عرض مشاركة واحدة
  #15  
قديم 12-27-2015, 11:47 AM
oud
 
ـ تـّفتـّح بـّرعمّ الحـّب ـ


إحـدّى لـّيـاليّ الخـميـّس كـّانـّت السـمـّاء و بهـذّا اليـّوم مـليـئة بـالنـّجوم المـّنيـّرة بينـمّا إختـفى القـمـّر
وسـطّ غـّيوم لنـدّن و ضـّبابهـّا ،
فـّي تـّلك الـشـّقة الصـّغـيرة للآنـّسة روبــّرت مـّاري و التـّي تـّعـّرفّ حـّاليـّا بـّلقب الأمـّيرة مـّاري آل لبيـّر
لأنهـّا استـطـّاعت كسـّر الـجـّليد الـذّي يـحتـّويه قـّلب نـايـّت ، لكـّن و بـالـّرغم من أنهـّا نـجـّحت فـّي
مهمـّتها في نـظّر الإعـّلام و التـّي يـّظن بـّعض رجـّال الأعـمال الـذّين سـّبق لهم و أن تـّعـاملوا مـّع نـايت
ـ أنّ هـذه الشـّابة خـطّيبته تسـتّحق الحـّصول على جـّائزة و شـكـّر لأنهـّا قـدّ استطّاعت أن تـّلين قـّلبه
الصـّارم و بهـذّا قـدّ يـّسهل عـّليهم التعـّامل معه .
لكـّن هنـاكّ وجـهة نـّظر أخـرى ، خـائبة كالعـادّة .. فـّمعـظم عـّامة الفـّتيات يـّظن أنّ مـاري لا تـناسّب
أمـيرا مثـّاليـّا مثـّله و هو يستـحّق الحـّصول على شـاّبة ذات طـّموحـّات عالية لا فـّتاة عـادّية تـّعمل
كـنادلة فّي المـطّعم
و كـاّن هـذّا نـّقـّاش المـوجودّ في الـجـّريدة بـّعنوان كـّبير و عـّريضّ ـ سنـدّريـلا الغامضة تـّتسـلل إلى
القـّصر ـ
لـمّ يـنـّل هـذا اهـتمام مـاري لأنهـّا تـّعلم أن كـّل هـذّا مـجّرد تـّمثيل و لـّيس من المـمكنّ حصـّولهـّا على
قـّلب نـايت ، لـذّا سـّوف تـّدع الأمـّور تـّجري مـّجرى الـّريّاح و سـّوف تـّذهب إلى أينمـّا قدّ تـأخـذها
قـدّميهـّا أو بالأحرى إلى أيـنّ يـأمـّرها الملكّ .
كـّانت مـّاري جـّالسة على الأريـكّة تـقـّرأ روايـّة رومـّيو و جـّوليـّت للمؤلفّ المشهور شيكسبير،
بـكـّل هـدوء و استـمتاع ثـمّ تـّذكرت فـجـأة مـّوقفهـّا مع نـّايت فـّي الحـّفلة عنـدّما انحنى بكـل طـّوله
نـّاحيتها لّيقبلها على جّبهتهـّا بكـّل شـّاعرية
وضـّعت يـدّها على مكـان القـّبلة ، فتـذّكـرت المـّرة الأولى التـي قـّابلته فيهـّا .. عنـدّ انحنائه للمـرة
الأولى و تقـّبيلهـّا بكـّل شـّاعرية أمام الجميـّع مدّعيـا أنهـّا خطيبته ،
هـزت رأسهـّا نفيـّا و قـدّ أحمر وجههـّا بالكـّامل ، كـّيـّف لهـّا أن تـّفكر به بـهذه الـطـّريقة الشنيـّعة ؟
إنهـّا ليسـّت قـّصة حـّب حقـيقية لـكّن لا تـستـطّيع منـع نفسهـّا
ضحـكـّت و هـّي تـّجتـّاح بـخيـّالهـّا ، إنّ كـان نـايت فـّعـلا يـحبهـّا ؟ و إن كـّانت هي فـّعلا سنـدريـّلا
الـحقيقية ؟ أن يحـّبا بـّعضهما بّعضـّا بكـّل جنونّ ، كـروميـو و جـّولييت
شـّعرت بالحمـّاس و قـدّ انتابتها رغـّبة مفـّاجئة في رؤيـّته فـحـّملت هـّاتفهـّا و أرسلت له نصـّا قصـّير
و مـّرحا يـّعبر عن شـّخصيتهـّا
ـ نـّايت أنـّا بـحاجة ماسة لمـّقابلتكّ لدّي شيء مـّهم أريدّ أخبـّارك به ـ
وصـّلتها رسـّالة فـرفعت هاتفهـا و فتحتهـّا ، كــّان المـّرسـل نـايت .. و هـو يـّقول بـكـّل اختصار
[قـّابـليني غـدّا عـّلى السـّاعة الثـّانية عـّشر عنـدّ الكـّلية ، مـّلاحظة إرتـدّي شيئـّا أفـّضل من مــّلابس
المـّتوسـلين الـتيّ تـملكينهّا ]
قـطّبت و قـدّ اختـفت جمـّيع أحلامهـّا أدراجّ الـريـّاح ثـمّ تمتـّمت بـّغيض و هـّي ذاهبة لتأكد من
مـّلابسهـّا
ـ و منّ قـّال يــّحبه ؟ هـّه كـّتلة جـّليد متـّحركة

/

فـّي غرفة كـّبيرة ، ذّات نـّافذة أخـذّت مسـّاحة الجـدّار بـأكملهّ أغـّلقت بـّواسطة ستـّائر سـّوداء محـّكمة
منـّعت ذّلك الـضّوء القـّليل التـّي تمنـّحه لندّن لسكـّانهـّا منّ التسلل، أمـّام ذّلك المـّكـّتبّ الـزجـّاجي بّه
حـّاسوّب محـّمولّ كـّانت شـّاشته تـّنيـّر فّي الـظّلام
عـّينيهّ الحــّادتينّ ركـّزتـّا عـّلى تـّلك الصـّورة الجـّميلة التـّي أخـذّت تـطفـّوا على الشـّاشةّ بكـّل عـّنفوان
و حـّرية ، ليـّس كـقـّلبه المقـّيد بـّسـّلاسّل و الأغـّلال .
تنهـدّ بأسّى و وضـّع يـّده على عينـّيه ليمنـّعهمـّا من اخـتّلاسّ النـّظر ، بينمـّا شـدّ على قـّبضة يـدّه اليسر
ليستـجمـّع القـّليل من الشـّجاعة .
كـّانت مـّلامحّ وجـّهه التـّي دوما ما بدّت للعيـّان غـّامضة و بـّاردة ، كـاّنت هـذهّ المـّرة متـّألمةّ و حـّزينة
لـّدرجة الثـّمـّالة ، التـّعاّسة التـّي غـّزت قـّلبه لـّم و لنّ تـّختفّي مهما طـّالت السـّنين . فـّي النهاية
استسـّلم لـّرغبته القـّوية و وضـّع أصـّابعه الـطـّويلة أمـّام الصـّورة ثمّ قـّال بنـّبرة مـّبحوحةّ و أليـمةّ
تحـّاكي نغمة النـّاي ،
ـ أخـّبرنيّ ما الذّي يجّب عليّ فـّعله ؟ و أنـّت التـّي تـحـّاولينّ مغـّادرة هـذّا القـّلب بكـّل سهولة ؟ أنـّت
التـّي كـّل شيء بالنـّسبة ليّ ،
صـّمت قـّليلاّ نـّادمـّا على هـذه الهـّفوة التـّي استسـّلم لهـّا بكـّل سهولة ، فـّوقّف و سـّار بخـطـّوات ثـّقيلة
نـّاحية النـافذّة ثـمّ أبـعدّ الستـّار لـّيرى تـلكّ السمـّاء المـظّلمة الممـّتلئة بالغـّيوم الدّاكنة فـدّوى صـّوت
الـّرعدّ في مـّكتبه الفـّارغ و المـّوحش فجـأة
لقدّ انحـّنت السمـّاء بـّعلياهاّ تـّواسيه على حـّاله و تـكبـّر الإنسـّان بـّالرغم من صـّغره على مشـّاعره
. ابتسـّم بـخفـّوت ثـمّ قـّال بنبـّرة هـادئة
ـ كـّنت سـعـيدّا عنـدّما كـّنت الفـّتاة الوحيـدّة لّي و أنـّا الرجـّل الوحيـدّ لكّ ،
كشـّر عن مـّلامحـّه البـّاردة و اختـّفت تـّلك الولهـّة الصـّغيرة التـّي أنـّارت عينيهّ للحـظة ،
و أخـذّ المـطّر يـّسقطّ بغـّزارة ، فعـادّ يحـدّث نفـّسه مجـددّا بحقـدّ و كـّره عمـّيق
ـ كمّ أكـّره نفـّسي التـّي رمـّت بـّعيدّا ، الـتّي أحبـّتكّ .

