عرض مشاركة واحدة
  #407  
قديم 03-29-2014, 10:13 AM
 
[ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:100%;border:4px outset rgb(75, 0, 130);"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]






فكر ليونيل وارن أن نهاره قابل للتحول إلى واحد من أسوأ الأيام التي واجهته ...
لم يكن قلقاً من العرض الذي سيقدمه ،
بل من العرض الذي سيقوم به والداه أثناء تشجيعهما إياه .. واضعين بذلك نهاية لبداية حياته في الثانوية حتماً !
لم يكن يسعه الإعتراض على أي حال وهو يرى قدر بهجتهما ...
فمنذ اكتشف والداه موهبته طفلاً و هما يبالغان في إحاطته بإهتمامهما ..
بدا أنهما يستمتعان بالتباهي بتفرد ابنهما الوحيد و تميزه عن أقرانه.
و هذا سيكون العرض الأول الذي يشارك فيه ليونيل بعد رفض دام ثلاثة سنوات لكل أداء أمام الناس له علاقة بالغناء ..
فرغم أنه أحب دوما الغناء و الأداء أمام الجمهور ...
إلا أنه كره إجباره على دراسة أنواع لا يحبها من الغناء و الرقص ... فتحديد خياراته لأجله كانت تجربة رهيبة حرص بشدة على عدم تكرارها !


كانت الساعة حوالي السادسة و النصف صباحا حين جلس يتناول الفطور مع والديه السعيدين جدا بحيث لم يملك إلا الابتسام و مجاراتهما.
أمام ثلاثتهم امتدت مائدة عامرة بالأطباق دليلاً على التوتر الذي تملك والدته فأفرغته في الطهو رغم أن النهار لم يبدأ بعد !

‏قالت له بينما يستمتع بأكل المافن متناسياً قدر استطاعته ما قد يكون بإنتظاره اليوم :
_سنأتي أنا و أبوك لتشجيعك ... و إذا فزت كما نتوقع سنقيم حفلة بهذه المناسبة ، يمكنك دعوة أصدقائك أيضاً ... ألست متحمساً ؟!

_أموت حماسة !!

تهكم ليونيل بابتسامة واسعة أرادها حقيقية قدر الإمكان ، و اقتنعت أمه كما بدا فسألته برقة :
_هل أنت سعيد حبيبي ؟!

لم تكن تعرف ما الذي غير رأيه فجأة فجعله راغباً في الغناء على مسرح من جديد ..
غمغم ليونيل لنفسه :
_سأكون سعيداً إذاً لم تهلّلا فتحرجاني !

لكن والده سمعه فقال منبهاً دون أن ترتفع عيناه عن صحيفته :
كن مهذباً_ !

ابتسم ليونيل :
_سأحاول ..

ثم نهض ، التقط حقيبته و قبل وجنة أمه مودعاً بينما تمطره بتنبيهاتها المعتادة عن السلامة ، قال والده من خلفه حين رآه يخطو نحو الباب :
_سأوصلك في طريقي.

فأجابه :
_سأنتظر في السيارة.




بعدها بعدة ساعات ..
كان ليونيل يجلس في كواليس مسرح المدرسة التي بدت أشبه بسيرك ملون مزدحم ..
انتقى زاوية بعيدة و وضع سماعات الموسيقى في أذنيه ،
مراقباً ما يدور حوله و منتظراً دوره في استعراض المواهب المدرسي الممل هذا ...

و بين الجمهور في الصالة جلس كل من أليستر و رايان متجاورين ،
و الأخير يعبر بوضوح عن عدم استحسانه لفكرة مجيئهما إلى هنا ، قال :
_ستكون هذه آخر مرة استمع فيها إليك !

عقد أليستر ذراعيه أمام صدره و انزلق في مقعده أكثر كما لو أن ذلك سيساعد في التخفيف من بشاعة العزف الذي تقدمه الفتاة على المسرح بكمانها ،
و لمَّا لم يحتمل أكثر استنكر قائلاً :
_كيف تستطيع إصدار هذا الصوت بكمان كلاسيكي ؟!!

_أتسألني ؟ أنت من اقترح المجيء إلى هنا مخططاً لإيجاد مغني موهوب ينظم إلينا ، أنت و مارتيل مزيج سيئ من الغباء أحياناً !

صحح أليستر :
_ليس هذا رأيي و رأي مارتيل وحسب ، هيوغو مكفيل بنفسه قد قال ذلك !

_و أنت تصدقه ؟!

تنهد أليستر ،
كان مارتيل قد أخبرهما قبل أيام كيف أنه شاهد عرضهما فأعجب به ،
و لمَّا كان يعرف شخصيا مالك شركة إنتاج و تسجيل من خلال عمله في العلاقات العامة ..
فقد أحضره معه ليسمع بنفسه الشابين و هما يغنيان ...
و ملاحظة الرجل الوحيدة اقتصرت على إيجاد فرد آخر يشكلون معه فرقة غنائية ثلاثية ...

قال رايان الذي لم ترقه فكرة العضو الجديد البتة :
_ألم تكن واثقاً قبل أسبوع فقط من قلة فرصنا في النجاح بتجربة الأداء ؟!

أجاب أليستر :
_قبل أسبوع لم يكن هيوغو مكفيل قد وعدنا بتسجيل أغنية !

صمتا لبعض الوقت ، كان العزف المروع قد انتهى و بدأت فقرة جديدة قدمت فيها الكوميديا المخفقة إلى حد الإزعاج !
التفت أليستر لرايان يسأل فجأة :
_كيف حال سارة ؟

_بخير و تتحسن سريعاً كما أعتقد .. لماذا ؟!

_لأني أشعر أن الإصابة بالحصبة و ملازمة السرير فكرة جيدة في هذه اللحظة !

