عرض مشاركة واحدة
  #32  
قديم 12-28-2015, 11:27 AM
oud
 
أعتـّرافـّات آخـّر الّليل

\
تـهاوى وشـاح الليل على سمـاء لندن بكلّ بطء نـاشـرا أشـعة نـور قـمرّ كـادتّ تلكّ الغـّيوم الضّبابية أن تخفيه، عندماّ دقّت عـقارب السـاعة
فيّ ذلك المنـزل المـوحشّ معلنة عنّ نهايةّ يومّ آخر وسط دهاليـز الـظلام و خلف تـلك الغـرف العـديدة الفـارغة ، تحديداّ بـغرفة المعـيشة حيث
كـانت نار المـدفئة تومضّ و هي على حـافة التلاشي كانت عينيه السوداويتين تـراقبانها ببرود همس بصوت متـململ
ـ أنا أكّره الإنتـظار ،
تنـاول كـأس من شـرابه المفضل لتلاعبه أنـامل يده بكلّ خفة قبل أن يبتسم بحقد شديد ، وجـه نـظره إلى تلك الـصورة الـكبيرة الـمعلقة و قد
احتوت ثـلاثة أشخـاص فقط ، رجـل في منتصف العشرينيات يبتسم بكل ثقة مرتديا بـذلة رسمية سوداء اللون و بجـانبه رجل ظهرت معالم
الشيخوخة على وجهه البـارد يجلس على كـرسي فاخر واضـعا فتى صغير في حضنه ،
هـذه الـصورة ذات الإيطار القديم المهزئ و غبـار المتـراكم هي آخر ذكرى يمتلكهاّ ، تلكّ الابتسـامة المفـعمة بالثـقة و ذلك الدفء لن يـعودا
أبدا حينما توالت كلمـات فجـأة إليه متـسللة محـاولة زرع الـمزيد من ذلك الـحقد بين كل نبضة يهمس بها قلبه
ـ لا أحد يستطيـع إيقافه، لا أحـد نـد له .. أنت لست نداّ له
شدّ على قبضته بقوة و قدّ تجمعتّ نيـران غضبه فيها ، وضـع الكـأس على الطـاولة الـزجاجية بهدوء منـاقض لأعصابه ثمّ إتجه بخـطوات بطيئة إلى
الـشرفة ليقف مواجها نور القـمر فصـاح بـغضب
ـ سـأهـزمه و ستـرى ذلكّ ، أناّ لن أهـزمه فقط سـأقتله و سترى
إتجـه إلى الغـرفة مسرعـا ثمّ أمسـكّ سترته الـجلديّة السـوداء ليرتديّها بكل خفةّ ثمّ أخرج هـاتفه من جيّبه و ضـغط على رقمّ كان موضوعـا في
قـائمة الاتصـال الـسريع ، لحـظات حتى إنتـقل إلى مسـامعه صـوت شـاب ما بنبرة كسـولة نـاعسة ضجرة
ـ ألا تـفرق بين الليـل و النهـار ديمتري ؟
ابتسم ديمتري بكل بـرود عندما وضـع مفـتاح سيـارته في مكانه المخصص و شـغل الـمحرك بقوة ليصدرّ صوتا عـالياّ لحـظة ما إنـطلق بجـنون
فـأفاق صديقه من نومه و قدّ غـادرّه الكـسل ، قـال ديمتري بـغيض
ـ أنـا فيّ طريقي إليك لذّلك قمّ بفتح البـوابة فـأنا لا أرغب بالإنتـظار بـعد الآن
تنهـد الشـاب بـكره عندما أغلق السـماعة دون أن يترك له الفـرصة لرفض أو حتى القبول فانسل من سـريره الدافئ النـاعم إلى الطـابق الأول
