عرض مشاركة واحدة
  #36  
قديم 12-28-2015, 11:31 AM
oud
 
شـــّابترّ الثّانيّ و العـّشرين

بيّن طّيات الورقّ و ذّكرياتّ الأياّم بّعيدة الأمدّ


فيّ ظهيّرة يّوم الأربّعاء بّقصر لبيّر ذوّ صّيته المشهورّ كّان فيّ تلكّ القّاعة الكبيّرة بالطّابق الأولّ يّقف كّلاهماّ مواجّهين بّعضهماّ بعضّا ،
ماّري بّنظرّّاتها المرتبكة و تّنفسهاّ المضّطربّ شّفتيها تّرتجّفان بّعد همسهاّ لاعترافها بّمشاعرهاّ لأولّ مرة لشاب هوّ حبّها الأول فّعادتّ
تّحاكي نفسهاّ بّشجون و نغّمات كلّماتها المرتّجفة ترنّ فيّ أذنه كّالصدّى
ـ نايتّ ، أنـّا أحببتكّ منذّ الوهلة الأولى التيّ رأيتكّ فيهاّ
بينماّ كانّ نايتّ ينـظرّ إليها بّعينينّ داّكنتينّ زرّقاوتينّ شبهتان بّجو لندنّ الغاّمض يّضع كّلتاّ يديّه فيّ جيبّ سترتهّ الرماّدية و يّرمقها بّهدوء
لماّ تهاوتّ بينّ عينيهّ ذّكرى لشابة تّحضنه منّ الخلفّ و تهمسّ بّحبها لهّ بّكل صدّق زيّنت شّفتيها الحمّراوتين ابتسّامة مرحّة رّقيقة عندّها
تحدثّ بّنبرة بّاردة سّاخرة
ـ حقاّ ؟ إذّن ماهوّ نوعّ الحب الذي تكنينه لي يا ماري ؟ أهوّ حب النفوذّ و الشهرة ؟ أمّ حب البذّخ و الراحـةّ ؟ أيهماّ ؟
نظرّت إليه بعينينّ منكّسرتينّ و كاّدت الدموعّ أن تّفلت من مقّلتيها لوّلا أنهاّ تماسكتّ فيّ آخر لحـّظة و بالٍّرغم من كلّماته السّاخرة لاعتّرافها
الصادقّ رفّضت أنّ تستسّلم فّهاهيّ تبتسمّ بكلّ لطفّ كعّادتها مّجيبة إّياه
ـ إنهّ ذلك النوعّ الذيّ لاّ يتواجدّ فيّ قاّموسكّ ، حّبي نادرّ و مخلّص لنّ يّدّنسه الماّل و لاّ الشهرة فهلّ ستصدّقني إنّ قلت هـذاّ ؟
ابتسمّ لوهلةّ ثمّ ضحكّ بّقوة ممسكاّ بّمعدته ، بينماّ غاّدر فرانسوا مّسرعا إلى الخاّرج كيّ يّراقب المكاّن فيّ حينّ صدىّ ضحكاّت نايت الهستيريةّ
تتعّالى بالقّاعة غيّر مبّاليا بّدهشة ماريّ هلّ ما قّالته مضّحك ؟ هلّ مشّاعرهاّ شّيء كالمّزحة ؟ شدتّ قّبضتهاّ بّقوة متّمالكةّ أعّصابها ثمّ قّالت
بنبرة هادّئة
ـ هلّ مشّاعريّ نكتّة ؟ هلّ الاعتراف بّحبي مثّير لسّخرية إلى درّحة تجعّلك تّضحكّ بّهستيرية ؟ عـذراّ لكّن هلاّ تحدثّت بّجدية ؟
ابتسمّ بّسخرية ثمّ اقترب منهاّ لّيحيطّ وجّنتيها بّيديّه ، أنّزل رأسه قّليلا راّمقا إياهاّ بكلّ برودّ فّباّدراته بنـّظراتها الجدّية و الصاّدقة فّتكلم بنبرةّ
مبحّوحة حادّة
ـ أيتهاّ الحّقيرةّ أتّريدين التحدثّ بجدّية بينماّ أنتّ تّلعبينّ بذّيلك حولي ؟ أتّظنينّي فّعلا بتلكّ السّذاجةّ لأصدقّ أتفه كذبّة ألقيت عليّ ؟ أفّعلاّ تّظنين
أننيّ سّأبّادلك الحّب ؟ ألاّ تّعلمين مكاّنك ؟ كمّ مرةّ أخبرتكّ و كمّ مرّة سأضطرّ أن أخبركّ ماري ؟
اقترب منهاّ أكثّر و أكثّر لّتلامسّ شّفتيه أذّنها ثمّ همسّ بّحّروف مّتباّعدة و حاقدّة كّلماتهّ المّسمومةّ التيّ تنصّب ناّحية قّلبها كّجرعة تّقتاتّ علىّ ألمهاّ
ـ أنتّ إمرأةّ قدّ بّاعتّ نفسهاّ من أجلّ بّضعة دّولارات ، أّتعلمين ما يسمّي المجّتمع هذاّ النوع من النسّاء ؟ إنهّا سـّافلة
ابتسمتّ بّقهر و غّيضّ شديدّ غّير قّادرة على كتّم دّموعها بّعد الآن فّدّفعته و التفتتّ مسّرعة لتّركض خاّرجة منّ هذاّ القّصر و قدّ باتت
جدّرانه تّغلق منّ حولهاّ ، لقدّ مرّ أّسبوع حاّولت فيه كلّ شيءّ و جّربت كلّ شيءّ لتّفوز بّحبه فّلماذاّ قلبه الفّولاذيّ يأبّى الانصهار ؟ لمّا
