عرض مشاركة واحدة
  #341  
قديم 08-12-2013, 06:02 PM
 
[ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:100%;background-image:url('http://im36.gulfup.com/vpjl3.png');"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]





.
.


*الفصل السابع*




شعور كالبهجة الطفيفة لرؤية صديق بعد غياب .. تسلل إليه ،
و بسمة -ليست واجبة بداعي التهذيب بل شيء نابع من القلب- ارتسمت على شفتيه ،
كل ذلك استجلبه مرأى الفتاة التي صافحته بارتباك تخفيه ، و ابتسامة جميلة -رغم ترددها- خصته بها.

ويلو ...
فكر أليستر ، ماذا كان مميزا فيها إلى الحد الذي يغدو معه حضورها أقوى تأثيرا في كل مرة ؟!
ما سر تلك العذوبة التي تطغى عليها ... مبتسمة و خجلة كانت ، أم غاضبة و منزعجة ؟!

_تبدين بأفضل حال.

قال أليستر بعد أن تبادلا تحية قصيرة متأملا هيئتها التي بدت متألقة اليوم ،
فأجابته بابتسامة و قد توردت وجنتاها ،
بينما تنظر إليه مبهورة ... تشعر تقريبا أنها قد نست كم كان وسيما !
رمادي عينيه بمزيج الشجن و الرقة الخاص كان يبرق بعمق ..
و شعره الأسود المصفف دون ترتيب معين يلمع تحت أضواء الفندق ..‏

ببنطال جينز أزرق و كنزة بيضاء ناسبا جسمه الرياضي النحيل ، بدا لها أكثر أريحية و أكثر وسامة مما تتذكر !

تمكنت من التحدث بطبيعية متجاهلة أمواجا لم تألفها راحت تتدافع في أعماقها :
_شكرا .. ربما هذا لأنه أول لقاء طبيعي لنا .. نوعا ما !

ابتسم :
_طبيعي دون رشق بالقهوة ؟!

أضافت و آخر جزء من الارتباك يغادرها :
_و دون مجنون يصرخ في الجوار !




راقب الثلاثة في الخلف حوارهما المازح بشيء من التعجب ، و بإدراك لحقيقة بدؤوا يتأكدون منها شيئا فشيئا ...
وجودهم كان هامشيا فجأة .. و الثنائي المغيب البال -كل في الآخر- لم يكن ليلتفت إليهم في أي وقت قريب !


_غريب أن تسأل عن ساشا ، لقد أثارت جنوني بإصرارها على المجيء لرؤيتك ... بما تهامستما بالمناسبة ؟!

_وعدتها ألا أخبرك ... إنها طفلة لطيفة !

_الشيء اللطيف الوحيد هو ما فعلته من أجلي ، أليستر أنا ...

_انسي ويلو .. ليس بالأمر الذي يستحق أن ...


أحاطت عنق أليستر بمشاكسة فظة .. ذراع أجبرت رأسه على أن يميل جانبا ليقطع عبارته ،
‏بينما يطالب صاحبه بمرحه المتقد :
_هيه أليس .. يفترض أن تعرفنا صديقتك ، أتذكر ؟!

راقبتهما ويلو و ارتباكها الذي تلاشى حال رؤيتها لأليستر ليستبدله ارتياح مألوف ، يعاودها الآن فجأة بعد أن تذكرت لقائها المرتقب بزميليه !

لم ينتظر ليو إجابة أليستر بل شرع يعرف نفسه بنفسه :
_أنا ليونيل وارن .. نادني ليو ، مسرور لمقابلتك أخيرا ... لم يتوقف أليس عن الحديث عنك لحظة طيلة الأيام الماضية !

ارتفاع حاجبي أليستر وهو يرمقه باستنكار صامت ،
بالإضافة إلى شيء من المكر ظهر على الفتى بالرغم من ابتسامته البريئة ،
جعلا ويلو تدرك بوضوح أن الجزء الأخير من عبارته لم يكن صحيحا !

ابتسمت تلقائيا للفتى الوسيم ، لطيف الملامح ، الذي كان يشع مرحا و طرافة !
بدا شخصا تسهل محبته ، أبعد ما يمكن عن النجم المتعجرف الذي صنعته في مخيلتها ،
صافحته بتهذيب :
_ويلو فانينغ ... سعيدة بمعرفتك !

_آنسة فانينغ .. أخبرنا أليستر بالكثير عنك !

خاطبها العضو الثاني من الفرقة وهو يتوقف إلى جانب أليستر الآخر ،
شاب ممشوق القامة ، أنيق بجاذبية شديدة .. بدا و كأنه خارج من مجلة لعارضي الأزياء.
و إن كان ليو أكثر عفوية من أن يبدو كنجم مشهور ، فصاحب الشعر الرملي الطويل كان العكس تماما !
التقط كفها يقبل ظاهره كتحية ، وهو يتابع بابتسامة ساحرة جعلتها تحدق فيه ببلاهة :
_لكنه أغفل الكثير ... فلم يخبرنا قط كم أنت جميلة ، أنا رايان لابد أنك تعلمين هذا مسبقا .. سعيد بمعرفتك آنسة فانينغ !


بعيدا عن اغتياظ أليستر من الإتفاق الغير المعلن بين صديقيه في التسلي على حسابه ،
احمر وجه ويلو و تمتمت برد ما لم يكن واضحا وهي تستعيد كفها بتهذيب خجل ،
لم تتوقع أبدا -بالرغم من المرات التي ظلت تتخيل فيها هذا اللقاء- استقبالهم لها و كأنها صديقة .. شخص هم مهتمون بمعرفته !
تشعر بالكثير في هذه اللحظة لكن أوضح شعور لديها هو الحيرة !
السيلفري سبيريتز أذهلوها في الفترة الماضية أكثر مما أذهلت في حياتها كلها .. و لديها إحساس أنها البداية فحسب !!

قدم لها أليستر الرجل الأشقر ذي النظرات -الذي لم تلحظه بادئ الأمر- على أنه وكيل أعمال الفرقة ..
و ألقت عليه تحية مهذبة محاولة ألا تدهش من حقيقة أن رئيسها في العمل بالكاد يبدو أكبر من أعضاء الفرقة أنفسهم !
‏و لسبب ما خيل إليها أنهم يزفرون أنفاس ارتياح ... حين رد الرجل المدعو مارتيل براندون تحيتها بابتسامة مرحبة لطيفة !

_براندون ؟!

