عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 11-27-2012, 11:27 PM
 
[ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:100%;background-image:url('http://www3.0zz0.com/2012/11/23/12/623944006.jpg');border:7px double royalblue;"][CELL="filter:;"]






كسحابة صيف عابرة .. مرت تلك الصور سريعاً على ذاكرته منعكسة على زحجاج النافذة التي ملئتها قطرات الماء الكثيفة .. وغشاها الضباب ليخفي ماخلفها .

" سوف نلتقي مجدداً يوماً ما "

كلمات تردد صداها في لبه ليطلق بعدها تنهيدة مثقلة بالهموم ..

بينما يسند رأسه على النافذة .


ابتعد قليلاً ليرخى ظهره على المقعد بينما صوت القطار المنطلق بسرعة يسرقه من محاولاته اليائسة للنوم ...

ظل على تلك الحال وهو ينظر لساعته بين الحين والآخر ..

حتى سمع أخيراً صافرة القطار منبأة بوصولهم للمحطة الأخيرة ..


رمق الركاب بنظرة هادئة خالية من التعابير ..

بينما يتهافت كل واحدٍ منهم ليخرج من القطار حاملاً أمتعته ..

واذا بتلك الطفلة ذات العينان العسليتان والشعر الكستنائي الحريري تسرع نحوه

لتقول ببراءة بينما شالها يحيط بعنقها كما اللثام :


وصلنا سيدريك بابا يقول اسرع لتساعده على حمل الأمتعة ..

أجابها بتململ بينما ينهض وهو يرتدي قبعته :

حسناً أخبريه أني قادم ..

بدأ باخراج امتعته بينما أسرعت الطفلة نحو والديها ..

نظر للنافذة ليمسح على شكل دائرة جزء منها بكم قميصه

حتى انجلت بعض الغشاوة من عليها ليترائى لناظريه والداه وشقيقته الصغيرة

تتحدث معهما في الخارج ..


أعاد بصره لأمتعته ليحملها من جديد ويهم بالمغادرة

لولا ان شاهد رفيق رحلته العجوز غارقاً في النوم وقد تدلى عنقه ..

اقترب منه ليقول له بينما يوقظه بلطف :


لقد وصلنا ياعم ..

فتح العجوز عيناه ليقول بصوته الناعس : ماذا تريد أيها الطفل المزعج ؟

نزل سيدريك مع العجوز من القطار حاملاً معه أمتعة كليهما

بعد ان فهم العجوز مايقوله بشأن وصولهما بصعوبة لضعفٍ في سمعه ..

ساعده على الخروج ليودعه بعدها بابتسامة شفافة لطيفة ..

وعاد لعائلته التي كانت تنتظره أمام المقاعد الخاصة بالانتظار ..


كان الجو شديد البرودة والضباب يملأ الأرجاء ..

ضم نفسه ليحاول بث بعض الدفء بجسده البارد بينما يتأمل المكان ..

جلس ينتظر معهم بصمت حتى جائت السيارة التي ستقلهم الى المنزل ..

توجهوا جميعاً الى هناك ليركبوها بينما الطفلة لاتنفك عن الثرثرة والتساؤلات البريئة ..

وسيدريك كما كان لايزال بصمته ..


قطع تلك الأجواء صوت الأم وهي تصرخ :

لقد سقط مني عقدي الذهبي !!

أجابه زوجها بغضب عارم : وكيف تنسين امراً كهذا ..

آه كم انكن جالباتٍ للمتاعب ايتها النسوة .. سيدريك اذهب واحضره بسرعة ..


نظر له سيدريك هنيهة وكان يهم بتناول شطيرة ساخنة ..

تركها ماان سمع ماقال والده ليسير عائداً للمحطة بصمت ..


بدأ بحثه بمقاعد الانتظار حيث كانوا ..

واذا بصوت ضعيف ممتزج بصوت عجلات القطار على سكة الحديد ..

بدا ذلك الصوت كما لو كان يناديه ..

التفت نحو القطار بحيرة ليطلق لساقيه العنان لتنطلق نحو مصدر الصوت ..


توقف أمام القطار محاولاً النظر الى ماخلفه دون ان يتمكن من رؤية شيء ..

واذا بالقطار يبتعد شيئاً فشيئاً ليكشف عما خلفه ..

وهنا حدث مالم يتوقعه أبداً ...


في لحظات فقط ترائت أمامه صور سريعة لشابين يقفان على الجسر ..

وكل منهما يمسك بحبل طائرته الورقية جاعلاً اياها تتراقص مع نسمات الهواء

لتعلو و تعلو .. وكلما ازداد علوها كلما ازدادت ابتسامته اشراقاً ...


فترة قصيرة سبقت هلع احدهما حينما تسلل الحبل من بين أصابعه لتحلق طائرته بعيداً

..بينما صرخ بفزع:


طائرتي .. سيدريك انظر لقد فقدت طائرتي .. !!

نظر له الأخير مواسياً ليسرع بعزم محاولاً التقاطها يتبعه رفيقه ..