كلّما اقتربت منهّ ابّتعد هوّ أكّثر ؟بينماّ أمسكّ نايتّ رأسهّ ضّاغطّا عليه بّقوة و قدّ شحّب وجّهه كّأن الموتّ قدّ زاّرته حيّن داّهمتّه ذّكريّات منّ
كلّ جّهة لّيخر سّاقطّا على ركّبتيه ، عّادت تلكّ الفتـّاة تّظهر مجدداّ وسطّ صوتّ قطّرات المطّر علىّ زجاّج النافذّة بينماّ هيّ تجّلس بكلّ بّرود علىّ
الكّرسي كّضّبابّ بّابتسامتهاّ الرّقيقة المّثيرة همسّت له و مّلامح الجّمودّ غّزتّ كلّ إنش فيّ جسدها لّيظهر رجلّ ماّ يبّتسم بّكل برود واّقفا علّى
عتبة البّاب راّمقا إياهّ بكلّ بإحتقار و قّرف فّصرخّ بّألمّ مّبعداّ ذّكراها عندّما دّخل فرانسواّ مسّرعا أحاطّ كتفيه بذّراعه و أسندّه كيّ يّقف لّكنّ
الأخيرّ قدّ فقدّ وعّيه هاذّيا بكّلمات لا معنى لها ،فسّارع فّرانسوا بّرميّ ثّقل نايت علىّ كاهله و هو يّعبر الأّروقة و الغّرف بخفّة ضّاهت الّرياح
جّعله يسّتلقي على الأريكّة ثمّ نادىّ بأعلى صوتهّ بّاسم خّادمّة ذّات خصّلات شّقراء تًّصل إلى كّتفيها و عينينّ واسّعتين عّسليتين كيّ تأتي مسّرعة
و الرعبّ يعلو وجّهها ، فّتحدثّ فرانسوا بّحدة
ـ سوزيّ أطلبيّ الطّبيبّ و أعثّري على سيدّة ماري
أومأّت إيّجابا ثمّ خرجتّ راكضّة لتنفذّ ماّ أمرهاّ فرانسواّ بينماّ تنهدّ هو بأسى ، كيّف لنايت أنّ ينهار و بهذه الفترة العصيبة ؟ كيفّ له أنّ يفقدّ
السيّطرة على نفسه و جميّع الأعينّ تنتظرّ سّقوطه بلهفة ؟ يجبّ أنّ لا يسمعّ أيّ أحدّ بما حدثّ حتىّ سكاّن القّصر فّأغلقّ بابّ الجّناح بأكمله ثمّ
رفّع الهاتف ليّقوم بّالاتصال بّطبيب، هامسّا بخفوت
ـ ماّ الذيّ يحدثّ لك نايت ؟
بّعيداّ عن تلكّ الضوّضاء كـّانت هيّ تجلّس فيّ الحديّقة علىّ أرجوّحة طّويلة منعشة مسندّة رأسها على ركبّتيها بّقليّل من اليـأس و كثّير من
الألمّ ، شعرهاّ البنيّ انسدّل على جّبهتهاّ مّداعباّ رموشهاّ الطويلة المّغدقة بّدموعّ أبتّ إلاّ و الاستسلام لهذاّ الحزن الذيّ يعتري قّلبها ، تأوهتّ
بّكل تعّب ثمّ أغّلقت جفنيهاّ مرّجعة رأسهاّ للورّاء و ضامه يدّيها إلى صدّرها ،
ماّ الذيّ تحّاولين فّعله ماريّ ؟ أفّعلا تّظنينّ أنّك ستفوزينّ بحبه ؟ إنهّ ليسّ من مسّتواك ماّري و لاّ أنتّ من عّالمه فما الذيّ تّريدين إثّباته بشدةّ ؟
هذاّ ما همسّت به لنفسهاّ مفكّرة ، إنهاّ تّعلم منذّ البداية أن حبه لشيء مستحيل الحصول عليه و أن كلماته المسمومةّ قد إعتادتّ تجرع منّ
حزنها فلماّ سّماع أذنيهاّ لحروفهّ القّاسية و جّمله المحتقرة يجّعلها بّهذاّ الألم ؟ كأنّ آلاف السّكاكين تّغرز جميعها فيّ صدرهاّ
إنهّ نايت لبيرّ ذلكّ الرجلّ الذيّ قررّ خطّبتها لهّ و دفّع دينّ والدّها ، جعّلها تّرميّ خوفّها من المجتمعّ جاّنبا و تّسير فيّ الأروقةّ محاولةّ إنقاذّ
أسرتهاّ و الأهمّ جعّل قّلبها يّنبض بقوةّ كلماّ رأتهّ عينيهاّ فبّعدماّ تركهاّ تسلمّ لهّ قّلبها بّابتسامةّ رماّه أمامّ قدّميه بّملامحّ باّردة ، عّادت تتنهدّ
بّخفوتّ ، لكنهاّ ليست نادّمة
رفّعتّ هاتفهاّ المحمولّ الورديّ و ضّغطتّ علىّ إسمّ ويّليام لتنيرّ صّورته الشّاشة ذّو ابتسامة بّشوشة و عّلامة النصّر المّرتفعة ، إنتّظرتّ
و إنتـّظرت عندّما رنّ للمرةّ الثالثةّ و لمّ يجبّ فّاستسلمتّ و قّررت أنّ تّبعث له رسّالة نصّية قّصيرة
ـ آهـلاّ ويليّام ، كيفّ حالّكّ ؟ لقدّ مرتّ فترةّ طّويلة لمّ أركّ فيهاّ و قدّ اشتقتّ إليكّ فعّلا كذّلك سيدّة فرانّسيسّ و فّلوراّ كلتاهماّ قلقّتين عليكّ لحدّ
