عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 09-22-2015, 05:36 PM
 
الفصل الثاني

[ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:109%;background-image:url('http://up.arabseyes.com/uploads2013/21_09_15144281477445341.jpg');"][CELL="filter:;"][ALIGN=center].















.[/ALIGN]
[/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN]
[ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:109%;background-image:url('http://up.arabseyes.com/uploads2013/21_09_15144281477448283.jpg');"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]



[/ALIGN]
[ALIGN=center]





بسم الله الرحمن الرحيم
كيفكم يا غاليين
اخليكم مع الفصل الثاني

--------------------




2_فنجان قهوة
***************
تذوقت سابرينا الكريم شانتيه التي علقت باصابعها
ونظمت بالسكين طبقة الكريمة على سطح الكعكة.

وبغض النظر عن نوع الكعكة التي تصنعها
كان ابوها دائما يقول لها تركت بصمات اصابعها عليها.
ولم تكن سابرينا دائما على ثقة من ان طبقة الكريم شانتيه تغطي الكعكة كلها
وانما كانت تدع الحكم لمشاعرها واطراف اصابعها.

ووضعت سابرينا السكين على المنضدة
وابعدت طبق الكعكة وابت ان تستسلم
لاحساس ينبئها بوجود ثقب غائر في الكعكة يشوه زينتها.
كانت سابرينا قبل ان تفقد بصرها بسبب الحادث تتقن كل شيء
على اكمل وجه اما الان فاصبح غسيل الاطباق امتحان لقدرتها ومهارتها
فما بالك بطهو الطعام الذي اتقنت طهو مختلف انواعه
فيما عدا طبق البيض فلم تكن تعرف سوى طريقة واحده لاعداده....طبق الاومليت لا غير
ولذا اصبح اعداد وجبة الافطار من اختصاص والدها.

وكان يوم الاحد هو اليوم الذي تقوم فيه ديبورا باعداد الطعام
كما حدث في نهاية الاسبوع الاخير.
وكانت سابرينا تشعر بان مستواها في اعداد الطعام عاديا
اذ ما قورنت بالمهارة التي تمتاز بها ديبورا
ومع ذلك كان والدها دائما يمتدح طهوها للطعام .

كانت هناك خادمة تتردد على المنزل مرتين كل اسبوع
للقيام بمهام التنظيف الدقيق اما بقية الاسبوع فكانت سابرينا تتولى العناية بالمنزل,
تنظفه بالمكنسة الكهربائية المهمة التي تعودت القيام بها متمسكة باهداب الصبر.

وتعلمت سابرينا ان تتحمل الملل الرهيب الذي كبلها
بعدما اصبحت عمياء وعرفت كيف تكبح جماح المرارة
لان مستقبلها الفني توقف اثر الحادث.
فمنذو ان امسكت باصابعها فرشاة الالوان اصبح الفن معشوقها
ومن ثم تبنى موهبتها الفنية افضل المدرسين المحيطين بها
فاصبحت فنانة ناجحة وهي لم تزل في الثانية والعشرين من عمرها
وبفضل ما حصلت عليه من تدريب طوال خمسة عشر سنه
اتقنت رسم صور الشخصيات التي قابلتها في مطعمي مرفأ الصياد والقطة الصغيره.

وكانت قمة المأساه يوم حرمت من بصرها بسبب حادثة السياره...
لم تعد تذكر تماما ما حدث في ذلك اليوم
كل ما تذكره انها كانت تقود سيارتها عائده الى المنزل في ساعة متأخره من الليل
بعد قضاء عطلة الاسبوع مع صديقة لها في ساكرامنتو
وفي الطريق غلبها النعاس على عجلة القيادة فاختلت يدها
وكان الحادث الاليم ونقلت الى المستشفى.
وعلى فراش المرض احست بأن العودة السريعة الى المنزل
لا معنى لها بعدما امضت شهرا في المستشفى للعلاج من كسور في ضلوعها
وارتجاج في المخ وكانت الحقيقة المؤلمة ان الصدمة التي
اصابت رأسها دمرت الاعصاب البصرية تدميرا لا يمكن علاجه.
وهزت سابرينا راسها هزه حازمه علها تدفع بهذه الذكريات
بعيدا عن تفكيرها فحياتها اصبحت بين يدي المستقبل
وليس بالتطلع الى الماضي. في هذه اللحظة بدا المستقبل
امامها فارغا مع انها لم تكن تعتقد منذ سبعة شهور خلت انها
سوف تنجز ما انجزته حتى الان.

