عرض مشاركة واحدة
  #111  
قديم 04-23-2013, 11:03 AM
 
Cool

[ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:100%;background-image:url('http://im39.gulfup.com/JdHY4.png');"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]








.
.



*الفصل الثالث*






أدارت ويلو المفتاح في قفل الباب الصدئ ،
و دفعته لتفتحه متجاهلة الصرير المزعج الذي أصدرته حركتها هذه ،
تحركت أصابعها تتلمس الحائط بجوار الباب حتى عثرت على زر تشغيل الإضاءة ، فأشعلت الضوء ، و جالت ببصرها في المكان ..

غرفة الجلوس الصغيرة لمنزلها كانت خالية إلا من مقعدين خشبيين قديمين و أريكة مهترئة ،
الصمت التام في معالم البيت الكئيب كان الشيء الوحيد في استقبالها ،
تساءلت إذا ما نام والدها المريض و أختها باكرا هذه الليلة ؟!

تحركت بخطى بطيئة صوب أحد المقعدين .. خلعت قبعتها الصوفية ، و مررت يدها في شعرها الذي إنساب حتى كتفيها بنعومة.
ثم ألقت جسدها المنهك فوق المقعد .. تطلق تنهيدة متعبة.

لقد كانت ليلة طويلة مرهقة بالنسبة لها ... اختتمت بمفاجأة مازالت غير قادرة على استيعابها.
أغلقت عينيها في محاولة للإسترخاء .. فقفزت صورة وجهه الوسيم -يعلوه تعبير دهشة مكتوم- إلى ذهنها !
ابتسمت وهي تتذكر كيف انتزعت نظارته على ذلك النحو الفظ !!
لاتزال لا تعلم ما الذي دهاها لتفعل ما فعلته ؟!

فكرت كم ستسعد صديقتها بسماع هذا ،
لقد قابلت ذلك المغني الشهير من فرقتها المفضلة ..
جلست تتجاذب أطراف الحديث معه ..
انتزعت نظارته ..
ثم أراقت القهوة على قميصه و معطفه الفاخرين !!
بالطبع حدث الجزء الأخير نتيجة خطأ ، لكن رئيسها في العمل كان لديه رأي آخر !
هزت رأسها حنقا ...
لقد وبخها بانفعال مبالغ .. متجاهلا إعتراض أليستر الذي أصر بأن الأمر مجرد حادث بسيط لا يستحق الذكر !
ثم طالبها بالاعتذار إليه .. كما لو أنها لم تفعل عند اللحظة الأولى .. فور أن استفاقت من ذهولها إثر انسكاب كوب القهوة الذي صدمته بيدها دون قصد !!

و مع هذا اعتذرت إليه ثانية ... دون أن تعني ذلك هذه المرة ،
و هي تنظر شزرا إلى زميلتيها -النادلتين الوحيدتين بالإضافة إليها في ذلك المقهى- و هما تلتفان حول أليستر مع العدد القليل من الزبائن يطالبونه بالتواقيع و التقاط الصور معه بهواتفهم المحمولة فور أن اكتشفوا هويته !
اعتذرت منه ... لكنه لم يكن يصغي إليها حتى ، فقد كان مشغولا بمعجبيه !!
شعرت حينها بالغضب يجتاحها بينما تنسحب من المكان و كأنها شيء صغير مهمش !!


هتفت ويلو بصوت مسموع و قد استعادت غضبها مجددا :
_تافه و مغرور ... لا يرى سوى نفسه !!

_عمن تتحدثين ويل ؟!

التفتت إلى صاحبة العبارة ، لترى شقيقتها الصغرى ذات التسع أعوام .. تقف أمام الباب المتهالك لغرفة النوم الصغيرة الخاصة بهما !

_أمازلت مستيقظة ساشا ؟! تعلمين أن غدا يوم دراسي !

