عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 07-18-2016, 11:56 PM
Sia
 
(( رؤية في ضباب ! ))


لم أجلس بالمطبخ بل أخذت أبحث في الثلاجة و الأدراج , يبدو كل شيء معداً , ربما طلب والدي من الشركة أن يشتروا الطعام... دخل أبي و صنعنا معاً شطائر كثيرة و حليب دافئ لي و شاياً له , رغم اعتراضي لكنه يحتج بأن الحليب مفيداً جداً لساقي و عقلي . لقد بدأت أشك بأن والدي يعتقد بأن الاصابة بعقلي أو رأسي أشد من ساقي و هذا جعلني أعبس كثيراً !!.
_ هيا إلى النوم !.
قال أبي بسعادة مزيفة , قلت ببرود و أنا أراقبه بدقة : لا أريد النوم الآن فالوقت ظهيرة !.
_ إذن إلى القيلولة !.
_ لمَ لا تذهب أنت ؟!.
قلت ببرود , فعبس ثم فتح فمه ليجادلني لكن جرس الباب رن فجأة ....
حدقنا ببعضنا بدهشة فنحن قطعاً لا ننتظر أحداً , ثم نظر أبي حوله و نهض ببطء , قال لي بهدوء : أبقي هنا...
مشى بصمت , ورفضت طبعا البقاء جالسة فسرت خلفه بأقصى حذر ألا يصدر العكاز صوتاً.
فتح والدي الباب و ظهر رجل عجوز لطيف المظهر و .... صدمت ... الطبيب .. ذلك المزعج طبيب العظام ><...
قال لوك فرانس بمرح : مساء الخير ! , آسف لإزعاجكم لكن والدي ما أن سمع بقدومك حتى أصر على رؤيتك سيد موند ... هذا هو أبي جورج فرانس ..
قال الرجل العجوز بمرح وعيناه الفاتحتان تلمعان بسعادة : جاك !! , جاك براين موند.. لا تزال عصبياً تكره المجهول هاه...
وصافح أبي بحرارة كبيرة وكان والدي سعيداً وهو يرد عليه .. قال الطبيب فجأة بمرح وهو يحدق بي : وهذه ابنته الكبرى الجميلة .. كلآرآ !.
و أشار إلي , ثم غمز بعينه ضاحكاً وقال : كيف حالك عزيزتي ؟!.
ارتبكت وتغير وجهي هذا حالي دائماً عند التعارف الأول لأي شخص .. لأن كلهم يحدقون بي باستغراب أولي ..
كان العجوز يحدق بي بتركيز غريب , ثم قال بهدوء وعينيه ثابتتان علي: أنها جميلة بشكل ما , لكنها تشبهك جاك .. غير أن عينيها تشابهان عيني براين .. خضراء باهتة . عساها لا تملك صفاتك ..
بادلته التحديق باستغراب و توتر بينما هم يضحكون ..
عيناي تشابهان جدي بالتبني ! , أنه يمزح بلا شك ...هذه مجرد مصادفة ..
قال والدي بسعادة : أرجوكما أدخلا . أني على وشك إعداد بعض الشاي ..
قال الطبيب معترضاً بلطف : لا نحن آسفون على الإزعاج , نعلم بأنكم للتو وصلتم لكن والدي أحب رؤيتكم فقط ..
قال العجوز جورج بلطف : نعم سوف نراكم في وقت لاحق , أرجو أن ترتاحوا .. منزلنا شرقاً على بعد ميل واحد فقط تقريباً...
أومأ والدي وهو يقول برقة : آوه حسنا إذن.
ودعانا و غادرا إلى سيارة جميلة زرقاء داكنة , هي سيارة الطبيب بلا شك .. قلت بنفسي بأسى آآآه يا ألهي لا يكفيني فقط أنه طبيب و ينوي علاجي بل صديق قديم أيضاً و ينوي زيارتنا كثيراً >< ... أين يمكنني الهرب ؟!. لاشك بأنه وأبي سوف يجتمعان كثيراً و سوف يخبره بكل شيء عما أعاني وفي النهاية سيرتعب أبي كثيراً ~
اطمئن علي والدي عندما اصبحت في سريري و تغطيت كلياً فارتاح وجه ..
قلت ببرود : هل ستبقى طوال الوقت هنا تراقبني لعلي أسقط على وجهي !!.
