد قليل.. فلا ريب ان ملاك ستلتهم كل شيء من شدة جوعها..
بل لا شيء!.. لا اريد شيئا.. من لديه رغبة في شرب كأس من الماء فحسب بعدما حصل..حركت مها الطاولة قليلا.. ووضعتها امام ملاك التي تطلعت الى الاطباق بلامبالاة.. ومن ثم اشاحت بوجهها بعيدا.. فقالت مها بحيرة: لم لا تأكلين؟.. انت لم تتناولي شيئا منذ الامس..
هزت ملاك رأسها نفيا وكأنها تعلن رفضها عن تناول أي شيء..فأردفت مها قائلة: لقد اخبرنا الاطباء بأنك بحاجة الى التغذية.. فجسمك ضعيف جدا..
وقالت الممرضة التي لم تغادر الغرفة بعد: يجب عليك ان تتناولي شيئا يا آنسة ملاك.. قهذا سيؤثر بالسلب على صحتك..
تطلعت لها ملاك بنظرة خاوية..ومن ثم عادت لتداعب قلادتها من جديد.. وقال مازن باصرار: تناولي شيئا يا ملاك.. لا تكوني عنيدة هكذا..
تطلعت له ملاك وقالت بحدة: لا اريد..
قال مازن وهو يبتسم بزاوية فمه: واخيرا تحدثت.. يالك من عنيدة.. ولكن مع هذا.. لن اتراجع عن ما قلته.. فستتناولين طعامك كله وذلك...
فجأة صرخت ملاك قائلة بانفعال وهي تزيح الاطباخ كلها من على الطاولة : لا اريد شيئا..لا اريد..
تحطمت الاطباق بدوي مزعج وتناثر الطعام والشراب على ارضية الغرفة..وتطلع الجميع الى الموقف مدهوشين.. ومها قد اتسعت عيناها وشهقت بقوة عندما رأت ما حدث.. فقد استغربت هذا التصرف العنيف من فتاة رقيقة كنسمة الهواء مثل ملاك..واردفت ملاك بانفعال اكبر: فقط دعوني وحدي .. اخرجوا جميعا.. اريد البقاء وحدي.. لا اريد احدا هنا.. اخرجوا.. لا اريد ان اراكم.. اريد ابي.. احضروا لي ابي.. اريد ان اراه.. اعيدوه الي..
اسرعت الممرضة تعد محقنا مهدئا في تلك اللحظة .. فقال مازن بسرعة: اياك وان تعطيها محقنا آخر من هذا المهدئ اللعين ..
قالت الممرضة وهي تشير الى ملاك التي تصرخ بقوة وتردد بأنها تريد ابيها: الا ترى حالتها؟.. قد تنهار في اية لحظة..
قال مازن بحدة وهو يبعد يد الممرضة الممسكة بالمحقن: والا تعرفين ايتها الممرضة التي تعملين هنا ربما لسنوات.. بأن اعتيادها على هذه المهدئات قد يجعل جسدها ينهار.. لا شأن لك انت.. انا سأتصرف..
قالت الممرضة بضيق: تصرف انت.. وانا اخلي مسؤوليتي ان اصابها شيء..
واسرعت تغادر الغرفة بحنق.. فابعد مازن مها المذهولة عن فراش ملاك وتقدم منها ليهتف بحدة: اصمتي يا ملاك.. قلت لك اصمتي ..لا داعي لكل هذا الصراخ..لتخبرينا بأنك تودين منا الخروج وتودين رؤية ابيك..
قالت ملاك وهي تهتف بحدة وانفعال: لماذا لا تزالون هنا اذا؟.. اخرجوا.. لا اريد ان ارى احد هنا.. غادروا حالا.. لا اريد رؤيتكم..
قالت مها في تلك اللحظة بخوف: لماذا جعلت الممرضة تنصرف يا مازن.. كيف سنتصرف نحن معها الآن؟..
التفت مازن الى مها وقال بحدة: اصمتي انت الاخرى ايضا..
وامسك بغتة بكتفي ملاك ليهزها بقوة ويهتف فيها قائلا: اهدئي يا ملاك.. وكفي عن صراخك.. سنفعل كل ما تريدينه فقط اهدئي..