/

جـدّران بيضـاّء خـّالية من أّي جمـّال ، و نـافذّة كـّبيرة إحتـّلت الجـدّار تـطـّل على حـدّيقة جميـّلة أنساب
عبق زهـّورهـّا إلى دّاخل الغـّرفة ،
فيّ وسـطّهـّا وجـدّ بيـّانو أبيـّض اللونّ بلّ شديدّ البيـّاض ، جـّلس على مقـّعد الذّي أمـّامه ذلكّ الشـّاب ذو
الشـّعر الذّهبي الذّي تـّركه دّون ربـطّة هـذه المـّرة ، يضـّع أصـّابعه الـطّويلة على مفـّاتيحّ البيـّانو ،
غـّلق عينيهّ ذّات لونّ العّشب بكـّل هـدوء ثـمّ صـدّر صـّوت جـميـّل جـدّا ذو نـّغمة رومـاّنسية هـادّئة و
نــاعمة حـّزينة . قـدّ ظـّهرت لكـّنته الانجليزية
ـ أحـّاول أنّ أمحييك بـواسطّة هـذّه الـدموع المتـّسـاقطة ، لكـّي أستـطّيع أنّ أغـّادر جـّانبك ،
تـّوقف فجـأة و هو يـّضع رأسه على بيـانو مصـدّرا صـّوتا فـّضيـّعا ، تـأففّ بـغـّيض ثـمّ صـّرخ قـّائـّلا
ـ أحـّتاج إلى إلهـّام ، تبـّا .. الكـّلمات غـّير متنـّاسقة و المـّوسيـّقى كـذّلك أيضـّا ، كـّيف ليّ أنّ أصـدّر
الألبـّوم التالي بـحّق السـماء ؟
تـّنهـدّ بـعدّم رضـى دّام لدّقائقّ ثـمّ وقفّ بمـّرح و هو يحـّمل ستـّرتهّ ، قـّال بـابتسـّامة لـطّيفة زّينت
شـّفتيه
ـ أنـّا جـّائع ،

/

ّ الفـّتاة الأخـّرى ـ الآنـّسة فـّلور روبـّرت ـ التـّي عـكـّس أختهـّا تمـّاما فـهـّي الآنّ جـّالسة فـّي مكـّتبهـّا
و بيـّن يـدّيهـّا عـدّة أوراقّ تـحـّتاج إلى إطـّلاع عـّام أخـّير قـّبل أن ترسـّلها إلى المـدّير .
تـّعـّرف فـّلور روبـّرت بأنهـّا شـابة وقـّحة بيـّن زمـّلائهـّا و لأنهـّا تـّستمـّر بـّقول الـحقـّيقة دّومـّا دون
مـّجاملات و دّون إدراكّ للعـّواقب و لأنهـّا أيضـّا مجـتّهدة تـّتقن أعمـّالهـّا فـهّي تـّرقت فـّي ظـّرف شـّهر
إلى مـّكتب مسـّاعدة المــدّير الرئيسية .
تـّقدمـّت منهـّا الشـّابة الوحـّيدة التـّي تستـطـّيع تـّحمل مزاجها العـّصبي و تـّصـّرفاتهـّا الـصـّبيانية و
التـّي هـّي صـدّيقتهـّا الوحـيدّة منـذّ أيـّام الابتـدائية، ثـمّ قـّالت بـّهـدوء
ـ فـّلور سيـدّ جيمس يـطـّلب منـكّ إرسـّال أوراّق الآن
ـ مـاذّا ؟ سـحقـّا لقـدّ أخـّبرته أننـّي سـأرسـّلها عنـدّما أنتهـّي من قراءتها ؟ لمـاذا هـّو لحـّوح لهـذه
الـدّرجة ؟
ـ آ دأ أليـّس هـذا واضحـّا ؟ لأنه المـدّير طـّبـّعا
ـ حسـّنـّا حسنـّا أنـّا ذاهبة
وقفـّت و هـّي تـحمل الأوراقّ بينّ يديهـّا ثـم طـّرقت مـّكتب المـدّير جيمس ، وضـّعتها أمـّامه و غـّادرت
بـدونّ أن تتـّفوه بـكلمـّة ، بينمـّا قـطّب سيدّ جيمس من تـّصرفـّها الوقـّح لكـّنه تـجّاهله فـّلا يهـمه هـذا مـا
دامتّ تـّكمـّل عملـّها المـكـّلف به فّي وقته و بأحسن صـورة .
عـّادت تجـلسّ عـلى كرّسيـهـّا ، لحـظة مـّا رنّ هـّاتفهـّا النقـّال . رفـّعته دون أن تـّنظر للاسم ثـمّ قـّالت
بـبـّرود و هـّي تـنظر إلى أظافـّرها
ـ أخيـّرا اتصلت ، كـّنت أتساءل متـّى ؟
ـ عـذّرا آنسـّة روبـّرت أظـنكّ تـّنتـظرينّ اتصالا مهـّما أسـّف لأننـّي قـطـّعت عـليكّ ، لكّن أنـّا بحـّاجة
لمنـّاقشة مـّوضوع مهمّ مـّعك
انتـظرت لدّقائق قـّبل أن تقـّول بـحّقد و هي تـكـّز أسنانها
ـ ويـليـام ؟ ويـليـام دويـل ؟ هـّل أنا محقـّة ؟
تنهـدّ ويـليـّام في الجـّهة الأخـّرى و هـو ينـظر نـّاحية نـايت الجـّالس على مكـّتبه و يـّرمقه بـنـّظرات
حـادة تـّلحّ عليه بإكـّمال الحـدّيث
ـ أجـل إنهّ أنـا
ـ أنـّت أيهـّا الحـقير كـّيف تـّجرأ على أن تـقّوم بـّدعوتنـّا هـكذا ؟ دون إخـّبار أحـدّ بالأمر ؟ من تـّظن
نفـّسك ؟ أيها الحـّقـّير عـديم التـّربية و الأخـّلاق
أبـعدّ ويـليـام الهـّاتف عن أذنه و هو يسمـّع سيـّل من الشـّتائم تـنـطّلق نحـّوه و تـّنعته بكـّل صفـّات ،
فتـّقدم نايت منـه و أخـذّ الهـّاتف .. تـحدّث بنبرة حـّادة مبـّحوحة عـمّيقة
ـ أنـا نايت أل لبيـّر ، آنسـة فـلور روبـرت أريـد منـّاقشة موضوّع مهـمّ مـعكّ
تـّوقفت فـلورا عن الشـّتم ثـمّ أغـّلقت البـّاب و استنـدّت عليهّ ، قـّالت بـهدوء
ـ ما الـذّي تـّريده ؟
ـ ما أريده واضحّ جـدّا ، إنهّ تـعاونكمّا ما أحتـّاجه فـأنا و مـاري خـّطيبين مـّعروفينّ عـّالميـّا و أن
تـّكون خـطيبتي مـّنبوذة من طّرف عـائلتها لهـو أمّر لا أريده
ـ ما الذّي تقصده بمنبوذة ؟ مـاري أختي و أنـّا أحبهـّا أكـثـّر من أيّ شخص بهـذا الـوجودّ ، لكـّن أن
تـّحبهـّا انت فـهذا أمر مستـحيل
ـ فـلور ، ماري خـطيبتي و أظن إن كـّنت أحبهـّا أم لا فـهذا عـائدّ إلي
ـ اسـمّع لا تـّظن و لا لـوهلة أننّي أصـدّق تـمثـّيليتك الـسخيفة بخـّصوص هـذه الخـّطبة المـّزيفة ،
أنـّا قـدّ لا أعـّرف التفـّاصيـّل لكـّن أنا واثـّقة إن مـّاري أختـّي التي أعـّرفها من المستـحيل أن تـّرتبـطّ بـشخص مـّثلك
ـ حقـّا ؟ و ما الـذّي يجـّعلك تـّظنين هـذّا ؟ آنسة روبرت ؟
ـ أظـن أنـكّ أنـّت من أعـطّاها الـ 500 مـليون دّولار ، ألـيس كـذّلك ؟ أخـّبرني ما الذّي تـّريده منهـّا ؟
ـ مـّا أريده لـّيس من شـأنكّ ، كـّل مـّا أمر بـه الآن هـّو تـّعاونك أنت و والدكّ خـّلال حـّفلة الـزفـّاف
الـتّي سنـّقيمهـّا ،
ألجمت الصـدمة لسّان فـّلور و لمّ تستطـّع ان تـّتخـّيل و لو لـلحظة أنّ يـتّم زواجّ ماري الـطّفلة من
هـذّه الـكـّتلة الجـّليدية ذو القـّلب القـّاسي ، قـّالت بارتجـّاف
ـ مـ مـا الذّي تـّقصده ؟
ـ مـّا قـّلته و لنّ أعـيده، أخـّبروني كمّ تـّريدون و أنا مستـّعد لدّفع مقـّابل تـّعاونكم و حضـوركمّ حـّفل
الـزفـّاف و إن لم تـفّعلوا فـ
ـ أنـّت كيـّف تـجـرؤ أن تتـحدث معـّي بهـذه الـطريقة الوقـحة ؟ أنـّا لـّست فقيرة جدا لكـّي أريدّ مـّالك
أمـّا بالنـّسبة لتـّعاوننـّا فـأنت لـّن تـّحصل عليه و لنّ تـّحصل أيـّضا على بـّركتي كـأخـّت لزوجـّتك
أيضـّا ، سـأحـّرص على أنّ لا يـّتم هـذا الـزواج بـكّل تـأكيد
ـ حقـّا ؟ أريـدّ أن أراكّ و انت تحـّاولين ؟
ـ صـدّقني مـّاري لنّ أسلمـّها لـّك و لو عـّلى جـّثتي
صـّرخت فـّي وجـههّ بـكـّل عّصبية ثـم أغـّلقت الهـّاتف و رمـّته على الجـدّار بكّل عـنّف ، بينمـّا ابتسـم
نايت بهـدوء و هـّو يجـّلس على الأريكة واضعـّا قدما على الأخرى بكـّل راحة ، قـّال ويـليـام له بـّغيض
ـ هـّل أعجـّبك ما فّعلته ؟
ـ طبـّعا لقـدّ تـّخلصت على القـّليل من الـملل الذّي أصـّابني ، لكـّن حقـّا أفـرادّ عـائلة روبـّرت فـّريدون
من نـّوعهم
كـّان ويـليـام يـّسند رأسه على كـّوعه و هـّو يـّرمق نـايت مستـّغـّربـّا منه ، قـّال بـتـّعجب
ـ كلمـّا أظنّ أنني و أخـّيرا تـّمكنـّت من فـّهمك فـأنـّا أجـدّ نفسيّ جـّاهلا مـّرة أخـّرى ،

