عرض مشاركة واحدة
  #88  
قديم 04-25-2016, 05:58 PM
 





الفصل السادس عشر







بعد ربع ساعة من التسوق في المركز التجاري..
خرجت إلسا إلى الشارع تحث خطاها نحو منزل سيباستيان .
اجتازت الحديقة الغريبة المزروعة بأنواع عجيبة من النباتات لم ترها من قبل ، و أدارت المفتاح -الذي أعطاها إياه سيباستيان- في قفل الباب و فتحته..
لتجد في استقبالها فوضى عارمة ! كادت تتعثر فيما تعبر المدخل بمجموعة من الكتب صفت فوق بعضها على مقربة من الباب !
التقطت واحداً منها و حين سقطت عيناها على عنوانه زفرت بقوة و صاحت : آليكسي ! أيها الهر الفوضوي المزعج !


كان المعني يتربع على الأرض وسط مجموعة من الكتب و علب الحلوى ، تطالع عيناه باهتمام كتاباً قديماً .. بينما ينشغل فمه الذي استحال لونه بنفسجيا بمضغ مصاصة من اللون ذاته !

تحركت إلسا و وقفت أمامه و هي تضع يديها على خصرها في استياء واضح ثم قالت : ما هذا الذي فعلته بالمنزل ؟! إنه يبدو كمكب نفايات ! سيجن سيباستيان لو رأى هذا !

لوح آليكسي بيده معترضا بشيء من الاستهزاء : أولاً هذه ليست نفاية ! ثانياً هذا هو المنظر الذي اعتاد سيبا رؤيته كل يوم !

فرفعت المعنية يدها إلى رأسها و تأوهت : يا إلهي ! لا أدري كيف يتحمل سيباستيان العيش معك !

و ابتسم آليكسي بخبث : من يحتمل النظر إلى وجهك الكنغري الممل دون أن يفضي به الحال إلى الإنتحار.. يتحمل أي شيء يا عزيزتي !

كتمت الفتاة غيظها.. و أزاحت عددا من الكتب لتجثو قربه و تسأل بفضول : ما هذا الذي تقرأه ؟!
زم آليكسي شفتيه و أجاب : كتاب يحكي عن السموم الشعبية التي استخدمت قديماً في شرق آسيا !

دنت إلسا و أحنت رأسها على الكتاب في يده.. و لم تكد تقرأ سطرين حتى أطبقه آليكسي فجأة.. و نهض !

أجفلتها حركته المفاجئة فقالت بانزعاج : ما بك ؟!

- لم أجد الكثير مما يفيدني .. إضافة إلى أنه .. يجب علي الإسراع و ملء الأنبوبة بالسم المطلوب فالسحلية يكره الإنتظار !

و تساءلت إلسا قائلة : سحلية ؟! <و حالما فطنت لمقصده حل البرود على وجهها و قالت : لا تقل لي أنك تقصد شريكك في المهمة !

ضحك آليكسي بلؤمه المعهود : إنه يشبهها تماماً بلسانه الطويل الذي يقفز فجأة خارج فمه !

تنهدت إلسا في يأس من تقويم طباعه المستفزة .. ثم قالت مستدركة و قد انتابها الاستغراب : لكنك تأخرت كثيرا في هذه المهمة ! و هذا ليس من عادتك !

قطب آليكسي حاجبيه في استنكار حقيقي : تأخرت ؟! ما الذي تتحدثين عنه ؟!!

فحملقت فيه مدهوشة و هتفت : لقد مضى أكثر من أربعة أيام على استلامك المهمة !

سأل آليكسي و قد بدأ يفهم : تقصدين مهمة قتل تلك البريطانية ؟!

هزت إلسا رأسها.. فضحك و قال بأشد لهجاته سخرية : كنغري العزيزة ! في أي كوكب تعيشين ؟! لقد ألغيت تلك المهمة في اليوم نفسه الذي استلمتها فيه !!

