عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 05-31-2016, 11:29 PM
 

****
الفصــل
الثانـي : ( كـــارثه ! )

وصلت لذلك المركز و لم يتغير شكله الخارجي عن سابق عهده

سوى تلك الجدران المطلية باللون الرمادي فضلا عن

الأبيض ،
دفعت الباب واتجهت إلى أول رجل لمحتهُ عيـناي


"
مرحبا سيدي.. هل بإمكاني رؤية السيد جاك هِنري ؟ "

"
جاك هِنري؟ هل تعرفه يا فتى ؟ "

"
بعض الشيء ، هل هو متواجدٌ الآن؟
"

"
نعم ولكنه مشغول حالياً "

"
لا بأس ، سأنتظره
"

"
حسناً ، ما اسمك حتى أخبره بشأنك؟ "

"
ليث رينو"

"
حسناً
"

وبعدها اختفى ذلك الرجل ولم يعد إلا بعد بضع دقائق ليخبرني

أن السيد جاك هِنري ينتظرني ، مرّت تسع سنوات منذ آخر مرةٍ

رأيته
فيها ، الآن بانت عليه علامات المُسن واشيّب رأسه وظهرت

بعض التجاعيد إلى جانب نحول وجهه إلا أن بنيته احتفظت بسابق

عهدها
، لازال مُحافظاً على لياقته بالرغم من بلوغه سن السادسة

والخمسين ، كدت أفتح فمي بصدد ما جِئت من أجله ولكنه

سبقني بالتحيه ..


"
ثينو لقد أتيت إذن ؟ كبرت قليلاً و لم يتغير توهج عيناك

بالنذير! "

"
أما زلت تناديني بهذا الاختصار"

"
بالطبع ، فهو اختصارٌ مبتكر ويتضمن اسم الوالد وابنه معاً "

"
لا يهم .. تعلم سبب تواجدي هنا أليس كذلك ؟"

"
بالتأكيد "

"
إذن"

"
لست مؤهلاً بعد؟ "

"
المعنـى ؟ "

"
أنت لا تزال في السابعة عشر إلى جانب كونك طالب بالثانوية ،

القانون
قانون وأنت غير مُستوفٍ للشروط الآن"

"
ولكنك لم تقل لي ذلك عندما كنت في التاسعة ! ، وعدتني

بالمساعدة وأنت الآن تخلف وعدك "

" لست كذلك يا ليث ! .. لا أخلف وعداً قطعته البته ، سأفي
بوعدي

ولكن في الوقت الحالي لا أعتقد أن بإمكاني فعل ذلك إلا إن .. "

قاطعه ليث بغضب :

"
ماذا ؟ ماذا هناك أيضاً "

"
أثبت لهم جدارتِك والى أي مدى قد تصل إليه عزيمتك ..

منْ
يعلم ربما يعيدوا النظر بشأن القانون؟ ،

ليث إلى إي مدى تريد هذه الوظيفة ،هل ستخاطر بحياتك ؟ "

مال ليث برأسه للخلف واستمر بالتحديق به غير راغباً في

التحدث :

"
لا يبدوا عليك الخوف أو التردد ، ما زلت غاضباً من القانون "


استمر ليث بالتزام الصمت فاردف قائلا :

" حسناً لا يهم ، عليك أن تأتي إلى هنا يومياً في مثل هذا الوقت ،

وليكن في اعتبارك أن التدريبات لن تراعي سِنك أبداً "

" ذلك شأني ! هل يعني ذلك أن بإمكاني البدء منذ الغد ؟ "

" إن كنت مستعداً ، عليك بإذهال سادتي منْ تخطوني برتب

عالية حتى يتم الموافقة عليك بالإجماع "

"حسناً اتفقنا "

بعدها ذهب ليث للمنزل فاستقبله توبيخ عمه :

" ليث ، أين ذهبت اليوم وتركتني أعمل بمفردي؟ "

" آسف عم ماركو طرأت علي بعض الأمور و التغيرات"

تمعن العم مطولاً بوجهه ثم قال :

" على وجهك علامات احباط ، لم أرك هكذا قط ؟ "

تنهد ليث تنهده تنم عن آسى .. مُوافقاً العم في تحليله :

"حسناً لِنقل أنها أزمة و ستمضي ولكن قد أتأخر في الأيام القادمة

لأنني سأعمل عملاً آخر حين عودتي من المدرسة ، فهل من .. "

قاطعه العم ماركو مشجعاً قائلاً :

" بما أنك نشيط ولا زلت تساعدني كالسابق فلا علاقة لي

بشيء آخر.. افعل ما يحلو لك شرط ألا تتوقف عن

العمل هنا فأنا لست مستعداً بعد لرحيلك "


ردد ليث بخاطره وكأنه يجيب العم مخاطباً ذاته :

كيف أرحل عنك وأنت بهذا التفهم !


بالرغم من بقائي معك ما يقارب تسع سنوات حتى الآن

إلا أنك أبداً لم تسألني عن ماضيّ أو مكانتي ، شخص مثلك لا

يُطالب بأسئلة أو يتدخل في شؤون الآخرين دون رغبةٍ مني ..

أأستطيع تركك حقاً ؟

كم كنت محبطاً بالفعل ومتعباً لدرجة جعلتني أرغب بالنوم

وكأنه الشيء الوحيد الذي يحتاجه جسدي .. بدلا عن

التفكير فيما عليّ فعله كخطوةٍ تاليه أفضّل طاعة

حاجتي الآن ..

