عرض مشاركة واحدة
  #39  
قديم 10-16-2015, 09:19 PM
 
وجهٌ كريستاليّ

.














.







وجهٌ كرِستاليّ


انتفاضة!..
كانت بحاجة ماسّة إليها..

و عند الشّاطئ الصّخريّ ظنَّت أنَّ لها قدراً مُحتّمٌ عليها لُقياهْ !..

طالعتْ بُحور الخِذلان الممتدة أمام بصرها المُغرَوْرَقِ بطوفانٍ من الشُّرود و التٌوَهْ ،،
تغلغلتْ فيها برودة صقيعية مع النّسمة الباردة التي لفحتْ جسدهَا الهزيلْ ، فأشتى ما حولها و اكتسحَهُ بياضٌ ثلجيٌّ ناصِعْ، ليفارقها منظر البحر الأزرق المُترامي الأطراف و يتلاشى كواهِنٍ أعلنَ استسلامهُ لهواجسِ الخوف و الكآبة التي كبّلتها !..
تنهدت و الثِّقلُ يخرجُ بصعوبةٍ بالغة من جوفِها المختنقْ :

ـ هممففف إلى متى سأنتظرُ هنا ؟!!..

الحاجة..
إلى أيِّ درجة ستدفعُها للتصرُّفِ بجُنونْ!

تشبثت بعمود كان بالقربِ منها، و مدت رِجلاً الى الشرفة القصيرة ثمَّ دفعتْ بجسدها للأمام حتى استقرت واقفةً على الحافة..
نظرت الى الأمواج تحتها تُحاولُ مُعانقةَ الصُّخور فتُعيدُها مُتكسِّرةً مخذولة!..

رفعتْ رأسها برجاء إلى حيثُ الأفق الداميّ ، مراكب صيدٍ عائدة و اخرى لا تزالُ صامدة حتى اللَّيل..

ـ لا.. لا تفعلي!..أرجوكِ!..

التقطَ سمعُها تلك العبارة فتلفَّتَتْ حولها مُستشعرةً أنها المقصودة..
لكن الرصيف خلفها فارغ ، عدا حمامتين نزلتا تلتقطانِ خُبزاً منثوراً عند الزاوية..

عاد الصوت مرة اخرى بنفس الجملة الرَّاجية لكنه أقرب، فأثنتْ برأسها للأسفل ضاحكة باستخفاف :
ـ هه، مستحيل!.. إنَّه مُجرَّدُ مشهدٍ في فلم.. و لن يَحْصُل معي أبداً ! ..

كادت تُضيفُ شيئاً لكنها بَتَرَتهُ بصيحة فزعٍ قوية !
عندما ارتجف قلبها و كأنه سيَهوِي من موضعه لترنُّحِها الفُجائي !
كان ذلك عندما اندفع نحوها جسدٌ ما و أحاط ساقها بذراعيه !..

من فوق..
نظرت الى ذلك الغريب المتشبِّثِ برِجلِها بإحكام، توسَّعتْ الدهشة في وجهها و نالَ منها الإحراج حين صاحتْ :
ـ إليك عني يا مجنونْ!!..

فصرخ هو الآخر:
ـ لا!.. لن أفعل حتى تنزلي من عِندِكْ ، لن أدعكِ تقتُلينَ نَفْسَك !
بقيت تنظره بعينين متسعتين متوهجتين و بارتباك تمتمتْ :
ـ ما.. الذي.. تهذي به يا هذا؟!!
ثم أضافتْ بعدما استعادَ صوتُها ثباته:
ـ لستُ أُحاولُ الانتحار .. أنا فقط أنتظرُ أحدَهُم ..

شعرتْ بالأذرع الملتفةِ حول ساقِها تتراجعْ لتتمكَّنَ أخيرا من رؤية ملامحه بوضوح..
طفولية، بريئة، عيونُه الواسعة تشِّعُ صبيانية..
بدا لها أصغر منها عُمراً لكن أنبغ منها فِكراً !

أجبرها على النزول بنظرات حازمة، ثم لبِثاَ هناك يراقبانِ البحر، الشَّمس قاربتْ أن تأفلْ و دِماؤُها انسكبتْ على المياه الزرقاء في فراقٍ ممزوجٍ بالوجعْ !..

ـ هل سننتظِرُ طويلا ؟..

ردت بهدوء دون حتى أن تلتفتَ إليه:
ـ لا أدري!..

بينما تمعَّنَ هو فيها..
شُعاعُ الشَّمسِ الراحلة المُنعكِسِ على وجهها ، شعرُها المُحلِّقُ مع النسيم البحريِّ البارد ، بوقفتها المُتأملة و نظرة الرَّجاءِ و الطُّموحِ البازغةِ من عينيها ..
قال بهدوء:
ـ وجهُكِ كريستاليّ ..

تبَيَنَتْ جملته أولا ثمَّ استدارت برأسها ناحيته و قد تكَّدسَّ التَّعجُبُ على ملامحها عندما ابتسم لها بكلِّ براءة..
لتنحسِرَ الضِّحكةُ عن شفتيه مُضيفاً:
ـ لكنَّهُ يتحطَّمْ !

التمعتْ صورته المُنعكسةُ على مُقلتيها الزُّجاجيتينْ ، و عصفت ريحٌ قوية بمكنوناتها بعثرت ذاك الثَّلجَ الذي احتلها كبتلات الأقحوان البيضاء..
و كأنَّ روحاً جديدة نُفِختْ فيها، نفحة دافئة دغدغتْ أعماقها فأحيتْ ربوع الأمل الميِّتة فيها.. فصارت تقفز فرحا و سروراً ..!

ضحِكَ هو الآخر و سأل:
ـ هل وصلْ؟

توقفتْ تُحملِقُ به ثم ردت بابتسام :
ـ نعم !

~،،

حيثُ متنفسُّها الفنيِّ..
راحت تفترسُ الساحة البيضاءْ بفُرشاتِها ، مزجت كل احساس اختلجَ فيها لحظتها في لوحةٍ من تدرجاتٍ للَّوْنِ الأزرق و الأبيض ..
لطَّخت، بعثرتْ ، نعَّمتْ و دققتْ !
كانت فوضى من الزُّرقةِ حولها .. تنفستْ بارتياحٍ و رضاً عندما انتهت منها اخيراً..
شابَّةٌ حوى الإطارُ نِصْف جسدها الأعلى ، تبتسم و تمدُّ كفها تلتقطُ قطرات دموعِها البلوريَّة ، خطوطٌ متوازية، انكسارات ضوئية، تدرُّجاتٌ لونية داكنة و فاتحة، زُرقة متوهجة ، يُخيَّلُ للناظرِ للوحة أنَّ لها وجهاً من الكريستال الصَّافي يتهشَّمُ ببُطء !!

ربما لم تفُزْ بالمركزِ الأول في مسابقة الرسم تلك ، لكنها ظلَّت مُمتنَّة ..
فالإلهامُ الذي خرجت بحثاً عنه كان هو من وجدَها..
الإلهامُ الذي تجسَّدَ لها بهيئةِ فتى رأى أنَّ لها وجهاً كريستالياً !.



تمت و الحمد لله









.










.

التعديل الأخير تم بواسطة SaRay ; 10-16-2015 الساعة 09:36 PM
رد مع اقتباس