وكانت العقبة التالية التي واجهتها سابرينا هي الخروج من المنزل
لشراء زجاجة شامبو من الصيدلية على بعد خمسة مبان من منزلها
لانها كانت تخشى حركة المرور واجتياز اربعة تقاطعات للطريق.
واستطاعت خلال شهرين الاخيرين ان تستعيد ثقتها لمحاولة القيام بمثل
هذه الرحلة بدون احد.
بينما كان كبرياؤها دائما يمنعها من القيام بهذه المحاولة خشية ان تضل طريقها.

ولكن سابرينا ارتدت ملابسها وامسكت بالعصا البلوطية وذكرتها نعومة الخشب بذلك الغريب المتعجرف باي كاميرون الذي التقت به في ميناء اليخوت الاحد الماضي ولم تأبه به كثيرا.

خرجت سابرينا من المنزل بحرص وكان الطريق منحدرا فراحت تعد الخطوات ببطء وحرص شديد وهي تتجه للباب الامامي للمنزل المجاور.

ودقت سابرينا الجرس وانتظرت ان ترد عليها جارتها حيث كان ابوها حريصا
على ان تبلغ اي شخص بوجهتها وميعاد عودتها سواء ابلغت ذلك جارتها
بيغي كولنز التي تعرفها
منذ خمس عشرة سنه او اتصلت به في مكتبه.
واجاب صوت نسائي على الرنين:
" من هناك"
" انا سابرينا. انا ذاهبة الى الصيدلية. سأعود خلال ساعة تقريبا. هل تحتاجين شيئا؟"

" هل لك ان تحجزي لي تذكرة سفر بالطائرة المتجه الى امريكا الجنوبية؟"
ضحكت سابرينا وسألت :
" هل الامر سئ الى هذا الحد؟"

فقالت بيغي:
" اتصل بي كين منذ ساعة وابلغني انه ينوي دعوة اثنين من عملائه
لتناول العشاء هنا وليس في البيت اي طعام وقد نظفت الثلاجة
من الثلج كما ان محتويات الخزائن متناثرة في الغرف."
فابتسمت سابرينا وقالت:
" سأعود بعد ساعة تقريبا. اخبريني هل تحتاجين الى شئ...ثلج او طعام او شراب؟"
فتنهدت بيغي وقالت:
" الحل الوحيد هو ان اعثر على زوج يحسن اختيار التوقيت المناسب. احترسي يا سابرينا من المرور وسوف اخبرك اذا احتجت الى شئ حين تعودين"

استأنفت سابرينا السير مرة اخرى وساعدتها روح جارتها المرحة
على ان تستعيد قوة عزيمتها واصبحت الرحلة الى الصيدلية مجرد مغامرة وليست عقبة .
وارتطمت طرف عصاها بصندوق البريد وعرفت اين وصلت وعبرت الطريق
وبدأت تعد خطواتها حتى لا تدخل صالون التصفيف الشعر بدلا من الصيدلية
كما فعلت في المرة السابقة.
وانتابها فجأة احساس اثار الضحك في اعماقها فرفعت ياقة
سترتها بطرف اصابعها وسيطرت على رغبتها بالضحك.
وصدق احساسها حينما سمعت صوتا اجش مألوفا لديها جاءها من خلفها:
" ارى انك لا تحملين عصا بيضاء"
واصاب اطرافها شلل مفاجئ قبل ان تستدير برأسها لتواجه صوت الرجل وقالت ببرود:
" السيد كاميرون؟ لم اتوقع رؤيتك مرة ثانية"
قال كاميرون:
" المدينة ليست كبيرة كما تبدو لك. كنت اقود سيارتي في الطريق حين رأيت فتاة وهي تسير وفي يدها عصا فانتابتني دهشة لانها لم تلقى مصرعها بعد. وتعجبت حينما عرفت ان الفتاة الصغيرة هي انت"

ثم سألها بنغمة ساخرة تعرفها تماما :
" هل تبحثين عن ابيك مرة اخرى؟"
وحولت سابرينا رأسها في الاتجاه الذي كانت تسير فيه وقالت:
" كنت في الطريق الى الصيدلية. هل كنت تقود سيارتك؟"
" اجل. تركت سيارتي في الطريق. هل تقطنين هنا؟"
" على بعد بضعة مباني. لماذا توقفت؟"

القت عليه السؤال وهي تهزرأسها, وتحدوها الرغبة في ان ترى التعبير الذي ارتسم على وجهه.
فأجاب بنعومة :
" لاطلب منك ان تتناولي فنجان من القهوة معي"
ولم تستطع ان تخفي القلق الذي شاب صوتها حين سألته:
" لماذا؟"