استمرت الدعابات الغير مضحكة على المسرح و حدق الحضور باستهجان في الشاب الذي توتر و ارتبك فازداد عرضه سوءاً على سوء ،
حتى شعر كل من أليستر و رايان بالأسف لأجله !

و بعد ثلاثة عروض أخرى ، كان كل منهما قد اقتنع تماماً بأن أحداً في تجمع مدرستهما هذا لن يكون ذا فائدة لهما ..


كان أليستر شارداً تنتابه بداية صداع من ضجر الجلوس المتواصل و الاصغاء لازعاج الفقرات المتتالية ،
حين انتزعه من شروده فجأة ... لحن موسيقى حاد ، سريع الإيقاع ، ارتفع فجأة عبر مكبرات الصوت مزلزلاً القاعة ...
تأمل هو و رايان بفضول الفتى الذي صعد إلى المسرح متقدماً بسرعة و رشاقة إلى منتصفه.


ابتسم ليونيل للحضور و لوح بالميكرفون محيياً ،
حيث استقبل بعاصفة من التصفيق من زمرة من الطلاب بدا أنهم زملاءه من السنة الأولى ...

أثار ذلك انتباه الحضور فحدقوا بإهتمام بالفتى الذي شرع بالغناء مع اللحن المرح السريع.
كان صوته ذا بحة حلوة و نغمة مفخمة ،
غنى بدقة و صفاء لم يبدو أنهما تكلفانه جهداً وهو يتحرك راقصاً مع الألحان بسلاسة و براعة.

و لم تمضي دقيقة حتى انتعش الحضور فراح يتفاعل معه باستمتاع ..
كان ليونيل أشبه بعاصفة تنضح مرحاً و حيوية معدية طالت جميع الحضور فجعلتهم يشتعلون حماساً !


_واو !

‏همس بها رايان ذاهلاً بينما يتابعه بنظراته و وافقه أليستر بابتسامة ..
الواقع أنه لم ينتظر أبداً أن يجد أحداً بهذه البراعة هنا بين زملائه ... مهما أصر على عكس ذلك أمام رايان !
شعر أن ذلك الفتى هو الجزء المفقود الذي تحدث عنه هيوغو و يحتاجه هو و رايان في فرقتهما !


كان ليونيل منتشياً بإحساس وحده الأداء المسرحي أمام جمهور متحمس قادر على منحه إياه ،
شعر أنه مسكون بالطاقة .... أن الإيقاع يطوف داخله و يحرك جسده بخفة بما يناسبه ،
لا يذكر أنه حظي بهذا القدر من المتعة الصرفة منذ زمن ..
حتى قرر ألا يفتقد هذا الشعور مجدداً بتركه إياه ...

سار على طرف المسرح أثناء غنائه للمقطع الختامي للإغنية ،
و ارتفعت بعد توقفه المتزامن مع توقف الموسيقى ... موجة من التصفيق شملت الجميع هذه المرة !

بابتسامة واسعة و تلويحة عالية من يده ،
ترك ليونيل المسرح الذي ضج بالحياة بفضله ..

و نهض أليستر من مقعده مخاطباً رايان :
_هيا بنا.

_إلى أين ؟!

رمقه أليستر بنظرة عنت "أأنت واعي ؟" قبل أن يجيبه مستعجلاً :
_لقد وجدنا ضالتنا للتو فما من داعي للبقاء أطول ...






عند كواليس المسرح حيث تسللا بسهولة ،
وجداه برفقة بعض الطلاب المشاركين في الاستعراض يتحدثون ..
تقدم أليستر بإتجاهه و رآه يقول تعليقاً ما جعل من حوله ينفجر ضحكاً ، خاطبه ما إن اقترب بما يكفي :
_كان عرضك رائعاً.

قالها بصوت مرتفع سمعه ليونيل من بين الضحكات ، فالتفت إليه و ابتسم يجيبه :
_شكرا لك.

ثم لاحظ أن تعبير أليستر حمل أكثر من تهنئة عابرة ،
كما لاحظ رايان الواقف وراءه متجهماً و كأنه مجبر على الحضور ..
قال رايان دون أن يخفف من حدة عبوسه :
_أتوافينا خارجاً للحظة ؟!

انعقد حاجبا ليونيل بحيرة وهو يتأمل الشابين الغريبين ، و إذ بدت العبارة كاستهلال لشجار ما ، قال :
_لماذا .. ما المشكلة ؟!

أدار أليستر رأسه يائساً من طريقة صديقه في إنتقاء الكلمات ، بينما أوضح رايان :
_ما من مشكلة .... لدينا لك عرض و نريد رأيك فيه فحسب.

_عرض ؟ و لما تنطقها كمندوب مبيعات مستاء ؟! حسناً ... أنا مصغي !

تبرم رايان من تعليقه ،
في حين قال أليستر :
_دعنا نتحدث في الخارج .. الضوضاء شديدة هنا.


هز ليونيل كتفيه باستغراب قبل أن يتحرك ليسير وراءهما ،
خرجوا من الباب الخلفي لمسرح المدرسة ..
و توقفوا حين أصبحوا في الساحة العشبية ..
سطعت الشمس قوية من فوقهم بعد عتمة المكان في الداخل ،
لم تكن البقعة مهجورة فبعض الطلاب كانوا يروحون و يأتون ، لكنها كانت اهدأ بكثير من كواليس المسرح.

وقف ليونيل أمام الشابين الغريبي السلوك و يداه في جيوب بنطاله الجينز ، سأل دون أن يملك توقعا عن ماهية الموضوع :
_إذاً ؟!

_أتهتم بإنتاج أغنية ضمن فرقة ؟!

سأله الشاب الذي كان يتميز بعينين رماديتين ثاقبتين ، و شعر أسود ، و قسمات وجه -جادة توجب الاحترام- لم تترك له مجالاً للتفكير بأنها مزحة !