/

رّن جـّرس ذّلك المنـّزل الكبيـّر عـدّة مـّرات من قـّبل رجـّل ربمـّا في منتصـّف الأربعينّ يحمـّل بينّ يدّيه
ظّرف متـّوسط الحـجمّ ، يرتـدّي بـذّلة رسمّية قـدّيمة نوعـّا ما بكـّل إهمـّال ،
فجـأةّ فتحّ البـّاب على يـدّ خـادّمة فأقتحم ذلك الـرجّل منـزّل كالإعصـّار و الغـّضب بـادّي على مـّلامحّه ،
أخـذّ ينـادّي بصّوت عـّالي و حـادّ
ـ روّي ، روّي
آتى من الغـّرفة المقـّابلة الـرجّل المـدعو روّي يمـّيل للبـدّانة و قدّ غـزى الـشّيب شّعره ،
نـظّر باستغراب إلى هـذّا الـذّي اقتحم منـزله عنوة و قـال بتسـاؤل
ـ جوناثان ما الأمـّر ؟
كـّانت مـّلامح جونـاثان غـّاضبـّة جـداّ ممـّا جـّعل روّي يتساءل أكـثر فـأكثـر عن السّبب ليـّقول
جـّونـاثـّان بـحدّة و عصبية راميـّا المـّلف في وجـه صديقه
ـ كـّيف لكّ أن تـّفعل هـذّا بي ؟ كـّيف لكّ ؟ لقدّ صـدّقتكّ و أعطـّيتكّ الثقـّة المـطّلقة أفها هكذا تـّجازيني
يـّا صديق العـمر ؟ هـكذا ؟
ـ مـا الذّي فـّعلته ؟
ـ و مـا الذّي لمّ تـّفعله ؟ كـّيف لكّ ألا تـّخبرني أنّ آرثر رجـّل متـّزوجّ ؟ و هو يـّخونّ زوجـّته أيضـّا ؟
كـّيف لكّ أن تـّغفل عن ذكّر هـذا لّي ؟ و أنـّا الذّي كـّنت أريدّ تـّركّ ابنتي فّي عهـدّتك ؟
ـ صدّيقي أنت تـّسيء الفـّهم فآرثر لّيسّ متـّزوجـّا فـّعلا هو قـدّ تـّزوجّها من أجـّل أن تحّصل على
الجـّنسية الأمريكية و هو مسـّتعد أيضـّا لطـّلاقّ لذاّ لم أرى أن الأمـّر يسترعي كل هـذا الاهـتمـّام
ـ أرجـّوك كـّف عن الكـذّب ، لقـدّ وثقـّت بكّ و أردّت أنّ أرتـّاح بـتـّزويج أبنتي و الاطمئنان عليهـا لكـّن
أنـّت .. أنـّت كـّيف لكّ أن تـّفعل هـذا بي ؟ كيـّف ؟
ـ أنـا أسفّ جون لـمّ أكنّ
قـطّب جـّونـاّثان و هو يـنـظر إلى صـديقه الذّي غـدّره ، ثـمّ اتجـه إلى الخـارج و هو يقـّول بـكـّل هـدوء
ـ عـّقدنـّا قدّ انتهـى و كـذّلك صـدّاقتنـّا
بـّعد ذّهاب جـّوناثان ، قـّام روّي بفـّتح المـّلف بكـّل فـّضول .. وجـدّ صـّور عـدّيدة لابنه آرثر ليسّ مع
فتـّاة واحـدّة أو اثـّنين .. بـّل الكـثّـير و معـّظمّهم كـّان مخـّللا للحيـّاء ،
احمر وجـه السيّد روّي و وضـعّ يده على قـّلبه بـكّل ضـّعف ، أخـّرج حـّبة دّواء من عـّلبة موجودة
فّي سترتهّ و تنـّاولهـاّ على عـجـّل ،
ثـمّ جـّلس على دّرج و تنهـدّ بكـّل أسى و ذّل على مـاّ أوصله ولدّه

/






عنـدّما يـّلتقي الإنسان بتوأم روحـّه ، الـّشخص الذّي يـّفتّرض أنّ يبـّقى مـّعه طـّوال حيـّاته و أنّ يحـّب و يعـّشقه .. أنّ

