عرض مشاركة واحدة
  #12  
قديم 10-27-2016, 01:09 PM
 
الكذب

[ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:70%;background-image:url('http://up.arabseyes.com/uploads2013/10_10_16147612724995722.jpg');"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]






الفصل الثاني~الكذب


امارات الصدمة ارتسمت على وجهها الوديع حين استقر بؤبؤ
عينيها الممتزجتان مع قزحيتيها الوردية ذات لمعان لؤلؤي،
على يده التي تشكلت على هيئة مقص واتسعت شامل
عينيها مبدية الذهول مما تراه من ذاك الجالس مقابلها على
الارض، بنبرة لطيفة قالت: "انت بالفعل ماهر... لم استطع ان
اغلبك ولو لمرة واحدة"
افرج الاخر صاحب الخمسة عشر ربيعا عن ابتسامة واثقة وقد
اخذت عيناه الزرق تمردا من هيجان البحار، مرر اصابعه بين
خصلاته الكستنائية ثم رفع رأسه بتعال قائلا بتحدي:" اذا
الى متى تنوين تجربة حظك؟... يقال من لا حظ له فللا
يسعى ولا يشقى..."
- نظراته المتحدية اطاحت بملامح الوداعة من وجهها حين
نهلت منه ما استطاعت ليغدوا كناظر لمرأة مع انعكاسه حتى
ختمت تحديهما بحماس عنيد:"سأحاول الى ان اهزمك ولو
لمرة واحدة..."
اطلق الامير ضحكة صاخبة انهاها بقوله:"انت فعلا سخيفة...
الى متى ستستمرين بهذه المهزلة... الم تنتبهي انني اغش في
الخمسة وعشرون دورا مضت...
نظرت اليه مستغربة:"تغش؟..."
- اجل كنت اغش...
- ما معنى ذلك؟...
فرغ الامير فاهه مصدوما حتى طأطئت انتاشيا خجلا، تهربت
من الامير ضحكات متقطشة تدل على عدم استيعابه ما سمع
توا حتى قال اخيرا: "احقا لا تعرفين ما هو الغش!... "
توردت خديها واشاحت بوجهها عنه حتى قال لها:"يا فتاة اين
تعيشين!... اه حسنا في هذا البرج العالي المعزول عن البشر
كليا، لن استغرب ذلك... حسنا انظري الي... الغش وما فيه هو
ان تظهري للشخص واقع ما، بينما الحقيقة واقع اخر، كفوزي
عليك الان عدة مرات، بل كل المرات..."
اعادت نظرها اليه مركزة معه، تفكرت بالامر قليلا ثم قالت:
- ولما تغش؟...
- هز كتفيه متفاخرا ليقول:"بالتأكيد لأكون الفائز...
- وماذا سيحصل لو لم تكن الفائز؟
- بكل بساطة سأكون اقل شأنا منك...
- بل ستظن انك لست اقل شأنا، لكن كما قلت الواقع الحق
غير ما تبدي
- ومن يهتم بالواقع الحق، الاهم ما يبدو...
- غير صحيح، لو امتلكت جوهرة نفيسة وظنها العالم باسره
حجرة فذلك لن يغير من حقيقتها شي والعكس صحيح...
- سخيفة كعادتك... ان كنت تحملين في يدك جوهرة نفيسة
وظن الصائغ ان ما في يدك حجرة فهل سيشتريها منك بثمنها،
بالاحرى هل سيشتريها منك بالاصل... نظرة الاخرين اليك والى
ما حولك اهم من حقيقته، لان ظنونهم تجعل الاوهام حقيقة...
رآها تفكر في كلامه بتمعن فقال: هل اقتنعتي ام تحتاجين
الى المزيد من الحجج... لدي منها ما يكفيك للحديث يوم
بأكمله...
نظرت اليه مستفسرة وقالت: ما معنى الصائغ
ضرب رأسه بكفه متحسرا ثم قال: يبدو انني سأحتاج الى يوم
بكامله لأشبع قاموسها بمفردات كثيرة تفتقرها ثم سأحتاج
يوم
كامل لاعرض عليها الحجج وتقتنع، اخذ يفكر بكيفية شرح لها
كلمة صائغ بكلمات موقن انها سمعتها مسبقا...