كيّ يـقوم بتنفيذ أوامر ديميتري ، همس بسخرية
ـ و قدّ ذهب النومّ أدراج الريّاح

/

قدّ إختفى لمعـّان الأضـواء تحـّت نـور القـمرّ بينّ نـّوافذّ تلكّ الـقـاعة الـواسـّعة التيّ كانتّ تـّضم حفـّلة زفّاف سـّابقّا حيثّ انتهى الخـدّم
أخيـّرا من تـّنظيفها عندمـّا دّقتّ عـّقارب السـّاعة لتّشير إلى منتـّصف الّليل فوضـعّت تلكّ الآنسة مئزرّ عملهاّ جـانبّا و هيّ تستـّعد لذّهاب
إلى جـّناح المخصّص لهنّ ، لمـّا مـّرت بجانب جـناح العـّروسينّ الجـديدين توقفت أمام البـاب قـليلا و أمالت رأسها دلالة على غير الرضا
ثمّ همست بصوت بـاردّ
ـ سنـدريّلا ؟ يستحسن بك العودة لدياّرك
بينماّ و خلفّ قّضبانّ ذلكّ البـابّ و بينّ صـّمت المـّوحش لتلكّ الـغرفة فبـعد إنتـهاء الليـّلة على خيـّر و بّرز ضوءّ القمـّر فيّ السمّاء عـّاليّا
منـّيرا طّريقه نحوّ الشرفة فـظهـّر جسـمهّ المستلقي على الـسريرّ بكلّ بـرودّ، بينمـّا عينيهّا الـزجـّاجيتينّ تجـّولان بـكلّ استمـتاعّ فيّ كل الأنحـّاء
منّ تلكّ الجـدّران ذاّت الطـّلاء الـرماديّ إلى سجـادّة السوداّء، كلّ شيء هنـّا بالأسودّ و الأبيّض يميلّ لرمـادّي، ما معنى أن يـّعيش الإنسان فيّ
الأسودّ و الأبيضّ فقط ؟ فـوضـّعت أصّابعها الفّضولية على ذلّك المـكّتب المصنوعّ من أجودّ أنواعّ الخشّب ، مستندة على ركبتيهاّ و هي
تكتشفّ عـالم نايت المثير ، ياله من عـالم يـملئه الـغموض يترأسه نايت .. أخيرا سوف تكتشفه ، ابتسـمتّ بكل حماس إنهاّ الطريق لكسّب قلبه
و معـرفته ، لفهمهّ و الشـعّور بألمه حيّن شـّعرت بوجودّ ظلّ ما خلّفها ، كـادّت أن تـّصرخ لولا أنّه وضـّع يده على فـمهاّ ثمّ قرفصّ بهدوءّ
و قـّال ببـرودّ
ـ هلّ ظللت الطـّريق ؟
ضحكت بكل إرتباك غير مصدقة أنها و منذ هذه اللـحظة تعتبر زوجة هـذا الـرجل الوسيم القـابع أمامهاّ ، لابدّ أنها محظوظة فإبتسمت و كادتّ
أن تفلت من بين شفتيها ضحكة سعادة
ـ لاّ ، ألّن تّقولها مجـددا ؟ فأناّ فعلا أرغبّ بسماعها
نـظر إليها بّعينين زرقاّوتين داّكنتين حيثّ قد قـرأ أفكارهاّ من انعكاس شـعورها على وجهها البريء ، فـأمسكّ بذّراعها و سحبهاّ رغماّ عنها
لّكيّ يفتح بـاب غـرفة ما و يـرميها بـداخل غير قـادر على تحمل بّساطة عقلها أكثر من ذلك ، همسّ محدثّا نفسه بّلهجة مغتاظة
ـ ما الذيّ تتحدثّ عنه بحقّ الله ؟
تحسست ذّراعها و هي تـنـظّر من حولّها، إنهاّ غـّرفة ملابسه و التيّ حالّيا هي غـّرفتهاّ هي ، كيّ لا يثيـّرا الشكّ و كيّ لا يضطّر لتحمّل وجهها
