عرض مشاركة واحدة
  #17  
قديم 12-27-2015, 11:49 AM
oud
 
حـّروفّ منّ نـدمّ

وسـطّ لمحـّات الـظّلام و غـّروب الشمّس الداّفئةّ مـّا بينّ طيـّات لنـدّن المـّعمرة ، فيّ تـّلك الغـّرفة
الصـّغيرة ذّاتّ الألوانّ البّاهتةّ و الجـدّرانّ المتآكلة كـّان هوّ يجـّلسّ بكلّ يـأسّ و أسى على حـّاله فيّ
زّاوية صّغيرةّ لا تكـّاد تـّرى ينـظرّ إلى رقّاص السـّاعة و هو يتـّقدمّ فيّ كلّ ثّانـيةّ معـّلنا العـدّ التنـّازليّ
لنهـاّية هـذاّ اليومّ و بـدأ يّوم آخرّ
روتينيّ ، كمّ يّشفقّ على نفـّسه الآن ؟ كـمّ هو يـّكره نفـّسه الآن كمّ هو يـّبغض يّحقدّ يمقـّت هـذاّ الوضـّع
الذّي فيهّ الآن أنّ تـّـرى يدّيكّ و هما بلاّ فـائدّة، تلكّ اليدّ السمراء العاملةّ التّي لطّالما جّرت خّلف الدّنيا
لتكّسب بّضعة دّنانير تطّعم
بهـّا فمّ صاحبّها المتشّقق من أعبـاّء و همـّومّ التي يحمّلها على كتفّيه ،
صـّاحّبها هو ذّلك الرجـّل الأسمـّر ، الذّي طغى شبحّ الكـّبر على ملامّحه و بالـّرغم من أنهّ لا يـزاّل فّي
نهـّاية الأربعينات إلاّ أنهّ يبدّوا ككهـّل قضت عليه الشيـّخوخة ،كـّان ينـّظر بعينّين بنّيتينّ شـّاردتينّ إلى
تلكّ الـورقة الجديدّة من التـّحاليّل التيّ قدّ سلمهاّ له الطـّبيب تـّوا و التّي تستـدّعى بقـّائه فّي المّستشفى
للقـّاء العـّلاجّ الضـّروري و اللاّزم ،هـذّه المرة لا مـّجال إلى الرفّض و لا حـتّى الهـّرب فقدّ أهلكه
المـّرض و أتعبته المقـّاومة و أنهكـّه التمثيـّل بـأنه بخيّر ،
هـذّه المـّرة ، إنهـّا المـّوت
جـّلس على الأّرض فّي تلك الـزاوية كعـّادته عندّ تلقّيه أخبـّارا شنيـّعة ثمّ وضـّع ذّراعه على وجهه و
نـّزلت دّمعة وحيدّة يتيمـّة ، دّمعة رجـّل مـّريضّ
دمـّعة شخصّ محتـّاجّ ، لّيس محتـّاجـّا إلى المـّال و لا حتـّى الذّهب .. إنهّ فقطّ بحـّاجة لتـلكّ اليدّ الحـّانية
التيّ تمسحّ على ظهره و تحّضنه بكـّل دفء لتقيه من هـذّا العالمّ القـّاسي و لتـّخبره بصـّوت رقيـّق
حـّنون أنّ كلّ شيء سيكون
بخيـّر، و أنهـّا هنـّا معه
أجـّل إنهـاّ تلك المـرأة التّي يحّن لها الكـّل عندّما مـّروره بصدّمات من هذه الدّنيـّا ، تـّلك المـرأة التيّ
لطـّالما سـّاندّته ،لطـّالمـّا وقفـّت بجـّانبه .. لطـّالما أحبـّته لكنهّ أبـّعدهاّ بكلّ قـّسوة عنهّ أبعدّها غـّير آبه
بـدّموعهـّا أوّ حّبهّا له الذيّ يسّكن كّيانها
يـّا تـّرى لوّ أسّرع إليهـّا الآن ، لوّ ركضّ حـّافيّا شـّوارعّ لندنّ لها فـّهل ستقّبل بهّ ؟
بالـّرغم من الجـّروحّ التي سببهـّا لهّا هل ستقبل به و هو الآن شخصّ عـّاجز على حـافة النهـّاية ؟
تنهـدّ و مسـّح دمـّعته بكـلّ ألمّ ، ثمّ وقفّ مستنـدّا على سـّريرّه لـّيحملّ ذلكّ الدّفتر الأخـّضرّ الصـّغيرّ ،
أمسكـّه بـأنـّامله المـّرتجفّة ليخـطّوا حـّروفـّا منّ نـدّم بينماّ شّفتيه تهمّسانّ بكـّلمة واحـدّة فقطّ
ـ أنـّا أسّف
دّخلت فـّلور إلى غـّرفة والدّها الذّي أصّبح لا يـّغادّرها إلا قـّليلا فـّلمحته يـّكتبّ شيئـّا فّي دفّتره الخـّاص
بالدّيونّ ، الذّي لا يـّقترب منه أحـدّ فوقفّت فّي مكانهـّا باستقـامة و قـّالت محدّثة إيـّاه
ـ أبّي لقدّ صـّار الفـّطور جـّاهـزا منـذّ فـّترة ، ألنّ تـّنزل ؟
رّفع عينيه البنيتين اللتينّ قدّ ظـّهرت من تحّتهمـّا هـّالات من السـّوادّ و قدّ كـّانت معـّالم المـّرضّ بـّادية
