عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 01-11-2014, 04:06 PM
 



[الرابع من كانون الثاني ، 2003 ، ما بعد منتصف الليل ]

- أبتعدي ! .. لا تتمسكِ بي هكذا أيتها الحثالة ، لم أعد بحاجة أليكِ ! "
##
دفعها بقسوة ليلقيها على الفراش وسط عبرات نحيبها وتوسلها ، فانهارت اثر اشتداد لسعات المرض الذي لم تحمل عليه قدرة لمقاومته ..!
وجعلت تقاوم بصبرٍ ثقيل لتتلفظ ببضع كلمات استعصى بلوغها الى حنجرتها ، وهي تنهض بوهن
- أرجوك لا ، .. أعلم أني أصبحت عبئاً ثقيلاً .. لكن .. لا تتركنا ! .. نحن بحاجة اليك "
دنت منه رويّداً وهي تضغط على آهاتها ، بينما انتصب هو بين نظراته الماقتة .. وملامح دفنت برمالِ شاطئ ترتفع أمواجه غضباً

وأخذت تشكــو ودموعها تجري كنسياب القطرات في النهر ،
- ربما لن أصمد طويلاً ، لدي رجاء واحد قبل أن تأخذني المنيّة .. أبنتنا ! أرجوك أودِعُهَا معك .. أحمِيها ، فهي لا تحتمل الوحدة بعد ما مرت به من أزمة نفسية لما شهدته على حادثنا ، هذا آخر ما أتمناه في حياتي الفانية .. أتوسل أليــ..
أرادت أن تنطق ببقية حروفها حتى تكتمل وصيّتها ،
لكن حرارة الصفعة التي تلقتها من كفّه المتين قد أخرست لهيث أنفاسها قبل أن تتبعثر كلماتها وتتداخل لتنسكب على هيئة دموع ساخنة لحقت بأقرانها .. !

جفَلت ، بدت تنظر للفراغ وجزءٌ من وجهها يتصلب .. صامتة بلا نطق.. ، وهو يشير بيده بين موجات صراخه العالي ،
- وماذا بعد ؟ .. ماذا ؟ ، هل ستغّير حالنا المادي العصيب الآن بعد عمليتكِ المكلفة ؟ ، ولم نستفد منها شيئاً .. لا زلتي طريحة فراشكِ العفن هذا !

أمتدت كفها تغطي شفتيها المرتعشتين ، أما هو فكان يرمقها بنظرات اشمئزاز شديد .. ثم همّ بالمغادرة مستديراً ، لكن أصابعها الضعيفة تشبثت بقميصه لعلّها توحي له بالاجابة بدل الحديث ،وهي تنتحب .. بألمٍ
- اذا لم تعد تطيق رؤيتي فخذ ابنتنا وارحل .. وعش أنتَ حياتك التي تريدها لكن لا تتركها ، اما أنا فسأبقى هنا ، أنها صغيرة .. لا تقوى على العيش هكذا ، وبانتظارها مستقبل لا تعلم بمصيره !
وأهتزت شفتاها لابتسامة ضعيفة هشّة كي تحاول جاهدة أقناعه دون خلق مشاحنة عنيفة تنتهي بكومة من الضرب المبرّح الذي صار جزءً من جسدها وهي تقول،
- لا تقلق أنا سأتدبر حالي ، فإن وافقت سأكون سعيدة .. سأكون بخير ، فقط .. أرجوك !
هكذا حادثته برجاء صارخ ، وهي تتمعن في عيناه المحتدة بتوّسل شديد .. ،

ظلّ مطبقاً الصمت ، هادئاً .. مسترسلاً الرؤية أمامه ، ما برح يحرّك ساكناً وهي تدنو منه في استمرار وضع مريب يتصاعد بوتيرةٍ ساكنةٍ ، الى أن عاد بصره الى عيناها واقترب ناحيتها .. ليقرّب المسافة الفاصلة ويصل همس فمه بمحاذاة اذنها
باستهزاء ، و سخرية .. يتمتم ، بينما تذعن لكلماته لعل فيها ما يداوي صدرها المتقرّح
- أمامها مستقبل .. ، أهذا كل ما يهمكِ ؟، أنظري الى نفسك في المرآة .. الى وجهكِ المشوّه كيف أصبح .. الى رائحة جسدكِ النتنة كلما دفنته تحت الفراش ، أيتها الميتة .. انه لم يبقى كثير من الوقت حتى تتحولي الى جثة تفوح منها النتانة .. والتحلل !!

وبهذه الحروف الجارحة .. اجرعها علقماً ، بهذه الأسهم السامة التي أذاقت والدتي مرارة العيش ، وقسوة الحياة .. سمّاً يزيد من أوجاعها .. يدمي قلبها النازف ، حتى فلتت القدرة من يدها وانزلقت من على كتفه لتستكين متدليّة .. !
وآخر ما أعطاها هو قبلة على خدّها .. وابتسامة امتدت من زاوية شفتيه .. تلذعها بازدراء واستصغار ، وهو يفحصها من رأسها الى أخمص قدميها .. قبل أن يبدأ بجريرته ،
تاركاً أياها متصلبة بين شهقاتها .. واوجاع المصير .. !
كانت تلك .. أخر لوحة ، صّفت بين لوحات ذاكرتي المدلهمة ،

بكاء يتبعه بكاء ، .. صيحات تتقشعر لها الأبدان .. صرخات تنطلق ، أصوات تهز كياني كلما انهال مبرّحاً جسدها الهزيل .. جراحات مخيفة .. كدمات تملأ ساقيها .. ذراعيها .. وجهها ، .. حتى فقدت قدرة الوقوف .. !
هذا ما أبصرته قبل آخر ابتسامة نسيت صورتها ، وأنا ممسكة بدميتي الوردية بخوف .. أنصت الى ما يجري .. أراقبهما خلف الباب .. الى أن اوصده وأتراجع هلعةً .. أخبّأ نفسي في أحد الزوايا ،
##
كل هذا كان نيّفاً على صدري .. !
##
أستندت وراء باب غرفتي، أنزل جفناي بقوة محاولة عدم الأصغاء .. عدم الرؤية ، خارت قواي وسقطت على الأرض .. أنكست برأسي بين ركبتي .. أنتحب بصمتٍ وأحكي لعقلي سراً
أين ضحكته ومرحه .. ؟ .. أين بسمتها وسعادتها .. ؟ ،
أين ذهبا ؟ .. أين هما ؟ .. كيف رحلا عني ؟ ، ماما .. بابا .. ؟!!



يتبع،
الرجاء عدم الرد !~\
__________________








THINKING IN OWN SPACE BETWEEN PIECES FROM ME
[ LOST BETWEEN MIRAGE AND REALITY ]



BLOG#NOTE#ART#NOVEL#

رد مع اقتباس