طـّوال الوقّت فوضـّع هـذا الحّل المـّثالّي ، و العـّجيبّ أنّ الغـّرفة جميـّلة لدّرجة أبت عينيها تصدّيقها ،
كـّانّت مـختلفة تـماّما عنّ جـناحهّ هو ، جـدّرانها مـطّلية بالذّهبيّ و لدّيها سّرير متوسطّ الحجمّ مـعّ نـّافذة تطّل على الحـدّيقة ، خـزانةّ ملاّبسّ و
مكتّب صـغّير جداّ يحتوي على كتبهاّ المدّرسية ، تنهـدتّ بـغّيض و ركضـّت إلى سـّريرها لتقفزّ عليه
فـكّرتّ قـّليلا و هي تمدّ يديها نـّاحية السـّقف المـزّخرف و الثـّرية العـّملاقة ذّاتّ اللونّ القـّرمزي الـبسيطّ الذّي يـّغلبّ على الذّهبي، لمـاذّا الـوصول
إليه بهذه الـصعوبة ؟ قـلّب نـايت لمـّا هو بهـذه الصـّعوبة و كّل تلكّ الحـواجـز ؟ يـا ترى إن استطّاعت اختراقّها فّهل سوفّ تعـّرف السـرّ الكبير
المخبـأ خلفها ؟
فيّ الجـّهة الآخرى للجـداّر ، كـّان نايتّ يـّضع ذّراعه على عينيهّ مانّعا ضوءّ القمر من التّسلل إليهما و قدّ سكـّنت حـّركاته بـشّكل تـّام ،
همسّ بـّهدوء
ـ هـّل هـذّا فعلا يستحّق العناءّ ؟
هـّل كـّل مـّا قـّام بـّه فـّعلا يستحقّ ؟ أنّ يّصبحّ هـكذاّ فّّي هذه الوضـّعية مكرهاّ من قـّبل الجميـّع و سـّاعّيا للانتقـّام بكل مـّا أوتي من قـّوة ،
نـظّر إلى الـّشرفة و الستاّئر تتحركّ بتنـّاغم مـّع الريـّاح ، فـعاّدت إليهّ نـظرّة عينيه الملـيئة بالحقدّ و الكـّراهية بـّعد أن تّغلّبتّ مشـّاعر الانتقـّام
على ضمـّيره ، و طـّغت تـّدريجياّ على قـّلبه فـعّقله فـكلّ كيـّانه لّيصبحّ مجردّ آلة تـّسعى خلّف ما أخـذّ منهّا لـّيهمسّ بـكلّ لطـفّ
ـ فـّات الأوان

/

بحلّول منتصّف الليّل تمـاما و بداخل شـقة ماري التي أصبحتّ الآن ملكاّ لفلور قد كـانت بدورهـا جالسة في المـطبخ حاملة بين يديها فنجان من
الشاي كي تدفئ نفسها قليلا من نسمّات لندّن الّباردة ، شعرها الأصهبّ منسدل على ظهرها بتموجّ جميلّ يّبرز تفرّد لونّه الطّبيعي و فستانها
الأزرق لا يـزالّ يضمّ جسدها حتى بّعد إنتهاء الحفلة ، هنـاكّ الـعديدّ من الأسئلة تّدور بّعقلها و لاّ يـزالّ الـجوابّ مبهماّ ، و منّ هـذه الأفـكار كـان
يوجدّ سـؤالّ واحدّ فقطّ جـعلّ الـنومّ يّفر هارّبا منّ بينّ جفنيهاّ فـهمستّ به بنبرة متسـائلة
ـ لماّ قدّ عادت والدتي بّعد غيّاب طـال لعقدّ من الزمن ؟ إنه لأمر غّير منطقّي، لماّ الآن من بين كلّ الأوقات ؟