فغرت فاها و قالت في انشداه : ماذا ؟!! ألغيت ؟!! لم يحصل من قبل أن ألغى الكونت مهمة بعد التكليف بها !

وافقها آليكسي و هو يرتدي معطفا أبيضا : نعم هذا ما قلناه جميعنا ! لكن.. لا أحد يمكنه معرفة ما يجول في خاطر الكونت ! إنه دائما يفاجئنا بما لا نتوقعه !

مطت إلسا شفتيها و فركت ذقنها في تفكير ثم سألت باهتمام شديد : لكن ألا تعلم السبب وراء ذلك ؟!

هز كتفيه ثم قال و هو يدس أصابعه داخل قفازين من المطاط : لا.. لكن السحلية يعلم ! فهو من أخبرني بالأمر ! و حينما سألته عن السبب قال أنه الكونت أمره بأن يبقى الموضوع سرا ً! بدا منزعجاً.. غير أنه لم يجرؤ على اعتراض أوامر الكونت !

فقالت الأخرى و هي تسرح بخيالها بعيدا : هل يعقل.. أن.. أن الكونت يكن مشاعرا لتلك الفتاة ؟!!

و انفجر آليكسي ضاحكاً حتى انقلب لون وجهه الأبيض أزرقا .. ثم قال و هو يكاد يختنق : الكونت يكن... مشاعر لها ؟!! هل تريدين قتلي ؟!! إن السعدان أوتي حظاً من الجمال أكثر منها ! في الحقيقة.. إنها تذكرني بك !

ضغطت إلسا على أعصابها و دماؤها تفور و نظراتها تشتعل و بصعوبة بالغة قمعت رغبتها في كسر عنقه .. في حين هبط هو ضاحكا إلى القبو حيث يوجد مصنع سمومه الصغير !



و عاد بعد دقائق يحمل في يده الأولى علبة سوداء و في الثانية أنبوبة تحوي سائلاً شفافا !
زم شفتيه و قال ملوحا بالأنبوبة : لقد زادت هذه عن الحاجة !

تنهدت إلسا ثم قالت بجمود : اشربها أنت إذن حتى نرتاح منك ! <ثم انحنت على الأكياس التي أحضرتها و هي تضيف : لقد طلب مني سيباستيان أن أعد لك شيئاً تأكله.. لذا ماذا تريد أن ...

و رفعت رأسها نحوه.. فصاحت مذعورة : أووه يا إلهي ! ما الذي فعلته أيها المجنون ؟!!

ذلك أن آليكسي قد أفرغ محتويات الأنبوبة كلها في جوفه !!

هرعت إليه و قد نشفت دماء وجهها.. ثم أمسكت كتفيه و هزته بعنف و هي ترتعد قائلة : ما الذي فعلته ؟!!

أجاب آليكسي بوجه محزون : ألم تقولي أنك تريدين التخلص مني ؟!

فصاحت تلطم وجهها : كنت أمزح أيها الأحمق ! أمزح !

- وهل يهمك أمري ؟!

- سيظنني أنا من دس لك السم ! و عندها سيمقتني و لن يقبل الزواج مني ! أخبرني أين أجد الترياق ! لا شك أنك صنعت واحداً !

عبس آليكسي قائلاً : لم أفعل .. لم أجد وقتا لذلك !

و تشبث بالجدار.. فقد بدأ يفقد توازنه و يشعر بالدوار !
أمسكته إلسا برعب و أجلسته على الأريكة.. ثم قالت مرتجفة و هي تتجه نحو الهاتف : اصمد ! سأتصل بالإسعاف !

ناداها آليكسي قائلاً : لا فائدة يا إلسا ! فقد بدأ السم يأخذ مفعوله !

قالت و هي توشك أن تبكي : إذن.. سأخبر سيباستيان !