تساءلت ويلو بفضول مستغربة الكنية المشتركة بين رايان و مارتيل ،
و هي تحاول في ذات الوقت أن تتذكر شيئا من ثرثرة جودي الزاخرة بالمعلومات عن هذا الأمر.

_نحن أقارب.

وضح مديرها الجديد بذات الابتسامة اللطيفة التي كانت تثير في من حولها تعجبا لم تعرف له سببا !

_دون أي شبه طبعا ... أقارب بالاسم فقط.

تبرع رايان بمزيد من التوضيح بلهجة من ينفض عنه إهانة ،
علمت ويلو أنها دعابة .. و مع ذلك وجدت التلميح غير عادل.
ف.براندون الأكبر و إن لم يبدو كالنجوم و المشاهير .. امتلك مظهرا حسنا لم تنجح في إخفائه نظارته الطبية أو فوضوية شعره الأشعث المناقضة لرسمية بذلته !

قال مارتيل و قد انقلبت ملامحه إلى التجهم :
_قليل من التظارف سيكون كافيا رايان ، لا تجعلني اكشف للجميع ماذا نتشارك بالإضافة للاسم !

مط المعني شفتيه بعدم اكتراث :
_همم .. لا أفهم ما يعنيه هذا.

_هناك الكثير يتشاركه أبناء العم عادة ... حياة حافلة بالقصص الممتعة مثلا !

_آه ذلك النوع من ال ... لكنك لن تكون الرابح إن بدأت .. مجرد تحذير مارتيل !


تنحنح أليستر لافتا انتباه ويلو التي كان تراقب جدلهما العفوي ذاك بإنشداه ،
مال برأسه قائلا :
_إذا ... ها أنت تتعرفين السيلفري سبيريتز بعيدا عن الشاشة ... أنقول خاب أملك ؟!

ابتسمت وهي تتمتم :
_لا ، لكن الجميع ... مختلف عما تصورته ، لطفاء دون تصنع أو تعقيد ... لستم كالمشاهير حتى !

بادلها الابتسام :
_الآن و قد علمت ذلك ، احفظي سرنا .. تكن الوظيفة لك !

ضحكت قائلة :
_اتفقنا ...


في أعماقها استشعرت ذات الشعور الغريب الجميل ثانية ..
عيناه أيضا ابتسمتا لها ... لونهما الرمادي كان يبرق بدفء بينما يراقبها تضحك.

شيئا فشيئا .. انسحبت الضحكة و انحسرت الابتسامة ..
ظلت تنظر في عينيه -كما كان يفعل- للحظات أحستها خارج الزمن ...


_هيا الآن .. لا مزيد من تضييع الوقت فلدينا عمل لنقوم به !

عبارة مارتيل قطعت لقاء الأعين الثاني ...
و الذي سبب لها رعشة صغيرة في قلبها ، العينان الرماديتان بدأتا تبرعان بشكل خاص في تغييبها عما حولها !
لم تملك الوقت للتساؤل عن ذلك .. فمارتيل توجه إليها بمهنية مباشرة :
_اليوم سأريك فقط نوع العمل الذي سأحتاجك فيه في الأيام القادمة آنسة فانينغ ، افترض أنك لا تملكين خبرة ؟

أومأت برأسها إيجابا محاولة أن لا ترتعب من الكلمة ..
خبرة ؟! و أي نوع من الأعمال سيكون هذا الذي يتطلب الخبرة ؟! ماذا سيكون دورها معهم بالضبط ؟!

تابع مارتيل بابتسامة صغيرة خفف بها من توترها :
_حسنا .. لا شيء صعب فيما ستقومين به ، لازميني و سأشرح لك ما تحتاجين معرفته آنسة فانينغ.

_ويل .. نادني ويل ، شكرا سيد براندون سأبذل جهدي.

أنهى مارتيل الحديث بهزة موافقة من رأسه.
كانوا يقطعون الرواق الواسع للفندق .. و وحدها من تتطلع بإنبهار متجدد إلى معالم البذخ المفرط حولها .. من اللوحات الجميلة و السجاد الفاخر و زينة الميلاد المنمقة !

ليو و رايان في الخلف راحا يتبادلان حديثا تهكميا عن مدى تلهفهما للقاء شخص لم تعرفه .. و اكتفى أليستر بإيماءة عابسة من وجهه يوافقهما بها ،
بدا واضحا أنهم ليسوا معجبين بذلك الشخص أيا كان !

تشاغلت ويلو بتأمل المكان حولها .. عن استراق النظر لأليستر الذي يسير إلى جوارها صامتا ،
و فجأة كان الطريق الذي قطعته آنفا -ببضع دقائق فقط- مديدا جدا .. من الرواق إلى المصعد إلى البهو ... مديدا وهي تحاول مجاراة خطوات الساقين الطويلتين التين تمشيان بجانبها بهدوء !

أعجبها المكان و أناقته الباذخة ، لكنها أحبت بشكل خاص شجيرات صغيرة بأوعية ذهبية صفت على مسافات منظمة من بعضها البعض .. كانت تحمل لمسات من زينة العيد ،
ودت لو باستطاعتها الحصول على واحدة لمنزلهم الخالي من أي زينة هذا العام أيضا !

‏اتسعت عيناها بإنبهار تام لمرأى الشجرة عند بهو الاستقبال في الفندق ...
أضخم و أجمل شجرة ميلاد تراها في حياتها ،
تعلوها النجمة الذهبية المضيئة و الزينة المتلألئة بأشكال و أحجام عديدة و قطع الحلوى و مغلفات الهدايا الصغيرة ..
كانت مبهرجة تنم عن الترف ، لكن جميلة و يسودها بشكل خاص اللونين الرئيسيين للعيد ... الأحمر و الأخضر.

ابتسمت بحزن مستعيدة ذكرياتها عن شجرة العيد البسيطة التي كان يجلبها والدها كل سنة في الماضي ،
فتساعده على تعليق الزينة عليها مع أمها و حتى ساشا التي لم تكن تفعل الكثير بأعوامها الأربع آنذاك !


_مضيعة ضخمة للوقت و الجهد ، أليس كذلك ؟!

قاطعت عبارة أليستر الفاترة أفكارها لتلاحظ أنه توقف بجانبها ينظر إلى الشجرة كما تفعل ... لكن بتعبير ضيق غريب.

لما تكره أعياد الميلاد ؟!
ودت لو تسأله .. لكنها تحركت معه بصمت ليتبعا الآخرين إلى خارج الفندق ...
ستسأل حتما ، تلبية لفضولها الغريب إتجاهه ..
ستسأل إنما ليس الآن ..