عليه ، نـظّرامطـّولا إلى ابنتهّ الكبـّرى و الشخّص الوحيدّ الذّي تبقى بجـّانبه بـّعد أنّ غـّادره الكـّل ، ثمّ
قـّال بـجّفاء
ـ لا أريدّ ، لدّي رحـّلة عـّمل يجّب عليّ أنّ أجـّهز لهـّا لذّلك أحضـّري الطـّعام إلى هنـا ثمّ و في المـّرة
القـّادمة أريدّك أن تسـتأذّني قـّبل الدّخول ، أفهمت ؟
قـطّبت فـّلور بانزعاج من مـزاجـّه المنعـدّم هـذه الأيـام ثمّ استـدّارت راحـّلة دون أن تـّقول لّه شيئـّا و
هي تتمتـّم مـّعلقة على كـّلامه لكن فجـأة عـادّت إليه ثمّ قـالت بقّلق
ـ أبيّ هل أنت بخير ؟
كـّح سيدّ جوناثـّان قـّليلا ثمّ مسحّ بيدّه على وجهه الـشـاحب جـدّا و أومـأ بـرأسه دّلالة على الإيجاب ،
ثمّ ابتسمّ بهدوء لوهلة و قال
ـ أنـّا بخيـّر بـّل أحّسن حـّالا ،
رمّقت فلور والدّها بطّرف عينهـّا ثمّ اتجّهت إلى الأسـّفل و لمّ يـّخبوّا عليهّ قـّلقهـّا الشديدّ ، فـابتسمّ هـذه
المـّرة بسّخرية علىّ حـّاله ، بالـّرغم منّ كـّل مـّا فـّعله لا زالتّ بجـّانبه كالغـّراء تمـاّما

/

ضبـّاب لندنّ قدّ قشـّع نـّورها تمـّاما كـّقلبهّ الذّي فقدّ الأمـّل ، يضـّع البيـّانو على الأرّض و بـأنامّله
الطـّويلة يّداعبّ مفـّاتيحه بـّلا هـّوادة بـّاحثّا عنّ كلـّماتّ تصّف حـّاله فيّ هـذّه اللحـظّة ،
تنهـدّ بحـزنّ ثمّ أغّلق عينيه و استلقى بـّجانب آلته ، لمـّاذا يّشعر بـّهذا الكـّم من الألم ؟ كـانّ ألافّ الإبر
تـّغرز فيّ قـّلبه ، مـّا سّره يـّا ترى ؟ صـّمت قـّليـّلا ثمّ همسّ بـّصوتهّ الهـادّئ اللطـّيف يحـّاكي نـّغمة النـّاي
فّي جمـّاله
ـ أشـّعر أنّ كـّل يّوم هو نفـّسه و هـذّا يحبطنيّ لكنني المـّلام ، لقدّ جـّربت كل شيء لأهـّرب لكنّ هـا أنـّا مجـدداّ
أطـّاردكّ مجـددا
مجـددا و مجـددا .. أنـّا وقعـّت فيّ حبـكّ
مجـددا و مجـددا .. حـّاولت ألا أخبـّرك
أشـّعر أنّ كل يّوم هو نـّفسه ، إنهّ يسحبّني للأسّفل مثـّقلا أنفــاسي لذا هـّا أنا مجددا أطـّاردك مجددا ،
لمـّاذا أنـّا أخبـرّك بـهذا ؟
مجـددا و مجـدداّ لقدّ وقـّعت فيّ حبكّ
تـّوقف عن العـّزف و على شـّفتيه ابتسـّامة حـّزينة ، إنسـدّل شـّعره الأشّقر على جـّبهته بعـّشوائية و
ارتجفت أصّابعه فلمّ يـّعد قـّادرا على الجـّلوس حتى ، فجـأةّ رنّ جـّرس منقـذاّ إيّاه من دّوامة أفكـّاره
التعيسة تـّلك فـّوقف و بّخـطّوات سـّريعة فتـّح البـّاب ليـّرى آخر ّشخصّ قدّ تـّوقعهّ
كـّانت تـّلك المـرأة شديدّة الأنـوثةّ بمـعطّفها الأسـود و شّفتيها الحـّمراوتين متوكزتين بينمـّا رموشها
الكـّثيفة قدّ زادّتها جـّمالاّ ، إنهـّا إليزابيثّ لبيرّ تلكّ المـرأة التـّي يكـّرهها فعـّبس غـّير قـّابل على
استقـّبالها و قـّال بـّبرود
ـ ما الأمـّر ؟
بـّعد فّترة كـّان يجـّلس ويـّليـّام بكـّل هدوء على الكـّرسيّ و بينّ يدّيه فنجـاّن شـّاي سّاخن ، أمـّامه كـّان
تـّقف إليـزابيثّ بـّحضورهـّا الطـّاغي و ابتسـّامتهـّا المشـّرقة ، بتنـّورتها الحمراء القصيـّرة و قميصها
الأبيّض العملي ، أمالت رأسها قـليلا
ناحية ويـليام و هي تقول بّرقة
ـ صـّوتكّ الحـّزين قدّ انسـّل إلى أعّماق قـّلبيّ ، يّا ترى من هيّ تلكّ النـجمة التي احتلت سمـّائكّ ويـّليام ؟
رفـّع حـّاجبه دّلالة على استنكاره لـحدّيثها الفـّارغ هـذّا ، و لما قـّد يحّب هو إحـدّاهن ؟ فـّحـّرك المـّلعقة
