عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 01-22-2016, 02:36 AM
 
[align=center][tabletext="width:90%;background-image:url('http://cdn.top4top.co/p_20o8pi1.jpg');"][cell="filter:;"][align=center]

الفصل الأول ~ (مقدمة) : عيدُك سعيدٌ أيها الملاذ , وداعاً يا ملاذي !




" الرابع من نوفمبر .. هذا اليوم مختلف .. وهو رائعٌ جداً , لكنّه مشحونٌ أيضاً .. حتّى أنّي لم أتمكّن من التسجيل في مذكراتي إلاّ الأن .. فالكثير من رواد مطعمنا قد تجمعوا فيه من الصباح الباكر وحتى ساعة متأخرة من الليل .. لقد تعبت كثيراً من العمل ! .. حسناً , ليس بقدر إخوتي .. لقد طلبوا منّي النّوم لأجل الغد .. لكن أنا أعلم بأنّهم بحاجة إليّ .. أريد أن أضحيَ مثلهم ! .. أتذكر تلك الأيام التي كانوا يتسوّلون فيها .. وفي النّهاية كنت الوحيد الذي ياكل لأن الطعام بالكاد يكفيني .. لقد قالوا لي بأنّهم كبار وأكثر تحمّلاً منّي .. لكن هذا كذب , كانوا يسهرون طوال الليل من شدّة جوعهم في تلك الأيام اللّعينة !

على أي حال .. اليوم كان عيد ميلادٍ مميزٍ جداً .. حيثُ أتمّ (الملاذ) عامه الثّاني على التّوالي .. (الملاذ) مطعمنا الذي خاض الكثير من الصعوبات حتّى بلغ بريقه الحاليّ .. قد استقطب الكثير من الروّاد هذا اليوم .. حتّى أنّ بعضهم قد سهر بالقرب من الباب حتّى لا يفوّت فرصة أن يكون المهنّئ الأول !! .. في العام الماضي تحدثت عن تطوّر (الملاذ) من كشكٍ بسيط إلى مطعم مرموق , وكل هذا بفضل إخوتي بالتأكيد ! .. هذا العام سوف أتحدّث عنهم , أشقائي الذّين ضحّوا بالكثير من الأمور لأجل حياةٍ أفضل ..

على سبيل المثال .. كان (الملاذ) في بداياته ذا مظهر بسيط جداً ويحتاج إلى الكثير من العوامل لجذب النّاس إليه .. وهكذا , أكبر إخوتي أليكساندر .. اضطّر إلى الانسلاخ من حقيقته الهادئة الصامتة إلى ذلك المغنّي السّاحر والغريب ! وبين حينٍ وأخرى كان يطلق تأوّهاتٍ مزعجة كما لو أنّه في الأوبرا !! .. وكل ذلك بسبب صوته الجميل ؟ , أكره هذا .. صحيح أنّه حتّى أنا أدهش من حركاته الاستعراضيّة ونبرة صوته التي يغيّرها بإمتياز وإنسجام , لكن كُل ذلك كذب في كذب .. أليكساندر قال لي بأنّه لا يريد أن يكون هكذا .. لكنّه مطلب الجمهور !

مع ذلك لم يكن هذا كافياً .. وهنا أتى دور أوسط إخوتي الثلاثة , لوكاس ! .. لقد صبغ شعره إلى اللون الأشقر فجأة ذات يوم .. مع تلوين بعض الخصلات بألوانٍ حمراء وزرقاء وخضراء .. وبإضافة العدسات اللّاصقة التي تجعل من عينيه ذا لونٍ أزرق .. أصبح فارس الحبّ المثاليّ السّخيف لكل فتاةٍ سخيفة ! .. وهذا كان أكثر من كافٍ لأن يكتظّ مطعمنا بعشراتِ الإناث الثرثارات .. ومع قليل من الكلام المعسول والمكياج لخلقِ مظهر أفضل .. أصبح معشوقهنّ .. إنّ أخي يكره ذلك من أعماق قلبه , أقسم لكم بهذا .. وإن كان قد اعتاد الأمر , فأنا لم أتعوّد .. ذلك كذب , هو ليس هكذا .. عندما اعترضت قال لوكاس لي: إنه مطلب الجمهور !