صحبة السيلفري سبيرتز كانت حافلة و ممتعة ... تقريبا بقدر ما كانت مرهقة أيضا !
تنقلت معهم طوال اليوم من جلسة توقيع للمعجبين ، إلى استوديو التسجيل ، و إجتماع لم تعرف عما كان مع المنتجين ..
نهارها بدا براقا أشبه بحفلة صاخبة !

هل اعتادت كل هذا ؟ لا ..
بدأت تعتاد ؟ أيضا لا ..
لكنها فهمت بعد ساعات قضتها مع مارتيل ، نوع العمل الذي سيكون عليها القيام به ..
تأكيد حجوزات ، تدوين المواعيد ... و أمور أخرى بدت بسيطة لكن تحتاج تركيزا كليا ...
إن أرادت إرضاء "الرجل المغرم بالدقة" كما يسميه شبان السيلفري سبيريتز ضاحكين !
عمل مرهق ربما .. لكن ليس شيئا لا تستطيع التعامل معه.


توجهت إلى حجرة الاستراحة في الاستوديو ، بعد أن أخبرها مارتيل بأن كل شيء انتهى لليوم ، و أنها ستبدأ العمل كما شرح لها غدا.
طلب منها أن تسبقه و تنضم إلى الآخرين في الاستراحة ... بينما تخلف هو يتحدث مع شقراء أنيقة .. كانت مديرة الاستوديو كما فهمت.
و لو أن شيئا ما جعلها تلتفت من فوق كتفها بينما تمشي مبتعدة ...تنظر إليهما بتساؤل عن مدى مهنية الحديث الذي يتبادلانه ، فقد بديا منسجمين جدا !

خاب أملها حين دلفت إلى الحجرة و لم ترى أليستر مع ليو و رايان الجالسين على المقاعد الوثيرة باسترخاء ،
بدا واضحا أن الإثنين كانا يتجادلان في شيء ما و توقفا حال رؤيتها ،
لم تستفسر عن ذلك .. و سألت :
_أين أليستر ؟!

النظرة المتمهلة الكسول التي رمقاها بها جعلتها تشعر أنها تفوهت بالشيء الخطأ في الوقت الخطأ ،
احمرت دون أن تحتاج جهدا لتفهم معنى الابتسامة العارفة على وجه الإثنين.


_أليستر محظوظ ... محظوظ دوما و لا أحد يعلم سر ذلك !

_هذا ليس جوابا ليو ، لا تكن عديم اللباقة.

وبخه رايان ، فقط ليضيف بعد لحظة بابتسامة ملتوية :
_و ما حاجتك إليه ويل ، إن رفقته مضجرة ... أكثر من مارتيل حتى ، لما لا تجلسين معنا أفضل بكثير ؟!

_أحتاج أن أحدثه بأمر خاص.

تمتمت ويلو محاولة أن تبدو جاهلة بالمغزى خلف عباراتهما ،
لكنها سرعان ما ندمت على إختيارها الغير موفق للمفردات ،
حين راح ليو يقول مصطنعا خيبة الأمل :
_أمر خاص .. خاص و معه ؟!! .. و ها قد طارت الفرصة قبل أن تولد حتى !‏

استنكر رايان :
_أحقا ؟! أعني .. أحقا ؟! لا يبدو أليستر فتى "أمور خاصة" ؟!

تحدث ليو بنبرة استياء مضحكة حين لم تجبهما :
_و ما المميز في أليستر على أي حال ؟!

أكمل رايان بتوافق عجيب بين الإثنين :
_تسريحة شعره الناعم ربما ؟!

_أو نظرة عينيه الكئيبة ؟!

_و من يعرف ما يدور في عقول الفتيات ؟!

عضت على شفتها السفلى تبتلع حرجها ،
قبل أن تعقد حاجبيها و تقول بجدية مهزوزة -لرغبتها بالضحك على تعليقاتهما- :
_هذا ليس ما قصدت و أنتما تعلمان ذلك.

ثم أردفت غير قادرة على كبح ابتسامتها أكثر :
_الآن ... أين يمكنني أن أجد أليستر ؟!

_مازلنا نأمل ألا تفعلي في الحقيقة ... إنه في الغرفة عند نهاية الممر.

ابتسمت شاكرة لليو ، و انسحبت مغلقة الباب خلفها ...
و هذا شيء آخر كانت تجهله عن السيلفري سبيريتز !
‏لضحكت لو لم تكن بهذا الإحراج ..
رايان و ليو لا يتركان لها أي مجال للرسمية في التعامل معهما !



محدقين في الباب الموصد .. بادر رايان بإعتداد صرف :
_قلت لك !

ضيق ليو عينيه :
_ماذا ؟ أنا لم أرى شيئا ذا معنى ... مجرد فتاة لطيفة تريد التحدث معه بأمر خاص !

أشار رايان إلى حيث كانت تقف ويلو مؤكدا :
_كفاك الآن ... إنهما مفتونان ببعضهما البعض ، حتى الأعمى يرى هذا !

_كل ذلك لأنها لم تقع أسيرة سحرك المزعوم ... هون عليك يا رجل.

نهض من المقعد يمط ذراعيه بتعب ، وهو يواصل :
_بالمناسبة هل حلت أزمتك فجأة ؟ تبدو اليوم مسترخيا هادئ البال.

ردد رايان باستغراب :
_أزمتي ؟!!

_أجل .. أنت تعلم ، تلك التي كانت تجعلك هادئا و واجما طوال الوقت ... تكاد تكون نسخة أسوأ عن أليستر !

_و متى كنت واجما ؟!

استدار ليو إليه و هز رأسه بمعرفة دون أن يجيبه ،
فضحك رايان :
_لابد و أنك تمزح ... أفجأة أصبحت ترى أبعد من أنفك ؟!!

ثم ابتسم بشرود مردفا :
_لم تكن أزمة .. لقد كان سؤالا في الواقع .... و مازلت أنتظر إجابته !









نغمات غيثار متفرقة انسابت إلى مسامعها فجأة ، و جعلتها تتوقف أمام باب الغرفة عند نهاية الممر دون أن تدخل ..
تطلعت إلى داخل الغرفة تبحث ببصرها من خلال الباب الموارب عن مصدر ذلك اللحن الجميل ،
جالت عيناها في الغرفة الكبيرة المليئة بالآلات الموسيقية المنوعة .. قبل أن تحطا أخيرا على أليستر في الجانب الأبعد من الغرفة ،
يجلس على مقعد طويل دون مساند .. من النوع الذي يعزف عليه في المسرح عادة ،
إحدى قدميه مستندة على إحدى درجات المقعد .. ليحتضن بسهولة أكبر غيثارا كانت يده تداعب أوتاره لتصدر تلك الأنغام الجميلة ...