---
اسلتقى الامير على الاريكة واطلق تنهيدة مثقلة، وضع يديه
على رأسه كانه يمسكه كي يكف عن الدوران، فكثير من
الكلمات التي اخذ يشرح بها احتاجت الى شرح، وهذه
الكلمات التي استعملها للشرح احتاجت الى شرح، وبطريقة
عجيبة استطاع ان يشرح لها وذلك بعد مضي ساعات،
اقتربت منه بحماس تقول له: "دعنا نلعب اللعبة مجددا"
نظر اليها بطرف عين ليقول: لا شكرا... رأسي لم يعد يحتمل
المزيد
اخفضت رأسها بحزن ثم جلست على مقربة منه في طرف
الاريكة: "اذا ماذا سنفعل الان؟..."
- سأرتاح قليلا
- وبعدها؟
- سأنصرف
- فتحت عيناها بصدمة: بهذه السرعة!
- رد دون ان يفتح عيناه: اخشى ان انتحر لو بقيت هنا... اظن
ان هذه هي الكارثة التي تحدثت عنها والدتك لو التقيتي ببشري
- نظرت اليه مستغربة: ما الذي تقصده ب'تنتحر'
تقلب على الأريكة ليعطيها ظهره واضعا يديه على اذنينه محاولا
التهرب كي لا يسمعها ثم قال: لا مزيد من هذه الاسئلة..
لم اعد احتملها...
عاد ليلتفت اليها بملل وقال لها: كيف تقضين يومك عادة؟
بغض النظر عن الغناء...
وضعت سبابتها تحت فيها متفكرة ثم قالت: اجعل الوان
الطبيعة تتراقص على الحان غنائي
فنجر عينيه، تلا ذلك عدة ترميشات ثم ضحكة صاخبة،
نظرت اليه ببرود لتقول: ماذا !... انا ساحرة، انسيت ذلك؟
ابتسم بشقاوة ثم قال: هيا انهضي واريني ذلك
اسرعت الى منضدة قريبا اخذت منه مزمارها وناولته اياه،
طلبت منه ان يعزف مقطوعة لشوبان ثم اسرعت الى النافذة
لتجلس على حافتها، اصطنع الامير وجه الغباء ليقول:
"مقطوعة لشوبان؟... الم يكن يعزف على البيانو!..."
اشرت له انتاشيا بحماس على حافة النافذة تدعوه ليجلس
بالقرب منها فتقدم اليها، جلس، وضع المزمار على فمه، اغمض
عيناه وبدأ التزميز، توقف عن العزف فجأة بسبب انتاشيا
التي اخذت المزمار منه، فتح عيناه مستغربا فقالت:" ان
اغمضت عيناك لن تستطيع ان ترى تراقص الوان الطبيعة...
نظر اليها متفكرا ثم حك رأسه محرجا وقال:"لم انتبه لذلك،
اعتدت التزمير بعيون مغمضة... حسنا ناوليني اياه سأحاول
ان افعلها فاتح العينين
وضع الامير المزمار على فمه وانسابت مشاعر حزينة منه،
كأنها دمعة شجية سقطت من السماء على موضع جلوسه
وراحت الالوان الدافئة تنتشر حوله كما الامواج الطفيفة التي
تسببها نقطة سقطت على الماء فتتوسع لأبعد مد...
اخذت معالم الطبيعة تتباين، تفيض بالحنين في تلك المنطقة
المنبسطة وصولا الى الاشجار المحاطة، تبرج السماء بالوان
مغربية، كسى الحزن مظاهر الطبيعة حولهم كأنه خريف تائه
في الحان الغرام، عادت الطبيعة الى طبيعتها ما ان توقفت
انتاشيا فجأة عن الغناء وسحبت المزمار من يد الامير طالبة
اليه المغادرة بعجل، نظر اليها الامير مستغربا ثم صاح:"ما
بالك تطردينني... ظننت اننا اصبحنا صديقين..."
اجابت انتاشيا بكلمات متسارعة متوترة:" وما زلنا كذلك... لكن
امي قادمة... ان رأتك هنا لست ادري ما قد يحدث..."
عقد الامير ذراعيه ليسند ظهره على حافة النافذة غير مبال:
"وان رأتنا؟... ما الذي سيحدث؟... انا الامير، لا يمكنها ان
تفعل لي شيئا..."
- انت الامير ولست انا...
- لا بأس انت صديقة الامير، يعني ضمن دائرة حمايتي
- لا تكن فظا هكذا... ارجوك ارحل قبل ان تراك
ابعد الامير وجهه قائلا بعناد:"انا لن اذهب... سأبقى هنا لأواجه
والدتك وجها لوجه... وان لم تقبل ان تخرجي من هذا البر...