_أنتج أغنية ؟!!

وجد ليونيل نفسه متفاجئاً بحيث لم يستطع التعقيب بأكثر من ذلك ...
‏أومأ له الآخر ، صاحب قصة الشعر الطويلة ، و الوجه المثالي الذي بدا له و كأنه ينتمي لشخصية متعجرفة من برنامج تلفزيوني ، قال :
_أجل أغنية ، لدينا وعد من هيوغو مكفيل بتسجيل واحدة ، لكن ينقصنا مغن إضافي .... أنا رايان ، و هذا أليستر شون.

استدرك ليونيل انشداهه بمعرفتهما المزعومة بهيوغو مكفيل -النجم الشهير السابق في عالم الغناء- بما يكفي ليعرف نفسه :
_ليونيل وارن ، أفضل مناداتي بـليو .... هل أنتما .. من هذه المدرسة ؟!

سأل بتشكك بينما يتبادلون مصافحة سريعة ،
و التوَت شفتا رايان بابتسامة :
_ماذا ؟! و أنا الذي كنت واثقاً بأن شعبيتي تدك جميع جدران هذه المدرسة ! .... متأكد بأنك لم تسمع عن رايان براندون ؟!

ابتسم ليو و فوجئ بأن تعليق رايان المتهكم هذا -و بدل تثبيت صورته كمتعجرف- قد جعله شخصاً مقبولاً في نظره !

_يؤسفني إخباركما بذلك لكني لم اسمع بكما يوماً ... قد تحتاجان إلى العمل على شهرتكما أكثر !

بادله أليستر الابتسام ،
بدا و كأن بإمكان ليو أن يريحهم بروحه المرحة إذا ساءت الأمور !
رأى أليستر أنه ذو طبيعة أنيسة فكهة يمكنها أن تتجنب التوتر عند الشدة ، و تصور أن بوسعه أن يصبح صديقاً لأي شخص !

كان ليونيل يمتاز بعينين يمتزج فيهما الذهبي بالعسلي ، تومضان دوما بوميض يدل على حسن المزاج ،
و يمتلك ابتسامة سريعة معدية ، و شعر داكن متموج لوحته الشمس ، يميل إلى السقوط على جبهته.

_ما هو ردك ؟!

سأله أليستر فارتفع حاجبا ليو :
_أنتما جادان حقا ؟!

و لمّا كانت الجدية البادية على ملامحهما تأكيدا إيجابيا ،
تحول هو أيضا إلى أكثر تعبير جدي يستطيع رسمه ، و قال عاقدا ذراعيه :
_حسناً .. بصراحة شباب .. أنتما رأيتما عرضي قبل لحظات و قررتما أني رجلكما المطلوب ، لذا .. أنا أيضاً أريد أن أعرف بعض الأمور قبل أن اتخذ قراراً ، كالسبب الذي يجعل هيوغو مكفيل يرغب بتسجيل أغنية لكما.

لم يبدو رايان راضياً ، و ما كان أي شيء عدا الموافقة الفورية ليعجبه ، لكن أليستر كان أكثر ترحابا فاقترح قائلاً :
_لما لا نتقابل بعد المدرسة ؟ و عندها نجيبك على أي استفسار.

و أعطاه عنوان متجر الموسيقى حيث يجتمع و رايان عادة ..
و أكد ليو قبل أن ينصرفا بأنه سيكون هناك ..







لم يتطلب الأمر أكثر من عطلة نهاية أسبوع واحدة حتى كان ثلاثتهم قد اتفقوا و انسجموا جيدا كفرقة ...
اعتقد أليستر أنه كان سهلاً أن ينجح كل تمرين قاموا به بفضل شغفهم المشترك بالغناء و الموسيقى ،
لكن واقع أن إجتماعاتهم للتمرين قد تحولت إلى تسلية كان بفضل النكهة التي أضفاها وجود العضو الجديد !

لم يحدد أليستر ما كان يميز الفتى لكنه -و تماماً كما خمن- استطاع أن يصبح رفيقاً للجميع ببساطة ..

فبعد لقاء إضافي واحد كان أي تحفظ يملكه رايان نحوه قد تلاشى ...
كما جعل جوينيتا مفتونة به بعد أن قابلته لمرة واحدة في المتجر !

كان الأفضل بينهم في الرقص و الاستعراض ، فتباهى رايان أن ذلك يجعله الأوسم و الأكثر أناقة في المجموعة ، ثم اعترف كلاهما أن أليستر كان الأبرع في العزف و كتابة الأغنيات !
و رغم تباين شخصياتهم إلا أنهم لم يملكوا اختلافات كبيرة حول أغنياتهم المفضلة ، أو إختيار موسيقاهم الخاصة ..

نهاية الأسبوع .. حضر مارتيل ليستمع لغنائهم ، و بدا مسروراً بالعرض الذي قدموه كفريق.
و انقضت عطلة نهاية ذلك الأسبوع حافلة بالتخطيط و التطلع للمستقبل !





نهار الإثنين ..
و على طاولة غدائهم المعتادة ، كان أليستر يجلس أمام سارة التي تعافت كلياً و عادت إلى المدرسة بعد غياب أكثر من أسبوع ..
كانا ينتظران رايان الذي "أجبر" على شراء الغداء على حسابه إحتفالاً بهذه المناسبة !
بينما يتبادلان هما حديثاً غير ذا أهمية ممضيين تلك الدقائق ..

كانت سارة صديقة رايان منذ الطفولة و تلازمه معظم الوقت ، و اعتاد أليستر بالتالي وجودها في الجوار دوماً ..
و كان يعلم -رغم أن رايان قليلاً ما يعبر عن مشاعره- أنه متعلق بها إلى حد بعيد !
و ما كان لأحد أن يلومه ... فسارة بدفئها و عفويتها كانت ممتعة الرفقة ، يصعب ألا يعجب المرء بها أو يتأثر بشخصيتها ..