لم يكن ليراها وهو عاقد حاجبيه مغمض عينيه بإنسجام مع الألحان.
فوقفت تتأمله بصمت ... غير راغبة في تعكير تلك الصورة التي بدت لها خيالية على نحو ما ..

أشعة الشمس الغاربة كانت تنفذ من النافذة الزجاجية الكبيرة بجانبه ،
تضفي عليه هالة غموض ذكرتها بأول مرة رأته فيها يغني على المسرح و الأضواء تلفه
بتقاسيم وجهه الوسيم تعكس شجنا هادئ ، بعينيه ذات البريق الغامر بالغموض و الأسرار !

تشعر أنها لن تعتاد أبدا ذلك الإحساس الذي يموج داخلها كلما وقعت عيناها على هيئته ...

أجفلت حين بدأ يغني مع اللحن الهادئ ... رغم أنه بدا واضحا أن تلك الأنغام كانت تمهيدا لأغنية ،
و بصوت رخيم له صدى خاص في أعماقها .. أنشد أليستر :

_يهطل الثلج ..
ترن الأجراس ..
و ينتشر الفرح في الأجواء ..
هي ليلة عيد .. أجل !


تباطأ اللحن عذبا على نحو أنهض فيها حزنا مفاجئا .. و هي تسمعه يواصل :

_و لسبب أو آخر .. غاب عنه العلم ،، الليلة تلفني الظلمة !
تخبط و تيه .. يلبدان سمائي ،، و من بعدها تتسلل نغمة !
لكنها ليست كافية ... فحياتي لا تهزها وحدها هذه النغمة !



ثانية سكون ...
وقفة عن العزف و الغناء .. لثانية فقط كانت كل ما أحتاجته لتشعر بالألم في صدرها بدأ مصاحبا لتلك الكلمات ،
جعلها ذلك ترى الابتسامة الصغيرة التي ارتسمت على شفتي أليستر غير مفهومة ...

لكن فقط عند فكرتها الأخيرة .. عاد يعزف من جديد ، ذات اللحن العذب يداعب مسامعها بوتيرة أسرع ..
بعثت شيئا من البهجة المفاجئة إلى أعماقها ...
كان ما تحسه تناقضا تاما !
و صوته الرخيم برنة العمق خاصته يغني :

_يهطل الثلج ..
ترن الأجراس ..
و يعبق السحر في الهواء ..
إنها ليلة عيد .. أجل !
و ترشدني أمنية .. أن أقف و أدع من يرحل ،،
إن حل شتاء دائم .. فدفء اللحظات معه يظل ،،
يبقى الحنين يلون العيون ..
و روح الميلاد من حولنا تحوم ..
بنعومة تهمس لي .. لن تفقد السرور ،،


تسمرت ويلو ترقب بإنبهار صامت ...
كيف محى بأغنيته كل شيء من حولها عداه !
كيف أن الحزن الذي هيجه داخلها بادئ الأمر .. ترامى خلف ظهرها و كأن لا رجعة له !
تشعر بكلماته تناجي شيئا في أعماقها ...
و كأنه يغني لها هي ، أهذا جنون ؟!

نبرته غدت أكثر قوة ، تصدح بعذوبة سلسبيلية ... دون أن تفارقه تلك الابتسامة :

‏_يهطل الثلج ..
ترن الأجراس ..
و يعبق السحر في الهواء ..
ليست ليلة ،،
و لا أريدها مجرد ليلة ..
لا تعنيني فرحة لمرة واحدة ،،
ما انتظرته .. سحر يدوم حتى النهاية و ما بعدها !


الابتسامة الصغيرة على شفتي أليستر كانت تتسع بحبور ... لتأخذها و بريق العينين الشاردتين ، بعيدا .. إلى عالمه الخاص :

_فلسبب أو آخر .. غاب عنه العلم ،، الليلة تلفني الظلمة !
باتت ذكريات جلية تسرح بسمائي ،، و من بعدها تتسلل نغمة !
قد لا تكون كافية ... فحياتي لا تهزها وحدها هذه النغمة !
لكنها بداية .. بداية أنوار سعادة ،،
وعد روح الميلاد لي .. بالسعادة ،،

ذكرياتها راحت تتزاحم في لحظات قليلة .. متراقصة في ذهنها على ألحان و كلمات أغنيته ...
ذكريات عن الميلاد السعيد في الماضي ..
عن الضحكات في لمة عائلة باتت تنقص فردا ...
ذكريات يستثيرها ببراعة ، فيداعب روحها كما يداعب غيثاره ...


_يهطل الثلج ..
ترن الأجراس ..
و يعبق السحر في الهواء ..
هي ليلة عيد .. أجل ،،
لكن ليلة ... لا ينضب سحرها !!‏

شاركته ترنيمته الأخيرة .. و هي تشعر أنها صادرة من قلبها .. مرتبطة بها ، رغم أنها تسمعها الآن أول مرة ..
أهذا سحر السيلفري سبيرتيز الذي أنكرته دوما ؟!!

ببضع نغمات هادئة كما بدأ ... كان قد ختم أغنيته ...
و سكن اللحن الجميل تاركا آخر نغمة معلقة في الهواء ..

ظل أليستر ينظر أمامه شاردا ،
حتى دخلت ويلو إلى الغرفة بشيء من التردد ... فرفع رأسه بإتجاهها ،
لوهلة بدا لها متفاجئا .. كما لو أنه رأى شيئا يبعث على الاستغراب !
ثم كان يرد على تحيتها الخافتة بهدوء .. وهو يراقبها تخطو مقتربة منه حتى توقفت أمامه.
تحدثت ويلو قاطعة لحظة صمت لم تدم بينهما ، و تعابيرها مازالت تحمل شيئا من تأثرها بالأغنية التي سمعتها :
_ظننتك ... لا تحب الميلاد.

أرجع رأسه إلى الخلف ليقول مؤكدا :
_لا أحبه فعلا.

تمتمت ويلو بشيء من الحيرة :
_و لماذا إذا ... قد تكتب أغنية رائعة كهذه عن الميلاد ؟!

_لا نختار دوما مواضيع أغنياتنا ... لقد واجهت صعوبة في كتابة هذه الأغنية طيلة أسبوع ، حتى جاءني الإلهام هذا اليوم فجأة.

_الإلهام ؟!

