الموضوع: مُغالطات
عرض مشاركة واحدة
  #18  
قديم 10-20-2010, 02:11 PM
 
..


المغالطة الثانية


"في فهم حديث افتراق الأمة "


سأذكر أولا لفظ الحديث على عدة روايات .. وأذكر طرفا من درجة إسناده .. ثم أقوال العلماء فيه وما اتفقوا عليه وما اختلفوا فيه وبالله المستعان :
1-عن أبي عامر الهوزني عن معاوية بن أبي سفيان أنه قام فينا فقال : ألا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام فينا فقال ألا إن من قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على ثنتين وسبعين ملة وإن هذه الملة ستفترق على ثلاث وسبعين ثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة وهي الجماعة " . رواه أحمد وأبو داود .

2- وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" تفرقت اليهود على احدى وسبعين فرقة وتفرقت النصارى على إحدى او ثنتين وسبعين فرقة وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة "

3-وعن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" إن اهل الكتاب افترقوا في دينهم على اثنتين وسبعين ملة وإن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين ملة كلها في النار إلا واحدة وهي الجماعة "

*روي حديث الافتراق عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من طريق جماعة من الصحابة باسانيد متفاوتة في الدرجة وأحسنها عند النقاد حديث ابي هريرة (حيث لم يرد فيه الزيادة التي وردت في حديث ومعاوية بن ابي سفيان وأنس بن مالك )
وروي عن عبد الله بن عمرو بن العاص وفي حديثه قالوا ومن هي يارسول الله ؟ قال : ما أنا عليه وأصحابي .

·اختلف أهل الحديث في أسانيد هذه الاحاديث فذهبت طائفة الى تصحيحه .. و ذهبت طائفة اخرى الى تصحيح بعض طرقه .. وأخرى الى تحسينها ورابعة الى تضعيفها جميعا ضعفا لا يقوم معه حديث ..!

·وممن ذهب الى تقوية الحديث الترمذي والحاكم وابن تيمية والذهبي والشاطبي والعراقي والبوصيري وابن حجر وغيرهم

·وذهب ابن حزم الى رد الرواية التي تفسر من هي الفرقة الناجية وتابعه بذلك ايضا ابن الوزير اليماني حيث قال :" ايااك والاغترار ب"كلها هالكة الا واحدة " فانها زيادة فاسدة غير صحيحة على القاعدة لا يؤمن أن تكون من دسيس الملاحدة " وعن ابن حزم انها موضوعة ..!!
وكذلك قال الامام الشوكاني في تفسيره حيث قال ان جماعة المحدثين قد ضعفوها ..!

·وحاصل القول : أن الحديث ثابت من جهة الرواية وبقي استشكال متنه وهنا وقع الخلاف ..

· والاستشكال في هذا الحديث منحصر عند منتقديه في قضيتين :
1-استحقاق جميع الفرق للنار الا واحدة
2-زيادة هذه الامة في افتراقها على اليهود والنصارى من حيث العدد

·والفرقة عند اهل اللغة تطلق على الطائفة من الناس قلَّت أو كثرت فلا تعني كثرة عدد الفرق كثرة افرادها ..

·و لفظ " الأمة " في الحديث المقصود به " أمة الإجابة "اختلافها لا يؤدي بها إلى الخلود في النار ، بل استحقاق العذاب ، ولا يعني أنها مرحومة أنها لن تعذب ، بل لن تخلد . وهم مُدركون : برحمة الله تعالى ، وبشفاعة نبيها ، وشفاعة الصالحين .

·إن نجاة الفرقة الناجية لا يلزم منه عدم تعذيبها ، فهم نجوا بعقائدهم ، لكنهم سيحاسبون على أعمالهم ، والمخالف منهم والعاصي مستحق للعذاب .

·معنى قوله صلى الله عليه وسلم " كلها في النار " لا يعني الخلود فيها ، بل هو التوعد بالعذاب ، والحكم بالضلال .

·إن الفرقة الناجية نجت من البدع والضلال والانحراف في الدنيا ، وهي ناجية من عذاب الله تعالى في الآخرة بهذا الاعتقاد ، ولا يعني هذا نجاتها مطلقاً ، فهم معرضون للعذاب بسبب تركهم للواجبات وفعلهم للمحرمات .

·قال ابن تيمية :
وأما تعيين هذه الفرق فقد صنف الناس فيهم مصنفات وذكروهم في كتب المقالات ، لكن الجزم بأن هذه الفرقة الموصوفة هي إحدى الثنتين والسبعين لا بد له من دليل ، فإن الله حرم القول بلا علم عموما وحرم القول عليه بلا علم خصوصا، فقال تعالى : { قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون } ، وقال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا كلوا مما في الأرض حلالا طيبا ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون} ، وقال تعالى : { ولا تقف ما ليس لك به علم } .