الأمر غريبّ و يثير حيّرتها لكن ما الذي بيدها لتفعله ؟ تنهدت بكل أسى و كادت أن تّستلقي على تلك الأريكة لولا رنين الـجرسّ المفـاجئ فاتجهت إلى
المخرج لتقوم بفتح الباب ، رأت ويليام يّقف خلفه يرتديّ ثيّاباّ مبتلة و ليس واعيا تماما لما حوله ، رمقته بكل استغراب ثم قـالت بنبرة مستنكرة
ـ ويليام ما الأمر ؟ تبدوا كما لو
ابتسم بـكلّ جـاذّبية كعـّادته العـّابثة ثمّ عـّبر ببّضعة خـطّوات ذلّك الـّرواق الصّغير إلى حيّث كـّانت غـّرفة المعـّيشة ليحتـّل تـّلك الأريـكةّ الـّواسعة
بكلّ تعّب، رفـّع الغـطاّء الصّوفي المـّرمي على الأرّض بكلّ إهـمالّ ثمّ استلقى و هو يقول بنبرة مرحةّ
ـ عـذّرا على التـطفّل لكن سـأبقى هناّ الـّيوم
كـّانت فّلورا لا تـّزال ممسكة بّمقبض البـّاب الحديديّ بّدهشة تـّنـظرّ إلى حيثّما مـّا كانّ ويّليام واقفّا منذّ لحـّظات ، تنهدتّ بّقلة حيـلة و إتجـهت
ناحيته متحـدّثة بّقليل من الـغيض
ـ أخبرني أنتّ تخـاف من الظـّلام أليس كذلك ؟ و إلا فلما دوماّ ما تطّرق شّقتنا دوما فيّ الليل ؟
شـغلت التدّفئة و جـلست على الـسجـادّة لّتسحبّ غـطاّء آخر منّ أسفل الأريكة و هي تّشتم ترتيب مـاري الأخرقّ ثمّ سرعانّ ماّ أثّار انتباهها
فـلماّ جـديداّ يّعرضّ حّصرياّ فقطّ لتتّابعه بكلّ انتباه ، عندماّ همسّ ويّليام
ـ فـلور ، هل أناّ غبي ؟ ألستّ جيداّ كفـآية ؟
التفتت إليه مستنكرة كلّماته لتجـدّه يخفي رأسه أسفل الغـطاء و لا يبدوا علّى مـاّ يرام فزفرت بـكل كسل و بالرغم من أنها قد وجدت سـؤاله سخيفا
و لا يقارن بالغموض الذي يلف حياتها لكنها كانت سعيدة لأنها تـعلم الإجابة و متأكدة من صحتهاّ
ـ بالتـأكيد لا ، أنتّ الأفّضل بلا شكّ
استنشّق أكبر كميّة هـواء محـّاولا كّبح جمح أعصابه الـمفلتة ، هناكّ عبأ مثّقل الكهل على قّلبه لا يقدر على إزالته حتى لو تحدث عنه لذا ابتسم
بمرح و هو يستدير إلى الجـهة الأخرى ليتكلم بنبرة استطاعت فلور أن تلمح الحزن بها
ـ من الرائع أن يعتقد أحدنا ذلك،
نـظرت إليه بـدهشة ثمّ و بـخفة حـاولت نـزع الغطاءّ من أعلى وجهه لكنه كـان يقـاوم بشدّة إلى أن سقطت أرضا بـقوة و قد ارتطم رأسها بحـافة
الأريكـة ، فوقفت بغضب و نـزعته عنه بكل قـوة لتصيح بحدة
ـ ماذا بك ؟ إن كنت قد أتيت لتحصل على مدح مني فأنت قدّ أخطأت المكان يا صـاح و ما بال هـذه النبرة الحـزينة من يـراك يعتقد أن زوجـتك قد توفيت
، هيا قف و غـادر فورا يا أبله
