عرض مشاركة واحدة
  #24  
قديم 12-27-2015, 11:58 AM
oud
 
مصائب كثيرة و متاعب أليمة تـأتي مع أخيلة الليل و سرعان ما تضمحل بمجيء الصباح حين فصل الموت أعناقهم تـرأفا بشبابهما الموعود ،
مدت يدها إلى الأمام تـريد أن تقبض بـأصابعها المتوجعة يده الباردة و قد تصاعد الدم من شفتيه الأرجوانيتين فجمدت أجفانه و قد خيـل لها
أن ملاك الموت قد نـاله فـزحفت و الدموع تـراود مقلتيها و الخوف يسحق قلبها
وضعت أناملها المجروحة على وجهه الشفاف الشاحب بـأمل وحيـد و أوحد في نجاته ثم صـاحت بصوت يحاكي رنين أوتار الفضية ،
صد نزلت دمعة محرقـة استقطرتها شفقة من أجفانها على حالهم متذكرة أحداث البارحة
اقترب بسرعة منها و أحتضنها بين أضلعه ليجعل لها مـأوى ، كيف تمسك بها رافضا تركها بينما هما يسقطان من تلك السيارة إلى أسفل
المنـحدر ، كيف تدحرج على الأرض بين تلك الصخور الصـلبة لافظا آخر آنفاسه ، كيف سحبها من وسط ذلك الحطـام و الدم شق طريقه من فمه ،
كيف ابتسم بألم في النهاية
تحاملت على ألامها و جلست بجانبه ، بالرغم من أنه يكرهها إلا أنه فضل حياتها على حياته ، من خلف قميصه الممزق رأت صدره المائل للازرقاق
فـأطلقت صيحة موجوعة و قد فقدت آخر قطرة آمل في نجاته، بكت و هي تضـع رأسها على صدره بقلة حيلة محتضنة إياه ، لقد أحبته .. لقدّ كآن
آول شـآب نبضّ قلبها بجنون في حضوره ، تـراه عينيها من بين الجموع الغفيرة وحـده فقط ، لكن الآن و قد فاضت روحه ما الذي تبقى لها لتفعله ؟
حينها بمعجزة فتح عينيه الداكنتين كـآنتا تشبهان السماء عند أحلك لحـظاتها ظلما و قد شحب لونهما لكن بهما من نبض الحياة ما يكفي لبقائه
على هذه الأرض مقاتلا ، عم سكون لم يتجـرأ على خرقه سوى بكاء ماري المرير على صدره ، فجمـع ما يكفيه من قوه ليتحدث بنغمة صوت
رخيمة و لفظات متلاحقة
ـ مـاري أبعدي جسمك المترهل عنيّ
نظرت إليه غير مصدقة ثم رمت نفسها بقوة عليه لتحتضنه بين ذراعيها ، تغدقه بالامتنان و الشكر لنجاته و صوت بكاءه قد شع كرنين الصدى في
ذلك المكان الموحش فكح بـألم و بالرغم من محاولته العديدة لفك يديها عنه إلا أنه لم يستطع ، عندها استسلم و ترك يده تستقر بكل لطف على
ظهرها ، فقـال بهدوء
ـ ماري
أمسكت بوجهه الممتلئ بشتى الخدوش لتنظر إليه ثم عادت لتحضنه مجددا و بغصص موجعة تقطع ألفاظها ردتّ عليه
ـ لقد ظننتك ميتا ، يـا إلهي كم أشكرك
رمقها بنظراته الباردة فابتعدت عنه و رفعت يده لتضعها بحجرها رافضة تركه بـأية طريقة كانت ، كـأنها لا زالت غير مصدقة أنهما قد نجيا من
موت عنيف بينما تحامل هو الآخر على نفسه و اعتدل في جلسته ليتـأوه ممسكا بصدره ، قـال بنبرة حاقدة و قد ظهرت نظرة الكبرياء و الانتقام
لتعلو ملامحه الشاحبة
ـ ستدفع ثمن هـذا أضعـافا
صاحت بقلق
ـ ماذا ؟ نايت هذا ليس وقت التفكير في الانتقام فـأنت بالكاد تستطيع الجلوس و قدمك مصابة أيضا ، لن نحصل على المساعد بهذه الطريقة
بالرغم من أنه يرفض الإعتراف بهذا لكنه لن يخطوا إلا خطوتين و سيخر ساقطا على ركبتيه هذا بغير وجودهم في أسفل المنحدر و الوصول إلى