وفي منتصف الليل تقلّب ليث كثيراً بفراشهِ وأكثر من الحركة

كأن هناك شيئاً ما يزعجه ، طاردته تلك الذكرى وتلك

العصابة ، التي غيرت حياته ،عندها استيقظ مرعوباً

والعرق يتصبب من على وجهه فشرب كأس ماء

ليُهدأ من روعِه قليلاً ثم مضى لغرفة النحت بالطابق الأسفل

ليصنع بعضاً من المنحوتات ، شغل باله أمر تلك العصابة

التي تراوده الكوابيس بشأنها كل ليله مذكرة أيّاه بأمراً يجب

ألا يُنسى .. الانتقام ! ..

ليبدأ التفكير في خطوته التالية بوضوح ، كيف سأتمكن

من ذلك وأنـا مجرد فتىً عاديٍ الآن ؟ ، علي التحلي ببعضٍ

من الصبر.

في الصباح استيقظ و ذهب لمدرسته مُبكراً على غير

العادة ، بعد انتهاء الدوام ذهب إلـى ذلك المركز كما وعد،

وحالما أصبح بداخله علم بأنه أصغرهم سِنـاً والوحيد الذي

يرتدي زي مدرسي فطرأت على باله فكرة .

غير زِيّهُ المدرسي لزيّ شرطة استعارة بسهولة من

خزانة أحدهم ، كانت فرصةً للتسلية ، فمضى للسجون و

تصرف كما لو كان فرداً من المركز ولم يخطر على بال

أحدهم بأنه في سن السابعة عشر .. بل لم يرتابوا بشأنهِ

حتى ، بينما ظل هو يتحدث معهم بثقة و يتنقْل بينهم كأنه

عالم بالأمكنة ويحادث هذا وذاك كـأنه يعرفهم جميعهم ،

وبالرغم من أنه عدوهم إلا أنهم قد أعجبوا بفطنته و

شجاعته ، فلم يجدوا أي عسر في التحدث إليه فهو لم يكن

بطويل أو قصير القامة بل متوسطاً عريض المنكبين ،

قوي البنية ، تستطيع رؤية عضلات ذراعيه وصدره ،

وجه بيضاوي وعينان ثاقبتان تنم عن قوة العزيمة و

الشخصية ذات لونٍ بُني فاتح يميل إلى الاصفرار قليلاً

مع شعر شديد السواد ، اسمر البشرة ،

مم تجعل منه تلك الملامح فتىً مميزاً يعلق بذاكرتك ،

تشعر بأن شيئا ما به يجذبك كالمغناطيس إليه ..

فاجأه صوت من الخلف على حين غفلة :

"أرى بأنك تستمتع بوقتك جيداً .. كدت أُخدع بك أيها

الملازم ثينو ! "

بانت ابتسامة ساخرة على وجهه فور تعرفهِ على صاحب
الصوت :


" أليس من الغريب أن تنادي ملازماً بطريقةٍ غير رسمية ؟! "

" و لكنك لست كذلك !"

"حسناً جاك ، كنت أتعرف عليهم محاولاً تمضية بعض

الوقت"

" أرى ذلك ولكن الغريب في الأمر تفاعلهم معك وأنت

عدوهم بينما لم يفزْ أي شرطيٍ قط بلفت انتباههم وكل

ما فعلته هو سرقتك لزي ليس ملكك وتصرفك مثلهم؟ ،

أراهن أنهم لم يرتابوا بشأنك حتى ، عجباً ماذا فعلت بهم؟؟ "

" لدي طُرقي و أساليبي "

"حسناً هل أنت جاهز للتدريب ؟"

" بالتأكيد "

"هيا إذن ، ولكن لتخلع أولاً هذا الزي قبل أن يحدث أمراً ما

ويفقدهُ صاحبه "

التدريب لم يكن صعباً بل سهلاً ، حيث تحدث عن الضروريات

الأساسية للدفاع عن النفس سواء كان خصمك يحمل مسدساً

بيده أو أي آداه حادة أو كان يستخدم قبضات يديه

كيف تدافع عن نفسك في مواقف مُشابِهه ؟ .. لم أتمكن

من مشاركتهم التدريب بشكلٍ فعال فما زلت مجرد جندي

بالاسم فقط دون رتبة لأنني غير مستوفٍ للشروط ، لذا تم

السماح لي بالمراقبة عن قرب ولا بأس إن قلّدت حركاتهم

ما دمت لا أقاطعهم !

بعد الانتهاء توجهت للمنزل ولم يُلقي العم أي أسئلة نظراً

لأخباري له مسبقاً بشأن العمل ، لم أخبره بأي تفاصيل

حول عملي الجديد أو ماذا كان ؟

فقط سرت مباشرةً إلى غرفتي والقيت بنفسي في الفراش

غير قادر على مقاومة النوم وأغمضت عينيَ ولم أستيقظ سوى

في صباح اليوم التالي ، وفي مساء ذلك اليوم أثناء عودتي

من التدريب بينما كنت عائداً لمنزلي ، علق بأذني صوت

أُنثوي مألوف وعندما تمهْلت قليلاً وتتبعت مصدر ذلك

الصوت كانت الكارثــــة! بل شيئاً لم يكن في الحسبان !

أعـادني ذلك الصوت إلى ذكريـات كنت قد قررت دفنها للأبد ،

أمـامي على بعد بضعة يارداتٍ ، وقفت امرأة بالقرب من

منزلي ، رأيتها من الخلف ومع ذلك عرفت هويّتها وعندما

استدارت والتقت عينيّ بعينيها تمنيت لو تنشق الأرض و

تبتلعني في تلك اللحظة !




رد مع اقتباس