قال باي كاميرون ضاحكا:
" هل من الضروري ان يكون هناك سبب؟ لم لا تكون دعوة يقدمها لك صديق؟"
" انا لا ارى سببا يدعوك الى تناول القهوة....."
وصمتت قليلا واوشكت ان تقول " مع فتاة عمياء" ولكنها ختمت عبارتها
بكلمة..."معي"
"اعتقد يا سابرينا انك لا تعانين عقدة التعذيب فقط وانما تعانين الاحساس بعقدة النقص ايضا"
ردت سابرينا:
" هذا سخف "
وتوقفت العينان البنيتان اللتان لا تبصران عن التطلع اليه وحولت وجهها الى السيارات المارة في الطريق, واطبقت اصابعه القوية على مرفقها وقال:
" حسنا..اين تودين ان تتناولي القهوة؟ انني اعرف مقهى صغيرا في المبنى التالي يمكننا الذهاب اليه"
فقالت له وهي تبدي اعتراضا واهيا:
" انني على يقين من ان زوجتك ترحب بقضاء وقت فراغك معها"
قال لها:
" اني واثق من ذلك....هذا اذا كان لي زوجة"

واعترضت سابرينا ثانية وقالت:
" سوف اشتري شيئا من الصيدلية"
فسألها:
" هل تحتاجين الى وقت طويل؟"

وتمنت ان يحتاج قضاء مهمتها الى وقت طويل فلم
تكن راغبة في قضاء اي وقت معه لان نبرة الثقة
التي احاطت بلهجته جعلتها تشعر بأنها دونه بكثير.
واخيرا قالت ورأسها منكسة الى الارض:
" لا....ان الامر لا يحتاج الى وقت طويل"

فقال باي كاميرون في رقة:
" افتقادك للحماسة غير مشجع هل تفضلين ان انتظرك خارج الصيدلية؟"

فهزت سابرينا رأسها وقالت:
" لا يغير ذلك من الموقف كثيرا"
فقال:
" في هذه الحالة...سأذهب معك انني في حاجة الى شراء بعض السكاير"

وشعرت سابرينا باحتكاك ذراعه بكتفها حينما قام بفتح باب الصيدلية
وقد اطلق سراح مرفقها من قبضته لتتخذ طريقها وحدها
وتنفست الصعداء حينما سمعت خطوات كاميرون
وهي تتجه الى قسم التبغ وبلغها صوت العاملة يسألها:
" هل هناك اي خدمة يمكن ان اقدمها لك؟"

وقبل ان تجيب سابرينا سمعت صوت رجل يرحب بها قائلا :
" سابرينا...بدأت اظن انك نسيت اين تقع صيدليتي, لم ارك منذ اسبوعين تقريبا"
فابتسمت سابرينا قائلة:
" اهلا...جينو"

فقال الرجل للعاملة:
" اتركيها يا ماريا وسأقوم انا بخدمتها. اذهبي لتلبية
طلب الرجل الواقف عند قسم الادوية"
وبعد ان انصرفت العاملة همس جينو مارشيتي في اذن سابرينا قائلا:
" ماريا عاملة جديده وهي ابنة عم زوج شقيقة زوجتي.
بدأت العمل في الصيدلية منذ اسبوع فقط ولم تتعرف بعد على زبائني"

وكانت سابرينا تعلم ان جميع العاملين بالصيدلية يمتون بالقرابة لصاحبها
لكنها ادركت انما ذكره جينو كان بمثابة اعتذار مهذب اذ ان العاملة الجديدة
لم تكن تعرف ان سابرينا مكفوفة."
قالت سابرينا:
" انها تتمتع بصوت جميل واني على يقين من انها ستدرك حالتي"

سألها الرجل:
" ماذا تحتاجين اليوم؟ قولي لي لاحضره لك سريعا."
“اريد شامبو"
وبينما ذهب جينو لاحضار ما تريد راحت تتحسس العملات
الورقية الموجودة في حقيبتها وقد ميزت كل عملة بطية خاصه
حتى يسهل عليها استخراج المبلغ الذي تريده.

وعندما وقف جينو امام الخزنة قال لها:
"مازالت الصورة التي رسمتها لي معلقة على الحائط والزبائن دائما يقولون لي: هذه الملامح تشبهك تماما فأقول لهم: طبعا..انها صورتي
واخبرهم ان الفنانة التي رسمتها كانت تتردد على
الصيدلية منذ كانت طفلة صغيره واهدت الي اللوحة بمناسبة
مرور خمسة وعشرين عاما على افتتاح الصيدلية والكل يعتقد انها افضل هدية قدمت لي."