يستـمّر مـّعه للأبدّية فـّهل سيـّتركّه يـذّهب ؟ هـّل سـأتـّركه أنـا يذهب ؟ جـّوابّي واضحّ .. و على الـّرغم من وضـّوحه
سـأقـّول لكمّ لا ، لنّ أتـّركه يـرّحل مهمـّا كـّلفّني الأمـّر ، سـأبقى بجـّانبه و سـأكتفي بـحّبه ..
ـ أذّن آنسـة روبـرت مـاري ، هـل أنت واثقـة من أنّ سيـد نايت آل لبيـر هو تـوأم روحـكّ ؟ الشـخصّ الذّي انتظرته طـوال
حيـّاتك ؟
بـكـّل سـّعـادة سـأقـوّل نـّعم ، إنّه فـّارس أحـلامّي الذّي انتـظرتهّ يومـّا بـّعد يّوم .. الـّذي خـّزنتّ قـّلبي لّه فّي انتـظاره ،
الـذّي سـأكونّ ممـّتنة إنّ قبـّل بـحـّبي اللا مـحدّود له .. أنـّا أحبـّه
ـ حقـّا و مـّنذ مـّتى ؟
إّن أردّتم أنّ أكون صـّادقة ، مـّن اليـّوم الذّي التقـت عينـّاي بـّعيـنيه حينهـّا شـّعرت بأحاسيس و لأول مـّرة انتابتني ،
شـّعرت أنه الـوحيـدّ المنـّاسب لّي
ـ إذّن أنـّت تـّحبينه ؟
فتـّحت مـاري عينيهـّا بـّذعـّر و أخـذّت تنـظر حـّولها و قـدّ شحـّب وجـهها كمـّا لو كـأن الـدّم قدّ سحبّ منهـّا ، وضـعّت
يـدها على دّقات قـّلبهـّا السـريعة ثـمّ وقفّت بـشـكّ و هي تـّنظر مجـددّا في أركـّان الغـرفة .
إتـجهت إلى المـطّبخ ثـمّ شـّربت كـأس مـّاء و جـّلست على الكـّرسي ، كـّانت في نـدّوى صـّحفية تـسـأل فيهـّا عن
عـّلاقتهـّا بـّنايت و هي أجـّابت و بكـّل صـدّق أنهـّا تـّحبه ، تحّب كـّتلة الجـليدّ المتـّحركة تـّلك ، أخـرجـّت لسانها بقـّرف
قـّائلة
ـ كـّابوس، كـّابوس .. يـّاله من كـابوّس أنـّا أحـبّ شيـطّان مـّثله ؟ مستـحيّل بـّل في سـّابع المستـحيـّلات و لنّ أفـّعـل
سـأنـتظر الـشخّص المنـّاسب . أجـّل المنـاّسب
ضحكـّت بهسـّتيرية ثـمّ تّوقفت فجـأة سـحّبت شـّعرهـّا بعنّف عنـدّما انساب إلى فكرها صـّورة نـايت المبتسم بسخـّرية
لاذعـة و هو يـّعلق على موّقفهـا الآنّ ، قـالت بحدّة
ـ مستـحّيل، أنـا لا أحبـه
عـّادت تجـّلس على الكـّرسي متهـجمة المـّلامحّ ، وضـّعت يديهـّا على وجههـّا ثمّ سحبـّت خـدّيها بكـّل قوة و هيّ
تـقـول محـدثة نفسها مجددا بكـّل واقـّعية
ـ أجـلّ مستحيـّل بـطة سوداء مثـلي لنّ تحظى ببجـّعة ،الأمر مفـهوم ؟
انسـاب الاكتئاب إلى قلبهـّا فسـارعت إلى معلقة الملابسّ و ارتـدّت معـطّفها الأحمـّر و وشـّاحهـّا مع حـذاّء المنـزلي
المنفـوّش على شـكّل أرنـّب ، فتـحّت بـّاب شـّقتها و إتجـهت إلى شـّقة التّي بجـّانبهـّا ، رنّت الجـّرس قـّليلا فخـرجّـت
السيدّة فرانسيسّ منـّزعجة و هي ّ تـّقول غـّاضبة
ـ ماذّا ؟ مـاذا ؟ مـاذّا ؟
ـ أسـّعد صـّباحكّ سيدّة فـّرانسيسّ ، كمـّا تـرّين سيدّتي أنـّا لا أستـطيّع النـّوم و لأننّي لا أستـطّيع قـّررت أنّ أصـّنع كـّوب
شيـكـّولاطـّة سـّاخن يـدّفئني لأن التـدفئة لا تـّعمل ، لكـّن و كمـّا أرى فـأنـّا لا أمـتلكّ الـشيـكولاّتة لذا من فـّضلك هـّلا أعـطيتني ؟
قـطّبت سيدّة فـّرانسيّس بـكّل عصبية ثـمّ صـّرخت بهـّا غـّاضبة و هّي تـّلوحّ بيدّيها بينما ماري تـّحاول تفـاديهـّا
ـ و ما شـأني أنا ؟ ها ما شـأني بـحّق السمـّاء ؟ ألانك لا تستـطيعين النـومّ توقظِ جـّيرانكّ ؟ ثـمّ إن لمّ تـجدي
الشـيكولاتة كما تـدّعين لما لا تـحضري شيئا أخـر ؟
ضحكـت مـّاري ببـّلاهة و هـّي تمـدّ يدّيهـّا فزمـّجرت سيدة فرانسيسّ بـحقدّ و أغـّلقت البـاب في وجههـّا بكّل قوة ثـمّ
فتحـّته و أعطّتها عـّلبة و قـّالت بحدة
ـ بحّق السمـاء لا تـّعودّي لتـطّرقي باب شقتي عنـدّ الثـّالثة صبـّاحـّا مجددّا و إلا أقـّسم أننّي سـأطّردكّ من المبنى ؟
ـ إذّن لا بـأس بالـّرابعة صـّباحا ؟
صـّرخت سيدّة فرانسيس بـجنونّ و دّخلت إلى شـّقتها تشتمّ كـّل ما فيّ طّريقهـّا ، فضحكـّت مارّي بخـّبثّ و هيّ
تمسـكّ العـّلبة كما لو كـأنهاّ شيء ثـمّين يـأتمنّ بحـّياتها الخـّاصة ، إتجـّهت إلى بـّأب الشـّقة التي أمـّامهـّا ثمّ طـّرقته
بكـلّ هدوء تـّضع على شفتيهـّا ابتسامة بسيطة فـخـرّج ويـّليـام مـّرتدّيا بنـطّالا و قميصّا بإهمـّال ، عـّينيه مغـّمضتين و
بالكـّاد يستـطّيع فتحهمـّا قـّال بـتسـاؤل
ـ ما الذّي يحـدّث ؟ لقدّ سمـّعت صـّراخا منـذّ قليل ؟
ـ ويـّليـامّ عـزيزّي أتمـتلكّ قليّل من السـكـّر ؟ أريدّ تـّحضير القـهوة لكّن لا أمتـلك السـكّر و السوبرّ ماركت بـعيدّ جدا
ـ آه أجـّل تفـّضلي، أحضـريه بنفسكّ
أومـأت بـكّل لطّف ثّم اتجـهـّت إلى مـطّبخه بينمـا أكـّمل هو طـّريقه نـّاحية غـّرفته ليّعود إلى النـوم مجـددّا ، وجـدّته
فـأخذّته و كـّادت أن تـّعود لولاّ أنها قـّررت فـتّح الثـلاجة .. وجـدّت تلكّ الحـّلويات المـغـّرية التّي دومـّا ما يقومّ ويليـام
بتقـديمهـّا فقـالت بصّوت عـالي نسبّيا
ـ ويـّل هل أستـطيع أخـذّ حبـة من تـّلك الحـّلوى التي تصـّنعها ؟
لّم يجّبها ويـليام لأنّه كـّان يغطّ في نومّ عـمّيق فابتسمـّت مـاري بـمكـّر و هيّ تردد في نفسها أن الصمـّت من عـّلامات
الـّرضى فـأخذّت الصـحنّ بـأكمله و سـّارعت بالـركض إلى شّقتهـا ضـاحكة

