الموضوع
:
إبداع متناثِر ~ 🔥باحثا عن ظلي🔥
عرض مشاركة واحدة
#
28
03-11-2016, 06:29 PM
Mygrace
الفصـــل السادس
إن ما يحدث لا يصدق أبدا !
لم تفك الصدمة أسري منذ اللحظة التي سمعت بها الأخبار ! لقد نفذشادو وعيده بسهولة و دم بارد ، دون أن أتمكن أنا أو أي شخص سواي من فعل شيء ، هذا مخيف ! و لكن ما يخيفني أكثر هو.. هل انتهى الأمر عند هذا الحد ؟! هل ستكون هذه الجريمة هي الأولى و الأخيرة لشادو ؟! أم أن الشركاء الآخرين سيواجهون المصير المروع ذاته و يرحلون قسرا عن هذه الدنيا ؟!
إن مجرد التفكير بهذا الأمر يبعث القشعريرة في أوصالي !
لم نعد للقرية بعد مقتل ريستارك .. أردنا معرفة ما سيتبع ذلك من حوادث . بقينا ليوم آخر أنا و فلورا في بيت الخالة بينما قضى جوني ليلته في فندق قريب..
و صباح هذا اليوم وصلنا الخبر الصاعق بمقتل الأربعة الآخرين ! كان الأمر صادما ، مباغتا و رهيبا لأبعد حد ، مع أني في الواقع رجحت أن يلحق الباقون رفيقهم التعس لكن لم أتخيل أن يحدث ذلك بمثل هذه السرعة الجنونية !
ضربت الخالة دوروثي صدرها بكفها و قالت و دموع الخوف تحتشد على أطراف جفونها : يا إلهي ! هذا مستحيل ! أنا.. أنا لم أكن أصدق الأمر تماما عندما أخبرتماني به .. مع.. أنني حاولت ذلك .. لم أتخيل أبداً .. أن هذا سيتحقق !
لم يثر اعترافها عجبي .. فهي لم تره و هو يخرج من أعماق التراب الصلب ، و لم تسمع ضحكته الشيطانية المتفجرة و لا صوته المشحدوذ بالتصميم و الغارق في ظلمات الكراهية و الحقد ! لو أخذ أي شخص مكاني تلك الليلة و شهد ما شهدته ما كان ليساوره و لو ذرة شك بجدية شادو و عزمه الخطير على زهق أرواحهم !
كانت الشمس توشك على المغيب عندما اجتمعنا نحن الثلاثة في غرفة الجلوس و شرعنا نناقش الأمر ..
بدأ جوني بقوله وهو يتنهد : لقد كنتن محظوظات لأن كبير الخدم أنكر ما قاله الحارس !
أجابت فلورا واضعة يديها تحت ذقنها و علامات البؤس واضحة على وجهها : نعم ، محظوظات جدا ، إن ذلك المجرم قاس لا يرحم !<ثم أضافت موجهة كلامها لي : كانت ستكون نهايتك لو أنه علم برؤيتك له تلك الليلة !
قلت و أنا نصف شاردة : ربما.. كان يعلم !
تجهمت قسمات جوني في استنكار حاد : لو كان يعلم كما تقولين لحاول التخلص منك فهناك احتمال كبير أنك رأيت وجهه !
نظرت نحوه بابتسامة باهتة و أجبت : لا.. لم يكن ليفعل ، لأنه يدرك أني لا أشكل خطرا عليه ، و هو - كما أرى - ليس غبيا حتى يقدم على جريمة لا طائل منها !
فانحت فلورا للأمام و ثبتت نظراتها المتشككة علي : و لكن كيف لا تشكلين خطرا وقد رأيتيه ؟!
- حقا ؟! لكنني لم أميز شيئا من ملامحه ، كل ما رأيته هوظل يتحرك لا أكثر، وهو يعلم ذلك تماما ! لأني لو كنت أعرف شكله لما ترددت في إخبار ريستارك عنه ، فلا سبب يدفعني لإخفاء معلومات مهمة كهذه خصوصا أني قدمت لتحذيره باختياري و إرادتي الكاملة ، أليس كذلك ؟! كما أن إخباري ريستارك وشركائه بنيته لقتلهم لم يكن ليعيق تنفيذ خطته فقد دبر و خطط لها جيدا !