و بينما تخطو نحو الهاتف.. توقفت فجأة.. فسيباستيان كان واقفا أمام الباب يراقب ما يحدث !
أسرعت إليه و هي تتخبط في حديثها و ترمي كلمات مبعثرة : إنه... سم... شرب.. آليكسي !

و فاجأها سيباستيان برد فعله اللامبالي .. تجاهلها كليا و اتجه نحو آليكسي الذي تمدد على الأريكة و هو يشبك يديه و يغمض عينيه كأنه جثة في نعش !
التقط سيباستيان وسادة.. و دون مقدمات ضرب بها وجه آليكسي !
فانفجر الأخير ضاحكاً بأعلى صوت !

قال سيباستيان معنفا : ألن تكف عن ألاعيبك هذه ؟!

اعتدل المعني في جلسته و قال بطريقته الطفولية المستفزة : هي من بدأت هذا ! تقول لي أن أشرب السم حتى ترتاح مني ! بلهاء !

قالت إلسا و الدم يتصاعد إلى وجهها : إذن ذلك لم يكن سما ؟!!

تنهد سيباستيان و جلس إلى جوار آليكسي و قال : بل كان كذلك !

فشهقت الفتاة و نظرت إلى آليكسي مذهولة فيما يتابع سيباستيان : لكن هذا المجنون.. يتمتع بمناعة خارقة ضد السموم ! إنه يتجرعها يوميا و منذ سنوات !!

و تحولت نظراتها المصوبة نحو آليكسي من الانبهار إلى الغضب في الوقت الذي كان الأخير يضحك عليها و يرفع و يخفض حاجبيه في سخرية !

أشاحت بوجهها قائلة : سأذهب !
لكن سيباستيان ناداها قائلاً : لا ابقي ! آليكسي من سيذهب !

فالتفت الأخير إليه عابسا .. و قال سيباستيان بابتسامة ماكرة : هيا.. يجب أن توصل السم إلى شريكك فهو في انتظارك !

قام آليكسي على مضض و خطى نحو الباب.. و حين مر بإلسا حدجها بنظرة باردة.. قابلتها هي بابتسامة انتصار !

تمتم في تقزز : يا للقرف ! أصبح الجو في المنزل ملوثا بتلك الحشرات ، و يجب أن أغادر قبل أن أن يصيبني شيء من أمراضها !


⭐⭐⭐


في فندق ليس ببعيد..
كان ستيفن كلارك يرتدي سترته السوداء و يتجهز للنزول.. حين طرق باب غرفته..فهتف سريعا : تفضل !

و دلف بيكارت و هو يقول : لقد تأخرت في النزول فجئت أطمئن عليك ! هل أنت بخير ؟!

أجاب كلارك بابتسامة خفيفة : نعم ! كل ما هنالك أني لم أنم جيداً ليلة أمس !

- هكذا إذن.. يبدو أن ماكستر لم تقض ليلة جيدة هي الأخرى ، فهي لم تستقيظ حتى الآن !

حملق فيه كلارك مقطب الجبين .. بعدها قال : لنمر عليها قبل نزولنا .. ربما تكون مريضة !


صعد الاثنان إلى الطابق العاشر حيث غرفة ويندي.. طرقا الباب و انتظرا.. دقيقة .. اثنتان .. ثلاث مرت حتى سمعوا وقع خطوات في الداخل.. تلاها فتح للباب !

قال كلارك بابتسامة باهتة : صباح الخير ! لقد تأخرت في النزول فجئنا نطمئن عليك !
هزت ويندي رأسها و قالت بهدوء : أوه.. إنني بخير تماماً ! لننزل إذن ؟!


و هم يمشون في اتجاه المصعد.. همس بيكارت في أذن كلارك قائلاً : ألا تبدو غريبة اليوم ؟!!

عقد كلارك حاجبيه و قال بشك : نعم ، تبدو أكثر هدوءا من المعتاد !