بـدونّ اهتمـّام و هو يـّردّ عليها
ـ دّعينا منّ المجـّاملات و الأحـّاديث التـاّفهة و لنـذّهب إلى المـّهم ، ما سّبب زيـّارتك ؟
زمـّت شّفتيها بـّطـّفولية و جـّلست أمـّامه واضّعة قـدّما على الأخرى بكلّ راحـّة ثمّ همسـّت و عينيهـّا
ثـّابتتينّ عليه
ـ لقدّ اشّتقت إلى صـدّيقيّ ،
ـ نحنّ لم نكنّ قطّ ،
قطـّبت و قدّ بدأ صّبرها يّنفذّ من احتـّقاره لهـّا فأخرجّت من حّقيبتهـّا علبة سيجـّارة ، لتضـّع واحدة بينّ
شفتيها مّظهرة عـدمّ استـلطّافها لطـّريقته الفـّظة تـّلك فـّقـّالت بـّطّريقةّ هادئة
ـ حسنـّا ، أريدّ منكّ أن تـّدّبر ليّ لقاءا مـّعه
ابتسمّ ويـّليام و نـّزع السيجارة الفاخرة بّرقة من بين أصّابعها ثمّ وضـّعها بكّل قسوة على الصحّيفة
مطفـئا إياها ليّقول بـبرودّ
ـ و لمـا يجّب علي بحق السماء أن ألبي لكّ طلّبك
تنهدت إليزابيث بضجّر ثـمّ اقتربت من ويليام و وضعت كلتا ذراعيها حول رقبته ، لتهمسّ بصوت مثـّير
ـ أذّكر أنكّ كنت معـجّبا بّي ويـّلي ، ما رأيكّ لو
قطّب ويليام و هو يستـمعّ لهمسها الذّي يصبحّ أكثر خفوتا شيئا فشيئـاّ و عندما أنهت حديثها دّفعها
جـّانبـّا ضـّاحكا بّسخرية شديدّة
ـ أنا كـّنت مـّعجبا بكّ ؟ أرجوكّ أخبريني فـذاكرتي لا تـّسعفني ، إليـزابيث جميـعنا نعلّم بـألاعيبكّ المـاكرة
لذّا لا أحدّ ستنطلّي عليه خدّعتكّ ، أخدعني مرة عار عليك أخدعني مرتين العار علي
زمت إليزابيث شفتيها بانزعاج و رمت نفسها على الأريكة لتقول بأسى
ـ أوه لماذا تنفكون ذكر ألاعيبي ؟ أنا بريئة
رسمّ ويليام على شـّفتيه ابتسامة سـّاخرة متهكمـّة ، أتـّظن أنهّ و بـّنبرتهاّ هـذّه سـّوف تنجحّ في
استمـّالته ؟ يـّالها من إمـرأة حـّمقاء ليـتّحدث باحتقـّار
ـ و هل يـّقول القـاتل عن نفسه قـّاتلا ؟ أخرجي من منزلي لا أريدّك ان تدنسيه بحضوركّ ،
زفرت بغّيض و حمـلت حقيبتهـّا لتخرجّ لولا أنها توقفت قـبّل أن تقوم بفتح البـّاب لتـّقول بلهجة تحذيرية،
ـ ألستّ واثقـا جدا ويـلي ؟ أناّ الآن أستطيّع أن أمحييك من الوجودّ ، القوة التي أمتلكهاّ و النفوذّ الذّي
أملكه لا يقدر بثمن ، تمـاماّ كمـّا عـّلمت بموقع عّّيشكّ استطيع أيضـا أنّ أضّع موقـّعـا لموتكّ
فتحّ ويليام البـّاب على مصارعيه ثمّ ابتسم بسخرية شديدة و دّفعها خـّارجـّا لتكـادّ أن تسقطّ لولا أنها
تماسكت في اللحظة الأخيرة ، قـّال ببرود
ـ على من تكذّبين إليزابيث ؟ أنـّا هو الـوحيدّ الذي لا تستطـّعي الاقتراب منه ،

/

يدّيه تّقبضّان على المقّودّ بكلّ راحّة بينمـّا عينيه الدّاكنتين تـّراقّبان الطـّريقّ بـّعدم اهتمام ، و المـطّر
يّهطـّل بـّقوة فيّ ذلكّ اليومّ المعتـّم من أّيام لندّن العـّديدّة ، فّي حينّ أنهّا تـّجلسّ بجـّانبه بهـدوءّ محـّاولة
التـّصّرف بلّباقة فـّلا زالّت ذّكريّات حـّفلة الخـطّوبة تـّداهمّ عقّلها و مـّواقفها المـّحرجةّ كـّالشّوك يّغرز فيّ
قّلبها ، تنـظرّ منّ خـّلال النـّافذة إلى المـّارة متـّسائلة يـّا ترى هل هـمّ يـّلعـّبون دّورا وهميّا فيّ حيـّاتهمّ
مثّلها ؟ و هلّ يتقـّاضون أجـّرا منّ أجلّه ؟
إنهـّا تـّعلم جيـدّا أنّ نـّايت لمّ يصطحّبها مـّعه رغّبة فيّ تـّمضية الـّوقت معّا أو لتـّعرف عّليها أكّثر فـّهو
أفّضل من ذّلك ، لكنّ السببّ الخّفي الذّي جـّعله يـأخذّها لا يـزالّ غّير مـّعروف بالنّسبة لهـّا حتى الآن
