عرض مشاركة واحدة
  #13  
قديم 03-08-2016, 03:50 PM
 




الفصـــل الثالث




وأخيرا.. وصلنا إلى لندن !

كان من حسن الحظ أن جئناها في الصيف فلندن في الشتاء لا تطاق أبداً !

بعد خروجنا من المحطة ركبنا سيارة أجرة أخذتنا إلى الحي الذي تعيش فيه خالة فلورا ..توقفت السيارة أمام الباب الخارجي للمنزل قبل أن ننزل و ندخل إلى الحديقة.. رأتنا الخالة من النافذة فخرجت لتستقبلنا بوجه بشوش مرح : اوه عزيزتي فلورا كيف حالك ؟! لقد كبرت حقا و أصبحت شابة رائعة <ثم حولت نظرها إلي وأضافت : لابد أنك صديقة فلورا التي حدثتني عنها ! لحظة ماذا كان اسمك ؟! آه .. ويندي ! نعم لقد تذكرته ! أهلا بك عزيزتي ، والآن هيا ادخلا لقد صنعت كعكة شوكولاتة شهية ، لا يجب أن تفوتكما..

كانت الخالة دوروثي امرأة عزباء ودودة و لطيفة ، تحب فلورا حبا جما ، إن فلورا محظوظة حقا لأن لديها خالة كهذه .

قدمت لنا الخالة كعكتها اللذيذة مع الشاي ، و بينما نحن نأكل شرعت تسألنا عن خططنا وأهدافنا للمستقبل وكانت إجاباتي تتلخص في : لا أدري .. لست واثقة .. لم أقرر بعد !

وبعد انتهائنا من الأكل و الأسئلة الفضولية .. قالت الخالة على غير توقع بابتسامة ماكرة : إذن يا عزيزتي الصغيرة ما الذي جاء بك إلى لندن ؟! لا تقولي أنك جئت ببراءة لزيارة خالتك الحبيبة فهذا لن ينطل علي ، لأنني أعرفك أكثر من أي شخص آخر !

نظرنا أنا وفلورا إلى بعضنا ثم انفجرنا ضاحكتين ، و قالت فلورا مهزومة : حسنا يا خالتي لقد كشفتني !

- إذن أخبريني !

نظرت فلورا إلي وكأنها تطلب موافقتي أولا فأومأت لها بذلك...عندها قالت : حسنا .. أنت تعرفين السيد ريستارك بالطبع !

- بلا شك .. ولكن ما علاقته بالأمر ؟!

أخذت فلورا نفسا طويلا قبل أن تقول : حسنا.. إن حياته في خطر !

- ماذا ؟!

- نعم ، شخص ما يريد قتله ويجب أن نخبره بذلك حتى يأخذ حذره.. قبل فوات الأوان !

صمتت الخالة للحظات حتى تستوعب الأمر ثم سألت : ولكن كيف عرفت عن الأمر يا فلورا ؟!

دارت عيناه في محجريهما كما لو كانت تبحث في رأسها عن كلمات مناسبة : لقد .. سمعنا شخصا وهو يقول أنه سيقتله.. ولكننا لم نر وجه ذلك الشخص للأسف ولا نعرف عنه شيئا !

- إن هذا غريب.. غريب جدا !

- نعم غريب ، و لكنه حدث

أسندت الخالة ظهرها إلى كرسيها وراحت تفكر بصمت .. فسألتها فلورا : هل تصدقين ما قلته لك ؟!

هزت المرأة رأسها مقطبة جبينها : نعم .. أعتقد هذا ، فأنت فتاة ناضجة و ذكية و لست ذلك النوع السخيف من الفتيات اللاتي يخترعن القصص لجذب الانتباه ، بالمناسبة متى سمعت ذلك الكلام يا فلورا ؟!

- ليلة أمس !

- اوه.. في ليلة ميلادك ؟!

- نعم.. أمر عجيب أليس كذلك ؟!

- همم.. لابد أن نسرع إذن فنحن لا نعرف متى سيضرب ذلك الشخص ضربته !

- تماما ، لكن هل تعرفين أين نجده ؟! أعني مكان إقامة ريستارك ، فلا أظن أنهم سيسمحون لنا برؤيته في مكتبه دون موعد.. لن يكون الدخول إلى مسكنه سهلا أيضا لكن لابد أن نحاول..

- نعم أنت محقة ، يمكنني معرفة ذلك.. ماريا إحدى جاراتي تعمل في شركته لذلك نستطيع معرفة مكانه بسهولة ، ساتصل بها الآن و أسألها عن ذلك !

