عرض مشاركة واحدة
  #44  
قديم 12-28-2015, 11:41 AM
oud
 
الشـّابتـّر الـ 26 -

ابتسامة موناليزا


تلكّ الكلماّت التي نتوقّ إلى سماّعها لمّ يّقدر اللسّان أبدّا علىّ نطّقهاّ هذّا ما كّانت ماريّ تّفكر به و عينيهاّ الواسّعتين
تّراقّبان حبّات الثّلج المتسّاقطة بكثّرة على شّرفتهاّ، أمسكتّ بمعطّفها الأحمرّ لترتديه بكلّ هدوء ثمّ ألقت نـظرّة على سوزيّ
التي تحضرّ حقّائبها مستعدةّ لرحيّل بينماّ فرانسوا يّقف بجاّنبها يتحدثّ بّنبرة خاّفتة معهاّ ، فّتنهدتّ بأسى و قد صّارت تشتاقّ
بشدةّ لإجراءّ حديّث مع أحدّهم دونّ أن ينتهيّ بّحربّ كلامية كماّ يحدثّ كلماّ حاولتّ الكلام معّ نايت ، لماذاّ دوماّ ماّ يفهم كلّماتها
بكلّ سوء نية ؟ كأنهاّ تّتعمد إثّارة أعصّابه ؟ بالرّغم من أنهاّ تحاول بّشدة أنّ تفوز بّقلبه ،
أدارتّ عجلات كرّسيها بكلّ خفة كيّ لا تلفت انتباه فرانسوا الذيّ صّار كّظلها ماّ إن التفتت تجّده خلفهاّ فأخذتّ تّسير بّكل بطءّ
عندّما اقتربت منّ البّاب و فتحتّه بخفّة محاّولة عدّم إصدارّ الضجّة ، أغلقته خّلفها لتتنهدّ بكل راحّة ، ثمّ ابتسمتّ بّرحابة صّدر
قّالت بحماسّ
ـ و الآن هاهي أجراسّ الحرّية ترنّ ،
أسرعتّ بإدّارة العجلاّت مغّادرة الـردّهة بينماّ و فيّ تلكّ الغـّرفة كانتّ سوزي تضحكّ بكلّ قوة علّى محاولة ماّري فّإقترب فرانسواّ
من السّرير ليجلسّ عليه بكلّ ضجرّ و عينيهّ تّراقّبان شّاشة هاّتفه حيثّ كلّ كاميراّت القصرّ موصولة به يتتبعّ حركاتّ ماريّ ،
فعلتّ تقطيبه حاّجبي سوزيّ قّائلة
ـ ماّ هذاّ ؟ دّعها تتجّول بّراحةّ ثمّ ألا تّظن نفسكّ تبالغّ بّمراقبتكّ لهاّ ؟ إنكّ تخنقهاّ و أناّ لا أظنّ أن مّكروها سيصيّبها فيّ القـصرّ ،
أومأّ فرانسوا بكلّ ضجرّ موافقاّ إياهاّ فقطّ لكيّ تصمتّ و لاّ تحدثّه أكثرّ لكنّ من يّستطيع أنّ يسكتّ النساءّ ؟ فهاهي تجلسّ بجّانبه
تنـظرّ بكلّ فّضول إلىّ تلكّ الشّاشات العديدّة عندّما جذبّ إنتباههاّ إليزابيثّ و هي فيّ غـرفة المعيشة الرئيسية تتحدثّ عبرّ الهاتفّ
بمّلامحّ عصبية قّلقة نوعاّ ماّ ، فّقالت بكره مشّمئزة من جلبّ سيرة إليزابيثّ على شفتيهاّ
ـ أعتقدّ أن تلكّ الحربّاء هيّ السببّ الرئيسيّ فيّ إندّلاع الحريقّ و إلاّ فكيفّ تفسرّ إصّابات الكلّ عداها هيّ ؟ أعنيّ السيد كايلّ قدّ
أحرقت كلّ أصّابعه و السيد نايتّ جرّح من ذّراعه و صدّره أيضّا الآنسة ماريّ فقدتّ قّدرتها على السيرّ ، أماّ هي فّأصيبّت بالإغماءّ فقط
ركزّ فرانسوا أنـظاّره على إليزابيثّ و حركّاتها فقدّ كانتّ مليئة بالتـّوتر و العّصبية كّأنها تعاني من مّشكلة ماّ لذّلك بدّا لهّ كلام
سوزي مقّنعا جداّ لأنه حتىّ هو يجدّ إليزابيثّ إمرأةّ متّقلبة كالحرّباء تماماّ بالّرغم من أنهّ لا يكّرههاّ لأنه لاّ يفضلّ خلطّ المشّاعر بالعملّ
لكنه لا يقدّر على تجاّهل هذّا الحقدّ الغريبّ إتجاهها فأجاّبها
ـ لاّ أظن ذلّك سوزيّ فهيّ كانتّ فيّ حلبة الرقصّ بّرفقة السيدّ نايت لذلّك الأمرّ غيرّ مرجّح غيرّ أنهاّ تبدّوا كّنوع ماّ من النسّاء
بالنسبة ليّ لاّ أريدّ ذّكره
هـزّت كتّفيهاّ بعدم مبّالاةّ ، يّقصد سّافلة لكنه يتكلم بّلهجةّ محترمةّ ثمّ عـّادت لّتقومّ بّترتيبّ ملابس ماريّ باهتمام شديدّ ، حينّ أغلقّ
فرانسواّ هاتفه و تحدثّ بنبرة مهتمة
ـ ألمّ تخبريني أنّ السيدّ ويليام أمرّك بّالتحريّ عن عاّئلة غلوري؟ ماّ الذيّ وجدتّه ؟
وضّعت يدّها فيّ جيبّ مريلتها البيضّاء و أخرجتّ هي الأخرى هاتفهاّ من التقّنية المتطّورة الحديّثة ، لحّظات حتىّ قدّمت لهّ صّورا
عـديدّة لكّل من كليرّ و آرثر يبدوا كلاهماّ عاّديين جداّ ، ثمّ تحدثّت بكلّ هدوء
ـ لقدّ قمتّ باستقصاء الوضعّ جيداّ و لاّ أرى أنهماّ يشكلّان تهديدا على الآنسة ماري بعد الآن ، إذ أن آرثر قد عـاد إلى رشده
و لقد قدمتّ تقريري إلى السيدّ ويليام لكن يبدوا أنّ الشكّ لم يّغادّره بعدّ
وضعّ فرانسوا يدّه على خدّه بضجرّ مفّكرا بكلّ تأكيدّ لن يّغادره الشكّ بعد تّحريات بسّيطة فّآرثر حاول عدّة مّرات تهديد ماّري عبرّ
وثائقّ رسميةّ تّخص عّقودها بنايتّ لكنّ الأمرّ الذيّ يثيرّ حيرته كيفّ لوثائق بمثّل هذه السرية أنّ تصّل إلى ديميتري ؟ ألا يعني
أنّ آرثرّ قدّمها له ؟ لكن هذاّ غيرّ مرجح علىّ الإطلاّق و لاّ يبدواّ منطقّيا له ، إنّ آرثرّ يعتبرّ صديقّ عاّئلة روبرت و حتىّ لو أنه
حاّول تّهديد ماري إلاّ أنه سّرعان ماّ تراجّع فيّ قّراره حالماّ رأى إصّابتها الشديدّة ، تنهدّ و وقفّ قّائلاّ ببرود
ـ سّأقوّم بجّولة تفقدّية ،
فيّ الجـّهة الأخرى كّانت ماريّ قدّ وصلتّ أخيراّ إلىّ وجهتهاّ ، الحـديّقة الأمامّية و الثلجّ يحيطّ بها من كلّ جّهة معيقاّ إياهاّ فّمدتّ
يدّيها بّكل حماسّ و رمتّ نفسها عليه حيثّ كان سمكّه عميقاّ ثمّ نـظرتّ إلى السماّء غيرّ مبّالية بّهبوب الـرياحّ و لا البّرودة ،
رفـعتّ قّبعتها الحـّمراء للأعلىّ لتقهقه بكلّ مرح بّعد لحظاتّ سكنتّ حركتهاّ جميعاّ و أغّلقت عينيهاّ العسليتين بّهدوء واضعةّ يدّها
علىّ قلبها تستمعّ إلىّ دقاّته ، كانّ ينبضّ و ينبضّ دون توقفّ فهمستّ محدثّة نفسهاّ