رمقها ويليام بـغضب ثم أمسك بطرف الغـطاء ليحـاول جـذبه لكنها استمرت في تشبث به فـصاح هو الآخر بـنبرة غـاضبة
ـ ألا يمكنك الصمت و التربيت على كتفي بحنان يا إمرأة ؟ لماذا تثيرين هذه الضجة كلما تقابلينني ؟
صاحت بداخلها و هل هي تعـلم لتجيبه ؟ هذا الشيء الذي ينبض كلما رآه ، إنه يثير جنونها فردت قـائلة بحدة أكبر و غضب أكبر
ـ كل شيء بك يثير جنوني، أنت السبب في إبعاد ماري عني فلو أنك لم تقابلها لما
ابتسم بسخرية شديدة منّ هـذه المـرأة البـائسة ، تحـاول لومه لكنهاّ لا تعلم كيّف ، تحـاول البكاء على فقدان أختهاّ مرة آخرى لكنّ كبريائها العاليّ
يمنعها ، إنهاّ واحدة من نسـاء اللواتي يدعينّ القوة لكنهنّ لا يمتلكنهاّ فجذبّ الغطاء ناحيته أكثر و ردّ بنبرة واثقة
ـ حقا ؟ لو ؟ و ما الذي ستفيدك لو في حالتك هذه ؟ لما لا تكونين صريحة مع نفسك فلورا لما لا تقولين ببساطة أنك تفتقدين ماري و تمنين لو أنك
قضيت وقتا أكثر معها ؟ لما تحـاولين لومي و أنت لست قادرة على ذلك ؟
شعـرت بنيران الغضّب تتصاعدّ بعـّروقها شيئا فشيئا و قدّ ضّرب وتر حـّساس بنسبة لها فجذبّت هي الآخرى الغـطاءّ بكل قـوة و صّاحت به قـائلة
ـ حقا ؟ لما لا تكون صريحا مع نفسك ؟ ألست تحب ماري ؟ أيها الأبله و قد سلمتها بيدك إلى صديقكّ ، أرجوك أعتني بنايت جيدا ؟ أهذا كل
ما استطعت أن تقوله لها ؟
مزقّ الغـطاء إلى قطّعتين و قدّ تهاوتا على الأرضّ بينماّ تّلاقت نـظّراتهما ببعضها البّعض ، ملامحه المنصدمة و قد شحب وجهه بشدّة ، بينما بهت
لون عينيه اللامعتانّ حينّ إقتربت منه فلور ، أنزل رأسه للأسفل و قد غـطى شعره الأشقر وجهه عندما تحدث بنبرة باردة
ـ أنت مخـطئة ، أنـا لا أحبها ..
أمسكته من كتفيه بقوة و نـظرتّ إليه بكل تصميمّ ، فأشاح وجهه بـعيدا إلى حيثّ تلكّ السماء المـظلمة ، فـهـزته و هي تصيح بغضب لا تعلم ما سببه
ـ لما لا تعترف فقط ؟ لما لا تّقول ما يجّول بقلبك ؟ لما لم تخبّر نايت بـأنك من وجدها أولا ؟ من وقع بّغرامها و منّ عرفّ قيمتها أولا من أخرجهاّ
من قوقعتهاّ و من جّعلها تبتسمّ في أحلكّ أوقاتها ظلمة ؟ لما لا تّخبره أنك كتبتّ أغنية لها ؟ أيها الأبله
قدّ تهـاوت دموعهاّ على وجنتيهاّ الورديتينّ بصّمت ، شفتيهاّ لا تنفكانّ إخباره بمدى حبّه لماري بينما و عميقّا خلفّ قّضبان قلبهاّ كانّ صوتهاّ الصامتّ
يطلبّ بـألم أن ينفي ما قـالته توا ، تنهد ويليام بأسى ثم نزع ذراعيها و التفت مغادرا عندما عادت تصيح
