عرض مشاركة واحدة
  #52  
قديم 03-28-2016, 04:37 PM
 




الفصل الحادي عشر





هذا اليوم.. مهم للغاية !
بعد الظهر ستجتمع المستشارة الألمانية مع الرئيس الفرنسي في قصر الإليزيه !
هبطت السيدة الشقراء صارمة الملامح بقامة منتصبة و أنف شامخ من الطائرة و تلقاها الرئيس الفرنسي برفقة بعض وزرائه.. و رجال الأمن والمخابرات يحيطونهم من كل جانب !

ثم نقلت بصحبة الرئيس إلى قصر الإليزيه في موكب كبير !
كان يقام في هذا القصر كثير من اللقاءات و المقابلات للرئيس الفرنسي مع مسؤولين من الدولة وخارجها بالإضافة إلى كونه مقر إقامته !
أبدت المستشارة إعجابها وانبهارها بهذا البناء التاريخي العريق بقولها : يا له من قصر فخم رفيع المستوى !
أطرب الفرنسي لهذا الثناء ، و قال باعتزاز : نعم ، إنه من أفضل القصور في فرنسا ! نحن لدينا الكثير من القصور الفريدة الراقية التي تعد تحفا فنية و تاريخية نادرة !

- هذا جميل !

كانت تجلس في غرفة واسعة فارهة تزخر بالاثاث الباذخ و تعبق بعطر القرون الماضية !

قدم لها الشاي كما للرئيس الفرنسي.. رفعت الكوب عن الصحن وارتشفت منه رشفة فطفت على وجهها علامات الاستحسان
ارتشفت منه مرة ثانية باستمتاع.. لكن هذا الشعور ما فتئ أن تلاشى ليحل محله آخر ..

حملقت في صحن الكوب بدهشة.. ثم صرخت و رمته من يدها ليقع على الأرض مهشما !
جفل الرئيس الفرنسي.. و انتفض قائلا : ما الذي حدث.. سيدتي ؟! هل هناك خطب في الشاي ؟!

رفعت يدها إلى صدرها الذي أخذ يصعد و يهبط بعنف و تلعثم لسانها حين أردات أن تجيب : إنه.. إنه... ذلك.. ال..

ثم التفت إلى كوب الرئيس و بسرعة رفعته عن الصحن.. كتمت صرختها بيد و استدارت إلى مضيفها مشيرة بيدها الأخرى نحو الصحن . تقدم الأخير لير ما تشير اليه.. فتخشب في مكانه مصعوقا !

تطلعت المستشارة إليه بنظرة مرعوبة و ارتعد صوتها : هل .. رأيت ؟! إنه.. رمز العقرب !!
و ما كان من الرئيس إلا أن استدار نحو رجاله المتحلقين حوله و صب عليهم جام غضبه : كيف وصل هذا الشيء إلى هنا ؟!!
أجاب أحد رجال الأمن و قد اصفر وجهه : لا ندري يا سيدي !!

رمت المستشارة بجسدها على الكرسي و غطت وجهها بكفيها و هي تتمتم بصوت مذعور : يا إلهي ! لقد.. لقد شربت منه ! لابد أنه كان.. مسموما !!

فتح الرئيس فمه ليتكلم.. لكنه تراجع عن ذلك حين جاءهم صوت هادئ مغمور بالثقة تردد صداه في الغرفة :

"لا تقلقي ! الشاي ليس مسموما !"

تلفت الجميع حولهم بحثا عن صاحب الصوت.. غير أن أحد لم يكن موجوداً !!
و رغم ذلك.. عاد الصوت مجدداً و هذه المرة بانت فيه مسحة خفيفة من السخرية :

"كنت أرحب بكم فقط !"

وقفت المستشارة بجانب الرئيس و الحيرة تأكلهما و تفرق الرجال في الغرفة و أخذوا يفتشون كل شبر فيها !
حينها.. صدرت عن المتحدث المجهول ضحكة خافتة الصوت عالية الثقة ! و أردف بعدها قائلاً :

" لا داعي لهذه الجلبة ! كونوا هادئين واجلسوا في أماكنكم ! "

وجدت المستشارة أخيراً صوتها و قالت : من تكون أنت ؟!

و لم يتردد الصوت في إجابتها بلهجة أصلب قوة من الفولاذ :

" أنا محور نقاشكم ! زعيم العقارب .. الكونت !!"