الجنونّ ، لاّ تجهدّ نفسكّ حسنا ؟ أيضّا أسرّع بالّعودة لتّصنع ليّ المزيدّ من حلّوى ويّليام المنعشةّ
ضحكتّ لوهلة على جملتها الآخيرة ثمّ استلقت بّهدوء تنـظرّ إلى السماّء ، عينيهّ يّشبهانّها بّشدة مّظلمتين و بـآهتين كّجو لندّن لمّ يسبقّ لها و
أنّ رأتّ شّروق ابتسامته و فّرحة روحّه ،

/

فيّ مبنىّ سيدّة فرانسيسّ كانتّ فلور تّقف أمامّ باّب شّقة آرثّر منذّ ما يّقارب نصّف سّاعة و كلماّ رفّعت يدّها لتّقرع الجرّس خانتهاّ قوتهاّ و
ثـآرت أعّصابهاّ ملتهمّة أيّ شيءّ حولهاّ و الآن بّعد أنّ تمالكتّ نفسهاّ قّررت أنّ تدقّ الباّب أفّضل فّطرّقته لمرّتين ثمّ أربـّع ثمّ ثـّمانية لكنّ لا
مجّيب لذّلك هزتّ كتفيهاّ بلا مبّالاة و كأّن رغّبتها فيّ عدمّ لقائه قدّ تحّققت عندّما وجدتّه يّقف أمامّها ممسكّا بّكيسّ ماّ ملّيء بّعلبّ جّاهزة التّحضيرّ ،
ابتسمّ بكلّ هدوءّ ثمّ أومـّأ بّالتحيّة و تخطّاها مبّتعداّ ، لكنهّا نادّته بّصوتّ عاليّ
ـ آرثّر ،
التفتّ ناحيّتها راّمقا إياهاّ بّقّليل من الإستغرابّ ، فّتنهدتّ فلور بكلّ كره و هي تتقدّم منه مادّة يدّها إليهّ ، قّالت بّبرود و هي تنـّظر فيّ الأرجاّء
ـ لماّ لا نمحيّ ذّكرياتناّ السيئة و نصّنع صّفحة جديدّة ؟
رمقّ يدّها بّاستنكارّ ثمّ حّركاتهاّ المتوترّة و وجّهها الأحمرّ القانيّ منّ كتمّ أعّصابهاّ الناّرية ، إذّ أن موقفّها يدّل على كونهاّ تـّرغب فيّ قتله
أكثّر مماّ تّرغب فيّ أن تكونّ صدّيقته لكنهّ أمسكّ يدّها و صّافحها بكلّ لطفّ مظهراّ ابتسامة فاتنة على شّفتيه
ـ مرحبّا ، أنـا آرثرّ غلوريّ جاّر الجديدّ فيّ المـّبنى و أنتّ آنستي ؟
ضّربته فّلور على كّتفه بّقوة لّيبتعدّ عنهاّ مسّرعا متألماّ بكلّ صدقّ فّصآحتّ بّه بّنبرتهاّ العصبيةّ ذآت الآوتارّ العـّالية
ـ أتّظننيّ متخّلفة أمّ ماذاّ ؟ ليسّ إلى تلكّ الدّرجة لقدّ قلتّ الذّكريات السيئّة أيهاّ الأحمقّ
ضحكّ آرثّّر بّخفة و ابتعدّ أكثّر بّخطوتينّ ثمّ قّال بّنبرة مازحـّة
ـ لكنّ منذّ أن عـّرفتكّ و جميعّ الذكريّات التعيسّة تنـّهال علّي من جاّنب
رمقّته فلور بّعصبية شديدّة ثمّ غـّادرتّ مسّرعة و هي تشّتم بقوةّ كلّ ما يّقف فيّ طرّيقها ، إنهّ الوسّيلة للحّصول على غـآيتهاّ هيّ آن تكونّ
على وثّاق مـّع آرثر إبن ليكسيّ لكنّ ذّلك يبّدوا صّعباّ فّكيفّ لا و آرثّر هو ذلكّ الفتىّ الذيّ دوماّ ماّ يثيّر آخر ذّرة سكونّ بّنفسهاّ ، لكنهاّ لن تستسلمّ
سّتصبحّ صدّيقته و ستجّعله حتمّا يّعودّ إلى المنـّزل طاّلباّ السماحّ من والدّه و حيّنها فقطّ حينهاّ سّتعرفّ أينّ هي والدّتها و مهماّ تطلّبها الآمر
سّتعّمل على جـّعل مسّعاها حّقيقة ، فابتسمتّ بكلّ حماسّ
عندّما وصّلت إلىّ شّقتها نـّظرتّ إلىّ شّقة ويّليام المّقابلة لهاّ و تنهدتّ بكلّ أسى ، ذلّك الشّاب إنهّ يعانيّ منّ حبهّ ذو الطّرف الواحدّ و يّحاول
أنّ ينساه عّبر الإحتـّفال و الغناّء معّ أوسكارّ فّاقتربتّ منّ شّقته و وضّعت بطاّقة ماّ فيّ الأسّفل داّفعة إياهاّ إلّى رواقّ منزله ثمّ همستّ بّحزن
ـ لوّ أنكّ تّلتفتّ فقطّ حولّك سترّى أنّك لسّت الوحيدّ الذيّ يّعانيّ ويّليام ، أيهاّ الأّبله
تنهدتّ و دّخلت الشّقة ، رّمتّ معطّفها الجّلديّ البنيّ علىّ الأرضّ و شّغـّلت التلفازّ بمّلل لتجّلس على الأريكّة لتشّاهد الأخبّار على غّير عـّادتهاّ ،