و حينما وصلوا إلى مطعم الفندق لتناول الإفطار.. كان المحقق آوتنبورغ و الدكتور كروست قد أنهيا فطورهما تقريبا .
انضم إليهما الشبان الثلاثة.. و في ذات الوقت أتى النادل يحمل فنجاني قهوة ،
و ما إن رفع أحدهما عن الصينية حتى انزلق من يده و وقع الفنجان الآخر كذلك فسكبت القهوة على طعام الفطور !

صرخ الدكتور في النادل غاضبا بعدما قفز مبتعدا عن الطاولة كي لا يصيبه شيء من رذاذ القهوة المتطاير : ما بك ألا ترى ؟!!
تعذر النادل الذي اصفر وجهه قائلا : آ.. آسف يا سيدي ! حقاً.. آسف..

فقال كلارك مهدئا : لا بأس.. أحضر لنا فطورا غيره.. و كن أكثر انتباها المرة القادمة !

عبر النادل عن امتنانه ثم أحضر لهم فطورا آخر بعد تنظيف الفوضى التي أحدثها !

و إثر فراغهم من تناول الفطور.. جلسوا يحتسون الشاي.

تحدث الدكتور بنبرة عملية : بعد أن تنتهوا.. سنذهب لزيارة السيدة باتاي !

عبس بيكارت و همس قائلاً : نعود مرة أخرى إلى ذلك القصر المشؤوم !

و قال كلارك متسائلا : لماذا ؟!!

أجابه السيد آوتنبورغ : نريد أن نعرف المزيد منها عن الكونت ! من الواضح أنها كانت خائفة و متوترة ليلة أمس فلم تخبرنا بكل ما تعرف !

ثم بدأ جميعهم يحدقون بويندي التي جلست تحتسي الشاي بسكون و لباقة دون أن تنبس بكلمة !

قال الدكتور مداعبا : تبدين على غير عادتك ويندي ! هادئة و صامتة !

فابتسمت و قالت بحكمة : اكتشفت أن الثرثرة الزائدة غير مفيدة !

و ضحك السيد آوتنبورغ ملء شدقيه و قال ساخراً : لقد تأخرت كثيرا حتى اكتشفت ذلك !

ظلت ويندي هادئة و لم يبد عليها الاستياء.. مما أثار انزعاج السيد آوتنبورغ الذي كان يتسلى بمضايقتها !

أما كلارك فسأل المحقق الألماني بقلق : ما بك سيد آوتنبورغ ؟! تبدو مرهقا !

أضاف بيكارت : نعم ، إن وجهك شاحب !

فتنهد المعني و قال مطمئناً : لا شيء يدعو للقلق.. إنها أعراض فقر الدم فقط ، لقد شغلني العمل مؤخرا و لم أعد أولي نظامي الغذائي اهتماما !



بعد ربع ساعة.. وصلت السيارة التي طلبها السيد آوتنبورغ من الفندق.. فصعد الخمسة إليها ، و بدأت طريقها إلى قصر باتاي !

حين وصلوا إلى وجهتهم.. خرج كبير الخدم لإستقبالهم و استنكر الخمسة وجهه المصفر و صوته المضطرب !
سأله الدكتور قلقا : هل حدث شيء ما ؟!!

فارتبك كبير الخدم و تلعثم في الكلام : إنه السيدة.. السيدة باتاي .. ماتت !!


صاح السيد آوتنبورغ بانفعال : ماذا ؟!! متى ؟!! و كيف ؟!!!

أجاب كبير الخدم بصوت مرتعش : لقد.. لقد وجدتها الخادمة.. ميتة حينما حاولت إيقاظها هذا الصباح !

سأل كلارك : و ماذا عن ابنها.. مارسيل ؟!!

رد كبير الخدم : إنه بخير.. سيدي !

ضرب الدكتور يديه ببعضهما في غضب و استياء شديدين و صاح : اللعنة ! لقد خسرنا شاهداً مهماً للغاية ! ذلك الكونت اللعين !

