عرض مشاركة واحدة
  #49  
قديم 12-28-2015, 11:47 AM
oud
 
شـّابترّ الـ الثّلاثون

ـ لـّعبة الـّجنود ـ



هّواجسّ تّراودهّ حالّما تسدلّ هاتينّ العينينّ جفّونهماّ كّوابيسّ تّلاحقّه مّحاولة حبّسه بّداّخلهاّ فيّ عـّالم يّغزوه الظّلام تّعمه الوحدةّ
يّتجرعّ فيهّ كـّأس الخذّلان و المّرارة فلمّ يزرّه النومّ كذلك الأحلاّم ، طالّما هذّه الأفكاّر تستمرّ مّتشبثة بّذهنه لنّ يستطيعّ التّمرد
عليهاّ فظّهرت تلكّ الهالاتّ السّوداءّ تّحتّ عينيهّ لتزدادّ بّشرته شّحوباّ كانّ المرضّ قدّ آتاه رافضاّ تّركه ، حمىّ و حبّات عرقّّ أعلىّ
جّبينه فّأخذّ يهذيّ دونّ أنّ يكونّ قـّادرا علىّ أخذّ قسطّ من الراحّة ، أبّعد ذلكّ الغطاّء عنه بعدّ أن شّعر بالحّرارة تنصبّ كاللهب بّعروقه
فوقفّ و بخطّواتّ مرّهقة غيرّ مدّروسة وضّع جسدّه وسطّ تلكّ الميّاه البّاردة و بالّرغم منّ أنّ برودّتها لسعتّ جسدّه دونّ رحمةّ إلاّ
أنّ نيّرانه رفضّت أنّ تنطفئ
سارّ جسدّه ينتفضّ من شدّة البّرودة طالّبا الشّفقة لكنه استمر غيرّ مبّاليا بارتفاع حرارته أو ملاّبسه التيّ تبللتّ بالكاملّ ، بّعد مرورّ
نصفّ سّاعة شّعر بالتحسنّ قّليلاّ فمدّ يدّه ليلتقطّ المنشّفة و يّضعها حّول رأسهّ إذّ أنّ ذلكّ الصّداعّ يّرهقهّ كثيراّ فخطّى علىّ الأرضيّة البّاردة
عندّما إنهالتّ لعّقله ذّكرى ليستّ ببعيدّة ،
تنهّد متسّائلاّ إنّ علمتّ ماريّ بّتلكّ الأخبارّ التيّ نشّرت عنهّ فّهل ستأتيّ مسّرعة لّتغدواّ بجّانبه أمّ ترحلّ كماّ فعلّ الغيرّ معه ؟ استلقى علىّ
الأريكةّ بّإرهاقّ ثم أمسكّ بّآلة التحكمّ عنّ بعدّ و ضّغط علىّ زرّ لكيّ ينارّ شّاشة التلّفاز ، كانّ على قناةّ الأخبّار و الذيّ احتلت صورّته كلّ
ركنّ فيّها رفّع لّصوتّ فّإنتقلّ إلّى مسّامعه كلّماتّ المذيّع
ـ .. فّي قضّية آخرّى كانّ متهماّ فيّها بالقتلّ لكنّ الأدلّة لم تكنّ كاّفية لإداّنته ، حيثّ اتهم سيدّ نايتّ لبيرّ بقّتله لّرجلّ الأعمالّ الروسيّ المشّهور
نيّكولاسّ ماّكاروف و الآنّ هوّ متهمّ بمحاولةّ قتلهّ لبيتر آلّ لبيّر ، فهلّ يّستطيعّ المجرمّ دوماّ الهروبّ منّ خطاّياه دونّ عّقوبة ؟ يجبّ عـ
عـّينين حادّتين تتقدّان شّرّا و كرّها كيفّ لاّ و قدّ تمّ ذّكر إسمهّ جاّنب إلىّ جانبّ معّ نيكولاسّ ماكاروف ، كادّ أنّ يطفّأ التلفازّ عندّما ظّهرت
صّورة لّذلكّ الرجلّ الذيّ دمرّ حيّاته بّأسّرها ، رماّه دونّ مبّالاةّ بّكونه إبنهّ بّإبتسامةّ شديدةّ الجـّاذبية ملّيئة بالخبثّ و دّهاء يّفوق قدرّة البشّر
، تّأوهّ نايتّ بألمّ عندّما إشتدّ صّداعه همسّ بّنبرةّ غـّاضبة نـّارية
ـ سّحقاّ ، سحقّا ..