تبادل صديقاي النظرات بحيرة .. ثم تساءلت فلورا : ولكن منذ متى و هو يعلم بالأمر ؟!
أجبت : ربما منذ زيارتنا لريستاريك !
فما كان منهما إلا أن فغرا فاهما بذهول ..و أضفت متبسمة قبل أن يسألا : نعم ، لا تنسيا أنه قتل خمسة رجال أعمال كبار محاطين بعشرات الحراس المسلحين ! لابد أن يكون له مساعدون بين أتباعهم فمن المستحيل أن ينفذ تلك الجرائم وحده و يتواجد في كل الأماكن دون أن يثير الشك حوله !
حك جوني خده و اعترف على مضض : نعم .. هذا منطقي !
و عندما فرغنا من هذه النقاط لم نجد ما نتناقش حوله فساد الصمت بيننا .. إلى أن دخلت الخالة دوروثي و هي تحمل صينية رصت فوقها أكواب العصير مع صحن ممتلئ بالكعك المنزلي..
تركت الصينية على الطاولة و التفت نحونا بقلق لم تحاول كتمه و قالت : يجب أن تعودوا لمانشستر بأسرع ما يمكن ! لا تحشروا أنوفكم في أشياء خطيرة كهذه !
كانت تقف بوضعية متحدية و ترمقنا بصرامة شديدة كما لو كانت متيقنة من رفضنا ..
لكن ظنها لم يكن في محله ، فليس لدى أي منا الرغبة في الاعتراض.. ما الجدوى من بقائنا أصلا إن كانت الجرائم التي جئنا نحذر منها قد وقعت و خسر خمسة رجال حياتهم دون رادع ؟!
أومأنا جميعا بالموافقة و قالت فلورا : نعم .. سنستقل القطار الذي بعد ثلاث ساعات من الآن.. و نعود لقريتنا < ثم وقفت و أشارت إلي : هيا ويندي لنتجول في الأسواق قليلا ريثما يحين موعد قطارنا !
راقني حقا هذا الاقتراح ، فلا شيء يحسن مزاج المرأة أكثر من التسوق !
انطلقنا أنا و فلورا و لحقنا جوني إلى سوق كبير دلتنا عليه الخالة .. لم يكن فاخرا كذلك الذي تجولنا فيه أول مرة لكنه جيد و ذو أسعار مناسبة.
اشترينا الكثير من الأشياء فبغض النظر عن الأسعار المنخفضة اكتشفنا موهبة أخرى لجوني و هي المساومة !
خرجنا من أحد المحلات نحمل أكياس مشترياتنا و الفرحة تغمرنا.. سرنا على الرصيف ثم توقفنا و انتظرنا حتى تحين اللحظة المناسبة لاجتياز الشارع .. و بينما نحن واقفون التقطت أذني مقتطفات من لقاء تلفزيوني تبثه شاشات عدة على واجهة محل الإلكترونيات القريب مني .. التفت لألقي نظرة بعدما شدت انتباهي عبارات معينة .. كان برنامجا يناقش مقتل الأثرياء الخمسة و يستضيف أحد مدراء مؤسسة لوميير - المتبقين - وكان يدعى السيدكريستيان ميلارد !
وجدت السيد ميلارد مختلفا كثيرا عن ريستارك ، رجل هادئ وقور ، أشقر ذو بشرة سمراء و لحية خفيفة أنيقة ، يلتمع في عينينه بريق الذكاء والحكمة .. مع أنه قارب الخمسين من العمر إلا أنه تحلى بقدر وافر من الجاذبية !
كنت أتابع البرنامج من مكاني و قد غاب عن بالي كليا وقوفي على الرصيف .. إلى أن صاحت بي فلورا : ويندي ! هيا لنعبر بسرعة قبل أن تأتي سيارة أخرى !
فانجررت خلفها و نزلت إلى الشارع و فيما أنا أقطعه وصلني صوت مقدم البرنامج و هو يسأل ضيفه : "من تتوقع يا سيدي أن يكون المتسبب في تلك الجرائم ؟! وما الدافع لذلك برأيك ؟!"
أدرت رأسي نحو المحل كي أسمع جواب السيد ميلارد و تباطأت خطواتي دون وعي مني ، و استمر صديقاي في الهرولة نحو الرصيف المقابل بلا انتباه لتخلفي عنهما ..