و في تلك اللحظة بالتحديد .. لاحظ أنها توقفت عن الكلام بشكل مفاجئ ،
و راحت تحملق بعيون خضراء متسعة إلى بقعة ما وراء ظهره بغير تصديق !

_ماذا هناك ؟!

سألها أليستر دون إهتمام فعلي ، مخمناً بضجر أن رايان في الخلف قد وجد فتاة يمارس عليها سحره بدل أن يشغل نفسه بجلب الغداء ، ما سيثير حفيظة و غيرة سارة كالعادة !

لكن ارتباك سارة وهي تجبر نفسها على أن تبتسم له سريعاً أثار استغرابه ، أجابت :
_لا شيء ... آه .. عما كنا نتحدث ؟!

و تضاعف ارتباكها حين رأته يدير رأسه للوراء مستطلعاً ،
لكن أليستر لم يشاهد سوى منظر عادي لقاعة الكافيتيريا ..
حيث انتشر الطلاب يجلسون فرادا و مجموعات ، فيما البعض الآخر كان مايزال يتوافد عبر باب القاعة ...
لمح رايان عند صف شراء الطعام .. يحاول الحصول على غداء لثلاثتهم لا كما ظلمه بظنونه !
لكن لا شيء غريب آخر ..


ثم فجأة .. التقطت عيناه ما كان يفتش عنه و كأنه ومض أمامه بغتة ،
و عرف أليستر فوراً أن ذلك المشهد هو ما استرعى انتباه سارة !

جينيفر بليت ... جيني .. حبيبته السابقة .. تتشارك الغداء مع بيتر -طالب سنة التخرج عند إحدى الطاولات- بوفاق و مودة مثيرين للريبة ،
كانت تبدو مستمتعة برفقته و ربما أكثر مما يجب أن تكون و لم يمضي على انفصالهما سوى بضعة أيام !

_تبدو جيني بخير.

قال أليستر ملتفتاً إلى سارة بعد لحظة صمت ، و حين قابل نظرتها المتعاطفة .. حاول أن يتأثر بالمشهد الذي رآه أيضا ، إلا أنه لم يستطع أن ينظر إليه إلا بموضوعية !

_تبدو وقحة .. أنت تعني !

هتفت سارة متراجعة في مقعدها باستياء ،
ثم أعادت شعرها الذهبي الأملس خلف أذنها وهي تواصل بنبرة أكثر رقة :
_أخبرني رايان أنكما انفصلتما.

_لدى رايان فم كبير !

_لا .. ليس فعلاً ، فأنا التي تسأل كثيراً ، هل أنت بخير ؟

أومأ أليستر برأسه :
_بالطبع و لما لا أكون كذلك ؟!

نظرت سارة إلى المشهد وراءه كإجابة ، فقال :
_أنا و جيني انفصلنا ، لذا من الطبيعي أن تكون مع شخص آخر .. ألا تعتقدين ؟!

نظرت إليه سارة محبطة ، كم هو منطقي أحياناً !
كان يجدر به أن يطلق الشتائم ، أو يخطط للانتقام ، و يقسم على أن يجعل جيني تدفع ثمن فعلتها.
و لكن لا .... إنه يتصرف بشهامة بالغة و يسهل عليها كل شيء ... لقد كانت تعجبه و تخلت عنه و مع ذلك يحاول ألا يستاء منها !

_حسناً ربما تكون محقاً .. لكن لا أصدق كم أنت هادئ ، و الحقيقة .. لا أستطيع تصديق أي من هذا ، بدت جيني سعيدة معك .. و كنتما متلائمين !

_حقا ؟ يصعب معرفة ذلك.

قالها متذكراً عدد المرات التي تشاجرا و اختلفا فيها خلال الستة الأشهر الماضية.
ابتسمت سارة برقة :
_أنا آسفة.

و فكرت .. صحيح أن أليستر كان قادراً على التكيف مع كافة الأوضاع ،
‏و ربما كان قوياً لكن حتى الأقوياء يحتاجون إلى الدعم أحياناً !
قالت بثقة :
_تستحق من هي أفضل ، فما من شخص طبيعي قد يفضل بيتر سالدوتشي عليك ! .. أعني .. صحيح أن سالدوتشي ثري و وسيم نوع ما ، لكنه سطحي و لا شيء آخر ... و يا له من اسم غبي بالمناسبة !

و أدركت فجأة بأنها استطردت خارج المغزى فسألت ترمش بعينيها :
_أين كنت ؟

ابتسم أليستر مجيباً :
_كنت تحاولين التعاطف معي ، ثم أفسدت كل شيء و جعلتني أضحك ، الآن لن أتمكن من النظر إلى بيتر بالطريقة نفسها !

سرت سارة لرؤية لمحة مرح في عيني أليستر لكنها رفضت أن تستطرد هذه المرة فقالت :
_عليك أن تجد فتاة أفضل تخرج معها سريعاً !

ابتسم أليستر شاكراً لإهتمامها العفوي ، هز رأسه قائلاً :
_ربما .. أظن أن ذلك سيجعل الأمر أقل غرابة .. أقله على جيني.

ضاقت العينان الخضراوان :
_نعم طبعاً .. هذا هو همي الأول !

_هل تسخرين سارة ؟

أجابت بسخرية أكبر :
_بصراحة أليستر .. الفتاة تخلت عنك منذ يومين ، ألا تظن أنه من المبكر بعض الشيء أن تسهل الأمور عليها و تتمنى لها الحياة السعيدة ؟! ما رأيك ببعض الغضب أو المرارة أولاً ؟ أنا واثقة بأن ذلك سيفيدك أكثر !