فابتسمت سابرينا وقالت:
" يسرني انها تعجبك يا جينو"
وتذكرت سابرينا كم كان سعيدا يوم قدمت له هذه اللوحة منذ حوالي لسنتين اذ نجحت في ان تبرز فيها ملامحه وكان ذلك مبعث فخر لها. اما الان فلن تعرف هذا الاحساس الخلاق مرة اخرى وانتشلها صوت جينو من افكارها وهو يقول:
" سابرينا.....انني لم اقصد"

واحست في صوت الايطالي العجوز نبرة اعتذار وتقريع للنفس
وشعرت ان ملامح الاكتئاب والحزن ارتسمت على شفتيها
فاستعادت طبيعتها وقالت له متعمدة ان تفوت عليه لهجة الاعتذار:
" لم تكن اللوحة سوى هدية متواضعة تعبيرا عن امتناني لاصابع
النعناع التي كنت تقدمها لي"

وشعرت ان شخصا يراقبها عن كثب ولم تدهش حين تكلم باي كاميرون .
لان حدسها نبهها الى وجوده. سألها بهدوء :
" هل رسمت هذه اللوحة؟"
قالت:
" اجل"
فقال جينو:
" انها رائعة..اليس كذلك؟ لقد بعت لها اول اقلامها ثم الالوان المائية والطباشير الملونة وبأسلوبي البسيط ساعدتها على ان تكون فنانة فمحتني هذه اللوحة هدية منها.
واعتادت ان تأتي الى الصيدلية مرة كل اسبوع واحيانا مرتين حتى ذلك اليوم الذي وقعت فيه الحادثة."

واعترت صوته نبرة أسى ثم اردف يقول:
" اما الان فقلما تأتي الى هنا وفي الاسبوع الماضي شاهدتها وهي تمر بصيدليتي وتساءلت عن وجهتها ورأيتها تدخل صالون تجفيف الشعر الذي يقع الى جواري
فقلت في نفسي: اوه...انها تنوي قص هذا التاج من الشعر الذي يزين قمة رأسها ولكنني تبينت انها كانت اتية الى الصيدلية فأخطأت الطريق.

وعقب باي كاميرون على كلامه بصوت ناعم:
" هل تعلم انه حين رأيتها اول مرة بدت لي هذه العقدة من الشعر البني الحريري كما لو كانت تاجا يزين رأسها "

واحست سابرينا بتورد وجنتيها فقالت بسرعة :
" اخذت من وقتك الكثير ياجينو انني اعرف انك مشغول بعملك والزبائن بانتظارك. سوف اراك في الاسبوع القادم."

" بالتأكيد سأراك في الاسبوع القادم يا سابرينا"
" اجل وداعا يا جينو"
واستدارت بسرعة وهي تدرك ان باي كاميرون قد افسح لها الطريق ويتتبع خطاها ولم تعتمد عليه ليقودها.
واجاب جينو دون ان يبدي دهشة لوجود هذا الغريب معها:
" وداعا يا سابرينا"

وقال لها باي كاميرون وهما يغادران الصيدلية :
" المقهى يقع على اليسار عند المنعطف:
فقالت سابرينا بخشونة:
" انني اعرف اي مقهى تقصد فقد اعتدت على ارتياده لسنوات طويلة"

وسارا جنبا بجنب على الرصيف ولم يحاول ان يقودها وتركها تسلك طريقها دون اي مساعدة وانهى باي الصمت الذي خيم عليها وقال:
" انها لوحة جميلة للغاية. هل تدربت على الرسم منذ طفولتك؟"
وابتلعت الغصة التي توقفت في حلقها واجابت في هدوء:
" تلقيت دروسا فيه. كان الرسم مستقبلي وحققت فيه نجاحا نسبيا"

فقال لها:
" اعتقد ذلك. كنت ممتازة في مضمارك"
فقالت بمرارة:
" كنت......"
ثم التقطت انفاسها قائلة:
" انا اسفة"

فقال مستهجنا:
"لا داعي للاعتذار لابد انها كانت ضربة قاسية مزدوجة ان يفقد الفنان بصره
ولابد انك تشعرين بظلم القدر والا ما كنت انسانة"

ومد يه ولمسها في ذراعها لمسة خفيفة ليجذب انتباهها ثم استطرد يقول:
"يمكنك الاستعانة بالدرابزين الحديدية لهبوط السلم".
وحين استقرت يدها على الدرابزين عادت يده الى جانبه وتقبل باي الالم الذي شعرت به لفقد مستقبلها كأمر طبيعي وكان في غنى عن اي تفسير ولم يردد اي من تلك الكلمات الجوفاء التي قالها البعض بأنها ستتغلب على عجزها يوما ما..
.تلك الكلمات التي لم يكن بمقدور سابرينا ان تصدقها في يوم من الايام.
وعند نهاية السلم تقدمها باي ليفتح باب المقهى لها وامسكها بيد حنونة وظلا مكانهما حتى قادتهما المضيفة الى مائدة صغيرة بين مقعدين طويلين مرتفعي الظهر.
ثم قال لها:
" دعيني اخذ عصاك سوف اعلقها على العمود القائم الى جوار مقعدك حتى لا تعترضي الطريق"