قال السيد ميلارد بحرص و كأنه يزن كل كلمة ينطقها : "القتل جريمة عظيمة و لا يمكننا إلقاء التهمة على شخص بعينه ما لم يكن بحوزتنا دليل قوي يدينه . مؤسسة لوميير لديها الكثير من الخصوم و المنافسين و لكن أن يقدم أحدهم ....
لم أسمع بقية حديثه ، فصراخ جوني كاد يثقب طبلة أذني :ويندي ! أيتها البلهاء ! ابتعدي بسرعة هناك سيارة قادمة !
نظرت إليه ثم نحو يسار لأفاجأ بسيارة تنطلق تجاهي بسرعة خيالية !
لم يكن في مقدوري تفاديها .. فقد فات الأوان !!
و فيما أنا مستسلمة للموت ، قبضت يد قوية على قميصي و في غمضة عين سحبتني بعيدا ، و لو تأخرت جزءا من الثانية لدهستني السيارة !
سقطت على الأرض و تناثرت الأكياس حولي .. بقيت جالسة لحظات من الصدمة حتى جاء صديقاي إلي ..
صاح جوني و قد احمر وجهه من فرط الغضب : ماذا كنت تفعلين بوقوفك في منتصف الشارع أيتها الغبية ؟!!
أضافت فلورا بنبرة لا تقل لوما : كانت السيارة ستدهسك دون رحمة لو لم يجرك ذلك الشخص في آخر لحظة !
طرفت عيناي و بدأت أستعيد إدراكي.. يا إلهي لقد شغلتني المفاجأة عن شكر منقذني ! نهضت والتفت ورائي ... لكن لم أجد أحدا!!
قال جوني : يبدو أنه قد ذهب..
فسألت : ألم ترياه ؟!
- لم ننتبه كثيرا ، كنا نركز بصرنا عليك حينها.. لكن أعتقد أنه كان يرتدي السواد ويضع قبعة..
تدخلت فلورا موافقة : نعم أظن أنه كان كذلك فعلا !
زفرت بصوت عال و الاستياء يغمرني : يا إلهي ! لماذا ذهب ؟! أردت أن أشكره ! الرجل الشهم عندما يصنع معروفا لا يجب أن يغادر حتى يشكر عليه ! <ثم أضفت بغرور : خصوصا إن كان من يشكره فتاة جميلة !
كتمت فلورا ضحكتها لكن جوني لم يكن بمثل لباقتها فانفجر مقهقها بسخرية : أظنه فر هاربا لهذا السبب !
قلت شاعرة بإهانة شديدة لجمالي : ماذا ؟! هل تقصد أنه هرب مني لأني قبيحة ! <أضفت و أنا أزيح شعري عن وجهي في ثقة و تباه : أنت لا تقدر كم أنت محظوظ لتواجدك بجانبي من بين جميع الرجال ، يجب أن تكون ممتنا !
لم يرد علي بل ظل يضحك .. حتى صرخ بنا شرطي يقف على الرصيف : ابتعدوا عن الطريق أيها الشبان ! أنتم تعرقلون حركة المرور !
ركضنا مبتعدين .. و في الأثناء تحدثت مقلدة طريقة كلامهما في سخرية : ماذا كنتما تفعلان بوقوفكما في منتصف الشارع أيها الغبيان ؟! كانت ستدهسكم سيارة مسرعة دون رحمة !
فكانت إجابتهما واحدة و بالبرود ذاته : اصمتي يا ويندي !
افترقنا بعد ذلك.. اتجه جوني إلى الفندق ليحضر أغراضه و عدنا أنا وفلورا لمنزل الخالة لنحزم حقائبنا ونغادر إلى المحطة .
انتهينا بسرعة من تجهيز أغراضنا ، فحملناها و نزلنا لنودع الخالة دوروثي ثم خرجنا متجهين إلى محطة القطار الأقرب إلينا .
كان علينا الركض بأسرع ما أمكن حتى ندرك القطار قبل انطلاقه فقد تأخرنا ونحن نتسوق ولم نشعر بمرور الوقت.
التقينا بجوني عند مدخل المحطة وانطلقنا مسرعين إلى القطار و تمكنا من اللحاق به في الوقت المناسب .