و قال كلارك لكبير الخدم : هل يمكننا رؤيتها ؟!!

وافق كبير الخدم دون اعتراض ، و قادهم إلى غرفة نوم السيدة حيث لا تزال جثتها راقدة هناك دون أن يلمسها أحد !

تقدم الدكتور و أجرى فحصا سريعا للجثة .. ثم استدار نحو رفاقه : لقد ماتت قبل أكثر من ثمان ساعات ، و سبب وفاتها كما يبدو هو تناول جرعة زائدة من الأقراص المنومة أو شيء من هذا القبيل !

قال كلارك بجدية : من المؤكد أنها جريمة مدبرة و ليست انتحارا ! فالسيدة كانت تريد النجاة و العيش بسلام مع ابنها !

أيده المحقق آوتنبورغ قائلاً : أجل ! هذا مؤسف ! لابد أنها كانت تملك معلومات خطيرة حتى يتم التخلص منها ! <ثم التفت إلى كبير الخدم خلفه و أضاف : و لا شك أن القاتل من سكان هذا القصر !

ارتعد الأخير و قال بهلع : أنا لا علاقة لي سيدي ! لم أرها منذ عادت إلى المنزل مساء أمس !

طمأنه كلارك قائلاً : نحن لا نتهمك ! فأي شخص في هذا القصر قادر على ارتكاب جريمة سهلة مثل هذه ! لكن.. أين هو مارسيل ؟!!

- إنه في غرفته سيدي ! هل تريد رؤيته ؟!!

- نعم من فضلك !

قال كبير الخدم باحترام و قد بدأ شيء من انضباطه يعود إليه : كما تشاء سيدي ، و أرجو منكم أن تتوجهوا برفقة الخادمة إلى غرفة الضيوف !


أذعن الجميع لطلبه و انتقلوا إلى غرفة الضيوف حيث قدمت لهم المرطبات.
و بعد مدة وجيزة دخل كبير الخدم و خلفه مارسيل باتاي آخر من تبقى من هذه الأسرة !
كان فتى يتراوح عمره بين الخامسة و السادسة عشر ، بوجهه المغتم الحزين و عينيه الممتلئتين دموعاً وقف أمام المحققين !

تقدم كلارك و دنا منه.. ثم قال له معزيا و مواسيا : نقدم لك تعازينا الحارة لوفاة والدتك.. و أبيك و أخيك من قبل..

أطرق مارسيل رأسه دون أن ينطق بشيء.. فربت كلارك على كتفه و قال : نعرف أن هذا الوقت قد لا يكون مناسبا تماماً.. لكن هل يمكنك الإجابة على بعض الأسئلة ؟!!

رفع مارسيل رأسه و قال ببرود : ماذا تريدون ؟!

و نهض السيد آوتنبورغ و انضم إلى كلارك ثم سأل : هل أخبرتك أمك أو سمعتها تتحدث في أحد الأيام ... عن الكونت ؟!!

هز مارسيل رأسه نافيا.. فسأل كلارك هذه المرة قائلاً : هل سمعت إذن.. عن مدرسة النجوم المضيئة التي اشترك والدك في إنشائها ؟!!

قطب مارسيل جبينه و صمت قليلاً يفكر.. بعدها قال : أظنني سمعت بمدرسة كهذه قبل فترة طويلة.. لكني لا أتذكر شيئاً يمكن أن يفيدكم فقد كنت صغيراً جداً ذلك الوقت !

- هل كانت أمك حسبما تذكر تزور تلك المدرسة ؟!!

- لا أظن.. فهي لم تكن تتدخل في شؤون أبي.. لكنه كان يحدثها عن أعماله و مشاريعه بين حين و آخر على سبيل التباهي !

