عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 01-26-2016, 11:51 AM
 
[ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:800px;background-image:url('http://up.arabseyes.com/uploads2013/28_01_16145397721093441.png');"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]




2
ل
اتوازن في الحياة و أيضا تتبدل!

هاروكي أدار وجهه دون شعور باضطراب واضح: مرحبا سيدي المدير .

انحنت ايريكا مرحبة بدورها: صباح الخير أستاذ.
وضع اصبعيه ليقوم بتعديل نظارته ثم أشار لهما: هل لكما أن تتفضلا علي قبل أن تدخلا الفصل بسرد قصة تأخر اليوم؟
أجابه هاروكي قبل أن يتحرك من مكانه متجها للداخل: لقد تأخر القطار أستاذ، أعتذر عن هذا لكن يجب أن أحظر الدرس.

كانت تقف ساكنة تنظر له كيف تركها و ذهب ...
انحنت لتتقدم هي الأخرى لكن سبابة المدير التي قامت بجرها اوقفتها: انتظري... قولي لذلك الجبان أن موعدكم بعد الحصة ... فهمت.
تلفظت ب : أجل.. سأخبره.

تركها لتذهب و تنهد بعمق: أكثر مهمة صعبة هي التعامل معهما.
عاد هو الآخر لأدراجه......

التقت في ممرات المدرسه به لتقول له صارخة: هاروكي... لنا موعد في مكتبه.
أسمعها جملته: مرة أخرى...ألا ييأس ذلك المدير، إنه عنيد .
توقفا و بلعا ريقهما استعدادا لما ينتظرهما....
ايريكا : العقبة الأخرى.

كان ظلهما كفيل بفتح باب الفصل من الناحية الأخرى و ظهور وجه المعلمةمقطب الحاجبين: قفا مكانكما.
دخل هاروكي بجرأة: لقد رآنا المدير ندخل، فلا بأس.
التفتت لجرأته و قالت بحدة واضحة في لكنتها: هاروكي ..!
نظر لها نظرة بلهاء كأنها لاتعي سبب هذا الإنفعال ليسمعها تقول له: ابق واقفا طيلة الدرس، أتفهم؟
وصل للكرسي المخصص له قائلا بلحن سخرية: حاظر معلمتي.

كتمت غيضها منه بصعوبة و أتاحت لنفسها النظر لإيريكا الواقفة مكانها من،ناحية أخرى لتؤشر لها بسبابتها بالدخول لتقول لها ايريكا بامتنان جزئي: أشكرك..سأحاول أن لا يتكرر.





الوقوف أمام ذاك الباب الأبيض يشعر بالرهبة للتوتر.. لكن ليس لهذين الطالبين... فالوقوف هنا أمر طبيعي للغاية ، حتى أنه لايشعرهم ببعض الحماسة او التغير في يومهم....
لمحت ايريكا الشاب الذي يشاركها الوضع: هل أنت مستعد؟
يجاريها بقوله: ماذا عنك؟

سمع من في الداخل طرق الباب ففتحه خارجا و يدخل الاثنين لملاقاة من في الداخل.....
بعد خروج ذاك المعلم و إغلاقه للباب اعتلى الصراخ فورا: هذه الألف و خمسه و ثمانون مرة ... لماذا يجب أن أتحملكم أكثر، أخبراني فقط لماذا يجب أن أتحملكم أنتما الإثنان؟

ابتسم هاروكي للحظة قائلا في نفسه ( الف و خمس و ثمانون... يا للدقة)
لكنه تدارك نفسه: لقد أخبرتك أستاذ أن قطار المحطة تأخر.
رد عليه بانفعال:... متى القطار يتأخر؟...أنت،المتأخر على الوصول له أيها الأبله.
كتمت ايريكا ضحكتها( عقلاني...)
بدى يوجه نظراته المباشرة لهما: مرة أخرى فقط...مرة أخرى و سوف تنسيان اسم هذه المدرسة.
تكلمت ميرنا بدورها: سنحاول أن لاتكون نتأخر مرة أخرى... أعتذر حقا لهذا...حقا أستاذ...سأحاول تغيير الوضع.

فتح الباب مشيرا لهما: لا تنسيا، المرة القادمة عقوبتكما هي الطرد.
خرجا بعد الانحناء احتراما ليغلق الباب و يعود لمقعده منهكا: هذه العائلة .....تقودني للجنون.