ـ لأنكّ جـبان ، نعمّ لأنكّ جـبان
شدّ قبضته ثمّ استدار بغضبّ ناحيتهاّ ، كادّ أن يخبرها أن لا تتدخل فيما لا يعنيها لكنّ غّضبه ذّهب أدرّاج الريّاح عندما لمحّ وجههاّ الباكيّ فابتسم
بكلّ لطفّ و مسحّ بأنامله الطويلة التي لا طالمّا عـزفّت أوتارا منّ حزّن دموعهاّ ، تحدث بكل دفء
ـ لأننيّ أعلم أنّ من يحتاجّ وجودّ ماري بجانبه أكثر هو نايت ، و لأنني واثقّ أن بإمكان ماري أن تجعله يثّق بالناسّ مرة آخرى ، و لأنني آمل أن
تشفيّ ندوبهّ القديمة و لآننيّ أريده أن يحبها ،و لأنه الوحيد .. الذيّ يحتاجها فلا يمكننيّ أن أخذها
ضحك بـهدوء و هو يّربت على رأسهاّ بخفة ثمّ نـزل إلى مستوى عينيها و غمّز بّكل مرحّ ، فابتسمت فلور بّغير إرادتهاّ فقطّ لأنهاّ أرادت أن تّبعد هـذا
الجـوّ الـحزينّ عنّهما ، قـال بضحكة
ـ كمـّا أنني أمتلكّ فلور إلى جانبيّ أليس كذلك ؟
ضّربته بقّوة على ظهره ثمّ لفت ذراعها حول رأسه عندماّ فتحّ بابّ الشّقة بكلّ برود و دخلتّ السيدّة فرانسيس حـاّملة صّحنا من الحـّلويات بينماّ عينيها
حّمراوتين بشّدة ، وضـعّته على الطّاولة و جلّست على الأريكةّ لتّضعّ فلماّ جّلبته معهاّ كيّ تشاهدّه ، قـّالت بكبّرياء
ـ لمّ يصلحّ بول تلفاز بعدّ لذلك أتيت لأشاهدّ فلما هناّ ،
ضحكّ الاثنين بّخفة و جلّس كلاهماّ بجانبّ سيدّة فرانسيسّ ، يبدواّ أن جميـّع من بهذاّ المبنى يفتقدّها ، تلكّ الطفّلة التيّ آنآرت قّلوبهم لوهلة من الزمن

/

ظّلام دّامس يحيط بتلك الغرفة من كل النواحي فلمّ يتركّ مجاّلا لضوء بأن يتسللّ ، مستلقيةّ فيّ سـّريرها الـحريريّ الـكبيّر و تنـظّر إلى السـّقفّ بكلّ
هدوءّ كيّف تغّير لحـظةّ كلّ الأوقـّات التيّ بـّعدهاّ
شـّعرها الأسـودّ تنـّاثر حـّولها فـجعلهاّ كمـّا لو كـأنهاّ أميرة نـّائمة ، و عينيهـّا العـّسليتينّ تـّراقـّبان القـمّر بـكلّ بـّرودّ و تـّرقبّ ، عـجيّب كيفّ أرادّت أن
تـّقتل نايتّ بشدّة لأخـذّ عـّرشه و جميـّع أسهمه لكنّ الآن بـطّريقة مـّا هي مـّرتـّاحة و مغـّتاظة في نفّس الوقـّت
مغـتـّاظة لأنّ مـّاري من الآن فـّصاعدّا ستشـّاركّها جميـّع نفـوذّها ، و يبدأ النـفوذّ من كلّمة سيدّة آل لبيرّ و لكنّ سبب كـّونها مـّرتـاحة فحتى هيّ لا تـّدري
ما السبب ، استقـامت فّي جلّستها مفـكرة ، يجبّ عليها أنّ تـّخربّ علاقـة ماري بـنايتّ لكنّ كيف ؟ فـماّري ملتـّصقة كالغـرّاء بهّ لكنّ لا يبدوا على
نـّايت أنهّ تـّغير أبداّ لما يـا ترى ؟
