عرض مشاركة واحدة
  #42  
قديم 12-28-2015, 11:39 AM
oud
 
الشـآبترّ الـ 25


أيتهـّا الغـّالية لقدّ حـّان وقتّ الـّرحيـّل


خلفّ سّحب لندّن الداّكنة و جّوهاّ الممطـّر عندّما دّوى صّوت الرّعد شّاقّا طّريقّه بينّ السماءّ و تسّاقطتّ الثّلوجّ
بّغزارةّ معّرقلةّ الطّرقّات حيّن دّخل نايتّ منّ بّوابةّ القّصرّ راكناّ سّيارتهّ أمامّ المدّخلّ ثمّ خرجّ بّهدوءّ و بخـّطواتّ
كّسولة اتجّه إلىّ جّناحّه فيّ الطـّابقّ الثّانيّ عبّر المصّعدّ ، بّعدّ دّقائّق كاّن يّغلّق البّاب خّلفه ، رمّى سترتهّ علىّ الأريكّة
السوداّء و سحّب قّميصّا أزرقّ اللونّ داكنّ ليّرتديّه تّاركاّ أزراّره العّلوية مّفتوحّة ،
وجّه عينيهّ الحادّتين إلّى ماريّ الممدّدّة بّلا حرّكة فّلم تستيقّظ منذّ ماّ يّقاربّ يومينّ ، منذّ ماّ أنّ أحقنتهاّ الممرّضة بالإبّرة
المخدّرة و كمّ أنبهاّ الطّبيبّ على فعلهاّ المتّسرع فّلاّ يجدرّ أبداّ تخديرّ شخصّ استيقّظ توهّ منّ غيبوبةّ قدّ تكونّ دائمّة ، أشّار
بيدّه فّشّغل تلّفازّ لتظهرّ قناّة الأخبّار كانّ موضوّع حديّثهاّ هذّه المرّة هوّ كميّة الثّلوجّ الغّزيرة ثمّ سّارّ إلىّ تلكّ الثلاجّة الصّغيرة
و أخرجّ علبّة صّغيرة فتّحها ليرتّشف القّليلّ منّ شّرابّ
فتحّ حّاسوبهّ المحّمول و إتجّه إلىّ الأريكـّة لّيرميّ قميصّه و سترتهّ أرضّا مفّسحاّ المكانّ لجّلوسه ، فأخذّ يّفتحّ عدّة ملّفاتّ كلهاّ
منحّنيات تظهرّ نسبّة تصديّر الشّركة و الأسهمّ أيضّا كماّ أنه قّام بّنسخّ العقودّ التيّ من المفترضّ الموافقّة عليهاّ الشهرّ القادّم
كيّ يّدققّ النظرّ فيّ بياناتهاّ و يّحرصّ البحثّ فيّ خلفيّات الشّركاتّ كيّ لاّ تعادّ حادثّة شركةّ جونسونّ مجدداّ
تّوقفت أنامله عنّ الضغطّ علىّ أزرار لوحّة المفاتيحّ لوهلة من الزمنّ عندّما صدرّ صّوت رنينّ من جهازهّ ففتحّ نافذةّ ماّ ليّعلوهاّ
صّورة قّديمة ماّ ، كاّنت لّرجل ماّ في نهاية العشرينيات يبّتسمّ بكلّ ثّقة و غـّرور نـّاحية الكّاميرا كتبّ أسّفله بّخط أسودّ واضّح ،
بداّية الانتقام فّزفر نايت بكلّ كره منتقّدا تصّرفات ديميتريّ الحقودةّ و أكملّ عّمله متجّاهلا الإنذاّر الذيّ وصّله ، يبدواّ غيرّ مباليّا
أبداّ بّكون هذاّ الشّاب يهددهّ
بّعد مرورّ سّاعتينّ إزداد جّوّ لندّن بّرودة مرّافقةّ بّثّلوجّ غّزيرةّ و رّعد غيّر عاديّ ، قدّ كانّ نايتّ مركزاّ فيّ قّراءة المنحّنياتّ
و تحّليلهاّ عندّما دّوى صّراخّ ماريّ فّوجّه نظرّ بّسرعة ناّحيتهاّ ،
كـّانتّ تّصرخّ بّهستيّرية و هيّ تحـّاول الوقوفّ و كلمّة واحدّة قّد رفّضت أنّ تتركّ لسانهاّ إنهاّ النيّران و هي تلتهمّ كلّ شيءّ من
حولهاّ بداّية بّستائرّ إلىّ الخدّم و همّ يصّرخونّ بّألمّ رّعباّ و خوفّا منّ الموتّ ،
فّتقدّم مسّرعا إليهاّ و أمسكّها منّ ذّراعيها مثّبتا إيّاها قّبل أنّ تسقطّ منّ السّريرّ لكنّ و بقوةّ دّفعته جاّنبا علّى صدّره فتأوهّ بألمّ
لتتاحّ الفرّصة لهاّ ، استداّرت و سقطّّت علّى الأرضّ حـّاولت الحراكّ لكن قدّميها لمّ يّسعفانهاّ ، حـّاولت الصّراخ لكنّ ريّقها جاّف
و أرادتّ النظرّ لكنّها لمّ ترى سوىّ النيرانّ تلتهمّ الأخضّر و اليّابسّ من حولهاّ فّوضّعت يدّيها علىّ أذّنيها و أخذتّ تّصيحّ بصوتّ
خافتّ تأنّ له الّقلوب ،
نـظرّ إليهاّ نايتّ بعدمّ تّصديقّ ، كانتّ ماريّ مختلفة تماماّ ضّعيفة جداّ لدّرجة الهشاّشة أهذاّ كلّه صّنع تلكّ الحفّلة ؟ لمّ يدريّ تماماّ