ـ لوّ أنكّ تّحاول فقطّ لوجدتّ أنّ العـّالم بأكمله يّحتاج إلىّ دقّات قّلبه للعيشّ فلماذاّ نثقله بّالهموم ؟
فجأةّ إنتقلّ إلى مسّامعها صّوت سيّارة لتزمّ شّفتيها بكلّ إنزعاجّ فلمّ تمضيّ إلاّ القّليل ليكتشفهاّ أحدّ سكان القصّر ، أدارتّ أنّ تجلسّ
لوحدّها لكن يبدواّ أن هـذاّ أمرّ مستحيلّ ، خـطّواتّ كسّولة بطّيئة بّعد أن ركّن سيّارته بكّل خفّة ثمّ خرجّ مرتديّا معطّفه الأسودّ و
وشاحّه الرماّدي كانّ يسيرّ بخطّوات بطيئة و ذّلك لّعرقلة الثّلج لحركتهّ ، عندّما أصدرّت ماريّ آهة متألمة و هي تمسكّ بّيدّها ثمّ
نـظرتّ إلى نايت ذّو الملامحّ البّاردة قـّال بكلّ حدة
ـ ما الذيّ تفعلينه هناّ ؟
فكـّرت لوهلةّ كمّ أنّ هذاّ الجـّو البّارد و عّينيه الفّارغتين مّتشابهين لّدرجة كبيرّة جداّ لماّ قاّم نايتّ بّضربهاّ مجدداّ علىّ وجههاّ
بّواسطّة كرة ثّلجية و الغضبّ باديّ عليه ، فّضحكتّ بتوتر محدثّة إيّاه
ـ مرحبّـا بّعودتك عـزيزي ، كيفّ كان يومكّ ؟
عبّس بمللّ و وضعّ يدّيه حولّ خصّرها ليّقوم بّرفعها فّأحاطتّ رّقبته بذّراعيها بّإبتسامة حماّسية سّعيدة ، إذّ أنّ طرّيقة حمله
لهاّ تّشبه طّريقة حملّ الأميرّات و قدّ كانتّ أفكارهاّ واضحـّة علىّ ملامحّ وجههاّ فّقطبّ نايت حاّجبيه متنهداّ بأسىّ ، قـّال بّإرهاق
ـ أكادّ أصّاب بنوبة قّلبية منكّ ،
رفـعّ كرّسيها عندّ وصّوله إلىّ البّوابة وضّعها على الكرسيّ بينماّ ماريّ مبتسمةّ غيرّ آبهة بّنظراته الحادةّ النـّارية التيّ تحتلّ
تعبيره الغاّضب ، دفّعها بّقوة فّتمسكتّ بّيدّ الكرسيّ كاّتمة ضحكاّتها حينماّ فتحّ الخدم البّوابة لّيدخل كلاهماّ ، سّارع نايتّ في خـطّواته
كيّ يّتجه إلىّ مكـّتبه لّيحضرّ ملفّات ماّ تاّركا ماّري خلّفه لحـظةّ ماّ لمح إليـزابيث و قد كاّنت تقفّ فيّ أعلى الّسلالم مرتدّية سرواّل
جينز قّصيرّ يصل إلىّ ما فوقّ ركبتيها بّقليلّ معّ قميصّ قطنيّ أصفّـر اللون مّائل تنـظرّ إليهّ بّعينينّ حـّزينتين ، فّزفر بكلّ كره
و نـظرّ إلىّ ماريّ قـّائلا بّبرود
ـ اذهبي إلى المصّعد
و صّعد الّسلالم مدّركا أنّ المشّاكل آتية لاّ محالة لذّلك حـّاول تفاديّ المرور بجـّانب إليزابيثّ متجـّاهلا وجودّها أو منـّاديتها المسّتمرة
لهّ بينماّ كانتّ ماريّ فيّ الأسفلّ تّراقبّ الموقفّ و نيّران الغّيرة تّأكلّ قلبهاّ الّصغيرّ ، فّأمسكتّ إليزابيثّ بذّراع نايت مقّتربةّ منه كفّاية
لكيّ لاّ يفصلّ بينهماّ شيئاّ ثمّ همست له بّنغّمة صوتهاّ الـّرقيقّ ذّو تّعبيرّ حّزين و شديدّ الأسىّ
ـ نّايت لماّ تتجّاهلنيّ ؟ هلّ هـذاّ بسببّ اعترافي ؟ إنّ كان حبيّ يّزعجكّ فسوفّ أغـّادر القصرّ على الفّور
ابتـسمّ بّسخرية لاذّعة و لف ناّحيتها لّيرمقهاّ بنـظرّات باّردة إذّ أنّ محاولاتهاّ لإغرائه قدّ باءت بالفّشل الذريع فّسحبّ ذّراعه
و دفّعها بّهدوء إلىّ الخلفّ لكنهاّ كانتّ مصممّة علىّ الكلامّ معه لذّلك عـّادت لتّقف أمامهّ مانعة إيّاه منّ إكّمال سيّره حينهاّ تحدثّ
نايت بنّبرة تـّهكمية استهزائية
ـ حّقا ؟ أكان هذاّ بّعد أنّ علمتّ أن نسبةّ التصّويت لأكونّ وريثّا لشّركة تفوق كايّل بّأربعين بالمّائة أمّ قّبل ؟ لأننيّ يّا إليزابيثّ
أجدّ نوع الحبّ الذّي تكنينه فيّ قلبكّ يتعلقّ فقطّ بّالشخصّ الذيّ يّصعد على عرشّ لبيّر
تنهدّت و اقتربتّ منهّ أكثرّ لتّلامسّ أناملهاّ خّصلات شعرهّ الحريريّ الأسودّ بكلّ تّلاعبّ، قّبلته بّرقّة على خـدّه بينماّ لمّ يظهر
عليهّ أيّ تعبيرّ ، لفّت بذّراعيها حولّه ثمّ ابتسمت لتهمسّ بنبرتهاّ المثّيرة الّرقيقة
ـ أناّ أريدّك أنتّ، أنتّ فقطّ و لاّ أحدّ غّيرك
نـظرّ إليهاّ لوهلة دّون أنّ يظهر أيّ ردّة فعلّ ، كـّانت إليزابيثّ شديدّة الجمالّ بّخصّلات شعرهاّ الأسودّ الطّويل و قـّامتها الممشوقّة
أماّ جسدّها فّكان منحوتاّ بكلّ إتقانّ إذّ أنهاّ عـّارضة أزياءّ ، راّقبت ملامحّ وجّهه البّاردة فشّعرت بالأسىّ لأنه لاّ يبدواّ مبالياّ بهاّ
حتىّ بّعد كّلماتهاّ الغـّرامية هذّه و التيّ لوّ أنهاّ ألقتها علىّ شّباب لّوقع جميعّهم رأسّا على عقب فيّ حبهاّ ، لكنّ لماذاّ يبدوا لا
مباليّا هكذاّ ؟ حينّ رفّع يدّه و نـّزع أناملها التيّ تعبثّ بّشعره بّكل حـّرية و عـّنفوان ثمّ رمّقها بّنظرّة مشّمئزة منّ أعلى رأسهاّ إلىّ
أخمصّ قدّميها لّيبتسمّ بعدّها بكلّ مكرّ و خـّبث إقتربّ منهاّ فّهمس فيّ أذنهاّ بنبرةّ مبحـّوحة ذاّت نـّغمة حاقدّة
ـ آسفّ فالسافلاتّ لسن نوعّي المفضلّ،
سقطتّ ذّراعيهاّ بجّانبها و علتّ الصدّمة مّلامحهاّ غيرّ مصدّقة لماّ تفوه نايتّ به الآن ، أحقّا وصّفها بالّسافلة ؟ ذلّك الـشابّ
الذيّ كان واقّعا بّغرامهاّ قدّ فتحّ قلبهاّ له يبتسمّ لها فقطّ ، ذلّك الشابّ تغيرّ ليصبّح قاسيّ حاقدّا لاّ يسعى لشّيء سوى الانتقام ،
فّاستدارتّ و ركضّت للأسفلّ عندّما كّادت أن تّعبرّ منّ أمامّ ماريّ وضّعت الأخيرّة يدّها كّحاجزّ يّمنعها من المرورّ ، حدقت بهاّ
إليزابيثّ بّدهشة لّتتحدثّ ماريّ من بينّ أسّنانها و الغضبّ بّادي على ملامحّ وجههاّ
