عرض مشاركة واحدة
  #22  
قديم 08-01-2016, 05:12 AM
 









الفصل الثالث ( طلق ناري ! )


الساعة 08:15 صباحاً ، هندرسون – جنوب لاس فيغاس :

بعد حوالي ساعتين كان أمياس داخل فناء منزل آل غراس ، أوقف سيارته البورش الحمراء موديل 2016 في موقف السيارات الخاص بعد موافقة حارسها له بالدخول وذلك بعد أن تأكد من هويّته فمنحه الإذن ، ترجل من سيارته ثم القى نظرةٍ فاحصة سريعة على المبنى أمـامه المصنوع من الخشب الخام ، المكون من طابقين بواجهة زجاجية و شرفتين أماميتين ، بينما خلفيته وجدرانه زُخرفت بالحجارة الملونة ، ثم تلك الألوان البُنيه المُدرجة و الرمادي الفاتح الذي أعتلى سطح الاسقف ، ليبعث المنظر المُسر في نفس الزائر بأنه في منطقة ريفيه يعمها السكون والألفة ، مكان مناسب للاسترخاء والعزلة ! .. خطى أمياس ناحية الأبواب المشربية ذات النقش الخشبي القديم قاصداً باب المدخل الرئيسي ، ضغط على زر الجرس وانتظر ثوانٍ حتى جاءته خادمة المنزل ، وطالبته بإعادة شريط التعريف بالنفس للمرة الثانية وبعدما اقتنعت بنواياه الشريفة طلبت منه الجلوس في إحدى الأرائك المخملية بيجية اللون على يمين المدخل ، انتظر لخمس دقائقٍ أخرى حتى لمح فرداً من أفراد المنزل .. طفلة جميلة ، بشرتها بيضاء شاحبة وجهها بريء ملائكي وخدودها خوخيه وأنفها صغير مستقيم ! .. إلا أن عينيها الزرقاوين الواسعتين التي اضافت سحراً للون شعرها الكستنائي ، كانتا عابستين و حزينتين لسببٍ أثار فضول أميـاس ، فحثها أن تقترب ناحيته .. وبخجل الأطفال ذاك ، فرّت هاربة للخارج ، أراد أن يلحق بها لولا سماعه لوقع أقدامٍ خفيفة بدت تهبط درجات السلم الخشبي باتزانٍ مُلفت .. مُخبرة أن سيد من أسياد المكان قد حضر ولابد أن تستحضر كامل قواك التركيزية واهتمامك باتجاهه فحسب !، سيده مُسنة محترمة في منتصف عقدها الخامس ، حيته بحراره ثم جلست بكرسي بجانبه ، و أول أسئلتها كانت :" متى ستطلقون سراح ابني كارلوس ؟"
اعتلت ابتسامة جانبية محيّا أمياس للسؤال المتوقع فأجاب بثبات :" عندما يعترف بفعلته .. ربما ! "
اجابته الباردة أثارت حُنق والدته ، فتخلت عن شموخ كبريائها وبنبرة أكثر عُلواً وحِدة أردفت :" أتحاول القول أن ابني مُجرم ؟"
" لم نجد ما يدينه لقولك ، سيدتي !.. لذا هو في الوضع الحالي مجرد متهم إلى أن تثبت براءته ! "
أطلقت والدة كارلوس آهه مُستاءه لفطنة أمياس وعباراته المُوجزة : " و إذن ، أقدمت لهنا للبحث عن دليلٍ يُدينه كمجرمٍ أم للبحث عما يبرئه ؟"
" لا أحمل ضغينة لابنك العزيز ! .. أتيت بغرض دراسة حالته وسأكون شاكراً إن تفضلتي بمساعدتي بإخباري بخلفيته الكاملة ، عليّ لا أطيل زيارة غير مرحب بها هُنـا " تعمّد قول الشق الأخير ليختصر الوقت ويدفعها لغايته ..حيث تفاصيل كارلوس ! ، و ما هي إلا بلحظات صمت مُفكرة اقتطعها سؤالٌ حاسم :" ما الذي تريد معرفته عن ابني ؟ أعتقد أن سجله برفقتكم مُسبقاً ! "
" السجل لا يحمل كل المعلومات الدقيقة ! .. على سبيل المثال لما قتل كارلوس أخته ؟"