بتر جملته حين سحبته انتاشيا للداخل واخفته تحت السرير،
محذرة اياه:" ان خرجت من هنا ستكون نهاية صداقتنا"
صمت الامير حينها مبديا انزعاجه حيث انها المرة الاولى في
حياته يضطر ان يرضخ لتهديد احدهم
خرجت انتاشيا من غرفتها محاولة ان تهدأ وما ان رأت امها
تقترب طائرة على مكنستها حتى عادت ترتجف، اغمضت
عينيها، اخذت نفسا عميقا واطلقته، ما ان فتحت عينيها حتى
تفاجئت بامها قبالها، اصطنعت ابتسامة سريعة ولم تدري ما
عليها ان تفعل، التفتت سريعا ناحية غرفتها لترى الامور
هادئة، عادت لتنظر الى والدتها لتتحقق من ملامحها ان
اكتشفت شيئا فتراها فاتحة ذراعاها معاتبة:"اين عناقك الحار
لاستقبالي؟!..."
ارتبكت حينها انتاشيا 'كيف نسيت ذلك؟ ' اسرعت الخطى
الى والدتها معانقة اياها، ابتعدت عنها بعد ان انتهى العناق
وهي لا تعلم اين توجه نظراتها، لسبب تجهله لم تستطع ان
تواجه عينا امها، نظرت اليها الام مستغربة، انتاشيا متوترة
من حين قدمت على غير عادتها، اقتربت منها، ربتت على
رأسها بحنية تسألها:" ما بك؟... هل هناك ما يضايقك؟... "
ما ان فكرت انتاشيا بأن امها ستدري انها قابلت بشري حتى
عادت ترتجف، تهربت من سؤالها وهي تبحث في حقيبة امها
قائلة:" ما الذي احضرته لي اليوم؟ هل احضرتي فطري
المفضل؟..."
نظرت الام اليها مستغربة:"هل هذا كل ما في الامر... اجل
احضرت لك اثنين... طلب الي والدك ان احضر لك المزيد لانك
بدأت تكبرين، قريبا ستتزوجين وتنجبين طفلة لطيفة
مسؤولة مثلك تحمل المهمة عنك...
ابتسمت انتاشيا مطمئنة، يبدو ان كل شيء يسير على ما يرام،
، لم يخترب شيء بسبب لقائها بذلك البشري، اخذت حبة من
الفطر وتناولته ليعود للشعر لمعانه، نظرت اليه بحماس لتأخذ
حبة الفطر الثانية وتتناولها ليزداد شعرها لمعانا كأنه يشع في
غرفتها الكئيبة، اسرعت الى امها لتضمها سعيدة فحاوطتها
امها بذراعاها، وقبل ان تبتعد انتاشيا احست الام بخصلة
شعر مجعدة، خصلة لم تتأثر بالفطر، ادارت ابننتها لتتأملها
مستغربة، انها خصلة الحسد، ولكن لما ما زالت كذلك ان كانت
قد تناولت ضعف الكمية عن عادتها، لا يمكنها ان تأكل اكثر من تلك الكمية والا سيضر بها ذلك، ادارت ابنتها اليها لتقول
لها:"انتاشيا... ما الذي حدث معك بالضبط... اخبريني فالامر
خطر جدا... هل شعرت بالحسد مني او من والدك مؤخرا؟..
نظرت اليها انتاشيا مستغربة: - ما معنى حسدت؟
اغمضت الام عينيها متفكرة، هل حقا ابنتها تشعر بالحسد ام
ان هناك شيء خاطئ، عادت لتنظر الى ابنتها وقالت لها:"هل
انزعجت مني يوما او من والدك لأي سبب كان؟ او تمنيت ان
يكون لديك شيء نملكه؟... او شيء من هذا القبيل...