هزت الصغيرة رأسها نفيا ، ثم ركضت نحو ويلو و وجهها الجميل يشع شقاوة طفولية :
_ليس صحيحا ... فغدا لدينا عطلة ، لكن هذا لا يهم ... هيا أخبريني من كنت تقصدين بكلامك ؟!

ابتسمت ويلو سائلة :
_و لما كل هذه الحماسة ؟!

_لأني واثقة أنه شاب معجب بك ... و أنت رفضته كالعادة ، أريد أن أعرف التفاصيل .. كلها !!

تطلعت ويلو إلى وجه شقيقتها الصغرى التي ما كانت تشبهها -بشعرها الأسود الناعم و عيونها الزرقاء الكبيرة- كانت ساشا تشبه والدتها .. بينما ويلو كانت أكثر شبها بأبيها !
بريق الحماس في عيني الصغيرة و تورد وجنتيها جعلاها تهز رأسها بيأس :‏
_هل أخبرك أحد أنك لاتزالين صغيرة على هذه الأمور ساشا ؟!

وكزت بسبابتها جبين أختها الذي تغضن بعبوس الأطفال ، ثم تابعت :
_على العموم .. أنت مخطئة ، إنه ليس معجبا بي .. و أنا لم أرفض شيئا ، و مع ذلك طردت من عملي بسببه !!

ثم أطلقت تنهيدة جديدة و أسندت رأسها بظهر المقعد الخشبي ، تمتمت بأسى و كل الأفكار المقلقة التي حاولت تجنبها تضج في رأسها الآن :
_ماذا سأفعل ؟! لقد كنت أعتمد على الأجر الذي سأحصل عليه في تسديد أجار الشقة ! سنحتاج معجزة لتجاوز هذا !

شعرت بذراعي أختها الصغيرتين تطوقان عنقها ، ففتحت عينيها لتنظر إليها بابتسامة صغيرة حزينة :
_ساشا .. لا أريدك أن تذكري شيئا عن هذا لأبينا ، هل فهمت ؟!

أومأت ساشا موافقة ثم قالت بعزم لم يتناسب و سنوات عمرها :
_لا تقلقي أختي ستجدين عملا أفضل من ذاك ... و أنا سأساعدك أيضا ، سيكون كل شيء بخير !

أحاطتها ويلو بذراعيها تبادلها عناقها ... شعرت أنها كانت بحاجة لذلك لتستعيد شيئا من قوتها.

ما كانت الظروف التي تمر بها أسرتهما الصغيرة المكونة منهما فقط إضافة إلى والدهما المقعد .. ظروفا يسيرة أبدا.
منذ الحادث الذي تسبب بوفاة والدتهما و عجز أبيهما .. و أحوالهما المادية في تدهور مستمر ،
و رغم كل الجهود المستميتة التي تبذلها ويلو ، و العمل المكتبي البسيط الذي يزاوله والدهما من البيت .. يظل الوضع صعبا و عسيرا !

خيم الصمت للحظات .. قبل أن تعاود ساشا الحديث بنبرة حالمة :
_لا تيأسي أختي .. قد يحدث معنا مثل الحكايات و يقع شاب غني و لطيف في حبك ، فيأتي و يهتم بنا جميعا ... و نعيش بسعادة إلى الأبد !!

ضحكت ويلو ضحكة باهتة ، ثم مسدت شعر أختها وهي تتمتم بحزن :
_ليت الحكايات تصير حقيقة .. عزيزتي !

ابتسمت ساشا و عادت تعانقها هاتفة :
_ستصير حقيقة .. من الذي يستطيع أن لا يحبك ، أنت جميلة و طيبة للغاية !!

ضيقت ويلو عينيها بتساؤل ماكر :
_هممم .. ماذا تدبرين يا ترى ؟!

اعترضت ساشا :
_لما تقولين هذا .. أنا أقول الصدق فقط !

_و هذا الصدق .. هو أنني جميلة و طيبة مثل الفتيات في الحكايات ؟!

أومأت ساشا برأسها تؤكد بإصرار !

_أتحتاجان شهادتي في هذا ؟!