أجابها :
_المشكلة أني لا أستطيع أن أشعر هكذا حيال جيني.

فكر أليستر ... في الواقع لو أنه أحب جيني حقاً ثم خسرها لشعر بالمرارة و الغضب كما تريده سارة أن يفعل ،
لكنه غاضب من حجم وظيفة الأدب الإنجليزي ، أكثر من غضبه على جيني الآن !
لقد دفعها عنه دفعاً .. لذا كانت هذه النتيجة متوقعة بالنسبة له بقدر ما هي مريحة !
كان ذلك للأفضل ...

تجهم وجهه و غمرته كآبة مألوفة حين انزلقت أفكاره إلى إتجاه لا يحبذه أبداً ،
و سارة التي رأت التغيير في ملامح وجهه شعرت بالسوء لأنها جعلته يتحدث عن الأمر فقط ليتنكر له أمامها ..


انضم رايان إليهما بعد لحظات ، و كذلك فعل ليو ...
لم يكن خافياً على الجميع المزاج السوداوي الذي كان يسبح فيه أليستر بقية ذلك النهار ، رغم الهدوء الذي غلفه ...


عند ساعة الانصراف ، تركهم وراءه و طَفَقَ عائداً للمتجر ..
كان يعلم بأنه أهمل عمله خلال الأيام الماضية حتى و إن لم يبدي إغناسيو أي اعتراض ،
‏عليه التعويض عن ذلك ... راح يفكر بصخب مناقض لهدوء خطواته !
عليه مضاعفة العمل في المتجر ... و الدراسة .. و التمرين .. فإن لم يملك لحظة فراغ قد يستطيع النسيان !


على بعد شارعين من المدرسة ،
اجتاز أليستر سيراً على الأقدام صفاً من السيارات المتوقفة بجانب الطريق ..
و بينما يمشي متمهلاً كي يعبر التقاطع الثالث .. التقطت عيناه هيئة مألوفة حتى الحقد .. تنتظر واقفة أمامه على الطرف البعيد من الرصيف !

تجمدت قدما أليستر لثانيتين ، قبل أن يقرر ألّا يمنح ذلك الرجل شرف تغير الطريق لتجنبه ...
ثم أخذ نفساً عميقاً و كأنه يفرغ به حدّة توتره و خطى بهدوء مواصلاً السير ...

ما كانت رؤية ذلك الرجل مريحة لأعصابه في أي وقت ، لقد كان قادراً دوماً على إظهار أسوأ جانب فيه بمجرد تواجده حياً يتنفس بالجوار !

و حين نظر إليه الآن مباشرة .. أدرك أليستر أن وجوده على هذا الرصيف ينتظر ليس من قبيل المصادفة !

كان الرجل في أوائل الخمسين من عمره ، ذا بنية قوية ممتلئة و وجه بوسامة جلفة قاسية ، و سلوك فظ خشن يتذكره جيداً !

لم يمنحه أليستر أكثر من نظرة ، و لم يتوقف أو يتمهل في مشيه ... و ما إن تجاوزه بخطوة حتى سمع الرجل يهتف :
_انتظر عندك.

توقف أليستر و التفت إليه ببطء ، لم يقل شيئاً بل نظر إليه بوجه متصلب خالي التعابير.

_ألا تملك التهذيب الكافي كي لا تتجاهلني على الأقل إن كنت لن تلقي التحية ؟!

وجد أليستر نفسه في مأزق الحفاظ على أعصابه قيد السيطرة ،
كان قد اكتشف منذ سنوات أن استسلامه للغضب و العنف يعني الفشل ..
فبهذه الطريقة كان يري غريمه إلى أي حد قد نجح في التأثير عليه .. و بذلك وحده يكون قد خسر أمامه !

و كان أليستر قادراً على إبقاء أعصابه تحت سطح جليدي عادة ، لكن هذا السطح راح يتشقق الآن -إثر السخرية المطلة من الوجه الذي لطالما كرهه- منذرا بالخطر !

_لا أحب النفاق "آدمز بليت" ، تماماً كما لا أحب رؤية وجهك هذا !

ابتسم الرجل ساخراً :
_أرى بأنك قد نميت لساناً طويلاً يا فتى !

_ماذا تريد ؟!

سأله أليستر متشبثاً بآخر قدر من ضبط النفس يمتلكه ،
فقال المدعو آدمز بليت مطالباً بقوة :
_أريدك بعيداً عن ابنتي !

سحب أليستر نفساً عميقاً آخر ، قبل أن يقول بنبرة خاوية :
_أردتك بعيداً أيضاً ... لكن ليس بالضرورة أن ينال المرء كل ما يريده !

صمت بضع لحظات و كأنما يحارب شعوره بالخزي و الغضب من نفسه ، قبل أن يستطرد :
_و مع هذا فأنت متأخر .... لقد تركت جيني .. بقدر ما أردت إيذاءك من خلالها ، بقدر ما ندمت على ذلك ... لأنها ليست مثلك و لا تستحق هذا !

لم يبالي أي منهما بكون محادثة شخصية كهذه تجرى على الرصيف !
ضيق آدمز بليت عينيه التين تفيضان غضباً فيما يقول :
_أنا لا أثق بصعلوك مثلك أو أصدقه في ...

قاطعه أليستر :
_تلك مشكلتك ... فأنا أيضا لست انخدع بدور الأب القلق الذي تلعبه الآن ... أنا راحل !

ثم استدار هاماً بالانصراف ، فأوقفه آدمز مطبقاً على معطفه الرياضي الداكن من الخلف ، ساحباً إياه نحوه وهو يصيح :
_أصغي الآن أيها الوغد ، فلن تتحرك من هنا حتى ...