كانّ المذيّع يتحدثّ عنّ إنهّيار شّركة جونسونّ المرّعب و حالّ رئيسهاّ الذيّ أدّخل فيّ غيبوبة أخيّرا إختفاّء ابنه جايسونّ وريثّ الشركةّ عنّ
الأنظاّر فتحدّثت بّأسى
ـ ذلكّ الرجلّ أمضى أّسبوعا فيّ فرنسّا فّعادّ و هو مّدمر لّجميع شّركاتهاّ، شيطّان مثله أخذّ أختيّ الطاّهرة زوجّة و قدّ قاّلت أنهاّ تحبّه ؟ أيّ جزّء
محببّ فيّ هذاّ الشيطّان ؟
مدّت يدّها ناحيّة المائدّة و أخذتّ علبةّ بطّاطس حلّوة لّتأكلّها بينماّ هيّ لا زالت تتمتمّ بّشتائمّ عدّة ، بّقيت للحـّظات سّاكنة تشّاهدّ نشرة الأخبارّ بلا
مبّالاة ثمّ أمسكتّ هاتفهاّ و هي تشتمّ المذيّع تنهدتّ بأسى عندّما لمّ تجدّ أيّ رسّالة أو مكاّلمة منّ ويليام لكنّ فجأة رنّ هاتفهاّ ليتصدرّ أسمه شاشتها
فشهقتّ بدّهشة و سّارعت بالردّ محضّرة بوابلّ من التوبيخات ، عندّما انتقل إلى مسامعهاّ صوته الهادئ المخمليّ
ـ صّباح الخيّر فلور ، أرجوّا أنّ لا أكونّ قدّ أزعجتّك ؟
ابتسمتّ بّفرح و أومأتّ نفيّا مسّرعة كأنهّ يّقف أمامهاّ ثمّ أجاّبته بّضحكّة و هيّ تلفّ الغطاّء حولهاّ بكلّ دفء ثمّ غّيرت نبرتهاّ حالماّ تداّركت نفسها
ـ لاّ على الإطّلاق بّل كنتّ سأتصّل بكّ ، ويّليام متىّ ستعودّ ؟ أعنيّ إلى متىّ تنويّ البقاّء هناكّ آيها الأبله ؟ هل الأستراليّات بذلكّ الجّمال الخلابّ
الذيّ يجّعلك تّقرر الإستقرار هناك ؟ أيّضا لقدّ تعبتّ من ترتيبّ شقتك معّ سيدّة فرانسيسّ لذاّ أسرع بالعودةّ
فّركّ جبّهته بّقليلّ من التعبّ و هو ينـّظر حّوله إلىّ تلكّ القـّاعة الكبيّرة التيّ بهاّ أفضلّ المصّورين المستعديّن لّنقلّ صّوره على الانترنيتّ ، منتّظرين
أيّ حرّكة تصدرّ منه ّ فهمسّ
ـ إنه ليسّ الوقت المناسّب للغضبّ ، استمعيّ لقدّ وجدتّ إتصالاتّ عديدّة من ماري و حاولّت أنّ أتّصل بهاّ أو بنايتّ لكنّ لا مجيبّ لذّلك تّفقدي الوضّع
ثمّ أخبرينيّ حسناّ ؟ أناّ ذاهبّ الآن لديّ حفلةّ موسيقيةّ
ثمّ أغلقّ السماّعة بينماّ بقيت هيّ تنظرّ إلى الشّاشة بكلّ برودّ غيّر قادرة علىّ التفوهّ بأيّ شيء فكيّف لهّ أنّ يّقلق على ماريّ فقطّ لإتصّالها به
مرتينّ أو ثّلاثة بينماّ هيّ التيّ تحاولّ مساندتّه لا تلقيّ حتى كلمةّ يسأل فيها عنّ أحوالها و لوّ كان الأمرّ مجاّملة ، فّتجاهلتّ ماّ طّلبه منها و
هيّ تّقفّ بكلّ هدوءّ لترتديّ معطّفها و تّخرجّ محاولة استنشاقّ القليلّ من الهواء المنعشّ ،

/

فيّ الكّلية كانتّ كليّر تلكّ الشـابة ذاّت الشّعر الأشقرّ الطّويلّ اللامعّ المتّموجّ تجلّس بّكل استقامةّ فيّ إحدىّ الكراسيّ المنتشرة بكثّرة فيّ
الحديّقة ، واضعة على الطاولة التي أمامهاّ كتابّا لكاتبتهاّ المفّضلة جين أوستن و قدّ كاّنت بالفّعل مندمجّة معّ أحداثّ الروايةّ عندّما تقدمّ شخصّ
ما ليجلسّ بجانبهاّ حاملاّ علبةّ مياه معدنيةّ
فّرفّعت رأسها ناحيته ّلترمقه بكلّ مللّ ، شّاب يبدواّ أكبرّ منهاّ ربماّ بخمسّ سنينّ أو أقّل ذو شعرّ أسودّ حريريّ تساقطّ على وجههّ الأبيضّ الشاحبّ
و عينينّ سوداّوتينّ كالظّلام تماماّ يّلف رّقبته بّوشاحّ أسودّ و يّرتديّ معطفّا بنفسّ اللونّ ، ابتسمّ بّكل هدوء و تحدثّ
ـ آنسة كليرّ غلوري أليس كذلك ؟
أومأّت بّالإيجاّب و عادتّ تّقرأّ كّتابها بعدّم إهتمامّ له فّاتسعتّ ابتسامتهّ لا إرادّيا و اقتربّ منهاّ أكثرّ لّيلتقطّ صورةّ معهاّ فّشعرتّ بالدّهشة و كادتّ
نّ تلكمه لولاّ أنّه وقفّ بكلّ هدوء عّائداّ من حيّث ماّ آتى ،