/


فّي ذّلك القـّصر العـمّلاق حـّيث لا يـّكتفي المـّراسـّلون عنّ نبّش أحـّوال أصحـّابهمّ فـّتراهمّ يحـّاولونّ التسـّلل لعـّلهمّ
يجـدونّ مقـّالا صحـّفيـّا يجـّعلهمّ يكـّسبونّ المـّال أو يشتهـّرونّ ، كـّانت عـّائلة آل لبـّير العـّريقـّة تـجّلسّ فّي طـّاولة
مستـدّيرة تتـّناول فـّطـّور الصبـّاح و الصمـّت سـّائدّ بينهمّ كالعـادّة
الجـدّ بيـتر رئيّس شـّركة لبيـر التـّي تسيّر السـّوق بـّرفعة أصبـع و التـّي تـّمتلك كـّمية عـظيمة من الأسهـمّ لربمـّأ تفـيّ
بشـّراء جـزيرة ، يـّعرّف عنه بالقـوة العـّارمة و حـدّة الذّكاء يجـّلس باستقـامة يـتنـّاول حسـّاء
سيـدّ تـومّاسّ ابنـه الـوحيدّ المتبـقي على قـّيد الحيـاة و والدّ كـايل ، يـّمسكّ شـّركـّاتهمّ فّي ألمانيا و لا يـّعودّ إلا نـادّرا
، يتصـّفحّ الـجريدّة باهتـمام
كـّايـل و ابتسـامته السـاخرة المـّوجهة إلى ابنّ عمته كالعـادّة ، لاعـب بيسبول شـهيـّر قـّاد فـريقه للفـّوز لكـنهّ أعتزل
حـّاليـا من أجـّل تسيـر أعمـال العـائلة و أنّ يكونّ اليـدّ اليـمنى لوالدّه و جـدّه .
إليـزابيث دو لاسيـر ، زوجـّة كـايّل بـرازيـلية الأصـّل و عـّارضة مـشهورة أيضـّا فـكـّانت هيّ تتصـّفح مـجـّلة بكـّل اهتمـام
نـايـّت آل لبـير ، ابـن إيليـنا آل لبيـر .. دّرسّ إدارة الأعمـّال و تـّخرجّ فيّ سـنّ الثـامنة عـّشر بـّعد حـيازته على الدكتـوراه
، يـّعـرف بشيـطّان و ذّلك لـحـدّة ذكـاءه كمـا أنه يـّعتبر الـيدّ اليمنى للجـدّ و الذّي يشـبههّ لحـدّ كبيـر فّي تصـّرفاته ،
حـّاليـّا خـطّيبته مـاري روبـرت فـتاة من العـامةّ
فجـأة أمسـكّ رئيسّ الخـدّم ذّلك الرجـّل المـّريب الذّي يتنصـّت من خـّلف شجيـّرات صـّغيرة زرعـّت أمـام شـّرفة غـّرفة
الأكـّل لتـّوحي بمنـّظر خيـّالي ، رمـّق رئيس الخـدّم المـّراسل الذّي يـكـّتب حـّول أفـّراد هـذه العـائلة فّي دّفتره الخـّاص
ثّم قـّال بـلهجة متـّعالية ذات لـكنة بـريطـانية
ـ أيـها السيدّ تـّعال مـّعي من فـّضلك لننـّاقّش أمـّر من يـّوصلك إلى الشـّرطة بـتّهمة تعـدّي على مـّلكية الغـّير و
محـّاولة نشـّر الإشاعات ،
قـطّب الـصـحـّافي بانـزعـاج ثـمّ رفـع آلة التصـّويـر و ضـّغط على الـزر ليـأخذّ عدة صـّور لأفـّراد العـائلة ثـمّ يـّركضّ مسـّرعـا
هـّاربـّا فحـّاول رئيّس الخـدّم أن يـّركض خـّلفه لكنّ كبـّر سنه لم يسـّاعده ، أمـّر الرجـّال بالإمساك به عـّبر اللاسلـكّي
بينمـّا هو يـّلتقط أنفـّاسه و يشـتمّ بلـّغته كـّل صـّحفي سببّ فيّ سوء عـّيشه
قـطّب سيدّ تـوماسّ و وضـّع نـظارتيه جـّانبـا قـائلا بتسـاؤل
ـ أسمّع أحـدّكم ضـوضـاء الآن ؟
أجـاّب الكـّل بالنـّفي فابتسـم هو بهـدّوء معـّلقا على نفـسه
ـ يبـدّوا أننّي كبـّرت بالسـّن يـّا والـدّي
ابتسـمّ الجـدّ بينمـّا أيدّه كـايّل عـلى أنهّ فعـلا قدّ كـّبر بالسـّن و يـجّدر الحصـّول على القـّليل من الـّراحة فـوافقـّت
إليـزابيث زوجـّها و هـّي تـّنصحّ حمـاها برحلة استـجـمامية يـّريح فيهـّا عـّقله ، وقفّ نـّايت بعّد أن وضـّع المنـّشفة
جـّانبـّا ثـمّ إنحنـى بـّلبـاقة و كـادّ أن يـّرحل لولّا سـؤال كـّايل الـسـاّخر
ـ مـاذا بـكّ نـايت ؟ ألم يـّعجّبك موضوع الحـدّيث و قـررت الـذهاب ؟
نـظر إليه نـايت بـطـّرف عينيهّ التيّ احتـدّتا بشـكـّل خـطّير ، فقـدّ كان مـّزاجه منعـدّما هـذّا الصبـّاح و لا تـّنقصه
تـّعليقـّات كـاّيل السـاخرة ، ردّ بـنفـّور لتـظهر نـّبرته المـّبحوحة التـّي تنبـأ بـمـدّى غـّضبه
ـ لدّي عـمـّل لأديـره .
سار بـخـطوات واثقـّة و سـّريعة فقـّالت إليـزابيث فجـأة
ـ نـايتّ سـأذهب لـزيـّارة مـاري إنّ لم تمـّانـع .
تـّوقفّ و عـّاد ينـظّر إليهم ، لقـدّ سـهر البـّارحة فـّي مكـّتبه و لمّ يـّعد إلا صـّباحـّا من أجـّل عـّادات الجـدّ الذّي تنصّ
على تـّواجد أفـّراد العـائلة فيّ وجبـّة الصـّباح و المسـّاء ، قـّـال بـّحدة
ـ مـا شـأني أنـّا ؟ بـحّق الجـحيم هـّلا ..
أمسـكّ رأسه فـوّقف الجـدّ بيتـّر بقـّلق و كـذّلك إليـزابيث الـتّي تقـدّمت منهّ فوضـعت يـدّها على جـّبهته و التـّي
سّارع نـّأيت بإبعـادّها ، قـّال بهـدوء
ـ عـذّرا .
ثـمّ رحـّل مبتعـدا

/

أمسكـّت فـلور بـّعلبة القـّهوة الفـّارغة ثـمّ نـّظرت إلى تـّلك المـّياه التـّي وضـّعتهـّا في وعـاء على المـّوقد المشـّتعل ،
زمـّت شـّفتيهـّا بـغّيض و قـّامت بـّرمي العـّلبة لتـّخرج الحـّليب من الثـّلاجة و تـّشربه لكـّن لم تـجدّ قطـّرة واحـدّة فيه ،
شـتمـّت بانزعاج و جـّلست عـلى المنـضدة قـائلة بأسى
ـ أن تـكونّ فقـيرا لهو أمـّر مـزعجّ بكـل تـأكيدّ ، يـا تـرى هـل مـاري و بـزواجهـّا من ذّلك المتـّعجرف هـّل يـا تـرى تخـّلصت
من هـذه الأشيـاء المـزعجـة ؟
تـقدّم والدّها و جـّلس على الكـّرسي حـّاملا بينّ يديه جـّريدة يـّقرأ العـّناوين ، قـّال باهتمام نـاحية فـلور التي تحـدّث
نفسهـا
ـ مـّاهي هـذه الأشياء ؟
استـدارت فـلور لوالدّهـاّ ، كـّانت بنـيته ضـّعيفة و قـدّ فقدّ قـليّل من الـوزّن ربما لكثرة التفكير بأمورهـمّ التي رفّضت أن
تعـتدّل ، قـالت فجـأة
ـ أبّي سـأذهـب لتـحدث مع مـاري ، أظن أن زواجـهّا من ذّلك الرجل خـطأ عـظيمّ و لابدّ لنـّا من جـّعلهـا تـدّرك هـذا
جيـدّا
تنهـد سيدّ جوناثان ثـمّ قـال بـلهجة غـير قـابلة لنـقاش
ـ حسنـّا أذهبي ، لكـّن و بـّخروجكّ من هـذا الـبيت تـأكدي أنكّ لن تـّعودي إليه أبـدا
وقفّ و وضـّع الجـّريدة جـّانبـّا بقـّوة على الطـّاولة ثـمّ استـدار مـّبتعـدا و هو يقـّول بـحـدّة
ـ إّن تـحّديث عنّ تلك الـوضيـعة ممـّنوع .
بـّعد رحيـله إرتـدّت فـلور معـطّفها و هي تـّعلق بـكّل بـّرود على كلمـّات والدّها الصـّارمة ثـمّ خـّرجت من المنـزلّ ،
إلى العـمـّل و فـكّرة زيـارة مـّاري لا تـّزال تـّدور بـرأسهـّا