لفترة ليست بقصيرة ظلوا صامتين .. فغرت الأفواه و شخصت الأبصار لكن صوتا لم يفلح في الخروج !

تبادل الرئيس و ضيفته النظرات الذاهلة قبل أن يتجرأ الأول و يسأل بصوت مرتعش : وما الذي.. تريده ؟!

قال الكونت دون أن يحاول تخفيف رنة السخرية في صوته :
"ألن تجلسوا أولا ؟! منظركم يثير السخرية و أنتم واقفون هكذا !"

تجهم وجه الرئيس و ازدانت ملامح المستشارة بالحدة لكنهما جلسا على مضض .. و عاد الرئيس يسأل للمرة الثانية : والآن ، ما الذي تريده منا ؟!

- "أريد الحديث معكم !!"

حدق الإثنان في بعضهما باستنكار ..و قال الفرنسي : عن ماذا تريد التحدث ؟!"
لم يكد الكونت يجيب حتى نهضت المستشارة من مكانها و قد استعادت شخصيتها القوية المتسلطة و قالت بتحد و شددت على كلماتها : إن كان لديك ما تقوله.. فتعال هنا و قله لنا في وجوهنا ! بدلا من التحدث بغرور زائف خلف الميكروفون ! <ثم أضافت وهي تبتسم في استخفاف : هذا إن كانت لديك الجرأة على ذلك أصلا !

لم يأتها الرد كلمات.. بل ضحكة قوية مجلجلة !

و مرت لحظات قصيرة.. ثم على حين غرة فتح الباب على مصراعيه من الخارج من قبل رجلين صلبين.. ليدخل رجل .. و كأن الهيبة والوقار لم تخلق إلا له !!

كان الجميع يحدق فيه ببلاهة وهو يتقدم بهدوء عجيب و ثقة منقطعة النظير و يجلس على كرسي وثير أمام الرئيس وضيفته ! وضع ساقه فوق الأخرى و اعتلت ملامحه غير المحددة ابتسامة صغيرة : هل هذا يعجبكم ؟!!

سكنت الأصوات .. و نشفت الدماء من الوجوه...كما لو كانت العيون أبصرت روحا من العالم الآخر !

و حالما أفاق الحراس من صدمتهم.. أشهروا مسدساتهم.. و اتجهوا سراعا نحو الرجل الجالس.. غير أن شيئاً لم يكن في الحسبان قد حصل ..
فقد انقسم الحراس لفريقين !!
و كان الفريق الأول أسرع و أدهى من الثاني فباغته وحاصره !
قال رجل ضخم قوي البنية من الفريق الأول للمهزومين آمرا : ألقوا أسلحتكم و أجهزتكم حالا !

لم يكن للفريق الثاني من خيار.. فألقوا مكرهين أسلحتهم وأجهزة اتصالهم.. و رفعوا أيديهم معلنين استسلامهم !!

التفت الرئيس مرعوبا إلى الرجل الجالس قبالته و قال بصوت أشبه بالنحيب : ما معنى هذا أيهاالكونت ؟! هل .. هل تريد أن تأخذنا .. رهائن ؟!!

كشرالمعني.. و لاح على وجهه الإستمتاع والرضا و قال : رهائن ؟! هذه حماقة ! قلت أني أريد الكلام فقط ! لكنكم أنتم من بادر بإشهار السلاح !

حدقت المستشارة في وجهه -الذي لم تشك مطلقا في زيفه- و الحنق يكتسح تعابيرها و سألت بغيظ : و ما الذي تريد التكلم بشأنه ؟!

- حسناً ، سأختصر الأمر في بضع كلمات.. لا تقفوا في طريقي !!

فانكمشت قسمات المستشارة بازدراء : ماذا ؟! لا نقف في طريقك ؟!! هل تريد أن تقتل الأبرياء هنا و هناك دون أن يحاول أحد ردعك ؟!! و إذا لم نقم نحن الحكومات بواجبنا في حماية المواطنين .. فما هي الجدوى من وجودنا إذن ؟!!

أرجع الكونت ظهره إلى الخلف ، و رفع حاجبه في استهزاء : أنا أقتل الأبرياء إذن ؟!! وأنتم تقومون بحمايتهم ؟!! لكنكم أغفلتم سؤالاً بالغ الأهمية ! < عاد ينحني للأمام و إستأنف كلامه بحزم : من هو "البريء" ؟!!