هزت انتاشيا رأسها نافية، وتأكدت الام من صحة كلامها اذ ان
خصلة الكذب ما تزال ناعمة ولامعة، قررت ان تتناسى وتسأل
والدها فيما بعد لكن يبدو انها لن تضطر ان تؤجل السؤال، فها
هو والدها قد اقبل ويقف بينهما، انتاشيا لمجرد رؤية نظراته
الثاقبة كاد ان يغمى عليها، وزاد الطين بلة حين اقترب منها
وامعن النظر الى خصلة شعرها المجعدة، سحب وجهها اليه
ببرود وقال:"لما خصلة الحسد لم تعد لرونقتها عند تناولك
الفطر، علما انك تناولت كمية مضاعفة..." ارادت انتاشيا ان
تخفض رأسها تهربا لكن اعاد والدها رفعه قائلا بحزم:" اجيبي
على سؤالي" ابعدت انتاشيا ناظريها عن عيناي والدها التي
كادت شرارتهما تخترقا عينيها ليبلغا قلبها ويحرقاه، ابعدتهما
بقدر ما تيسر لها بينما والدها ما زال يثبت وجههة تجاهه فقالت:
"لست اعلم..." هي بالفعل لم تكن تعلم شيئا عن تغير
خصل شعرها في حال ارتكابها احدى الخطايا السبع، فلم تكن
قد جربتها يوما، ولم تكن تدري ان الفطر التي تناولته طوال
حياتها هو السبب الذي كان يبعدها عن تلك الخطايا، ولكن
يبدو ان لقائها بذلك البشري ايقظ احدى تلك المشاعر لديها،
وقوة ايقاظه كانت اشد تأثيرا من قوة الفطر في اخمادها،
غير والدها طريقة سؤاله ليقول:" امازلتي تلتقين بالامير؟ "
توسعت حدقتاها الورديا مصدومة اذ يبدو ان والدها كان
يعلم، لكنه لم يفاتحها بالامر قبل الان، لماذا؟ هل كان يختبرها
إن كانت ستعصيه؟ ام انه لم يعلم قبل الان؟...
قطع سيل افكارها والدها حين شد قبضته على ذقنها مكررا
سؤاله:"تكلمي...امزلتي تلتقين به؟..." ادمعت عيناها حين
علمت انها افتضحت، شعرت ان نهايتها قد آنت، ما الذي عليها
ان تخبره، انها قابلت الامير قبل قدومه بقليل وهو مختبئ
في غرفتها الان؟... اخفضت رأسها وتمنت لو الارض تبتلعها
قبل ان تخبر والدها بذلك، اخفت وجهها بكفيها لتبدأ البكاء،
اقتربت منها امها وضمتها اليها محاولة تهدئة زوجها، اسرع
الاب لينزع ابنته من حضن امها صارخا: "الحسد قد تفشى
بالمملكة وكاد الملك ان يلغي الاتفاق الذي عقده ابي مع
اجداده منذ سنين... وتطلبين مني ان اهدئ!...
عند سماع الامير صراخ الوالد اراد ان يخرج من مخبائه
ليتدخل وينقذ الوضع دون ان يعلم خطورته، لكنه تفاجئة بان
حركته مقيدة، اكتشف حينها ان انتاشيا القت عليه تعويذة
منعته فيها من التحرك في حال قرر الخروج
امسك الاب انتاشيا من ذراعيها قابضا عليهما بقوة مهددا:"
اجيبيني... امازلتي تقابلينه؟..."
لم تعتد انتاشيا يوما على الكذب، لم يكن لديها سببا لذلك، لكن
تصرف والدها الان لا ينبئ بالخير، ان علم الحقيقة لا تأمن
على حياتها فمن يدري ما قد يفعل؟ لطالما كان والدها بارد
المشاعر ولا تهمه علاقاته الاسرية بقدر ما يهمه الالتزام
بالواجبات، احست بخدر في يديها بسبب قبضته فقررت ان
تتحدث، فتحت فاهها لتتكلم لكن الامر لم يكن بتلك السهولة،
تأتئت مرات عديدة حتى بصعوبة استطاعت ان تخبره انها
لم تقابله من ذلك اليوم الذي اتى اليها، لكن تصرفاتها،
نظراتها، ارتباكها، كل ذلك دل على انها تكذب، وذبول خصلة
اخرى من شعرها قطع الشك باليقين، افلتها والدها، نظر اليها
متوعدا لها، القى نظرة سريعة على الغرقة ثم قال:" اين هو؟..."