/

فّي منـّزل مخـّتلف عنّ عـائـلة غـلوري المـحطـّمة و المتشتتة أو قـّصر الكـّبير لأفـرادّ عـائلة ال لبيـر المـّالكة و التّي
يسـّعى أفـّرادهـا نـحو الثـّروة ، هـذّا المنـّزل كـّان متـّوسط الحـجّم يـّعم بالـدفء و الحـّنينّ لـكّنه عـلى وشـكّ التـّخلي
عن جميـّع هـذه الأحـّاسيس .
فـذّلك الشـّاب ذو الشـّعر الـبني كـّان يـّقف بـكّل خـزي و يتـحدّث بكـّل هدوء نـّاحية ذّلك الـرجّل الذّي يبـدوا فّي
منتـّصف الخـمّسين من العـمّر و الذّي كـّان الغـّضب قـدّ توصّل إلى أعماق أعـماق قـلبه فقـّال بـحدة و عصبيـة
ـ لقـدّ قـّلت لكّ أرحل و أنـا لن أعـيدّ كلامّي مـّرتين ، أرحل و أختفي من أمـّام وجـّهي لا أريدّ رؤيـتك و لا سمـّاع صـّوتك
حـّتى امسـّكته زوجـّته من ذّراعه و هّي تسـّحبه للجـّلوس على الأريكـّة كّي يـّهدأ أعـّصابه لكّن لا
يبـدوا أنّ ما تـّفعله يسّـاعد على الإطلاق ، قـّال آرثـّر بـغـّضب بـّعد أن سـأم من التـّوسل الذّي لا يـّفيده
ـ أنـّأ لمّ أخطـأ ، لمـّاذا بـّحق السمـاء أضـطر من الـزواجّ بـتـلّك القبيحة ذات اللسان الطويل
المـتّعجرفة و أنـّا آرثر غـلوري ؟
ـ و ما الخـطأ فّي ابنـة سيدّ روبـّرت ؟ ما الخـطأ بهـّا ؟ إنهـا أفـّضل منـكّ فهيّ تتـحمل مسـؤولية
أفعالها و لا تـّهرب من المصـّائب تـّزويجكّ إيـاها لكـّان من أعـظم الأخطـاء التي أوشكـّت على
القـيام بها
ـ ما الذّي تقـصده يـا والدي العـزيز ؟ هـلّ أنت تـّفضلها علي أنا أبنك الوحيـدّ ؟
وقفّ سيد روي غـّلوري بـّعصبية ثـمّ أمسكّ آرثر من يـّاقته و هو يقـّول بـّصراخ حـّاد جـّعل زوجـّته تـّرتجـّف
ـ أيهـّا الابن العـّاق عـديم الفـائدة ، أرأيـّت الـصّور التي أرّسلت إلى صـدّيقي جـّونـاثان ؟ أتـّلك صـّور
يفـّترض بي أن أفتـّخر بهـا ؟ و أنا الذّي كـنت أمتـدحه أمـّامك يـّال العـّار الذي ألّحق بي يـال العـّار ،
ابنـي مـّع لّيس فتاة واحـدّة و إنمـّا العـشرات
ـ لقدّ قـّلت لكّ أنهمّ مـجّرد صدّيقـّات فـّلماذا تـّكبـّر المـّوضوع ؟
ـ سحقـا لا أريدّ سمـاع أعـذارك الواهيةّ ، لا تـعد إلى هـذا المنـزل إلا و أنت نـّادم على ما فـعلته ،
قطـّب آرثـر بغّضب ثمّ صـّعد السـّلالم متـفّاديـّا أخته كلـير الواقفـّة بصـّدمة ، إتجـه إلى غـّرفته و أخـّرج جميـّع ثيـّابه
ثمّ وضـّعها في الحقـّيبة و حمـّل حـّاسوبه النقـّال مـّع كـّتبه ثمّ سـّارع بالذهاب و هو يستمـّع لمـحات من
نقاش والدّته مع روي فـّأغلق البـاب خـّلفه بكل قـّوة معـّلنا أنـّه لنّ يـعود موجـودا بينّ أفراد أسرته بـعد الآن
ـ ما الذّي تفعله روّي ؟ هل ستـسمح لابننا الوحيد أن يـّغادر هـكذا بـينما أنت تـنـظر إليه ؟ هل قسي قـّلبك على
أبنائك ؟
تنـهدّ روي ثـمّ مسـّح دموع زوجـّته المنهـّارة قائلا بحـنان
ـ عــزيزتيّ أنـا لا أقـسو عليه ، أنـّا فقط أحـاول أن أرشده لـطّريق الصـّحيح ، لقدّ أصبحّ غـّير مبـّاليّا لمـّا حـوله و
لا يـهتمّ سوى لمـتّعته الخاصة ، أريدّه أن يّصبح رجـّلا نـاضجـّا
ـ لكن ليس بهذه الطريقة روي ، أنا لا أريد لابني أن يبتعد عني
ـ أنـا أعلم عـزيزتي ، لكنـكّ رأيت تـّلك الصـّور المشينة و رأيت أيضـّا تـّصرفه اللامـباليّ حـّول الأمـّر
و عـّدم اعتذاره لّي و رفّضه طـّلب الصفّح من سيدّ جوناثان ، هـّل تظنين أنّ هـذا لائق ؟
تنهـدّت سيدّة تينـا ثـمّ أومـأت بالنـفي و غـادّرت إلى المـّطبخ لكّي تـحّضر القـليل من الشـّاي كّي يـعدّل
أعصـّاب زوجها و تـّطلب منه مجددا إعـادة آرثـر إلى المنـزل ، حـّـتى لو كـان مخـطئ و حـّـتى لو أنّ
طريقته في العـّيش مستهترة و مليئة بالأخطـاء لكنه يبـّقى ابنها و لنّ تـّسمح بـّرحيله عنها