تركتّ حقيّبتها و ركضّت خلفهّ لتمسكّ ذّراعه جاّعلة إياه يستديّر ناحيتهاّ ، نزعّت الهاتف من بينّ يديّه ثمّ نـّظرت إلّى صورتهاّ التي كان على وشكّ محوهاّ
و رمتّ الهاتفّ علىّ الأرضّ بّقوة لكيّ ينكسّر فتكلمتّ بنبرةّ غاّضبة حادّة
ـ ما هذاّ التصّرف ؟ تلتقّط صورّا لناسّ بلا إرادّتهم ثمّ تمحوهاّ أهو نوعّ منّ الانحرافّ أم ماذاّ ؟ بحقّ الله ما هذاّ ؟
نظرّ إلىّ هاتفهّ المرمّي ببرودّ ثمّ رمقّها بّعينينّ آكثّر غمقّا ، و بحرّكة سّريعة لّف ذّراعها إلىّ الخلفّ داّفعا إيّاها إلىّ الشجّرة كيّ يّرتطّم جسدّها
بّقوة عليهاّ ، اقتربّ من أذّنها و همسّ بنبرةّ حادةّ
ـ آنستيّ ما هذاّ الحظّ الجيدّ الذيّ تملكينه لولا مزاجيّ الجيدّ لكنتّ فيّ عداد الموتى
صّرخت بألمّ و هي تحاولّ التمّلص من قّبضته لكنهّ تركّها بّعدم اهتمامّ ليكّمل طّريقه بّكسّل هازا رأسه ذّا اليمين ثمّ الشماّل غيّر قادّر على تعبيّر
أسفه الشديدّ لّخسارة هاتفه عّندماّ صّاحت كليّر به بّعصبية مستجّمعة شجّاعتها ممسكةّ بذّراعهاّ التيّ قدّ ظهرّ بها احمرار طفيف
ـ منّ أنتّ ؟ ألاّ تّعرفّ من أناّ لتتجرأ بالاعتداء عليّ سّوف أخبّر الشرطّة فقدّ رأيت ملامحكّ و سأحرصّ على زجكّ بالسجّن أيهاّ المخّبول
توقفّ عنّ السّير و قدّ كادّ يّضع كلتاّ يديّه فيّ جيبّ معطّفه بينماّ خصّلات شعرهّ الحريّري تّغطيّ وجّهه لكنّ هذاّ لمّ يمنعّ كليّر من لمحّ ابتسامتهّ
البّاردة المزيّنة على شّفتيه ، استداّر ناّحيتهاّ رامقّا إياهاّ ببرودّ و تهديّدها لمّ يّعطه قّدرّا من الإهتمامّ فّأجاّبها بّنبرة متّعجرفة ذّات لكنةّ غّريبة
ـ دّعيناّ نقلّب الطّاولة و نوجهّ الّسؤال إليكّ آنسة كليرّ ، أتّعرفينّ من أكون ؟ سّيكون جّوابكّ نافّيا بالطّبع لذّلك سوفّ أخبرك ، أناّ الشّاب الذيّ سّوف
يّدمركمّ جميّعا أيتهاّ العّائلات العريقة
صمّتت بدّهشة و عينيهاّ تّراقبانهّ بّصدمةّ ، كيّف له أنّ يتحدثّ بمثّل هذّه الثقةّ ؟ كيفّ له أنّ يمتلكّ هـذّه القوة ؟ فاقشعر بدّنها بأكمله و تّلعثمتّ
محاولة إيجادّ كلّمات مناّسبة لّتلقيها عليهّ لكنّ صوتهاّ قدّ خانهاّ لّيبتسمّ هو بكلّ مرحّ
ـ لشجّاعتكّ بالردّ تستحّقين أنّ أطّلعك على إسمّي ، أدعى ديميتريّ
انحنىّ بّلباقة شديدّة مّعاكسة لتصّرفه العنيفّ قبلّ قليلّ ثمّ انصّرف بخفّة و خطّواته تنافسّ سكونّ ضّبابّ لندّن ،

/

فيّ مكتّبه حيثّ تلكّ الأوراقّ المتّراكمة التيّ بحاجة مّاسة لمّراجّعة و ملّفات المّرمية بكلّ إهمالّ على السجادّة بحاجّة لتوقيعهّ و المّضي قدّما
فيّ مشّاريع جديدّة ، كانّ كاّيل مّغلقاّ عينيهّ الخّضراوتين بّهدوء محاّولا التـّركيز فيّ عملّه لكن دونّ جدوى فّما إنّ يمسكّ القلم حتىّ تنهل عليهّ
كلّمات نايتّ الخّبيثة و الماكّرة كّرنينّ فيّ أذنيه ، لقدّ اكتشفّ حيلته في التخلصّ منه و كيفّ ذلك ؟ لقدّ قام هو بكّشف خطّته بنفسهّ
تنهد بّقلة حيّلة مفكـّرا ، نايتّ الآن يّعلمّ أنه حاولّ قتلّ ماريّ و التخلصّ منه فيّ آن واحدّ كّضرب عصّفورين بحّجر إذّن لنّ يمرّ وقّت طّويل حتىّ
يحـّاول أنّ يعيدّ له الدّين لكنّ متى ؟ و لماّ لم يتحركّ حتّى الآن ؟ أهو يريدّ القّضاء عليهّ بّحركة مباغتة ؟ همسّ بّنبرة سّاخرة
ـ ذلّك الحّقيرّ يحبّ دوماّ عنصّر المفاجئة ،
زفّر ثمّ عادّ يغلقّ عينيهّ ليبتسمّ بّبرودّ ، نايتّ بالرغمّ من الوحشّ الذيّ يّحتويه بدّاخله إلاّ أنه ضّعيف إذاّ تّعلق الأمرّ بالعـّواطفّ و هو لنّ يتجرأ