ـ حـاّوليّ مجدداّ تّقبيلّ زوجيّ و أقسّم لكّ أنّ آخر ماّ تّرينه قبّل أنّ تفقديّ وعيك هوّ قدميّ المحشوّ بّفمكّ هـذاّ ،
ثمّ هـزتّ ماريّ رأسهاّ بكلّ قهر لتتـجهّ إلىّ المصـعدّ فيّ حين التزمتّ إليزابيثّ مكانهاّ بّعدم إدّراك ، هلّ حاولتّ الآن فتاة مّقعدة
أنّ تهددّها ؟ لاّ بلّ و حتىّ أنه تمّ رفّضها من قبّل نايت ؟ لمّ تعدّ ركبتيها تستطيّع حملهاّ بعدّ الآن فّسقطتّ أرضّا ، حبّـها رفّضه ؟
هيّ ؟ لاّ يعقلّ
بّعد خـّروجهاّ من الـمصّعد أحكمتّ القبضّ علىّ أناملهاّ و أطرّقت رأسهاّ للأسفلّ بّقلة حّيلة بّعد مغّادرتها لندن ستتسنى الفـّرصة
لإليـزابيثّ كيّ تحـّوم حولّ نايتّ و تثبّت له أنّ حبّها لهّ حقيقيّ حينهاّ ربماّ سينسىّ نايتّ فكرّة أنّ ماريّ فيّ يومّ ماّ كانتّ زوجـّته ،
سينساّها للأبدّ و لنّ يتذّكر وجودهاّ كأنهاّ لم تكنّ هناّ قطّ هذاّ يعذّبها أكثّر هيّ تحبه و تّريده لهاّ لوحدّها ، أصدرتّ آهة متألمة
عندّما تذّكرت اقتراب نايت من إليزابيثّ و إبتسامته السـّاحرة نحوهاّ بينماّ هو يّهمس بأذنهاّ ، ما الذيّ قـاله لهاّ ؟
لقدّ تأملت و لوهلةّ لو أنهّ دفّعها جاّنباّ و أشـّار عليها قّائلاّ أنهاّ زوجته هيّ من يحبّ ، استـداّرت لتعودّ أدراجّها عندّما لمحتّ
كايلّ يقفّ مستنداّ على الجـّدار ملامحّه السّاخرة الداّئمة اختفتّ كأنهاّ لمّ توجدّ قط بينماّ هناكّ هالاتّ سوداءّ تحتّ عينيه الخضّراوتين ،
بشّرته شّاحبة و بالكاّد يستطيعّ الوقوفّ علىّ قدّميه فأدرّكت حينهاّ ماريّ أنهاّ ليستّ الوحيدةّ التيّ تعانيّ من هذاّ الحبّ الغيرّ متبادلّ
و أرادتّ أنّ تخفف ألامّ كايلّ لكنهاّ لم تجدّ الكلّمات المناسّبة فّكيفّ لهاّ أنّ تهدئه و زوجتّه التيّ يعشقهاّ بكلّ جنون تّخونه أمامّ نـّظريه
غيرّ آبهة بّمشاعره أو حتىّ بمكانتهاّ ، تحدثّ فجأةّ بكلّ هدوء
ـ ماريّ أخبرينيّ ما الذيّ يتوجبّ عليّ فعله و أناّ أراهاّ تّغازل إبن عمتيّ ؟ أخبرينيّ فأنتّ الوحيدّة التيّ أثقّ بهاّ الآن ،
نـظرتّ إليه بّدهشة، أقّال أنهاّ الوحيدة التيّ يثق بهاّ ؟ إنهاّ المرة الأولى التيّ يضعّ أحدّ ما ثقّته بهاّ و أنّ يكون عـّاجزة عنّ
مسّاعدةّ شيءّ يّثقل كاّهلها أكثّر و أكثّر لوهلةّ من الزمنّ التزمتّ الصمتّ ثمّ تحدثّت بّأسى
ـ أودّ لوّ كاّن بإمكانيّ إخباركّ لكنّ أناّ مثلكّ تماماّ أحاّول إيجادّ الحلّ الذيّ ينقذّني
أومأ بالإيجابّ دّلالة على فّهمه مقّصدهاّ فزفرّ بكلّ أسى و انحنىّ واضّعا رأسه بينّ يدّيه ، كانّ الأمرّ بالنسبةّ له مّؤلماّ ، موجعاّ كسّم
ينسابّ بينّ عروقه يّقتل فيّ كل لحظةّ نبضّة منّ نبضّاته ، بالرغّم من وصّفه باللعوبّ أوّ رجلّ النساءّ إلاّ أنها كانتّ الوحيدة التيّ أحبهاّ
و التيّ رغب بهاّ و التيّ تزوجّها ليّوقف بّعدها جميعّ ألاعيبه ، حدقتّ ماريّ به ثمّ وضعتّ يدّها على كتفه قـّالت بنبرة حانيةّ
ـ لاّ تفقدّ الأملّ أبداّ كايلّ، تماماّ مثلّما أحبتكّ يوماّ سّتعودّ لتحبكّ مجدداّ
نـظرّ إليهاّ بّكلّ بّرود لاّ يستطيعّ أن يصّدق كلماتها مهماّ بدتّ صّادقة له فّأمسكّ بذّقنها بينّ أنامله و اقتربّ منهاّ بّسرعة خيّالية لكيّ لا يفصلّ
بينهماّ إلاّ القليلّ ، حدقتّ فيه بّنـظراتّ مندّهشة و مصّدومة عندّما سّحب نفسه إلىّ الخلفّ بهدوء ، أشّار على قّلبه و تّحدث بنبرة مّؤلمة
ـ إنه يّؤلم ، يّحرقنيّ يّقتلني و يّعذبنيّ ماريّ أناّ لاّ أقوى على العيشّ بعد الآن انتقامّ من نايتّ يسريّ كسريان الدمّ بّعروقيّ و أريدّ أنّ أجّعله
يّتذوق نفسّ مرارة الألمّ
مدتّ يدّها بّترددّ ثمّ ربتت علىّ ظهره ، أجلّ هوّ عدّوها الذيّ يّرغب بالانتقامّ من زوجهاّ و أجلّ هوّ من حاّول قّتلها فيّ يومّ من الأيّام لكنّها
لا تستطيّع إلاّ أن تشّفق عليهّ ، نـظّراته البّائسةّ و هالاتّ السوداّء التيّ تحتّ عينيهّ تخبرهاّ بّمدى ألمهّ ، ألمّ الحبّ الغيّر متبادلّ فّسحبتّه
ناّحيتهاّ و وضّعت ذّراعها على كتّفه لتّقول بّنبرة حاّنية
ـ أناّ أيضّا كاّيل ، أناّ أيضّا لكنّ باّلرغم منّ هذاّ الألمّ الغيرّ محتملّ حاّول جاهداّ أنّ تفوزّ بّحبكّ ، ما نـّاضلت بّشدة لأجلهّ لن يختفيّ فيّ لمحة
تنهدّ كايلّ ليرسمّ ابتسّامة هادّئة على شفتيهّ ، وقفّ و نـظرّ إلىّ ماريّ الجّالسة على الكرسيّ المتحركّ تؤازره فيّ محنته فّتدّريجّيا
تّسلل الأملّ إلىّ قلبه ، لاّ يعلم لماّ لكنهّ أرادّ أن يحدثّها بّشدة و الآنّ بّعدّ أنّ تكلمتّ معه شّعرّ بّقليل من الراحّة لماذاّ ذلكّ ؟ و بّيدّه
خربّ تّسريحةّ شعرهاّ البنيّ المتموجّ قاّئلاّ بكلّ مرح
ـ تّبدين كخبيّرة فيّ الحبّ ، أيّعقل أنكّ تملكينّ خبّرة ؟
شّهقت بصدّمة و قدّ إحمرتّ وجنتيهاّ بإحراجّ شديدّ ، أومأتّ نفيّا متّلعثمة فيّ كلماتّها ثمّ أخفضتّ رأسهاّ محاّولة العّثور على جملّة
مفيدّة لتّصرخ بّخجلّ
ـ ما الذيّ تقوله ؟
ضحكّ على ملامحّها الخجلّة لّيقومّ بّسحب كرّسيهاّ إلىّ الأمامّ مكملينّ حديّثهما و هماّ يعبران الّرواق ، كـّانت ماريّ تّبدوا هيّ بدورهاّ
مختلفة بّفستانهاّ الأزرقّ الأنيقّ إلىّ ركبتيهاّ بّلا أكمامّ و شّعرهاّ البنيّ الذيّ صّار يّصل إلىّ ماّ فوقّ منتصفّ ظهرهاّ بّقليلّ بينماّ شفتيهاّ