دفعه أليستر عنه بحدة فاجأت الرجل و جعلته يتقهقر خطوة إلى الوراء مبتلعاً بقية عبارته ...
زمجر في وجهه تاركاً كل غضبه و حقده يطفوان إلى السطح :
‏_لا تلمسني أيها السافل !! مضى وقت طويل منذ كنت الطفل السخيف الذي عرفته ... و لدي مسبقاً ما يكفي من الأسباب حتى أوسعك ضرباً !!

اتسعت عينا آدمز بمزيج من الدهشة و التسلية ، و كره أليستر نفسه على الفور لإرضائه بلحظة الثوران تلك ..

ارتفعت زاوية فم آدمز بابتسامة مستفزة ، و التمعت عيناه السوداوان بشيء من الزهو :
_أمازلت تخافني أليستر ؟!

لكمة مباغتة قوية على وجهه جاءته كرد ...
فتأوه الرجل مترنحاً إلى الخلف ، و ارتفعت يده سريعاً تغطي أنفه النازف بغير تصديق ..

حملق فيه أليستر بكراهية وهو يتنفس بعنف .. متجاهلاً الحشد الصغير الذي جمعوه بمشاجرتهما ، قال راضياً عن زوال تعبير السخرية من وجه آدمز :
_هذه كانت إجابتك ...

عدل سترته بحدة و أصلح وضع حقيبته على كتفه ، ثم قال :
_اذهب إلى الجحيم !

قبل أن ينصرف تاركاً آدمز غارقاً في حنقه و خيبة تفوقه عليه .. لأول مرة !







أعاد أليستر الهارمونيكا إلى رف العرض مع مثيلاتها لامعة كما يجب ،
و شرع يجمع أدوات التنظيف و مواد التلميع الخاصة عن الأرض حتى يضعها جانباً.
كان يتحرك على نحو آلي لم يفت إغناسيو القابع مكانه خلف منضدة البيع ملاحظته ،
و بعد أيام قضاها بهذا الشكل ، فكر إغناسيو أن يسأل أخيراً .. فقال :
_أكل شيء بخير يا فتى ؟!


_أجل بخير.

أجابه أليستر فيما يتحرك في طريقه إلى المخزن الصغير عند الزاوية الخلفية ،
وضع أغراض التنظيف جانباً و أغلق الباب .. ثم طفق عائداً إلى المتجر الخالي من أي زبائن.

أعاد إغناسيو صياغة سؤاله بابتسامة :
_ما الخطب ؟!

_لما تظن أن هناك خطباً ؟!

_أعرفك لأكثر من خمس سنوات الآن .. حين تكون في مزاج سيئ يصبح الجو حولك لا يطاق ، فما الخطب ؟!

تجول أليستر في المتجر يتأكد من ترتيب الآلات الموسيقية ، و يغير مكان بعضها الآخر طيلة دقيقتين كاملتين قبل أن يرد مستسلما لإلحاح العجوز :
_قابلت آدمز بليت قبل أيام ... و لكمته !

اختفت ابتسامة العجوز و بقي صامتاً للحظات ،
فتوقف أليستر عن العمل ليلتفت إليه منتظراً تعليقاً ما ...
سأل إغناسيو أخيراً :
_هل آلمتَه ؟!

_أظن ذلك !

_جيد ... أحسنت صنعاً إذاً !

رمقه أليستر بحيرة و ابتسم بتعجب ..
ما كان ليعتقد أن ذلك ممكن قبل لحظة ...
لقد أمضى الفترة الماضية يتأرجح بين الشعور الداخلي بالرضا و المسرة لما قام به ، و بين احتقار الذات لكون هذه الافعال تجعله شبيها بآدمز بشكل كبير !
لكن عبارة مؤيدة واحدة من إغناسيو الغير قابل للتنبؤ .. حسمت صراعه ذاك بكل يسر ، لقد كان العجوز يصيبه دوماً بنوع من عدوى التفاؤل !

_أنت تكره العنف إغناسيو ... أتذكر ؟!

ضحك إغناسيو ثم أجاب :
_لدي استثناءات ... و لتعلم يا فتى أنك إذا تحدثت عما يزعجك ستشعر بالتحسن أكبر !

كان قد بدأ يشعر بالتحسن فعلاً !
نظر أليستر إلى ساعة الحائط العتيقة التي أشارت إلى العاشرة و النصف ليلاً ، ثم قال وهو يمسح يديه بالجينز القديم الذي يرتدي :
_لقد انتهيت .. و أنا متعب الليلة فهل تستطيع ...

قاطعه إغناسيو :
_بالطبع .. اذهب لتسترح ، سأغلق المتجر وحدي هذه الليلة.

_شكراً ...

تمتم أليستر و أضاف تحية المساء ...
ثم تحرك خارجا من الباب الذي يصل المتجر بالمنزل.
تناهى إلى أسماع إغناسيو الحوار القصير الذي دار بين أليستر و زوجته إذ بدا أنهما تقابلا في الممر.

أخرج من أسفل الطاولة درجا خشبياً منفصلاً يستخدمه للوصول إلى الرفوف المرتفعة ،
وضعه قرب الحائط ثم صعد عليه لينزل الغيتار الأسود المعلق هناك .. تلك القطعة الأغلى على قلبه على نحو يتجاوز بمرات حتى ثمنها الباهض !

سمع زوجته تدلف المتجر بينما يخطو هو عائداً إلى مقعده دون أن يرفع عينيه إليها.


ابتسمت جوينيتا ابتسامة حزينة حين رأت زوجها يتأمل الغيتار بين يديه كما لو كان شيئاً عزيزاً ،
و تقدمت حتى تضع يدها على كتفه ، همست برقة :
_افتقده أيضاً.

التفت إليها إغناسيو و منحها ابتسامة شاردة بدوره ، ثم وضع الغيتار أمامه على الطاولة و قال :
_لن يعود أنطونيو !