نـظرّ إلىّ يدّيه بالّرغم منّ أنهّ حرّ إلاّ أنهّ يّشعرّ بّأغلالّ تقيدّه تمنعّه منّ الحركةّ ، بلّ منّ الكلامّ أيضّا كّأنهّ سجّين فيّ قّصره الخاصّ ، مكبلّ و
كلّ الأعينّ تـّراقبه منتـظرّة زلّة آخرّى لهّ كيّ تّقودّه إلىّ حبلّ المشنقة ، تخللتّ أناملهّ خصّلات شعرهّ الأسودّ بّقلة صبرّ لاّ يستطيعّ تحملّ هذاّ
الوضّع بعدّ الآنّ يجبّ عليه التحركّ فّهوّ لاّ يطيّق أنّ يّعيد لديميتريّ ديّنه
عـّبر الـّرواقّ فيّ ظرفّ ثّوانّي بخـطّواتّ سّريعة فّضغط علّى زرّ المصّعد ، إنتظرّ قّليلاّ لكنهّ قررّ فيّ النهايةّ إكمالّ طرّيقه سّيرا علىّ الأقدّام
ألقى بنظرّيه فيّ كلّ خطّوة يّقدم عليهاّ لقدّ كانّ جوّ القصرّ غّريباّ سّاكناّ و مّخيفّا ، كيّف استطاعّ ديميتريّ جّعل أغلبيةّ الخدمّ يّصبحون فيّ كفه
؟ نـظّراتهمّ الفضوليةّ تّراقبهمّ ، شّفاههمّ تستمرّ بّالحركةّ و ألسنتهمّ تّتناولهّ كّمقّبلاتّ لذّيذةّ طّوال الأمسيةّ ، وقفّ فجأةّ و رمقّ بّطرفّ عينهّ
أحدّ الخدّم الذيّ تّجرأّ بنعتهّ بالقاتلّ ، تّقدم نـّاحيته ثمّ أمسكّه منّ يّاقته و جذّبه للأعلىّ كيّ يرتطّم جسدّه علىّ الجدارّ الذيّ خلفه بينماّ كانّ
الخادّم مصدّوما إذّ لم يكن ليتخيلّ أبداّ أنّ نايت فيّ يوم ماّ سيفقدّ أعصّابه ، حينّ اقتربّ منه نايت بّسرعة و همسّ فيّ أذنه بنبرةّ خبيثةّ
ـ ألاّ تّعلم أنّ القاتلّ قاّدر علىّ فعلّ كلّ شيءّ ؟ كّإبـادة عـّائلتكّ أمامّ عينيكّ مّثلا ؟
ثمّ إبتعدّ و هو يّضربّ كتفهّ بينماّ على شّفتيه ابتسّامةّ بّاردةّ ، غـّمز لهّ لّيرحلّ مّسرعاّ فّسقطّ الخادّم على ركبّتيه مرتجفّا ، لاّ يعلمّ لماّ لكنّ بدّت
كلّماتّ نايتّ جاّدة جّدا أهـذاّ يعنيّ أنه فّعلا سيبيدّ عّائلته ؟ إنهّ قادرّ على كلّ شيءّ أفلمّ يّقتل سّابقاّ الرجلّ الذيّ شهدتّ البّشرية بأكملهاّ دّهاءه
نيكولاسّ ماكاروف ؟ والدّه البيولوجيّ ؟ قـّال خادّم آخرّ بجاّنبه و الغيضّ يلفّه
ـ لاّ تدّعه يّؤثرّ عليكّ فلقدّ آمن لناّ السيدّ ديميتريّ الحّماية بأكملهاّ و لقدّ أخبرناّ سّابقّا عنهّ لن يّكون قّادر علىّ تحريكّ يديّه أمامّ نـظّريه فّلماذاّ
أنتّ قلقّ هكذاّ ؟ إنهّ رجلّ مثّلنا أيضّا ..