‏استفسرت ويلو ... و في أعماقها استغراب من التلقائية التي يتحدث بها معها ، و التي أحستها شيئا لا يتسم به أليستر مع الجميع.
هل هو أيضا يشعر بهذه الإعتيادية الغريبة بينهما ، و كأنهما صديقان منذ زمن ؟!!

أراح ذراعيه فوق الغيثار الذي كان سطحه الخشبي المصقول يلمع إثر ضوء المغيب الذي يغمر الغرفة ،
كما كانت العينان التين بدتا داكنتين الآن تعكسان نور الغروب و هما ترمقانها على نحو غريب دافئ !

_أجل الإلهام ... في فتاة ترى في العيد ذكرى سعادة و أمان ، تؤمن أنه مهما حدث سيجلب لها الميلاد الفرح مرة كل عام ... صورتها وهي تتأمل شجرة الميلاد كانت حكاية تروي نفسها !

_أنت .. تتحدث عني ؟!!

أجاب ذهولها بابتسامة مرح صغيرة :
_أجل.

بقيت واقفة تحدق فيه بعينين متسعتين ... راقبها تبتلع دهشتها ، لتحمر وجنتاها و تبتسم ..
لم يتوقع ما فعلته تاليا ، إذ خطت لتجلس إلى جواره على المقعد الصغير الذي بالكاد اتسع لهما ،
و بتلقائية طريفة ذكرته بأختها الصغرى راحت تقول :
_هذا شرف كبير ، انتظر حتى أخبر الجميع أنني مصدر الهام إحدى أغنيات أليستر شون ، هل ستكتب لي اهداء ؟!

قالتها وهي تعتدل جالسة لتضع حقيبة ظهرها الصغيرة في حجرها ،
ثم تلتفت إليه و عيونها الزمردية تبرق سرورا و مرحا في وجهها المتورد ،
تساؤل لم يكن في محله مر بخاطر أليستر ... كيف قرر سابقا أنها ذات جمال عادي ؟!!

ضيقت عينيها تنظر من النافذة إلى لون الغروب الدافئ ينعكس على الأرض البيضاء المغطاة بالثلج خارجا ، قبل أن تعود ببصرها إليه :
_لديك قلب فنان .. مؤكد تعلم ذلك !

تفاجأ أليستر لثانية ثم قال مبتسما :
_تقولين أغرب الأشياء على الإطلاق.

حملقت أمامها في اللاشيء .. و يداها مبسوطتان إلى جانبيها فوق المقعد العديم المساند ،
تؤرجح ببطء إحدى قدميها التين بالكاد لامستا الأرضية الخشبية لإرتفاع أرجل الكرسي.

تململت بعدم ارتياح متأخر لهذا القرب الشديد بينهما .. فذراعاهما كانتا تتلامسان ، و لا يبدو عليه أنه يلاحظ ذلك حتى ، غارقا بصمته الغريب و مسترخيا بهدوء رغم وجودها بجانبه !


تحدثت ويلو بعد قليل .. بتردد واضح ، غير متأكدة إن كان سيجيبها ،
فحتى اللحظة لم يكن بوسعها تصنيف المودة التي بينهما لشيء معين :
_أليستر .. هل أستطيع أن اسألك ... لما تكره أعياد الميلاد ؟!

كانت واثقة أن لمحة الشجن الخفي في عيونه لها علاقة ما بكرهه للعيد ،
و إن كانت تتوقع أيضا أن لا يجيبها و يعتذر عن ذلك بلباقة ...
هل كان تطفلا أن تسأل و لم تمضي فترة على تعارفهما ؟!
لكن هما بظروف تقابلهما الغريبة قد تجاوزا هذه الرسميات بكثير من المراحل !!


_إنها حادثة قديمة ...

بدأ أليستر يقول بنبرة لا تعكس شيئا ، فالتفتت تنظر إلى وجهه علها تقرأ شيئا من الأفكار التي تدور بخلده ...
الهدوء فقط ما كان يطغى على تعابيره وهو يواصل :
_قتل أبي عشية الميلاد ...

توسعت عينا ويلو بصدمة :
_قتل ؟!

_أجل ..

أرجع رأسه إلى الخلف قليلا ليحدق بتركيز في فراغ الغرفة ، كما لو أنه يستذكر شيئا :
_تلك الليلة ... كنا نجول قرب الأسواق في مركز المدينة ، بطريقة ما أصبحنا فجأة وسط مطاردة بين مجموعة مجرمين و رجال الشرطة ... حدث إطلاق للنار ، و أصابت طلقة طائشة والدي ..

‏انعقد حاجبا أليستر وهو يضيف :
_لا أذكر أيا من ذلك مع أني كنت برفقته وقتها ... كنت أصغر من أن أتذكر ، لكن صورة مبهمة عن هذه الحادثة بقيت عالقة في رأسي حتما و جعلتني أبغض كل ما له علاقة بالميلاد ...

رغم أن تعابيره لم تدل على أي شعور بحزن تبعثه فيه تلك الذكرى ، إلا أنها لم تستطع أن لا تشعر بالسوء لإثارتها موضوعا كهذا .. همست :
_أنا آسفة ..

_لا بأس .. ليس بالمعضلة الكبيرة حقا ، لكن مازال الميلاد شيئا منفرا غير بهيج بالنسبة لي !

ثم و كأنه لم يلقي للتو بحقيقة جعلتها تصدم من هولها ،
ابتسم ينظر إليها :
_حسنا ... و الآن دوري لأسألك ، لما كنت تسترقين السمع ؟!

احتاجت دقيقة لتستوعب ما يقصده ، قبل أن تجيب بنفي بالغ :
_لم أكن استرق السمع ... لقد كنت أبحث عنك ، ثم وجدتك هنا و أنت تغني ... لم أرد أن أقاطعك .. أنا ..

_ويل .. اهدئي أنا أمزح.

عبست حين ضحك و احمر وجهها :
_حسنا .. و أنا لست معتادة على مزاحك ... ليس شيئا مضحكا على أي حال !

راقبت ضحكته بإنتباه كامل ، أمر ما أنبأها بأنه من النادر أن يضحك أليستر ... ندرة شيء جميل كالحلم !
في رأسها تباين بوضوح الفرق بين صورته ضاحكا و بين هيئته ملتفا بهالة من الشجن الغامض ،
هل كان قلبها يزداد خفقانا ؟!

أخذت نفسا عميقا :
_أردت أن أعيد لك هذه.

قالتها وهي تمد إليه ظرفا أخرجته من حقيبتها ،
فتناوله أليستر ليجده يحوي نقودا ... شرحت له بابتسامة ممتنة :
_أبي إستطاع أن يتدبر المبلغ .. شكرا لك.