ما الذيّ سيّفيد فيّ هذه الحاّلة فّبّخطّواتّ مترددةّ اقتربّ منهاّ و لفّ ذّراعيه حولهاّ ، لتسندّ رأسهاّ علىّ صدره ثمّ تحدثّ بنبرة خاّفتة مبحوحةّ
ـ ماريّ ،
شهقتّ و نـظرّت إليهّ فانقشع غّشاءّ النيرانّ منّ بينّ جّفونهاّ لتتساقطّ دموعهاّ الحاّرقة على وجّنتيهاّ أخيـّرا استطاعتّ أن تجّده ،
فّلفتّ هيّ الآخرى ذّراعيها حولّ رقّبته متمسكةّ بشدةّ به ، كاّنت تّشهقّ باستمرار غيرّ مصدّقة لكونه سّالما بّخيرّ ،
صّاحت به بنبرة بّاكية
ـ يّا إلهي ، لقدّ كانّ كاّبوساّ مروعّا ، كنتّ أبحثّ عنكّ فيّ كل مكان و لم أستطّع أنّ أجدّك .. أناّ شّاكرة نايتّ ، أنـّا شّاكرة
لمّ يتحدثّ بّل اكتفى بالصمتّ فقطّ و ماّ العذرّ الذيّ قدّ يجدّه ؟ عندّما تداّركتّ نفسهاّ ابتعدتّ عنه بّمسافة كاّفية ، أخفضت رأسهاّ للأسّفل
و قامتّ بمسحّ دموعهاّ بّكل إحراجّ ثمّ عادتّ تنظرّ إليه بعينيهاّ الواسعتينّ و أمسكتّ بيدّيه فّعلت شفتيهاّ ابتسامةّ بالرغمّ من مقاومتهاّ
لدموعهاّ إلاّ أنها عادتّ تتخطّ وجنتيهاّ خطاّ لرحلتهاّ فّتحدثتّ مجدداّ بّنبرة متحشرجة
ـ هذاّ يبدّوا غّريباّ ،
رفّعت يدّيها لمستوى عّينيهاّ تنـظرّ إليهماّ بّكل تعجبّ كاّنتا ملفوفتينّ بّضّماداتّ كذّلك قدّميهاّ، حّاولت تّحريكهماّ لكنّ كأنهماّ لم تّعدا جّزءا
من جسّدها فّشحبّ وجههاّ بأكمله، كيفّ نست ذّلك ؟ لقدّ أرداتّ أن تنقذّ كايلّ بشدةّ فّدفعت نفسها أمام ذلك البابّ الفولاذي ليسقطّ عليهاّ ،
أرادتّ أنّ تجدّ نايتّ بّكل ما تّملكه منّ إرادة لكنّها لمّ تجدّه ، فّتحدثّ نايتّ بّهدوء عندّما لاحظّ ملامحّ الصدّمة التيّ غزتّ كل ركنّ بهاّ
ـ ماريّ ، هلّ تتذّكرين آخرّ ماّ فعلته ؟
بالطبّع تتذّكر و كيفّ لها أن تّنسى بينماّ كلّ شيء يمرّ أمامهاّ كّمنبه حيّ لألمهاّ ؟ يّعيدّ الحزنّ لقّلبها كلما حاّولت تناسيهّ ، صمتتّ لّمدةّ طّويلة
قّاومتّ فيهاّ رّغبتها الشديدّة بالصّراخ ، أرداتّ أنّ تلومه على تّركهاّ ، أنّ تلومه علىّ حبّه لّغيرهاّ لكنّها و لأنهاّ ماريّ فّلم تستطعّ فعّل ذلكّ ،
فاكتفت شفتيهاّ بّصمتّ مطّبق محكمّ بينماّ تهاوتّ الدّموع منّ رموشهاّ الطّويلة إلىّ أسّفلّ خدّها ، أومأتّ بالإيجابّ ثمّ نـظرتّ إليه بّعينين
فّارغتينّ تّعكسان مدىّ عمقّ جّرحهاّ ، تحدثتّ بنبرة مبحوحةّ فيّ حين لاّ زالت تذّرف دموعاّ
ـ أخبرنيّ نايتّ ، إن سألتك بالرفقّ على قلبيّ فهلا فعلتّ ؟
استغّرب كلّماتهاّ و رمقّها بنظرّة تّوحي بّمدى عدمّ فهمه جملتهاّ هذه فهلّ صدّمتهاّ فّعدم قدّرتها لسيّر جّعلتها تتفوهّ بكّلمات لاّ معنى لهاّ ؟
غيرّ أنهاّ اقتربتّ منه مجدداّ ثمّ لفّت ذّراعيهاّ حول رّقبته و وضعتّ دقّات قّلبها المسرعةّ بجاّنب أذّنه تماماّ ، ثمّ همستّ بّكل صدقّ
ـ إرفقّ عليه نايتّ ،
حينّ فتحّ بابّ الجـّناح لّيدخلّ كّل منّ كايلّ و إليّزابيثّ بّرفقتهماّ فرانسواّ الذيّ يبدّوا معاّرضاّ لتواجدّهما فيّ هذه اللحـّظة لكنهّ تّركهماّ
يدّخلانّ بّغيرّ رضي ، فّإتجّه الثّلاثة إلّى حيّثماّ كان نايتّ و ماريّ جالسّان لتّتحدثّ إليزابيثّ بّنبرة غّامضة
ـ ماّ الأمرّ ؟ لقدّ سمّعنا صّراخ ماريّ منّ آخر الطاّبق و آتيناّ لتفقدّ الأمرّ ، ماذاّ بهاّ ؟ هلّ علمتّ أنهاّ فقدتّ قّدرتها على السيّر بعدّ ؟
زفرّ كايلّ بكلّ حدةّ و نـظّر إليهاّ بّغضبّ منّ نبرتهاّ المستهزئة و الملّيئة بّشتى أنواعّ الاستمتاعّ كأنّ لذّتها الوحيدةّ تكمنّ فيّ تعاّسة
