عرض مشاركة واحدة
  #112  
قديم 04-23-2013, 11:19 AM
 
Cool

[ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:100%;background-image:url('http://im39.gulfup.com/JdHY4.png');"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]







_أنا لا أصدق هذا !!

أعربت "جودي" -صديقة ويلو- عن استنكارها وهي تلتف لتواجهها ، و قد كانتا تسيران جنبا إلى جنب على الرصيف ،
في جولة للبحث عبثا عن عمل جديد ، و برفقتهم ساشا التي أصرت على الذهاب معهما !
لم تعلق ويلو بشيء .. فأردفت صديقتها بخيبة :
_أتعلمين ما فرصة أن يحدث ذلك ... مرة واحدة فقط في الحياة ، و أنا و أنت أضعنا هذه الفرصة ... لا أصدق أن كلتينا تغيبتا عن العمل في اليوم الوحيد الذي قرر فيه نجم كأليستر شون زيارة المقهى السخيف حيث نعمل !!

هزت ويلو رأسها بعدم مبالاة ،
فشدت ساشا طرف كمها وهي تهمس لها بعيون متسعة حماسا :
_هل هو أليستر ؟! ذلك الشاب الذي قصدته مساء أمس يا ويل !

أشارت لها ويلو بأن تلزم الصمت و هي تتمتم :
_سأخبرك لاحقا .. اهدئي الآن !

تقدمتهما جودي حتى توقفت أمام واجهة متجر للأدوات الإلكترونية ،
حيث كانت أعداد من أجهزة التلفاز الحديثة معروضة على الواجهة .. و كلها تعمل ،
هتفت بحماس :
_تعالي و انظري ويل !

خطت ويلو نحوها و خلفها شقيقتها ، ثم نظرتا إلى الشاشات.
كانت إحدى محطات الأغاني تعرض أغنية "للسيلفري سبيريتز" .. نفس المحطة على جميع الشاشات !

سمر مرأى الشاب المألوف على الشاشة ويلو في مكانها ، سمعت صديقتها تقول بينما عيناها مثبتتان على الشاشات :
_انظري .. أستطيع إعتبار هذه إشارة ، أليس كذلك ؟!
يوما ما سأجتمع بأليستر شون .. أنا واثقة .. هذا تخطيط القدر !!

ضحكت ساشا وهي تتمتم بخبث أكبر من عمرها :
_لست أظنك المقصودة بهذا القدر عزيزتي !

لم تكن ويلو تستمع إليهما ، كان ذهنها يستعيد حديثها مع ذلك النجم الذي تراه الآن على الشاشات .. أليستر !!
ربما هي غاضبة بسبب خسارتها لعملها .. و لأنها تكره كل الأثرياء الذين يجعلون حياتها أصعب ،
لكن كان عليها الاعتراف ... أليستر لم يفعل لها شيئا يدفعها إلى الغضب منه ..
لم يتعامل معها بتكبر أو عجرفة ..
لم يكن كالأغنياء الحمقى الذين كان ليصر أي منهم على أن تطرد لمجرد أنها أراقت القهوة عن طريق الخطأ !!
حتى أنه دعاها لتجلس معه و هي مجرد نادلة !!
و أخبر مديرها الأحمق بعدم وجود مشكلة رغم أنها أفسدت له ثيابه الفاخرة ...
لكن رئيسها الغبي هو من كان سعيدا بإيجاد عذر لطردها !!‏

هي تعلم الآن بالرغم من قصر معرفتها به .. أن أليستر شاب مختلف عن البقية .. لطيف و متواضع رغم كونه ثريا ، تعترف بهذا حتى وهي تحاول عدم تصديقه !!


استمرت صديقتها تثرثر دون توقف عن تلك الأغنية ،
تشير كم يبدو رايان جذابا وهو يغني جالسا على مقدمة سيارته المكشوفة ..
و كم يبدو ليو وسيما و كم حركاته الراقصة بارعة ..
كيف أن هذه الأغنية من تأليف أليستر كالعادة ... تثرثر و تثرثر دون توقف !

بينما عينا ويلو كانتا تركزان فقط على أليستر ،
لما يبدو حزينا حتى عندما يبتسم ؟!
لديه كل شيء في حياته حتما ... فلماذا لمحة الحزن الخفية هذه في عينيه ؟!
و لماذا هي مهتمة بأمره ؟!!