لكن أنّا لهما ذلك فهاهي قد ابتعدت اكثر لتسقط في النهر وتنجرف مع المياه الباردة

نحو الشلال ..


توقف كل منهما حائراً .. والكآبة تعلو وجهيهما ..

حتى خطرت لسيدريك فكرة جعلته يبتسم بمرح ليطلق هو الآخر طائرته

ويأذن لها باللحاق برفيقتها ..


رمقه صديقه بدهشة وحيرة : لما فعلت هذا سيدي ؟!!

أجابه بابتسامة جميلة محبة : هكذا لن تظل طائرتك وحيدة ..

وبامكان كلينا الاستمتاع بشيء آخر .. أليس كذلك فيليب ؟


ابتسم الأخير بامتنان وسعادة ليعانق رفيقه بمرح ..

- كفى كفى أعلم كم تحبني لكنك تخنقني هكذا ..

- وهذا هو المطلوب ..

تعالت ضحكاتهما البريئة السعيدة بينما كلٌ منهما يشاكس الآخر ..

هبت الرياح الباردة مطلقة العنان لصقيعها بأن يسكن القلوب ..

وقد ألقت بقبعته بعيداً وحركت خصلات شعره البني لتمتزج بتلك الذرات الثلجية الباردة ..

بينما تربع السحاب في عينيه مشكلاً ذلك اللون المزدوج الجميل المميز ..

وقد ارتسمت وسطهما صورة الشخص الذي وقف أمامه ...

بعد كل تلك السنين .. هاقد تحقق وعدهما .. هذا ماهمس به لنفسه ..

بينما صور ذكريات أخرى ترتسم أمامه ..


- سيدريك .. أسترحل حقاً وتتركني بمفردي ..

نكس طرفه ليقول بعد صمت قصير بنبرة حزينة :

- أنا لاأريد هذا .. لكن أبي يلح علي .. سامحني .. فيليب ..

صمت كليهما وهما يسيران خطوات اخرى ثقيلة ..

ليتوقف كليهما على ذلك الجسر مجدداً .. فلكم جمعهما في حزنهما وسرورهما ..

وكم شهد من ضحكاتهما ودموعهما ولعبهما اللطيفة ..

وكم سجل ذكرياتهما في أعماقه ..


تنهد فيليب ليقول بعدما وقف قبُالة صديقه :

حسناً .. طالما هو يومنا الأخير معاً يجب أن لا يكون كئيباً صحيح ؟

نظر له سيدريك بحزن كأنما لايستطيع أن يكون مثله ..

لكنه أومأ بالايجاب بهدوء ..


أمسك فيليب يدا صديقه ليضمهما بين يديه وهو يقول بمرح :

كفى هيا .. لاتكتئب .. لاأحب رؤية سيدي المشاكس حزين هكذا ..

سنلتقي مجدداً ثق بهذا .. مهما طال بنا الزمن سوف نلتقي مجدداً حتماً ..

أعدك سيدريك ..


ترددت كلماته الأخيرة في لبه ليصرخ بألم وهو ينظر له :

لقد وعدتني .. لكنك اخلفت وعدك ..

كيف نلتقي وقد رحلت الى عالمٍ لايمكنني الوصول فيه اليك ..

اخبرني كيف ؟! لقد عدت أخيراً الى مدينتنا ..

لكني لااتخيل نفسي أقف على الجسر بدونك ..

أو أعود لمدرستي دون أن القاك .. انها أول مرة اكره بها العودة لدياري ..

لما لم تفي بعهدك فيليب .. لماذا ..


ابتسم الآخر بلطف ليقول :

ولكنني لم أخلف وعدي .. هاأنا ذا سيدريك .. لقد أتيت ..

جئتك لأصطحبك معي الى عالمي .. الم نتعاهد على هذا ..

لن يفرقنا شيء أبداً .. أنا لاأخلف وعودي ..


اتسعت عيناه بذهول ليردد دونما وعي :

أهذا حقيقي .. لن يفرقنا أي شيء صحيح ؟!

فيليب .. انت لم تتركني .. لم تتركني ياصديقي ..

انهمرت دموعه من عينيه لتبوح بما اختزنه طويلاً من ألم ..

بينما تتابعت خطواته لتسير متجهة لرفيقه ..

عبر تلك السكة الحديدية دون أن يبالي بذلك الضوء الذي لمع أمامه

وصوت صافرة القطار الذي دوّى في الأرجاء بينما تعالت الصرخات حوله ..


وماهي الا ثوانٍ قليلة ..

حتى اقترب من صديقه الذي مد له يده وهو يبتسم بسعادة .

أمسك بكفه لتتحرر روحه وتعانق روح رفيقه الحبيب ..

ليمسك كلٌ بيد الآخر ويرحلا معاً وإلى الأبد ....






[/ALIGN][/CELL][/TABLETEXT]

التعديل الأخير تم بواسطة آدِيت~EDITH ; 11-28-2012 الساعة 10:15 AM
رد مع اقتباس