غيّرهاّ فّتقدّم هو ناحيّة ماريّ التيّ قدّ تركتّ نايتّ لتوهاّ ، ابتسمتّ بّهدوء إلىّ كايلّ الذيّ يّبدوا خاّئفّا من ردّة فعلهاّ
و أجاّبت إليّزابيثّ بّضحكة
ـ أجلّ ، أعلمّ إنهّ ليسّ مخيفاّ حقاّ عدمّ السيرّ فّسوف يتسنى ليّ الجلوسّ فيّ كرسيّ متحرك طّوال الوقتّ و التكاسلّ ،
تنهدّ كايلّ بّراحة ، كاّن خاّئفاّ من نّدمها علىّ إنقاذّه و منّ دّفعها ثّمن سّيرهاّ لّحياتهّ لكنهاّ بدتّ متقبلةّ الأمرّ بّصدر رحبّ كأنّ ذلك الوحشّ
الذيّ استيقظ فيّ المستشفى لمّ يوجدّ قطّ ، أمّ هيّ ربماّ تكبحّ رغّبتها فيّ الصّراخ ؟ لمّ يستطعّ فّهمّها فّوجه حديثّه ذّو صوتّ الباّرد ناحيّة نايتّ
ـ هلّ زوجتكّ بّخيرّ ؟
عندّما لمّ يجدّ ردّا من نايتّ ظنّ كعّادته أنهّ يتجاهلهّ فّوضعّ يدّه على كتفّ نايتّ ليجعله يواجّهه لماّ لمحّ شّحوب ملامحّه مصّدوما غيرّ قّادر
على الرّد ، عيّنين بّاهتتينّ قدّ حّجب رؤيتهماّ شعره الّأسود الكثيفّ الذيّ غزى جبّهته فّحملّ ماريّ بّكل هدوء و جّعلها تستلقي على السّريرّ
ليّقومّ بوضع الغطاّء الدافئ فّوقها ، نـظرّ إليهاّ لمدّة ثمّ قّال بّكل برودّ
ـ تّوقفيّ عنّ هذه التصّرفات المجنونةّ ماريّ ، فـرانسواّ دّلهم علىّ المخرجّ أيضاّ قمّ بإرسالّ سوزي للإشّراف على حاّلتها ،
ثمّ رفعّ معطفّه لّيرتديه مسّرعاّ و بخـطّوات خافتّة تّضاهي ريّاح فيّ سكونهاّ غاّدر ، بينماّ بقيّ كايلّ واقفّا مكانهّ يحدقّ به بكلّ دّهشة فّقد
تّرك زوجته التيّ أدركتّ تواّ أنهاّ فقدّت أهم شيءّ بحّياتها لوحدّها و التيّ استيقظت توهاّ من الغّيبوبة لوحدّها لاّ بلّ لم يكتفيّ بّذلك بّل حتىّ
قام بّتأنيبهاّ ، لماذاّ بّمرور الأيّام يّدرك أكثرّ فأكثرّ أنّ وجودّ ماريّ بجاّنب نايتّ ليس سوى محضّ تّنويه عنّ مخططّاته بينماّ المسكينة الآخيرة
تّجاريه ، فّأمسك بذّراع إليزابيثّ و سحّبها خاّرجا قبلّ أنّ يقوم فرانسوا بّطردّهما
هذاّ هو نوعّ الرجالّ الذيّ تحبّه إليزابيثّ ؟ كيفّ أمكنهاّ أن تتّركه من أجلّ رجلّ إنّ صح القّول فّربماّ آلة مثّله ، لاّ يتألم لا يحزنّ و لا يباليّ
بالناسّ الذينّ يّبذّلون جهدّهم من حوله لمجاّراته فقطّ ، فّعقدّ حاجبّيه بّحقد و قدّ زادّ تّصميمه علىّ تحطيم نايتّ أكثرّ ، شخصّ مثّله لا يستحقّ الحيّاة

/

فيّ المسّاء بّقّصر لبيرّ مصّدر الرئيسيّ لّشائعاتّ المجّنونةّ التيّ تّعم الدّولة بأسّرهاّ و الآنّ بّعد أنّ تمّ نشّر فيّ الصّفحة الأولى كالعّادة خبرّ آخرّ
و هـذّه المّرة كانّ كاّسحاّ و مّدمرا ، سندّريلا البريئةّ تخدّع رجّل الأعمالّ الشهيرّ نايت لبيرّ من أجلّ الحّصول على 500 مّّليون دّولار و ذّلك
بّخلقّ ديونّ زائّفة ، ارتجفتّ أناملّ فّرانسوا بّكل رهبةّ و قدّ أعلّن ديميتري هجومهّ الثانيّ فبخطّوات سّريعة إتجّه إلىّ مكتبّ نايتّ لّيّدخله بّدون
استئذان صائحاّ بّقلق
ـ سيديّ هناكّ أخبار سيئةّ علىّ الصفحاتّ الأولى بجريدة تايمز
لكّنه تّوقف بّصدمة عندّما أمعنّ بالّغرفة ، مكتبّ نايتّ قلبّ رأسّا علىّ عقبّ بينما تناثّرت ملّفات العملّ فيّ كل زاويةّ أمّا نايتّ فكانّ يجلسّ علىّ
الأريكةّ ممسكاّ بّفنجانّ قهوةّ يرتشفّ القليلّ منه بكلّ برودّ ، شّفتيه مليّئة بالدماءّ لحـظةّ دخول فرانسواّ نـظرّ نايتّ بعينينّ حـّادتين باّردتين ناّحيته
، أجـآبه بتململ
ـ أعّلم
تّلعثم فرانسوا محاولا إيجادّ كلمة مّناسبة لّيصفّ مدى هول هذاّ الأمرّ فلم يّسبقّ لنايت أبداّ أنّ فقدّ أعّصابه ، فكيفّ له أنّ يدمرّ مكتبه بأكمله