هزت رأسها بعنف عند تساؤلها الأخير ، كما لو أنها تطرد عنها هذه الأفكار.
لديها ما هو أهم من شاب غريب تحدثت إليه لعدة دقائق لتفكر فيه ..
لديها مسألة البحث عن طريقة لدفع اجرة البيت .. فلتقلق بشأنها الآن !

قبضت على كف ساشا و سحبتها خلفها وهي تقول بشيء من الحدة .. كانت موجهة إلى نفسها في الحقيقة :
_هيا بنا ساشا .. نحن نضيع الوقت !

_ماذا هناك .. انتظري ويل ؟!

هتفت جودي من خلفها ، ألقت نظرة أخيرة على تلك الشاشات ،
قبل أن تلحق بها مستغربة مزاج صديقتها هذا اليوم ..


بعد تجوال دام ساعتين ..
كان الثلاثة جالسين في مقاعد خارجية لكافيتيريا صغيرة .. و أمام كل منهم مخفوق شوكولا ساخن.
وحدها ساشا من كانت مستمتعة بتناوله ،
بينما ويلو لم يفارقها القلق للحظة كون بحثها لم يثمر عن شيء ، أما صديقتها فقد كانت تلهو بهاتفها الصغير ..

هتفت فجأة :
_ها هي .. لقد وجدتها ، كنت أعلم بأنني احتفظ بها هنا !

تطلعت إليها ويلو بتساؤل ، و قالت ساشا :
_ماذا وجدت ؟!

ابتسمت جودي مجيبة :
_الأغنية التي رأيتماها قبل قليل ... إنها من أغاني المفضلة ، استمعي إليها ويلو و أنكري كما تفعلين دوما أنهم الأروع !!

همهمت ويلو :
_عما تتحدثين الآن ؟!

ضغطت جودي على أزرار هاتفها .. فبدأت موسيقى جميلة لإفتتاحية أغنية ما تنبعث منه ،
وضعت ساشا الكوب الكبير على الطاولة وهي تهتف بحماس :
_أنا أعرف هذه الأغنية .. "قصتي أنا و أنت" !

_السيلفري سبيريتز من جديد .. ها ؟!

تمتمت ويلو بضجر و هي تسند وجنتها بكفها دون مبالاة ...
لكنها مع ذلك كانت تصغي بانتباه لم تستطع منعه للأنغام السريعة الراقصة ، و الكلمات العذبة في آن معا !
الأصوات الساحرة كانت تغني بانسجام بديع ، كانت قد سمعتهم ما يكفي من المرات لتستطيع أن تميز صوت كل واحد من الثلاثة.

توقفت عن القلق ... توقفت عن التفكير بأي شيء عدا الأغنية الجميلة التي تسمعها ،
و سرعان ما غامت عيناها بمشاعر بعثتها بها كلمات تلك الأغنية ..


لو فقط أستطيع ، لجمدت الزمن على تلك اللحظة ،
لحظة تحتضن عيناي عيناك .. في غفلة ،
أبدا لست أنسى ..

كانت نظرة ..
بسمة ..
ثم نبضة ..
قصتي أنا و أنت ..

أين رأيتك ؟! عرفتك لأزمان ..
متى التقيتك ؟! انتظرتك أعوام ..
و رغم أني لم أعرفك ..
وهبتك ثقة لم يهبها لك إنسان ..
رغم أني لم أعرفك ..
أتيتك بحثا عن الأمان ..
فكنت لي بلسما لكل الأحزان ..



لم تستطع أن تمنع ذهنها من جلب الصور المناسبة في مخيلتها لكل صوت تسمعه يغني ،
كما لم تستطع منع الحمرة الطفيفة التي زحفت لوجنتيها .. ما إن ميزت صوت أليستر ،
ليكون مرافقا في خيالها و هيئته التي تعرفتها عن قرب ..


كلمة ..
ضحكة ..
ثم قبلة ..
حكاية صفاء و نقاء ..

تائه كنت في وحدتي
حتى التقيتك ..
يلفني صقيع ..
لم يزله سوى دفء يديك ..
لا تتركني .. و قد وجدتك أخيرا ..
لا تتركني .. أصارع الموج كسيرا ..



