عرض مشاركة واحدة
  #26  
قديم 07-14-2011, 03:40 PM
 
الجـزء الخـامس [ وجهه الآخر ]

دخلتُ إلى المطبخ لأتكئ بيدي على الطاولة ، شعرتُ بالمرارة لتجاهل واتسون لي ، لكنه سابقاً عندما نهضتُ من مكاني شعرتُ به يحدق بي بقوة ، لماذا يا ترى ؟ ، شربتُ كوباً من الماء لأسيطر على غضبي وأخذت أتنفس بعمق ، حيث كان صدري يعلو ويهبط ببطء شديد ، تركتُ الكوب جانباً واتجهت لأعداد العصير إلى ضيفنا العزيز ، وضعتُ كوب العصير على صينية صغيرة ، ثم حملتها لأتجه لباب المطبخ ، و أتجاوزه ذاهبةً إلى غرفة الجلوس ، و أنا أرسم أكبر ابتسامة زائفة على وجهي ، رأيتُ كل من أليسون و واتسـون مندمجان في الحديث ، لكن دخولي جعلهما يتوقفان عن الحديث ليلتفتان إلي ويحدقان بي و أنا أمشي باتجاه الطاولة التي تقع أمام واتسون ، ثم أهم بوضع الصينية عليها لأجلس على مقربة من واتسون هذه المرة ، لا أعلم لماذا لكنني شعرتُ برغبة في الجلوس بقربه ، بدأت أنا بالحديث ، فقد شعرتُ بأن هذا العشاء فرصة جيده لأجبر واتسون على الحديث عن نفسه ، فهو لن يستطيع أن يمانع و أليسون معنا ، قلتُ :
- حسناً يا سيـد واتسـون ، هل تعيش في نيويورك أم انك هنا للسياحة؟ ، فمظهرك لا يدل على أنك من أهل نيويورك كما أن لكنتك الانكليزية غريبة .
يبدو أن واتسـون قد انزعج من سؤالي ، لأنني رأيت حاجبيه يقطبان بانزعاج ، و ربما أدرك إنني أحاول إجباره على الحديث ، لكن سرعان ما تغيرت ملامح الانزعاج إلى سرور لم أعرف من أين أتى ، و قال لي وهو يضع كوبه على الطاولة بعد أن أرتشف القليل منه :
- هذا صحيح، آنسة تدسون، أنا لستُ من نيويورك، ولستُ من أي مكان آخر في هذا العالم، لكنني أعيش هنا.
ابتسمت أليسون لتقول بمرح :
- إذاً أنت لا تحب أن تنتمي إلى أي بلد، أو ربما لا تحب الحديث عن بلدك !
أجابها واتسون :
- شيءٌ من هذا القبيل.
فكرتُ في كلامه، ماذا يعني بأنه ليس من أي مكان آخر في هذا العالم ؟ إذا من أين أتى ؟ من المريخ مثلاً ؟ ، ابتسمت بسخرية على هذا الاحتمال بينما سألته أليسون :
- إذا ماذا تعمل ؟ لديك عمل صحيح ؟
- اجل، هذا صحيح، أنني اعمل في إحدى الشركات، و قريباً سوف أصبح رئيسها.
سألته باستغراب :
- ماذا يعني هذا ؟
أجابني بهدوء:
- صاحب الشركة هو والدي، لذلك سوف أخذ محله عندما أتقن العمل أكثر.
شعرت برغبة عارمة في أن اعرف عن واتسون أكثر وعن عائلته فسألته :
- والدك ؟ والدكَ الحقيقي ؟
نفى كلامي بقوله :
- كلا، ليس والدي الحقيقي، لقد تبناني منذ كنتُ صغيراً .
شعرت بأنني أصبحت أميل لواتسون قليلاً عندما لمحت مسحة حزن في عينيه فسألته بتعاطف:
- إذاً أنتَ لا تعرف من هما والديك الحقيقيين ؟
أجابني بهدوء بعد أن اخفي الحزن في عينيه ببراعة:
- بلى، أنا اعرفهما.
- هما ميتان إذاً ؟
- كلا ، أنهما على قيد الحياة .
سألتهُ بسرعة و بدون انتباه بصوت شابه العصبية:
- ما قصتك إذاً ؟
انتبهت إلى كلماتي أخيراً ، لكن حدث ما حدث و لا مجال لإرجاع الجملة إلى فمي وخاصةً بعد أن رأيتُ كل من واتسون و أليسون يحدقان بي باستغراب ، شعرتُ بالإحراج في هذه اللحظة لكن رؤية واتسون وهو يبتسم لي جعلني اشعر بالراحة قليلاً ، قال لي :
- لم أكن أحب والديَ الحقيقيين كثيراً وهما كذلك لذلك تبناني السيد فوستر .
صحتُ بسرعة وبعدم تصديق :
- السيد فوستر ؟ جاري الذي توفي ؟
نظر إلي واتسون ليقول بهدوء :
- لم يمت ، ما زال حياً .
اندهشتُ لدرجة كبيرة، فكيف يعيش و منزله احترق ؟ وتلك الجثث لمن ؟
سألته :
- ماذا ؟ ماذا تقول ؟ تلك الجثث لمن إذاً ؟
- جاء في ذلك الوقت زوار لأبي ، وتلك الجثث تعود لهم ، أبي استطاع الخروج من المنزل عندما حدث الحريق ، لكنهم لم يستطيعوا .
تذكرتُ شيئاً ما ، قولاً قاله لي واتسون في ذاك الوقت لي ، ألم يقل لي ؟ (اعلم انه كان طيباً معك لكن كل إنسان وله وقته ) لكن عندما قالها كان شديد الهدوء والبرودة، ألا يعني له أبيه شيئاً ما ؟ ........ أم انه كان يعرف إن والده حي ؟ لكن .... في هذه الحالة لماذا قال لي كل إنسان وله وقته ، نظرت إلى واتسون باستغراب ، فكل عمل يقوم به يجعلني أشعر بالغرابة نحوه أكثر فأكثر ، لكن و رغم كل شيء ، كانت فرحتي كبيرة جداً لمعرفة إن السيد فوستر ما زال على قيد الحياة فأنرسمت على
__________________
رد مع اقتباس