عندها ابتسم كلارك له و قال حانيا : شكراً لك على مساعدتنا.. نعتذر على مضايقتك بهذه الأسئلة في ظروف كهذه لكن الأمر كان ضرورياً جداً بالنسبة لنا ! <ثم أضاف بنبرة أخوية : صحيح أن ما مررت به لم يكن سهلاً أبداً.. لكن يجب أن تكون قوياً ، و تستمر في الحياة.. من أجل أسرتك !

أخفض مارسيل رأسه و قال ببرود هازئ : من السهل عليك قول هذا.

ثم أدار لهم ظهره و خرج.


تنهد السيد آوتنبورغ و تحدث بخيبة واضحة : إذ فهي لم تقابل الكونت شخصياً..

أردف كلارك قائلاً : نعم ، و كل ما عرفته عنه كان عن طريق فضفضات زوجها فقط ! لا أظن أنه يوجد شيء آخر يمكن أن يفيدنا هنا.. لذا...

في تلك اللحظة.. صاحت ويندي مذعورة : كلارك ! الدكتور في حالة سيئة !!

فهرع إليه الرجال الثلاثة !
كان وجهه محتقنا و يتنفس بصعوبة بالغة !!

صاح السيد آوتنبورغ : ما هذا الذي حدث ؟!! كان قبل قليل في أحسن حال !

التفت كلارك إلى كبير الخدم و هتف : اطلب الإسعاف بسرعة !

و بينما يسرع كبير الخدم لينفذ أمره .. سأل ويندي : كيف حصل هذا ؟!!

أجابت بخوف : لا أدري ! كان جل اهتمامي منصبا على حديثكم ، و حينما نظرت إليه وجدته على هذا الحال !

صاح بيكارت فجأة : إنه.. ذلك الكأس.. كأس العصير الذي شرب منه !

التفت جميعهم إلى كؤوس المرطبات على الطاولة.. كان الدكتور وحده من شرب منها !!

همس كلارك مصدوما : تلك .. كانت مسمومة !!

و عاودوا النظر إلى الدكتور.. الذي بدأت أنفاسه تتلاشى.. و صدره ينقبض.. حتى سكن تماماً !!

غطت ويندي وجهها بيديها ، و ارتمى بيكارت على الأريكة.. بينما حافظ كلارك و السيد آوتنبورغ على رباطة جأشيهما !


همست ويندي برعب : لا أصدق هذا.. لا أصدق أن الدكتور .. مات ! كان يمكن أن يكون أي واحد منا في مكانه.. لو أنا شربنا من تلك ال..

فطبطب كلارك على رأسها و قال متعاطفا : عودي للفندق ! يكفيك ما مررت به أمس ! سنتولى أنا و السيد آوتنبورغ كل شيء هنا ! <استدار نحو بيكارت و أردف : دان ! أوصلها للفندق ثم عد إلينا !


انصاع بيكارت لأوامر كلارك الذي غدا قائدا دون ترشيح.. و استقل سيارة أجرة ليعيد ويندي !
و بعد أن تأكد من دخولها للفندق رجع مرة أخرى إلى رفيقيه.


*****


في الفندق.. و تحديداً في غرفتها الخاصة جلست ويندي أمام المرآة تصفف شعرها ، و تحادث نفسها : هذا عجيب ! لم أتوقع أن يحدث شيء كهذا أبداً ! موت الدكتور كان مفاجأة كبيرة لي !

ثم التقطت هاتفها الذي كان مرميا على السرير و هي تتمتم : يجب أن أخبره بما حدث !
و ما كادت تكتب حرفاً حتى وصلتها رسالة منه و كان مفادها :

"غادري بسرعة !"

دهشت من هذه الرسالة القصيرة الخالية من التفسيرات و قالت ساخرة : رائع ! يبدو أنني في ورطة !

لكنها لم تتردد لحظة في تنفيذ الأمر فهي تدرك جيداً أن ذلك الشخص يعني تماماً ما يقوله !