حملقت فيه باستغراب.. و لم تلبث أن أجابت بلا تردد أو تفكير : البريء هو كل إنسان مسالم لا يؤذي أحداً ! هذا أمر بديهي لا يخفى حتى على الجهال !

- جميل ! هنا نأت إلى سؤال آخر.. مثل من ؟!!

اندفعت مجيبة بعدوانية ظاهرة : مثل من ؟! مثل كل أولئك الذين قتلتهم !

ضحك الكونت ملئ شدقيه.. ثم قال باستهزاء : و لابد أنكم تقولون أن ما حصل في مختبر كابوستين كان عملا ارهابيا وحشيا ، يعد جريمة في حق العلم والمصلحة العامة ! يا للعجب ! إما أن تكونوا عميانا و إما أنكم تدعون ذلك بغباء !
سأل الرئيس بحدة : ما الذي تعنيه ؟!

التفت الكونت نحو فتاة شقراء من حراسه فتقدمت و سلمته حزمة من الأوراق.. ما كاد يلمسها حتى رماها على الطاولة أمامهم و قال : افتحوا عيونكم و انظروا ! بعدها ستفهمون !

التقط الرئيس الفرنسي الحزمة و فكها ثم شرع مع ضيفته في قراءتها.. لحظات و بهتت وجهوهم !

اتسعت عينا المستشارة في صدمة و تمتمت غير مصدقة : هذا.. مستحيل !
وافقها الفرنسي مضيفاً بتعبير لا يقل دهشة عنها : نعم.. هذا لا يمكن أن يكون حقيقياً !

لم ترفع المستشارة عينيها عن الأوراق لكن نظراتها سرحت بعيدا و هي تتلو ما خلفته في فكرها بصوت عال :

"السر العجيب وراء تفوق مختبر كابوستين على جميع منافسيه و نجاحه الباهر في مجال العلوم الإنسانية... هو إجراؤه التجارب و البحوث بشكل رئيسي.. على البشر الأحياء !!"

زاد وجه الفرنسي شحوبا و كأن يسمع بالخبر للمرة الأولى !

و عادالكونت يقول: والآن.. ما رأيكم ؟! ألا زلت أقتل الأبرياء ؟!

ارتبكت السيدة و بدت أقل ثقة و حزما في جوابها : و إن يكن ! ليس من حقكم .. قتلهم ! كان.. يجب أن تبلغوا السلطات المختصة.. و هم سيتولون الأمر !

ارتفع حاجبا الكونتفي استخفاف : نبلغ السلطات إذن ؟! لكن ما الذي سيفعلونه ؟! سيرمونهم في السجن بضع سنين ثم يطلقون سراحهم لتتكرر الجرائم مرة أخرى و على نحو أذكى و أكثر حذراً !

قال الرئيس الفرنسي : إنهم بشر أيضاً ، ولا يحق لكم سلب حياتهم !

و ردالكونتبنبرة تخفي تحت هدوئها نارا غاضبة : لأنهم بشر ، هاه ؟! أليس ضحاياهم بشر أيضاً ؟!! تتذكرون أن القاتل إنسان فتمتنعون عن معاقبته ، و تنسون أن الضحية كذلك إنسان و تضيعون حقه ! هل هذه هي عدالتكم ؟!!

ترددا في الإجابة لفترة.. ثم قالت المستشارة الألمانية بقوة : هذا القانون !!

- نعم ، تماماً ، القانون ! قواعد و تعليمات يفرضها أصحاب السلطة والنفوذ على من تحتهم من الناس لتحقيق مصالحهم وغاياتهم الأنانية ! حسناً ، نحن لا نريد منكم إزالة قوانينكم أو تبديلها و إنما ألا تتدخلوا في عملنا ! لسنا نخشاكم فأنتم تحت قبضتنا ! لكننا لا نرغب بإضاعة وقتنا في محاربتكم .. التزموا الحياد و سنتولى نحن تطهير بلدانكم من نفاياتها التي تعفنت منذ عقود !

لم يبد على أي منهما الاقتناع بكلام الكونت أو حتى تفهم دوافعه.. قطب الرئيس جبينه متسائلاً : نفايات ؟! كيف يمكنك أن تحكم عليهم بذلك ؟!

أضافت المستشارة : لستم أنتم من يقرر هذا ، إن من ترونه سيئاً قد يبدو جيداً في نظر غيركم ! لذا ليس من حقكم أن تنفذوا أحكامكم الخاصة على الناس !