رد لها الابتسامة بأخرى هادئة ..


_عفوا آمل أننا لا نقاطع شيئا ؟!

_ما الذي تضيعون به الوقت رفاق ؟!

نهضت ويلو واقفة بإحراج .. للقرب الذي كانا عليه هي و أليستر ،
لا تدري كيف لم تشعر بدخول ليو و رايان إلى الغرفة ..

_ما الأمر شباب ؟

سأل أليستر رفيقيه ، فأجاباه بابتسامات واسعة جعلته يستعيد غيظه منهما ..
قال رايان :
_لا شيء .. أتنويان أن تبقيا هنا طويلا ؟! نحن سنغادر ..








ابتسم وهو يراقبها تعقد حاجبيها بتركيز في مراجعة أيا كان ما دونته في دفتر الملاحظات الذي أمامها ،
أتدرس وقت استراحة الغداء أيضا ؟! لا يستطيع فهم الداعي لهذا خاصة و أنها طالبة متفوقة ،
لكنها كيلي ميتشيل على أي حال ، ابنة الوزير الغريبة الأطوار !

تورد وجنتيها و الارتباك الذي يعلو محياها الناعم فضح إحساسها بنظراته و إن حاولت التظاهر بالعكس !
ظلت تحملق في الأوراق بإصرار كبير حتى حين وقف أمامها مباشرة ،
ينظر إلى غرابة مظهرها وهي الوحيدة التي استعاضت عن صينية الطعام بالقلم و الأوراق في جلستها في كافيتيريا المدرسة ،
هل دائما ما تجلس وحدها ؟!
لقد سمع من رفاقه أشياء كعدم حبها للإختلاط بأحد ،
لكن ذلك فقط لا يبدو منطقيا .. إذ أنها بدت له بوضوح من معرفته القصيرة بها فتاة ودودة رغم خجلها لا ترفض الرفقة !

امتدت ابتسامة متسلية على شفتيه وهو يرى كيف تسمرت يدها بالقلم على الورقة لا تتحرك رغم إدعائها الانشغال .. محاولة أخفقت بها للظهور بمظهر اللامبالي !

سحب الكرسي قبالتها و جلس دون دعوة ، ما جعلها ترفع رأسها إليه باستنكار مكبوت تجاهله هو كليا !

_ماذا تفعلين ؟!

ابتدر يسأل بفضول وهو يميل برأسه إلى الأمام مظهرا رغبته بقراءة ما تكتب ،
فأغلقت الدفتر متمتمة :
_أنهي مشروعا لنادي الأدب في المدرسة.

_لما لست تتناولين غداءك كالآخرين ؟!

_أستطيع أن اسألك السؤال نفسه !

قالت تنظر إليه بعيونها النجلاء ، منزعجة تماما رغم ارتباكها ... هي تظنه يتسلى بها !
مازال يجد ذلك غريبا ... أن يقرأ أفكار شخص ما بوضوح على وجهه !

جاراها بابتسامة :
_فكرت أن أجلس معك ... نتحدث بدل أن نأكل.

_و لماذا أنا ؟!

تنهد قائلا :
_أنت لا تنفكين تكررين ذات السؤال ، ما الأمر .. ظننت أن بوسعنا أن نكون أصدقاء ؟!

_أصدقاء .. أنا و أنت ؟!

دفقة من السرور في تعابيرها تكبح من جديد خلف عدم التصديق و التشكيك ،
ما بالها هذه الفتاة ؟!

_هل ثمة مانع ؟!

أومأت نفيا تعود بعينيها إلى الأوراق أمامها ، لكن لم تفته تلك النظرة السريعة التي ألقتها على شيء ما خلفه. أخبرته بعد لحظة بنبرة اتهام خفي :
_لكن صديقتك .. قد لا تحبذ هذا !

_أي صديقة ؟!

_الصديقة ... أنت تعلم .. تلك التي .. أقصد تانيا !

ضحك باستغراب :
_و ما شأن تانيا ؟!

_هي قالت ... أعني أنتما ...

بترت عبارتها الغير مفهومة و وجهها يحمر إحراجا بترافق مع شعورها بالغباء ،
من الاستفهام البادي على وجهه يظهر جليا أن حديث تانيا تلك كان إدعاء من طرفها فقط ...
و هي صدقتها كالساذجة حين تكلمت أمامها قبل أيام عن الإعجاب المتبادل بينها و بين ليو بشكل أرادت من خلاله إيصال رسالة إليها بالابتعاد !
عادت تلقي نظرة أخرى إلى الفتاة ذهبية الشعر .. شديدة الجمال و الثقة ،
و التي كانت تنظر إليها شزرا في هذه اللحظة من مقعدها على طاولة ليو المعتادة مع أصدقائه ..
الطاولة التي تنقص الفرد الحيوي الذي يجلس قبالتها الآن ،
هل تشعر تلك الفتاة بكل مميزاتها بالتهديد .. منها هي ؟! بأنها تنافسها للحصول على إعجاب ليو مثلا ؟!

_إذا ... ما بال تانيا ؟!

الابتسامة المستمتعة على شفتيه جعلتها تشعر بأنه فهم جيدا ما بال الأخيرة ،
و إنما سؤاله لعادة لديه بإحراج الآخرين ... تكاد تقسم !

_لا شيء ... انسى الأمر.

_حسنا نسيته ... ماذا تكتبين ؟!

‏أجابته غير قادرة على منع ابتسامتها .. كم تحب البهجة الدافئة التي يبعثها فيها بابتسامته فقط :
_أكتب قصة.

_جميل .. هل أستطيع رؤيتها ؟!

غمغمت و يدها تبعد الدفتر عن الطاولة لتضعه في حضنها بهدوء :
_لا .. لا أظنها تعجبك !

_و لماذا ؟

هزت رأسها تقول :
_ثق بي فقط .... آممم لما تغيبت بالأمس ؟!

_لاحظت ذلك ؟ دواعي النجومية .. كان لدي عمل.

_ما تفعله ... لابد و أنه ممتع .. أنا أغبطك.

تمتمت كيلي وهي تطرق برأسها بشيء من الحزن ،
جعل ليو يشعر بالأسى لأجلها .. مستشعرا بوضوح الشمولية التي عنتها عبارتها ،
لكنه سرعان ما قال محاولا إبهاجها :
_إذا .. الحفلة ستكون مساء الغد ، ما إن تأتي حتى أريك ما ستجدينه متعة حقيقية حتما !