علىّ القّضاء عليهّ هو ، صديّقه العـّزيز و المّقربّ سّابقا أيضّا ابن خالهّ الوحيدّ ، ضحكّ بّسخريةّ مجدداّ مستهزئا بأفكاّره الجّنونية
ـ ما هذاّ ؟ سّوف يّدمرني و يّدوس على معدّتي دونّ أنّ يرّف له جّفن فّنايت الذيّ أعّرفه و الذيّ جّميعناّ كناّ نعـّرفه قدّ تـّغيرّ ،
نـّظر إلى ورقة ما كان يمسكّها منذّ فترة ثمّ رماها خلفه بلا مبالاة ليّضع كلتا قدّميه على مكتّبه ذّو الطّراز الفّخم و سحبّ هاتفه من جّيبه ضّاغطا
على أغنيةّ ما تاركاّ الموسيقى تصّدح فيّ الأرجاّء بّكل صّخب و إزعاجّ بينماّ كانّ سكّرتيره فيّ الخارجّ يّقف بّكل توتر أمامّ الباّب خاّئفا إنّ تمّ
ضبطّ رئيسه بّهـذّا الموقفّ حينّ لمحّ إليّزابيثّ تسيّر فيّ الرواقّ بّفستانهاّ الحريريّ القّصير و معطفّها ذوّ الفروّ الصّافي فّإرتبك و دّق البّاب مسّرعا
لّيقوم بفتحّه ، لوحّ بّيدّيه لّكايلّ الذيّ استقامّ فيّ جلسته و قّال بنبرة مرتبكة
ـ هياّ أسرع و خذّ جميع الأوراقّ ،
أومأّ السكرتيرّ بّالإيجاّب و سّارع لتنّظيف المكتّب بّأقصى ماّ امتلكه من سرعة ثمّ ركضّ خارجاّ ، حيّنما وصّلت إليزابيثّ تقدّم سكرتير بّلباقة
عاليةّ و فتحّ الباّب لهاّ ابتسمتّ و قالت بغرور
ـ بذّلتك غيّر مرتبة و ربطّة عنقكّ ماّئلة، أيهاّ السيدّ زوجيّ يّعمل بجّد طّوال الوقتّ لذّلك إنّ كنتّ غيّر قادّر على القّيام بّعملك فقدم استّقالتكّ لأنكّ تحرجّ زوجي
رمقّها السكرتيرّ بّبرودّ و استدار متجها إلى مكتبه حيثّ كمية الأوراقّ المتراكمة تلكّ فيّ انتظاره بينماّ هو يغليّ من الغّضب و الغيضّ فيّ
داخله فدوماّ ما يتسترّ على أخطاّئه و يحاول جاّهدا أنّ يجّعله جادّا فيّ عمله لكن دوماّ ماّ يتلقى هو اللومّ ، فّهمسّ بّحدة
ـ فّعلا الجمالّ ليسّ كاملّا بّشخصيتهاّ المتعجرفةّ تلكّ أراهنّ أن السيدّ لن يبقى معّها إلاّ لشهرين أوّ أقلّ، سافلة
بينمّا ابتسمتّ إليزابيثّ بكلّ جاذّبية و هي تطّبع قبلةّ صغيرة على خدّ كاّيل ، جّلست علىّ حاّفة المكتّب و قّالت بّنبرة ضجّرة متلاعبةّ
ـ أنـّا متعبّة جداّ عزيزيّ فمدّيرة أعماليّ أرهقتني و بّشرتي أّصبحت جاّفة مّن شدّة الإهماّل و جدّول الأعماّل المتراكمّ فماّ رأيكّ أن نـأخذّ عطلة
صغيرة نذّهب فيهاّ أناّ و أنتّ إلىّ رحلةّ تزلج ؟
تنحنحّ قّليلا مدّعيا الجدّية لّيضع نظاّرتيه جاّنباّ ، قّال بنبرة صّارمةّ
ـ ما الذيّ تقولينه إليزابيث ؟ أنتّ تعلمين أنّني لا أمتلكّ وقتاّ للقيامّ بمثل هـذّه التافهات أيضّا نايتّ لمّ يأخذّ يوماّ لراحة فكيّف تطاّلبيننيّ بّالذهاب ؟
رمقّته إليزابيثّ بّغيضّ ثمّ ابتسمتّ فجأة و هي تقّتربّ منه لتحتضنه من الخلفّ بكلّ لطفّ و رقّة ، همسّت بّصوتها المثّير ذّا النغماّت المخمّلية
ـ عزيزيّ أناّ متعبةّ
ضحكّ كاّيل و رفّع رأسهّ لتتّقابلّ نـّظراتهماّ، فّغمزّ بّخفة و لمسّ بّأنامله الطّويلةّ وجنتيهاّ الوردّيتينّ لّيقربّ وجههاّ أكثّر منهّ ، همسّ بّصّوت خطيّر
ـ أتّريدين منيّ أنّ أخبركّ بّسر ؟
نـّظرتّ إليهّ بّقليل منّ الاستنكاّر ثمّ أومأّت برأسهاّ قّليلاّ دّلالة على الإيجاّب مسّتعدة لسماّع الاسوء لكـّنه زينّ ملامحّه بّابتسامةّ واسعةّ أظهرتّ
أسنانهّ البّيضاء المصطّفة و قاّل بّضحكة
ـ أنّا متّعب أيضّا،
رمشّت للحظاّت كيّ تستوعّب ثمّ دّفعته جاّنبا بّملل بينماّ ضحكّ كاّيل بّقوة على تعّبيرّ الذيّ أظهرته فّجلّست على الأريكّة البيّضاء بّتعّاسة