خطفت الهاتف من يد صديقتها حين بدأت تشعر بعدم الارتياح لتلك الخيالات في رأسها ،
و أطفأته بحدة وسط ضحكات جودي و ساشا ، قالت تجاهد للحفاظ على قناع من الجدية و اللامبالاة :
_هذه تفاهة .. لا أدري لما أنتما تبذلان كل هذا الجهد لاقناعي بشيء لا يعجبني ؟!

_أتقصدين أنك لا تحبين السيلفري سبيريتز أختي ؟!

ضيقت ويلو عينيها :
_تماما ساشا ... و الآن .. هذه الاستراحة قد طالت أكثر من اللازم ، دعانا نذهب !

تبادلت ساشا و جودي النظرات بابتسامات متعجبة ..
و من ثم نهضتا لتلحقا بها ..







في أستديو التصوير الصغير .. المعد ليبدو كجزء من شقة ، حيث أحاطت به عشرات الآلات ..
وقف رايان متأنقا بوسامة .. بتيشيرت أبيض و جينز أزرق بدا بهما مميزا .. رغم بساطة مظهرهما ،
وقف ينتظر كلمة البدء ليؤدي الدور القصير له في هذا الإعلان .. بينما يحاول قدر وسعه أن لا ينعته بالسخف بصوت مسموع !!


_ابدأ !!

جاءت تلك الصيحة من الرجل الملتحي و النزق بشدة .. الجالس في الخلف ،
و كانت إشارة البدء المنتظرة للجميع ..
شغل هذا الإضاءة .. و حرك ذاك الكاميرا .. بينما انسابت موسيقى إحدى أغنيات السيلفري سبيرتيز في الأستديو.

خطى رايان بحركة أنيقة .. تحت ملازمة الكاميرات ،
حتى يضع زجاجة العطر ذات الزرقة الضبابية .. و الشكل الهندسي ، فوق المنضدة المجهزة مسبقا لهذا الغرض ،
ثم التف جانبا ينظر إلى الكاميرا ..
بينما يلتقط معطفا جلديا أسود ليرتديه .. وهو يبتسم ابتسامة بطيئة ساحرة !
كان على وشك نطق العبارة التي يتوجب عليه قولها ...
لكن فجأة ..

ارتفعت نغمة بيانو عاطفية ، جعلت الكل يتلفت حوله باحثا عن مصدرها !!
أغلق رايان عينيه هامسا لنفسه أن هذا ليس وقته !
قبل أن يخرج هاتفه النقال الذي كان يرن بصخب من جيبه ..

_اقطع !!!

صرخ بها الرجل الملتحي عبر مكبر صوت ما كانت ثمة حاجة حقيقية له نظرا لصغر حجم المكان !!

_هاتف محمول .. لماذا ثمة هاتف محمول يرن في الأستديو خاصتي ؟!!!

قالها ذلك المخرج النزق وهو مازال يصرخ عبر مكبر الصوت ،
موجها المكبر نحو مساعده الواقف بجواره .. يصيح فيه و كأنها غلطته هو !

تحرك رايان مبتعدا عن تلك الضوضاء دون أن يبالي .. ثم ضغط زر الإجابة في هاتفه ، قال :
_ماذا هناك سارة ؟!

أتاه صوتها مغلفا برقة أخفت وراءها غضبا :
_ماذا عن .. كيف حالك سارة ، اشتقت إليك سارة ، سعدت بإتصالك سارة !!
ألا تستطيع أن ترد مرة دون أن تشعرني بالتطفل ؟!

زفر رايان :
_أخبريني أنك لم تتصلي من أجل أن نتشاجر ؟!

ضحكت بخفة :
_بالطبع لا .. لقد ازعجتني تحيتك الفاترة فحسب ، تبدو كما لو أنني قطعت عليك شيئا مهما ، ماذا كنت تفعل ؟!

_أصور إعلانا !

نظر رايان خلفه .. حيث كان المخرج مايزال يصيح ، يتهمه بنقص الاحترافية في العمل .. و بتضييع الوقت ،
تمتم رايان قبل أن يبعد السماعة عن أذنه :
_لحظة عزيزتي ...

