عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 01-11-2014, 03:28 PM
 



[ الثالث عشر من تشرين الثاني ، 2002 ، مدينة نيرما الترفيهيّة ]

أرتفعت العجلة الدائرية الملونة لتعلو للمرة الثالثة ، تصحبها صيحات الأطفال الصغار بين أهاليهم ،
ألحان ضحكاتهم المتألقة أنساب على ثغر كل واحد منهم ، حتى بعد أن استكانت عند أقصى نقطة ثم انجرفت في لحظات لأدنى منطقة .. وواصلت محركاتها الضخمة الدوران والعمل لتستمر أصواتهم المتمازجة في خليط مثير متجانس الألوان .. ما بين فرحة غامرة وتصفيق حماسي يطالب بالمزيد ، دون تعبٍ .

قرص الشمس المشتعل حرارةً طغى على أجواء صيفية مشرقة ، في سماء بددت مناظر الغيوم بصفائها الفيروزي،
هذه الأجواء في منتصف العام ، وقت مناسب للّهو وممارسة النشاطات العائلية ، الازدحام بلغ ذروته في المنتزهات ومدن الملاهي التي أجنت محصولها الوفير دونما انقطاع .. ! والمتاجر المكتظة تتنافس بعروضها الخيالية في ايطار تقليدي ترتفع فيه المنافسة ، وكلٌ يريد مجاراة الآخر بأحدث ما نزل في سوق المدينة الشعبي .. !
مناخ حماسيّ حار .. !

نزلت قدمي داخل غمرة الصخب المتلاحق ،
##
رنين يصم أذناي الصغيرتان ، وحركة الأشخاص المحتشدة الظاهرية في بهرجة فاقعة الألوان من حولي تخطف البصر !! ، هؤلاء أمثالنا جائوا ليستنزفوا مقدار من وقتهم في التسلية .. أو هذا ما أعتقدته داخلي !
الكثير هنا .. ، مما أحاطني برهبةٍ لم أذق مضمونها من قبل ! .. رؤوسهم شاهقة كناطحات سحاب !! .. وقاماتهم ممشوقة بتفاوت يميّز الأول عن الثاني .. !
هيئاتهم أعجوبة ، لكن الرونق الأجتماعي هو ما شدّني لأستقيم على ذات الخطى .. محدّقة في مزيج من القسمات بلا نطق !!
وبينما كانت تحيطني هالةٌ وهمية تزحف بعشوائية حولي .. أحكمت اغلاق جفناي شاعرةً باضطراب يجرف توقعاتي البهيجة الى حافة التلاشي ، ماهو هذا التناقض الغريب المستمر !؟

تراءت ذبذبة صوته المألوفة يخاطبني بمداعبة ،"
- هاقد وصلنا ! ، حديقة الملاهي !

كنت عالمة بالاجابة مسبقاً ، وهو أخبرني بها كي يقع التأكيد على مقعد الشك الذي راودني ! .. فلم تبدو ظاهريتها كما في حلم خيالي الوردي الذي انغمست بداخله .. سارحةً بأفكاري داخل السيارة قبل أن أتيقن من وصولنا ،عندما همست في أذني ليتدفق دفء صوتها عبر أوردتي .. فأعود به بعد نداءات الواقع ،
وحتى بعد رؤيتي لضخامة البوابة التي رفّت عليها عالياً صورة الدب الضاحك .. أزمعت على انتقائه فور دخولنا ، لكن مشهد الصورة الطافحة حجب عني عمالقة الألعاب .. التي حجزتها مسبقاً في ذاكرتي .. !

أنرت عيناي المحدودتا المدى بجزءٍ من الضوء ، حتى رفعتها لأبصر ابتسامة على شفتيه .. فأدركت أنه ينظر الي في انتظار ردودي الحماسية !!
لكني باغته باخراج حيرتي من محجرها ،
- اهذه حقاً ؟ .. مدينة الملاهي تضم من هم بمثل قامتي وسني ؟! ، لكني لا أستطيع الرؤية من هذه الأجساد الطويلة !

سمعت نغمة ضحكته المتميزة بطابع المرح .. فور انتهاء بضع ثوانٍ ، فأطلّت الغرابة على محياي وأنا أشد على أصابعه المشبوكة بكفي ، وفي عيني نظرة مرتابة من هذا الوضع الفوضوي !!

- لماذا تضحك بابا ؟
- ألم تتوقي شوقاً لرؤيتها ؟ ، هيا بنا اذاً
- ولكن .. ، هؤلاء ..

استكان مستوى صوتي خفيضاً لأقف عند ما ابتدأت مصراحته في بساطة كلمات ، فنظرت أليه ينحني الى مستوى طولي .. لأتمعن الرؤية الى سترته الرسمية السمراء ، أخذ يرفع ذقني الصغير ليشدني الى عيناه
- لا تخافي ، أنهم أناسٌ مثلنا جائوا ايضاً لكي يرفّهوا عن أنفسهم .. ويبعدوا أجواء العمل مثلي حين وعدتكِ بقضاء العطلة الأسبوعية في هذا المكان الكبير
رفّت عيني متسائلة في هدوء ،

- هل تعني أنني استطيع اللعب معهم ؟
حدّق رويداً ، وأكمل مرحاً
- بالطبع ! .. يمكنكِ ايضاً تكوين العديد من الصداقات ، فهنا لا يوجد الكبار فقط بل الصغار في المرتبة الأولى

دققت باجابته الشافية وجعلت أتفرّع بنظراتي الى كل زاوية لأتبيّن بالصورة الحقيقية .. التي لم ينتبه عقلي لها ،
ضحكة هنا .. وابتسامة هناك ، ملامح تتلألأ باشراق .. وعذوبة الأصوات تنطلق في جزء من الثانية داخل كل بقعة .. !
أخذتني شهقة التعجّب والدهشة ، ليمتد ثغري اخيراً كاشفاً عن ضحكة طال اخفائها عن عيناهما ، ليبادرا ببسمة حانية أهداءً جميلاً كي يرتاح خلدي بشكل أكبر ،
رقصت فرحاً وأنا أقفز .. وأخذت أحث الخطى لأتقدم .. وأنسل بخفة نورسٍ مجنّح بين الازدحام الذي مللت من التحديق به ، فما أحسست سوى بكفين متينين يحيطان بخصري ويرفعاني عالياً !
سمعت ضحكاته التي تبعتها ضحكتها الناعمة

- ما رأيك ؟ هل أرفعكِ عالياً ؟
صحت بحيوية
- أكثر فأكثر!

فارتفع جسدي الصغير ليضعني حول رقبته وهو يداعب يداي ، ويأرجحني كل حين..
أما هي فقد كانت تمسح على خصل شعري الكستنائية .. لأفيض من منبع سعادة لا ينضب .. !

- ماما ، بابا .. أنا أحبكما !




يتبع،
الرجاء عدم الرد ! ~\
__________________








THINKING IN OWN SPACE BETWEEN PIECES FROM ME
[ LOST BETWEEN MIRAGE AND REALITY ]



BLOG#NOTE#ART#NOVEL#

رد مع اقتباس