و يّجلسّ بكل هدوء مرتشفاّ القّهوة حتىّ بعد علمه بهجوم ديميتري الثاّني ، تحدثّ فرانسوا بّتردد
ـ سيديّ ، ما الذيّ حدثّ ؟
عندّما خـّرج ويّليام منّ الحمامّ يّمسحّ قّبضته بّالمنشفة ذّو ملامحّ جامدّة علتّه ، جّلس علىّ الأريكة هو الآخرّ واضّعا قدّما علىّ الأخرى بينماّ
يدّه على ظهرّ الأريكة من الخلفّ ، عينيه حادّتين و شديدّتا الغّضب ، فابتسمّ فرانسوا بّسخرية إذّن فقدّ ثارت أعّصاب الحمل الوديع ذّو
الابتسامةّ الدائمةّ ، ليتحدثّ ويليامّ بلهجةّ مهددةّ
ـ يستحسنّ بكّ أنّ تّخبرنيّ الآن و دونّ تّلاعبّ بالألفاظّ من فّضلك ،
صمت نايتّ للحظاتّ مّمررا أنامله علىّ شفتيه لّيقوم بّمسحّ الدماءّ ، دوماّ ماّ يفقدّ الآخرين أعّصابهم فيّ وجهه و لنّ يشفى غليلهم إلاّ بّتسديدّ
لكمة مباشّرة لفمه فباتّ يتساءل بسخريةّ ياّ ترى هل السببّ يّعودّ لأن كّلماتّه مواسية آكثرّ من اللازمّ و المطّلوب ؟ أجابه نايت بحدة
ـ آلا تّرى أنكّ تّخطيت حـّدودكّ ويّليام ؟ لقدّ سمحتّ لكّ بّفعل ما تّشاء بالغّرفة فقطّ لأنكّ صديقيّ و جـّعلتك تّلكمني دونّ مبالاة لكنّ أنّ تّضع أنفكّ
وسطّ شؤوني فّهذا ماّ لاّ أقبله أبداّ ،
أخفضّ ويّليام رأسه للأرضّ متمالكاّ نفسّه فّرؤية وجّه نايت هذه الأيامّ أصبحتّ مشقةّ بّالغة الصّعوبة عليه ، كأنه لمّ يعدّ نايت الذيّ يّعرفه
لقدّ ظن أن بمقّابلته لماريّ سيتغيرّ و يصّبح إنساّنا مجددا يستطيعّ أن يثقّ بالغيرّ و أنّ يحب لكنه إزدادّ فيّ طّغيانه ، غيرّ مهتمّ بتلك الفتاة التيّ
تقتل نفسهاّ كل يومّ فيّ محاولة عقيمة لّكسب قّلبه ، فتحدثّ ويليامّ بكره
ـ لقدّ طلبّت من مديرّ أعماليّ التحدثّ إلى رئيس مجلة تايمز لأجلّ عدم تّسريب الحدثّ و ذّلك لمّ يكن مجاناّ طّبعا لكنّه سيمنحكّ فّرصة
لأخذّ حذرك ، أجبني من هذا الذي يحاول بّشدة تحطيمك ؟ بالرغم من أنني أعلم أن الكلّ يريد قّتلك لكن أتستطيع تحديد الرجل الذي
اكتسب الجرأة لفعل هذا ؟
زفرّ نايت بّكل حدةّ رامقاّ ويليامّ بنظراتّ نارّية حاّرقة يّحذره فيهاّ من فّعله لكنه سّرعان ماّ تنهدّ بقّلة حيّلة و هو يّعلم أنّ صديّقه لنّ يقف
مكتوفّ اليدّين ملاحظاّ تّورطّه بّأحداثّ خطيّرة كهذّه ، محّاولة تخريبّ سمعة ماريّ و أيضاّ انفجاّر مكبّرات الصّوت فيّ حفلة فّلادميرّ ،
جعل ماريّ تفقد قّدرة السيرّ ليست سوى البداّية لانتقامه فتحدثّ بنبرة مبحّوحة مرتشّفا القّليل من القّهوة
ـ إنه ديميتري
شهقّ ويليام بّصدمة شديدّة و شحبّ وجّهه ، وقفّ مسّرعا ثمّ عادّ للجلّوس .. نـظرّ حوله غيرّ قّادر على تحكمّ بانفعاله ثمّ عـّاد يقفّ مجدداّ
كانّ وطأ الصّدمة شديدّا على قّلبه فّحدق بّنايت ذوّ ردة الفّعل البّاردة و قالّ بّدهشة
ـ ما الذي تقصده بّعاد ؟ ثمّ كيفّ يملكّ ديميتري معّلومات عنّ الـ 500 مليونّ دولار لاّ و حتىّ أنها مرّفقة بّوثائق رسميةّ مشابّهة للتيّ تملكهاّ ماري ؟
ابتسمّ نايتّ باستهزاء و هلّ يصعب على ديميتريّ الحصول على مثّل هذه الوثائق ؟ إنه يريدّ تدميره بّأيّ وسيلة كانتّ ، فتحدثّ نايت بنبرةّ
هادئة ذّو رنةّ غـّريبة مبحوحةّ
ـ لوّ كانّ تدميري ثمنه بّيع روحه لشيطاّن لّسارع بّبيعهاّ، هذه المرّة ياّ ويليام .. أناّ و هوّ لسناّ نلعبّ شطرنجّ بّقطعّ عـّادية وإنماّ كلّ قطـّعة تّمثل
شّخصا ماّ ،
قطبّ ويليّام حاّجبيه مستنكراّ طرّيقة تفكيرّ ديميتريّ ، لكنّه دوماّ ما كانّ هكذاّ .. ديميتريّ شابّ مغاّمر يّخاطرّ بكل شيءّ للفوزّ بكل شيءّ