صوته الدافئ وصلهم بنبرة مرح محببة ، قبل أن يسمعا صرير عجلات الكرسي المتحرك ،
دفع نفسه إلى داخل الغرفة بسهولة بدت مستغربة نظرا لهيئته ،
لم يكن ضعيف البنية .. لكنه بدا متعبا و مريضا !

شعره الداكن تخلله بعض الشيب ، و وجهه الشاحب امتلك لمحة وسامة .. تشي بأيام كان فيها ذا منظر يأسر القلوب !!
فقط تلك العيون الزمردية اللون .. احتفظت ببريقها رغم كل المصاعب التي واجهها و لايزال يكافح ضدها حتى الآن !

ابتسم .. ثم مد يده نحو ويلو بدعوة صامتة كي تأتي إليه !
تحركت الأخيرة نحوه .. قبلت وجنته وهي تردد تحية المساء ،
ثم قرفصت إلى جوار مقعده تسأل :
_هل تناولت دواءك أبي ، إن لم تكن قد فعلت فسأذهب لتحضير العشاء .. لا يجب التأخر في ..

وضع يده على كتفها يمنعها عن النهوض ، مقاطعا بلطف :
_دعك من هذا .. لقد طهوت الطعام وهو معد ... أخبريني ، لما يعلو هذا التجهم وجهك الجميل ؟!

زمت ويلو شفتيها :
_لا تقل "جميل" أبي .. انظر تأثير ذلك على ساشا ، إنها تراني ملكة جمال من نوع ما !

_يحق لساشا أن ترى أختها كما تشاء ..

قالها ثم ضحك ضحكة صغيرة .. وهو يرى عبوس ساشا قد إنفرج بابتسامة كبيرة بعد عبارته ،
ثم عاد ينظر لويلو مردفا بنبرة حانية و حازمة في ذات الوقت :
_كما و أن محاولاتك هذه للتهرب من إجابتي لا تنطلي علي ، ماذا هناك يا ابنتي .. أحد ما يزعجك ؟!

هزت ويلو رأسها نفيا ، لم تكن تريد تكدير والدها بإخباره عن خسارتها لعملها .. لكنها لم تحتج لقول شيء حتى يعلم عن وجود خطب ما !
والدها .. دائم الإحساس بها هي و أختها ، و يغدقهما بحنان لا حدود له !

ربت "دون" على رأس ابنته الذي أخفضته بحركة اعتادت عليها منذ الصغر .. كلما أرادت إخفاء شيء عنه.
رغم كل ما فقده في حياته و رغم كل ما يعاني منه ... كان ثمة تلك الفسحة العظيمة في قلبه و ذهنه لا يحتلها سواهما ... ابنتيه .. آخر ما بقي لديه ،
و السبب الوحيد في تمسكه بهذه الحياة !

_لا بأس عليك ، هيا لنتناول الطعام .. أنا واثق بأنكما جائعتان !

ابتسم لها مطمئنا ..
و حتى دون أن يعرف ما يشغلها .. كانت هذه مؤازرة أكثر من كافية بالنسبة لويلو ،
دفعت به الكرسي المتحرك قائلة بمرح :
_أنت محق تماما .. أكاد أموت جوعا و أتحرق شوقا لتناول وجبة من صنع يديك ، ماذا عنك ساشا ؟!

لحقت بهما ساشا إلى المطبخ الصغير ، و هي تتوعد أن أكبر حصة من الطعام ستكون لها !
ما جعل ويلو و والدها يضحكان ..

أجواء من السكينة المؤقتة خيمت على ذلك المنزل القديم .. البائس الحال ،
و أفراد الأسرة الثلاث .. كل منهم كان يعمل على أن يستمتع بالحاضر فقط .. و لا يقلق نفسه بما هو آت !