ثم ابتسم للرجل النزق ، قائلا بصوت مرتفع :
_خذ استراحة لخمس دقائق و اشرب شيئا غير القهوة .. رباه كم أنت متشنج يا رجل !!

تجاهل رد الرجل الغاضب الذي صدح عبر مكبره بشكل مضحك ،
ثم عاد يضع الهاتف على أذنه :
_معك سارة ...

سمعها تسأل بسرعة :
_مع من تصور هذا الإعلان ؟!

لم يفته المغزى من وراء هذا السؤال ، لكنه أجابها بهدوء :
_لا أحد .. أنا فقط ... سارة هل من أمر مهم ، إنه حقا ليس وقتا مناسبا ؟!

ترددت :
_الحقيقة .. هناك حفلة كبيرة ستقام نهاية هذا الأسبوع ، و .. إنها من تنظيم تيريزا .. هل تذكرها ؟!

_هل علي أن أفعل ؟!

بدا عليها الاستياء و هي تجيبه :
_ليس حقا ... إنها تلك الفتاة اللاتينية التي تدرس معي في الجامعة ، أنت التقيتها قبل أسبوعين ...

قاطعها رايان متذكرا :
_آه .. السمراء الجميلة ؟!

ارتج الهاتف في يده لصراخ سارة العصبي ، فأبعده عن أذنه قليلا !!

_لا تقل عنها جميلة .. رايان براندون سأحيل اليوم إلى أسوأ كوابيسك إن فعلت .. يمكنك أن تتغزل في أي فتاة .. أي فتاة لكن ليس تلك التيريزا ، هل تفهم هذا ؟!!!

_حسنا .. حسنا فهمت ، لقد ثقبت طبلة أذني ... لا تنسي أنك من جاء على ذكرها أساسا ، إذا ... هلا اختصرت ما تحاولين قوله بشأن الحفلة و تيريزا "الغير" جميلة ؟!

_لا تسخر مني .. الأمر أنني حصلت على دعوة للذهاب إلى الحفلة ، و .. كنت أريدك أن ترافقني ... هذا مهم بالنسبة لي !

_أود ذلك عزيزتي .. لكن أنا لا ..

قاطعته بخيبة أمل :
_أعرف .. أعرف .. لن تأتي .. أنت لا تهتم بأي شيء يخصني على أي حال !

_سارة ..

فاجأه سماع غصة بكاء في صوتها بينما تضيف :
_لطالما كنت هكذا .. تشعرني دوما أني شيء مزعج و متطفل على حياتك !!

تمتم رايان بشيء من الارتباك :
_هذا ليس صحيحا ... هل أنت تبكين ؟!!

_أنا أعلم .. أعلم أنه صحيح .. أنت تكرهني !!

تضاعف إرتباك رايان حال أن سمع شهقاتها الباكية عبر الهاتف ،
ماذا دهاها ؟!
تلفت حوله كما لو أنه يبحث عن خلاص :
_لا تبكي سارة .. حسنا لا تبكي أنا آسف ، سأذهب معك إلى الحفلة .. و سنغيظ تيريزا معا .. فقط توقفي عن البكاء !

_هل حقا ما تقول ؟!

إرتاب رايان من الطريقة المفاجأة التي توقفت فيها عن البكاء ، لكنه أكد لها قائلا :
_بالطبع .. سأتفرغ تماما هذه العطلة حتى نكون معا ، أنا أعدك !

أطلقت صيحة سعيدة :
_أحبك رايان !!

ابتسم رايان ابتسامة كبيرة ماكرة :
_يمكنك قولها ثانية !

_آه .. أ .. أنا آسفة علي الذهاب ، لقد عطلتك ما يكفي ... إلى اللقاء !!

ضحك رايان حال أن أغلقت الخط محرجة ،
تمتم لنفسه ... مجنونة .. لكنه لا يستطيع الابتعاد عنها !!







أعادت سارة الهاتف إلى حقيبتها .. وهي تضحك بمكر ، قالت :
_و هذه ... تكون أفضل طريقة للحصول على اعتذار و موافقة .. و من ثم تشتيت كل ذلك بكلمة أخيرة !!

نظرت إلى ساعة معصمها وهي تتمتم :
_حان الوقت لإنهاء جولة التسوق هذه .. إنها بإنتظاري حتما !