أوّ يتنحى جانباّ ، هـذاّ يّفسرّ أيضّا لماّ ماريّ مستهدفة من قبله ، إنه يحاول تدمير نايت عن طريقّها بّظنه أن نايت يّحبهاّ لكنه مخطأ فّهو
بالكاد يّبالي بوجودّها .. تحدث بّهدوء
ـ أعتقدّ أنه السببّ خلف حادثة فلادمير و أيضّا حادثة السيارة ، إذن ما الذي تخطط لفعله فّهو لم يستسلم قّبل القّضاء عليك ،
هزّ نايت كتفيه بّلا مبّالاة و استلقى على الأريكة واضعاّ ذراعه على عينيه مانعّا الضوءّ من التسربّ إليهما ، كانّ بقاءّ نايت مكتوف اليديّن
غريباّ بالنسبة له فّأجاّبه نايت
ـ يجدرّ بيّ أن أقوم بّإبعاد ماريّ عن أنظاره لذّلك أخططّ لإرسّالها إلىّ فرنساّ برفقة فّرانسواّ هكذاّ سأضمن بقاءهاّ سّالمة ، سّأحرصّ على
تعيينّ أفضلّ الأطباءّ لفحصها و أجّعلها تستعيدّ قّدرتها على السيرّ مجدداّ
وجّه ويليام أنظاّره ناّحية نايتّ و قدّ كانّ تعبيرّ الأسى ظاهراّ علىّ ملامحّه فّيستطيعّ أيّ أحدّ أن يّقرأه و لمّ يكن هذاّ صّعباّ علىّ نايتّ ،
ملاحظةّ حـّب ويليامّ المخفيّ لماريّ ليتنهدّ مجدداّ معّرباّ عن سئمه ، قّال ويّليام بّنبرة حزينةّ
ـ أناّ واثقّ أنه ما داّم أنتّ من يطلبّ منها فّسوف تنفذّ أمركّ فيّ الحالّ، لكنّ هل أنتّ متأكدّ من أنّ إرسّال ماريّ إلىّ فرنساّ فكرة جيدّة ؟
فكرّ نايتّ بكلّ هدوء ، إنهّ ليسّ متأكدّا فّحتىّ لو أرسّلها إلىّ فرنساّ فهو لن يضمن ابتعاد ديميتريّ عنها لكنه يكتفيّ بالمحاولة فقطّ ،
شـّرد فيّ أفكارهّ حينماّ همسّ بّصوت مبحوحّ خافتّ
ـ لستّ واثقاّ من أيّ شيء هذه المرةّ ويليام ، ربماّ قدّ ألقى حتفيّ

/

فيّ غّرفة المّعيشة الصّغيرة تلكّ و على الطّاولة الخّشبية جلّست كلا من السيدّة فرانسيسّ ذاتّ الملامح المّتهجمة و فّلور التعيسةّ ،
منذّ زمن ليسّ ببعيد كانت فلور غاّضبة لأن ويليامّ لاّ يلتفت نحوهاّ لكن الآن تبّدوا لها هذه المشكلة ليسّت سوى نكتةّ فيّ ظرفّ حادثة
أختهاّ ، ماريّ التي ضحتّ بحياتها من أجلهاّ تّقابلها بمشاّعر الغيرّة و الحقدّ
تنهدتّ فلور بّحزن أشدّ حينماّ فتّح بّاب الشّقة ليّظهر منه آرثرّ و بجاّنبه كانتّ كليرّ ، تقدّم منهما بّخطّوات متّرددة ثمّ قـّال بّنبرة متّوترة
ـ فّلور أناّ شديدّ الأسفّ لماّ حدثّ لماريّ ،
نـظرتّ إليهّ بّعينينّ مّغرقتين بّالدموعّ رفضتّ إخراجّها ، فيّ ظل معّاناة أختهاّ كانتّ هي تشعرّ بالغيرة منهاّ ، دوماّ ما كاّنت ماريّ
تتصلّ بهاّ لكنهاّ تّغلق السماعةّ غيرّ آبهة ، شهقتّ بّألمّ و بدّأت بالبكاءّ بصمتّ محاولة تّخفيف الضغطّ على قّلبها
رحيلّ والدّهما و ظّهور سيلياّ المرأة الأنانية التيّ سّرعان ماّ اختفت بعدّ تخريبّ زفافّ ماريّ ، الّوحيدة التيّ بقت بّجانبهاّ هي ماريّ ،
إنهاّ لا تستحقّ مصّير كهذاّ .. و لاّ شخصاّ كنايت لتحبه ، أنهاّ أفّضل منهمّ جّميعاّ
بينماّ نزلتّ دّمعة شّقت طّريقهاّ عبرّ خدّ كليّر ، وضّعت أناملها على وجنتيهاّ بّدهشة ثمّ أخذتّ تنظرّ إلىّ فلور ، لاّ تعلمّ لماّ لكنهاّ شّعرت بشّيء
مـّا يضغطّ علىّ قّلبها بكلّ قوةّ ، أهـذاّ لأنهاّ علمتّ أنّ تلكّ الفتاة التيّ لا طاّلماّ تنمرت عليهاّ صّارت مقعدةّ ؟ لن تستطيعّ السيرّ أوّ الركضّ ؟
تلكّ الفتاةّ التيّ كانتّ تنـّاضل بّشدة منّ أجلّ عّائلتهاّ ، وضعتّ ثمناّ لكرامتهاّ منّ أجلّ إنقاذّ أختهاّ و تخليصّ والدّها منّ ديونه ؟ ، لاّ بلّ كلاهماّ
كلاّ من ماريّ و فلورّ تحاّولان حّماية بعضهماّ البعضّ غيرّ آبهتينّ بماّ يحدّث لهّما ، هـذّا الرابطّ من الأخوةّ و هذاّ النوعّ منّ الحماّية هيّ ماّ