أدار أليستر رأسه جانبا وهو يعقد ذراعيه أمام صدره ، كاتما زفرة شكوى أوشكت أن تفلت منه.
التفت إلى ليو الجالس في الطرف البعيد عنه داخل سيارة الليموزين ، و الذي كان يحملق بإهتمام في مجموعة أوراق بين يديه ،
ثم حرك بصره إلى رايان الماكث بجانبه يتظاهر بالانشغال التام بالتحديق خارج النافذة .. كما لو أنه يجد شيئا لافتا جدا في المنظر المتكرر للسيارات و معالم الطريق السريع !

تنهد أليستر .. و عاد بنظراته إلى مارتيل الذي بدا مكتئبا و ساخطا في ذات الوقت ، بجلسته المتوترة في المقعد المقابل له داخل السيارة الفارهة ،
عيناه الغاضبتان -من خلف النظارة الطبية- كانتا ترفضان إعتاقه لثانية !!
مارتيل كان لا يطاق منذ الصباح ... و رايان و ليو -الذين يعتبرهما أليستر الآن دون جدوى- تركاه ينفجر في وجهه طيلة الساعة الماضية دون أن يتدخلا !

عليه الاعتراف .. لقد كان يعلم أنه سيكون بهذه العصبية بعد ليلة الأمس ،
بعدما اتصل به طالبا قدومه إلى ذلك المقهى.
لم يملك خيارا .. كان قد حوصر تماما في المكان الصغير الذي امتلأ عن آخره بالناس فجأة !!
تجمهر الجميع حوله ..
معجبون ..
عشرات الصحفيين ..
و المزيد من الأشخاص .. لم يدري هل تساقطوا من السماء فجأة حال أن صرخ أحدهم "أليستر شون هنا" ؟!
كل ما علمه أنه كان ليقضى عليه لا محالة .. إن بقي على تلك الحال !!

بالكاد استطاع استخدام هاتفه ... لاعنا غباءه الذي وضعه في هذا الموقف ،
و لم تمضي نصف ساعة حتى كان مارتيل يدخل من باب المقهى المزدحم مع مرافقين من النوع الضخم ،
أزاحو له طريقا ليتمكن من الوصول إلى سيارة ليموزين أوقفت خارج المقهى بإنتظاره ،
انقضى كل شيء بسلام .. و هو من مر بهذه التجربة الخانقة لذا يرى غضب مارتيل غير مبرر البتة !!

هز رأسه .. و ثمة تلك النادلة العجيبة أيضا ... فقط إذا تسنى له رؤيتها مجددا ، لقد كانت السبب في كل شيء !!


أخرج من جيب بنطاله علبة السجائر خاصته ، التقط واحدة تحت نظرات مارتيل المستهجنة و وضعها بين شفتيه ثم أشعلها.

_ماذا ؟!

سأل أليستر حين رأى نظرات مارتيل نحوه تزداد حدة ،
أجابه الأخير وهو يهز رأسه بغضب :
_شاب بذكائك يجب أن يعرف أن التدخين مضر للصحة ، أنت مغني .. و التدخين سيؤذي حبالك الصوتية !

نفث أليستر الدخان ببطء قائلا :
_بربك مارتيل .. لا تبدأ من جديد ، يكفي أنني قضيت الساعة الماضية استمع إلى تأنيبك ، أنت حقا تنقل وظيفة مدير الأعمال هذه إلى مستوى آخر !!

عدل مارتيل نظارته الطبية أمام عينيه بينما يجيبه :
_أنا لا أفكر في نفسي كمدير أعمالكم فقط ، بل أعتبر نفسي مسؤولا عنكم و عن تصرفاتكم !!

التفت رايان إليه ليرمقه بحاجب مرفوع ... و قد أثارت العبارة الأخيرة إهتمامه ،
فيما هز أليستر رأسه وهو يتمتم بابتسامة متعجبة :
_هذا شيء مفاجئ !

عقد مارتيل حاجبيه أكثر :
_أنا جاد تماما أليستر !