ثم تحركت في طريق العودة و هي تدندن مسرورة ..

ما كان رايان وحده من يلعب بشكل غير عادل ..
فمعرفتهما التي تمتد إلى سنوات طويلة .. مكنتها هي أيضا من اكتشاف نقطة ضعفه .. دموعها .. و إن كانت دموع تماسيح ، دائما ما تؤثر في رايان فتمنحها النتيجة المرجوة !!

لطالما كانا ثنائيا منذ الصغر ، رغم تفاوت شخصياتهما ..
حتى كبرا ليكونا خطيبين برغبة من كلى عائلتيهما ،
هما يحبان بعضهما .. كما تعتقد !
لأن التغييرات التي حدثت السنوات الأخيرة في حياة رايان ... جعلت تلك الحقيقة موضع تشكيك و قلق بالنسبة لها !!


خطت متجاوزة السياج الأبيض لذلك المنزل الأنيق دون تكلف ،
قطعت الحديقة التي غطتها الثلوج فبدت حالها محزنة.
هي تذكر كيف كانت هذه الحديقة مزهرة و معتنى بها طوال العام ،
تذكر كيف كانت السيدة صوفيا -والدة رايان- توبخها هي و رايان .. عندما كانا يلعبان فيها صغيرين ... فيفسدان لها الزهور و البراعم التي تتعب في الإهتمام بها !

لكن السيدة براندون لم يعد لديها رغبة في العناية بأي شيء مؤخرا !
إن الحال التي انتهت عليها تحزنها بشدة ..

كانت على وشك أن تضغط على جرس الباب ..
حين فوجئت به يفتح .. ليظهر من خلفه ذلك الرجل الأربعيني الأشقر ذي النظارات الطبية ،
بدا هو الآخر متفاجئا .. مفاجأة دامت للحظة فقط ، كان يبتسم بعدها قائلا بلهجة أبوية :
_أهلا سارة ... كيف حالك ؟!

ابتسمت له :
_بخير .. و أنت كيف صحتك تيري ؟!

هز تيري رأسه متظاهرا بالإستياء :
_لا يعجبني هذا السؤال ، تشعرينني بأني عجوز !!

ضحكت سارة قائلة :
_لست كذلك أبدا ... ليس و أنت متأنق هكذا !

عدل تيري ربطة عنقه الرمادية بيد .. بينما كان يحمل حقيبة عمله بالأخرى ، قال بمزاح :
_شكرا ... هذه شهادة عظيمة من شابة صغيرة و جميلة مثلك !

ضحكت سارة من جديد ...
ما كان ثمة أي تكلف بينها و بين أفراد أسرة براندون بحكم الصداقة المتينة التي تربط بين عائلتيهما !
لطالما كانت تشعر معهم و كأنها بين أهلها ... السيد تيري براندون بمزاحه الودود ،
و السيدة صوفيا بمحبتها و رقتها الدائمة ..
جوني .. الشقيق الأكبر الغائب ..
و رايان ...


_هل رأيته مؤخرا ، كيف حاله ؟!

انتزعها سؤال تيري من أفكارها .. قبل أن تصل إلى النقطة التي تقلقها و تحزنها في آن معا ،
لم يعد هناك أي تواصل بين رايان و أفراد أسرته ...
منذ اليوم الذي اكتشف فيه رايان واقع أنه ليس ابن آل براندون فعليا ... و قد رفض أي اتصال بهم ،
ظل بعيدا و غاضبا ... يحاول أن يبدو غير مبالي بأمرهم !

_إنه بخير ... هو .. منشغل كثيرا مؤخرا !

آلمها الحزن الذي أطل من عيني تيري وهو يقول :
_ألا يسأل عن والدته على الأقل ، إنها تكاد تموت حزنا عليه ؟!!

أطرقت سارة برأسها بأسف وهي تتمتم :
_ليس لأنه لا يهتم تيري ، أنت تعرف رايان ... إنه مكابر جدا و عنيد ، أنا واثقة بأنه قد اشتاق إليكم كثيرا !

أطلق تيري تنهيدة عميقة :
_لا بأس ... تفضلي بالدخول بنيتي ، آسف لأنني أوقفتك عند الباب !

_لا عليك ..