عقد كمال ذراعيه امام صدره وقال ببرود: اتظن انك بهذه الطريقة ستهدئ من صراخها حقا؟..
تجاهله مازن وقال مواصلا وهو يخفف من نبرة صوته: اخبريني بما تريدين بهدوء.. وسنفعله في الحال..
توقفت ملاك عن هتافها المنفعل حقا.. واغرورقت عيناها بالدموع لتقول بصوت مختنق: اريد ابي.. اريد ان اراه..
قال مازن بابتسامة شاحبة: سآخذك اليه بنفسي ان اردت..
قالت ملاك غير مصدقة: حقا؟..
اومأ مازن برأسه وقال: اجل.. ولكن بشرط.. ان تتناولي من الطعام ولو القليل.. فأنت لم تتناولي شيئا منذ البارحة..
هزت ملاك رأسها نفيا وقالت: لا اريد..
ابتسم مازن وقال: عدنا للعناد مرة اخرى.. على الاقل اشربي العصير.. موافقة؟..
اومأت ملاك برأسها وهي تمسح دموعها .. فابتسم مازن وهو يترك كتفيها.. فقالت وهي ترفع رأسها له: وستأخذني الى ابي بعدها؟..
- اجل وخذيها وعدا مني..
والتفت الى مها ليقول مبتسما: اطلبي من أي من الممرضات احضار عصير البرتقال الطازج الى ملاك..
اومأت مها برأسها.. وهي في حيرة من امرها مما حدث.. لماذا تحدثت الى مازن بالذات بينما كانت تصمت عن الجميع؟.. لماذا هدأت عندما تحدث اليها مازن؟.. ألمازن كل هذا التأثير عليها؟.. لو كان كذلك.. فهي غارقة في حبه حتى اذنيها.. لم اتوقع يوما ان ملاك ستحب .. ومن ؟.. مازن.. صاحب التجارب العاطفية .. والذي لديه من بدل الفتاة مائة .. لا استطيع سوى ان اقول..اتمنى ان يكون الله في عونك يا ملاك .. ويجعلك يا مازن تقدر هذا الملاك الذي منحتك قلبها ...
وعلى الطرف الآخر عقد كمال حاجبيه بشك.. وهو غير مصدق ان مازن قد تمكن من امتصاص غضب وانفعال ملاك بهدوءه.. في حين التفت له مازن ورفع حاجبيه وشبح ابتسامة يتراقص على شفتيه.. وقال: ماذا كنت تقول قبل قليل؟..
طالعه كمال بنظرة ضيق.. لم يأبه بها مازن وهو يتحدث الى ملاك التي كانت تتطلع من النافذة بشرود: ملاك.. انت تعلمين انك ستعودين الى منزلنا بعد خروجك من هنا اليوم .. صحيح؟ ..
قالت ملاك وهي تلتفت اليه: سأخرج من هنا اليوم؟..
اومأ برأسه ايجابيا.. فأسرعت تقول برجاء: ولكن ليس قبل ان ارى ابي..
قال بابتسامة باهتة: لا تقلقي.. لن نغادر المكان قبل ان آخذك الى والدك.. لتريه وتتحدثي اليه..
قالت ملاك وغصة مرارة تملأ حلقها: وهل سيسمعني ان تحدثت؟ ..
قال مازن وهو يهز كتفيه: ربما من يدري..
واردف بهدوء: وغرفتك التي بمنزلنا لم يتغير فيها شيء.. وكأنك لم تغادريها.. وها انتذا ستشرفينا بجلوسك معنا من جديد..
صمتت ملاك ولم تعلق.. في حين احضرت مها في تلك اللحظة كأس من العصير.. وطبق من الفاكهة..لم تلمس ملاك منهم شيئا .. اللهم الا رشفة من العصير..وبعدها تطلعت ملاك الى مازن وفي عينيها رجاء له .. فقال مبتسما: حسنا.. حسنا.. كما وعدتك.. سآخذك الآن الى ابيك.. هل انت مستعدة؟..