الطريق العام يتطلب وقتا كما أنه يشعر بحمى شديدة تجتاح كيـانه تحثه على ترك كل شيء ، نظر بعينين واهنتين إلى ماري قلقها لم يجعلها تلحظ
إصاباتها الخـطيرة و المتفـاوتة لكنها أفضل حـالا منه ، فـأجابها بهدوء
ـ اذهبي للحصـول على المساعدة و أنا سـأبقى هنا
أومـأت نفيا و فكرة التخلي عنه قد أرعبتها ، فرمقها بحدة و قد باتت أعصابه بالفوران كم يغضبه موقفه هـذا .. أن يكون عاجزا في لحـظة التي يحتاجه
الغير و أنّ لا يّستطيعّ حمايتهاّ ، تلكّ الوحيدّة التيّ رضّت بكل بلاهةّ أن تقفّ معه ،و كون أحد تجـرأ على العبث معه و محـاولة قتله لهذا يدفعه للجنون ،
همس نبرة آمرة غير قابلة لنقاش
ـ لا يمكنك قول لا
نظرت إليه بعينيها الواسعتين و الدامعتين مترجية إياه أن يتركها بجانبه على الأقل حتى تطمـئن عليه ، بينما دماء قد جفت على جبهتها في حين أن
قدمها ملتوية و فستانها قد أصبح كخرقة بالية اضمحلت به دمائها ، استسلمت مسرعة لكبريائه الشديد و تحدثت بدون وعي لما تقوله
ـ لكن نايت ، ألا يمكننا الذهاب معا ؟ هكذا سأطمئن عليك ، أنا لا أريد أن أجرب شعور فقدانك مجددا
رفع حاجبه ثم سحب يده من حضنها ببرود ، إن أضلعه تـألمه لكن يستطيع البقاء حيا لحين عودتها فكل ما أوقده من سباته هو صوتها المـزعج
الباكي ليكشر عن ملامحه ، و قد احتدت عينيه بشكل خطير ، فرد بنبرة رخيمة غامضة
ـ أحدهم حاول قتلنا و قد نجونا لذا تركي في أرض جافة لن يقتلني ، غادري من أمامي فقد سئمت فعلا من رؤية وجهك و أريد أن أرتاح
ثم عاد ليستلقي ببرود و قد وضع تلك الصخرة كوسادة له فرمشت ماري بعينيها مرارا و تكرارا قبل أن تقف بتصميم ، يجب عليها الذهاب فهذا ما
تستطيع فعله الآن ، قالت بقلق
ـ سوف أعود قريبا نايت لذلك لا تنم
أشار بإصبعه على اتجاه الذي من المفترض أن تذهب به ، ترددت قـليلا فجلست مجددا و وضعت يدها على شعره الحريري الأملس فاستدار
بقليل من الغضب ليندهش عندما وجدها تبتسم له بكل لطف بينما جسدها بـأكمله يرتجف خوفا
ـ أنا بكل تـأكيد سـأعود ، إنتظرني أرجوك
عادت تقف و سارعت بالركض ، قد نست ألامها فيجب عليها أن تسرع قبل أن تفقده حقا ، حين توقفت فجـأة و نظرت إلى الخلف حيث كان نايت
مستلقيا على الأرض بقلة حيلة يضع يده على صدره و يتنفس بكل صعوبة ، إنها فعلا تـرغب في البقاء بجانبه فهي لا تملك القوة إلا بحضوره ،
لكن الآن عليها أن تتشجع من أجلهما معا

~.ْْ~.~

في غرفة مليئة برجال عدة يبدون أنهم من الحرس الخاص يحملون خلف ستراتهم مسدسات كاتمة لصوت يترأسهم ذلك الرجل ضخم الجثة
و عينيه الخضراوتين تراقبان ساسة الحاسوب الكبير بكل عملية و تفكير ، إنه مستعد لفعل أي شيء لإسترجاع سيده حتى لو عنى ذلك إقتحام
شركة جونسون و قتل رئيسهم أمام أعين الملأ
أشـّار على بـّقعة مـّا فتّم تّقـّريبّ الصـّورة ، نـظّر إلى رقّم السيـّارة بـعدّهّا اتصل بّشبّكة مـّراقّبة السيـّاراتّ و الطـّرقّات ثمّ بـدأّ بـّمـّراقبةّ الـمكـّانّ
من جديدّ لـّعله يلمّح سّيارة نّايت من بينّ هـذّه الـزحمـّة و أينّ بالضبطّ كـّانت وجـهته بجـّانبهّ يجّلس ويّليامّ و عينيهّ قدّ أغدّقتا بالقّلقّ ، لّيس مجددّا