بدءا يمشيان في تلك الشوارع المزدحمة و هما ينويان عدم العودة لبيتيهما بسرعة كما كل يوم......
هروبا من الواقع الذي هما فيه...
مواساة لبعضهما بالصمت تارة و بالمزاح أخرى....
أنفاسهما المختلطة تكفي لمعرفة صدق الآخر في مواساته...راحته بجانب الآخر.....و ظهور روعة ابتسامته أمام عيني من يقابله....
أجل، فهذين من ظهرا في هذا العالم كان من الجلي ارتباطهما ..

هما..صديقي طفولة .. و رفيقي عمر ازدهر لكونهما بجنب بعضهما البعض... و الفضل لهذه اللحظات في حياتهما كانت و تكون لعلاقة صداقة لعائلتيهما ..
جلسا فوق تلك الكراسي الرمادية المزينة بأقمشة مزخرفة بيضاء مما أعطى المكان طابعا هادئا ...
ابتسمت بخفة له: شكرا لوقوفك بجانبي هاروكي.
رد ابتسامتها بابتسامة أخرى : لا تشكريني... ذلك هو كل مايسليني على كل حال.
أحست ببعض الغيظ: يسليك!... بحق، أنت لا تستحق لطفي.
زادت ابتسامته اتساعا حتى بانت أسناناته: حقا أنت لطيفة الآن.
أشاحت بوجهها عنه: يا إلهي..

تحول هاروكي لشخص جدي فجأة ليسألها: هل الأمور متأزمة في منزلك لهذه الدرجة؟
أجابت: أكثر مما تتخيل... أظن أن أمرهما سيؤول للطلاق.
توسعت عينيه قليلا: طلاق !
أتمت بنفس لهجتها: صدقني... اليوم الذي يهدءان فيه هو اليوم الذي يتجاهلان بعضهما البعض.
تكتفت قائلة بنوع من الشكوى: لا أعرف بحق، لم يجب أن يتزوجا شخصين ليتشاجرا عشرون ساعة من الأربع و عشرين في اليوم.
فكر لحظة ثم أجاب: بعضهم يبينون حبهم بالشجار...
نظرت له بجدية تامة أوقفته عن مواصلة الحديث : هاروكي، أنت أحمق... مسكينة تلك الفتاة التي ستشاجرها لتبين حبك...ما هذه الفكرة السخيفة؟
قال لها : بواقعية...شئت أن أبيت هناك أناس بهذا الطبع ايريكا.
أشارت للنادل ليقترب منحنيا: مرحبا بكما، ما هو الطلب؟
أجابته بلباقة: بوضة شكلاه.
وجه وجهه نحو هاروكي ليسمعه: مثلها.
" الآن.."

عاد بمثلجات في كؤوس زجاجية لامعة تعكس اللون البني الذي حوته......
نهضا لتقول ايريكا وضحكتها هي تحمل حقيبتها: تعال معي للمنزل.
ملامحه المستفسرة بينت لها مافي خاطره: مابك؟... زيارة لمنزلي و بعض المراجعة.
توضحت له المسأله لكن لم يكن عليه أن يوافق على أي حال: ليس اليوم.
"لماذا؟!... أنت كفرد من العائلة... ستفرح أمي لو رأتك... خاصة أن والدك ليس في المنزل"

نهض هو الآخر : لدي موعد مع شخص اليوم و يجب أن أعد نفسي.
علت فمها ابتسامة عريضة: هي..هي... حصلت على تلك البلهاء التي تستطيع سرقة قلبها إذا.
قال ببرود: موعد مع والدي.
وقفت مصدومة لحظة لكن سرعان ماعادت ابتسامتها بابتهاج أكبر: رائع..رائع... حقا أنا مسرورة لك هاروكي، أخيرا لك الفرصة لتقترب من أبيك.
أجابها محاولا رسم الإبتسام بنحو من البرود: أه... إنها فرصة.
أوصلها لمنزلها و أراد أن يشد رحاله لحيث يجبب أن يرحل لكن أوقفته جملة ايريكا: بالتوفيق...أتمنى لك يوما سعيدا.
ركز نظره عليها لوهلة ثم قال: شكرا لك، سأبذل جهدي ليكون يوما جيدا.
ابتعد عنها و هي تنظر له بفرح قمرها و أمل اجتاحها بأن يجد هاروكي مكانه في قلب

والده... ذاك الأب الذي طالما غاب عن بيته و ابنه ليجلب للناس راحة البال و صفاء الخيال بأمن يقدمه تضحية منه...
لكن الضحية ليس سوى هاروكي.... هو الذي طالما عانى الوحدة و الصمت، عانى برؤية من حوله مبتسما في كنف العائلة رغم أن لا عائلة تضمه ...
لديه عائلة و هي رائعة لكنها تكونت من أم أهدته روحا لتفارق هي روحها، و أب اختار أصعب الأعمال و أخطرها... ذاك هو عمل الشرطي..