التيّ دوماّ ما كانتّا مبتسمتينّ بّحماسّ ذّبل كلّ شيءّ بّهماّ فّصّارتّا تجاّملان الغيرّ بّبسمة قصيرةّ المدىّ ، عّينيهاّ الواسعتينّ كالمـرآة
تّعكسانّ صدقّ مشاعرهاّ صّارتاّ مثّقلتينّ بّهمومّ و الأحزانّ ، باّلرغم منّ ذلكّ هيّ لاّ زالتّ تكافحّ منّ أجلّ حبهاّ حتىّ لو لمّ يعدّ لديهاّ الأملّ ،
عّندّ وصولهماّ إلىّ بّابّ غّرفتهاّ ، ودّعها كايلّ بابتسامةّ مرحة مغّادرا لّيقومّ الحراسّ بّفتح البابّ لهاّ بكلّ إحترامّ لتّدير عجلاتهاّ
إلىّ الأمامّ حينماّ وجدتّ نايتّ يقفّ وسطّ الغـّرفة و بجّانبه فّرانسواّ يتحدّثان بكلّ جديّة بينماّ نبّرة نايتّ تّعلو تّارة بّحدةّ و تنخفضّ تاّرة ،
لحـّظة دّخولهاّ توقفّ الإثنينّ عنّ الكلامّ ، انحنى فرنسواّ بّكل هدوء و غـّادر مسّرعاّ لّيزفرّ نايتّ بكل حدةّ بينماّ أناملهّ تلامسّ خصّلات
شعرهّ الأسودّ ، رنّ هاتفهّ فّأمسكّه لتحتدّ عينيهّ بحقدّ حالماّ رأىّ شّاشة قّام بّرميه جاّنباّ ثمّ جلس علىّ طرفّ السريرّ ،
نـظرتّ إليه بكلّ أسىّ غيرّ قّادرة علىّ تّقدم خطّوة واحدةّ إلىّ الأمامّ ، أجلّ هيّ تّريد أنّ تّضع يدّيها حولّه تّهمسّ فيّ أذنه بكلماتّ
حنونةّ أنّ كل شيءّ سيكونّ بّخيرّ و بأنهّ لاّ داعيّ للقلقّ فحتىّ لو تّخلى عنهّ الكلّ هي ستبقى دوماّ بجاّنبه ، لكنهاّ لاّ تستطيعّ ليسّ
و هو يّبعدهاّ مسافاتّ للخلفّ ، فّكادتّ أن تعودّ أدراجّها عندّما نادىّ اسمها بنبرة مّبحوحة خافّتة
ـ مـّاري، أيمكنكّ القدومّ للحّظة
استدارتّ نـّاحيته و ضغّطت علىّ عجـّلاتهاّ لتتقدّم نحوهّ مسّرعةّ ثمّ تّوقفتّ أمامّه بينماّ ملامحّ نايتّ غيرّ ظاّهرة لهاّ عنـدماّ رفعّ
رأسه و بّادرهاّ بنـظراتّ فـّارغةّ منّ أيّة مشّاعرّ قدّ كانّ البرودّ دوماّ غطاّءا لهّ ، تحدثّ بنبرةّ هادئة
ـ لقدّ حجزت لكّ الليلةّ تذّكرة لذّهاب إلىّ فرنساّ و أمرتّ سوزيّ بتحضيرّ أشيائكّ البّاقية سّريعاّ سيغاّدر فرانسواّ برفقتكّ لذلكّ لاّ داعيّ للقلقّ ،
أحكمتّ القبضّ علىّ يدّهاّ لماذاّ يّقرر من تلقّاء نفسه بّشأن بّقائها من عدّمه ؟ ألاّ تملكّ الحقّ لّرفضّ حتىّ ؟ فّوقفّ نايتّ و بخـطّوات
هادئّة إتجّه إلىّ الأريكةّ لّيقومّ بحملّ حاّسوبه مسّتعداّ للمغـّادرة ، فّنـظرتّ إليه ماريّ بّعينينّ تّنطقّان مدىّ ألمهاّ إنهّ لاّ يأبه بهاّ بتاّتاّ
و هاهوّ يسرعّ ناحيةّ المـّخرج غيرّ مهتمّ بهاّ ، حينماّ وضعّ يده علىّ المقبضّ صّاحتّ هيّ بكلّ ألمّ
ـ أتّريد منّي أنّ أصدقّ أنكّ تّريدّ أن ترسلنيّ لفّرنساّ منّ أجلّ معـّالجتّي ؟ هـذاّ أسّخف عذرّ بنظريّ ، كلناّ نعلمّ نايت كلناّ لكنناّ نتظاهرّ
بّالغباءّ فقط لّكي لاّ تجرح مشّاعرناّ للأسفّ حتىّ لو تّظاهرت بّالغباءّ لاّزلت أتألم ،
تّوقفتّ أنامله عنّ الضغطّ علىّ مقبضّ البّاب ، بقيّ للحظات على حاله تلكّ معطياّ إياها ظهره الشيءّ المثيرّ لسّخرية فيّ هذاّ القصّر
أنهّ حتى الماّل ، حتىّ تلكّ الشّركة التيّ يتنافسّ الكلّ لأجلّها لنّ تّجعلهما سّعيدين و بالّرغم من أنهمّا يّعلمان هذاّ جيدّا إلاّ أنهماّ يّدفّعان
بكلّ شيء جاّنبا للفّوز بهاّ ، سّابقا لمّ يكن يهتم ما ثمن الذيّ يتوجب عليه دفعه لّلحصول على شركاتّ لبيرّ بأكملها لاّ زال لاّ يهتم لكن الآن ..
استدار ناحيتهاّ و نـظرّ إليهاّ بعينينّ خاّليتين باّردتين كعّادته ثمّ ابتسمّ بّكل سخريةّ فّارتجفتّ شّفتي ماريّ بّرغبة عّارمة فيّ البكاءّ
حينماّ اقترب منهاّ بخـطّوات هادئّة كسّولة ، تحدثّ بنبرةّ مبحـّوحةّ بّاردة
ـ ماّ الذيّ تعلمينه ماّري ؟ مجردّ أنكّ تّعرفين اسميّ فّهذاّ لا يعني أنكّ تعلمين كلّ شيء عنيّ،
إنهاّ لاّ تصدقّّ نفسهاّ أبداّ كيفّ استطاعتّ أنّ تقّع فيّ حبه بينماّ هو لمّ يظهرّ لهاّ غيرّ الألمّ و الحزنّ ، لماّذا اختارهّ قلبها من بين الجميّع ؟
حتىّ لوّ أنهاّ نادّمة لكّن لقدّ فاتّ الأوان علىّ ذلكّ إنهاّ واقعّة فيّ غرامه منّ أعلىّ رأسهاّ إلىّ أخمصّ قدميهاّ و لنّ يتركهاّ هذاّ الحبّ
إلاّ بّموتهاّ ، تحدثّت بنبرةّ واهنةّ ضّعيفة
ـ كيفّ ليّ أن أعلمّ و أنتّ تّبعدني عنكّ آلالاف المسافاتّ إلى الخلفّ ؟
زفرّ بّغيضّ شديدّ لّتتخلل أنامله خصّلات شعرهّ الأسودّ مبعدةّ إياه عنّ مرمى نظرّه بحركّة عّصبية ، كّان يحاّول الحفّاظ علىّ أعّصابه
لكنّ ماريّ تستمرّ بّالحديثّ فّرد بحدةّ
ـ بحقّ الله لماذا تّستمرين بّالتصرف هكذاّ ؟ بأيّ حق تّردين أن تّعلمي أيّ شيء عني ؟ ألاّ تدركين أن كل هذاّ مجرد تّمثيلية ؟
أحكمتّ القبضّ علىّ فستانهاّ و قدّ احمرتّ وجنتيهاّ ليسّ خجلاّ و لاّ إحراجاّ و إنماّ ألماّ و حنقاّ من تجّاهله المستمّر لهاّ فّأجاّبته
بكلّ يأس هيّ الأخرى
ـ لأننيّ أحبكّ أليسّ هذاّ بالسببّ الكافيّ ؟
زفرّ بّكره منّ مزاجهاّ الثائرّ و حاّول المغاّدرة لكنهاّ أمسكتّ بّقميصه منّ الخلفّ و حـّاولت أنّ تجذبّه ناحيتهاّ لكنهاّ نستّ عدمّ قدرتها
على السيرّ ليختلّ توازنّ كرسيهاّ و تّسقطّ أرضاّ ، نظرّ إليهاّ نايتّ بّصدمة ثمّ أرادّ أنّ يساعدهاّ لولاّ أنهاّ دفعتّ بيده جاّنباّ بينماّ هيّ تكتمّ
دموعهاّ أجاّبته بّنبرةّ متحشرجة