حك شعره بتوتر و دقال : لا , لم أنتِ غاضبة دوماً و منزعجة ؟... حسنا سوف أذهب و إلا ستحرقني نظراتك .
غادر إلى الأعلى لينام قليلا . لكني لم أنم أخرجت كتاباً ما و جلست أقرأ بعض الوقت .. حتى غلبني النعاس رغماً عني ... ورحت في دوامة ثم ظلام .
سمعت ضجيجاً , حديثاً و خطوات حولي , المكان مظلم عندما فتحت عيني بكسل ثم أغمضتهما شعرت بأحد يدخل الغرفة و خطوات قرب سريري , ثم صمت بعدها خرجت الخطوات بهدوء .. مؤكد بأنه والدي دخل ليطمئن علي !. أن باله غير مطمئن ..
تحركت أكثر ثم جلست و حككت عيني , بعدما صفت الرؤية كان الوقت ليلاً و الساعة بجانبي تشير إلى السابعة !
ياه نمت كل هذا ... انصتُ بتوتر ... همهمات جيني و صوت أبي يحدثها .. تلفتُ حولي وجدت وعاء من الماء و كأس صغير ... بللت منديلي و مسحت وجهي ثم رتبت شعري و ثوبي ...
خرجت إليهم بهدوء .. كانوا في الردهة و والدي يتحدث بالهاتف بينما جيني تلعب على الأرض بألعابها .. رأتني فسعدت بي و أخذت تناديني " تاتا .. تاتا ... " < فهذا اسمي عندها
اقتربت منها و والدي يلتفت و ينظر إلي بينما يستمع للهاتف .. جلست على الكرسي ثم حملت جيني إلى جانبي .
أغلق ابي الهاتف , فقلت له : لمَ لم توقظني لقد تأخر الوقت ..
هز كتفيه بشكل عادي ثم توجه للطاولة الصغيرة لاحظت أن عليها أبريق صغير من القهوة و فناجين , سكب لي فنجان و اعطاني ... قال وهو يجلس على أريكة مجاورة وبين يديه فنجانه :
_ اردتك أن ترتاحي فقط ..هل تشعرين بالألم ؟!.
هززت رأسي نفياً , فأنا لا أشعر سوى بالثقل وأنا أسحب قدمي هنا و هناك ..
سألت وأنا أرى جيني بشعرها المسرح وثوبها الأصفر الجميل رائحة البودرة العطرية تفوح منها ..
_ هل أطعمتها ؟!.
_ وما رأيك ؟! , أأترك طفلتي الجميلة تموت جوعاً , هل ترينني أحمق كلآرا .
كان يسخر مني وهو ينظر نحوي باستخفاف وابتسامة !, واو والدي يجيد جيداً الاهتمام بـ جيني ربما أفضل مني ~~" !
_ سوف نزور المستشفى غداً صباحاً و كذلك جيني لأن لديها بعض التطعيمات .
آوه تأوهت بداخلي فاجئني قوله وعودته للجدية بسرعة , هل يجب هذا ؟! . رأسي يؤلمني من كل هذه الأجراءات .. لا أحب أن اسمع كلمة مستشفى فما بالي بالذهاب إليه كل فترة ~~.
_ لا تنظري إلي هكذا , يجب هذا عزيزتي , و كذلك المدرسة سنضع أوراقك بها أن أردتِ حالاً .. أو تحبين أن ننتظر بعض الوقت...
قلت سريعاً : لا أبي , لا بأس بالنسبة للمدرسة أحب أن أبدأ قريباً. لقد تأخرنا كثيراً .. " لقد مضت ثلاث اسابيع على بدء الدراسة ! "
حك والدي جبينه يفكر وعيناه الخضراء الفاتحة تضيق علي .. تردد وهو يقول : ربما .. تحتاجين مرافقه أو ...
رفعت حاجبي دهشة أهذا ما يفكر به ! , قلت بسرعة معترضة : لا احتاج لشيء أبي !. سأكون بخير !.
رأيت نظرة التفكير بعينيه مجددا , فقلت بأقصى هدوء أملكه بهذه اللحظة : يجب أن تصدقني أبي , سأكون بحال جيدة .. أني أتدبر أمري تماماً مادمت لن آتي للمنزل مشياً... أن أمر المرافقة شيء اعتبره سخيفاً و مبالغٌ به .!