/

بـّعد انتهـاء المحـّاضرة غـّادرت مـاري القـّاعة متـّجهة إلى المـّطعم ، و كـّانت هـذا مـّجرد روتيـّن
عـّادي لحـّياتهـّا الـيوميـّة لكـّن مـّؤخـّرا ، روتينـّها الذّي اعـّتادت عليهّ بدأ بالتـّغير تـّدريجـّيا .
فـّي طـّريقهـّا نـحّو المـطّعم وجـدّت كليـّر غـلوري تـّقف أمـّامها مـّانعة إيـّاها من الـتقدّم و وجـّهها
محتـّقن بالغـّضب و
السـخطّ ، عـّلى غـّير عـّادة كليـّر فهيّ لم تهتمّ اليـوم بـأناقتهـّا و لا اشـّراقتهـّا الدائـّمة ، تـّوقفت عن
السـّير ثمّ رسمـّـت ابتسـامة لـطّيفة على شفتيهـّا و هي تـّّرحب بكـّلير بصـّدر رحـبّ
ـ صـّباح الـخيّر كـّلير ، لـما لمّ تـأتي بـاكـّرا لقدّ كـّانت مـحاضـّرة أستـاذّ مـاثيوّ جميـّلة جـدّا
أمسـكـّتها كـليّر من يـّاقتهـّا فـتفـاجـأت مـّاري لكّن لمّ تـبعدّ يدها ، صـّرخت كليـّر في وجههـّا بكـّل عـّصبية
ـ أتـدّعين الجـهّل أم مـاذا ؟ أحـٌّقا لا تـّعلمين السبب ؟
سـّقطـّـت كـّتب مـّاري على الأرّض عنـدّما تـّلقت صـّفعة قـّوية من كـّلير جـّعلتها تـّرتد ّ إلى الخـّلف ،
فإجـّتمع الطـّلاب حـّولهمّ و هو ينـّظرون بـّفضـّول بينمـّا قـّالت مـاري بـّتوتّر
ـ ما الذّي تقـّصديه ؟ أنـّأ لم أفـّعل شيئا ثمّ يـجّدر بـكّ الاعـتذار
كادت أن تـّنقض عليهـّا كليـّر لكـّنهـّا أحكمـّت على قبّضتهـّا محـّاولة السيـطّرة على أعـّصابهـّا
و هـّي تـّقول بحـدّة
ـ لقـدّ قـّلت لكّ مـّسبقـّا و بـوضـّوح أنّ أخـّي لا يـريدّ الـزواجّ بـأختـكّ أليّس كذلك ؟ و طـلبت منكّ
و بـّوضوحّ شديدّ أن تـّحاولي إيجـّاد حـّل لذّلك العـّقد السـّخيف لكـّن ما الذّي بحـّق الجـحيمّ فـّعلته ؟
لمـاذّا أرسلـّـت تـّلك الصـّور إلى والدّي ؟ ألا تـّعلمين أنه طـّرد آرثر بـسببّ أختـكّ المتـّرصدة
المـجنونة ؟
تنهـدّت مـارّي و هي تـحـّاول استيعاب كلمـّات كليـّر فقالت بـهدوء
ـ أنـّا حقـّأ لا أعـّلم عن مـاذا تتحـدّثين ؟ ثـمّ لا تـّقولي عن أختـّي أنهـاّ متـّرصدة أنـتّ تـّعلمين جيدا
أن لا عـلاقة لهـّا بالأمـّر و كلّ هـذّأ بسبب الـدّين
ـ أرجـّوك لا تـّرتدّي قـّناع الحمـلّ الـودّيع فـكلّنا نـّعلم عن دناءتك ، نـّعلمّ أنّك تـّبتزينّ نايت إل لبير
كّي تصّبحي خـطّيبته
كمـّا أعـّلم أنّ أخـتكّ المجنونة تسـعى لنيـّل من أخيّ بـعدّ أن رفَّض اعترافها منـذّ سنين و نـّعلم
أيضّا أنـّا والدّك مقـّامر كبيـّر يحـّاول التّخلص من ديّونه عبـّر بّيع بناته كمـّا لو كـأنهنّ سـافلات ،
قـطّبت مـّاري ثـمّ انـحنت لتـّجمع كـّتبهـّا غـّير مبـّالية لثـّورة غـّضب كليـّر لكـّن الأخيـّرة لنّ يشفع
لهـا الكيـّل إلا عنـدّما يـّعود أخيهـّا الحـّبيب إلى المنـزّل و لسببّ مـّا تـّظن أنّ من صـّنع هذه
المشـّكلة يستـطّيع حلـّها ، و لأنّ المشـكّلة من صـّنع عـّائلة روبـّرت فّهم من يستـطّيعون حّلهـّا ،
وقفـّت مـّاري ثـمّ قـّالت ببـّرود
ـ إذا أنهـّيت كـلامـكّ أنـّا مغـادرة
اتجـّهت إليهـا كليـّر و دّفعتهـّا مجددّا فسقطت الكـّتب مجـددّا ، ابتسمت ماري بـلطّف ثمّ قـّامت
بـدّفع كلـيّر و هي تـّقول بوداعة
ـ عـّزيزتي لا تـّضعي اللومّ على أختي من فـّضلك كمـّا لو كـأنّ أخيكّ مـّلاك خـّالي من الأخطـّاء
فـّهو زيـّر نسـاء و أخـّـتي لنّ تتّشرف بالـزواجّ منه فكـّما أنّ حـّبه فّي المـّاضي أكبر خطأ
صـّرخت كـّلير بـّعصبية ثمّ اندّفعت نـّاحية مـّاري فّي قـّتال شـّرس للفـّتيات ، حـّاول البـّعض التـّفرقة
بينهمّ و إبعادهما عن بّضعهما لكـّن و لمـّزاجّ كلـير الحـّاد فلمّ يستـطّع أحـدّ فعل شيء ،
شدّت كليـّر شعـّر ماري القـّصير بكـّل قّوة نـّازعة بّضعة خّصلات بينمـّا تحـّاول ماري الدّفاع عن
نفسهـّا و هّي تمسكّ كتفـّاي كليـّر مبعدّة إياها .
أخـذّ البعّض يلتقـطّ الصـّور و الفيديوهات بواسطة هواتفهم ، لكـّن فجـأة أتى شابين بعد أن طّفح الكيـّل
بهمّ و فـّرقوا بينهمـّا، أمسـكّ أحدّهم بمـاري و الأخر بكـّلير التّي تكـّاد تجّن قـالت بعصبية و هيّ في ذروة
غضبها
ـ أيتهـّا السـّافلة لا يكـّفيكّ اقتـّراضكّم منـّا المـّال بّل و تـّريدونّ التفـّرقة بيننـّا
لمّ تـّرد مـّاري و قدّ كـّانت في حـّالة مـّخزية جـدّا ، وجههـّا مليء بالخـدوّش و الدّم يسيـّل من شّفتيهـّا بينمـّا شـّعرها مبعثر
فّي كل اتجـّاه و فستـّانها الـّريفي البسيطّ قدّ مـّزق من الأكمـّام و الأسـّفل أيضـّا ، افلت ذّلك الرجـّل لأنهّ لم يـرى
داع من إمساكها فانحنـّت بهـدوء و هّي تقـّول بـّنبرة قـّريبة للبكـّاء
ـ أنـّا أسفه فعلا شديدّة الأسف لأننّي لا أستـطّيع فعـل شيء ، و لأن هـذّا قدّ حدّث بسبب عـائلتّي ،
أيمكنكمّ محـّو تلكّ الصّور و الفيـديوهات ؟ أنـّا لا أريدّ أن أسبب المشـاكّل لخطّيبي من فـّضلكم
ابتسمت كلـّير و نـّزعت هاتفّ أحـدّهم من يدّه ثمّ قـّالت بتـحدّي ناحية ماري
ـ أرى أنكّ خائفة من تسـّرب المـزيد من الاشـاعات حـّولك أليس كذلك ؟ إذّن مـا رأيكّ أن تقـومي بحـّل
تلك المشـكلة لّي و إلا ستـجدينهـّا في الصـّحف غـدّا
ارتبـكّت ماري و هيّ خائفة من ردّ فعل نايتّ ، فانحنـّت مجددّا و هيّ تـّقول بتوسّل و رجاء شديد
ـ أرجـّوا لا ، سـأفـّعل كل شيء سـأحـّاول لا بـّل سـأعيدّه فقطّ أرجوكّ لا تـّدعي هـذا يّصل إلى الإعلام
فجـأة و وسطّ هـذه الـضوضـّاء ، أتى منقذّها .. و الـّشخص الوحيـدّ الذّي تمـّتلكّه بـجّانبها ، كـّان يسيـّر
بـكّل كـّسل و لا يـّخلوا وجـّهه من نـّظرته السـّاخطة و الحـادّة في آن واحـدّ ، على فـمهّ ابتسـامة
سـّاخرة و يـّضع يدّيه فّي جّيب معـطّفه بكـّل ثقة و غـّرور ، مـلامحه المتعـّجرفة و الاستقـّراطية تـّلك
الذّي لا يمتـّاز بها أحدّ سـوى عـّائلة المالكة ، عـّائلة آل لبير
وّقف خـّلف مـّاري ثـمّ رفـّع مسـّتوى وجههـّا إليه ، ألجمت الصـدّمة لسـّانها فقـّال هو بحـدّة
ـ حـاذّري من انحنائك آنسة ماري فـّليس الكـّل يـّفـّهم سّببه ،
تمـّتمت مـاري بـدّهشة
ـ مـا مـا ما الذّي تفعله هنـّا ؟
ابتسمّ نايت بسـخّرية شديدّة ثمّ رفـّع يدّه فـأتى العـّديد من رجـّال يـّرتدون بذّلة سوداء لّيسرعوا نـّاحية
أولائكّ الشبـّاب و الفتيات اللواتي يـّحملونّ هواتفهمّ النقـّالة و قـّاموا بنـّزعها مـّع حـذّف جميـّع ما حدّث