ارتمينا على مقاعدنا ننهج بتعب.. كان الجو حارا جدا فطلبنا عصيرا باردا ، و في جرعة واحدة ابتلعت نصف ما حوته زجاجتي ، بينما رفعت فلورا خاصتها إلى فمها بهدوء .. لكن قبل أن يلامس العصير شفتيها اصطدم رجل بها دون قصد فسكب بعضه على ملابسها ، اعتذر الأخير بشدة فقالت فلورا بتهذيب : لا بأس سيدي !
قلت لها : لدي منديل ، انتظري لحظة فقط !
و دسست يدي في جيبي و حينما أخرجت المنديل ..سقطت على الأرض قطعة مطوية من الورق !
كان جوني أول من لاحظها فالتقطها و ناولني إياها : خذي لقد سقطت هذه منك !
حملقت في القصاصة مقطبة جبيني باستغراب و عجب : لا أذكر أني وضعت ورقة كهذه في جيبي !
أخذتها من صديقي و فتحتها .. كان مطبوعا عليها بضع كلمات .. و هي :
"كوني حذرة ! فحياتك في خطر ، لا تثقي بأي شخص مهما كان ! خصوصا تشارلز باتون !"
بقيت أحدق في الورقة فاتحة فمي كالبلهاء .. و عندما لاحظ صديقاي ذلك سألا : ما الأمر ؟!
رفعت رأسي ونظرت إليهما ببلادة .. لم أتعب نفسي بالشرح و أعطيتهما الورقة .. لم تمر ثوان حتى أخذا يحملقان فيها بذات التعبير الأخرق !
أعادها لي جوني قائلا : هذا الأمر في غاية الغرابة !
تجهمت فلورا و قالت بعدما نسيت كليا أمر البقعة على ثوبها : نعم ، شخص مجهول يحاول تحذيرك ! و ليس هذا فحسب بل يشكك في السيد باتون ! ذلك الرجل المهذب اللطيف !
أيدت قولها و الدهشة لم تبرح ملامحي : نعم.. إن هذا أكثر ما أثار عجبي !
سأل جوني : ولكن من يمكن أن يدس هذه الورقة في جيبك ؟!
عقدت حاجبي و استغرقت في التفكير لفترة من الوقت .. ثم صحت على نحو مفاجئ : لابد أنه الشخص الذي أنقذني ! فهو وحده من كان قادرا على ذلك !
أمعنا النظر في للحظات .. ثم أفصحت فلورا عن استنتاجها : إذن فلسنا الوحيدين الذين يعرفون عن ذلك المجرم أو كما تسميه وينديشادو!
- لا ، إنه - كما يبدو - يعرف عن شادوأكثر منا بكثير !
- ولكن إن كان يعرف.. لم التزم الصمت و لم يبلغ الشرطة ؟!
فتدخل جوني : ربما لم يكن يملك من الأدلة ما يكفي لإقناع رجال الشرطة.. كما أن الأمر في غاية الخطورة ، فلم يرد أن يعرض حياته للخطر دون طائل !
عبست قائلة : نعم.. و لكن لماذا يحذرني من السيد باتون ؟! لا يمكنني حتى أن أتخيلهشادوأو أحد مساعديه !
وافقتني فلورا : تماما ، إنه آخر شخص يمكننا أن نشك فيه !
"آخر شخص يمكننا أن نشك فيه"
عبارة فلورا الأخيرة جعلتني تلقائيا أعيد التفكير من البداية واضعة مشاعري و انطباعاتي الشخصي جانبا .. ألا يحدث كثيرا أن يكون المجرم أبعد الناس عن الشبهات !
ماذا لو كان باتون -فعلاً- هوشادوأو أحد أتباعه ؟! ماذا لو أن كل ذلك اللطف و الود الذي أبداه تجاهنا كان زائفا و ليس له هدف غير جعلنا نثق فيه ؟! ماذا لو أنه لم يأت إلينا بطلب من ريستارك و إنما ليعرف ما لدينا من معلومات ويتأكد من أننا لا نشكل خطرا ً؟! يبدو الأمر منطقيا تماما من هذه الناحية ، هذا يفسر أيضا طلبه مني ألا أتحدث لأحد بخصوص تلك الحادثة بحجة الإبتعاد عن المشاكل !