رفع أحد حاجبيه فابتسمت له ولدهشتي ابتسم هو أيضا و قال بهدوء لكن بتردد خفيف : حـ...سنا عزيزتي , غدا سوف نذهب للبلدة ..
أنا أعلم تماماً بأن حسنا هذه المختصة بوالدي هي لا تقصد "أجل" , بل حسنا سوف أرى لحين !. لكني هززت رأسي ...
وفجر اليوم التالي كنت غافية تقريباً و ظننت بأني سأغرق بالنوم مجدداً لكن سمعت صوت قادم من الخارج ... من الغابة في الليل , عدتُ للنوم وأنا أقاوم شعور مزعج بالضيق والبرودة التي تتسلل .. سمعت الصوت مجدداً وكأنه تنفس لحيوان ما مخيف , لكن رأيت أبي من النافذة يسير في الظلام خارجاً ... يا إلهي ! أين يذهب ؟! , كان هناك شيء ما يتبعه ! رأيت ظل غريب ... ناديته بصوت عالي خائف " أبـ... أبــــــــي ؟!!! "
فجأة فتحت عيني بقوة على صراخ عالي .. "جيني" تبكي بحرقة و تنادي "مـ ...ما ما...ماما " !.
ارتديت ملابسي على عجلة و يداي ترتجفان لا أدري لمَ بينما قلبي يخفق بقوة مرتبكاً , قلبي يرتجف رعباً أيضاً كان ذلك حلماً مزعجاً وكأنه تسلل لعقلي !, لم أشعر بنفسي نائمة !!.. . مالذي يحدث لي , ولمَ أرى أحلاماً مخيفة عن والدي ؟!!.
خرجت للردهة .. رأيت أبي يحاول تهدئة جيني وهو بقميص و بنطال قطني خفيف .. كان واضح عليه الأرهاق و شعره مبعثر ... اقتربت منه بسرعة و قلت وأنا أشير للأريكة :
_ أبي , أبي اعطني جيني و اذهب لتغتسل .سأعتني بها...
لم يكن هناك من خيار , حملت جيني بين ذراعي بحرص شديد وأنا أجلس منهكة وكأنني كنت أركض .. بينما هرع أبي للأعلى وهو يقول : سأعود بسرعة...
هدأت جيني فجأة معي وأنا أضمها بحنان و أقبلها " يا حبيبتي الصغيرة , لا تقلقي بابا و تاتا لديك هنا... ".
عاد أبي بعد دقائق سريعة ببنطال جينز و قميص أبيض وجاكت جينز بذراعه , قال بهدوء : هيا حبيبتي أجلبي معطفك سنذهب...
وبينما أنا بغرفتي أرتدي بلوفر خفيف لأن الجو فجراً بارداً جداً و مظلماً .. سمعت أبي يتحدث بهاتفه .. لكن مع من ؟!.
كان قد وضع جيني الهادئة في كرسيّها الخاص بالخلف , وظل يسير ورائي كي أصعد ...
قلت بتذمر : أنا بخير أبي..
_ أجل صغيرتي..
لكنه بقي يساعدني حتى ربط لي الحزام ثم دار حول السيارة ليصعد خلف المقود و لننطلق قبل شروق الشمس حتى .. كان هناك القليل من الضباب في جوانب الطريق قرب الأشجار .. مررنا بمنزل كبير قابع بالظلام و هادئ و جميل ... فكرت بأنه لا شك منزل السيد " جورج فرانس ".
فجأة قال أبي فزعاً وهو يلتفت نحوي : لقد نسيتِ تناول الإفطار !! يا ألهي ..
حدقت به فزعة من لهجته وليس بسبب كلامه , قلت بضيق : لا بأس أبي , سنتناوله لاحقاً , لكن جيني هل جلبت حقيبتها الخاصة...
_ أجل أنها بالخلف , بها بيجامة احتياطية و زجاجتها وعلبة الحليب و أوراقها المهمة .. لكن ماذا عنك أنتِ حبيبتي. .
كانت حقيبة ذراعي الصغيرة معي .. وبها نسخة من ملفي بالمستشفى وكل أوراقي ...
_ إن الحقيبة ثقيلة من هذه الأوراق...
كان ينظر إلي بقلق بعد كلماتي .. وصلنا للمستشفى وكان كبيراً جداً بثلاث مبان ضخمة وسط البلدة , ظننت بأنها بدائية قليلا لكنها متقدمة جداً و كأنني بالمدينة لكن أصغر قليلا و بأشجار جميلة تحيط الشوارع الخالية بهذه الساعة المبكرة جداً...