رفعت رأسها تنظر إليه باستغراب :
_و .. ما هو هذا ؟!

_مساء الغد تعرفين.

نهض واقفا وهو يواصل :
_لن ازعجك أكثر تكاد الاستراحة تنتهي ... بإمكانك العودة لمواصلة كتابتك ، أتمنى لك الفوز فرغم أن "الأميرة" التي تتحدث عنها قصتك درامية جدا ... إلا أن فيها شيئا جميلا يذكرني بك !

غمز لها مودعا و انصرف قبل أن تستطيع استيعاب ما قال ،
نظرت في إثره بذهول ... تحاول أن تفهم متى و كيف قرأ ما كتبته ؟!
و ماذا عنى بكلامه الأخير ؟!





درس الرياضة ليس المفضل لديها عادة ،
لكنه لا يكون بهذا السوء حين يتعين عليهم لعب كرة السلة -أقرب شيء إلى التفضيل بين الرياضات بالنسبة لها- !

كانت كيلي بين مجموعة من زملائها و زميلاتها تشارك في مباراة تمرين كما أمر المدرب.

كل ما حولها باهت ... غائبة تماما عن المنافسة و التسلية التي انشغل بها الآخرون ،
تركيزها كان متعلقا بشكل غير مطلوب .. بالمباراة الأخرى التي كانت تلعب في ذات الوقت في الطرف الآخر من الصالة ...

تركيزها تحديدا مع الفتى الأجعد الشعر ، المشتعل حيوية و إنطلاقا ..
مع حركاته و مناوراته السريعة ،
الكرة تبدو كما لو أنها تطير بخفة بين يديه ، حتى تصل السلة متجاوزة أي محاولة ممتدة لإعاقتها ...
‏لعله ليس أبرع من رأت ... لكن يظل كل ما يفعله مميزا بنظرها ...
أثمة شيء لا يجيده ليونيل وارن ؟!!

لقد ظلت تفكر منذ استراحة الغداء ، بالطريقة التي بها إستطاع معرفة فحوى القصة التي تكتب ...
فذلك يعني أنه تطفل على أغراضها في وقت ما ،
لقد أبقت القصة معها طوال اليوم لتراجعها عند أي لحظة فراغ .. و ربما أهملت إخفاءها.
وهو حتما وجد الوقت و الفرصة ليتطفل على أشيائها ، يفتش فيها ، و يقرأ ما يجده !!
عليها أن تكون غاضبة بشدة ... و ها هي تحاول فعلا ،
لكن عبارته الأخيرة تتسلل لذاكرتها كل لحظة فتشتت أي غضب يمكن أن تشحذه ضده ..
لقد قال أن في القصة شيئا جميلا يذكره بها !
لم يكن تعبيره الأرق أو الأكثر رومانسية ... لكنه كان كاف جدا لتشعر بالسعادة.

‏خلال اللحظات التي كانت تراقب فيها تدافع الفتية الثلاث و الفتاة من فريق ليو متضاحكين و محتفلين بالرمية التي سجلها هذا الأخير ..
و رغم أنها كانت تتحرك مع أعضاء فريقها بإنسجام في اللعبة التي هي جزء منها و إن كانت شاردة ..
إلا أنها لم تستطع رؤية الكرة التي قذفت بإتجاهها فجأة بقوة مؤذية أصابت جانب رأسها !!

المفاجأة أخذتها على حين غرة و أوقعتها أرضا ..
أدارت رأسها إلى الجهة التي اندفعت منها الكرة ، متحاملة على الألم النابض في صدغها ..
رأت تانيا أول من يهرع إليها هاتفة باعتذار مبالغ فيه .. جعلها تستنتج أنها من رمتها بالكرة ...

نهضت واقفة حين تجمع الآخرون حولها و من بينهم المدرب ...

_أنا بخير ..

قالتها بهدوء محاولة اقناع المدرب الذي بدا شديد القلق عليها ... بحكم كونها "ميتشل" !
رفضت إصرار المدرب على أن تذهب إلى الممرضة ... و قبلت على مضض أن تجلس جانبا حتى انتهاء اللعب ..
سرعان ما زال الإهتمام من حولها .. و عاد الجميع يركز في اللعب من جديد ،
عدا اثنين ... ليو الذي استطاعت أن تلمحه يلتفت نحوها من مكانه البعيد عدة مرات ،
و تانيا ... التي تلاشى تعبير الأسف الزائف من وجهها لتمنحها ابتسامة ساخرة أكدت لها أن فعلتها .. كانت متعمدة !!


رأت تانيا تتهامس و صديقتها بينما أنظار الاثنتين عليها ...
فأخفضت رأسها تتأمل -دون هدف- حذاءها الرياضي الزهري ، و انعكاسها المموه على الأرضية الخشبية المصقولة ...

إحساس فظيع في داخلها تنامى مع الضحكات المكتومة للفتاتين الساخرتين ..

انكمشت كيلي على نفسها ...
تشعر أنها بلهاء ... بلهاء تماما ..
لماذا لا تنهض و تواجه تلك الشقراء الساخرة ؟!
لماذا لا تريها حجمها صغيرة العقل تلك ؟! علام تنازعها .. و كأن من مثلها يستحق إهتمام ليو ؟!

أغمضت عينيها ... الواقع أنها لا تستطيع .. تتمنى لو تختفي الآن لأنها لا تستطيع شيئا ..
ستبقى دوما أضعف من أن تواجه ،
أجبن من أن تقف في وجه أحد ...
بارعة فقط في اكتساب الأعداء ...
و الإختباء في الظل ...


ظلت هادئة ، مطرقة ، حتى انتهى وقت الدرس ..
و جاء المدرب يسألها كيف أصبحت في مبادرة لا داعي لها للاطمئنان عليها ..
أخبرته أنها على مايرام .. إلا أنها لم تتحرك من مقعدها حتى علمت من الصمت المطبق حولها أن الصالة قد خلت من الجميع ..

رفعت رأسها تنظر إلى المساحة الواسعة للصالة التي كانت أكبر من حجم ملعبين ،
شاعرة بوحدة مفاجئة داخلها و فراغ كبير شبيه بهذا الذي تراه ..
نهضت تنفض عنها أفكارها الحزينة ،
و خطت بهدوء وسط الملعب الخالي لتلتقط الكرة الوحيدة التي استقرت على أرضه بإهمال ،
رفعتها بكلتى يديها ... و دون كثير من التفكير ،
كانت تلقيها كما علمها صديقها "جيفري" لتدخل السلة مباشرة ... من محاولة واحدة ..
لكن لم يبهجها نجاحها هذا كما كان يحدث عادة ..