دخلت لذاك المنزل الذي احتفظ بظاهره الجميل عكس ما يحويه من أجواء متهيجه...
" لقد عدت "
أجابها والدها من غرفة الجلوس : أهلا بك بنيتي..كيف كان الإمتحان؟
اتجهت نحوه ليشعر بالهالة السوداء من خلفه فآدار جسده بهلع: مابك؟
قالت و هي تتأرجح بيأس: لا تذكرني. . كان فضيعا.
نهض من مكانه: لا بأس ، لا يجب أن تهتمي بدرجات لهذه الدرجة .
استدركت نفسها و باتت تنظر يمنة و يسرة و كأنها تبحث عن شيء: أين هي أمي.
أخذ تنهيدة بينت بعض الإنزعاج: ذهبت لتشتري بعض الحاجيات... إنها حقا لا تدرك زوجة من هي.
أمسك يدها و هي تحاول الذهاب لغرفتها: ايريكا، أقنعي أمك بالبقاء في المنزل .
تعجبت من تصرف والدها و أرادت أن تسأل عن السبب لكن سبقها صوت الباب الذي يفتح: لقد عدت.

تركت ايريكا والدها و ذهبت لتساعد أمها في حمل الحاجيات: دعيني أساعدك.
صعدت بعدها لغرفتها ، تبدل ملابسها و كذا تهتم بدروسه إلى حين الغداء...
كانت أفكارها متشعبة ... هاروكي الذي على أمل قضاء الوقت مع والده لأول مرة ... و من جهة أخرى رجاء والدها الغريب... أمها العصبية في الآونة الأخيرة و كأنها تهوى الشجار مع زوجها....
كلها أفكار نهت ذهنها عن تقبل ملعومات الكتاب الذي تتفحصه أمام ناظريها...





اجتمعت العائلة بهدوء عجيب و جلست هي في الكرس الأوسط على طاولة الطعام، كان الطعام لذيذا و شهيا لكون والدة ايريكا ماهرة في الطبخ، لكن ما لهذه اللذة من طعم و الجو مشحن بالأنفاس الضجرة و المنزعجة.....
تحدث والدها: أنا و هيجي سوف نذهب لمهمة مستعجلة بعد قليل فلا تفعلي شيئا متهورا ....
كان كلامه موجها لزوجته إلا من أجاب بإنفعال : العم هيجي سيذهب معك!
نظر لها بطرف عينيه ببرود: و ماذا في ذلك؟
أشارت بالنفي: لاشيء .
شردت و هي تفكر في هاروكي الذي سيخيب أمله الواهم مرة أخرى...
وأما عن الجواب الأساسي فالأم ظلت صامتة لألا يتعكر مزاجها وسط الوجبة.....
ما أن انتهت ايريكا اتجهت نحو مستقرها المسمى بغرفة... فمسقرها الآن تلك الزوايا الأربع و ليس المنزل عامة.....
جلست على أريكتها البيضاء المنقوشة ببعض الزهور الزهرية و الزرقاء و أخذت هاتفها لتتصل لصديقها......





رتب نفسه و لبس ملابس رسمية باللون الكحلي الذي يفضله ليغطي القميص الأبيض تحته.....
أخذ عطرا و رشه على نفسه و أخذ مشطا صغيرا يرتب به خصلات الأسود المزرق......
ابتسم إلى نفسه و هو ينظر لوسامته و رزانته في المرآة : و كأني ذاهب لخطبة فتاة و ليس لقاء ابن مع أبيه...
صمت و هو يركز على نفسه
(ما بال نفسي... أنا و ايريكا، أود لو تفهم دون أن أنطق.... )
لاحظ نقصان شيء فحاول أن يبحث عنه و هو يردد : الربطة...ربطتي...ربطة العنق أين أنت...
رن هاتفه ليرفعه و تجمد ملامحه: أه...حسنا، أفهمك...لاداعي للإعتذار أبي، أنا أعلم عن ظروفك..يا إلهي، أبي حقا لابأس...حسنا حسنا..إلى اللقاء.