ناولته سابرينا العصا وجلست على المقعد واستقرت اناملها في عصبية فوق المائدة.
كانت فيما مضى تتجنب المطاعم العامة لانها كانت تشعر بانها مقيدة. ولمست طرف قائمة الطعام ثم ازاحتها جانبا .
________________________________________
كانت المضيفة قد اقبلت نحو المائدة وطلب باي فنجانين من القهوة قبل ان يوجه حديثه الى سابرينا:
" لديهم فطائر طيبة من صنع ايديهم..هل تحبين تناول واحد منها يا سابرينا."
وفي عصبية قالت بسرعة:
" لا...لا...اشكرك"

واخرج علبة السكاير وقال:
" هل ترغبين بالتدخين؟"
" لا بأس"
واقبلت المضيفة بالقهوة في اللحظة التي وضع فيها باي سيكارته المشتعلة بين اصابع سابرينا وقرب المنفضة قليلا حتى تكون في متناول يدها وسحبت نفسا عميقا من السيكاره وانتابها دهشة خفيفة حين شعرت بدفء شفتيه على السيكارة, وسألها باي:
" هل اصب لك القهوة؟"

وقالت سابرينا وهي تنفث الدخان من فمها ممتزجا ببعض التوتر:
" اذا سمحت....شكرا"
وساعدتها رائحة القهوة المتصاعدة في العثور على الفنجان بسهولة فأطبقت باصابع يدها حوله وخيم الصمت الذي اشاع الهدوء في نفسها,
حين مقابلتها الاولى له مشوبة بغطرسته التي مازالت قائمة وهذا ما اكده لها سلوكه حين قادها الى المقهى وان كان تفهمه لها قد خفف من حدة تلك الغطرسة.

وعلى الرغم من الجدل الذي دار بينهما حول العصا البيضا الا انها احست بأنه بدا ينصاع الى رغبتها في الاستقلال وان المساعدة التي قدمها لها لم تكن
فضولية واقترن ذلك بتعليقه الواقعي على ضياع مستقبلها ودفعتها كل هذه العوامل الى ان تعيد النظر في رأيها عنه.
وبدا لها باي كاميرون رجلا غير عادي وودت لو انها التقت به قبل ان تفقد بصرها حتى تستطيع ان تقوم بدراسة ملامح وجهه.
وتنهدت سابرينا فتسائل باي كاميرون ساخرا:
" لماذا تتنهدين؟"

فقالت باستخفاف:
" لا شئ....."
فسألها:
" مجرد عادة لقطع الوقت"
" احيانا..حين لا يوجد شئ يجذب انتباهي"

ومرت سريعا باصابعها حول حافة الفنجان ثم استطردت تقول:
" واتساءل حين اكون وحيدة ماذا كنت افعل لو لم تتح لي الحياة نعمة رؤية الناس والامكان والاشياء بكل دقائقهم فاستطعت ان اختزن ثروة من المشاهد الجميلة التي اتذكرها الان"

فسألها باي بهدوء:
" اذن فأنت تؤمنين بالقدر؟"
اجابت سابرينا:
" احيانا يبدو انه التفسير الوحيد......وانت ما رأيك؟"

" اعتقد ان الحياة منحتنا بعض المواهب والقدرات واسلوب تعاملنا معها هو الدليل على شخصيتنا وانا احب ان اكون سيدا لقدري"
وكانت اجابته مغلفة بروحه المرحة وعقبت سابرينا على رأيه بابتسامة شاحبة:
" اشك في انك لا تبغي شيئا الا وتحقق لك"

" ربما.....وربما اكون حريصا على ما ابتغيه"
وغابت الابتسامة عن شفتيه ثم استطرد يقول:
" خبريني يا سابرينا... كم من الوقت مضى عليك منذ فقدت بصرك؟"

بدأت سابرينا تدرك ان باي كاميرون معتاد على طرق الموضوع بشكل مباشر
وكان اغلب الناس الذين عرفتهم او التقت بهم يتجنبون الاشارة الى موضوع فقد بصرها ويحرصون على ان لا تتضمن احاديثهم اية كلمة تشير الى البصر لذلك تعجبت من ان صراحته لم تؤلمها.

والتقطت نفسا من السيكارة قبل ان تجيب على سؤاله:
" منذ ثمانية اشهر تقريبا"
وخالجها احساس بانه رفع حاجبيه وهو يسألها مداعبا:
" وكم يوما....وكم ساعة؟"

حاولت سابرينا تبدو فاترة وهي تقول له :
" توقفت عن متاعبة تحديد الزمن بعد ان ابلغني الاخصائي الرابع بانني لن ابصر مرة اخرى"
فسألها:
" ماذا حدث؟"

قالت:
" حادث اصتدام سيارة كان الوقت متأخرا من الليل وكنت اقود سيارتي عائدةمن ساكرامنتو وغلبني النعاس وانا في الطريق فاختلت عجلة القيادة في يدي ولم اعلم ماذا حصل بعد ذلك..."