أخذت الخالة هاتفها المحمول و انتقت إحدى جهات الاتصال المسجلة ثن انتظرت لدقيقة حتى جاءها الرد فقالت الخالة بنبرة ودودة : مرحبا ماريا إنها أنا دوروثي ! في أحسن حال كيف هو يومك في العمل ؟! لابد أنك مشغولة كثيرا وأنا لا أريد أن أعطلك لذلك سأدخل مباشرة في الموضوع .. هل تعرفين أين يقيم رئيسك في العمل السيد ريستارك ؟! فهمت .. و متى يعود إليه ؟! إنها قصة طويلة سأخبرك بها لاحقا ، حسنا.. نعم .. شكرا لك يا عزيزتي !

ثم أغلقت الخط و نظرت إلينا بابتهاج : عرفت موقع منزله .. <ثم ألقت نظرة على ساعة الجدار وأضافت : الذي سيعود إليه بعد ثلاث ساعات من الآن ! حسنا.. إلى أن يحين ذلك الوقت اصعدا للغرفة التي جهزتها لكما و خذا قسطا من الراحة بينما أذهب أنا لشراء بعض الخضار والفواكه..

امتثلنا لأوامرها و صعدنا إلى الغرفة في الطابق العلوي.. كانت مرتبة و مريحة تماما ، ألقيت حقيبتي على الأرض بإهمال ثم سقطت متهالكة فوق الفراش ، بينما جلست على كرسي بجانب سريرها و قالت بسرور : إننا محظوظون حقا ! سار كل شيء سهلا ، و عرفنا كل المعلومات التي نحتاجها في بضع ساعات فقط !

قلت بغموض و عيناي تسرحان إلى سطح الغرفة : نعم.. كل شيء كان سهلا .. سهلا بشكل مريب !

- ماذا تقصدين ؟!

- لا أدري .. أشعر بشعور غريب حيال الأمر كله ، إن كل ما أفكر به الآن هو.. "شادو" !

- "شادو" ؟!!

أدرت رأسي نحوها و قلت بحماس : آه نسيت أن أخبرك ، لقد أسميته "شادو" (الظل) ..أقصد مجرمنا الذي لم يرتكب جريمته بعد !

حدقت في بمزيج من الدهشة و الاستهجات قبل أن تقول مستنكرة : ويندي ! أنت عجيبة فعلا ! تطلقين عليه اسما كما لو كان حيوانك الأليف ! إنه شخص خطير ! خطير و ليس جروا !

رميت رأسي على السرير و انفجرت ضاحكة.. لا أدري لماذا و لكنني أستمتع عندما ينعتني أحد ما بالمجنونة أو الغريبة .. قلت : أعلم هذا لكننا لا نعرف اسمه ، و لا يمكننا أن نناديه طوال الوقت ب"ذلك الشخص" أو "ذلك الشيطان"

عدت أنظر إلى سطح الغرفة بشرود و أنا أضيف : عندما رأيته ليلة أمس كان سواد الليل يغطيه كاملا .. وكأنه ظل وليس بشرا ! ترى.. من يكون ؟! و ماذا يفعل الآن ؟!

أغمضت عيني و استغرقت في أفكاري .. ثم دون أن أشعر غفوت لساعتين كاملتين مرتا بالنسبة لي كخمس دقائق فقط !

أيقظتني فلورا التي ظلت مستيقظة تشاهد التلفاز و كانت الخالة دوروثي قد عادت و أعدت لنا وجبة خفيفة بعد أن انتهينا منها ذهبت أنا و فلورا إلى غرفتنا و ارتدينا أفضل ملابسنا ثم نزلنا إلى الأسفل .. يجب أن نبدو في أجمل مظهر حتى لا يظننا ريستارك مجرد متسولتين جائتا ﻹستجداء المال منه !

كانت الخالة تنتظرنا عند الباب وعندما رأتنا قالتبجدية أكبر من المطلوب : والآن.. هل أنتما مستعدتان ؟!

لم أتمالك نفسي من الضحك ، كانت تتحدث و كأنها قائدة في فرقة المضحين المغفلين في جيش هتلر !

و بعد أن أومأت أنا و صديقتي بالإيجاب خرجنا من البيت و ركبنا سيارتها..

تجولنا لبعض الوقت في أنحاء المدينة قبل أن نتجه إلى منزل ريستارك..إن لندن - بإستثناء جوها المزعج - مدينة في غاية الروعة خصوصا تلك المحلات الفاخرة التي علق على زجاجها لافتة "تخفيضات"!