·فلا يجوز ادعاء فِرقة أنها هي الناجية حتى يوافق مخبرها مظهرها ، وحتى تكون حقائقها كادعاءاتها ، وليس لأحد أن ينصِّب شيخاً ويجعل من يحبه ويواليه هو من الفرقة الناجية ، ومن خالفه كان من الهالكين ، بل الصحيح أن من زعم هذا وادعاه فهو الضال ، وهو من أهل البدع والتفرق !!
قال شيخ الإسلام ابن تيمية :
فمن جعل شخصاً من الأشخاص - غير رسول الله - مَن أحبه ووافقه كان من أهل السنة والجماعة ، ومن خالفه كان من أهل البدعة والفرقة - كما يوجد ذلك في الطوائف من اتباع أئمة في الكلام في الدين وغير ذلك - كان من أهل البدع والضلال والتفرق .
فلا يجوز ادِّعاء بعض الفِرق بل الجماعات الإسلامية أن دعوتهم مثل " الثلاجة " ! من خرج منها فسد ! ، وآخرون يزعمون أنهم " جماعة المسلمين " ، وآخرون يزعمون أنهم هم " الفِرقة الناجية " دون غيرهم ، وهذا ليس بمقبولٍ من كل زاعم ، وخاصة إذا أنكر على غيره هذا الادِّعاء ، فمن أين له أنه يجوز له ما لا يجوز لغيره ؟ .

·إن أولى الناس بأن يكون من الفرقة الناجية هو من ليس متبوع يتعصب له إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإن أهل الحديث والسنة هم أولى الناس بهذا ؛ لأنهم أعلم الناس باعتقاده وهديه وسنته ، ويميزون بين صحيح السنة وضعيفها .

·وأهل السنة والجماعة – الفرقة الناجية – لو سالتهم متى بدأوا لأجابوك بأنهم بدأنا من بعثة النبي صلى الله عليه وسلم ، ورأسهم هو النبي صلى الله عليه وسلم نفسه ، لا أحمد ولا ابن تيمية ولا محمد بن عبد الوهاب ولا الألباني ولا ابن باز .!!
فإذا دعي يوم القيامة الناس بإمامهم فإن كل فرقة وجماعة يكون لهم رأس يقودهم إلا الفرقة الناجية فإن إمامهم النبي صلى الله عليه وسلم ، ويكفيهم هذا فخراً وشرفاً .

·و لا يهمنا الاشتغال ببيان عدد وأوصاف الفرقة الهالكة وبيان أسمائها ، فلم يبيِّن لنا صلى الله عليه وسلم إلا بعضها كالمرجئة ! والقدرية وهم مجوس هذه الأمة ، والخوارج وهم أصحاب التكفير وحمل السلاح على المسلمين .ويكفينا أننا نعلم وصف الفرقة الناجية واعتقادها ، وهو الذي بيَّنه صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي نحن بصدد بيانه وشرحه ، فطرق الضلال لا حد لها ولا عد ، وهذا بخلاف الفرقة الناجية التي ترك لنا النبي صلى الله عليه وسلم هديها وعقائدها بيضاء نقية .

·ثم أن الفرق التي ذكر عددها النبي صلى الله عليه وسلم ليست خارجة من الإسلام ، بل هي ضالة منحرفة ، وأنه قد أخطأ من جعلها خالدة في النار كما أخطأ من لم يرهم متوعدين بالعذاب ، وأن الصواب أنهم متوعدون غير خالدين ، وسأذكر عن شيخ الإسلام رحمه الله وعن الذهبي ما يؤيد هذا .
قال شيخ الإسلام :
فمن كفَّر الثنتين والسبعين فِرقة كلَّهم : فقد خالف الكتاب والسنَّة وإجماع الصحابة والتابعين لهم بإحسان ... وليس قوله " ثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة " بأعظم من قوله تعالى { إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا } ، وقوله { ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوق نصليه نارا وكان ذلك على الله يسيرا } ، وأمثال ذلك من النصوص الصريحة بدخول من فعل ذلك النار .

·وأخيرا أنقل كلاما للشيخ ابن باز رحمه الله تعالى
أ‌.سئل الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله - :
إذاً يا شيخنا الكريم ، الذي يقول : بأن هذه الجماعات الإسلامية من الفرق التي تدعو إلى جهنم والتي أمر النبي باعتزالها فهمه على كلامكم غير صحيح؟
أجاب :
الذي يدعو إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ليس من الفرق الضالة ، بل هو من الفرق الناجية المذكورة في قوله صلى الله عليه وسلم : " افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة وافترقت النصارى على اثنين وسبعين فرقة وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة قيل ومن هي يا رسول الله؟ قال من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي " وفي لفظ : " هي الجماعة " .


والمعنى : أن الفرقة الناجية : هي الجماعة المستقيمة على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم . من توحيد الله ، وطاعة أوامره وترك نواهيه ، والاستقامة على ذلك قولا وعملا وعقيدة ، هم أهل الحق وهم دعاة الهدى ولو تفرقوا في البلاد ، يكون منهم في الجزيرة العربية ، ويكون منهم في الشام ، ويكون منهم في أمريكا ، ويكون منهم في مصر ، ويكون منهم في دول أفريقيا ، ويكون منهم في آسيا ، فهم جماعات كثيرة يعرفون بعقيدتهم وأعمالهم ، فإذا كانوا على طريقة التوحيد والإيمان بالله ورسوله ، والاستقامة على دين الله الذي جاء به الكتاب وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فهم أهل السنة والجماعة وإن كانوا في جهات كثيرة ، ولكن في آخر الزمان يقلون جدا .


" مجموع الفتاوى " ( 8 / 181 – 183 ) .


والحمد لله رب العالمين


~


استعنت في كتابة هذه المحاضرة بكتاب الصنعاني " حديث افتراق الأمة " وتحقيقه للشيخ سعد السعدان ،


ومن كتاب الشيخ ناصرالدين الألباني :


العقل في " الافتراق "
__________________
..

المغالطة الرابعة
في فهم قوله تعالى :"إن الله لا يغير مابقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم "

المحاضرة العشرون

..
رد مع اقتباس