واضطربت اصابعها فعادت تمسك الفنجان واستطردت تقول:
"ونقلت الى المستشفى ولم يكن هناك اي شهود سوى راكب دراجة بخارية تصادف مروره وراى حطام سيارتي ملقى في حفرة فأبلغ السلطات المسوؤله التي وصلت بعد عدة ساعات من الحادث."

وانتظرت سابرينا ان تسمع منه التعليقات تعقيبا على حديثها وخاصة بعد ان فاضت في سرد التفاصيل
وتوقعت ان يقول عبارات مثل كان من المحتمل ان يكون الحادث ابلغ سوءا مما كنت تتوقعين او انت سعيدة الحظ لانك لم تصابي بشلل ولكنه لم يتفوه بواحدة منها لكنه سألها:
"وماذا ستفعلين الان؟"

" لا اعرف لقد هيأت نفسي لي اتعلم من جديد كل الامور التي اعتدت القيام بها تلقائيا
ولما كنت قد قررت ان اتخذ الفن مهنة لي لذا لم اتعلم شيئا اخر سوى القراءة والكتابة والحساب. اما الان فانني ابحث عن افاق جديده حتى لا اكون عبئا على ابي."

فقال لها:
" اشك انه يرى في انك تشكلين عبئا عليه"
" اعلم تماما في انه لا يفكر في ذلك"
وراحت بلا وعي تؤكد على ضمير المذكر ولم يغب عن باي كلميرون مقصدها فأضاف:
" ولكن هناك شخص اخر يفكر في ذلك اليس كذلك؟ هل هي خطيبة ابيك؟ "

وحاولت ان تعترض ولكنها اومأت برأسها وقالت:
" انني لا الوم ديبورا فهي تريد ابي لنفسها"
وترددت قليلا قبل ان تتابع حديثها قائلة :
" ارجو ان لا تسئ فهمي فأنا احبها, وفي الحقيقة انا التي عرفتها بأبي انها تملك حانوتا للتحف
هنا في سان فرانسيسكو وهي تعلم تماما انه لا يمكن ان يجعلني واياها في بيت واحد وترغب في ان التحق بمدرسة اخرى سمعت عنها حيث يدرب المكفوفين على بعض المهارات الجديدة
ولا اعني اشغال السلال او مهنا حرفية وانما مهارات متنوعة, وتعد المدرسة ايضا برامج للتأهيل المهني بعد اتمام الدورة."

" وما هو رأي ابيك؟"
اجابت وعلى شفتيها ابتسامة ملتوية:
" اعتقد انها لم تخبره بعد على فكرتها واظن انها تريد ان تدعني اقع في خطأ كفيل بأن يدعم موقفها حينما يعرض ابي الامر علي."
وسألها باي وهي تطفئ السكارة في المنفضة:
" هل تضيقين بنفسك؟"

ومدت سابرينا اصابعها فوق المنضدة وراحت تتطلع اليه كما لو كانت حقا تراها ثم قالت:
" اعتقد ذلك....انه امر طبيعي اليس كذلك؟ كل انسان يريد ان يوهم نفسه بأنه مفيد."
" لا تفعلين شيئا تعتبيرينه مفيدا؟"

" اعني بشؤون المنزل واقوم بطهو الوان الطعام ولن يكون في وسعي مواصلة اداء ذلك بعد ان يتزوج ابي ديبورا فعندئذ ستصبح هي ربة البيت"
وتابعت النظر الى اصابعها بعينين فقدتا نعمة البصر ثم اردفت تقول:
" انا اعرف ان في وسعي ان اتعلم شيئا"

واطبقت يديها حول الفنجان وهزت رأسها في قلق ثم قالت:
" انني مازلت مفعمة بقدر كبير من الكبرياء واعرف مدى اهميتي ويداي تحملان دائما فرشة الفنان لذلك اتساءل لماذا ارجئ اليوم الذي ينبغي فيه ان تقوما بشئ اخر؟"
" وماذا يقول حبيبك اتجاه كل هذا"

" حبيبي؟ ليس لي حبيب. لي اصدقاء كثيرون من الرجال ولكن ليس لدي احباب"
وعلق باي على قولها بصوت يشوبه الشك:
" انت فتاة جذابة ويصعب علي ان اصدق انه ليس لك علاقة عاطفية بأحد"

وهزت كتفيها باستهجان:
" كان لدي دائما مستقبلي الفني. وكثيرا ما خرجت مع بعض الاصدقاء ولكنني كنت حريصة على عدم الارتباط بهم عاطفيا. كنت ارى ان الحب والزواج
سوف يأتيان في المستقبل. انا سعيدة الان بموقفي الذي اتخذته. كم من الرجال يرغبون بالارتباط بزوجة عمياء برأيك؟"