أومأ أليستر موافقا و قال محاولا كبح ابتسامته :
_حسنا .. تتحدث كما لو كنا أطفالا ، مارتيل .. أنت فقط تشغل نفسك بنا أكثر من اللازم !

قال مارتيل مستاءا :
_هذا محور عملي ، إن كنتم نسيتم كيف بدأنا من الصفر قبل عام فقط .. فأنا لم أنسى ، لقد بدأتم تتراخون مخدوعين بالنجاح السريع الذي حققتموه منذ أعلن عن كونكم الفرقة الأفضل لهذا العام !
أخبرني أليستر .. ألم تعد "السيلفري سبيرتز" تعني لك شيئا حتى ترتجل في الحفلات و تتسكع في أحياء و مقاهي لا تليق بك ؟!!

سحب أليستر نفسا آخر من سيجارته ثم أطلقه .. أغلق عينيه للحظة و قال :
_ليس الأمر هكذا مارتيل .. لا تجعلني أبدو سيئا ، أخبرتك أنني آسف فتوقف عن التدقيق في كل ما أفعله ... أكاد أختنق !!!

زفر مارتيل ساخرا :
_تختنق بسبب سجائرك .. أيها المتحذلق !

نظر أليستر إليه بوجوم :
_أنت لن توقف هذا ، أليس كذلك ؟!

تحدث رايان بضجر ليوقف هذا الجدال :
_دعه و شأنه و لا تكن مزعجا مارتيل ، لما لا تخبرني بما لدينا لجدول اليوم ؟!

قطب مارتيل حاجبيه للحظة مفكرا في إلقاء عبارة غاضبة ما في وجه رايان ،
لكنه عدل عن ذلك .. سحب مفكرته الإلكترونية من جيبه ،
تصفحها سريعا و راح يقرأ المهام على مسامعهم :
_حسنا رايان .. موعد تصوير إعلان العطر المقرر سيكون بعد ساعة من الآن فكن جاهزا ،
أليستر .. لديك جلسة تصوير متأخرة اليوم ، لذا سأحاول تأجيل موعدنا مع "مليندا" حتى الغد ..
أما تسجيل الأغنية الجديدة فسيكون عند السادسة مساءا !

ردد أليستر الاسم بإستياء مكبوت :
_مليندا !!

بينما سأل رايان دون أن يبذل جهدا لإخفاء استيائه :
_و بما تأمر صاحبة السمو هذه المرة ؟!

عدل مارتيل نظارته مجيبا :
_لست أدري .. قالت ثمة بضع تعديلات تراها ضرورية و تريد إضافتها للأغنية !

قال رايان مضيقا عينيه بانزعاج :
_و لما لم تخبرها أننا نرفض ؟! إما أن تغني معنا الأغنية كما هي .. و إما أن تنسى الأمر برمته ، لقد كانت فكرة الأغنية المشتركة معها غباءا أصلا !!

هز مارتيل رأسه غير مكترث بغضبه :
_لهذا السبب بالذات لا أريدك أن تأتي معنا ، أنا و أليستر سنتفاهم مع مليندا .. أنت ركز فقط في تصوير الإعلان ، سنلتقي عند استديو التسجيل هذا المساء !

أعاد مفكرته الإلكترونية إلى جيبه وهو يقول :
_و بالنسبة لك ليو .. ستأتي السيارة لتقلك فور إنتهاء الدروس لتنضم إلينا !

لم يبدو على ليو -الذي كان صامتا منذ بداية الحوار- أنه سمعه حتى ،
فكرر مارتيل عبارته بصوت أعلى .. ما جعل ليو يهمهم دون أن تتحرك عيناه عن أوراقه ، و دون أن يستمع فعليا :
_أجل .. حسنا .. مهما كان !

_ما بال "الطالب المجتهد" هذا الصباح ؟!

سأل رايان بتعجب ساخر ،
و قوبل بتجاهل تام من ليو على غير العادة !
أطفأ أليستر السيجارة في منفضدة زجاجية كانت معدة في الركن الجانبي داخل السيارة ،
ثم نظر إلى ليو الغائب تماما بأوراقه و تمتم بابتسامة :
_هل يجب أن نبدأ بالقلق ؟!