لّيّقول بينّ ضحكاّته
ـ حسناّ عـّزيزتيّ سّوف أخبرّ الجدّ بّأمرّ الرحلّة بّعد أنّ يهدأ الإعـّلام قّليلا

/

تضمّ ركّبتيها إلّى صّدرها و فستانهّا الورديّ يّتدلى منّ الأرجوّحة متحركاّ معّ نسمّات الّرياحّ الخافتّة ، شـّعرهاّ البنيّ انسدلّ على كتّفيها حينماّ
داّهم النومّ جفّنيها فيّ غرةّ محـّاولاّ أخذّها بعيداّ عنّ أحزاّنها و قطّ لماّ زاّرتهاّ الراحـّة و أغدّق الاطمئنان قّلبها الصّغيرّ لمحتّها الخادمة سوّزي
فّأتتّ راكضـّة ممسكّة بمريلتها البيضّاء ، صّاحتّ بّصوت عّاليّ
ـ سيدّتي
استيقظت ماّري فزعة لتجدّ سوزي تّقف أمامهّا و هي تتحدثّ بّكلماتّ غيّر مفهومة مشّيرة بيديّها إلىّ داّخل القّصر ، وجّهها شاحبّ و
نـّظرات الذّعر قدّ باتتّ واضحة للعيّان فّنّظرت إليها ماريّ بعينين واسعتينّ محاولّة استيعاّب حديّثها لكنّ سوزي أمسكتّ بّيدها و سحبتهاّ خلفهاّ ،
صـّعدتاّ إلّى الجناحّ و عّبرتاّ الأرّوقة
حاّولت مّاريّ مرارا و تكّرارا أنّ تلتّقط أنفاسهاّ أو تّعلمّ ما الموضوّع لكنّ سوزي استمرّت بالركض فقطّ عندّما وصّلتا إلّى جناحهاّ ، فتحتّ سوزي
البّاب مسّرعة و سحبّت ماري إلىّ غاية مكان فرانسواّ و قّالت بّتعب
ـ سيديّ لقدّ أحضرتهاّ و الآن استأذنكّ
ثمّ رحلّت بينماّ بّقيت مارّي واقفةّ بّعدم استيعاّب ، نـظرّت إلى نايت المستلقيّ على السّرير و الطّبيبّ يّفحصه في حينّ فرانسواّ يّحرصّ المكانّ
و انّتشر خارجاّ حراسهّ المخلّصين ، نـّظرت بّذعر إلىّ وجّه نايت الشّاحب و حبّات العّرق المتسّاقطةّ بينماّ تنفسهّ يّصيرّ أصعبّ خلاّل كلّ ثانية
يّقضيها محاولاّ كفاحّ الألمّ ، اقتربتّ منه بّهدوء و أمسكتّ يدّه لتجّلس علىّ الأرضّ ، كاّنت خائّفة ، متوترةّ و ترتجفّ كالّورقة فيّ الخريفّ
بينماّ ذّكرياتّ سقوطّهما منّ الجرّف لا تزالّ حيّة فيّ ذهنهاّ ، فّتحدثّ الطّبيبّ بّلطفّ مطّمئنا إياهاّ
ـ سيدّة ماريّ لا شيءّ يدعوا للقلقّ ، لقدّ أغميّ عليه فقطّ لعدم أخذّه قسطاّ لراحةّ و عدّم نومّه لأيّام عدةّ أيضّا لقدّ التهبّ جرّح صدّره و هذاّ
جّعل الألمّ غيرّ محتمّل ففّضل وعيه الإغماّء علىّ احتمال الألم لذّلك أنصّحك بّجعله يّرتاحّ لأسبوع و لعلميّ المسّبق بّنايت فحاوليّ أن تجّعليه
يّبقى مستّلقياّ ليومين على الأقّل
أومأتّ ماريّ بصمتّ ، فّاقترب طّبيبّ من فرانسوا لتتغير ملامحّه الودودة و اللطيّفة إلىّ ملامحّ أشدّ صّرامة و غّيضّا فّسحبّ فرانسوا من
ذّراعه و هو يّهمس بّكيلّ من التوبيخاتّ لّعدم اعتناء نايت بّصحته و كيفّ لفرانسوا أنّ يغفلّ عنهّ و يدّعه يّفعل ماّ يهواه و بالّرغم من محاولات
فرانسوا العديدّة لدّفاع عنّ نفسه إلاّ أنّ الطّبيبّ أخرسه تمامّا و لمّ يدّعه يتفوهّ بأيّ كلمّة ، فّكيفّ لشخصّ نجا من حادثّ سيارة و مصّاب
بّكسرّ ضلعين فيّ صدره بالقربّ من قلبه أنّ يّذهب لزفافّه كما لو كأن شيئا لم يكنّ ؟ و الأدهى أنه يتهربّ من مواعده فيّ المستشفى ،
في حينّ بقّيت ماريّ تنظرّ إليهّ بعينينّ مغّرقتين دموعاّ، جذبّت الغطّاء عليهّ و انحّنت لّترتبّ الوسادّة و تجّعلها مريحّة له أكثّر حيّنما سمعتهّ
يهمسّ بّشيء ماّ منادّيا، فّوضعتّ أذنهاّ بالقرّب من شّفتيه كيّ تّلبي لهّ مطّلبه لّيتحدثّ بنبرة المّبحوحةّ الخافتةّ
ـ إليـزا .. بيثّ .. آنـّا أسفّ