بلعّ الخادمّ الأولّ رّيقه بّتوترّ ثمّ وقفّ على قدّميه ، لاّ إنهّ ليسّ مثلهمّ علىّ الإطلاقّ فّذلك الرجلّ أقلّ ماّ يّقال عنهّ وحشّ بّهيئة إنسّان ، أقّالوا
أنّ نيكولاسّ والدّه البّيولوجيّ ؟ هـذاّ أمرّ لاّ يصدقّ .. كانّ يّراقب خطّوات نايتّ الهادئّة لمّ تكن تنمّ أبداّ على قّلقه أوّ خوفه بّل كان هادئاّ لدرجةّ
مخيفة ، تنهدّ محاولاّ إستعادّة قوتهّ ليتحدثّ بنبرةّ مرتبكةّ
ـ يبدواّ مخيفاّ، أحقاّ قتـّل قيصرّ روسيّا نيكولاسّ ؟
هزّ صدّيقه كتفيهّ دلالة علىّ عدمّ المعرفةّ فّشّائعات حولّ نايتّ كثيّرة و معّظمهاّ ليستّ صحيحة أبداّ لذلّك مّعرفة ماّ إنّ كانّ نايتّ فعلاّ قدّ قتلّ
والدّه أمرّ صّعب للغايةّ ، تحدثّ بهدوءّ
ـ إنهّ لغزّ لاّ يعّرف حلّه أحدّ فلا تتعبّ نفسكّ بنبشّ حولّه لأنكّ لنّ تجدّ شيئّا ،
مدّ يدّه مستعداّ لّفتح البـّوابة عنـّدما إنتقل إلى مسّامعه نـداّء كاّيل المستمرّ له ، كاّن بعيداّ بعض الشيءّ مماّ جعله ينتظرّ لوهلة من الزمنّ قبلّ
أنّ يصلّ كـّايل إليهّ فّرمقه نايتّ ببّرود بالّرغم منّ أن ظّروفهمّ مّؤلمة إلاّ أنه لا يستطيعّ التخلي عنّ حذّره منهّ لماّ تحدثّ كايل بنبرةّ قّلقة
مقّاطعا حبّل أفكاّره
ـ نايتّ ألنّ تذّهب لزّيارة جديّ ؟
مـّلامح نايتّ الهـّادئة لاّ تدّل أبداّ على أنهّ ذاّهب لزيّارة جدّهم إذّ و حتىّ بّهدوئه كاّنت هناكّ تلكّ النظرّة العـّدائية الإستقراطّية و التيّ تنبأ بّرغبتهّ
الشّديدةّ فيّ كسرّ رّقبة منّ كان السببّ ، هـزّ كتّفيه دلالّة على عدم الإهتمامّ قاّئلا و هو يّشيح رأسهّ بعيداّ
ـ أناّ المشتبهّ الوحيدّ فيّ قضّية تسميمّ جدّنا أتّظن أنّ زيّارتي لّه ستعتبرّ مجّرد زّيارة أمّ محاّولة ثانية لّقّتله ؟
أخفضّ كاّيل بّصره للأسّفل إذّ أنه يعلمّ تماماّ ماّ الذيّ يّقصده نايتّ فخلالّ إستجوابهماّ كانتّ الشّرطة عداّئية جّدا نحوّ نايت و قدّ كانتّ رغبتهماّ فيّ
سجّنه كّما لو كأنهماّ قدّ تأكدّا منّ أنه بالفعلّ هو المجرمّ ، لكنّه يعلمّ جيداّ أنّ نايتّ بالرغمّ من صّفاته الأنانيةّ السيّئة إلاّ أنه غيرّ قابلّ على القتلّ
فكيّف له أنّ يأخذّ حياة الشخصّ الوحيدّ الذيّ وقفّ بجاّنبه عندّما تبرأ منه الكل ؟ فتحّ فمه ليتحدّث لولاّ أنه لمحّ إبتسامةّ نايتّ المستهزئة مماّ
جّعله يّشعر بالصدمةّ ، بينماّ رفع نايتّ يدّه مودعاّ إيّاه ثمّ غـّادر بكلّ بّساطة ..