عدلت من قامتها في الكرسي وبنبرة حازمة وغاضبة هتفت ": كارلوس لم يقتل مارلان عمداً ! فلتفهم هذا الشيء ! "
" اخبريني إذن بقصتهما حتى لا أرتكب هذا الخطأ التخميني مرةٍ ثانيه !"
" هل تبقى ما يمكن قوله ! ، العائلة هي أنا وابني وابنتي ووالدهم "
" و تلك الصغيرة ! " أضاف مُنبهاً .
" تلك ! " نطقت الكلمة باستفهامٍ مربك ثم تذكرت المعني " آه تلك الطفلة ! لا شك أنك رأيتها ! ، تلك تبنيناها كابنة لمارلان
لأنها كانت تشعر بالوحدة بعد أن أفاقت من الغيبوبة ! "
" هل هذا كل شيء .. المختصر المفيد ! "
" أ ينبغي أن أضيف المزيد ؟ "
" نعم ، علاقة الأخوين ببعضهما .. كيف كانت ؟ "
آخر ما توقعه هو أن يستمع لمقطوعة مليئة بالحيوية ، إذ لم يتعرْف على المُسنة بجانبه بسبب مقطوعتها الرنانة نتيجة عزف حبالها الصوتية
لإخراج أغنية ضاحكة ساخرة مُحتقرة :" كيف يمكن أن تكون العلاقة بين أخوين ؟! .. إنك تطرح أسئلة عجيبة وغريبة في آن ، أيّها الشاب !"
" الغريب ليست أسئلتي بل تقاتل أخوين معاً في معركة غير عادلة و نجاة واحد ! "
"كفــى ! " نطقت كلمتها الثائرة ثم انتصبت واقفه على قدميها مُشيرة بسبابتها لأمياس ومن ثم للباب الخارجي .. بمعنى .. أُخرج من المنزل ! ، وفي هذه الحال العصبية لم تبدر بادرة من المطرود نفسه برغبةٍ في إطالة البقاء ، سار مباشرةً للمقصد وأغلق الباب خلفه ، ليلعن حظه تالياً .. إذ ما الذي فعله بحق الله لينتهي بوضعية الطرد المُذلة ! ، كم النساء مُتقلبات وسهل إثارتهن ! ، ولكن طالعه قد ابتسم له من جديد ليبدد احباطه ، رأى تلك الفتاة الصغيرة منْ تهرْبت منه في السابق تلعب وتجري في الساحة الخضراء العُشبية ، بيد أن المسكينة لم تنتبه لغصنٍ حقود مُلقى على الأرض تسبب في إطاحتها على وجهها ، سارع أمياس نحوها ليهدئها قبل أن تستيقظ و تنفجر نوبة الاستياء بداخلها مُخلفة بُكاء مُرعب ! ، انتشلها من الأرض الجافة لذراعيه الثابتين وبكف يده الأيسر مسد شعرها الناعم ، وما إن شعر بنجاحه في إطفاء ذلك الانفجار البُكائي بدأ يتودد إليها :" ما اسمك صغيرتي ؟"
بصوتٍ لطيف محبب اجابته :" ليليا "
" ولماذا ليليا الجميلة تلعب وحدها هنا تحت أشعة الشمس الشرسة ؟ .. ولما هربتِ مني ؟ .. هل أشبه الوحوش ولدي عينين حمراوين ؟ "
أخيرا بان بريق أسنانها اللؤلؤية لمداعبة أمياس لها:" كلا ، أنت وسيم ولطيفٌ جداً وأبعد ما تكون للوحوش ! .. ماذا تفعل في منزلنا ؟"
فكر أمياس في سره لثانية ثم أجاب :" أتيت لأساعد والدك ولكن جدتكِ الصارمة قد طردتني !"
عبست وزمت شفتيها ": لا أعلم لماذا فعلت جدتي ذلك وهي تحبه جداً ، ولكنني سأطردك مثلها إن ساعدته ! "
تعجب أمياس لقولها :" لماذا لا تريدينني أن أساعده ! "
" لأنه قتل أمي ! .. قتل أمي الحقيقة ! " ثم حاولت أن تُحرر نفسها من قفص أحضانه فأطلق سراحها ولكنها فرت هاربه منه للمرة الثانية للداخل ،
و لإنشغاله هذه المرة بعبارتها الأخيرة.. لم يلحق بها ، وقف في مكانه ينظر لطلتها الهاربة !