لذّلكّ انسّاقت خـّلف فـّضولهاّ و حـّاولت أن تـّفتحّ مجـّالا للحـدّيث مـّعه لـّعلّها تصّل إلى نقـّطة تـّوضحّ لها
لمـّا هـماّ ذّاهبين لزّيارة عـاّئلة لبيّر العـزيزة

هـّزت رأسهاّ نافية هـذّه الأفكـّار المـّزعجـّة محـّاولة أنّ تـّكسب بّعض الجـّرأة فـحسّب زيـّارتها الأخيرة
لقّصر لبيّر فـّهي لمّ تكنّ بذلكّ الشخصّ المحّبوب الذّي يبحـّث عنه الجـميـّع لذا يجـّب عليها أن تـّحسن
صّورتها أمامهمّ و تتـّصرفّ بـكلّ احتـّرافّفـّرفـّعت أصّبعها الصـّغير هـّامسة بـّنفسهـّا أول الأشياء يجبّ
عليها أنّ لا تـّسقطّ على رأسهـّا أو يّختل تـّوازنها ثمّ رّفعت السّبابة مـّركزة ثـّانيّا يجبّ أن تتحـدّث بلّباقة
و احتـّرام شّديدّين أمامّ جـدّ بيتر فـّهو يمّقتها ، ثـّالثـّا يجبّ أن تجـّعلهم يّصدقون أنهمّا بالفـّعل ثّنائيينّ و
رابـعـّا حسنـّا كلّ ما يجّب عليها فـّعله هو إحسان التـّصرف و حسّب هـذاّ فقط
لطـّالما كـّانت جيـّدة في إطـّاعة الأوامـّر إلا مـّؤخـرّا و هـذا يّفسر حـّقد والدّها عليهـّا فـّهي كـّانت تـّطيـعه
فيّ كلشيءّ لكنّ و بتـّمردها قدّ أعلنت الحـّرب لكنّ و بتذّكر والدّها ألا يملكّ نـاّيت أبّا ؟ لمّ يسّبق له و أن
تـّحدث عن والدّيه
. حسّنا ليسّ كما لو كـأنهّ تحدّث عنها بّخصوص أي شيءّ لكنّها مستـّغربة عدّم رؤيتها لهمّا ؟
لدّيها فـّضول لمـّعرفة من يكونـّان هـذّين الشّخصين الذّين ربيّا رجـّلا فـّولاذّيا كـّنايتّ ، فـاستجمعـّت
شجـّاعتها و أغّلقت عينيها بـّخوف قـّائلة مسـّرعة فيّ كلماتهاّ
ـ نـّايت أنا لم ألتقي بوالديكّ أبدا لذا أنا أتساءل أين يكونان و أّي من الأشخّاص هما ؟
انتـظرّت لكن لمّ يجّبها فاستدارت ببطء ناحيته ، كان ينصّت للموسيقى غـّير مبّاليّا بهّا .. تنهـدتّ و عـّادت
تنـظرّ إلى المـاّرة من جـديدّ ، إنّ أرادّت أن تـّعرفّ منّ يكون هو نـّايت يجّب عليها البحّث بنفسها لا أن
تسـأله هو ،
بـّعد بّرهة وجـدتّ أنهـّما قدّ وصـّلا إلى القصـّر ، فّهاهي البـّوابة تـّفتحّ أوتومـّاتكيّا بـّعد أن تـّعرفت على
مـّلامحّ نايتّ ليكملّا سيـّرهما وسطّ تلكّ الأشجـّار الطـّويلة و التي يتمّ الاعتنـّاء بهّا بشّكل ممتـّاز ،
دّار حـّول نـّافورة على شـكلّ وردّة جميـّلة تلتّف حـّولها فّرشـّات بالـّرغم من أنهماّ في فّصل الشتـّاء ،
حيـّن ركنهـّا و خـّرج حـّاملا معـطّفه على ظـّهره لتتـّبعه مـّاريّ .. تـّحدثّت بارتباك
ـ ناّيت هـّل جـدّك غـّير نظـّرته اتجاهي أمّ لا زالتّ نفسها ؟
تـّوقف ممـّا جـّعلها تـّرتطمّ به فـاستدار نـّاحيتها يـّرمقها بـّنظراتهّ الحـّادة ثمّ أمسكّ معّصمها و وضـّعه
بـذّراعهّ ليـّرسمّ ابتسـّامة بـّاردة على شـّفتيه مـّجيبا إيّاها
ـ و هل فـّعلت أنتّ شيئّا يستحقّ الثنـّاء ليّغير نـظرته ؟ علىّ أيّة حـّال دّعينـّا نمثّل بجدّية هـذّه المـّرة
صّمتت على مّضض ، لقدّ فـّعلت عدّة أشياء تستحـّق الثّناء فيّ حيـّاتها لكنّ الآن لا يتبـّادر إلى ذّهنها أيّ
شيءّفـزمتّ شّفتيها باستياء و سـّارت مـّعه ، دّخـّلا ليجـدّا أنفّسهما فيّ غـّرفة كبيّرة و واسـّعة مزينةّ
بـّنقـّوش ذّهبية فيّ جـدّرانها و يـّوجدّ أريكـّات منّ أجـّود الأنـّواع فيّ الـوسطّ مـعّ مـّائدة دّائرية و لمّ يكنّ
هنّاك أيّ أحدّ فـأكمـّلا طـّريقهماّ و فتـّح نـّايت بـّابّا ليجـدّ أنفسّهما فيّ غـّرفة الأكـّل حيّث يتـرأسّ الجـدّ