/

أضّواءّ بّاريسّ منتـّشرة فيّ كلّ شّارعّ و قدّ ضجّ بّأناس عـّدة لأغّراضّ مختلفة ، فيّ ذلكّ المبنى الذيّ حمل إسم المستشفى حيثّ كانّت ماريّ تجلسّ
على كرّسيها المتحركّ بينّ جـّدران غـّرفتهاّ البيضّاء ذاتّ رائحةّ المعّقم ، شّعرها البنيّ قدّ إزدادّ طّولا و صّار متموجاّ على ظهرهاّ بكل عنفوانّ
بينماّ عينيهاّ العّسليتينّ قدّ بهتّ لونهما فّإختفى ذلكّ اللمعّان الذيّ يميزهماّ ، تنهـدتّ بّقلة حيّلة مسندةّ رأسهاّ علىّ كفّ يدّها إذّ هناكّ أسّئلة كثيرّة
تدورّ بباّلها تجّعلها غيرّ قّادرة علىّ الـّتركيزّ فّأين هوّ نايتّ ؟ و لماذاّ أخبرهاّ بأنّ تعتنيّ بنفسهاّ كّأنه سّوف يّتركهاّ للأبدّ ؟ ..
لقدّ إتصلتّ بهّ مراراّ و تـّكراراّ بـّعد تلكّ المكالّمة المخّيفة فيّ نظرهاّ لكنهاّ لم تستطّع أنّ تصلّ إليهّ و كأنّ هاتفّه قدّ تـّعطل عنّ العـّمل لهذاّ تّريد بّشدة
أنّ تتصلّ بسوزي لعلهاّ تّخبرهاّ بماهية الأوضاعّ هناكّ غيرّ أنها خاّئفة منّ كونها ستتسبب لها مشاكل ، رفـّعت هاتفهاّ مستعدةّ للإتصالّ عندّما فتحّ
بابّ بقوة ليّظهر منّ خلفه ذلكّ الطبيبّ بالّرغم منّ كونه من الطبّقة المّثقفة أوّ بالأحرى عبقريّا إلاّ أنهّ يفتقد اللبّاقة ، فّرمقته ماريّ بنظراّت حاّدة و
قررتّ تجاّهله لكنه تحدثّ بّلا مبّالاة
ـ سيدةّ ماريّ لبيرّ ، تعـّاليّ معيّ
انتظّرها أنّ تتـّبعه غيرّ أنهاّ كانتّ مصّممة علىّ عدم الإستماعّ لأوامرّه بعدّ الآنّ فّإتجّه نحوهاّ و وضّع يديّه خلفّ كرّسيها لّيقومّ بدّفعهاّ إلىّ الخـّارج
غيرّ آبه باعتراضاتها أوّ حتىّ صّراخهاّ الحادّ نحوهّ ، و لّصوتهاّ العـّاليّ ركضّ فرّانسوا ناّحيتهاّ كاّن متّعجبّا منّ طرّيقة الطبيبّ فيّ معـّالجة مرّضاه
فّسارّ بجاّنبهم غيرّ قادر على الاعتراضّ إذّ أن هذاّ يّخص مصّلحة سيدّته ،
لقدّ ظنتّ ماريّ فيّ البداّية أنهّ سيأخذّها إلىّ صّالة الريّاضة لكنّ سّرعان ماّ علت الصّدمة ملامحّها و همّ يتخطّون البـّوابة الخـّارجية للمستشفى ،
كّان يبدواّ الطبيبّ واثقاّ منّ تّصرفه بينماّ بدا الحـذرّ يعتلي فّرانسواّ و أرادتّ فعلاّ ماريّ أنّ تعودّ لغّرفتها الخاّلية لكنهاّ آمنة بالنسبّة لهاّ لكنّ تواجدّها
فيّ الشّارع بينّ كلّ هؤّلاء الناسّ جّعلها تترددّ فيّ معّارضته لذلّك زمتّ شفتيهاّ بصمتّ مطبقّ و قررتّ أنّ تتبعهّ لترى ماّ الذيّ يحاّول أنّ يفعله ،