شدت على كتفه بأسى :
_أعرف ..

‏أرجع إغناسيو رأسه إلى الخلف ، و أطلق تنهيدة .. مازال صعبا عليهما تقبل وفاة ابنهما بتلك الطريقة ، حتى مع مرور السنوات !
لكنه الآن كان يفكر بشيء مختلف .. أخبر زوجته به :
_أريد أن أمنح هذا الغيتار لأليستر !


قالت جوينيتا و لم يبدو أنها تفاجأت :
_و لما الآن ؟!

_سيرحل قريباً ... التجربة التي سيخوضها ستكون نقطة تحول في حياته ، و هذا الغيتار سيكون أكثر فائدة معه من أن يبقى معلقاً على الحائط !

امتدت أصابع جوينيتا العجوز لتداعب سطح الغيتار الجميل الأسود ، همست بحزن :
_لقد اعتدت عليه و لا أغرب في أن يرحل !

ابتسم إغناسيو عالماً مقدار حساسية مشاعر زوجته ، فقال مواسياً :
_تعلمين أن أليستر لن يبقى معنا إلى الأبد !

_أتظنه يقبل بهديتك ؟

ضحك إغناسيو و أجاب :
_جيد أني لن أمنحه خياراً !





رغم اقتراب نهاية مارس كان نسيم تلك الليلة بارداً .. و الشبان الثلاثة ينتظرون متسكعين أمام الحانة التي غاب مارتيل داخلها.
غير بعيد عن بصرهم كان رصيف الميناء يطل و من وراءه البحر المظلم المياه ، المراكب كانت تروح و تجيء إلى الرصيف ناقلة المسافرين من و إلى أعمالهم عند الشاطئ الشمالي.
كان جسر الميناء مزدحما الليلة و بدا أن الناس يسرعون من حولهم منشغلين ... مما ساهم في ضجرهم ، و في صعوبة الوقوف و الانتظار دون فعل شيء !

_تأخر كثيراً في الداخل .. أراهن بأن قريبك قد نسي أمرنا !

قالها ليو وهو يستند إلى مقدمة سيارة مارتيل البيضاء الفاخرة ،
و لم يخالفه رايان متمتما باستياء شيئاً ما عن التدريبات و الحانات و أفكار مارتيل !

_لما لا نغادر فحسب ؟!

تساءل ليو من جديد ،
ثم التفت إلى أليستر الذي أوقع حقيبة غيتاره أرضاً على نحو حاد منتصباً في وقفته فجأة !
‏لم يكن تذمر ليو أكثر من شفهي و بالتالي لم يكن غاضباً حقاً ،
لكن أليستر بدا بخلافه تماماً ... و تذكر ليو كيف تمنى سابقاً في قرارة نفسه ألا يميل أليستر إلى المشاكسة أو ينفجر غضباً كلما تضايق من شيء ما ،
صحيح أنه بدا غير عدواني معظم الأوقات .. لكن ليو كان قد شعر مؤخراً بأنه من ذلك النوع الذي لا يتردد في الانخراط في المشاحنات ،
و خشي أن البقاء على مقربة منه سيكون مزعجاً إن لم يخفف من حدة توتره !

_أليستر ...

كان قد بدأ يقول ، لكنه بتر عبارته عندما انتبه إلى حيث كان أليستر ينظر ، و توضح له السبب الفعلي وراء تصرفه المفاجئ ...

كانت مجموعة من الشبان تتقدم بإتجاههم على نحو عدائي من زاوية الشارع ،
و مع اقترابهم شعر برايان الواقف بجواره يتحفز أيضاً ...
و حال أن دنا الشبان بما يكفي ليتبين ليو وجوههم العنيفة -تحت أضواء الحانة النيونية- أدرك على الفور سبب توتر الجو !

توقف الشبان الخمسة و أوسطهم تفصله خطوة عن أليستر ، كانوا رثي الهيئة إهمالاً أكثر منه فقراً ، و بدوا أكبر منهم بقليل فقط .. الشيء الذي لم تظهره أجسادهم القوية بوضوح !
‏ابتسم أوسطهم .. كانت علائم الشراسة و رداءة الطبع تبدو على وجهه ذي الأنف المكسور أكثر من غيره ، قال لأليستر بجلف :
_يفترض ألا نرى وجهك مجدداً ، نحن لا نأتي لمنطقتك ، و بالتالي أنت أيضا لا يجب أن تطأ منطقتنا !

زفر أليستر و بدا ضجراً متضايقاً كما لم يره ليو من قبل ... فعلم أن عراكاً غير متكافئ على وشك أن ينشب !

لم يتحرك ليو من مكانه مستنداً على مقدمة السيارة و يداه في جيبه ، وهو يتأمل المجموعة أمامه دارساً الوضع بحذر !
لكن رايان خطى إلى الأمام ليقف بجوار أليستر بفعل -أعلن دون كلمات- موقفه في حال بدأ أي عراك بينهم !
ثم قالً مفاجئا أليستر بسؤال بدا للجميع في غير محله :
_أهو الدرج الذي سقطت عنه ؟!

ابتسم أليستر ابتسامة جانبية صغيرة ، و همس له دون أن يلتفت :
_ابقى خارج الأمر رايان.

_لا أحد خارج الأمر !!

صاح الشاب الشرس بعنجهية ، ثم أردف مبتسماً بسخرية :
_أحسنت بمجيئك لأرضي أليستر فالآن سأتسلى بك دون أن أخرق اتفاقنا ... أنت و صديقيك الصغيرين ، فمزيد من الصحبة يعني مزيداً من المرح !

قطع أليستر الخطوة الفاصلة بينهما بحيث أصبح وجهاهما على بعد إنشات :
_مشكلتك معي حصراً سيزار .. و ستبقى كذلك !‏


أطلق سيزار ضحكة ساخرة مستمتعاً كما بدا بردة فعل أليستر الحمائية ...
_أنت لا تكف عن مفاجأتي !