أخذت حقيبتها الصغيرة فقط و أسرعت خارجة من غرفتها .. استخدمت المصعد ، و نزلت إلى صالة الإستقبال ، و بينما تجتازها و تكاد تعبر مدخل الفندق.. ناداها صوت غير مألوف : عفواً آنسة ماكستر !

التفت بحذر إلى محدثها..

كان شرطيا ! تبسم لها بلطف و قال : آسف على إزعاجك يا آنسة ، لكن هل يمكنك التوجه معي إلى مخفر الشرطة ؟!!

حدقت فيه بنظرة حادة يشوبها الشك و القلق و قالت : لماذا ؟!!

- إنه بخصوص وفاة الدكتور مايكل كروست ! نريد أن نسألك بعض الأسئلة حول هذه القضية فأنت كنت مرافقته أثناء إقامته في باريس ! و ليس عليك أن تقلقي يا آنسة فهذا مجرد إجراء رسمي ، و نحن لا نتهمك بشيء !

قالت ويندي بجفاء : آسفة لدي موعد مهم جدا الآن.. يمكنني المرور لاحقاً بالمخفر و..

قاطعها الشرطي قائلاً : عفواً يا آنسة لكن التحقيق لن يستغرق أكثر من بضع دقائق ، و بعده يمكنني إيصالك بنفسي إلى حيث تريدين !


لم يترك لها الشرطي مجالاً للجدال أو الاعتراض.. لذلك حزمت أمرها و ركبت معه سيارة الشرطة !
و هي تطمئن نفسها بقولها : "لا بأس ، كل شيء سيسير على ما يرام ، فأنا أجيد التعامل مع الشرطة و التصرف في مثل هذه المواقف !"


مشت السيارة بهم لعشر دقائق تقريباً قبل أن تتوقف أخيرا .
نزل الشرطيان أولاً .. ثم جاء أحدهما و فتح الباب لويندي .. فنزلت و صدمت حتى وقف شعر رأسها !
فذلك المبنى أمامها.. لم يكن مخفر الشرطة !!
بل بناء قديما مهجورا !!

تقدم أحد الشرطيين أمامها بينما دفعها الآخر و قال بحدة : تحركي !


خطت خطوتين إلى الأمام.. ثم تعثرت بكعب حذائها و سقطت على الأرض !
اقترب الشرطي الذي كان يتقدمهم و وقف عند رأسها ليصرخ فيها : انهضي بسرعة !
اعتذرت ويندي قائلة : آ.. آسفة !

و بينما الشرطي يستدير ليتقدم مجدداً.. نهضت.. و لم تكد تستقيم في وقفتها.. حتى باغتت الذي خلفها بركلة مفاجئة على رأسه طرحته أرضاً !
و حين التفت الثاني إليها عاجلته بركلة أخرى رمته بقوة على الجدار !
لم يكن في مقدور أي منهما تفادي ركلاتها لقربهما منها وسرعتها في التسديد !

أطلقت ساقيها للريح و شرعت تعدو مبتعدة بأسرع ما يمكنها و طلقات المسدسات تلاحقها محاولة إصابتها دون جدوى !

كانت تركض و تركض و تستمر بالركض و لا تأبه بما يحدث حولها !
لكنها توقفت أخيرا .. بعدما سدت سيارة سوداء كبيرة طريقها !!

فتحت أبوابها الأربعة و اندفع منها خمسة رجال !
و كان جليا أن ذلك الرجل الأسمر ذي الإبتسامة الماكرة هو قائدهم !
رمق ويندي بنظرة ساخرة ، و قال : يبدو أن الفأرة الصغيرة قد حوصرت !

صاحت ويندي بحدة : من أنتم ؟!! وماذا تريدون مني ؟!!

ضحك الرجل ثم قال مستهزئا : من نحن ؟! نحن القطط الجائعة ! < وأضاف مهددا : و من الأفضل لك أن تأتي معنا بهدوء ، و لا تجبرينا على استخدام العنف ، فهذا لن يكون في صالحك !