_تسددين من هذه المسافة ؟! ... ياللبراعة !

أجفلت حين اخترق صوته المألوف أذنيها يكسر الصمت ، تماما كما كان يفعل في هذه اللحظة صوت ارتداد الكرة المتبعدة بعد أن أصابت هدفها ..

استدارت إلى من تعلق به قلبها في ثانية لا تستطيع تحديدها ، و من برؤيته يحتفل دوما و إن كان بعيدا عنها ...

ليونيل كان يقف خلفها عاقدا ذراعيه ، و مبتسما ابتسامة قلما تفارق شفتيه ...
وسيما ... رغم تشعث شعره بفوضى أكثر من المعتاد ، و رغم الثياب الرياضية التي يرتدي ..

_أنت .. لم تنصرف ؟!

أومأ برأسه إيجابا :
_واضح أنني لم أفعل و كذلك أنت ... أخبريني ...

نظرت إليه بتساؤل ... لكنه تقدم حتى يقف قبالتها قبل أن يواصل :
_هل أنت بخير حقا ؟!

‏للحظة بدا لها من نبرته أنه يسأل عما هو أكثر من إصابة رأسها البسيطة ،
لكن هذا الاحتمال انتفى من داخلها حين لمس بأصابعه صدغها المكدوم مبعدا خصلات شعرها الجانبية .. ليقول عابسا :
_ليست متورمة لكنها محمرة ... ألا تؤلمك ؟! ربما كان عليك زيارة الممرضة ..

احتاجت كل قوة لديها لتتمكن من الإجابة بشيء من الثبات الذي يكون أبعد ما تحسه الآن :
_لا ... لا تؤلمني .. أنا .. أقصد .. الكدمات تظهر بسهولة على .. على .. لا يعني ذلك أنها ... أنا بخير ..

أعاد يده إلى جانبه بعد أن شعر بمدى اضطرابها من حركته التلقائية هذه ، قال بفهم لكلماتها المتعثرة :
_و كم كدمة أصيبت بها ابنة الوزير لتعرف ذلك ؟!

فاجأها سؤاله فحدقت فيه بدهشة ، قبل أن ترد بإتزان مدها به ألمها من كلماته :
_ابنة الوزير لا تختلف عن بقية الناس !

همت أن تنصرف .. و كانت قد خطت متجاوزة إياه فعلا ببضع خطوات حين ناداها معتذرا :
_كيلي تمهلي ... لم أقصد مضايقتك.

توقفت .. لتلتفت إليه بعد تردد وهي تقول :
_أنا فقط .. لا أحب أن يناديني أحد هكذا ..

ثم أضافت وهي تستدير بكامل جسدها لتواجهه :
_ثم إذا كنت سأغضب فعلا .. فيجدر بي أن أغضب لعبثك بأشيائي !

_اوه ... بشأن هذا الأمر ..

همهم ليو ، و فاجأها بأن عاد يبتسم بمرح قبل أن يتابع :
_لم يكن شيئا لطيفا ، أليس كذلك ؟! لا أعلم كيف قد يفعل أي شخص أمرا كهذا دون أن يشعر بالسوء ؟!

عقدت حاجبيها محاولة أن تفهم المعنى المزدوج الذي شعرته في عبارته ،
بينما هو يتطلع إليها بتفحص اربكها .. كما لو كان يعنيها هي بشيء ما ... تمتمت :
_أخبرني أنت ...

_سأخبرك ..

قالها و قطع الخطوات القليلة التي تفصل بينهما مواصلا :
_تعرفين قصدي .. أشياء كأن تفتح خزانة أحدهم ، أو تعبث بحقيبته ، تقلب كتبه ، و لا أدري ماذا أيضا ، أيبدو هذا مألوفا ؟!

_لا أعلم عما تتحدث ليونيل !

قالت بارتباك لم تستطع تحديد سببه ،
أكان تقلص المسافة بينهما ..
أم الطريقة التي ينظر بها إليها ... و قد اختفت التسلية من تعابيره لتبقى الابتسامة فقط .. و بريق لم تفهمه في عينيه ..

_أتعلمين .. والداي فقط من يناديني باسمي الكامل ، لا أحد غيرهما دعاني يوما ب.ليونيل !

_أنا .. لا أفهم ، هل .. يزعجك هذا ؟!

صمت للحظات ظلت تنظر إليه خلالها بارتباك متزايد ... قبل أن يقول أخيرا :
_ألم تفهمي حقا كيلي ميتشيل ... فتاة الرسائل ؟!

اتسعت عيناها دهشة :
_ف.فتاة .. الرسائل ؟!!

تنهد ليو قائلا :
_فكرت في ذلك قبل فترة .. لكنني واثق الآن ، أنت الفتاة المجهولة صاحبة الرسائل .. أليس كذلك ؟!

تمتمت كيلي مدهوشة مما تسمع :
_فتاة الرسائل ؟! .. تعني تلك .. التي .. يتحدث عنها الجميع ، التي ترسل لك الخطابات ... أنت تظن .. تظنني هي ؟!!

_أنا لا أظن كيلي ... أنا أعلم أنك هي !

راقب الدهشة في وجهها تستبدل تدريجيا بتعبير متألم جعله يتفاجأ ، حين تكلمت بنبرة من يغالب البكاء :
_هل .. هل هذا .. سبب إهتمامك بي .. ألهذا أردتنا أن نكون أصدقاء ... لأنك .. لأنك تظنني .. فتاة أخرى ؟!!

عقد ليو حاجبيه مستغربا ردة فعلها ، لكنه قال بإصرار :
_ليست فتاة أخرى .. لما لا تعترفين بهذا فحسب ؟! قبل أن أعرفك كنت أنظر إلى هذه الرسائل على أنها شيء فارغ ... مجرد كلمات على الأوراق ، لكنني أيقنت الآن ...

قاطعته وهي تهتف و بالكاد تمنع الدموع التي تحرق عينيها من المسيل :
_لم تتيقن شيئا ... أنت مخطئ .. مخطئ ، لست فتاة الرسائل خاصتك .. أتفهم .. لست هي !!

قالتها و اندفعت تغادر المكان .. تخفي عنه دموعها التي خذلتها ،
تاركة إياه يحدق في إثرها مصدوما .. متسع العينين ..







xX تحذير .. يرجى رجاءا حارا عدم الرد ~

‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏





[/ALIGN]
[/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN]

__________________




افتَقِدُني
music4

رد مع اقتباس