عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 07-16-2014, 12:22 AM
 














عندما غابت تلك السيدة التي تنير الأرض و تسيطر على السماء, في لحظة خارت فيها قُواها أمام طغيان جنود أتت محتلة تلك الزرقة و خاطفة ذلك النور الذهبي. غيوم تصارعت في العُلا في جو مهيب سيطرت عليه ألوان كئيبة, و رياح باردة تلفح أجساد التائهين الغارقين في هواجس أيامهم. وحين يتقدم ذلك الضباب كسحابة تتلاشى و ينتشر في أرجاء المدينة الهادئة أكون قد وقعتُ أسيرًا لدى الذكريات
~~





" أنا عاشقٌ للقهوة , و أنا عاشقٌ لها " , تلك كانت الفكرة الوحيدة التي شلّت عقلي و أغلقت منافذ أفكاري و أنا ارتشف من قهوتي الساخنة , فكيف لي أن أنسى ولعها المجنون بالقهوة , متوسطة بسكر قليل! , و آه كم تستمتع بها في أوقات مابعد العصر, و هاهو ذاك التوقيت يدق عندما انسحب عقرب الساعة قاتلا آخر الثواني مُعلنا عن حلول الرابعة عصرا , فانجرَّت روحي بعنف ساحبةً إياي لأستدير و أُلقيّ نظرةً على الباب, انتظرتُ للحظات عسى جرس المدخل ينطق , لكنه بقي صامتا كالأخرس التائه,و مثله كنت أنا !!
ارتختْ أطرافي أكثر على الأريكة و مددتُ يدي إلى الطاولة الجانبية الصغيرة و حملت هاتفي, آخر ما فكرتُ فيه هو أن اتصل بها يكفيني أنني اتصلت عشرين ألف مرة لكنها ترفض الرد عليّ و لا على رسائلي...معها حق فانا المذنب هنا , عندما خنقتني كل تلك الأمور لم أجد منفذا سوى أن اصرخ و افجر كل ذلك فيها , و لم استمع لها عندما كانت تحاول يائسة تهدئتي بل قمت بدفعها و بعنف شديد لتبتعد عني.
رُحتُ اُقلّب في هاتفي أحاولُ أن أجد أي شيء يشغلني, فقادتني أناملي التي تضغط, إلى ملف تحت اسم S&S, أول حروف اسمينا, فتحته و إذ به يحتوي العديد من الصور و مع كل صورة إلا و مرت علي ذكرى كالصاعقة...
واجهة قصر" بكنغهام", هناك كُنا نقف إلى جانب بعض, هي بابتسامتها المرحة و أنا بوجه يحاول جاهدا أن يكون وديعا !, و هنا حديقة القصر, عندما جثت عند تلك الأزهار تشتم رائحتها بكل براءة.., الحراس الملكيون بلباسهم الأحمر و الأسود و قبعاتهم السوداء الطويلة, يقفون عند كل زاوية كالأصنام أو التماثيل المتحجرة و كم كانت تهوى الوقوف أمامهم و التصرف بغرابة و صبيانية, و هذا ما كان يدفعني للضحك ملء القلب , و هذا منظر شامل للمدينة أين تظهر لندن في أبهى حلة , أتذكر جيدا ذلك اليوم كم كانت مصرة على أن اشتري لها غزل البنات و نصعد لنركب العجلة الدوارة فالتقطتْ العديد من الصور , هذا جسر البرج الذي يقبع فوق نهر "التايمز" , و هذا حارس الوقت ساعة "بيغ بن" , نظرت إلى الصورة التي بعدها و شعرت حقا بالخيبة , هذا أنا داخل إحدى مقصورات العجلة الكبيرة و أبدو حقا مرتعبا .
قلّبتُ المزيد من الصور, هذه في الحافلة و هذه في منزلي, هذه قرب مقر عملي, يبدو أن التصوير أيضا هوس عندها !
إلى أن وصلتُ إلى تلك الصورة , بقيت انظر إليها مطولا , كان ذلك المكان الذي التقينا فيه و أول مرة أراها , ليس مقهى و لا حديقة و لا حتى دار السينما , إنما الهاتف العمومي !!؟, بالنسبة لها ليس هاتفا عموميا إنما الصندوق الأحمر ؟!, فهي دوما تناديه هكذا !...
أخذتُ نفسا عميقا و قد أزهر في صدري شيء ما في هذا الشتاء, ارتديت معطفي و سحبت الباب ورائي راكضا إليها. وصلت إلى منزلها , طرقت الباب ففتحت لي , لم تتفا جئ حقا من رؤيتي أما أنا فقلت فورا : «أرجوكِ لا تفعلي هذا بي» ,صمتُها قتلَنِي فأضفتُ برجاء : «أنا حقا آسف لم اقصد...», إلى أن رأيت تلك الابتسامة الصغيرة تشق طريقها في ملامح وجهها الملائكي ثم قالت: «أنتَ حقا مجنون..و لهذا احبك, لكن ...إذا أردتَ أن أسامحك فلتأخذني إلى مقهىً ما أريد قهوة أمريكية , كما أنني أريد التجول في المدينة ليوم كامل» , لم استطع منع نفسي عن الضحك كانت تلك أكثر لحظة شعرت فيها بالارتياح , و كأنني أزحت جبلا عن كاهلي ¸فنظرت إليها و قلت : «سآخذ أميرتي حيثما تشاء و لتشهد لندن علي » و رحت أصيح : «لندن نحن قادمان فلتستعدي لنا» . ضحكتْ بخفة و هي تُردد: «أنتَ حقا مجنون».
~~











كنتُ حقا مجنونًا و لا أزال , بما أنني لا أزال في لندن و لا تزال أميرتي معي فالجنون لن ينتهي , و في كل شبر من مدينة الضباب ستكون هناك قصة , لن نشعر أبدا إلى أن نجد أنفسنا محاطين بالسحر , قد لا يكون ظاهرا لنا لكنه موجود , فلنتعمق جيدا في تلك الملامح و لنغطس أكثر في أغوار تلك القلوب و سنجدهم دوما يبتسمون لنا , يمدون لنا أيديهم , هناك دوما من نحب و هناك من يُحبنا لذلك فلندع مفعول السحر يسري .
~~



تمت و الحمد لله المعين



في النهاية لكم حرية التعليق على كل شيء












رد مع اقتباس