ترك نفسه ترتمي فوق السرير و أنفاسه التي يشعر بها بجانب يده تفهمه مدى تأثره، فحتى ليوم واحد ليس له الحق في تمني أن يكون له عائلة......
أغمض جفنيه ببطء ليستسلم للنوم لكن صوت رنين هاتفه أجبره على فتح جفنيه و الرد :نعم.
جلس عند سماع صوتها : أه.. هذه أنت.
ابتسمت بحزن: سمعت عن والدك.. حقا أنا لا أعرف ما أقول.
أجابها بطابع يخرجها مما تشعر به من أسف له: ما تقصدين؟ .... ليس بالشيء المهم، يوم و سيعود.. لاتهمي نفسك.
" ما رأيك لو تأتي لنا .. ستتغير عليك الأجواء"
" لاتقلقي ايريكا..سأكون بخير لوحدي... هل تحتاجون لشيء؟"
"لا"
"فعلا؟"
ضحكت بخفة: لا تقلق ... لن يخفى عليك شيء لو احتجنا.
ابتسم ابتسامة لطيفة: شكرا على اتصالك..كنت بحاجة إليه.
تحركت بؤبؤتها للحظة عند سماع ذلك : لا شكر على واجب هاروكي.
" إذا ...أبلغي عمتي تحياتي"
سمعت صوت ضوضاء فقالت على عجل.....
" أه..حتما، إلى اللقاء"

أغلقت السماعة و توجهت لحيث الصوت، هذه المرة كان الصوت مختلفا و أعلى من الشجار اليومي و هذا ما جرها للنزول،......
كان الأب واقفا يصرخ بجوهرية هذه المرة: يجب أن تفهمي أن الوضع مختلف الآن...
أجابته هي الأخرى: أفهم ماذا؟...أنك تريد حبسي لأحيك الصوف كالعجائز!
الأب: لاتغبيني أكثر كاوروا، إن عمل الشرطي خطير على العائلة أيضا بعض الأحيان.. يجب أن تدركي هذا الأمر.
بدأت تحرك سبابتها بإنفعال: كف عن هذه المبالغة، لقد وضعت حراسا و هذا يكفي ، و يجب أن تعتمد علي كزوجة شرطي لثسعة عشر عاما.
بدى كالهستيري يود إقناعها صارخا بصوت أعلى : اسمعيني ، هذه المرة تفرق عن سابقاتها.
ابتسمت باستهزاء : و أصبحنا عزيزين فجأة.... اذهب لعملك الذي يتجاهلنا فقط، متى كنت معنا أساسا..بالفعل أنت لاتكترث لعائ......
غضبه اجتاح اختياره عند سماعه لتلك الجملة ،و في تلك اللحظة كانت لحظة وصول ايريكا لترى الصدمة.......
صوت صفعة رجت في الأرجاء لتنتهي بإحمرار وجنة والدتها....
نظر لها والدها قائلا : أقنعيها ايريكا، لا يجب أن تخرج هذه الفترة ......
قاطعه خروجها
قائلة: أكرهك أبي
اتجهت نحو الباب الخارجي و أعلنت بذاك الصوت خروجها من المنزل..
ضرب رأسه : تبا، أردت منعك فخرجت هي.
قالت بامتعاض: أنظر لما فعلت.
أدارت جسدها و اتجهت بوجهها نحوه قبل أن تخرج: هذه المهمة غيرتك كثيرا... إنك تحطم نفسك هكذا.
أكملت طريقا لتخرج لكن سرعة زوجها التي جرته ليقف أمامها بحزم أفزغتها و دفعتها للخلف خطوة لتلتصق بالباب: مابك؟
أنزل رأسه ببطء بجانب أذنها ليهمس لها قائلا: كاوروا...
صوت أنفاسه المتهيجة جرتها للنظر لعينيه الجادتين....
أكمل بنبرته الحادة: لن أسامحك لو وضعت قدمك خارج هذا المكان.
تلبكت و بصعوبة تلفظت بإسمه: ريو.
تركها خارجا...تركها تحت ذهولها لتجلس باتساع عينيها :....
( كذلك الوقت... عينيه، نبرته... رجفة يديه... ما الذي يجري ريو؟)





كانت سارحة بما رأته عيناها .. يد والدها المرتفعه ...و لصفع أمها
لم تعطِ والدها فرصةً لشرح موقفه فهي لا ترى مبرراً مهما كان السبب...
حاولت تجاهل الموضوع و بدأت عدِّ موجات البحر المتلاطمة بخفة كما تفعل في كلِّ مرَّة فوصلت لعددٍ نطقت به بصوتٍ منخفض...الثانية و الثلاثون ..