لم يرد ليو أيضا ، فنادى مارتيل بنفاذ صبر :
_ليو .. ما الأمر ، ماذا لديك في هذه الأوراق ؟!

رفع ليو رأسه إليهم بتقطيبة منزعجة :
_ماذا تريدون ؟! ألا يستطيع المرء الحصول على خمسة عشرة دقيقة ليذاكر لاختبار سخيف نسيه طيلة العطلة ؟!

_إذا أنت مجتهد بالفعل .. كدنا نظلمك للحظة !

قالها رايان متهكما ، فمنحه ليو نظرة عدائية :
_إليك عني !!
إنها غلطتي على أي حال .. كان علي ترك الدراسة كما فعلتما !

هز أليستر رأسه و ابتسم له بتفهم :
_نحن لم نترك الدراسة .. لقد أجلناها العام الماضي فقط حتى نستطيع التركيز مع الفرقة ، على كل .. لا تقلق نفسك ، أنت تبذل جهدا كبيرا و ستنجح حتما !

رمق ليو رايان بنظرة عنت "لما لا تكون مثله" ، قبل أن يرد على أليستر بهدوء :
_شكرا ... لكني لا أظن ذلك ممكنا ، ستكون مشكلة إن حصلت على علامة "جيد" وهو أقصى ما أستطيعه حاليا !


توقفت السيارة في محطتها الأولى ،
أمام المدرسة الثانوية حيث يدرس ليو ..
فرتب الأخير أوراقه و التقط حقيبة ظهره قائلا :
_شكرا على التوصيلة ... ذكروني أن أشتري سيارة فور أن أجد وقتا ، أراكم لاحقا !

ترجل من السيارة ، و سمع ردودهم المتفاوتة عليه قبل أن يغلق الباب !

تابعت الليموزين البيضاء طريقها ،
و وقف ليو أمام الساحة المفتوحة لمواقف السيارات .. حيث كان الطلاب لايزالون يتوافدون إلى المدرسة ، جميعهم مثله بالزي المدرسي الرمادي.
الأبنية الثلاثة المرتفعة و الحديثة الطراز .. أوضحت ببساطة كون هذه مدرسة خاصة لا يملك الكثيرون رفاهية ارتيادها.

و دون أن يكترث بما حوله ... عاد ليو ينظر في الأوراق التي بيده ، يقرأ المقطع الأخير في الرسالة الطويلة التي وجدها فجأة بين كتبه هذا الصباح ..


[frame="2 80"]

النهاية التي حظيت بها لنهاري يوم أمس كانت شيئا جميلا ، أكثر مما توقعت و انتظرت.
رأيتك عند الغروب في الساحة الخارجية للمدرسة ، تستند على سيارة صديقك .. و حولك عدد من الأصحاب ،
بالطبع لم يكن ممكنا لي سماع ما كنتم تتحدثون عنه ،
لكنني تساءلت كما فعلت مرات عديدة .. عن قدرتك الخاصة في جمع الناس من حولك .. أكاد أقسم أن كل واحد منهم يهتم لأمرك صدقا ،
ليس كما أفعل أنا .. لا تخطئ .. فلا أحد يشعر نحوك كما أشعر !
لكنهم .. ككل من يعرفك ، لديهم شعور بالود و المحبة إتجاهك.

ابتسمت يومها .. رغم شعوري بالأسى لأني لا أجرؤ أن أقترب منك إلى ذلك الحد !
لكن شعوري الأناني هذا .. اختفى حال رأيتك تضحك على شيء قاله أحد رفاقك !
هل تعلم ما تأثير تلك الحركة البسيطة على قلبي ؟!
أراك ترجع رأسك إلى الخلف ، و تضحك بشفافية و صفاء !
فأشعر بأن الحياة أفضل .. و أن يومي بات منيرا بشكل ما ،
قد أبدو مجنونة ... و قد تبدو عباراتي اعتيادية .. مبتذلة حتى لم يعد لها بريق ،
لكنها حقيقة بالنسبة لي .. لا يهمني شيء قدر أن تصدقني !
و أنا أعلم أنك ستفعل ... حتى لو لم تكن قد مررت بذلك من قبل ، لأنك إنسان جميل الروح .. ليونيل !