ودعها تيري كونه مستعجلا للحاق بإجتماع عمل ،
بينما دخلت هي حتى تلتقي بالسيدة صوفيا ..
كما تفعل في كثير من الأحيان ، حيث تطلب منها الأخيرة أن تحدثها عن أخبار ابنها !!







_عفوا أيها السيد ...

هتفت جيني بالرجل النحيل الذي أوشك على صعود سيارته التي فتح بابها ،
و تابعت و هي تخطو بسرعة مقتربة منه :
_أنت الصحفي "نيومان" صحيح ؟! أحتاج للتحدث إليك.

رمقها الرجل بلامبالاة ثم جلس في سيارته خلف المقود قائلا :
_ماذا تريدين يا فتاة ، أنا رجل منشغل ؟!

ابتسمت جيني بمكر :
_و أنا أتيتك بخبر حصري عن أليستر شون ... ألا تمضي وقتك بملاحقة أخبار المشاهير ؟!

منحها نظرة أكثر إهتماما ، فأرجعت خصلات شعرها البني الجميل خلف أذنها بتفاخر ،
لكن ظنها خاب عندما قال لها :
_لا وقت لدي للألاعيب يا فتاة ، غادري !

قطبت جيني حاجبيها بانزعاج ، قالت بينما تفتش في حقيبة يدها الكبيرة :
_انتظر لحظة ، سأريك ما سيثير إهتمامك !

ابتسمت مجددا حال أن أخرجت بضع صور من حقيبتها ، و مدتها للرجل قائلة :
‏_هذه الصور أكثر من كافية لكتابة مقال عريض عن حياة أليستر قبل النجومية !

قلب الرجل الصور بين يديه بإهتمام ،
ينظر إلى الفتى المعروف الذي تحويه جنبا إلى جنب و هذه الفتاة !!

_هل كنت تعرفين أليستر .. نجم السيلفري سبيريتز ؟!

ازدادت ابتسامة جيني الماكرة اتساعا :
_هل تمزح ؟!

شدت قامتها بغرور و هي تضيف :
_كنا متحابين ، و لولا أنه قد تغير بعد أن فاز بمسابقة الغناء تلك و أصبح مشهورا لكنا خطيبين الآن !

_تقولين تغير ، بمعنى تخلى عن علاقتكما ؟!

قالها الصحفي و قد بدأ يشعر بإهتمام كامل فيما يمكن أن يكون قصة جيدة ليكتبها !
فكبتت جيني ابتسامة مسرورة ..
الساعتان التين وقفت خلالهما أمام مبنى هذه الجريدة المعروفة ،
تنتظر هذا الصحفي ليخرج لم تضيعا هباءا !

سرعان ما كسى ملامحها الجميلة تعبير أسى مصطنع وهي تقول :
_لما لا تدعني أخبرك القصة كاملة ؟!







قميصه الرمادي مفتوح الأزرار راح يرفرف مع هواء البحر البارد ،
مثلما كان شعره الأسود يتطاير بفوضى و قد بدا لامعا تحت أشعة الشمس.
بنطاله الداكن كان مطوي الطرفين حتى منتصف ساقيه بتجعيدتين غير متساويتين !

سار على حافة الشاطئ و قدماه مغمورتان بالمياه ... يغني بنبرة متألمة .. ينشد مع ألحان الطبيعة من حوله ،
و صوته المخملي يداعب قلب كل من يسمعه !
ملامحه الجذابة كانت تعكس انسجام أحاسيسه التام مع الكلمات ، عيونه الرمادية تبرق بشجن ..
و يداه تتحركان بصورة تعبيرية .. كما لو كان يخاطب شخصا غير مرئي !!

بدا أليستر كملاك مجروح بمظهره الجميل و صوته الرخيم الذي شكا غدر الحياة ،
كان كلوحة خرافية بديعة بتلك الهالة المتألقة التي تتبعه أينما ذهب !

لوحة .. لم يفسدها سوى الكم الهائل من الآلات و الأدوات و كذلك الأشخاص الملتفين حوله !!‏
ارتفع أمر المخرج بقطع التصوير ...
فساد الصخب مرتفعا بعد الهدوء السابق .. و ضجت تلك البقعة الصغيرة بالحركة.
أطلق أليستر تنهيدة متعبة عندما أعلن عن إنتهاء التصوير ..