شّدت فيّ أفكاّرها قّليلاّ إذّ أنّ مغيبّ نايتّ عنّ نظرّيها يّحطمّ قلبهاّ فّهي بّحاجة ماّسة لّسماعّ صوتهّ ، إنهّ بمثّابة أدرينالين الذيّ يضّخ فيّ جسّمهاّ و
رّؤية تجّعلها تنتعشّ مجدداّ فّلماذاّ يّلعب بّقلبها هكذاّ ؟ لاّ يتصلّ و لاّ يسّأل لكنّ الشيءّ الأدهى و المرّ ّ أنهّ يتألم و هي تشعرّ بذلكّ ، تـّشعرّ بّأن الخـطرّ
يحيطّ به منّ كلّ جّهة ، استيقظت من بحرّ غيبوبتهاّ القصّيرة عندّما دفّعها الطّبيبّ وسطّ الـطرّيقّ ثمّ تّرك عّجلات كّرسيهاّ تدور بدّون هوادّة و دونّ نيّة
فيّ إمساكهاّ بينماّ عينيه البّاردتين تراقّبانها بتمعنّ
تلعثمت مّحاولة أنّ تّخرج الكلّمات منّ حلّقها طاّلبة النجدّة فّيكف له أنّ يتركهاّ هكذاّ بينماّ أبواقّ السّيارات ترنّ فيّ أذنهاّ منبّئة بالخطرّ الذيّ يحّط بهاّ
هي الآنّ فّصرختّ بّذعر لماّ صارّت الإشّارة تّخول المارّة المرور للجّهة المقّابلة أخذّ الكلّ يّدفعها لتسقطّ أرضّا ، عندّها فقدّ فرانسواّ أعّصابه فتّقدم
مسّرعا لماّ تحدثّ الطّبيبّ بّبرود
ـ إنّ سّاعدتها الآنّ فلنّ تتعـّاون معناّ أبدّا لكيّ تعودّ للسيرّ لذلكّ أتركّها ترى مدّى عجّزها و حينهاّ ستكتسبّ العـّزيمة اللاّزمة للعّمل بجهدّ منّ أجلّ
مستقبلّ أفّضل ،
نـظرّ فّرانسواّ بترددّ كبيرّ نحوّ ماريّ فّهو بالطبّع يريدّ منهاّ أن تستعيدّ أملهاّ و أنّ لا تستسلمّ أبداّ لصعابّ مثلما كانتّ قّبلاّ لكنّ تعريضّ حيّاتها للخطرّ
هو شيءّ مبالّغ فيه ، بينماّ و فيّ الجّهة الأخرى كانتّ ماري ممدّدة علىّ الأرضّ تحاّول الوصّول لكرّسيها و الدموعّ تملّأ عينيهاّ لماّ إنهالتّ فجأة
ذّكرياّت عديدّة إلىّ ذّهنها فانقلبت الطرّيقّ لتصبحّ قّاعة الـّرقص أماّ عدّم قدّرتها على السيرّ فّخيلّ لهاّ أنّ ذلكّ البابّ الفّولاذيّ لاّ يزالّ يلسعّ قدّميها
و يحّرقّ جلدّها ، أبواقّ السيّارات انقلبت لتصبحّ صّيحاّت الضيوفّ الخاّئفة منّ تلكّ النيّران الملتهبةّ
وضعتّ يديّها علىّ أذّنيها و أخـذتّ تّصرخ بكلّ هستيريةّ النارّ تّلتهمّ قدّميها ، الفّولاذّ يّحطمّ عّظامهّا لأشّلاء محـّاولات كاّيل الياّئسة فيّ إنقّاذها قدّ
بّاءت بالفّشل الذّريع نايتّ الذيّ لاّ تعلمّ إنّ كانّ بخيرّ أمّ لاّ ، فّأغلقت عينيهاّ بقوةّ و بدأتّ دموعهاّ فيّ النزولّ ، كانتّ تبدواّ ضّعيفة و هشةّ للغّاية
صّراخهاّ المناجيّ جعّل الكلّ يبتعدّ عنهاّ خوفاّ ..