اومأت ملاك برأسها في سرعة .. فقال مبتسما وهو يحرك مقعدها المتحرك من فراشها: اذا هيا.. اجلسي لآخذك اليه على الفور..
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
اغلق فؤاد الهاتف بحركة عصبية.. جعلت عادل يلتفت له ويقول بدهشة: ماذا بك؟..ماذا جرى؟..
قال فؤاد بحدة وعصبية: الاحمق.. الابله.. لم يخبرني بما حدث الا الآن..
ارتفع حاجبا عادل وقال بدهشة: من هو الاحمق؟..وما الذي حدث؟..
قال فؤاد وهو يلوح بكفه بعصبية: ذلك الذي استأجرته لمراقبة خالد.. اتصل الآن ليخبرني انه في اثناء ملاحقته له.. اصطدمت سيارة خالد بسيارة اخرى.. ونقل بعدها خالد الى المشفى ..
قال عادل بصدمة: ماذا تقول؟.. وماذا حدث لخالد بعد ذلك؟ ..
قال فؤاد بضيق: لقد اصيب بغيبوبة..
اتسعت عينا عادل وقال وهو غير مصدق: لابد وانك تمزح..
طالعه فؤاد بضيق ومن ثم قال: لا تقول انك متأثر بسبب ما حدث لخالد..
قال عادل وهو يزفر بحدة: انه شقيقي قبل كل شيء..
قال فؤاد يعصبية: واين كان شقيقك هذا عندما كتب شركته باسم ابنته واملاكه كلها لها؟.. لقد حرمنا من كل شيء بأنانيته.. ومنح ابنته كل شيء..هو لم يهتم بصلة القرابة التي بيننا .. فلم نهتم نحن؟..
واردف غير منتظر اجابة من عادل: وهذا الاحمق الذي استأجرته .. لم يخبرني بما حصل الا الآن.. ذلك لأن الوقت كان متأخرا بالامس عندما حدث الاصطدام وخشى ان يزعجني .. الاحمق..
قال عادل بهدوء: وماذا ستفعل الآن بعد ان اصبحت ملاك فريسة سهلة لك؟..
قال فؤاد بسخط: وماذا افعل بملاك الآن؟.. لقد كنت اريد استخدامها كوسيلة للضغط على خالد.. ولكن الآن خالد راح ضحية غيبوبة لا اعلم متى يستيقظ منها ولا يمكننا الانتظار حتى يستيقظ..
واردف وهو يكور قبضته بغضب: ثم ان ملاك بحكم القانون.. لديها الاهلية التي تخولها لأن تكون وصية عن نفسها .. وهذه هي المشكلة.. لقد اصبح كل شيء في يد ملاك وحدها ..
قال عادل بقلق: هذا يعني ان ملاك وحدها هي من تملك الحق الآن.. في ادارة كل شركات ابيها..واملاكه..
قال فؤاد بعصبية: اجل هذا صحيح.. يالسخرية القدر.. هذه العاجزة تكون مالكة لشركة وعمارتين.. ورصيد كبير في البنك..
قال عادل وهو يزفر بحرارة: اظن ان عليك ان تزيلها من ذهنك .. فلم يعد هناك حل يوصلك لاملاك خالد..
- انت تهذي.. لن اعدم الوسيلة حتى اجعل املاك خالد بين ايدينا..وسأجد هذا الحل قريبا.. فقط انتظر وسترى بنفسك...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
مثل ما دخلتها اول مرة.. شاحبة .. صامتة..بنظرة الحزن التي تملأ عينيها.. والالم والخوف يعتصران قلبها.. وان اختلف شيء فهو انها تعرف وضع ابيها هذه المرة..
ورفعت عيناها لما حولها.. حتى الغرفة لم يتغير فيها شيء ..الضوء الخافت وصوت جهاز ضربات القلب يتكرر بانتظام..وجسد والدها الممدد على الفراش.. والضماد الذي يلف رأسه.. لم يختلف شيء في الغرفة سوى ان المغذيات والاجهزة قد زادعددها..
والتفتت الى مازن الذي يدفع مقعدها وقالت بصوت متقطع: اتظن انه.. سينهض؟..