ثم أخيرا وليس آخرا.. اتجهنا إلى منزل ريستارك .

كان ذلك الثري يسكن الحي الأفخر و الأجمل في العاصمة كلها ! كنا نشاهد بانبهار القصور المنتصبة بتباه على جوانب الطريق و السيارة تسير حتى وقفت أمام بوابة ضخمة .. قالت الخالة : ها قد وصلنا !

نزلنا من السيارة واتجهنا صوب البوابة الموصدة .. فظهر لنا أحد الحراس من الجهة الأخرى وقال ببرود : من أنتم ؟ وماذا تفعلون هنا ؟

تبسمت الخالة و هي تقول بأدب : نريد مقابلة السيد ريستارك من فضلك !

نظر إلينا باستخفاف وهو يتفحصنا بنظرة وقحة : ومن تكونون أنتم ؟!

قالت الخالة بثبات : هذا ليس مهما فهو لا يعرفنا على أية حال ، لكننا نعرف شيئا يهمه كثيرا و نود إخباره به لذا هلا تفضلت و سمحت لنا بالدخول ؟!

- سيدي لا يضيع وقته مع أمثالكم !

لم يعد في استطاعتي السكوت أكثر فاندفعت للأمام و تمسكت بقضبان البوابة الحديدية و الغضب يتملكني : اسمع يا وجه الدب ! نحن لم نأت للاستجداء من سيدك بل لأمر هام يتعلق بحياته ! لذلك بدلا من الوقوف هكذا كالأبله اذهب وأحضر من هو أعلى منك سلطة إن كنت لا تريد إزعاج سيدك و إلا ستتحمل وحدك كامل المسؤولية إذا ما أصابه أي مكروه !

مع أن فلورا وخالتها التزمتا الصمت إلا أنني شعرت برضاهما عما قلت ، أما الحارس المتعجرف فقد تصاعد الدم إلى وجهه ، كان في أوج غضبه ولكنه - و بعد أن أخافه كلامي - لم يملك إلا أن يذهب ويستدعي كبير الخدم الذي كان رجل عجوزا لا يقل عجرفة عنه و لكنه ليس غبيا مثله !

قال عندما رآنا : ما الذي جاء بكن إلى هنا ؟! ولم كل هذه الجلبة ؟!

تحدثت الخالة : لقد طلبنا بأدب مقابلة السيد في أمر مهم جدا ، فقام حارسكم هذا بإهانتنا.. هل هكذا يعامل رجل ثري نبيل سيدات جئن من الريف لمقابلته ؟!

تردد كبير الخدم لفترة بعدها عبس و تجهم و سمح لنا بالدخول ...كان منزل ريستارك - أو بالأحرى قصره - تحفة معمارية حديثة ذو حديقة واسعة جدا ، منسقة ، ومزينة بأجمل الورود . قادنا كبير الخدم إلى داخل القصر ثم أدخلنا إلى غرفة كبيرة وفارهة و قال بلهجة باردة : انتظرن هنا ريثما أخبر سيدي بقدومكن !

جلست فلورا والخالة على الأريكة الثمينة أما أنا فبدأت أتجول في الغرفة متعجبة من كل ما أراه و كأن كل شيء صنع من الذهب و الألماس ! جلست - بعدما فرغت من استكشافي - بحذر على الأريكة بجانب فلورا ، خشيت أن تتوسخ حقيقة ... و في اللحظة التي اعتدلت في جلستي دخل كبير الخدم معلنا عن وصول السيد ريستارك !

كان ألكسندر ريستارك رجلا طويلا ، ممتلئ الجسم في الخمسين من عمره كما بدا من تجاعيد وجه . تقدم وجلس على أريكة قبالتنا.. ثم بدأ يتفحصنا بنظرات محتقرة و كأننا مجرد حشرات تافهة الحجم و القيمة !

..التزم الصمت ينتظرنا أن نبدأ الحديث و لكن الارتباك ربط ألسنتنا فزفر بضيق و قال ببرود مستفز : إذن ما هو هذا الأمر المهم الذي يتعلق بحياتي ؟!

نظرت الخالة دوروثي لفلورا وكأنها تقول لها (هيا تكلمي فأنت من كنت تريدين لقائه !) و نظرت فلورا إلي (أنت تكلمي فأنت من أخبرني بالأمر ! )

وكأننا نبحث عن كبش فداء ! هذا ليس وقت التردد !

حزمت الخالة أمرها عندما رأتنا متوترتين و سحبت نفسا عميقا قبل أن تقول : حياتك .. في خطر يا سيد ريستارك !هناك شخص يريد قتلك !