***

رنين جرسٍ مستمر، أزعج هناء تشارلز فأرغمه ليفيق ويفتح للزائر .. ذلك الزائر الذي كان :" لويز ! " هتف مصدوماَ في وجه ضيفه و بادله الثاني الهتاف عينة " تشارلز ! " تبادل الطرفان النظرات المُتعجبة لدقائق ثم بادرت المرأة بالتوبيخ : " تشارلز ! .. كم أنت سيء ! .. لماذا لم تخبرني بأنك هنا .. أعني أخيك هو الأسوأ حتماً كونه لم يخربني ! و أين هو بالمناسبة ؟ "
" اهدئي لما ثورة الغضب هذه ! .. ألن تتغيري ؟ خففي من حدة توهجكِ أولا أرجوكِ ، فستحرقينني يوماً ! "
" كف عن مزاحك تشارلز .. لو أريد حرقك فسأحرقك الآن لخيانتك وعدم إخباري بمجيئك .. ثم أنت لم تجب على سؤالي أين ذهب أخوك الظريف هذا ! "
" أمياس .. أذكر أنه قال بأنه سيذهب لمسرح جريمة في شمال لاس فيغاس و .. "
" إنه ليس هناك ! .. قد اتيت تواً من ذلك المكان ! "
" تأخرتِ إذن ! .. لا شك أنه ذهب لهناك ثم .. "
" ثم ماذا .. ماذا يفعل تالياً بعد ذهابه لمسرح الجريمة ؟"
" التحقيق واجبك وليس واجبي ! "
" تشارلز ! .. أرجوك كف عن ألاعيبك .. فقط أجبني ! "
" آه ، آه " بعثر شعره بكف يده اليمنى يماطل ويغيظ لويز وما إن شاهد توهج عينيها مُخبراً بنهايته السوداوية أردف : " ربما قد ذهب لبيت المُتهم ! ..
عادةً ما يفعل ذلك ليجمع المعلومات الكافية "
" ماذا ؟ أ ذهب لهناك وبهذه السرعة ! .. كيف سألحق به الآن ! " نغمة هاتفها المحمول أجابت على سؤالها ، نظرت لصاحب الرقم فإذا به أمياس :" نعم ! .. ماذا تُريد ؟" بنبرة لئيمة حيته كما يفعل هو في العادة معها ، لكنه لم يكن في مزاج يسمح له بالعبث أخبرها بوضوح بأن تجهز ملف القضية الثاني وتنظره في المكتب ريثما يصل ، فثار غيظها لنبرته الآمرة فتذمرت على الخط :" لن أفعل شيئاً ! .. غير اسلوبك أولا ثم تعال وفهمني كل شيء بعدها سأُفكر بالتحرك ! " إلا أنها بدلا من أن تسمع صوته ، سمعت صوت إطلاق ناري ثم آهة مُتألمة وانتهى الأمر بفصل الخط ، توترت لويز وصاحت بانفعال لترعب الشخص الآخر معها وتصيبه ببوادر القلق : " أميـاس ! .. أمياس ! " قفز تشارلز من مكانه نحوها ": ما الأمر لويز ؟ ..
ما الذي حدث ، ما به أمياس ؟ "
" لا أعلم ! .. سمعت .. سمعت ! " لم تكمل جملتها لأن عينيها الزرقاوين انهمرتا بدموع غزيره منعتها الرؤية وشلت تفكيرها، هدئها تشارلز
بين ذراعيه علّه يسيطر على ارتجاف جسدها الواهن" لويز أرجوكِ أهدئي أنتِ تخيفينني بتصرفكِ هذا ! ، تماسكِ واخبريني بما حدث ؟
ما الذي سمعته وما به أمياس ؟ "
" لا أعلم تشارلز ! .. كل ما سمعته هو طلق ناري ثم آهته المتألمة وبعدها فُصل الخط .. بلا أدني شك بأنه قد أصيب ! "
حاول تشارلز أن يظل مُتفائلاً لربما تخيب توقعاتها .. أمياس لا يمكنه أن يرحل بهذه السهولة ! لا يمكن ! .

***




التعديل الأخير تم بواسطة S O H A N I ; 08-01-2016 الساعة 06:19 AM
رد مع اقتباس