تبحثّ عنه دوماّ فيّ عّائلتهاّ و تّريده بّشدة ، الآن و بّعد أنّ توقفتّ ماريّ الفتاةّ التيّ استمرتّ بالنـّضال عنّ السيرّ إلىّ ماذاّ تتطلعّ هي ؟
فإستدارتّ بّهدوءّ غيرّ رآغبة بّرؤيةّ سقوّط عـّائلةّ روبرتّ أكثرّ من هذاّ ثمّ سّارت بّخـطّوات هـّادئةّ خاّرجاّ بينماّ تحدثّت فرانسيسّ بكلّ حنانّ
ـ فّلور يّكفيّ دموعاّ فّماري بخيرّ و هذاّ أهم شيءّ ،
اقتربّ آرثرّ و وضع ذّراعه على كتفّ فلور بّشفقة ، كانتّ فلور دوما تّلك الفتاة الناّرية صّاحبة الأعصابّ الحادةّ نادراّ ما تّظهر دموعها
و أنّ تبكيّ الآن لابدّ أنهاّ قدّ نالت ماّ يكفيّ ، ردتّ فلور بنبرةّ باكيةّ
ـ سّوف آخذّ ماريّ و أرحلّ بّعيداّ عن أجواءّ لندن
نـظرتّ إليهاّ فرانسيسّ بّهدوء ثمّ أمسكتّ بّيدهاّ ، فلور الآن لاّ تفكر بّواقعية أبداّ تريدّ أن تبعدّ ماري عن زوجهاّ ؟ الذيّ تحبه ؟
هذاّ غير معّقول فقّالت بحدة
ـ ما الذيّ تقولينه فلورا ؟ هل فقدتّ عقلك أم ماذاّ ؟ بالّرغم منّ أنكّ أختّها لكن لا يحقّ لك تّقرير حياّتها عنهاّ ثمّ إن ماريّ تحبّ نايت
و لن تستطيعّ الابتعادّ عنه ، فكريّ بها قّليلا
صّاحت بها فّلور بّنبرة غـاضّبة و حـّادة غيّر مبّالية بّمن يّقف أمامهاّ ،
ـ تّكمن مّصلحة ماريّ في الابتعاد عنّ ذلكّ السّافلّ ، إنهاّ تضيع حّياتهاّ فقطّ بالبقاء إلىّ جانبه ثمّ ماريّ لم تّعد تفكرّ جيداّ لذلّك أناّ أريدّها
أن تبتعد عنه لّعل عّقلها يعودّ للعملّ مجدداّ
رمقّتها فرانسيسّ بّحدةّ ، جذبّت فلور من ذّراعها و قادّتها إلىّ الغـّرفة المقّابلة ثمّ أغلقتّ البابّ خلّفهما ، قّالت بّغضب
ـ ما الذيّ تريدينه من إمرأة عاّشقة ؟ بالتأكيدّ سوف تبقى إلىّ جاّنبه ، أيضّا هل نسيت نفسك ؟ أنتّ تحبين ويّليام و لاّ تقدّرين على نسيانه ،
صمتتّ فلور لّوهلة من الزمنّ بعدّ أن هدأتّ فّجلست على الأريكة و وضعتّ رأسهاّ بين ذّراعيها ، صّحيح حتىّ لو أخّذت ماريّ بالقوة
هيّ لن تّبقى معها ، ستعودّ زاحفة إن اضطرت لّتبقى بجاّنب نايت ، و ماذا عنها هي ؟ أتستطيعّ نسيان ويليام فعلا ؟ ما الحلّ ؟ كمّ تّريد
أنّ تأخذّ سكيناّ و تّغرزه فّي قلبهاّ لعلّ شعورهاّ بالألمّ يّختفيّ لكنها تقاومّ بّشدة ،

/

مسـّاء يومّ الأربّعاء تماماّ و قدّ مـّر أسبوعينّ علىّ حادّثة فلاديمرّ ، فيّ تـّلك الغّرفة الواسـّعة تحديداّ على السّريرّ حيثّ كانّ
جسدّها النحيلّ قّابعاّ طّوال هذه الأيّام العديدّة تـّجّول بعينيهاّ بقّنوات التلفاّز و كادّت أنّ تحفظّ عن ظهرّ قلبّ جميعّ البرامجّ ، حركتّ
ذّراعهاّ بتململّ و جذّبت كأسّ العصيرّ لفّمها كيّ ترويّ عطّشها عندّما شعرتّ بالخدرّ و سّقطّ الكأس على فستانهاّ مبللاّ إيّاه ، قدّ كان
أبيضّ اللونّ يصلّ إلىّ ما أسفلّ ركبتيهاّ بقليلّ عاريّ الكتفين فّزمتّ شفتيهاّ بأسى محدثة نفّسها
ـ يا إلهي ،
سحبت كرسيهاّ المتحركّ بجانبهاّ ثمّ بّكل خفة لتنتقلّ إليه بينما كلتاّ يديها تستندان على السريرّ ، حركتّ العجّلات و إتجّهت إلىّ الغـّرفة
المقابلة ، فتحتّ البابّ على وسعه لتستمرّ بالسيرّ ثمّ رأتّ المغّسلة فّعلت شفتيهاّ ابتسامة انتصاّر كونهاّ لم تّحتج لمساعدة أحدّ فيّ مهمتهاّ
الصّعبة و دفّعت العـجّلات للأمامّ حينمّا رأتّ الميّاه على الأرضّ كان قدّ فات الآوان علىّ توقيف كرّسيها ، فأرتطم حوضّ الاستحمام
و سقطتّ بدّاخله ،
حاّولت أن تستندّ بجّزء العلويّ نظراّ لعجز قدميهاّّ لكن تواجدّ الميّاه حال عّن ذلّك، أخذتّ تّتحرك بّعشوائية و قدّ عجّزت عن التنفسّ..