تنهـدّت بّغيض ، كمّ تكره كونهـّا لا تـّعلم شيئّا هذّا يجـّعلهاّ في نهـّاية القـّاع فـأغـّلقت عينيها العسليتينّ كثّيرتا الـرموشّ لتتـركّ خـططّها إلى الـغـد
عندّما تـّكلمّ كـّايلّ بـهدوء
ـ إليـزابيثّ ، أتظنينّ أنّ نـّايت قدّ اكتشـّف من حـّاول قـّتله ؟
شـّهقت و استدارت نـّاحيته، كّيف لها أن تنسى أمـّرا مـهما كـهذاّ ؟ يكفّي ما لـديّه من دّلائلّ ضدّهما هّل يجبّ أن يـّجمـّع أكثر ؟ فهـّزت رأسها نفّيا قـّائلة ببرود
ـ لاّ سحقّا ، طّبعا لا سـّوف آمرّ مسـّاعديّ أنّ يـّقضي على القـّاتل قـّبل أنّ يـّصل نـّايت إليهّ ، أنـّا لن أسمـحّ أبدّا بـانّ يصـّل إلينا
صمّت كـّايلّ قـّليلا مفـكّّرا ثمّ ابتسمّ ، حسنـا هذه فكرة جـيدّة حتمـّا ثمّ قـّال بـهدوء
ـ دّعينا نمحى دّلائلّ التي تـّركناها خـّلفناّ ثم نـّشنّ هجومـّا مبّاغتا آخر
ضحكّت إليـزابيثّ موافقـّة إيـّاه ، ذلكّ الـرجّل كانّ مجردّ قـّاتل و قـّتله هو تـّخليصّ للمـّجتمـّع ، لذّا لنّ يعتـّبر هـذّا قـّتلا و إنـمّا تنـظيّف المـتجمـّع من حـّثـّالته ،

/

فيّ الشـقة المقّابلة كّان آرثّر مّستلقيّا بـهدوء علىّ سريرّه و قدّ غادرّ النومّ جفنيهّ ، حّاملا بينّ يديّه ملفّا ماّ و يبدوا عليهّ التفكيرّ العـميقّ ،
حينّ رنّ هاتفه ليّزفر بكلّ غّيض و هو يّعلم تمامّا من المتصّل لاّبد أنهاّ أخته كليّر ، إذ أنهاّ قلقة جداّ عليه
رفـعه ليطفئه لوّلا أنّه وجدّ رقمّا غّريبا يحتلّ شاشّته ، فكرّ قليّلا ثّم زّم شّفتيه بّأسى و هو يّرميه بالدّولاب الصّغير ، إنّ لم تكّن كليرّ فإنها
أحدّ أولائك الفتياتّ اللواتي واعدّهن و الآن ربماّ بّعد تّرك صديّقها لها فّهي تبحثّ عنه ليواسيها ، قطبّ حاجبيه بّكسّل هامسّا
ـ أناّ من يحّتاج إلى المواسّاة هنا ، ألا يّوجد حلّ لمشّكلتي ؟
بالّرغم من أنه يّعلم تماماّ أن ابتزاز ماريّ ليسّ بالحلّ لكنّ ليس بيدّه حيّلة ، فّإن لمّ يسرع بكسب المال فهو لن يعودّ للمنزل و لن يقّبل والده عودته
، فجأة عادّ هاتفه يّرن مجددا ليقف بكل ضجر و يحمله ، رفـع السماعة ببرود و أجاب
ـ بحقّ الله ألا ينظر أحد إلى كم تشير الساعة قبل الإتصال ؟ على كل حال ، من معي ؟
أرهفّ السمـّع عندماّ إلتقطّ صـّوت لشخصّ ما يتنفسّ بعمقّ فزفرّ بغيضّ و رماه على الجـداّر لكيّ يتجه إلى غرفة المعيّشة متمتّما بّنبرة غاضبة
ـ ما هـذا ؟ مكالمات عـّابثة هـذاّ ما كان يّنقصني ،

/
__________________