كريستيان أصغر إخوتي كان سعيداً بالنجاح الذي حققه المطعم .. لكنّه كان مغتاظاً من حقيقة أنّ كل هذا بفضل إخوتي .. أنا أفهم شعوره .. هو يريد ان يكون مثلهم , أن يضحي مثلهم .. لأجل ذلك قال ذات يوم: لمَ لا يصبح مطعمنا عائلياً؟ .. لقد أراد أن يخفّف من ضغط المراهقين الذي ينهال المطعم يومياً .. أليكساندر ولوكاس رفضا بالطبع , لأن هذا يهدّد بنشاط المطعم .. لكن كريستيان كان ذكياً .. لقد كان يعلم أنّ الأطفال عبارة عن أسلحة بشرية موقوتة وظريفة .. يمكنهم أن يأتوا إلى المطعم أسبوعياً دون همّ فقدان المال .. وهنا كان دور أخي كريستيان العصبيّ والعكِر المزاج .. جذبهم ! .. لقد أصبح المهرج المحبوب الذي يلاعب الأطفال ويمتّعهم .. الآباء أحبّوه قبل أبنائهم .. فأخي كان ذكياً بحيث يُمكنه تحويل طفلٍ شقيّ إلى صالِح بكل عفويّة .. ثمّ أصبح مطعمنا أفضل , فتلك الفترة المريعة من الفتيات والفتيان المراهقين قد انتهت للأبد .. أحبّ العوائِل جداً .. أنا ألعب مع أطفالهم كل يوم , وأصبح لديّ الكثير من الأصدقاء .. لكن كريستيان ينهار يومياً كل ليلة ويصرخ بعصبيّة .. كُل شيء يقوم به كان كذبة كبيرة .. وفي كل مرّة كان يتمتم لنفسه بصوتٍ شبه مسموع: مطلب الجمهور ~ مطلب الجمهور !

لا أعلم لم تذكرت هذه الأمور في مثل هذا اليوم .. الأن أصبحت هذه الصفحة كئيبة مثل المئة وخمسين صفحةٍ التي قبلها .. يا إلاهي .. لمَ أنا متشائم هكذا , لمَ لا أمتلك النظرة الإيجابية التي امتلكها إخوتي؟ .. (الملاذ) .. أنت بيتي , وفيكَ إخوتي , إنّك ملجؤنا .. أحبّك أيها (الملاذ) .. عيدُك سعيدٌ يا أيها الملاذ !
حسناً .. غداً لدي رحلة مدرسيّة للكشّافة .. وستكون طويلة .. أنا مرتبك .. هذه سوف تكون أوّل مرّة أنفصل فيها عن إخوتي لأكثر من يومٍ كامل ! .. ستّة أشهر مدة أكثر من الطويلة .. هل سوف أكون بخير بدونهم؟ "


<>


إنسابت المذكرات من بين يديه فجأة لتبلغ الأرض , أندريه الصبي البالغ من عُمره عشراً تنهّد وهو يهمّ بإلتقاطها ثمّ ركنها جانباً داخل واحدٍ من أدراج مكتبه .. لقد كان هناك جملة إضافيّة يريد توثيقها بالورقة الأخيرة من هذه المذكرات .. لكنّه أقنع نفسه بأن هذا يكفي , لطالما كان يصف يومه بأقل من خمسة أسطر .. ما سرّ رغبته المفاجئة للكتابة هذا اليوم بالذات؟؟ , أهذا راجع لأنّه عيدُ ميلادِ مطعمهم؟ .. لكنّه لم يكتب بمثل هذا القدر في العام الماضي .. ربّما السبب لأنّه خائف من الغد .. خائف من فِراق إخوته .. لا ليس ربّما , بل هو متأكد من ذلك .. 'لا أريد أن أذهب إلى المخيّم' .. خطر ذلك في ذهنه لبرهة !

" هذا يكفي- " تمتم بذلك محاولاً قطع سلسلة هواجسه اللامتناهية " -يجب أن أنام ! " قال ذلك قبل أن يقفز إلى فراشه ليُحيط كامل جسمه بالملاءة , لبرهة تذكّر أنّه لم يأكل شيءً .. لقد طلب منه إخوته أخذ أي شيءٍ من الثّلاجة .. فهم مشغولون بالقدر الذي يمنعهم من الجلوس لثانية فكيف بتناول العشاء معاً مثل كُل ليلة ؟!

" فأل سيّء , إنّه فأل سيّء وشؤمٌ كبير ! " قال ذلِك بحسرة , هذه المرّة الأولى طوال حياته التي لا يتشارك فيها الحديث مع إخوته حول مائدة العشاء .. إنه الوقت الوحيد الذي يمكنه أن يمرح معهم من دون كذبٍ أو زِيف ! .. صرّح لنفسه بأنّ هذا ظُلم .. ثمّ ما لبث الصبيّ أندريه أن آنس النّوم في النّهاية !

أندريه الذّي حَلم بإخوته تلك الليلة , همسَ حالماً في نومِه , بالجملةِ التي أراد كتابتها في مذكراته " .. هل سوف يكونون بخيرٍ من دوني؟ " , أندريه ودّع في تلك الليلة ملاذه.. أشقائه.. ولم يأكل البتّة رُغم جوعه !


والجوع تشكّل .. في الجسدِ والقلبِ والرّوح .. جوعٌ أجوف !

[/align]
[/cell][/tabletext][/align]
__________________