فتح لي والدي الباب و ساعدني قليلا , ثم اتجه إلى الخلف وهو يحمل جيني بلطف و يعطيها لعبتها الصغيرة كي تلهو بها ,و تأبط هو حقيبة جيني الكبيرة , بدا شكل والدي غريباً ... أنه أبٌ مكافح .. مشى أمامي بكل نشاط وحذر بالرغم من أنه مرهق ولم ينم جيداً لكنه يقظ جداً ...
أما أنا فشعرت بالدوار ومعدتي تغوص و تؤلمني ما أن شممت رائحة المستشفى ... الغثيان اجتاحني وأنا أحاول اللحاق بسرعة
خلف والدي الذي يتوجه للاستقبال .. كان المستشفى خالياً تقريباً و الجو هادئ و بارد و ساكن...
حدث والدي الموظفة و شرح لها ... لكنها قالت له بأن مبنى الاطفال هو الآخر بينما هنا هو البناء الرئيسي و أنني سأتعالج هنا ... فأخذت البطاقة الخاصة بي وبدأت العمل على الكومبيوتر ... نظر نحوي أبي و قال بهدوء : حبيبتي أجلسي هناك .. هيا.
توجهت للمقاعد و جلست بطاعة وصمت , تحدث والدي قليلا إلى الموظفة وهو يعدل من وضعية حقيبة جيني الثقيلة بينما ذراعه الأخرى تلفها بعناية وقوة ... نظر نحوي مرتين بعبوس ثم تناول الهاتف من الموظفة و تحدث به !.
نظرت للساعة المعلقة .. كانت تشير إلى السادسة و النصف الآن , اقترب والدي مني و قال بهدوء : سنذهب أنا وجيني للبناء الآخر حبيبتي , لكن لا تقلقي أ...
قاطعته بهدوء : سأنتظر هنا ..
_ لا , آه .. كلمت الدكتور لوك هو قادم الآن سيأخذك معه .
صدمة لثانية بالرغم من توقعي لهذا بالمستقبل لكن ليس الآن ! , قلت باعتراض متوتر ومعدة تغوص : أبي !! لا تتركني وحدي !.
رد بتعب وهو يهدأ جيني التي بدأت تنزعج وبوادر البكاء تقترب من الظهور : يا عزيزتي , أني هنا قريب , فقط سآخذ جيني و سنعود حالاً...
رأيت تعب عينيه وشحوب وجهه فخجلت من نفسي جداً ! , لا أزال اتصرف كالأطفال ..!! تبا مالذي يقلقني لهذا الحد ...!
قلت بسرعة شاعرة بالذنب والاستياء : حسنا , أبي آسفة جداً لأزعاجك .. سأذهب مع د.لوك .
بعد ذهاب أبي بدقائق قليلة سمعت خطوات قادمة من خلف الاستقبال و ظهر لوك فرانس كان يبدو غريباً قليلا بمعطفه الأبيض لكن لا بأس به , رسم ابتسامة لطيفة حانية بينما أنهض لتحيته ... حياني بلطف وهو يشد على يدي و يضع يده الأخرى على كتفي ..
قال بمرح : هيا لنذهب لمكتبي كي نتحدث قليلا...
حدقت به و قلت بصوت خافت ضيق : ماذا ؟!.
_ أني سأقرأ ملفك عزيزتي و سوف نرى ما يمكنني فعله بنفس الوقت سوف تحدثينني عما تشعرين و ستساعدك لوسي.
ظللت صامتة في المصعد و سأل هو عن أحوالنا و استقرارنا .. رددت بهدوء " كل شيء هادئ الآن ".
دخلت بمكتبه ودهشت لكبره و جماله , يبدو بأنه ذو مكانة عالية ... كان لوك لطيفاً جداً ومهذباً للغاية ربما تذكر تحذيري له من ردات فعلي .. لكني كنت مرهقة وهادئة ولا أريد الدخول بأي مناقشة .. جلب لي القهوة و بعض البسكويت "كوكيز" ثم جلس يقرأ بالملف قليلاً .. نادى الممرضة التي تدعى لوسي , وذهبنا إلى غرفة الأشعة ...
__________________


رد مع اقتباس