توقعت أن يفاجأ أو يندهش و لو قليلا لكنه لم يتأثر بتاتا ، رفع أحد حاجبيه في استخفاف وقال : حقا ؟!

هذه المرة تحدثت فلورا : سيدي يجب أن تصدقنا هناك شخص ينوي قتلك وهو جاد في ذلك !

- اه.. ومن يكون ذلك الشخص ؟!

توترت صديقتي و تلعثم لسانها : لا نعلم من هو.. لقد سمعناه فقط وهو يقول ذلك..

- آه.. وأين كان هذا ؟!

- في ..في قرية سانت ماري... في مانشستر !

فأطلق ريستارك ضحكة كريهة احمر وجه فلورا لها و قال مستهزئا : في قرية صغيرة في مانشستر ؟!!

صمت لحظة ثم أضاف بتبجح و استخفاف : تقولين أن فلاح سخيفا يريد أن يقتلني أنا ؟!!

كانت نار الغضب تشتعل و يتطاير لهيبها من عيني و لم أستطع إخمادها ! انتصبت واقفة و صحت في وجهه قائلة : لا تستخف بأحد أيها المتعجرف ! ربما يكون ذلك الشخص ريفيا فقيرا لكنه قد يملك عقلا أكبر من عقلك الصغير و تفكيرا أوسع من تفكيرك الضيق ! لقد قطعنا كل هذه المسافة لنحذرك و لكنك بدلا من الامتنان لنا تعاملنا باحتقار !

ابتسم ريستارك في سخرية وقال : اه هكذا إذن ! جئتن من أجل المكافأة !

لقد غضبت كثيرا في حياتي لكنني لا أذكر أني وصلت هذا الحد من الاشتعال !

- لا نريد منك شيئا يا حصالة النقود الصدئة !

و اندفعت مباشرة نحو باب الغرفة و كدت أغادرها لولا أني تذكرت شيئا نسيت قوله فالتفت تجاه ريستارك قائلة : صحيح .. أنت لست وحدك في خطر ، هناك أربعة غيرك : هندسون ، بيفورت ، لابوف ، روبارج ، إنهم شركائك أيضا لذا يتحتم عليك تحذيرهم !

لأول مرة منذ بدء لقائنا ظهر على وجهه التأثر ! بل الرهبة أيضا ! لم يهتم حين حذرته من الخطر الذي يهدده ، لكنه شعر بالخوف عندما علم أن شركائه في الموقف نفسه ! هذا غريب .. لا أظن أبدا أن ذلك القلق نابع من طيبة قلبه أو حبه لشركائه.. لابد أن هناك سببا آخر.. و ما يثير ضيقي أني لا أستطيع معرفته !

كنت أفكر بذلك وأنا أمشي خارجة من الغرفة ولم أنتبه لنفسي إلا و قد اصطدمت بشخص ما.. تراجعت عدة خطوات و قلت محرجة : ا.. آسفة جدا ، كنت شاردة..

أدهشني أنه لم ينزعج أو يتضايق مطلقا بل ابتسم بعذوبة و قال : لا بأس يا آنستي !

كان رجلا في الثلاثين ، منهدم اللباس ، مصفف الشعر ، تطل عيناه الزرقاوان من خلف نظارة أنيقة .. و أخيرا شخص لطيف في بيت المتعجرفين الوقحين هذا !

دخل الرجل إلى الغرفة التي تركنا ريستارك فيها .. في حين خرجنا نحن إلى الحديقة ثم الشارع حيث أوقفت الخالة سيارتها.. صعدنا إليها فانطلقت بنا عائدة إلى البيت.
قالت فلورا بكآبة ناظرة عبر النافذة إلى القصر و هو يبتعد : يا لها من مضيعة للوقت !

أومأت موافقة و أضفت : لم أر في حياتي رجلا وقحا ومتكبرا مثله ، لو أني بقيت دقيقة أخرى في قصره كنت سأوفر على "شادو " عناء ارتكاب الجريمة بنفسه !

ضحكت فلورا والخالة أيضا ثم قالت الأخيرة مواسية : لا عليكما يا عزيزتي فقد فعلتما ما كان عليكما أن تفعلاه.. وإن كان ريستارك لا يستحق ..

تبسمت و هززت منكبي بلا اكتراث ثم قلت لفلورا : هل تعلمين ما هو الشيء الذي سيحسن مزاجنا ؟!

نظرت إلي و قد انفرجت أساريرها و هتفنا بصوت واحد : التسوق !

فقالت الخالة بمرح : هيا بنا إذن !












رد مع اقتباس