الطـّاولة التيّ وضـّع عليها أشّهى أنـّواع الطـّعام و بجـّانبه كـّايل المتـّململ بينمـّا خـّلفهما يوجدّ صـّف
من خـّادمات الـلواتي ينتـظرّن بّفارغ الصّبر أوامرّ من أسّيادهن فيّ حـّين أنّ رئيسّ الخـدّم يـّقف على
مبـعدة ثـّلاثة خـطّوات من السيدّ بيتر ،
عنـدّما فـّتح نـّايت البـّاب إتجـّهت جمـّيع الأنـظاّر نـّاحيته فانحنى الخـدّم احتـّراما لتنحنـّي مـّاري أيّضـّا
بّسرعة ، سـّار بـخـطّوات كـّسولة إلى مقـّعده و جـّلس
نـظرّت مـّاري من حّولها بـتوتر ثمّ وقفتّ بجـّانب نـّايت و عـّادت تنـّحني بّسرعة و هيّ تتـّحدثّ بـّطـّريقة
شديدّة الاحترام و التـهـذّيب
ـ مـّرحبـّا سيـديّ أرجـّوا أنّ لا تـّمانـّع انضمامي لكمّ
سـّحبها نـّايت من فـّستانهاّ فجـّلست بينمـّا قطـّب كايل مستنـكّرا فـّعل نـّايت ؟ مـّا الذّي يـّريده بجـّلبها إلى
هنا ؟ ما الذيّ يحـّاول إثبـّاته ؟ هـذاّ غـّريبّ و ليسّ من صـّفاتهرفـّعت مـّاري شـّوكة و الـّسكين بّعناية
متـّذّكرة طـّريقةّ ويّليام فيّ الشّرح ، يجبّ عليها أنّ لا تخـطأّ ثمّ غـّرزت سكينّ في شـّريحة اللـّحم ممـّا
جـّعل مـّرق يـّرشها قـّليلا على وجّهها ، فـّرمشّت قـّليلا و نـّظرت بـّنصّف عينهاّ إلى نايتّ لتجـدّه شّـاردّا
فابتسمت و عـّادت تنـظرّ بنفس الطـّريقة إلى الجـدّ و كـّايل لتجـدّ أنّهما يـّراقّبانها بـّبرودّ ، ضحكـّت و هي
تضـّع يدّها خـّلف رأسها قـّائلة
ـ إنّ الأكـّل لذّيذ جـداّ ها ها ،
قطـّب كـّايل مشـّمـّئزا، مـّلابسهـّا معـدّمة اللونّ من كـّثرة الاستعمال و لا تـّضع أّي مـّاكيـّاج على وجهها
كمـّا أنّ شـّعرها متشعث قـّليلا ، مـّا الذيّ رآهّ بهـّا ؟ بحقّ السمـّاء إنهاّ فّتاة أقّل من العـّادية ، فجـأة فـتحّ
البـّاب لتـّدخل إليـزابيثّ و بـّخـطّوات واثّقة جـلّست بجـّانب زوجـّها ثمّ تّحدثّت بـّلهجة لطـّيفة
ـ أعتـذّر على تـأخري جـديّ فـّجـّلسة التـّصوير قدّ استغـّرقت وقّتا أطـّول من المـّعتادّ
أومـأ الجـدّ بـأنهّ لا بـأس ليكـّمل الجميـّع أكـّلهم ، بـّعد فترة تـّوقفت مّاري عنّ محـّاولة تـّقليدّهم و لمّ تـّغب
عنها نـظرّات الاحتـّقار منّ قّبل أّسرة لبيّر فـّواضحّ جـدّا أنهّم لا يريدّونهـّا ، ارتشّفت العـّصير متمـّنية
وّجودّ ويليـّام فيّ هـذّه اللحـظّة ،أنّ تجـدّ شخصّا يـّواسيها
صحيحّ أن نـّايت هـّنا بجـاّنبها لكّنه لا يّبـّالي فعّلا ، أحيّانا تـّظنه لا يّهتم إنّ كانوا يّصدّقونهما أو لا ، لا
يّهتم بهـذّه المـّسرحية و لا بّها فجـأة تـّحدثت إليـزابيث ممّا جـّعلها تـّفيق من غـّيبوبتهـّا
ـ آوه أعـّذريني مـّاريانا لمّ أركّ ، كيّف حـّالك ؟
عـّلى من تـّكذب ؟ لقدّ رأتها و رمّقتها بـّحقدّ إذن لمـاذا هـذّه النبرة اللطـّيفة ؟ بينمـّا ردّ عليها نـّايت ببـرود
ـ مـّاري، اسمـها مـّاري
أّصدرت إليـزابيث صّوتا دلالة على استدّراكها خـطأهاّ لمّ يكن فـّعلا خـطأ بّقدر ماهو مـّتعمدّ ، لكنّ مـاري
ابتسمت بّمرح و ردّت
ـ أنـّا بخيرّ شكـّرا لّسؤالكّ ،
نـظر إليها كاّيل لثّواني قـّبل أن يـّقول بّسخرية
ـ أجـّلبتها لأنكّ خـّائف من زيّارة إليزابيث لها ؟ هـّل زوجتـّي بـّذلك الـّرعب ؟
كـّاد نايت أّن يـّرد عليه لّولا رّنين هـّاتفه ، رّفـعه و هو مقـطبّ الحـّاجبين ليّرى اسمّ فـرانسوا يـّعلوا