كرّنينّ صدىّ راحّ يّتهاوى بّنغماتّ مخيّفة فيّ الغّرفة فابتعدتّ بّصدمةّ تنـّظر إليهّ غيرّ مصدّقة ، فيّ أوجّ ألمهّ و أظلمّ مكانّ بعقـّله كانّ هوّ الشّاب
الذيّ كافحتّ من أجلّه و رمتّ عّائلتها جاّنبا فقطّ لهّ ، رفّضتّ تـّركه بالّرغم من امتلاكها المالّ لّتركه و احتملّت كّلماتهّ المسمومّة فقطّ من أجلّ
البّقاء إلى جّانبه ، احتملّت منادّاته لهاّ بالسافلة .. الحّقيرة ، العـّاهرة كلّ هذاّ للبقاّء معهّ لكنّ منذّ البداّية لمّ يختّرها حبّا و لا إعـّجاباّ ، إختـّارها
فقطّ لأنهاّ الأنسّب فيّ إخفاءّ حبه لزوجةّ ابن خاله ، همستّ بّنبرة مندّهشة
ـ أكنتّ لعبةّ منذّ البداّية ؟
إنهّ يتـأسّف لهاّ و يطلّب منهاّ مسامحـّته ، أهذاّ يعنيّ و خلالّ زفاّفهما منّ إعتـذرّ منها لمّ تكن هيّ بلّ إليزابيثّ ؟ شدّت الإحكامّ على قّبضتهاّ
و حارّبت دموعهاّ عندّما فتحّ نايت عينيه الباهتتينّ ، نـظرّ إليهاّ لوهلة ثمّ اداّر رأسه للجـّهة الأخرى قـّائلاّ ببحة صّاحبها برودّ
ـ غـّادريّ فّرؤيتكّ تؤلمّ نـظريّ
جسدّها بأكملهّ يرتجفّ غيرّ قادّر على حملهاّ ، كيّانها بـأكمله قدّ تحطّم لكنهاّ ابتسمتّ كعـّادتها بكلّ لطفّ و بأناملّ مرتجـّفة مدتّ لهّ عّلبة الدواء
التيّ تركها الطّبيبّ خلفه و كأسّ مـاء لتتحدثّ بنبرةّ غّـريبة مرحـّة
ـ خذّ هـذّه مسكنات للألمّ ، أتّعلم أنّ جرحكّ قدّ التهب منّ كثرةّ إجهاد جسدّك ؟ و الطّبيبّ ينصحّك بالراحةّ ليومينّ على أقّل
استدارّ ناحيّتها و أمسكّ بّالكأسّ لّيرميه بّكل قوة على الجـداّر فأصّبح تنفسهّ عاّليا و وجهه أكثّر شحوباّ حينماّ صـّرخ بّغضّب
ـ هلّ أنت غّبية أمّ ماذا ؟ لقدّ قلت لكّ أننيّ لا أريدّ رؤيتكّ، لاّ أريدّ أن ألمحّ وجهكّ و لاّ أريدّ سماعّ صّوتكّ لذلكّ غــّادري،
شفقتكّ و حبكّ المزيفّ هذاّ لستّ بحاجّتهما
دّخل فرانسواّ مسّرعا على آثرّ صّوته العـّالي مندّهشاّ من موقفّ نايتّ العداّئي فّاتجّهت ماريّ إليه بخـّطوات متعثرةّ و مرتجـّفة
لتّضع عّلبة الدّواء بينّ يدّيه ، ثمّ استداّرت ناحيةّ نايت و همستّ بّخفوت
ـ أنـا أسّفة سأغادرّ حـالاّ
عندّ إغلاقها للبّاب أمسكّ نايتّ برأسهّ متـألماّ و صـّرخ مجـدداّ بّقوة ، رفعّ المزهرية و رماهاّ أرضّا ، ألمّ لا يحتـّمل يشّعر كماّ لو كـأنّ جبّلا ضّخما
يّقف على رأسهّ فوقفّ ليفقدّ توازنهّ بّعد برهةّ ، سـّارع فرانسوا بإسناده قـاّئلاّ بّقلق
ـ سيديّ ما الأمر ؟
أشـّار نايت علّى المـّخرج فّتنهدّ فرانسوا بّقلة حّيلة و غـّادر هو الآخر مسّرعا قّبل أنّ يفجرّ نايتّ غّضبه أكثـّر ، متسـّائلا ما السّبب الذيّ يدّفعه لكونه
بهذاّ المزاجّ العصبيّ ؟ حيّن أغّلق البّاب خلّفه أمـّر جميّع حراّسه بالابّتعادّ ليحرّسوا منـّاطق أبّعد من الجنـّاح بينماّ بقيّ هو واقفّا فيّ آخر الـرواقّ
بّصمت لحـّظة خلو الغـّرفة منّ سكّانها وجـّه نايتّ نـّظراّت عينيهّ البّاهتة إلىّ الشّرفة و قدّ باّت الإرهاقّ واضحاّ عليهّ ، فّتماسكّ مقـّاوما ألمّ صدرّه
و التهاب جرحـّه متّقبلاّ إياه بكلّ صمتّ لّيقف مستنداّ على الكرسيّ الهزازّ ثمّ استنشقّ أكبرّ كميةّ من الهواءّ و بالرّغم منّ أنّ هذاّ يؤلمه إلاّ أنهّ استمرّ
بإدّخال الهوّاء إلى رئتيه ،
نـظرّ إلّى يدّيه ثمّ أناملهّ الطـّويلة و ضّغط بقّوة على قّبضتهّ لّيضربّ مكانّ قلبه بّيأسّ غيّر آبه بذلّك الجرّح الذيّ ينزفّ ، همسّ بنبرة مبّحوحة
و أنينّ خافتّ قدّ شـبه صوتّ النايّ
ـ إلىّ متى ؟
__________________