أظن أن كاتب الرسالة كان صادقا في تحذيره إياي !
و أعتقد أنه عرف عن رؤيتي لشادومن خلال الكلام الذي نشره ذلك الحارس .. لكن كيف عرفني ؟! لقد أخبرني السيد باتون أنه لم يطلع أحدا عني - فلا مصلحة له في هذا - إذن كيف عرف ؟!
لم أحدث أي من جوني أو فلورا عما أفكر فيه بل آثرت الصمت.. لسبب ما !
تحدث جوني مغيرا دفة الحوار : احزرا ماذا ؟!
نظرنا إليه وسألنا معا : ماذا ؟!
رد و صدره ينتفخ فخرا : تم قبولي في كلية الطب !
- هذا رائع حقا !
- نعم كما هو المتوقع منك .. تهانينا !
لا أظنه كان في حاجة لمديحنا فلديه من الغرور ما يكفي مدينة كاملة !
واصلت فلورا : سأذهب غداً إلى مانشستر المدينة حتى أتقدم للقبول في كلية الإعلام ! <استدارت إلي قائلة : ويندي ! يجب أن تقرري اليوم بشأن كليتك !
في الحقيقة لقد قررت وانتهيت و لكني أحببت أن أجعل الأمر مفاجئة لهم ، فقلت مراوغة : نعم ، سأفعل !
وصلنا بعد أربعين دقيقة إلى قريتنا.. كان الظلام قد حل بالفعل ، نزلنا من القطار نحمل حقائبنا.. و بعد أن غادرنا المحطة قالت لي فلورا : لا تنسي سنغادر أنا و أنت في الصباح الباكر إلى المدينة !
- لن أنسى !
ثم افترقنا بعدها كل إلى بيته .
و عندما وطئت قدامي منزلي شعرت و كأني غبت عنه سنة كاملة !
كانت أمي في المطبخ تعد العشاء ، أما أبي فكالعادة يعمل على الحاسوب !
دخلت على أمي و هتفت بطريقتي الطفولية : مرحبا أمي لقد عدت !
أجفلت و كادت تسقط كأسا من يدها لكن فرحتها بعودتي حجبت بينها و بين توبيخي ، قالت مرحبة : اه مرحبا عزيزتي ! لم تخبريني أنك ستعودين الليلة.
- لم يكن ذلك ضروريا
- حسنا ، اصعدي و غيري ملابسك حتى تتناولي العشاء معنا !
ذهبت إلى غرفتي ، و بسرعة رميت حقيبتي على السرير ، ثم بدلت ملابسي و نزلت للأسفل .
كانت أمي جالسة على المائدة مع والدي ، أخذت كرسيا وجلست أنا الأخرى فقال أبي عندما رآني : آه لقد عدت إذن ! كيف كانت إقامتك في لندن ؟!
أجبت و أنا ألقي بقطعة خبز داخل فمي : جيدة !
تحدثت أمي : أقمتي مع فلورا في منزل خالتها أليس كذلك ؟!
- نعم ، و كانت لطيفة جدا !
لم يسألني والداي أكثر .. و أكملنا عشاءنا في صمت.
و بعد الوجبة الهادئة عاد أبي إلى حاسوبه في الصالة ، و انضممنا إليه أنا و أمي حالما فرغنا من غسل الصحون..
أحضرت أمي مجلة و جلست إلى جوار أبي تقلب صفحاتها.. كان الوقت مناسبا حتى أخبرهما عن خططي .. فقلت دون تردد : أبي ! أمي ! سأذهب غداً مع فلورا إلى المدينة من أجل التقديم للقبول في الجامعة !
لم يرفع أبي رأسه عن حاسوبه ، بينما نظرت أمي إلي باستغراب : حقاً ؟! و هل اخترت الكلية التي ستدرسين فيها ؟!
قلت بثقة : نعم بالطبع !
- وما هي ؟!
أخذت نفسا عميقا ثم أغمضت عيني و قلت ملء فمي كما لو كنت أهم بإلقاء قنبلة :
كلية العلوم الجنائية !!
حملقت في أمي و عيناها تكادان تقفزان من مكانهما : ويندي ! هذا ليس مضحكا !
قلت مستاءة : أنا جادة تماما يا أمي !