حيّنها أحكمّ فرانسواّ القبضّ علىّ يديّه ثمّ سّارع بالركضّ ناحيّتهاّ ، كاّد أنّ يمدّ يدّه لّيرفعهاّ لولاّ أنّ هنـّاك ذرّاعين قّد سبّقتاه فّنـظرّ إلىّ تلكّ الفتاةّ
ذاتّ شعرّ الأشقرّ المتموجّ و التيّ تساعدّ مارّي فيّ النهوضّ بكلّ هدوءّ كانتّ تلكّ الفتاةّ كليرّ غلورّي نفسهاّ ، أمسكتّ ماريّ منّ خصّرها لتّجذّبها
بّعيداّ عن الطٍّريقّ ثمّ جلبتّ كرسيهاّ المتحركّ لتّضعه أمامهاّ ، تحدثتّ بنبرةّ قلقة
ـ ماريّ هلّ أنتّ بخيرّ ؟
تّقدم فرانسواّ منهماّ و دفّع كليرّ بّقوة جاّنباّ إذّ أنه يعلمّ تماماّ بّماضيهاّ كيفّ حاولتّ أنّ تسلبّ ماريّ مالهاّ بّدون مبّالاة لّوضعهاّ ، رّفعها فرانسواّ
بخفةّ كأنه لاّ وزن لهاّ ثمّ جّعلها تجلسّ على الكرسيّ عندّما لاحظّ سكونّها المفاجئّ فّنـظرّ إليّها كّان مغشياّ عليهاّ بالكاّد تّستطيعّ التنفسّ بينماّ إنقلبّ
لون شفتيهاّ إلىّ الأزرقّ فّشعر بالذعّر يّنتابه و لمّ يدريّ من الذيّ عليه فّعله لإنقّاذهاّ فّإستدارّ مسّرعا للخلفّ كيّ يناديّ الطّبيبّ لكنه لمّ يكنّ هناكّ قطّ
، ماّ الذيّ عليه فعله ؟ لقدّ جّعله نايتّ يقسمّ بّأن يّحمي ماريّ حتىّ لو كّلفه الأمرّ حيّاته ؟ كيفّ ستكونّ ردةّ فعله عندّما يعلم أنهّ شّاهدّها تنهارّ
أمامّ عينيه و لمّ يتحركّ قيدّ أنملة لّمساعدتهاّ ؟ لاّبد أنّ ذلكّ الطّبيبّ مجنونّ ، أخذّ يضّرب خدّها بّخفة مناديّا بّإسمهاّ
ـ سيدّتي .. سيدتّي ماريّ أرجوكّ أفيقيّ ، سيدتيّ أنتّ فيّ فرنساّ الآنّ لستّ بالحفّلة أرجوكّ عوديّ لرشدكّ
اقتربت كليرّ بّقليلّ من التوترّ و مدتّ يدّهاّ الممسكةّ بّزجاجةّ العطّر نحوهّ فّأخذّها فرانسواّ دونّ مبّالاة لماهيتهاّ و رش على مندّيله ليّضعه بجّانب
أنفّ ماريّ لعلهاّ تستعيدّ وعيهاّ ، كّانتّ تلكّ اللحظاتّ ثّقيلة و شديدةّ الخـّطورة علىّ قلبّ فرانسواّ الذيّ سّرعان ماّ زفرّ بارتياح عندّما بدأتّ ماري
أخيراّ باستعادة وعيهاّ بّجاّنبه تّقف كليرّ التيّ يبدواّ التوترّ و القلقّ واضحّ على ملامحّها ، فجّأة إنتقل إلى مسامع فرانسوا صوت الطبيب الهادئ