إتكأ الكونت بخده إلى قبضة يده : نحن لا نقتل الأثرياء البخلاء أو الموظفين المحتالبن أو حتى اللصوص ، لا نستهدف غير المجرمين !! الحثالة الذين يحرمون الأبرياء من أبسط و أهم حقوقهم.. الحياة !!

هتفت السيدة : ما الذي تقوله ؟! بغض الطرف عن مختبر كابوستين فمعظم من قتلتموهم أثرياء -وإن كانوا بخلاء و متعجرفين- لا علاقة لهم بالاجرام !

- آه ، لكن كيف عرفتم ذلك ؟! من سألتم ؟! شركاءهم ؟! أم أتباعهم ؟! <اعتدل في جلسته و تحلت لهجته بالقوة و الصرامة : على كل نحن لا نريد منكم دعماً أو تأييداً ، فقط لا تتدخلوا ! لا نريد عداوتكم ، لكن إن سعيتم لها.. لن نرحمكم ! سنريكم الجحيم !!

نهض واقفاً.. عدل سترته و قال : والآن.. لقد قلت كل ما لدي !

وقف الإثنان بدورهما.. و سألت المستشارة بنبرة فيها مسحة استهزاء : هل جئت إلى هنا و أنت تعتقد أننا سنوافقك على مخططاتك ؟!!

تبسمالكونتقائلاً : لا ، لم أعتقد هذا لحظة واحدة ! أتيت كي أحذركم فقط ! حتى لا تقولوا بعدها أنني لم أعطكم فرصة ! <رمقهما بنظرة غامضة و لم تبرح ابتسامته شفتيه : سأغادر .. لكن قبل هذا .. انظروا تحت مقاعدكم !

سأل الإثنان معا : ماذا ؟!!
كررالكونتثانية : انظروا تحت مقاعدكم !

إثر تبادلهما نظرات التردد و القلق جثت المستشارة الألمانية على ركبتيها و انحنت لتر ما تحت كرسيها.. عندئذ أطلقت صيحة ذعر !
استفسر الرئيس الفرنسي بخوف : ما الأمر ؟! ماذا تحت الكرسي ؟!!

غطت الألمانية فمها بيدها و خرج صوتها بعسر من بين أصابعها : إنها... قنبلة !!
فاستدار الرئيس نحوالكونتو صاح قائلاً : ألم تقل أنك لا تستهدفنا ؟!!

كشرالمعني و قال بدهاء : نعم ، قلت هذا وأنا عند كلامي ! لكن هل كنتم ستتناقشون معنا ثم تتركوننا نذهب بسلام ؟!! إنها قنبلة تعمل بالتحكم عن بعد -وهي ليست الوحيدة هنا- وجهاز التحكم عند أحد أتباعي خارج هذا المكان ! و إذا ما حاول رجالكم تتبعنا أو خرجتم أنتم من هذه الغرفة.. ستنفجر القنابل مودية بحياتكم جميعاً !!

نهضت المستشارة قائلة : و ما الذي يضمن لنا أنكم لن تفجروها بعد مغادرتكم ؟!!

- موتكم سيخلق الفوضى و أنا أكرهها ! بالإضافة إلى هذا فالغدر جبن و ضعف و تلك ليس بصفاتي ! و عندما أعد بشيء ألتزم به ! و في كل الأحوال ليس أمامكم إلا الوثوق بي و تنفيذ ما أطلبه !!

قال عبارته الأخيرة بلهجة متعالية و اتجه صوب الباب.. و أتباعه -الفريق الأول من الحراس- وراءه !
و قبل أن يرحل استدارنحوهم و أضاف : بعد ساعة من مغادرتنا.. إذا تأكدنا من التزامكم بتعليماتنا سنوقف القنابل و يصبح بإمكانكم تفكيكها !



إثر خروجهم مباشرة.. هرع الحراس الباقون إلى الرئيس و قالوا : ماذا نفعل سيدي ؟! لا يمكننا السماح لهم بالذهاب هكذا !

زمجر الرئيس بصبر نافذ : اصمتوا أيها الحمقى ! توجد قنابل هنا و يمكن أن تنفجر في أية لحظة ! ليس لنا إلا الإنتظار !

وافقته المستشارة و أضافت بقلة حيلة : نعم ، لننتظر ! قد يكون الكونت مجرما خطيرا لكنه حتماً ليس جبانا ليخلف وعده ! لقد تمكن من اختراق أجهزة الأمن و دخل إلى قصر الرئاسة بسهولة تامة و واجهنا بصلابة و ثبات دون أن يرف له جفن !
لم أر في حياتي كلها شخصاً مثله !!