ـ أناّ أسفة لقدّ كنتّ كريماّ جداّ بمساعدتيّ و تسديدّ ديون والديّ بينماّ .. أناّ أسفةّ لاّ يحقّ ليّ قول هذاّ لكننيّ فعلاّ أحـبك .. صدريّ يّؤلمنيّ
بّشدة كلماّ رأيتّك برفقةّ إليزابيثّ و أشتاقّ إليكّ حتىّ لو كنتّ أماميّ ، أشتاقّ لسماعّ صوتكّ و أحبّ كيفّ تّفعل المستحيلّ لتحقيقّ أحلامكّ ،
أنـّا أحبكّ نايت و هذاّ مؤلم .. مؤلمّ
عمّ السكونّ تّخللهّ شهقات ماريّ المكتومةّ فيّ حين كانّ نايت يقفّ أمامهاّ ، مدّ يدّيه ليضّعهما حولّ خصرهاّ ثمّ رفعهاّ بكلّ خفة و جعلهاّ
تجلسّ على السريرّ لّيستند هوّ على ركبتهّ بينماّ كانتّ ماريّ تحاول جاّهدة إخفاءّ وجههاّ ، تحدثّ بنبرةّ مبحوحةّ غـّامضة استطاّعت
أنّ تسمعّ اليّأس بهاّ
ـ كيّف أمكنكّ أنّ تحبيّ رجّلا مثّلي ؟ أنـّا لستّ من تخالينني أكونّ ماريّ بلّ على العكسّ تماماّ فّلا يمكنناّ أن نلتقيّ و لاّ يمكننيّ أنّ
أبادّلك هـذاّ الحبّ أبداّ ، إنّ ما تـّبحثينّ عنه لاّ أستطيّع تّقديمه لكّ حتىّ لو أردتّ لذّلك تّخلي عن هـذّه المشّاعرّ
ارتجف جسدّها بأكملهّ أحقاّ قالّ الآن أنه لنّ يحبهاّ أبداّ ؟ حتىّ لو حاولت جاهدةّ هوّ لن يحبهاّ ؟ كلّ شيء فّعلته منذ البّداية كانّ حماقّة منهاّ ،
كيفّ تخلتّ عنّ مبّادئها من أجلهّ و كيفّ كافحتّ لّنيلّ اهتمامه ، كلّ هذاّ مجردّ تفاهة أجلّ فّنظرتّ إليه للمرّة الأخيرةّ بّصمتّ لكنّ عينيهاّ تنطقاّن
بمدىّ غورّ جرحهاّ لذلّك استجمعتّ شّجاعتهاّ و أجاّبته بّنبرةّ صـّادقة
ـ إننيّ أحبكّ و قدّ فّات الآوان علىّ تحذيريّ نايتّ فّحتى لو أردتّ لاّ أستطيّع أنّ أمحوكّ من باليّ ، إنكّ الآن تمثّل كلّ حيّاتيّ بكّ يّنبضّ قلبيّ
لمّ يتحدثّ بلّ إكتفى بّصمت مطبّق ثمّ صدرتّ آهة عميّقة منه ناّبعة منّ أعماقّ صدّره كأنهّ و بّتلكّ الآهة يستطيّع إخراجّ كلّ همومهّ معهاّ
بينماّ أخذتّ ماريّ تنظرّ إليهّ بّصمت هيّ الآخرى ، لوّ أنه فقطّ يلتفت نحوهاّ لّعلها تستطيعّ جعله يّرى العالمّ من نظرتهاّ هي ، بّسمائه صّافية
و ربيـّعه الدافّئ ليتها فقطّ تجعله يّرى أنّ الدنياّ ليست ظّلاماّ فقطّ ، حينماّ ردّ بنبرةّ هادّئة
ـ ارتدي معطفاّ فالجوّ بّارد هناكّ أيضّا،
ثمّ غّادر بخطّوات خافّتة غيرّ مسموعةّ بينماّ اندّفعتّ الدموعّ منّ عينيهاّ مشّكلة خطّوطاّ علىّ وجنتيهاّ الحمّراوتين ، لقدّ حاولتّ و للمرّة
الأخيرّة قّبل أنّ ترحلّ جّعله يدّرك مشّاعرها لكنه تجاّهلها كعّادته لتّدرك هيّ الآخرى أيضّا شيئّا حاولتّ بشدّة نكرانه ، نايت لن يكونّ لهاّ أبداّ
كماّ قّال تماماّ هماّ فيّ طّريقين مّختلفين ، هيّ ترّى النورّ حتىّ لو كانّت الغّرفة مظلمةّ و هوّ يرى كلّ شيءّ مغطىّ بالسّواد حتىّ لو كاّن
النورّ ظاهراّ ، إنه الظّلام و هي عكسه




فيّ تلكّ الغّرفة الصّغيرة كاّنت فّلور مسّتلقيةّ تمسكّ بالوثائّق الرّسمية لّمنزل والدّها بينماّ يبدواّ الترددّ واضحاّ علىّ معالمهاّ ،
بالّرغم منّ أنهاّ بحاّجة ماّسة للماّل لكنّ أنّ تّقوم ببيعّ منزل والدّها يبدواّ أمراّ خاطئّا فّهزتّ رأسهاّ بشدةّ نافيّة هذّه الفكرةّ من
باّلها و محاولّة أنّ تركز علىّ كسبّ المالّ ،
لقدّ قامّ آرثرّ بّترك رّسالة صّوتية علىّ هاتفها الخاصّ يطلبّ منهاّ شراءّ المنزلّ بالتقسيطّ و ذّلك لعدمّ امتلاكه المالّ هوّ الآخرّ
لكنهّ سيدّفع مبّلغاّ لا بأسّ به فيّ البدّاية أيضّا تّواجدّ آرثرّ بمنزلهم يمنحهاّ القّليل من الّثقة فربماّ قدّ تستطيعّ أن تشتريه مجدداّ
فيّ المستقبلّ
أمسكتّ رأسهاّ بّقلة حّيلة عندّما داّهمتّها الكثيرّ من الأفكارّ من كلّ جّهة و كادتّ أنّ تستلقي على السّريرّ لولاّ أنهاّ فيّ حافتهّ
فّسقطتّ على رأسهاّ لتتنهدّ بّضجرّ حينماّ فتحّ البّاب على وسّعه و ظهرّ منه ويّليامّ مرتدياّ قميصّا أبيضّ اللونّ و رّبطة عنقّ معّ
سّروالّ جينز عاّدي بينماّ شعرهّ الأشقرّ مرفوعّ للأعلىّ كعادتّه ، نـظرّ إليها بّعينيه الزرقاوتين ثمّ قّال بّحدةّ
ـ أصحيحّ ما سمعته ؟
زفرّت فلورّ بّكل كره عندّما اضطربت دّقات قّلبها حالّما وقّعت عينيها عليهّ فّاعتدّلت فيّ جلستهّا و نـظرتّ إليهّ ، إنهاّ واثقةّ أنّ
السيدّة فرانسيسّ أخبرّته شيئّا و إلاّ لماّ أتىّ بهذّا الشّكل الثّائرّ لكن ما الذيّ قّالته تلكّ العجوز ؟ فّهزتّ فلور كتّفيها دون إهتمامّ قّائلة
ـ هذاّ يّعتمد علىّ الأمرّ الذيّ سمعّته أيضّا هلاّ قّرعت البابّ قّبل دّخولك ؟
صمتّ علىّ مضضّ ليقتربّ منهاّ ، نـظرّ إلىّ كميةّ الأوراقّ الكثّيرة التيّ احتلتّ الغّرفة ثمّ إلىّ إعلانات الجّرائدّ الملّصقة فيّ كل
زاويةّ ليتأكدّ حينهاّ أنّ فلور ليستّ تّفكر فيّ الرحيلّ و إنماّ هي مغّادرة فّعلاّ فّرفعّ وثيقةّ منزلهاّ و قّال بّإنزعاج
ـ لاّ تقوليّ أنكّ تردين الرحيلّ فقطّ لأجلّ إبعاّد ماريّ عنّ نايت ؟
سّحبت الّوثائق بعصبيةّ من بينّ يدّيه ثمّ وضّعتها فيّ الملفّ الذيّ أمامهاّ ، سحبتّ سترتهاّ و ارتدتها على عجّل عندّما أغلقّ ويّليام
البّاب بّقوة يرمقّها بّكلّ غيضّ،فصاحتّ فلورّ بّكل غضب
ـ و ماّ شأنكّ أنتّ ؟ هلّ أنتّ حّزين لأننيّ سآخذّ ماريّ و لنّ تستطيعّ رؤيتها بّعد الآن ؟ حسناّ أناّ لاّ أهتمّ