شـّاشته ، فـّوقفّ و انحنى بـّخفة لجـدّه ليّغـّادر مسـّرعا بينما ابتسمت ماري بـّسذاجـّة و بـّقيت فيّ مكانهاّ
، كانت تـّرغب فيّ الذهاب
خـّلفه لكنّ هـذا ليس بتصرف لائّق فـّأمسكّت بـطّرف الكـأسّ تـّلعب به حين تـّحدث سيد بيتر ببـّرود
ـ كمّ دّفع لك ؟
شحـّب وجـّه ماري منّ طـّلاقته فيّ الـسؤال و نـظرّت نـّاحيته غـّير مـّصدقة ، كّيف له أن يسّـأل هـكذا
بـّدون أيّ خـجلّ أي احتـرام و عينيه تـّوقدّان غـّضبا ، فـأجـّابت ماري متلعثمة
ـ أرجـوا المـّعذرة سيد بيتر ؟
أعـّاد سـّؤاله بـكلّ حـدّة و عـّصبية
ـ لقدّ قّلت و بـّوضوح كمّ دّفع لك نـّايت لـّتصبحي حّبيبته ؟ أنـّا أعلمّ ذوق حـفيدي جـيدا و منّ المـّستحيل
أن يـخـّتار إمـرأة مـّثلك كـزوجة له لذا أخبريني الآن ، هل تمـلكين ما تـّهددينه به أو هو من طـّلب منك
القـّيام بـّهذه التـمثيلية الـسخيفة ؟
وقفـّت مـاري بّصدمة ، ثمّ أجـّابته
ـ و لمـّا قدّ أهـدده ؟ مـّا صعـّب في تـّصديق بـأننيّ خـطيّبته ؟ يـّا سيدي أنتّ مخـطأ فعـّلاقتنا لّيس مّثل
مـّا تظـنه ..
ابتسمتّ إليـزابيثّ ببـرود و هي تـّشاهد تـوتر مـاّري و احمـّرار وجـّنتيها الـشديدّ ، لتـّدّخل مـّوضوع
النـّقاشّ بّنبرتها الهـادئة المثيرة
ـ جـديّ ، أرجوك لا تّخـاطبها بـهذه اللهـجةّ فـّربمـّا نحن لا نـّعلم ذوق نايت جيـدّا كمـّا أنني واثّقة أنّ لا
أحدّ قد يّقدر على إجبار نايت على فـّعل شيء ما
صمـّت جـدّ بـّغير رضى لّيس من أجلّ إليزابيثّ لكنّ لأنّ الـوقت غيّر مناسب لحديثّ مثل هـذا ، إنهّ
مستـغّرب كيف لم يّستطّع الحـّفاظ على ربـّاطة جـأشه لكنّ تّصرفّات نايت البـّاردة جـّعلت يّقوم بـّتصرف
مثّل هـذا ، إنه لا يـّريد أن يـّعيشّ كذبة من أجـّل إرضـّاء الغـّير إنهّ يـّريده أنّّ يّشعر بالسـّعادة ، إنهّ فقط
يّريد أن يكون حـفيده سّعيدا فـّهل هذه أمنية يّصعب تحقيقها ؟ بينماّ لم تّستطـّع مـّاريّ أن تـّتحمـّل أكثّر
فـّردّت عليه
ـ يـّا سيدّ بيتر أنـّا أعّلم أننّي لّست بالفّتاة المّثالية التيّ تـّرغب بهاّ كـّابنتك فيّ القـّانون لحـّفيدكّ لكنّ أنـّا
أحـّبه فـّعلا و منّ المستحـّيل أن أؤذي نـّايت إنّ كنت تـّريد أن تصّدق أو لا هـذا شّـأنكّ لكنّ أنّ تـّصف
عـّلاقتنا بـزيفّ و التـمثّيل فـهـذا مـّا لا أتحـّمله ،
قـطّب سيدّ بيتر و وقفّ يـنـظر إليها بـّحدة ، كـّيف تـّجـرأت أن تّرد عليه و هو رئيسّ هـذّه البّلاد بـأكملها ؟
ألا تـّعلم معّ من تتـحدث ؟ كـّاد أنّ يـّرد لولا أنهاّ قـاطعته بـّصدق
ـ أنـّا أعلمّ أنكمّ جـميعا لا تـّريدوننيّ لكن لو أنكّ تمنحني فـّرصة يـّا سيديّ فـأناّ أعـدّك أننيّ لن أخيبّ ظنكّ
، سّوف أفّعـل المسـتحيّل من أجـّل سـّعادته
صّمتت عنـدّما لمـحت نايتّ قـّادما فـّرمقت سيدّ بيتر بّحدة هي الآخرى ، لا تـّعلم لكنّ لأنه يشّكل تـّهديدا
.. لأنه يستطيّع أن يّبعد نايت عنها فـّهذا يجـّعلها ثّائرة بطّريقة لم يّسبقّ لها أنّ شّعرت بّها فـّأمسكـّت
بـّحقيبتها الصّغيرة بشدّة محـّاولة ان تستمد القليل من القوة ليّقول جـدّ ببـّرود
ـ حتى لو عنى ذلك تـّركه
إلا هـذاّ ، كلّ شيء إلا هـذا .. حينّ جلسّ نايت فيّ مقـّعده و قدّ لاحـظّ نـظرات مارّي المتوترة و مـّلامح
بيتر المحتقنة بّشتى أنواع الغـّضب ، أكلّ قطـّعة من فّاكهة المانجو و تحـدثّ
ـ هل هناك خطبّ ما ؟