كزت على أسنانها و هي تستشيط غيظاً.. لكن ماذا بيدها أن تفعل و هي محاصرة تماماً ؟! قد يقتلونها إن حاولت المقاومة !

و بعد تفكير عميق.. و تردد كبير.. قررت الإستسلام ! فربما يكون الحل الوحيد لنجاتها !

رفعت يديها معلنة ذلك.. فتقدم أحد الرجال..
لكنه قبل أن يلمسها.. سقط على الأرض ينزف دما !!


"خطوة أخرى و أفجر رؤوسكم !"


جاء الصوت الهادر من وراءهم و تحديداً من خلف ذاك الماكر !!

ارتعد الرجال الأربعة و خشب الخوف أطرافهم .. أما الخامس و هو قائدهم فلم تتغير تعابير وجهه الهازئة !
و بدلا من الإذعان أطلق ضحكة قصيرة ساخرة : ها قد ظهرت أخيراً ! أيها الخائن !!

فكرت ويندي باستغراب (خائن ؟!! من يقصد بكلامه ؟!!)


لم يكن في استطاعتها رؤية منقذها إذ كان متواريا خلف ذلك الرجل يثبت مسدسه على رأسه !

تحدث الغامض بنبرة آمرة يملؤها الحقد و الغضب :
"دعوها تذهب و إلا حشوت رأس هذا التافه بالرصاص !"

فتنحى الأتباع بعد قليل من التردد .. و أفسحوا المجال لويندي كي تذهب !

فسألت قبل أن تغادر : من أنت ؟!!

و جاءها الرد صارما :
"ليس من شأنك ! اذهبي فقط !"


عقدت حاجبيها في استياء ! يا له من منقذ قليل التهذيب !
ثم أسرعت تركض هاربة !

ضحك الماكر و قال : أوه.. لقد كبرت حقاً و طالت يدك .. أكثر من اللازم يا جان !!!

فقال جان بصوت يطفح بالحقد و المسدس يكاد يحفر رأس الرجل بفوهته : اخرس ! إياك أن يتلفظ لسانك القذر باسمي !

واصل الرجل سخريته : هل أنت غاضب مني ؟!! هل تكرهني حقاً الآن ؟!! ألهذه الدرجة... كنت تحب تلك الفتاة ؟!!


في تلك اللحظة فقد جان السيطرة على أعصابه و لكمه بقوة حتى ارتطم وجهه بالأرض !

ضحك و أنفه و فمه يقطران دما : لقد كبرت حقاً يا جان !!
كبرت و وصلت بك الجرأة .. إلى التطاول علي أنا .. أخوك الأكبر !!!


صاح جان و هو يركله بقدمه : اخرس ! أنت لست أخي و لم تكن يوماً كذلك !!

ضحك شقيقه بأعلى ما استطاع .. حتى كاد صوته يختفي !

ثم قال بلهجة تنضح شراً و قسوة : لقد أخبرتك سابقاً.. قبل اثنتي عشرة سنة.. أني سأنتقم منك لخيانتك أسرتنا ، و أقتل كل من تحبهم !!

زمجر جان و الغضب يشتعل داخله : أيها الوغد اللعين ! فلتذهب إلى الجحيم أنت و أسرتك الوضيعة !

- إن كنت تكرهني حقا كما تقول ، و لا تعدني أخا لك ! إذن.. لماذا.. تتردد في قتلي ؟!!
بالنسبة لي.. لو كنت مكانك..


و ما كاد يلفظ كلمته .. حتى هوى مسدس جان من يده إلى الأرض.. بعدما اخترقت.. رصاصتان ذراعه !!

تبدلت المواقف ! وانتصب الأخ الأكبر واقفاً.. بعد أن التقط مسدس جان و صوبه نحوه .. و أكمل كلامه بنبرة لا تحوي ذرة من رحمة : ما كنت لأتردد في قتلك !!













رد مع اقتباس