زفرّ ويّليامّ بّعصبية هوّ الآخرّ فّكلما حاولّ أن يتحدثّ معهاّ ينتهيّ الأمرّ بينهماّ بإفتعالّ شجارّ كبيرّ هيّ عنيدّة جداّ و غبيّة أيضّا مندّفعة ،
هذاّ ما يجّعلها تخطأ فيّ كل شيءّ تحاول فّعله لذّلك تماسكّ بّكل هدوء للحفّاظ على أعّصابه و ردّ عليهاّ بنبرة هادئةّ
ـ فلّور إنّ ماريّ متزوجةّ الآن لاّ يمكنكّ اختطافها هكذا أيضّا حتىّ لو أرادتّ ماريّ الذّهاب معكّ هل تستطّيعين دفّع تكاليفّ عّلاجّها ؟
علىّ الأقّل و هيّ بّالقصرّ نايت يحرصّ على صحتهاّ و يريدّ مصّلحتهاّ ، بالّرغم من أنه أنانيّ متعجرفّ بّارد غيرّ أنه إذّ تّعلق الأمرّ
بّصديقّ له فّهو سيفعل المستحيلّ لأجلّه ، و نايت يّضع ماريّ فيّ خانة الأصّدقاء أظن ربماّ لاّ أعلم
رمقّته بحدةّ جّعلته يّغلقّ فمه بكلّ توتر ، أقّال أن نايتّ يّعتبرّ ماريّ صدّيقة ؟ هوّ بالكادّ يّعتبرهاّ شخصاّ فّحملتّ وثائقّها بّكل عصبيةّ و
كـّادت أنّ تغّادر عندّما تنهد ويّليام بأسى و هو يمسكهاّ من ذّراعهاّ
ـ لحـظةّ سأخبركّ بشيء،
تّوقفتّ فقطب ويليام حاجبيه بّقليل منّ الترددّ يقوم بمسحّ عرقّ زائفّ من جبّهته لوّ علمّ نايتّ بماّ سيفعله لّسوف يّقتله دون شّفقة
لكنّ لا بأسّ هي أختهاّ فيّ النهاية و هيّ بحاجّة لأن تكونّ إلىّ جانب أختهاّ ، تحدثّ بتوتر
ـ فيّ الحقّيقة فلورّ ، إنّ نايت يخططّ لإرسّال ماريّ برفقة فرانسواّ إلى فرنسّا و ذلّك لّكي يعالجّها ، أيضّا يريدّها أنّ ترحلّ الليّلة
و هي موافقةّ
شّهقت فلوّر بصدمة أيّعقل أنّ نايت يخططّ لإرسّال ماريّ بّعيداّ عنهاّ ؟ لكن لماذاّ لم يّخبرهاّ ؟ و لماّ لم تخبرهاّ ماريّ ؟ يّا ألهي لابدّ أنهاّ
غاضبةّ لأنهاّ لم تزرهاّ أبداّ منذّ أن فتحتّ ماريّ عينيهاّ من الغّيبوبة لكنّها ستتفهمّ إنّ علمتّ أنهاّ كانتّ تبحثّ عن المالّ ليغاّدرا لندن
لكن أيّن المالّ الآن ؟ أمسكتّ برأسهاّ لماّ داّهمها صدّاع و سّارعت بالمغّادرة ّ، إتجّهت إلىّ منزل آرثرّ و قـّامتّ بّطرق البابّ بكلّ قوة
تملكهاّ لكيّ يّفتح آرثرّ و ملامحّ الّرعب ظاّهرة على وجههّ ، فّدّفعتّ فلور الوثائقّ إليه و قاّلت بحدةّ
ـ سّأقوم ببيعكّ المنزل أحتاجّ إلىّ دفّعة مسّبقة أيضاّ ،
أومأّ آرثرّ بّصدمة و سّار بخطّوات مسّرعة ناّحية غّرفته ثمّ قّام بإحّضار وثائقّ آخرى و قّدمها إلىّ فلور التيّ تبعته ، قّال بّدهشة
ـ يجبّ عليكّ توقيعّ هذّه الأوراقّ لتّ
قـاّطعته وسّحبت فلّور القلّم منّ جيبّ سترته و وقعتّ دونّ مباّلاة بينماّ وقعّ آرثرّ بدّوره و عّلاماتّ الحيّرة بّادية على وجههّ فيّ حين كانّ
ويّليام يّقف خّلفهماّ لاّ يصدقّ أنهاّ قامتّ ببيعّ المنزل هكذاّ دونّ أيّ ترددّ و بلّ دون أنّ تباليّ لماّ توقعه ، ثمّ قدمّ آرثرّ لهاّ شيكاّ بسيطاّ
فأخذتّه فلورّ و سـّارعت بالركضّ خاّرجاّ غيرّ مهتمة لّويّليام المناديّ بإسمهاّ و لاّ لّطلبه المترجيّ لهاّ بالتوقفّ ،
أسّرع ويّليامّ خلفهاّ بينماّ بقي آرثرّ يّراقبّ المنظرّ أمامهّ بّنظرّات حاّئرة غيرّ مصدّقة ، حينماّ أمسكّها منّ ذّراعها و جّعلها تستديرّ نحوهّ ، قـّال بّحدة
ـ لاّ يمكنكّ فعلّ هذاّ فلورّ ، لاّ يمكنكّ أنّ تّجبريها على البقّاء لقدّ فات الآوان فّهي مغّادرة
رمقّته بّنـظراتّ غاّضبة حاّنقة و متألمةّ أيضّا ، كيفّ لأختهاّ الفّرد الوحيدّ المتبقيّ من عّائلتها أنّ تغّادر و تتركّها هكّذا ؟ صمتّت لوهلةّ
ثمّ حاّولت أن تسحبّ ذّراعها لكنّ قوتها ضّعفت فجأةّ فّقالتّ بّنبرةّ متحشرجة
ـ كيفّ لكم أن تخفواّ هذاّ عنيّ ؟
أخفضّ رأسهّ بقليلّ من الإحراجّ و الندّم الشديدّ يّعلم تماماّ مدىّ خوف فّلور علىّ أختهاّ لكنّ و لّشخصيتهاّ المندّفعة أرادّ أنّ يبعدهاّ عنّها ،
فّتحدثّ بنبرةّ متوترةّ
ـ فلوّر بالّرغم من أنّ نايتّ متعجرفّ لكنه يّفعل المستحيلّ لمعالجّة ماريّ و حتىّ لو لمّ يرد الاعتراف إلاّ أنهّ حاّليّا هوّ الذيّ يحتاجّ ماريّ
إلىّ جانبهّ أكثرّ مناّ جميعّا ، أرجوكّ أعطه فّرصة
زمتّ شّفتيهاّ بّكل عصّبية فهيّ تكرّه نايتّ كرهاّ لاّ يقدرّ أحدّ على وصّفه و بالّرغم من أنهّ بالنسبةّ لهاّ لاّ يعتبرّ إنسّانا كيفّ ذلكّ و قدّ
تجردّ من كلّ معالمّ الإنسّانية ، قدّ وصّفته الصّحافة بمدمر الإقتصادّ ؟ إنهاّ تّعلم أشّياء عديدّة عنه ، كثّيرة و مخيفةّ لكنهاّ لم تتجرأ علىّ قولهاّ
لماريّ ، أختهاّ التيّ تعشّقه بجّنون فّاستسلمتّ هذّه المرّة لأنهاّ تعلم حتىّ لو أنهاّ عملتّ لآخرّ رمقّ بّحياتهاّ لما استطاعتّ دّفع تّكاليفّ علاجّ ماريّ
فقالت بّنبرة حادةّ
ـ حسناّ أناّ أفعل هذاّ فقطّ لماريّ لكن و لماّ تعودّ سوفّ أحرصّ علىّ جّعلها تعيشّ معيّ أتفهم ذلكّ ؟ أناّ فلور روبرت لا أرضخّ لأحدّ
و ليكنّ نايت واثقّا من هذاّ ،
أومأّ بالإيجابّ موافقاّ ثمّ أمسكّها منّ ذّراعها سّاحبا إياهاّ نحوّ سيّارته بينماّ وقعّ كل هذاّ تحتّ أنظار آرثرّ المتعجبّة و الحاّئرة ، فـّلور تكرهّ نايتّ
و ماريّ مغّادرة إلىّ فرنساّ للعّلاجّ ؟ سيكونّ الأمرّ جيداّ إنّ شفيت فّهز كتفيه بّعدم إهتمام و اتجّه إلىّ شّقته
الآن بّعدما حصّل علّى منزلّ جوناثّان سوفّ يّضمن مسّامحةّ والده رويّ له فّهو يمتلكّ خطةّ تكادّ تكونّ ناجحةّ يحتاجّ فقطّ إلى وجودّ كلا من