حينها سمعت همساً في أذنها اليمنى مقترنةً بالموجةِ التي تليها ..." الثالثة و ثلاثون"
ابتعدت هلعة و هي تدير جسدها نحو مصدرِ الصوت....
استقرَّت بعد أن رأت هاروكي الواقف خلفها بابتسامةٍ جريئة : أفزعتني.
جلس على الصخرة التي بجانبها : رداً على قلقي , فهاتفكِ مغلق منذ الظهيرة.
أنزلت رأسها قليلاً ليظهر جزءٌ من حزنها : لم أشأ أن يتصل بي والداي , و بالخاصة أبي ..
نظر لها نظرةً جانبية دون أن يتفوه بكلمة.....
...: أبي رفع يده ليصفع أمي .. ما أن دخلت الغرفة التي حوت علو صوته حتى رأيته رافعاً يده قاصدا أن يصفع أمي بها...
استقام بظهره مظهراً بعض التعجب من العم ريو الذي كان ظاهراً عليه اللطف و السماحة : العم ريو

..يضرب خالتي!

" لا أفهم هاروكي ,لمَ يجب أن يتزوج اثنان ليحطما الحياة التي يبنيانها؟...لم يجب أن أكون ضحيتهما التي ترى شجاراتهما الدائمة ؟....حياتي اليومية ليست مستقرة كالباقين...أبي إما في شجار مع أمي أو في مهمةٍ تزيد توترنا و قلقنا عليه ...أمي دائمة الشكوى و الانزعاج.
" تجاهلي...يومان و يعود كلَّ شيءٍ لطبيعته"
" عن أيِّ طبيعة تتحدَّث؟...عن الشجار الدائم ! "
" لدى البعض...الشجار رمز الحب و الألفة"
" غباء...حقاً غباء لا أعتقد به"
ترك نظره للبحر و اتجه لها : أن لا تعتقدي شيئاً لا يعني أن يكون غبياً أو خاطئاً , فلكلٍّ معيار في إظهار مشاعره , مهما كان هذا المعيار غريباً.
أجابته بصوتٍ خافت أقرب إلى الهمس : قد تكون على حق .
رفع بعض الحصى من جوانبه و أعطاها لإيريكا : خذي.
فهمته و أخذت بعضها من يده : شكراً لك.

وقفا و بدأ يرميان تلك الحصى بالبحر علَّ إحداهما تضرب البحر ثلاث ضرباتٍ متوالية , كان هاروكي ماهراً على عكسِ ايريكا التي توقفت تنظر له : لا فائدة..أنا لا أفهم حتى كيف تفعلها.
التقط حجراً أكبر بقليل و رماها هي الأخرى : مشكلتك أنَّكِ تحاولين التغلب على البحر لا أن تستمتعي بما تفعلين...تضعين كلَّ قوتك , هذا ما لا يجب أن تفعليه...إنَّك بذلك تشدين على أعصاب يدك و القوة تتمركز في مكان واحد .
انحنى و التقط حجراً مدبباً قليلاً و أعطاها لها : جربي..ارميها بعشوائية .
وقفت مكانها بشكلٍ مستقيم يبدي تأهبها و رفعت يدها كأنها تمشي مع الهواء...
نجحت و لكن كانت رميةً شبه مختفيه لضعفها...: ما هذا؟
أشار هاروكي بيده نفياً بهزل : إيريكا...أنت سيئة لدرجةٍ لا تصدَّق , إني أتأسَّف على كشف سرِّ مهنتي لك..يا حسرتي.
اصطنعت الغضب بدورها : بل أنت مدرِّب فاشل.
تعالت أصوات ضحكهما التي ظهرت بعد تغيُّر الأجواء ....
توقف عن أسلوبه الهزلي و الضحك : بعيداً عن المزاح..لم تكن رميةً سيئة .
"شكراً"

جلسا صامتين لفترة فأراد هاروكي قتل هذا الصمت و هو موجهٌ عينيه نحوها : إيريكا أنا أفهم....
كلَّ لسانه و نسي ما أراد قوله لها و هو ينظر لشعرها المتطاير للخلف من هبَّاتِ الهواء الباردة كاشفةً عن ملامحها بوضوح....
كانت منحنية و عينيها مرتخيتان تنظر للسماء ...
حدَّق بعينيه نحو الفتاة التي أمضى معها كلَّ حياته و الآن يشعر و كأنَّه يراها لأوَّلِ مرَّه...
أوَّل مرة يلحظ هدوء ملامحها ....صفاء خضرةِ عينيها...لمعان شعرها الأشقر تحت سطوع القمر الذي يكادُ أن يطل بتمام نوره البهي.....لاحظ...رأى...تمعَّن...لكن كان لابدَّ له من أن يتدارك نفسه لولا أنَّها لم تدر وجهها نحوه لتسمعه بصوتٍ يملؤه الترقب بملل : لم تقل لي , ما الذي تفهمه؟
حينها تسمَّر مكانه دون وعي ....