.. لنّ يسـّامحّ نفسه إنّ حدّث لهمّا مـكّروهّ ، شتمّ بـغّضب ثمّ زفّر فقـّال فّرانسوا بـّهدوء
ـ سيدّ ويّليامّ ، لمّ يتبقى على الـزّفافّ سوى أربـّعة أيّام ما الذّي يجّب عليناّ فعله ما إنّ لمّ يـظهر سيدّي ؟
لمّ يـّعلمّ تمامّا ما الذّي يستوجّب عليهّ فـّعله فـّكلا العـّروسين فيّ عدادّ المفقودينّ كما أنه يبدواّ أن الأمر قدّ خططّ له بـّعنايةّ لذاّ ماهيّ
الخـطوة الصحيحّة ؟
فـّعلا لا يـّعلم ما قدّ يفعلّّ فهذا ليسّ اختصاصه ، لكنهّ قـّال بـّهدوء
ـ نحنّ لنّ نقومّ بإلغائه إلاّ باللحـظة الأخيرة دّعنّا ننتظّرهماّ قّليلّا ، فّرانسواّ راّقبّ تحـّركّاتّ رئيسّ جونسونّ و أعّلم ما الذي كّان يفعله خّلال
ثـلاثة أيامّ المـّاضية إن كانّ قدّ سّافر تحتّ اسم مستعـّار إلى لندنّ ،
أومـّأ فـّرانسوّا بالإيجاب و أمـّر الآخرين بتنفيذّ تعليمـّات ويّليام ، فّي حيّن قدّ وقفّ هو و قـّال متـحدّثا بنبرة رخيمة
ـ سـأحـّاول أناّ أنّ أجهـّز لحّفلة الـزفافّ بهـذّه الأثناء
رمقـّه فرانسوا بـّبرودّ ، ثمّ أخرجّ مفـّكرة رّقمية منّ سّترتهّ و وضـّعها بين يدّي ويّليّام لّيقولّ بـهدوء و جديّة
ـ هـذّه هي الأغراض الناقصة ،
تنهـدّ وّيليامّ و خّرجّ مصّمما على جـعّل فلورا تهتمّ بهـذّه الأشيّاء معهّ فهو لا يمّلك أدنى فكّرة منّ أينّ يبدأ أو كيّف يبدأ لذّا الحّصول على مسـّاعدّتهّا
لأمّر مـطّلوب ، أيّضا فكّرة موّت نايتّ تثّقل كّاهله ، يّا ترى هل هو بّخير الآن ؟
عندّ خروجّه من تلكّ الـّغرفة فيّ تلكّ الشركة العّملاقة لعـّائلة لبيّر الشهيرة ، كـانّ يّسير بكّل ثّقة و جـاذّبيتهّ قدّ طـّغت فيّ كلّ مكـّان لتمّس قّلوّب
الموظّفاتّ بينمّا يبدوا بّاله مّشغـّولاّ ، و كّل أصّابّعّ تّشـّار إليه على أنهّ صدّيق رئيسهمّ الوحيـدّ وّيليـّام دوّيـّل ،
حّين رآه كـّايلّ عندّما كاّن يمّر كعادّته جّولة تفحصيه ، رمقّه بسخّرية و استندّ على الجـدّار الذّي خلفه مـّراقّبا إيّـاه ، لابدّ أنهّ قدّ عـلمّ و بحّلولّ هـذّا
الوقتّ أنّ نايتّ قدّ اختفى أو بالأحرى تّوفيّ و هو يحـّاول الآن إيجـادّ طّريقة لكّي يّعثر على جثتهّ ألقى عليهّ التحّية بكّل بّراءة فـأجّابه وّيليامّ
مستعـجّلا لكّنهّ لمّ يتركّه يذّهب بّل حـّاول فّتحّ حدّيثّا معـهّ و على شّفتيه ابتسامة لطّيفة
ـ ، هل أتى مـعكّ نايتّ ؟
قطّب وّيليامّ و نـّظر إليهّ متمعنّا بـينمّا نـظّرات الموظفينّ تلاحقهمّ و أذّانهمّ تتلهّف لسمـّاع حـّوارهمّ فلمّ يسبّق لـرئيسهم أن تـّرك عمله و غـّادر
غيّر آبه بأمور الشركة خصوصاّ و أنهم يواجهون انتقادات لاذعة بخصوص تركهم لشركة جونسون عندما كانت هي في أوج الحاجة إلى لبيرّ ،
نـظر ويليام إلى كايلّ ثمّ ابتسمّ بكلّ لطفّ مجيّبا إياهّ
ـ لاّ ، لقدّ أتيتّ فقطّ لـرؤية فـرانسوّا لدّي عـمّل أرّغّب فّي أنّ يقومّ به لأجّلي
أومـأّ كّايّل بخّبث ، أجّل لابدّ أنّهمّ يبحّثون عن قّريبه المسكينّ الآنّ .. فـتّركهّ يـرحّل ، ليكّمل وّيليامّ طـّريقهّ باتجاه مكـّان عمـّل فّلورا ، لكنّ لما قدّ
أخفى أمرّ اختفائه و قد مضى عليه ثلاثة أيامّ ؟

~.ْ~.~ْ
__________________