أومـأّت ماري نـّفيا و على شّفتيها ابتسامة لـطّيفة محـّاربة دموعهـّا ، لما يّتم رفّضها منّ قّبل الكـّل ؟
والدّها و والدّتها أختهـّا و أصدّقائها ثمّ الآن عـّائلة خـطّيبها ، إنهّا ليسّت بّالفتاة السيئة فلمّا لا يمنحونهـّا
فّرصة ؟ لما لا ينـظرون إلى معـدّنها الحـّقيقي فـّخلف هـذّه الملابسّ فتاة تتـّوق للحصّول على عـّائلة و
الآن بـّعدما وجـدّت نايتّ يحـّاولون أخـذّه منهـّا ، إنهّ الـوحيدّ الذي وقفّ بجـّانبها و بالـرغم منّ بّروده
لكنـّه يبـقى الـوحيدّ و لنّ تـّبتعدّ عنه و لنّ تتـّركه إلا إذا طـّلب هو ذلكّ ، تحـدّث كـّايل بـّسخرية
ـ إلـيزابيثّ دعينـّا نـّرحل
وقفّت إليـزابيّث بـّكلّ ثّقة و احتضّت ذّراع زوجـّها ليّغـادرّا بينمـّا نـظرّات مـّاري تتـّبعهما ، تـّلك الثّقة
التي تتمتـّع بها إليزابيثّ تتمنى لو أنها تمـّتلكها لكـّانت حّياتها أسّهل الآن فهمسـّت
ـ يـّال تـّعـاسة ،
نـظرّ نـّايت بـّبرود إلى مقـّعد كايّل و إليزابيثّ الفـّارغين ، أحـّاولا أهانته تـّوا ؟ و ما الذي يّعنيه مغـّادرة
طـّاولة الطـّعام بينما يوجدّ ضيّف مهم بينهم ؟ فـاستـدار نـّاحية جـدّه الذيّ يّرتشف قهوته التركية بـّكل
آدابّ و قـّال بصّوت عّالي حـادّ جـّعل كـّايل و إليزابيثّ يـّقفان
ـ أفّهم من تـّصرفاتكمّ قـّليلة الـّلباقة و عديمة التـهذّيب هـذّه أن مـاري لمّ تنلّ إعجابكم، أليس كذلك ؟
رمقـته ماري بصدّمة في حـّين أكـّمل هو حـدّيثه بـّنبرة غـّاضبة جـّعلتهم يّدهشونّ فـّعلا فـّنادرا مـّا يّظهر
ملامح عدى البرود،
ـ لا بـأسّ فـالكـّل مـضطر لتحـّمل آخر و رأيكمّ لا يـّهمني تمـّاما كـّوجودكمّ و
استـدار إلى جـدّه و قد احتـدتّ عينيه بـّشكل خـطيّر ثمّ ابتسـمّ بسـّخرية، و اسّتقامّ ليّظهر طـّوله ليمسكّ
بـيدّ ماريّ و يـّقول بـّخبث
ـ إنّ كان الأمر لا يـّعجبكم فـّلما لا تـّحاولون مـّنعي ؟
يـّعلم تـّماما أنّهم لا يّستطيـّعان فعل شيءّ له لكنّ جـدّ بيتر يـّقدر ، فـّرد عـّليه كـّايل بـغّيض محـّاولا التكتمّ
عن مشـّاعره و إظهـّار صـّفات اللامبّالاة على وجـّهه
ـ و لمـّا قد نفـعل هـذا ؟ إنهـّا حيـّاتك أنتّ و لا دخـّل لناّ
رفـّع نايت حـّاجبه بسّخرية ، إنـّه يعلم تماماّ أن كايل يـّريده ان يكون لوحده في حـّرب النفوذّ هذه و
باتخاذه ماري خـطّيبة له فقدّ أفسدّ معـظم مخـططّاته و هو يـّظن أنه سّوف يكون دورّ ماري كـخطّيبته فقطّ
لا أكثّر و لا أقّل لكن ما لا يـّعلمه أنّ أفكـاّره أبّعد من هـذاّ و لمّ يجب كـّايل كعـّادته بّل سّحب مـّاري و
خـّرجا من غـّرفة الأكـّل وسطّ عدم رضى الكـّل مسـّرحيته أبّعد ممـّا يتـّوقع الجميـّع ، أبّعد منّ التـمثّيلية
و أبّعد من لـّعب أدوارّ سخـّيفة بالكـّاد تنطلي على أفّراد أسرته

/

لمّ يكن يّتوقع هـذّه التـّصرفات الخـّرقاءّ من ابنيه الذّي قدّ حـّاول تـّربيتهمّا على النـحوّ الصـّحيح ، حـّاول
أنّ لا يـجعّل المـّال يـّعمي قـّلوبهمّ و أنّ يجـّعلهم يتصـّفون بالخـّلق الحسّن و الأفكار العـظّيمة ، تلكّ
الأفكـّار التي تـّوصلهمّ إلى القـمةّ أولاّ و إلى محبّة النـّاس لهمّ ثـّانيـّا و إلى فـخّره هو ثـّالثّا لكنّ الآن و
هـاهي ابنته تـّجـّلس أمـّامه تـّمسك بين يدّيها هـّاتفها النـّقال الجـديدّ فيّ الأسـّواق تـّحدثّ حبيّبها بكـّل
لطـّف ،
إنهّا عـّكس مـّا تمنى فّابنه زيـّر نسّاء لا يـكفّيه زواجه من إمـرأة روسية و لا حـتى لـّعبه مـّع رفّيقاته