فسألها وهو يكتم ضحكة:
" الا تعتقدين انك تعرضين وجهة نظر ساخرة تجاه الجنس الاخر؟"
فابتسمت وقالت:
" انها ليست وجهة نظر ساخرة لا اتجاه الجنس الاخر ولا اتجاه الحب وانما هي نظرة واقعية.
ان الناس يشعرون عادة بالحرج امام الاعمى ويحاولون ان يكونوا في منتهى الحرص عند التعامل معه فلا يجرحون مشاعره بالاشارة الى عجزه عن القيام باية مهمة توكل اليه او انه يشكل عبئا في علاقته بهم"

فقال ساخرا:
" غريب فأنا لا اشعر بأقل عبء او حرج وانا اجالسك الان"
واضطربت سابرينا حين سمعت منه هذه الملاحظة لانها كانت نابعة من شعور صادق فاعترضت قائلة:
" الواقع انني لا اعنيك برأي هذا وانما كنت اشير الى بعض اصدقائي الذكور منهم والاناث على حد سواء. انهم مازالو على اتصال بي يتحدثون الي هاتفيا او يزورونني او يدعونني الى الخروج معهم كسابق عهدهم
وكان الفن هو الصلة التي تربطني بهم لذا ادرك سبب حرصهم على عدم الاشارة الى موضوع فقد البصر امامي وهناك اخرون يتملكهم انزعاج مبهم عند الحديث عنه
اما معك فاني لم ادرك بعد كنة اقبالي عليك. ووجدت نفسي اتحدث اليك في اشياء لا تهمك ولا ادري لماذا اسردها على مسمعك. هل انت من هواة التحليل النفسي؟"

ارتسمت تقطيبة صغيرة من الحيرة فيها بين حاجبيها واحست سابرينا بابتسامته وهو يقول لها:
" لست محللا نفسيا ولم اشعر مطلقا بالضجر وانما كنت اتخيل كل هذه الخلجات تتصارع داخل نفسك لفترة من الوقت.
________________________________________
ان من السهل على الانسان دائما ان يتحدث الى الغرباء الذين لم يحددوا تصورا مسبقا لآرائه وقد حدث انني كنت انا هذا الغريب الذي امكنك العثور عليه بسهولة."

فسألته وقد ارتسمت على شفتيها ابتسامة يشوبها التحدي:
" وفي هذه الحالة ما هي النصيحة الحكيمة التي تسديها الي؟"
" الغرباء لا يقدمون النصائح انهم فقط ينصتون"
وكانت الضحكة واضحة في صوته الخفيض وهو يجيب على سؤالها بحنكة.

واقتربت اقدام متعجلة نحو المائدة وسألتهما المضيفة :
" هل تريدان المزيد من القهوة؟"
فقالت سابرينا:
" لا حاجة بنا الى المزيد. اشكرك"

وتحسست سابرينا باصابعها الارقام البارزةالموجودة في ميناء ساعتها ثم قالت:
" حان الوقت لكي اعود الى المنزل"

وقال باي للمضيفة:
" الحساب من فضلك."
وفي نفس الوقت غادرت سابرينا مقعدها ووقف باي الى جوارها وهو يقدم لها العصا البلوطية, واستقرت يده مرة ثانية بخفة على وسطها من الخلف وراح يقودها عبر الموائد حتى وصلا الى باب المقهى وانتظرت هناك قليلا حتى دفع الحساب.

وصعدا الدرج الى الشارع وسألها باي:
"هل قلت انك تقطنين على بعد عدة مبان قليلة من هنا؟"
وادارت سابرينا رأسا نحوه وقالت مبتسمة:
" اجل...يقع بيتنا على الطريق المؤدية الى الربوة العالية"
" هناك عزاء وحيد لعلاج مشكلة الربوات في سان فرانسيسكو فحين تشعرين بالتعب من الصعود فانه يمكنك ان تستندي اليها"

وضحكت سابرينا من وصفه الرقيق وردف يقول بصوت خفيض:
" ضحكتك هذه علامة جيدة فقد راودني التفكير في انك فقدت قدرة على الضحك منذ فقدت بصرك ولكنني سعيد اذ خاب ظني "
بدا ان قلبها قد وثب من صدرها لبضع ثواني واكتفت بان تتمنى بالا يكون تعليقه ملاحظة عابرة والتزمت الصمت.