قال مازن وهو يبتسم لها ليطمئنها: اجل اظن ذلك.. فقط لا تفقدي الامل..وادعي له دائما بأن يشفى ويعود اليك من جديد..
اومأت ملاك برأسها وقالت بشحوب: وهذا ما افعله..
وعادت لتلتفت الى جسد والدها .. والتقطت كفه بيدها لتقول وهي تحاول منع دموعها من ان تسيل على وجنتيها: ابي.. لا اعلم ان كنت تسمعني ام لا.. المهم انني اريد ان اتحدث اليك .. لقد طلبت مني ان اعود الى منزل عمي وسأفعل بناء على رغبتك.. وانت ايضا..سأطلب منك طلبا واتمنى ان تفعله.. كما كنت تفعل دوما.. فلأجلي كنت تنفذ كل ما اطلبه منك..
ابتعد مازن في تلك اللحظة ليترك الحرية لملاك لتتحدث كما تشاء وجلس في ركن من الغرفة.. في حين اردفت ملاك قائلة ودموعها قد عادت لتتساقط: ارجوك يا ابي قاوم ما انت فيه وعد الي.. احتاج اليك.. اكثر من أي شخص آخر.. لا احتمل فكرة ابتعادك عني.. لا احتمل ان ارااك صامتا هكذا.. لأجلي انهض.. وعد الي من جديد..
قبلت كفه وتنهدت بمرارة.. واخذت تمسح دموعها.. وفوجئت بمازن يقول وهو يمد لها يده بمنديل: خذي امسحي دموعك..
ارتفع حاجبا ملاك بدهشة.. لكنها ما لبثت ان اخذت منه المنديل وقالت بصوت باكي: اشكرك..
قال مازن متسائلا: والآن هل نذهب؟..
القت ملاك نظرة اخيرة على والدها ومن ثم قالت متحدثة الى هذا الاخير: سأعود مرة اخرى يا ابي.. سآتي لزيارتك كل يوم تقريبا.. انتظرني..
قالتها وتركت كفه.. فادار مازن مقعد ملاك ليخرج خارج الغرفة.. والتفتت ملاك مرة اخرى على الرغم منها وهي تتطلع الى جسد اباها الذي اخذ يبتعد تدريجيا.. او بمعنى اصح هي التي كانت تبتعد ..وغادرت في تلك اللحظة الغرفة.. فقالت مها التي كانت تنتظرها بالخارج: اتعلمين يا ملاك كم انا سعيدة لانك ستعودين للعيش معنا..
رفعت ملاك عينيها لمها وكادت ان تهم بقول شيء ما لكنها آثرت الصمت.. لا تريد ان تقول انها ليست سعيدة.. لان السبب الذي اعادها الى منزل عمها يبكيها بدموع من دم ..ووجدت نفسها تهبط معهم بالمصعد الى الطابق الارضي ومن ثم يغادرون المشفى متجهين الى المواقف.. وبعدها انطلقت سيارة مازن بملاك ومها.. اما كمال فقد غادر قبلهم بسيارته ..
وقال مازن وهو يتطلع الى الطريق الممتد امامه: مها اتصلي بنادين واطلبي منها ان تعد جميع حاجيات ملاك.. حتى اذهب الى منزل عمي ليلا واحضر لملاك حاجياتها..
اومأت مها برأسها ايجابيا في حين قال مازن متحدثا الى ملاك: اتريدين أي شيء آخر يا ملاك؟..
قالت ملاك بصوت خافت:احضر نادين معك ان استطعت.. ارغب في وجودها معي..
قال مازن بابتسامة: لا عليك.. من اجلك سأستطيع..
قالت مها متسائلة: وماذا عن الخدم الموجودين بمنزل عمي؟..
قال مازن بهدوء: سأمنحم اجازة مفتوحة.. حتى يتعافىعمي ..
اتصلت مها في تلك اللحظة كما طلب منها مازن بنادين.. واخبرتها بأن تعد جميع حاجيات ملاك.. وكذلك تحضر معها أي اشياء ثمينة تخص عمها خالد كذلك..وعندما سألت نادين عن اخبار سيدها..اخبرتها مها بكلمات مقتضبة بما حصل لهذا الاخير..واخيرا طلبت منها ان لا يعلم احد سواها بما حدث من الخدم..وانهت الاتصال بها ..