الـمتـزوجـّات بينمـّا أبنته قد أعماها شّهرة شّركتهم فـتـّرى صّفات الغـّرور تـّكسوها من أعلى رأسها
إلى أخمص قدّميها ، كمّ هو مـّخزي ، و الآن ما الذي قدّ يفـّعله ليصّلحهم ؟ فحـّاول الحـدّيث مـّع كلّير
ـ عـزيزتي ضـّعي الهـاّتف جـانبـّا أريدّ التـحدثّ معك فيّ مـوضوع مـّهم
أشـّارت له أن يـمنحـّها بـّضعة دّقائقّ فتنهـدّ بـأسى ، بالـّرغم من أن نايت رجـّل قـّاسيّ يّصفونه
بالشيـطّان لكنّ يعـتمدّ عليه ليسّ كـإبنه آرثر فإنّ أراد البحثّ عنه الآن لوجدّه في إحدى النـوادي اللـّيلة
مـّخمورا ، أنتظر و انتظر حتـّى تـّكمل كـّلامها لكنّها لم تـّفعل قـطّ فـّوقف بـّبرود و أمسكّ هـّاتفها لـّيرميه
فيّ حـّوض الأسمـّاك وسطّ دّهشتها ،
عـّاد يـجّلس مـكانه وضّعا قـّدما على الآخرى و بين يـّديه كوبّ شـّاي سـّاخن يـّدفيه فّي هـذاّ الجـو
المـمـطّر ، رمقّهـّا بـّغـّضب عـّارم و قد نسى جميـعّ خـططه فيّ جعلها تـّعترف بما فـّعلته بـنفسهـّا و قـّال
بـّعصبية
ـ أخبريني الآن ما لمـاذا هـّاجمت مـّاري ابنة سيد جـوناثان بتلكّ الـطّريقة و فـّورا ؟ ألا لا أريدّ أعـذارا
واهـيةّ بل أسبابا مقـنعة أفهمت ؟
صـمّتت كلير للحـّظات فيّ وضـعيتها و قدّ شـحبّ وجهها كمـّا لو كـان الدمّ بـأكمله قدّ سحب من جسمهـّا
لكنّ تـذّكرت مـّا قـّام بّه سيدّ جوناثان روبـّرت عـّندما أخرجّ أخيها الـوحيد من منـزله فقطّ لأنه لمّ يـّرد أن
يتزوجّ ابنته العـّاقة تـّلك لـّيغزوالـحقدّ وجههـّا فقـّالت بـّحدة
ـ ماذا فـّعلت ؟ لقدّ أعطّيتها مـّا تّستحقه تـلكّ الحـّقيرة فـّبسببهـّا قدّ طّرد آرثر منّ المنـزلّ ،
قـطبّ سيدّ روي محـّاولا الحـّفاظ على أعـّصابه ، بينمـّا أتتّ سيدّة ليكسي مـّسرعة و بين يدّيها منـّشفة
عنـدماّ سمعـّت أصواتهما العـّالية فقـّالت بـّتوتر خائفة
ـ ماذا ؟ ما الذي يجـّري الآن ؟ ما الذي حـدّث ؟
تـّجاهلها الـّسيد رويّ و هـو يـّرمق ابنته بـّغير رضى، و ردّ عـلى كلاماتها الوقحة في نـظره بـّعصبية و
صّوته يـّعلوا شيئا فشيئا
ـ كيفّ تّقولين أنها السّبب فيّ طـّرد آرثر ؟ أهيّ من طـّلبت منه مصّاحبة النـّساء أمّ أجبّرته على الزواجّ
من فـّلور ؟ أهيّ من كانتّ تدّفع بّالمشروب فيّ فمه كلّ ليلة ليعـّود مخـمورا ؟ أمّ هي من أقّنعته بـّتركّ
الشـّركة و التـّسول خـاّرجا رّفقة زمرة من الفـّاشلين ؟ بـأي حق تتهمينها ؟ إنهّ رجـّل فـّاسد نال ما
يستحقه
قطـّبت كلير و قد ثار غّضبها ، كيف له أن يـحتقر ابنه لهاته الدرجة ؟ فـّردت بّصوت غاضب أكثر من
والدها
ـ حقـّا ؟ إنك تـّعلم بـأنه شـّاب مستهتر قـّبلا فـلما لم تـّطرده مسبّقا قبل أن يـأتي ذلكّ السّافل إلى بيتنا ؟
احمر وجه سيد روي و احتقن بـّعصبية فلم يسهل عليه التنفسّ و أصّبحت ضّربات قلبه تـتبـاطأ لخرج من
دّرج دواءه و يّأكل حّبة ثم يـّرتاحّ قـليلا ، تنهـدّ بـأسى و أجاّبها
ـ لأننيّ تـأملت و بزواجه من فلور سوف يستقيم ، أنه سوف يصّبح رجـّلا يعتمد عليه لكنني أهمـّلت
مستقبل فلور و خنت ثقة صديقي الذي ائتمني على ابنته فـأقل شيء أفعله له هو جعل ذلك الفتى يّعلم
بّسوء تّصرفاته وقفت كلير بـّغيض و مرت من أمامه لتسّرع إلى غّرفتها في حين جلست سيدة ليكسي
بجانبه تـهدئه بـحنان كي لا يتطور الأمر و يّصاب بنوبة قـّلبية

/
__________________