ذو نغمة المخمليةّ
ـ لقدّ كان هذاّ ضروريّا منّ أجلّ أن تستعيدّ نفسهاّ مجدداّ ، إّذ أن أولّ أمرّ يّجب عليك فعله لمعالجّة صدّمة ماّ و تخطيّها هيّ إعاّدة عيشّ أحدّاثها
منّ جديدّ و أرجوّا منكّ ياّ سيدّ فرانسواّ أنّ لا تّقلقّ كثيراّ فّماّ أفعله أناّ يعتبرّ عمليّ لذّلك دعني أقومّ به بما يناسبنيّ
استدارّ فرانسواّ ناحيّته مسرعاّ غيرّ مصدّق ماّ يتفوه بهّ هذاّ الطبيبّ ، لقدّ دفع بّمريضته أمامّ الطّريقّ العـّام و جّعلها تصطدم بّالماّرة كيّ تسقطّ
عمداّ من أجلّ تخطيّ الصدمة ؟ إنهّ أمرّ مجنونّ لاّ يتقبله الواقعّ لكنّ بالّرغم من ذلكّ أملّ فرانسواّ بّأن كلامّه قدّ يكونّ صحيحاّ فّأخذّ ينظرّ بّقلة
حيّلة إلىّ ماريّ ، أمسكتّ كليرّ بذّراع فّرانسواّ تّلقّائياّ ثمّ سّألته بنبرةّ قّلقة
ـ سيديّ هلّ ستكونّ بخيرّ ؟ لن يّؤثر عليها الأمرّ أليس كذّلك ؟
رمقّها فرانسواّ بّبرودّ إذّا أنهاّ تحدثّت معّه بّلغة فرنّسية بّحتة بّالرغّم منّ أنهّ يكّرههاّ إلاّ أنهّ أومأ بالإيجاّب ، ثمّ دّفع بكرّسي ماريّ إلىّ الأمامّ بينماّ
الطّبيبّ يّتبعه بّهدوء محّدثّا إياهّ على نـّظريته حولّ معّالجة الصدّمة بّعيشهاّ من جديدّ و قدّ كاّن موقفّه يّوضحّ مدىّ عدمّ رّغبته فيّ التحدثّ أوّ رّؤية
كليرّ التيّ تفهمتّ الأمرّ و كّادت أنّ تعودّ أدّراجّها لولاّ أنهاّ وجدتّ نفّسها بمرورّ الوقتّ لاّ تزالّ تّقف فيّ مكاّنها تنـظرّ إليّ حيثّما كانتّ ماريّ ،
عندّما نـّادتّها صدّيقتهاّ بذاتّ الشّعر البنيّ و النـظاّرات الطّبية بكلّ حدةّ
ـ كليرّ بحق الله لماذاّ تستمرينّ بالاختفاء هكذاّ ؟ ألمّ يطلبّ منك البروفيسور تقيدّ بّأوامره و إنّ لم تفعليّ فّسيعيدّك فوراّ إلىّ لندنّ ، هيّا دعيناّ نسرعّ
قبلّ أنّ تبتعدّ المجموعةّ أكثرّ
سحبّتها منّ ذّراعها دّون أنّ تتركّ لهاّ فرصةّ للكّلام فّهما ليسّ بحاجّة لّمحاضراتّ البروفيسور الطّويلة عنّ الإنتباهّ و عدمّ اختراق القّوانين مجدداّ
كيّ سماعهماّ لّشرحّه المملّ طّوال الرحّلة ،
__________________