أسرع نحوه اثنان من العاملين المنتفضين بالنشاط حوله ، وضع أحدهما معطفا على كتفيه ،
بينما جلب له الآخر خفين من النوع الذي يستعمل في نزهات الشواطئ ، لينتعلهما و قد كان حافي القدمين !
كان ذلك بينما يستمع إلى المخرج الذي أثنى على أدائه الممتاز هذا اليوم و شرح له بعض التفاصيل الأخرى لباقي العمل الذي سيكون غدا و مع رفيقيه !

تنهد للمرة الثانية وهو يدخل إلى مقطورته الصغيرة ،
ألقى بالمعطف على مقعد خشبي صغير كان عند زاوية المقطورة مع أنه لايزال يشعر بالبرد ، و قد كاد يتجمد هناك .. مرتديا فقط قميصا خفيفا مفتوحا .. واقفا وسط هواء البحر البارد !
على الأقل هو صور هذا المشهد فوق الشاطئ ،
بينما رايان المسكين كان عليه النزول في المياه !!
هز رأسه وهو يغلق أزرار القميص .. متمتما لنفسه أن المخرجين لديهم دائما أغرب الأفكار عند تصويرهم الإبداعي كما يسمونه !

لكنه أرهق اليوم .. إرهاق ما كان ليوجد لولا أنه واجه مشكلة في التركيز ،
صورة تلك النادلة لا تفارق ذهنه .. و لا ينفك يفكر فيها ،
لا يدري لما هو مهتم .. ليس من عادته أن يقلق على شخص بالكاد يعرفه ،
لكن تلك الفتاة ...
لقد أعادت إليه ذكرى لصبي صغير كان قد نسيه ... بدت شبيهة بذلك الطفل الذي كان يناضل وحده ضد صعوبات الحياة دون أن يحرز شيئا !!

أغلق أليستر عينيه للحظات ...
طفت رغبته إلى السطح .. حتى غدت قرارا حاسما سيقوم به ،
و لم تمضي دقائق حتى كان يغادر موقع التصوير ذاك بسيارته السوداء ...
متجها إلى المقهى ، ملبيا رغبته ببساطة ... و متجاهلا أي شيء آخر عداها !
كثيرا ما حركت أليستر نزعات تبدو غريبة و ربما غير منطقية للآخرين ،
لكنه بفضل إنقياده خلف نزعات كتلك .. أصبح مغنيا و حقق النجاح الذي يحظى به الآن !

كان أكثر حذرا هذه المرة وهو يدخل من باب المقهى المتواضع ،
ملتفا بوشاح رمادي و أسود .. فوق معطف بلون مشابه .. دون أن ينسى نظارته الداكنة ،
لم يكن سهلا أن يدرك أحد هويته الآن .. بدا مجرد شاب يشعر بالكثير من البرد ، و قد كان يشعر به فعلا بعد جلسة التصوير تلك !!

المدير البدين كان في استقباله فور أن دخل ،
لم تخطئ عيناه العلامة الفاخرة لتلك الثياب التي يلبسها ..
تجاهل أليستر ترحيب الرجل خاصة و أنه عرفه بطريقة ما ، قال :
_شكرا .. لكنني لست هنا لأطلب شيئا ، أتيت لأرى ويلو !

ظهر الاستياء واضحا على معالم الرجل الجشع ، قال متخليا عن نبرة الترحيب و الابتسامة الكبيرة :
_تقصد تلك الفتاة فانينغ .. لم تعد تعمل هنا ، لقد طردتها البارحة !

_لماذا ؟!

لوح الرجل بيده دون مبالاة :
_لا يمكن أن تظل تعمل لدي بعد ما فعلته ، مثل تلك الأخطاء لا يمكن أن أقبل بها في مقهاي .. و تلك الفتاة لا تنفك تكرر الخطأ تلو الآخر !!

عقد أليستر حاجبيه :
_ألست تبالغ في هذا ، ما حدث لم يكن يستحق ...

_إنه يستحق بنظري .. الزبائن لن يأتوا لمكان سيئ الخدمة.

تمتم أليستر :
_لا عجب و أنها تنعتك بالمدير الغبي !

_تنعتني بماذا ؟!