حينماّ التفتّ ذّراع حولّ خصّرها و قامتّ بّرفعهاّ ، وضع جسدّها على الأرضّ و أخذّ بالضّغط علىّ صدّرها لتقومّ بإخراجّ الميّاه التيّ
قدّ دّخلت لرئتهاّ ، كحتّ بّقوة ثمّ فتحتّ عينيهاّ لتنـظرّ إلىّ منقذّها عندّما رأتّ نايتّ شاّحب الوجّه كلتاّ ذّراعيه علىّ الأرضّ بجاّنب رأسهاّ ،
تحدثّ بنبرة مرّهقة
ـ أكادّ أقسمّ أنكّ آلة جـّاذبة للكّوارث، أتحّاولين الانتحار أم ماذا ؟
ابتسمتّ ماريّ ثمّ أخذتّ تّضحك بّقوة ممسكّة بّمعدتهاّ، فبقدّر ما كان الأمرّ مخيّفا و موحشاّ إلّا أنه كانّ سخيفّا، ماذاّ سيقالّ عنها ؟
فيّ محاولة لّغسلّ بقعة العصيرّ من فستانهاّ انتهى الأمرّ بّموتها و فيّ حوضّ استحمامهاّ أيضّا ، قـّالتّ بّضحكة
ـ توقيتكّ ممتّاز كالعادةّ ،
قطب حاجبّيه بّعصبيةّ ثمّ قـّام بّحملهاّ ليضعهاّ علىّ الأريكة ، جذبّ بّطانية و لفّها حول جسّدها أرداتّ أن تمسكهاّ لكن نايتّ ثبتها بّشدةّ
و هو يّتحدث بنبرةّ غاّضبة
ـ أناّ لم أقمّ بّجعلّ عشرين حارساّ حولك تماثيلاّ قوميّ باستخدامهم
نظرتّ إليه بّدهشة لتّومئ بالإيجابّ ، منذّ أنّ استيقظت منّ غّيبوبتهاّ و نايتّ يتصرفّ بحدةّ أكثرّ من المعتاّد فلمّ يّعدّ يكلمهاّ أوّ يهتمّ بهاّ
إلاّ اليّوم ، رمقّته بّشكّ ثمّ وضعتّ يدها علىّ جبهته لتلاحظّ حمته المرّتفعة ، لقدّ كانّ مريضّا و قد أخبرهاّ ويليام أنه و عندّ مرضّه ينفذّ
طلباته تفادّيا إرهاقّ ذهنه بتحّمل كلامه الفّارغ فّرسمتّ ماريّ ابتسامة عريضّة على شفتيهاّ لتبدأّ بّالحديثّ
ـ نايتّ ، ماّ الأمرّ ؟ يّبدوا أنه لديّك حمى ، هلّ استشرت الطّبيب ؟ ماذا قالّ لك ؟ يجدرّ بك الإهتمامّ بّصحتكّ فّأنتّ تصبّح شّاحباّ
أكثرّ فأكثرّ بمرور الأيامّ
كشرّ بّغيضّ عندّما داّهمه الصّداع، أمسكّ رأسهّ ضّاغطا علّيه بّقوة فّوضعتّ ماريّ يدّها علىّ جبينه مجّددا كانتّ داّفئة
و ذاّت لمسّة حاّنية رّقيقة نـّابعة منّ قّلبهاّ ، حينهاّ همسّ نايت لهاّ بنبرة حادةّ محذّرة
ـ ألاّ يمكنكّ التزام الّصمت ؟
تنهدتّ بأسىّ فّهو لنّ يتغيرّ أبداّ ، نايتّ يحبّ إليزابيثّ بشدةّ لدّرجة قّرر الـّزواجّ من فتاة لا يّعرفهاّ بلّ و حتى أنه قام بدفع ديونهاّ دون
مبالاة فّقط لّتستمرّ بهذه التمثيلية ، لذّلك القّتال من أجلّه عقيم و بلاّ فاّئدة لكن قّلبها يستمرّ بالمحاّولة ، و لوّ أنها تّعلم جيداّ أنه لن
يحبّها لكنّ تّريد منه أن يتخلصّ من سّم إليزابيثّ المنشرّ فيّ أرجاّء جسدّه، تّريده أن يّقع فيّ حبّ إمرأة صّادقة حتىّ لو لم تكن هيّ ،
فجأةّ وضعّ نايتّ رأسه علىّ حضّنها مستلقياّ علىّ الأريكةّ ثمّ أمسكّ بّيديهاّ لّيضعهماّ علىّ عينيه الّزرقاوتين و الداّكنتين ، فتلعثمت
و قدّ غـّادرتها الحّروف عندّما أصدرّ نايت آهة متعّبة متألمةّ و حـّزينة ،
نـظرتّ إليه ماريّ بّألم هيّ الآخرى مدّركة مدىّ حزنه يّرفضّ البوحّ به ، رّفع يّده ذّات الأناملّ الطّويلة و بّاردة ليّضم يدّها ، ثمّ حدقّ
فيهاّ بّعينين بّاهتين إختفى لمعانهما ، تحدثّ بنبرةّ حاّكت نغّمة النـّاي ،
ـ لقدّ سألتك ذاتّ مرة ما نوع الحبّ الذيّ تملكينه و أخبّرتني أنه ذلك النوعّ الذيّ لا يتواجدّ فيّ قاموسيّ، إنّ طلبتّ منكّ
أن تّريه ليّ فهل تستطيعين ؟
رمشتّ عدةّ مراتّ غيرّ مصدّقة كلامه و لمّ تّستطعّ أنّ تفهمه أيضّا ، كاّن نايتّ مخّتلفا عن العّادة أيعقلّ أن الحمىّ قدّ أخفضت
جّدرانه الفولاذية التيّ حوله ؟ لكنهاّ شعرتّ بالقّليل من السّعادة فّهو يتذّكر ماّ قالته له ، .. تّحدثتّ بّحماسّ
ـ بكلّ تأكيدّ
فتحّ عينيه الداّكنتين و ابتسمّ بّكل حـّزن و ألمّ ، الآن فقط يستطيعّ رؤية الصدّق بّمشاعرهاّ ، إنهّا تحبّه بكلّ جّنون يّظهر ذلّك فيّ
كلامهاّ ابتسامتهاّ أو عينيهاّ الصّادقتين ، كمّ مرّت من أعوامّ لمّ يّلتقي بشخص مّثلها ؟ صادقاّ و أحمقاّ فيّ نفس الوقت ؟
ضحكّ ببّحة ثمّ أجاّبها