والتفتت لمازن لتقول وهي تمط شفتيها: هاقد فعلت.. أي اوامر اخرى.. سيد مازن؟..
التفت لها مازن وقال مبتسما: لا..لو احتجت الى أي شيء آخر سأخبرك..
تطلعت له مها بضيق.. في حين تطلع مازن الى ملاك من مرآة السيارة وقال متسائلا: هه.. ماذا تريدين ان تتناولي على طعام العشاء هذا اليوم؟.. نحن الآن مسئولون عنك.. ويجب ان نهتم بغذائك بدلا من الاطباء والممرضات..
قالت ملاك بصوت خافت: لا شيء..
هز مازن كتفيه وقال: كما تريدين.. ولكن غدا لن آخذك الى المشفى..
هتفت ملاك باستنكار: انت تمزح..
قال في سرعة: ابدا لست كذلك.. ان رفضت تناول طعامك .. سأرفض انا ايضا ان آخذك لتري والدك..
قالت ملاك وهي تلتفت الى مها بتردد: وماذا عن سائقكم يا مها.. سيرفض هو ايضا اخذي لأرى ابي..
قالت مها وابتسامة تتراقص على شفتيها: انا مع مازن.. لن اوافق ان تذهبي الى أي مكان.. قبل ان تتناولي طعامك.. جسدك ضعيف جدا.. وبحاجة ماسة الى الغذاء..
آثرت ملاك الصمت.. من اين تأتيها الرغبة لتناول شيء؟.. كيف تمتلك الشهية لتناول طعامها ووالدها ممدد على فراش بالمشفى؟ .. لا تعلم ان كان يشعر بما حوله وهو في الغيبوبة ام لا ..ولكن عليها ان تتحامل على نفسها قليلا لترى والدها .. قد يمنعها مازن حقا من الذهاب ان لم تتناول أي شيء كما قال! ..
اما مها فقد التفتت لملاك وقالت متحدثة الى نفسها: ( احقا انت قلقة يا ملاك؟.. وصدقت ما قاله مازن بهذه السرعة.. انها ليست سوى وسيلة لاجبارك على تناول طعامك.. هل اقول انها براءة منك ان تصدقي ما يقال لك بهذه البساطة؟..ربما يصفونك بالسذاجة.. ولكني حقا لا اراك سوى صورة مجسدة للشفافية والبراءة.. تقولين كل ما بداخلك دون حواجز.. بعكسنا جميعا.. وتعتبرين جميع الناس من حولك مثلك.. الصدق والطيبة وحب الخير والناس هي صفاتهم..)
توقفت السيارة بعدها امام منزل امجد.. وابتسم مازن وهو يوقفها ويهبط منها ..ومن ثم يفتح صندوق السيارة ليخرج مقعد ملاك..ويضعه امام الباب المجاور لها.. وقال وهو يفرده ويساعدها على الجلوس عليه: مرحبا بك من جديد في منزلنا المتواضع..
تطلعت ملاك الى المنزل.. تذكرت اول مرة جاءت فيها الى هنا ..كانت مع ابيها يومها .. انبهرت يومها بالمنزل الذي يشبه القصور حسب قولها.. واليوم ها هي ذي تعود اليه.. ولكن ليس برغبتها بل بطلب من ابيها قبل ان يحدث له ما حدث.. وها هو ذا المشهد يتكرر امام عينيها وهي تدخل الى المنزل.. ولكن هذه المرة لن تستطيع ان تسمع صوت ابيها حتى ..فسيغيب هذه المرة ايضا ولكن لفترة طويلة .. طويلة جدا .. تاركا ملاك بمصير مجهول بعد عودتها هذه...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
__________________
سبحان الله العظيم
سبحان الله وبحمده


فاضي دقيقتين؟
ادخل هنا
وشاركنا
هنا
مشاركة في دورة عيون العرب لتعليم الفوتوشوب خطوة بخطوة 2


يا كاشفني
ღ. ŚḿĨŁę ğĩŕĻ .ღ.