_أريد عنوان إقامتها من فضلك !!

طالب أليستر مقاطعا استنكار الرجل البدين أمامه ،
العبارة التي قالتها له ويلو تلك الليلة كانت تطوف في ذهنه الآن ... تمنح قراره السابق تغييرا جذريا .. و اندفاعا متجددا !

"و أنا علي أن أعمل بجهد كي أوفر لي وجبة طعام متواضعة !"



_سأدفع لك !

قالها أليستر حال أن رأى تعبير الرفض في وجه الرجل ،
تعبير .. سرعان مازال لتستبدله ابتسامته الجشعة :
_حالا سيدي .. لك ذلك !


جلس أليستر في أحد مقاعد المقهى الفارغ تماما في هذه الساعة من النهار ... بينما غاب الرجل في حجرة ما في الداخل ليجلب له العنوان من بيانات العاملين لديه !


سيقتله مارتيل حتما !!
فكر في ذلك بإدراك متأخر .. لكنه لا يستطيع منع نفسه الآن ،
تبا لمثل هذه النزعات الجنونية التي تتلبسه فلا يستطيع الفكاك منها ..
تبا للإهتمام الغير مبرر الذي يشعر به تجاه تلك الفتاة منذ رآها أول مرة ...
لقد أقسم أن لا يهتم بأي فتاة مجددا !

تجهم وجهه بشدة عند الفكرة الأخيرة ...
هذا حتما ليس ذلك النوع من الإهتمام ، إنه شيء يعيد له ذكريات قديمة فحسب .. مجرد حنين إلى الماضي !!

جلب الرجل له العنوان مدونا بورقة ..
أخذها منه أليستر و ناوله بضع ورقات نقدية في المقابل .. ثم خرج مغادرا المكان ...


صدم الهواء البارد وجهه فور أن خرج إلى الطريق ..
رغم أن الشمس كانت مشرقة اليوم .. إلا أن الجو ظل باردا.
الأشعة الباهتة لشمس الشتاء كانت تنعكس فوق الثلوج .. على أسطح المنازل الصغيرة المتقاربة ، و الأشجار اليابسة الخالية من الحياة !

لم يكن بحاجة للعودة إلى سيارته فالعنوان الذي حصل عليه لم يكن يبعد كثيرا عن ذلك المقهى ، كان على بعد شارعين فقط !

الأحياء هنا كانت سيئة الحال ، كانت منطقة لأناس يشقون طوال النهار من أجل لقمة العيش كما قالت ويلو ،
لم يكن عالما جديدا عليه .. لقد سبق و كان واحدا من هؤلاء ، بل و ربما أسوأ حالا !!
لكنه عالم ابتعد عنه تماما خلال السنة الماضية من حياته ..

صعد أليستر الدرجات الثلاثة لمنزل صغير بطلاء أزرق باهت .. كان يبدو محشورا بين منزلين أخرين .. بحيث أن حجم المنازل الثلاثة معا لا يكاد يساوي حجم بيت واحد عادي !!

أعاد نظارته إلى جيب معطفه ..
و رفع قبضته ليطرق الباب .. لكن يده ظلت معلقة في الهواء دون أن يفعل ..
شعر بتردد مفاجئ .. ماذا بعد ؟!
كل ما يراه الآن يثبت صحة اعتقاده ؟!
لكن ... بأي صفة سيظهر للفتاة ملوحا برزم نقدية ؟!!
هز رأسه بعزم و طرق الباب .. إذا كان ثمة شيء تعلمه جيدا عن هذه الحياة ،
فهو أن الكبرياء لا يطعم جائعا !!

فتح الباب بعد عدة دقائق .. ليظهر من خلفه رجل في أواسط العمر بكرسي متحرك !
تبادل هو و أليستر النظرات للحظة ، تأمل الرجل مظهره خلالها بعيونه الزمردية الهادئة .. عيون ذكرته فورا بويلو رغم أنها بدت أكثر وقارا و نضجا.
ثم كان الرجل الغريب يسأل :
_هل أخدمك بشيء .. أيها الشاب ؟!








xX تحذير .. يرجى رجاءا حارا عدم الرد ~


‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏
[/ALIGN]
[/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN]
__________________




افتَقِدُني
music4

رد مع اقتباس