شعرت إيريكا بالغرابة منه فحرَّكت اصبعين من يدها : أوي...هاروكي...أين أنت؟
رمش رمشتين ثمَّ قال : لقد سهوت قليلاً...
تمعنت النظر بعينيه ببلاهة و هو يعالج حرجه بالداخل : حلَّقت بأحلامك.
نهض واقفاً يحرك حدقة عينيه السوداوان بخفاء ليتفادى نظرها دون أن تلاحظ : حسنا..لا أظن أنَّ كلَّ ما يشرد بالتفكير به الشخص يكون أحلاما , فقد تكون أمانٍ يريد تحقيقها.
رفع سبابته نحو الأعلى موجهاً بها نحو السماء : أنظري , ها قد سمعتني الأماني و أرسلت شهابها.

عادت لتنظر لذلك السواد الحالك مستطلعة فترى أنَّ هاروكي صادق فها قطع سواد تلك الظلمة عبور شهابٍ برتقالي اللون زينته بالخلف توهجٌ به بعض الصفرة : حقاً.
أنزل يده ليقول : أمنيتك ستتحقق لو قلتها و أنتِ تنظرين لهذا الشهاب و كما سمعت فهو لا يظهر إلا كل سبعين عاماً...
"أمنية...أظنها ستكون , أن أعود بالزمن لأمنع والدي من هذا الزواج الفاشل"
نظر لها بتعجبٍ واضح و استغراب مما سمعه : أ هذه أمنية ؟ !...دعيهما و شأنهما الآن.
ابتسمت له : أمزح..فالأماني المستحيلة لا يمكن أن تتحقق.
صمتت ثمَّ قالت : أتمنى أن نشعر بالسعادة ...جميعاً..أقصد , أنا..أنت..عمي هيجي و والدي...السعادة التي تربط قلوبنا المتشتتة جميعاً كما كنا صغاراً نجتمع كعائلة على طاولةٍ واحدة.
وجهت نحو حديثها له : ماذا عن أمنيتك هاروكي؟
بدى عليه التفكير قليلاً : حسناً...أمنيتي أنا...أن أكون معك في أن أنتقل معك في أيِّ زمانٍ و مكانٍ تذهبين إليه , فأنا لن أدعك تذهبين وحدكِ كما تعلمين .
قالت ببعضِ التذمر : هاروكي!

بسط كفه ليرفعها بجانبه فتقول له بسرعة : سيختفي الشهاب , قل أمنيتك بسرعة.
تفاجأت أنه قال ببرودٍ يدلُّ على جديته : أمنيتي أن تكون سعادتك بوجودي جانبك.
ابتسمت و كأنها تجيبه : و من لا يشعر بالسعادة بوجود صديقٍ وفيٍّ مثلك هاروكي؟...أنا الآن أشعر بالسعادة و أنت هنا فلا داعي لأن تتمنى.
ضحك ضحكةً خفيفة : سعيدٌ لسماعِ ذلك..لكن أظن أنه كان عليَّ أن أصيغ أمنيتي بشكلٍ آخر.
انحنت لينزل شعرها الطويل جانباً و هي تحكم كفيها ببعض من الخلف : كيف مثلاً؟
بادلها نبرة اللطف : سأقول لك حين تتحقق.
رفعت نفسها لتباشره و بدأت تكح لتعدل نبرة صوتها و كأنها تريد الإعلان عن شيءٍ ما : أمنيتي الأخيرة , أن تتحقق أماني صديقي هاروكي مهما كانت و أن لا يظل بحسرةِ أمنية ليشرد مرَّةً أخرى دون أن يتم حديثه معي.
ضربت جبهته بسبابتها : أحببتها.
ردَّ لها ضربتها بسبابته فوق جبينها : بالطبع , أفضل ما لديك اليوم.



قراءة مُمتعة ،،

[/ALIGN][/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN]

التعديل الأخير تم بواسطة وردة المـودة ; 02-18-2017 الساعة 11:26 AM
رد مع اقتباس