قالها ثم مال برأسه لينظر من وراء كتف أليستر إلى السيارة الكبيرة الثمينة كما رآها ، و استطرد بإستهتار :
_لا تقل لي أن هذه سيارتك !

_و ما شأنك بها .. أو بأي شيء هنا في الحقيقة ؟!

قال رايان غير راغب بأن يهمش جانباً فيما يمكنه أن يرى إلى أين تتجه الأمور ،
فالتفت سيزار إليه مبتسماً ابتسامته المنفرة بمضمونها :
_هي لك إذا ؟! جميلة جداً .. و خسارة أن تحطم !!

_و هل ستريني كيف ؟!

قال رايان متحدياً ..
و جهز أليستر نفسه للاشتباك بعد عبارته ، كما جهز رفاق سيزار أنفسهم أيضاً ...
حدقوا ببعضهم البعض كل يترقب الخطوة الأولى من الآخر !

كانت موسيقى صاخبة من داخل الحانة تصلهم بوضوح ،
لكنها تغيرت في تلك اللحظة بالتحديد إلى أخرى ناعمة رومانسية ..... مما خلق جواً من الهزل كخلفية للوقفة التي يقفون !


_هيا شباب .. أتفضلون حقاً أن تقضوا الليل في ضرب بعضكم بعضاً على أن تحظوا بالمرح في الداخل ؟!

‏التفتت جميع الأعين إلى ليو الذي كان قد صعد فوق السيارة في وقت ما .. ليجلس على سطحها العلوي كما لو كان يحرسها !

ابتسم ليو ابتسامة فتى يسعى لنزع السلاح ، قال و يداه لاتزال في جيبه في بادرة سلام :
_أنا أصوت للمرح و الاستمتاع .. ماذا عنكم ؟! واثق بأنكم و بعد عشر دقائق من الرقص و رفقة الجميلات في الداخل ستتفقون كعائلة كبيرة سعيدة !

نظر إليه سيزار كما لو كان يعاني من خطب في رأسه ... في حين بدت جماعته غير واثقة بما يجب أن تظنه .. أساخر هو أم جاد !

أوشك أليستر أن يضحك ، و هتف رايان :
_يا لك من أبله ! .... فقط ابقى حيث أنت ، بعيداً عن الطريق !

مط ليو شفتيه و اعتدل واقفاً :
_لا بأس .. لن أتدخل حتى إذا أشبعوك ركلاً !

كان سيزار قد فاض به السأم ، فلم يكن أحد يعيره الإهتمام الذي يريد ... كما امتعض بشدة حين لم يرى أي أثر للرهبة على خصومه !
أمسك بتلاليب أليستر -الأقرب إليه- منقضاً عليه فجأة ...
فاستعاد الأخير انتباهه سريعاً و قبض على يدي سيزار في المقابل .. لكن قبل أن ينتزع نفسه عنه ليتبادلا الضربات .. أو يتحرك أي من المحيطين بهم ..
دوى صوت مألوف فجأة :
_ما الذي يجري ؟!

أدار الفتية الآخرون رؤوسهم بإتجاه باب الحانة المفتوح حيث وقف مارتيل متفاجئاً .. و برفقته رجل ضخم بدا كحارس.
لكن أليستر و سيزار ظلّا يحملقان في وجه بعضهما البعض دون أن يحيدا ببصريهما ..


_أتتركون الأولاد يتقاتلون أمام مدخلكم عادة يا جيمس ؟!

هز الحارس رأسه نفياً ، و أجاب استنكار مارتيل بثقة و صلابة :
_أبدا سيد براندون ... سيختفون في الحال !

و تقدم الرجل بإتجاه الفتية رافعاً معطفه ليظهر بحركة تهديدية المسدس المثبت على حزامه ، ثم أمرهم بالتفرق في الحال ..
زفر سيزار حانقاً وهو يفلت أليستر بقوة ، و تحركت مجموعته منسحبة و هم يمنون أنفسهم باشتباك قاسي حالما يبتعدون كفاية عن الحانة ،
لكنهم أحبطوا حين سمعوا بينما ينصرفون ، مارتيل وهو يخبر الحارس أن أليستر و صديقيه سيدخلون معه ...
عزم سيزار مغتاظاً على أن ينتظر الليل بطوله إن تطلب الأمر !



_شكراً جيمس ، سنأتي بعد لحظة.

قال مارتيل للرجل بابتسامة سرعان ما إنقلبت تجهماً حين استدار إلى الثلاثة و تحرك ليدنو منهم ، جأر فورما أصبح بجوارهم :
_ألا أستطيع ترككم لدقيقة دون أن تقحموا أنفسكم في مشكلة ؟! و ماذا تفعل واقفا فوق سيارتي ؟!
‏هيا بنا الآن .. و لا تلزمني أي مشاكل فقد راهنت عليكم !

سأل ليو :
_راهنت ؟ راهنت بماذا ؟!

عدل مارتيل نظارته وهو يستدير ليتقدمهم إلى داخل الحانة :
_بسمعتي ! ... لذا يفضل أن تنجحوا في تجربة الأداء تلك أيضا !

_و ماذا يحدث إن أخفقنا في تجربة الأداء ؟!

سأل أليستر بجدية جعلتهم يتمهلون قبل الإجابة ..
قال رايان ما إن أصبحوا في الداخل .. مغمورين بالضوضاء و الجو الرطب و رائحة المشروبات :
_أظننا سنتابع المحاولة ...

و ابتسم بينما يضيف :
_كفرقة !







×× الرجاء عدم الرد ~



[/ALIGN]
[/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN]
__________________




افتَقِدُني
music4

رد مع اقتباس