ك.م


[/frame]


طوى ليو الرسالة و أعادها مع الظرف الزهري اللون إلى حقيبته ، تنهد .. ثم تمتم و يده تعبث بشعره بارتباك :
_هذا .. كان شيئا .. مختلفا !

لم يجد تعبيرا حقيقيا عن ما أثارته تلك الرسالة في داخله ،
كما لم يستطع منع نفسه من التفكير في صاحبتها رغم محاولته لتجاهل الأمر !

ما كانت هذه أول مرة يحصل فيها على رسالة من معجبة غامضة .. فحتى قبل أن يصبح مشهورا ، كان ثمة اثنتان أو ثلاث من الفتيات في مدرسته القديمة ممن وجدن هذه الطريقة أسهل للتعبير عن مشاعرهن !

لكن هذه الرسالة كانت مختلفة .. يكاد يشعر بصاحبتها خلف سطورها ،
حزينة .. لطيفة .. صادقة إلى درجة تثير اضطرابه !
لكن الشيء الذي لم يفهمه بعد .. كان سبب عدم تطرقها لحظة لذكر أي شيء عن غنائه ،
لقد ذكرت كل تفصيل يخصه .. على مدى الرسائل الثلاث التي وجدها بين كتبه في الفترة الماضية ،
ذكرت كل شيء .. كما لو أنها تمضي جل وقتها بمراقبته في المدرسة ،
لكنها لم تذكر شيئا عن نجوميته !
كما و أنها .. -و بالرغم من المشاعر الكبيرة المختفية خلف كلماتها- لم تكتب له كلمة اعتراف مباشرة بحبها !!


_ليو .. صباح الخير ، ما بك واقف هكذا ؟!

التفت ليو إلى صديقه ثقيل الظل ، الذي أرفق تحيته تلك بضربة قوية على ظهره ،
و أجابه بشرود :
_ما من شيء .. هيا بنا لندخل !


لم يكد ليو يخطو بضع خطوات مقتربا من مدخل المدرسة حتى كان تجمهر صغير من رفاقه ملتفا حوله ،
يبادلونه التحية .. و يتحدثون بصخب عن الحفل الغنائي الذي حضروه .. و كم كان أدائه مبهرا فيه !

راح ليو يومئ برأسه لهم بابتسامة .. رغم أنه لم يكن منتبها إلى حديثهم فعلا ،
كان مازال يفكر في تلك الرسائل و صاحبتها الغامضة ..
إذا كانت طالبة هنا فهو على الأرجح سيكون قادرا على تعرفها بطريقة أو بأخرى.

نظر إلى العدد الغير قليل من الفتيات حوله .. و تساءل ماذا قد يمنع تلك الفتاة من أن تقترب منه مثلهن ؟!!

تقدم يعبر البوابة الكبيرة للمبنى الأول من المدرسة .. حيث كان رجلان ضخمان يقفان كحارسين على كلى جانبي البوابة ،
و هما يحاولان قدر الإمكان البقاء بعيدا عن الأنظار ...
كون هذه مدرسة يتعلم فيها أبناء الأغنياء و الأشخاص المهمين .. فقد كانت مؤمنة و مجهزة بعناية !