ويبدو ان باي كان يتوقع منها هذا الصمت فقال:
" سيارتي تقف بالقرب من المنعطف. دعيني اوصلك الى المنزل"
كانت الفترة التي امضتها خارج البيت قد تجاوزت الساعة التي اتفقت عليها مع بيغي كولينز ولهذا قبلت سابرينا واعطته عنوان البيت ذي التصميم الفكتوري الذي يقع في قطاع باسفيك هايتس. وكانت ساعة ازدحام المرور قد بدأت.
واتخذت سابرينا من جلبة حركة المرور الصادرة عند التقاطعات مرشدا لها

فاستطاعت ان تحدد مكان البيت الذي تقيم فيه حين انعطف باي بسيارته وقالت له:
" بيتنا هو المبنى المطلي باللون الذهبي الداكن والمزين بخطوط بنية وبيضاء"

وفي لحظات وقفت السيارة بمحاذاة الرصيف المواجه للمنزل وجذب باي الفرامل واوقف المحرك.
وما ان غادر السيارة والتف حولها واتجه ليفتح الباب المجاور للمقعد الذي تجلس عليه سابرينا حتى سمعن جارتها تنادي:
" سابرينا.....هل انت بخير؟"

وسارعت الجارة الى فتح الباب وسمعت سابرينا خطواتها وهي تهرع نحوهما...لتقول لها:
" كنت لتوي قادمة لاعرف ما اذا كنت قد عدت الى البيت ام لا ظننتك نسيت ااتصال بي لتخبريني بوصولك"
قالت سابرينا:
" امضيت وقتا اطول مما توقعت"

" هذا واضح"
وساد صوت بيغي نبرة غريبة نمت على انها رأت الرجل الذي يصاحب سابرينا وتنتظر ان تقده لها :
" بيغي... اقدم لك باي كاميرون.... وهذه السيدة كولون جارتي."

وتبادلا التحية قبل ان يوجه حديثه الى سابرينا ويقول:
" جاء دوري لاخبرك يا سابرينا.... بأنه لا بد لي من الانصراف"
ومدت سابرينا يدها لتصافحه مودعة :
" اشكرك....لقد سعدت بذلك"

وشد على يدها بقبضة دافئة ثابته بالرغم من ان المصافحة لم تستغرق سوى وقت قصير واردف يقول:
" سوف اراك مرة اخرى في وقت اخر."


ورنت الكلمات في اذنها كأنها وعد منه وتمنت ان يفي بوعده وشعرت ان عجرفته التي شابت لقائهما الاول قد تلاشت تماما ولاح لها الموقف غريبا حقا اذ تسائلت: كيف به هكذا سريعا؟
كانت مستغرقة في تفكيرها حين سمعت باب السيارة يفتح ثم يغلق والمحرك يدور وعجبت كيف كانت تحادث باي بمثل هذه الحرية التي ماكانت لتستطيع ان تتحدث بها حتى مع ابيها الذي هواقرب الناس اليها.
وانتشلتها بيغي كولينز من تفكيرها حين سألتها بفضول :
" اين التقيت به؟"

قالت موضحة:
"يوم توجهت الى مرفأ اليخوت مع ديبورا لنصحب ابي الى المنزل"
ونسيت لوهلة ان جارتها كانت تقف بجوارها ثم اردفت تقول :
" من ذلك اليوم التقيت بذلك الرجل الطيب..اعني.."

ثم توقفت عن مواصلة الحديث وهي تتابع برأسها صوت رحيل السيارة التي غابت عن مسامعها ثم استدارت الى المرأة العجوز وسألتها:
" بيغي.... كيف تبدو ملامحه؟"

وتمهلت المرأة قليلا لتستجمع افكارها.. ثم قالت:
" انه طويل القامة.... يقترب عمره من الثلاثين, شعره احمر داكن, عيناه بنيتان. لا اقول انه وسيم او بهي الطلعة ولكنه يبدو رجلا بمعنى الكلمة...هل تعرفين ماذا اعني؟"
اجابت سابرينا بنعومة:
" اجل...اجل...اعتقد اني اعرف ما تعنين"

وادركت ان ملامحه القوية مؤثرة وفجأه صرخت بيغي قائلة:
" يا الهي نسيت ان اضع البطاطا في الفرن. سأتحدث اليك فيما بعد يا سابرينا"
" حسنا..يا بيغي"
وعادت الجارة بسرعة الى منزلها بينما كانت سابرينا تستمع الى كلماتها بلا وعي

*****نهاية الفصل الثاني*****

ارجو ان يعجبكم
استودكم الله
________________________________________


[/ALIGN][/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN][ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:109%;background-image:url('http://up.arabseyes.com/uploads2013/21_09_15144281477447062.jpg');"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]
.










.
[/ALIGN]
[/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN]









__________________

حينَ تتجاهلُ كوني لُغزاً....
فإياك وتجاهُلُ كوني همساتُ جنون....
مُدونتي||....тнιѕ ιѕ мє

التعديل الأخير تم بواسطة Florisa ; 09-25-2015 الساعة 02:47 PM