◇◇◇◇


في مقهى لطيف في شارع الشانزليزيه..

كانت النادلات يتحدثن :
- انظري إلى ذلك الفتى ! كأنه هر أبيض !
أضافت الأخرى ضاحكة : نعم ، تماماً ! هر أبيض شره ، لقد التهم خمسة أصناف من الكعك و طلب السادسة !

قالت الأولى محملقة في الفتى بقدر ليس بقليل من الحسد : يا إلهي ! كيف يمكنه أن يأكل بهذا القدر ويظل نحيفا هكذا ؟!!


لم يكن في وسع آليكسي سماع كلامهن من مكانه البعيد و حتى إن فعل ما كان ليعطيه اهتماما ! جالس إلى طاولة في زاوية المقهى يأكل كعكة الكريما الشهية بسعادة .. قبل أن يسحب أحدهم كرسيا و يجلس مقابلا له !

رفع آليكسي عينيه عن كعكته و نظر للقادم ببرود : هذا أنت يا باتون ؟! ما الذي جاء بك إلى هنا ؟!
ضبط باتون وضعية نظارته و تبسم مشاكسا : حسناً ، كنت أتمشى هنا ، ثم رأيتك فأحببت الجلوس قليلاً.. و اللعب معك !

قال آليكسي بجمود و هو يدس قطعة من الكعك في فمه : تلعب معي ؟! هل تراني طفلاً في الحضانة ؟!

فضحك باتون بطريقة مستفزة : تقريباً ! أنت لا تزال طفل المنظمة المدلل على أي حال ! كم أصبح عمرك الآن يا ترى ؟!!

- تسعة عشر !

- اوه لقد كبرت حقاً ! مع ذلك تبدو في الخامسة عشر فقط !

- هذا أفضل ، أحب أن أظل صغيراً !

تنهد باتون و رد بغموض : لا يمكنني لومك على هذا..

واصل آليكسي أكله و لم يتكلم.. و تساءل باتون قائلاً : ليس من عادتك أن تتسكع وحيداً ! أين سيباستيان ؟!!

- لديه موعد !

- موعد ؟! مع من ؟!!

أدار لقمته في فمه ببطء و اعتلى البرود نظراته : لقد ذهب إلى السينما برفقة "الكنغر إلسا"<ثم بدأ يمط شفتيه و ينعم صوته مقلدا إياها : "أوه سيباستيان هناك فلم رومانسي رائع سيعرض في السينما اليوم ! لنذهب معا !"

اهتز باتون ضاحكا : يبدو أنك تشعر بالغيرة ! لم لا يكون لديك صديقة أنت كذلك ؟! عندها لن تكون وحدك !

تقلص وجه آليكسي في اشمئزاز : صديقة ؟!! هذا سخيف !

- ولم لا ؟!

كان آليكسي قد أنهى كعكته فألقى الشوكة و السكين في الصحن و قال : ببساطة بدل أن أنفق نقودي على شراء الهدايا لفتاة مائعة و دعوتها إلى المطاعم والسينما.. أصرفها على الحلويات !!

- يا لك من طفل ! أخبرني.. ألم تحب أحدا من قبل ؟! أعني "بشرا" وليس الحلويات !

قال آليكسي بابتسامته القططية المعهودة : مخترع الحلويات !

- قصدت فتاة !

- الفتاة التي تصنع الحلويات !!

أمسك باتون رأسه و قال متأوها : يا إلهي ! لا أصدق كيف تحمل سيباستيان العيش معك خمس عشرة سنة دون أن ينتهي به المطاف في مشفى المجانين !!
و زم المعني شفتيه محتجا : أوه حقاً ؟! تقول أن العيش معي صعب ؟! من يجلب لسيبا حبوب الضغط و المسكنات و الكمادات غيري ! أجلبها له بنفسي و أعد له شوربة الدجاج أيضاً ! مع أنها محروقة و بلا دجاج أصلا إلا أن هذا لا يهم ما دامت المشاعر صادقة !

- إنك كارثة بالفعل يا آليكسي !

لم يعبأ الفتى بإهانته.. نفض يديه ثم نهض قائلاً : سأغسل يدي ثم أعود !