لقد كانت هذه المدرسة إختيار والديه المبالغين دوما في حمايته و الخوف عليه ،
و لو لم يوافق ليو على إكمال عاميه الأخيرين في الثانوية هنا .. لما تركاه يعيش بعيدا عن البيت !
‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏لقد كان اتفاقا لا بأس به في الحقيقة ..‏‏‏
لم يواجه أي مشاكل في التأقلم مع الطلاب هنا .. هم ربما مدللون و مغرورون قليلا .. لكنهم أشخاص جيدون !
و لا واحد منهم يفتقر إلى الثقة ... فماذا قد يجعل طالبة هنا تكتب مثل تلك الرسائل الخجولة له ،
فالمتوقع عادة .. أن تأتي إليه بجرأة لتقول ما بجعبتها بوضوح !!


كان مازال يقلب الأمر في رأسه .. حين قطعت أفكاره إحدى الفتيات وهي تقول بإمتنان :
_لقد كان حفلا رائعا ليو ، شكرا على إذن المرور لخلف الكواليس .. لا أكاد أصدق أنني قابلت رايان وجهها لوجه ، أشعر أنني سأصرخ من الحماس كلما فكرت في ذلك !

_لقد صرخت بالفعل ... و في وجهه !!

ضحك ليو على العبارة التي قالها واحد من الفتية بسخرية.
و قال وهو مازال يضحك :
_لا عليك .. فقد أحب رايان ذلك !

اتسعت عينا الفتاة بأمل :
_فعلا ؟!

هز ليو رأسه نفيا ، و قال بابتسامة ماكرة :
_كلا ... لكن أنا فعلت ، لطالما رغبت في أن أرى من يصرخ فيه و إن كان بهذا المعنى !

_كم أنت مغيظ .. عجيب كيف تبدو بريئا و لا يظهر عليك كل هذا اللؤم !!

هز ليو رأسه دون أن يعلق على عبارة الفتاة ،
فتح خزانة كتبه .. و توقفت يده قبل أن تلتقط الكتاب الذي هم بأخذه ..
ارتفع حاجباه دهشة حال أن رأى ذلك الظرف الزهري المألوف مع علبة صغيرة مغلفة بورق هدايا أحمر جميل .. قابعين في الخزانة فوق كتبه !!

صفر أحد أصدقائه من خلفه :
_رائع .. لديك هدية من معجبة ليو !!

أشاعت تلك العبارة موجة من التعليقات الصاخبة بين أصدقائه جعلته يرغب في إختفائهم في هذه اللحظة !

_هدية و رسالة حب .. لما لم أفكر في ذلك من قبل ؟! ترى هل فات الأوان كي أفعل المثل ؟!

_لا تمزحي ... أنت لن تفعلي شيئا لأن دوري هو التالي !

_ماذا في العلبة يا ترى ؟! حلوى ؟!

_اقرأها .. هيا اقرأ الرسالة و أخبرنا ممن هي ليو !!

_ليو .. لما لا تتوقف عن احتكار قلوب فتيات المدرسة ، إن صحبتك معذبة بالفعل !!

أعاد ليو إغلاق باب خزانته .. بعد أن أخرج الهدية و الرسالة ،
استدار دون أن يرد على أي منهم ... و تحرك مبتعدا في الممر !

هتف أحد أصدقائه من خلفه :
_هيه ليو ... أين تذهب ، ألن تدعنا نرى ماذا لديك ؟!

قالت أخرى :
_دعه .. أظنه محرجا !

_تبا .. أنا لا يهمني .. أريد أن أعرف ماذا في الهدية !!


بعيدا عن صخب أصدقاء ليو و تذمرهم .. وقفت تلك الفتاة بركن غير ظاهر .. بابتسامة هادئة سعيدة و وجنتين محمرتين ..
لقد عنى لها تصرفه هذا الكثير ..
أن يمنح مشاعرها المتمثلة على هيئة تلك الرسائل .. إهتماما كافيا ليعتبرها شيئا شخصي ، هو أكثر مما حلمت به يوما !
و أملت فقط .. أن تعجبه الهدية التي أنهكت نفسها في إختيارها !










xX تحذير .. يرجى رجاءا حارا عدم الرد ~


[/ALIGN]
[/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN]
__________________




افتَقِدُني
music4

رد مع اقتباس