فما كان منها إلا أن استدارت نحو أبي وقالت : اسمع ما تقوله ابنتك ! إنها تريد الدراسة في كلية العلوم الجنائية !
غمغم أبي وهو يكتب على حاسوبه دون أن يرفع نظره عنه : نعم و ماذا في ذلك !
صرخت أمي فيه : عزيزي !
ثم أطبقت شاشة حاسوبه بعنف فجفل أبي و كأنه قد عاد من رحلة في عالم آخر ! قال مرتبكا : ماذا ؟! ماذا كنت تقولين ؟!
أعادت أمي كلامها : قلت لك أن ويندي تريد الدراسة في كلية العلوم الجنائية !
نظر إلي و قال مستهجنا : كلية العلوم الجنائية ؟! ما الذي أدخل هذه الفكرة في رأسك ؟!
- لا شيء كل ما هنالك أن هذا هو الشيء الوحيد الذي أحب دراسته و يمكنني النجاح فيه !
نظرا إلي باستخفاف.. ثم تحدثت أمي : اسمعيني ! الأمر ليس ممتعا و مثيرا كما تصوره لك رواياتك ، إنه عمل متعب و ممل و لا أظنه سيروقك !
لم أفكر لحظة في إخبارهما بما حصل معي ، ليس لأني لا أريد ذلك.. لكن لم أشأ أن أسبب القلق لهما..
قلت لها في عناد : لا ستعجبني أنا أعرف نفسي جيدا يا أمي !
- لا ، لا أحد يعرفك مثل والديك حتى أنت نفسك ! لذلك كفي عن التصرف كالأطفال واستمعي لما نقوله لك !
في ذلك الوقت لم أنتبه لنفسي إلا و أنا أقفز على الأريكة و أضربها بكلتا يدي و أصيح : أنا لست طفلة ! توقفا عن معاملتي بهذه الطريقة ! فقد أصبحت فتاة ناضجة !
حدق والداي في ثم نظر كل منهما إلى الآخر بتعابير مثيرة للضحك .. لئن كانا يظنان أنني لا أزال طفلة فهما الآن متأكدان من ذلك !
و بعد نقاشات و مفاوضات طويلة .. وافق والداي و قد أصابهما الصداع من ثرثرتي وصراخي !
صعدت لغرفتي أقفز الدرجات من الفرح ، ثم خلدت إلى نوم هانئ عميق !
أيقظتني أمي باكرا صباح اليوم التالي ، أخذت حماما و ارتديت ملابسي ثم تناولت فطوري على عجل ، وبعد أن انتهيت منه ودعت والدي وخرجت ..
لاقيت فلورا في طريقي إلى المحطة - و كانت جيسيكا برفقتها - فقلت : صباح الخير ! كيف حالك جيسي ؟!
بدت جيسيكا في غاية الخجل و الاضطراب .. و ردت بصعوبة : ب..بخير < ثم نظرت إلي قائلة : هل ما زلت غاضبة مني ؟!
أجبتها بقليل من الإنزعاج : ما هذا الهراء الذي تقولينه جيسي ؟! ولماذا أغضب منك أصلا ؟!
- لأني.. لأنني..
قاطعتها بنفاذ صبر : كفي عن هذا ! لست وحدك التي خفت.. كلنا كنا كذلك ! أنا التي يجب أن تعتذر لأني حاولت إخافتك تلك الليلة ! إلى هنا ينتهي الأمر لا أريد سماعك تتحدثين عنه مجددا ، هل هذا واضح ؟!
سرها كلامي كثيراً ، و قالت لها فلورا مبتسمة : ألم أقل لك ! و الآن هيا لنكمل طريقنا !
واصلنا سيرنا إلى المحطة وعندما دخلنا لم يكن القطار قد وصل بعد فجلسنا ننتظره قليلا.
فجأة استدارت فلورا نحوي متسائلة : إذن ماذا قررتي ؟!
قلت بابتسامة ماكرة : ستعلمين عندما نصل !
أخذت تحملق في بغيظ لكنها لم تقل شيئا.. ففي تلك اللحظة كان القطار قد وصل !
Mygrace
مشاهدة ملفه الشخصي
إرسال رسالة خاصة إلى Mygrace
البحث عن المشاركات التي كتبها Mygrace