فلورّ و ماريّ إلىّ جاّنبه ثمّ تنتهيّ مشكلتهّ العويصّة هذّه ،

/

عندّ بّلوغ السّاعة الـحاديّة عشّر و نصفّ ليلاّ كـّانت تجلسّ على كرّسيها المتحركّ بّقلة حيّلة و يبدواّ العـجزّ واضحاّ عليهّا بجانبهاّ كانّ نايتّ
جـّالسا يّرتديّ وشّاحاّ أسودّ و قّفازاتّ يّخفيّ ملامحـّه مرّاقباّ الأوضّاع بّعينينّ حاّدتينّ لاّ تكادّ تّفوتان أيّ شيءّ ، خلّفهما كـّان فّرانسوا يقفّ
ممسكاّ بجـّواز سّفر ماريّ الذيّ تمّ وضعّ هويةّ جديدّة لهاّ و ذلّك لحماّيتها من تّعقبّ ديميتري ،
ألقتّ ماريّ نـظرّة على نايتّ الذيّ يبدواّ مركزاّ بشدّة ثمّ تنهدّت بأسىّ اعترافهاّ حبّها و كلّماتهاّ الصـّادقة لمّ تّؤثرّ به ، دّق قّلبهاّ بّقوة فّوضـعتّ
يدّها مكانه بّقلق و قدّ شحبّ وجههاّ تماماّ فيّ حين أخذتّ أناملهاّ ترتجفّ كذلّك شّفتيها حدثّ هـذاّ لماّ تمّ الإعـّلان الأخيرّ عنّ رحلّتها فّتقدم
فّرانسوا منهاّ و قـّال بّنبرة هادّئة
ـ سيدتيّ لاّ نستطيعّ البّقاء أكثرّ يجدرّ بناّ الـذّهاب الآنّ
أومأتّ نفياّ غـّير مسّتعدةّ لكنّ فرانسواّ تقـدمّ على آيّ حالّ داّفعا كرّسيهاّ للأمامّ عنـدّما تّشبثت ماريّ بّمعطفّ نايت بكلّ قوتهاّ ، احتـّضنته
و بدأتّ دموعهاّ بأخذّ وجنتيهاّ مأوى لهما ككّل مّرة قـّالت بنبرة بّاكية
ـ لاّ أريدّ رحيلّ ، أرجوكّ نايتّ .. أنـّا لا أستطيّع ، هناكّ خطّب ماّ أنّا أعلم . أرجوكّ لّن أزعجكّ بعدّ الآن فقطّ دعنيّ أبقّى ، أنـّا أسفة نايتّ لا تتركنيّ
إرتبكّ كلاّ الرجلّين و كمّ تمنىّ فرانسواّ لو أنهّ أحضرّ سوزيّ لعلهاّ كانت لتهدأ منّ روعها فيّ حينّ لمّ يعلمّ نايت ما الذيّ قدّ يفعله لّيخفف
من سّوء الـوضعّ حينّ تقدمتّ منهمّ سيدةّ كبيرّة فيّ العـمرّ ثمّ أخذتّ تنـظرّ إلىّ ماريّ التيّ ترفضّ تركّ نايت بالّرغم من محـّاولاتّ العـديدّ من
الأشخاصّ الذّين حـّاولوا الـتدّخل فقّالت السيدّة بتسّاؤل
ـ هـّل أنتّ صديقهاّ ؟
أومأّ نايت بكلّ ارتباك لّتّهز السيدّة رأسهاّ دلاّلة على أنهاّ فهمتّ كل شيءّ ، ثمّ أشّارت له بيدّيها علىّ أنّ يضمهاّ فشحبّ وجهّه بأكمله غيرّ قـّادر
على استيعابّ إشـاراتهاّ أنّ يقدمّ هو علىّ ضمّ ماريّ شيءّ غيرّ معـّقول ؟ هوّ لن يستطيّع حتىّ لو حاولّ ذلّك ، لمّ يّفعل ذلّك قّبلاّ فّرفعت السيدّة
ذّراعيه و لفتهماّ حول ماريّ إرتبكّ نايت فيّ الـبدّاية لكنهّ اعتاد على الأمرّ إذّ أن ماريّ دوما ماّ كانتّ تّضمه برغبته أوّ بدونها لذّلك انحنى و
وضع يدّيه على وجنتيهاّ ينـظرّ إلىّ عينيهاّ بهدوء ، ثمّ تحدثّ بنبرة باردة
ـ مـاريّ إنهاّ ليست نهايةّ الـكونّ، أنتّ ذاّهبة للعـلاجّ لاّ للمشاركة فيّ حـربّ ماّ لذّلك تماسكّي قّليلاّ
نـظرتّ إليه السيدّة بسّخرية أهذاّ أفّضل ماّ يتستطيع فعله لكنّ الذيّ آثار دّهشتها هوّ أنّ ماريّ توقفت فّعلا عنّ البكاءّ و أخذتّ تّمسحّ دموعهاّ
لكيّ تومئ لهّ بالإيجّاب ، فّسحبّ فرانسواّ الكرسيّ للأمامّ مغـّادرين بّرفقتهماّ تلكّ السيدّة التيّ صّارت تتحدث بّلؤم عنّ تّصرف نايت البّارد عندّما
أوقفتهماّ ماريّ مجدداّ ثمّ أداّرت عجلاّت كرسيهاّ مستديّرة بّسرعة ، لاّ لا تستـطيعّ أنّ تـرحلّ هـكذاّ ليسّ بهـذّه الطـّريقة ، لمّ تردّ أنّ يكون وداّعها
الأخيـّر هـكـذاّ .
كـّاد فرانسواّ أنّ يمسكّها لولاّ أن تلكّ السيدّة أوقفته و هي تؤنبه كيّ يتركّها تودّع حبيّبها ، عنـدّما اقتربت منه كّفاية نـظرّ نايت إليهاّ بّإستغّراب
أشـّارت لهّ أن ينحنيّ لّيفعل ذّلك ظّنا منه أنهّا سّتهمسّ بّشيءّ ّ غيرّ أنهاّ وضعتّ ذّراعيها حـّول رّقبته و قـّبلته بّهدوء على شفتيه ثمّ سّارعت
بالابتعاد عنه قد شحبّ وجـهه بأكمله غـيرّ قّادر علىّ التحـركّ بينماّ حدقتّ ماريّ به و إلىّ ردةّ فّعله المصدّومة إذ أنه سرعان ما وقف فّأشارت
على خـده الأيسر و قـالت بّتصميمّ محاولة إخفاءّ ضحكتها
ـ تعـال لقدّ أخطأت الهدفّ أريد أن أمحيّ أثـار إليزابيث ،
رمقّها نايت بحدةّ واضحـةّ فقدّ جذبّت إنتباه المارين بينماّ تظاهر فرانسوا بالتحدثّ في الهاتف كاتماّ ضحكتّه على وجه سيدّه المصدّوم بشدةّ ،
ما الذيّ تتوقعه ماري من شخصّ اعتاد إخفاء مشاعره حتى في صغره ؟ فّقام نايت بمسح خـدهّ بّعصبية بّالغة و قـال ببحة
ـ هلّ هذاّ كافي ؟
عـّاد الإعـلان عنّ رحلّتهم فّأومأت ماريّ نفياّ إذّ أنها عازمةّ على تّنفيذ ماّ برأسهاّ و لن تغاّدر إلاّ و هيّ قد نفذّته ، حينهاّ تنهد نايت بتعبّ شديد
و فّضل لوّ أنهاّ تبكيّ على أن تتصّرف بّمثل هـذاّ الحزم كأنهاّ طّفلة لذّلك إنحنى مجددا ناحيّتها فقبلته علىّ خده لتبتسم بّعدها بّرضا قّائلة
ـ أجلّ هـكذاّ ، لاّ تدّعها تّقترب منك خذّ حذركّ فّهي ماكرّة أيضّا كايلّ حاولّ أنّ تتفهمه خلالّ هـذه الفترة إنهّ يتألم بّشدة لذّلك مهما قّال لكّ لاّ تأخذّ كلامه
على محملّ الجـدّ و إن إقتربت منك إليزابيثّ فّسوف أعود أتفهم ؟ فأناّ أيضّا أملكّ جواسيسّ فيّ القصرّ ، أنـّا أراقبكّ
استمرت بالكلامّ بينماّ فرانسواّ يّدفع كرسيهاّ للأمامّ ، من يصدقّ أن هذه الفتاة كانتّ تبكيّ منذّ قليل ؟ تنهـدّ بّقلة حـّيلة مراقّبا إيّاها و هي تبتعـدّ