ذهب.. و بقي باتون جالساً ينتظر عودته حتى يواصل مشاكسته و الضحك عليه .. إلى أن لمح فتاة طويلة بنية الشعر - خمن أنها عارضة أزياء- قادمة نحوه.. قالت حالما اقتربت من الطاولة : مرحباً ، أين ذلك الهر ؟! كان هنا أليس كذلك ؟!

- نعم ، أنت إلسا حسبما أظن ! لقد ذهب ليغسل يديه ، سيعود في أية لحظة !

فتحت الفتاة عينيها على اتساعهما و هتفت بذعر : يا إلهي ! لقد فعلها مجدداً ! < ثم ولت هاربة بسرعة البرق !

ظل باتون في مكانه مشدوها و مرت لحظات من الجمود قبل أن يستوعب الأمر أخيراً ! انتصب واقفا و قال : تبا لك آليكسي ! أيها الهر اللعين !!

كان على وشك الهروب هو الآخر غير أن النادلة اعترضت طريقة بابتسامة انتصار و قالت : الحساب سيدي !


كان آليكسي قد خرج من المحل منذ دقائق و وقف يضحك : تلعب معي ، هاه ؟! سيكون هذا درساً لك حتى لا تنعتني بالطفل مجدداً !

- أنت لا تتغير أبدا !

التفت آليكسي إلى محدثه.. ثم قال فرحا : سيبا ! لقد عدت من موعدك الملل إذن و تركت تلك الكنغر !

حدق فيه سيباستيان مستنكرا : لم تدعوها بالكنغر ؟!

- لأنها كالكنغر ! سمراء بأقدام كبيرة ، تضعك في جيبها ثم تبدأ تقفز و تقفز دون توقف !

كان سيباستيان يستمع إليه و ينظر نحو إلسا التي تهرول إلى حيث يقفان ..فلم يستطع كبح ضحكته !
قال آليكسي بابتسامته القططية : أرأيت ؟! حتى أنت نفسك تقر بهذا !

تنحنح سيباستيان و قال بجدية مغيرا دفة الحوار : ليس هذا ما جئت من أجله ! لقد تلقيت مهمة قبل قليل ! مهمة لك أنت !!

هتف آليكسي باهتمام : حقاً ؟! لم أحصل على واحدة منذ فترة ! من أي نوع هذه المهمة ؟!

- اغتيال !!

- فهمت ، و من الهدف ؟!!

أخرج سيباستيان هاتفه النقال و أراه صورة فيه : هذا هو هدفك !

أخذ آليكسي يحدق في الصورة بتعابير غريبة.. فسأله سيباستيان : هل تعرفها ؟!
رد آليكسي وهو نصف شارد : نعم .. لقد اشترت من شوكولاتة "وونكي بو" التي أحبها ! ما اسمها ؟!

- ويندي ماكستر.. وهي بريطانية !

حك آليكسي رأسه قائلاً : آه حسناً .. لا تبدو كأهدافنا المعتادة ، ما السبب تحديداً لقتلها ؟! هل تعرفه ؟!
هز سيباستيان كتفيه و قال : لا أعلم بالضبط ، سمعت أنها قد تشكل خطراً على حياةالكونت !

- هكذا إذن ! < ثم أرسل نظره بعيدا و أضاف : من النادر أن أجد شخصاً يحب هذا النوع من الشوكولاتة !

- ماذا تعني يا آليكسي ؟! هل سترفض المهمة ؟! إن كنت غير راغب في القيام بها سأخبرهم أنك تشعر بالمرض و...

قاطعه آليكسي بدهشة طفيفة : بالطبع لا ! سأنفذها ! إنها أوامرالكونتكما تعلم ! لكن هل سأنفذها معك أم بمفردي ؟!!

- ليس معي أنا ! ستشترك مع عضو آخر فيها ، سيرسل لك "إنزو" كل المعلومات والتفاصيل المطلوبة على بريدك !

قال آليكسي و هو يستدير مغادرا : حسناً ، سأكون جاهزاً حينها !


كانت إلسا قد وصلت إلى سيباستيان لحظة ابتعاد آليكسي .. لاحقت الأخير ببصرها و هي تقول : هل تظنه قادرا على أداء المهمة بنجاح ؟! إنه يبدو طفلاً مشاغبا لا يتحمل المسؤولية !

- لا تقلقي ! إنه يتصرف هكذا عن عمد ، أنا أعرفه جيداً ، سيكون جاداً عندما يتستلزم الأمر منه ذلك ! و حين يقول أنه سينجز المهمة.. سيفعل حتماً !













رد مع اقتباس