ـ مثيرّ ، هلّ أعتّبره وعداّ ؟
شّعرت بّالصدمة كونهّ قدّ ابتسمّ و فيّ حضّورهاّ لاّ بل حتىّ أنه ضحكّ لفترة قّصيرة بّدون سّخرية أوّ تهكم، أهوّ بالفّعل بّخير ؟
اكتسى القّلق معالمّ وجههاّ و اقتربتّ منه لّتضع يدّها على جّبهته الحاّرة فاستقام فيّ جلّسته ليسندّ رأسه علىّ ركبّته فيّ حين
غطتّ خصّلات شعرهّ الأسودّ ملامحّه ، كانّ شّاحباّ كعادتّه عندّما تحدثّ بنبرة مبحوحةّ
ـ ماريّ أريدّ منكّ مغادّرة لندن
نـظرتّ إليه غيرّ مصدّقة متلعثمة محاّولة إيجادّ الكلمةّ المناّسبة لتصّف بهاّ صدّمتها ، بدأتّ نبضّات قّلبها بالخّفقان مسّرعة كأنهاّ
ركضّت لأميّال فقطّ لأن فّكرة تركّ نايت قدّ داّهمت ذّهنهاّ لتحطمّ جميعّ الأحلامّ التيّ بنتهاّ و هيّ بّرفقته لتكسبّ حبّه ، لماذاّ يبّعدها دوماّ عنه ؟
ألمّ يكن الأمرّ أفضلّ لو أنه فقطّ تّركها تّغرق سّابقا ؟ فّتجمعتّ الدموع بينّ وجّنتيها لتّصيح بّنبرة باكيةّ
ـ لماذاّ ؟ أناّ أريدّ البقّاء هناّ معك ، إنّ كنتّ غاّضباّ لأننيّ لمّ أقمّ باستدعاء الخدمّ فأناّ أسّفة سوفّ لن أزعجكّ ، أرجوكّ
شّهقت بأسى ليحدقّ نايت بّها طّريقة نفّيهاّ أوّ حتىّ كلّماتهاّ كلّها تجّعله يصدقّها ، أنهاّ الوحيدّة التيّ إلى ّجانب ويّليام تّهتم لأمرّه وضّع
ذّراعه حول كّتفيهاّ ثمّ كادّ أنّ يتحدثّ عندّما داّهمه صدّاع ، ضّغط علىّ رأسه بّأنامله للحظاتّ عندّما عّاد يّنظر ناحيّتها أجاّبها بّكل هدوء و جدّية
ـ حاّليا أناّ لست قّادرا على حّمايتكّ ماريّ لنّ أكونّ متواجدّا دوماّ ، لذّلك أريدّك أنّ تغادريّ إنجلتراّ و تذّهبي إلىّ فرنساّ ،
هناكّ ستجديّن العلاجّ أيضّا سأقومّ بإرسّال فرانسوا حّرصا على حيّاتك ،
أخفضتّ رأسهاّ باستسلام هيّ لن تستطّيع حماية نفسهاّ بحاّلتها هذّه و أجلّ نايتّ دوماّ ما يكون محقّا لكنّ فكرة رحّيلها تّجعلها
تظن أنهاّ لن تراه للأبدّ ، فّتحدثتّ بّقليل من الرجاءّ
ـ لطاّلما نفذّت طلبّاتك ، لطاّلما قّلتّ أجلّ لكن هذه المرة فقطّ .. ألاّ يمكننيّ قول لاّ ؟ ألاّ يمكنني البقاء ؟
تنهدّ ثمّ رمقهاّ بكلّ ّضجرّ ، أمسكّ بوجّنتيها و سحّبهما فيّ اتجّاهين معّاكسين لتّصرخ بألم و هيّ بالكادّ تستطيّع الحديثّ فّحاولت
نزعّ يدّيه لكنه استمرّ بّجذّبهماّ قّال بنبرة بّاردة و على فّمه ابتسامةّ صغيرة لاّ تكادّ تكونّ ظاهرة
ـ أتظنينّ أن هذّه لعبة ؟ الأمرّ لاّ يعتمدّ علىّ الإيجابّ أو النفيّ ، أناّ فقطّ أنفذّ ما أراه مناّسبا لكّ و الأنسبّ هو سّفرك ،
هكذاّ لن يستطيعّ أحدّ الوصول إليكّ
بقيتّ صّفات الحزن تكسوها ، كانّت تتألمّ بّشدة لكّونها سّتغادرّ لندن و ستتركه هناّ بينّ لمسّات إليزابيثّ العابثة و حقدّ كايلّ المعميّ ،
أيضّاّ تواجدّ ذلك الشخصّ ديميتري كلّ هذاّ يمنحهاّ سبباّ أقوى للبقاءّ لكنه لاّ يفهم ذلّك بلّ يظن أنهاّ ضعيفة و لهذاّ سيستهدفّها خصومه
من طّرفها ، أجلّ هي تعلم هذا جيداّ لكن .. رمقّته بّكل يأس و بمحاولة أخيرّة قّالت
ـ لماّ يتوجب عليكّ حمايتي ؟ ربماّ أستطيعّ أن أقومّ أنّا بحمايتنا نحنّ الاثنينّ ما رأيكّ ؟
شحبّ وجّهه محاولاّ استيعاّب جّملتها للحّظاتّ ثمّ قّام مسّرعاّ مبتعداّ عنهاّ لّيّحرك شّعره الحّريريّ بكلّ خفة ، فّوقفّ بهدوء و رمقّها
ببرودّ ثمّ تنهدّ بّقلة حيّلة كأنه بذّل جّهدا عّضلياّ كبيّرا و تحدثّ
ـ لاّ أعلم لماّ أتّعب نفسيّ بالحديثّ معك
اكتّفت بالابتسّام فّقط علىّ كلّماته فّتنهدّ مجدداّ بإرهاق و كـّاد أنّ يغّادر لولاّ أنهاّ نادّته بّنبرة صّوتها الهادّئة المخّملية، فّاستداّر
ناحيّتها منتـّظراّ منهاّ إكمالّ حديثّها لّتظهرّ صّفات الترددّ و التوتّر علىّ وجّهها، تلعّثمت قّليلاّ قبلّ أنّ تّنفيّ برأسهاّ و هيّ تقول بترددّ ذّو نغمة خافتةّ
ـ حسناّ لا بأسّ ، ربماّ قدّ حان وقت رحيليّ فعلا

/
__________________