خـطّواتّ عنه زمّ شفتيه بّعبوس متذّكرا بّكائها الشديدّ و تّوسلاتهاّ المستمرةّ كانت على وشكّ الدّخول و المّضيفة تّرحب بهماّ عندما استدارت ناحيته
، ابتسمتّ بّرحابة صّدر ثمّ رّفعت يدّها مـّودعة إيّاه فّلا إراديا رفّع يدّه هو الآخر مودّعا لماّ صـرختّ ماري بّقوة
ـ أنـا أحبكّ ، أحـبكمّ جميـعّا .. أخبـرّ فلور أننيّ أحبّها و لاّ داعيّ للقلق ، نايت أحـبك
سحبّ فرانسواّ الكرسيّ إلىّ الأمامّ و هو يّؤنبهاّ علىّ صّوتها العـّالي إذ أنهم يّحاولون جاهـدّين إخفاّء رحيّلها بينماّ هيّ تكشفّ كل شيءّ فيّ
ظرفّ ثانية بالّرغم من أن فرانسوا فيّ البدّاية كانّ يّحاول معّاملتها بّرسمية إلاّ أنهاّ تّثيرّ أعصّابه كأنهاّ طفّلة صّغيرة ، فيّ حين إزدادّ وجه
نايت شّحوباّ إذّ أن الجميّع قدّ إلتفت إليه ضاحكاّ على حبيبته المجّنونة كماّ يّعتقدون غيرّ أنهّ يعلم تمامّا أنّ ماري تسعى لّجعلّ وداعهماّ هـذاّ
ينتهي بإبتسامةّ حتىّ لو كانتّ الدموعّ تنهمرّ من عينيهاّ بدونّ توقفّ لحظّة ماّ غاب هو عن أنـظاّرها إلاّ أنهاّ استمرّت بالإبتسام لأجله ، بّعـدّ
أنّ غـّابت ماريّ عن أنـظاّره سّار بّخـطّوات هـّادئة بطّيئة إلىّ المـخرجّ فجأةّ إرتطّم بّه شخصّ ما ليّكمل نايت طّريقه غيرّ آبه لماّ أمسكّه منّ
ذّراعه ، نـظرّ نايت إلىّ فلورا التيّ تّحاول جاّهدة إخفاءّ دّموعها لتسأله بّحدة
ـ أينّ ماري ؟
عندّما لمّ تجدّ جّواباّ منه عّلمت تماماّ أنّ ماريّ قدّ غـّادرت لندّن بدّون أنّ تودّعها حتىّ فّأخفضتّ فلور رأسهاّ فتـّرة منّ الزمنّ لماّ آتى ويّليام
مسّرعا بّعد أنّ ركن سيّارته ، نـظرّ إليهماّ بّقليل من الحـّسرة إذّ يبدوا أنّ ماريّ غّادرت و لمّ يتسنى لهمّ الوقت بّتوديعهاّ حتى ، تحـدث ويليام
بّندم لكنّه أسّرع بتغيير نبّرته لّنغمة أشدّ حنانّ لماّ لاحظّ ارتجاف جسدّ فلور كأنهاّ تقاوم بّشدة رّغبتها فيّ البكاءّ
ـ لقدّ أخبرتكّ أنهاّ ستكون فيّ المطّار لكنكّ أصررتّ على الذّهاب للقصرّ ، أرأيتّ ؟... آ فـّلورا لاّ بأسّ أعنيّ يمكنناّ دوما أنّ نـحدّثها على الهاتفّ
رفّعت فلورا رأسهاّ لّيرى الاثنين مدىّ حدّة ملامحّها فّكادتّ أن تسددّ لكمة قّوية لّنايت لولاّ أنّ ويلياّم أمسكّها من خصّرها مبعـداّ إياها عنهّ ،
كاّن ويّليام بّدّوره مرتبكاّ و هوّ يرى النـظرّة الحـّادة النـّارية و الخـطيرةّ التي اعتلت ملامحّ نايت كذلّك شتائمّ الـعديدةّ التي أخذتّ فلورا تتفّوه
بهاّ كماّ لو كأنّ فمهاّ هذاّ قد خلقّ لّشتم فقطّ ، قـّال ويّليام بنبرة مّتوترة
ـ هياّ كلاكماّ إنّه ليس بالوقت المناسّب لّشجارّ و ما الذيّ قدّ يفيدّ الكلام الآن ؟ فلورّا اهدئي قليلا ، نايتّ أنتّ كذلكّ تّمالك أعصاّبك ،
تّوقفت فلوراّ فعلا عنّ المقاومة و رتبتّ ملابّسها الفّوضويةّ بّعصبية واّضحة ثمّ أومأتّ بالإيجابّ و هي تقومّ بّسحبّ نايت منّ ذّراعه
بالّرغم من أنهّ لمّ يتحركّ قيدّ أنملة إلاّ أنها استمرت بّسحبه غيرّ مستوعبّة لماّ يحدثّ حولهاّ و هيّ تتكلمّ بنبرةّ مصـدّومة تّخللهاّ الرجاءّ
ـ نعمّ أنتّ محقّ ، ياّ رجلّ لنذّهب لإيقافّ الطاّئرة أنتّ مشهور أليسّ كذلّك ؟ أعنيّ أنتّ تملكّ شّركات لبيرّ بأكملها ّقريباّ ؟ أليسّ كذلكّ ؟
هياّ أطلّب منهم إيقاف الطاّئرة و لنجلبّ ماري ، أناّ أعلمّ أن ماريّ لاّ تريد الذهابّ هيّ تتألمّ أرجوكّ أعدّها إليّ ، عـزيزتيّ ماريّ أعدّها إليّ
إلتزمّ نايت الصّمت فّعادّ ويليام لّيسحبها ناّحيته ، وضعّ يدّيه على كتفيهاّ و قّرب وجّهه منهاّ لكيّ ينظرّ إلى عينيهاّ العسليتينّ الغّاضبتين
بّنـظرّات هـّادئة رقيّقة و حـّنونة ، لفّ ذّراعيه حـّولها ثمّ همسّ بّنبرة صّادقة
ـ أرجوكّ لا تكونيّ هـكذا فّلورا ، كونيّ كما عهدتكّ دوماّ قّوية منّ ماريّ و منّ أجلّي أرجوكّ منّ أجلناّ جميعا
حينّها بكتّ فلورّ فيّ حضّنه كأنهاّ طـّفلة صّغيرة تسّعى للأمانّ ، بكتّ و بكتّ كماّ لمّ يسبقّ لها أنّ فعلت ، لقدّ بذّلت كلّ جهدّها لحماية آختهاّ
لكنّها بـاءت بالفّشل ، لماذاّ هي فّاشلة هـكذاّ ؟ لماّذا لمّ تستطعّ حماّية الشخصّ الوحيدّ الذيّ تأبه لأمرّه ؟ بينماّ كان ويّليام يّواسيهاّ بكّلماتّ
هـّادئة حنونةّ كعـّادته غيرّ أنّ قلبه تجّرع ألمّ بّسكون و بطّء لرحيلّ ماريّ و لألم فلوراّ ، فيّ حينّ غـّادر نايتّ المكانّ بصـمتّ مطبقّ ،
اتجـه إلى سيّارته و صّعد على متنهاّ ، وضـعّ رأسه علىّ المقودّ ثمّ ضّربه بّأقصى قوته هوّ كذلّك لمّ يستطعّ حمّاية الفتاة الوحـيدةّ التيّ
وقفتّ إلى جاّنبه أحبـته بّصدق ، كيفّ له أنّ يكون بمثّل هـذاّ الضّعف ؟ أليسّ هو نايتّ لبيرّ الذيّ يخـّاف الكلّ من تعامل معه ؟ أليسّ هوّ منّ
يسـعىّ للإنتقـّام فّكيفّ له أنّ يفشلّ فيّ منتصفّ الطـّريق ؟ لماّ رفعّ خصّلات شعرّه الأسودّ كيّ تـّظهر عينيه الدّاكنتين بشدّة تّنبـآن بّمدى شدّة
خـطّورتهماّ ، حيّنها ابتسـمّ بّكل سخريّة قـّائّلا بنبّرة حـّاقدة حـّادة
ـ لقدّ أغضبتّ شخصاّ أتىّ فيّ غنى عنّ غضـبهّ ديميتري

آنتهـّى
__________________