، و إمسـّاكهمّ كيّ لا يهـّربوا .
وضـّع نـّايت رأسه على كـّتف مـّاري و ذّراعيه حـّولهـّا ، مبتسمـّا بكـّل بـّرود و هو ينـّظر إلى كـلير التّي
لا تـّزال واقفة فّي مكـّانها مندهشة ممـّا يحدّث حولهـّا و كّيف قدّ تـّغيرت الأحوال فّي ظرف ثـّانية ، قـّال بـضجـّر
ـ هـّل أنت لا تقرئين الصـّحف ؟ ألمّ أنكّ لا تـّشاهدين التلفـّاز ؟ أولمّ تـّعلمي أنّ هـذه الآنسة الواقفة هنـّا
أمـّامكّ هي خـطّيبتي ؟
تـّلعثمت كليرّ في كـّلامهـّا و حـّاولت الردّ لكـّن رّمقهـّا بنظّرة متـّعالية خطيـّرة و مـحذّرة ، أكـّمل حـدّيثه بـبـّرود
ـ و بمـّا أنّها خـطّيبتي فهي تعّتبر فـّردا من عـائلة آل لبّير لذّا معـّاملتكّ الهمجيةّ و الحـّيوانيةّ هـذّه
لنّ يتـّم غّض النـظّر عـّنها بـّل كونّي واثقـّة أن هـذّا لن يـّعبر مجـّرى الريـّاح ، سـأحّرص على جـّعل
حيّاتكّ جحيمـّا لا يطـّاق و بّل ستتـمنين الانتحار سـّتصـّابين بالجـّنونّ و لأننّي فّي مزاجّ جيدّ فـأنّا أقوّل
لكّ إنّ لمّ تنحني و الآن و فـّورا راكـّعة على ركّبتيكّ لكّي تـطّلبي منهـا السمـّاح سـتـّصابينّ بكّل تـّلك
الأمور التّي قدّ سبّق و ذّكرتها
ارتجـّفت كـّلير من شدّة الصدّمة و سـقطّت على الأرّض كمـّا طّلب منهـّا و كـأنّ أوامرّه غـّير قـّابلة
للـّرفض ، تلعثمت و ألجم لسانها فحاولت ماري التّملص من ذّراعاي نايت لتجّعلها تّقف مجددّا لكنّ صـّوت نايت الهـّامس
جـّعلها تّرتجّف هي الأخرى
ـ كّوني طّفلة مّطيعة قـّبلّ أن أسحـّقكّ الآنّ ،
كـّيف لها أن تتـّركها و هّي كـّانت بمـّكانهـّا و شـّعرت تمـّاما بأحـّاسيسهـّا في هـذه اللـحظة ،
أن تـنحني بكـّل ذلّ ،عـّقدت العّـّزم و أفلتت من ذّراعيه ثمّ اتجهت إلى كليرّ و جّلست مّثلها ، قـّالت بابتسـامة متـّوترة و لطّيفة
ـ أنـّا آسفة لمـّا حدّث لأخيكّ بّسببنـّا لكـّن أرجـّوكّ لا تـّدعي الحّقد يـّعمي طـّريقكّ فـّكلانـّا متشـّابهتينّ ،
جميـّعنا نـّهتمّ لأفـّرادّ عائلتنـّا و كلانـّا نـّحاول أنّ نبقيهـّا متـّماسكة لذّا أرجـّوكّ لا تسيئي الـظّن
قـطّب نـّايت ثمّ إتجـّه إلى مـّاري و رفـّعها عن الأرّض لتـّقف على قدّميهـّا ، قـّال ببـّرود و نبـّرة
مـحـذّرة لمّ يلمحـّها سواها
ـ دّعكّ من محـّاولاتّ كيـّوبيدّ الفـّاشلة في زّرع الحـّب و دّعينـّا نـّغادّر لقدّ تـأخـّرنا بمـّا فيه الكفـاية
أجـّابته مــّاري بانصياع تـامّ ،
ـ حسنـّا ،
استـدار نـّاحية كليّر الـّتي قدّ شـّقت دّموعها خـطـّا رقّيقـّا على خـدّها ، ابتسمّ بسخـّرية ثـمّ قـال ببـّرود
ـ لنّ أنسى هـذّا ،
أمسكّ مـّاري من ذّراعهـّا و سحّبها مـّعه بينمـّا تـكّفل أولائكّ الـرجال بجميـّع الطـّلاب الذّين رأوا
الحـادّثة و جـّعـّلهمّ يصـّمتون للأبدّ بـطّريقته الخـّاصة و بـعدّ أنّ صـعد نـّايت و مـّاري فّي سيـّارته
خـّلف رجـّاله فّي سيـّاراتهمّ ربـّاعية الدّفع كبيـّرة الحـجمّ ،
جـّلست مـاري بكـّل تـّوتر في المقـّعد الأمـّامي بـّجانبه ، كـّان وجـّهها شـّاحبـّا و مـّلابّسها رثـّة كمـّا
أنهّ تـوجدّ بـّضعة قـطّرات دّماء تسيـّل من شفتيهـّا أمـّا عن حـّال قـّلبهـّا فـّكان مّضطّربـّا بشدّة و تنفّسها
أصبّح مسـّموعـّا خـّائفة بّل مـّرتعبة منّ نـّايت ، قـّالت بارتباك
ـ أنـّا آسفة فـّعلا بـّل لا أنـّا شديدة الأسـّف أنـّا
ـ أغـّلقي فـّمكّ
نفـذّت الأمـّر بدون تـّرددّ لبـّضعة دقّائقّ ثـمّ قـالت بتسـاؤلّ لا يـّخفوا من التـّوتر و قد نسيت تماما أمر
الرسالة التي أرسلتها
ـ نـايت لمـاذا أتيت ؟ لّيس كمـّا لو كـأن وجـّودكّ غـّير مّرحب بـّه بّل بالعـّكّس أنـا أتمنى أنّ تكونّ
حـّولي دومـّا ، لّيس بـهذه الـطّريقة أعنـّي أننـّي تفـاجـأت .. أجـّل هـذه هي الكلمة
ضـحكـّت فـرمّقها بـحدّة أكمـّلت حدّيثهـّا و الذّنب قدّ طـّغى على كيـّانها بـأكمـّله ، أنّ تـجّعل نـّايت فـّي
ورطـّة و أن تسببّ الشـائعات لهّ لهو أمـّر لن تـسـّامح نفسها على فـّعله
ـ أنـّا لم أقصدّ ذّلك يـّا نايتّ ، أنـّا فـّعلا لمّ أكنّ أعـّلم عنّ مـاذا تتـحدّث هي بالضـبطّ و فجـأة وجـدّت
نفّسي على الأرض فيّ عـّراكّ معهـّا و الكّل يّصور مـّا حدّث ، و أنـّا ممـّتنة لوجـّودكّ في تلكّ اللحـّظة و
إنقـاذّك لّي لا بـل أنـّا شديدة الامتنان لكّن ما طّلبت من كليـّر فـّعله شيء أنـّا اختبرته و أن تـّكون هي
فيّ موقـّفي ، لمّ أردّ ذلكّ .. لّيس بهـذه الـطّريقة تـّحل الأمور
لمّ يـّلتفت نـّاحيتهـّا قطّ كـأنهّ لم يسمـّعها أو أنّ صوتها لمّ يصّله ، فقـّالت له بـّرجاء و هيّ تضّع
يدّيها أمـّامه
ـ أنـا فـعلا لمّ أقصدّ هـذّا ، أنـا آسفة نايت أرجواكّ قـّل شيئا
أوّقف السيـّارة جـّانبـّا بـطّريقة خـطّيرة جـّعلتهـّا تدّرك كمّ هو غـّاضبّ الآن و أنّ الـكّلام مـّعه فّي
هـذه اللـحظة يجـدّر به التـأجّيل فقـّال ببحـّة و حـدّة
ـ تـّقولينّ لّيس بـهذه الـطّريقة تـّحل الأمـّور ؟ إذّن مـّا الذّي كـّنت ستـّفعلينه إنّ لم أتي ؟ هـل كـّنت ستـّلعقينّ أحـذّيتهمّ
جميـّعا طـّلبّا لمـحوّ الـصـّور ؟
شـّعرت بّشـّيء حـادّ يـّغرزّ في قـّلبهـّا كمـّا لو كـأنهّ خنـجّر ، بدأت دّموعهـّا فّي السقـّوطّ أنّ يجـّعلها بـهذا
الانـحطـّاط لأمـّر موجـّع لحـدّ الثّمالة و مّـؤلمّ لدّرجة الهلوسة ، فقـّال ببـرودّ و هو يـّلف وجهه للجـّهة
الأخرى
ـ إنّ كنت مـّعتادة على القيـّام بمُّثل هـذه التّصرفات سـّابقّا فأنسيها لأنكّ خطيبتي الآن ، و لا أّريدّ مّثل هـذه
السلوكيات المشينة و المـذّلة و المنـحطة
مسحّت مـّاري دّموعهـّا بانكسار شديدّ ثمّ قـّالت
ـ أنـّا أسـّـ
قـّاطـّعها صـّارخـّا بحدة و هو يـّلكـّم المقـّودّ بكّل مـّا يمتلكّ من قـّوة جّعلتها تـّجفّل عدة مـّرات
ـ لا تـعتـذّري سحقـّا، لا تـّعتذّري
شـّحب وجههـّا كما لو كـأن الـدّم قدّ سحّب منهّ بـّل كـما لو كـأنهـّا رأتّ شبـحّا حـّولهـّا ،
أنّ يصـّرخ نـّايت البـّارد و الهـادّئ عـّليهـّا فـّلابدّ أن طّفحّ به الكـّيل منهـّا ، أنّ تّضعـّه دّومـّا فّي مواقفّ
صّعبة ، لابدّ أنهّ يـتمنى الآن لو أنهّ لمّ يقّابلهـّا و لمّ يـّعرفهـّا في حيـّاته قطّ ، استـدّار عـائدّا أخـذّا إياها
إلى منـّزلهـّا الصغير
__________________