نظرت بصدمة الى والدها، تراجعت عنه خطوات فتكها الذعر،
محتارة لا تدري ما تصنع، الكذب لم ينفعها والسكوت لن ينفع،
احتبست الدمعة في مقلتيها حين لاحظت الغضب في عيناه،
فجأة ف ُتحت درف الخزائن، امعن والدها النظر الى ما
بداخلهم، اغلقت مجددا وارتفع الاثاث عن الارض نظر
لأماكنهم على الارض خاوية، اسرع للداخل وكانت غرفتها اول
ما يدخله ليعيد الكرة حتى وجد الامير تحت السرير ، نظر
اليه ببرود ليأمره بالنهوض لكن الامير لم يستطع الحراك، علم
حينها الاب ما حصل، نظر لانتاشيا وهو يضيق عيناه غضبا،
ترقبته وهو يرفع يده، اغمضت عيناها باستسلام وسرعان ما
احست بها، وخزات في خدها ثم سخونة بدأت في موضع
الصفعة وسرعان ما اشتعلت في قلبها، اوقف الاب تعويذة
ابنته، نهض الامير بسرعة تجاه والد انتاشيا ليلقنه درسا
فجمده الاب مكانه، اقترب منه محذرا : "لنا حديث مطول
حين اعود الى القصر فلا تغادره" اختفى الامير من مكانه
ليجد نفسه داخل غرفته في القصر، خرج غاضبا من غرفته
باحثا عن مكان والده الملك ليشكو له فعلة وزيره
نظر الاب الى والدة انتاشيا بحدة:" سننقلها اليوم ليلا الى
مكان آمن لا يدري به احد" توجه الى انتاشيا التي كانت ما
تزال تخبئ خدها من صفعته فقال لها:"وانت يفضل ان تتوبي
عن خطيئتك عسى ان تخف حدة المشاكل في المملكة الى ان
تأتي ابنتك وتأخذ المهمة عنك، واياك ان تسربي اي معلومة"
واختفى فجأة من مكانه، اسرعت الام الى ابنتها تعانقها
فبادلتها انتاشيا العناق واجهشت بالبكاء في حضن امها...


***


انطبع على شاشة الهاتف بقعة ضوء منعها من مزاولة قراءة
الرواية، نظرت الى السماء المتخفية بين اغصان الجزيرة لترى
خيوط الشمس تدخل المنطقة مخترقة الضباب لتعطيها نوعا
غريبا من الهيبة، بدأ الضوء يكسح الظلام، رغم انه كان ضوء
خافتا الا انه يبقى افضل من الظلام الدامس الذي احتوى
المنطقة ليلة امس، بابتسامة مطمئنة اعادت الهاتف الى
حقيبتها وهي تقول: "اخيرا طلع الصباح... لقد كانت ليلة
صعبة ومرعبة، لولا الهاتف لست ادري بما كنت سألتهي عن
خوفي..." نظرت حولها كأنها تبحث عن اطيافهم قلقة "يا ترى
ما الذي جرى مع باقي الفريق؟ هل استيقظوا وبدؤا رحلتهم
او انهم ما زالوا نيام؟...
عادة فريقنا الكسل... لكن لا اظن ان الجد برو سيسمح لهم
بالنوم كثيرا...
اتمنى ان تنتهي رحلتهم بسرعة لنعود لمقرنا... اشعر ان هذه
الجزيرة هي السبب فيما حدث لي امسا..."
وضعت حقيبتها على الارض وتوسدت بها وما ان تفشت
الطمئنينة في اساريرها حتى غفت عينهيها لتغوص في حلم
جميل او ربما كابوس مرعب

---

اطلق الجد برو تصفيرة الصباح، نظر الى الجميع مطروحين
ارضا كالموتى، اقترب منهم واحد واحد محاولا ايقاظهم
فيبدو ان تعب البارحة اخذ نصف عمرهم، اخذوا ينهضون
واحد تلو الاخر بتثاقل متذمرين، نظروا حولهم ليروا ان
الصباح طلع عليهم، استلقت هاري قائلة: "الان يمكنني ان انام
مطمئنة"وافقنها بقية الصديقات واستلقين ايضا حتى سمعوا
صراخ بيم من حيث تركنها البارحة مع زوزي، هرعوا اليها
مرتعبات ليجدوا تحمل ورقة وتحدق فيها مصدومة، اقتربن
بسرعة، اخذت سوهاني الورقة بينما بقيت بيم على وضعها
مسطولة، قرأتها بصوت عال:
" فريقي العزيز...
انا اسفة لما حدث البارحة
يبدو ان ذلك العجوز الجد برو كان محقا
كان علي ان اترك الفريق من حين طلب مني
سأعود الى المنطقة الامنة وانتن انهوا
مغامرتكم بسرعة فلا اريد ان انتظر كثيرا
إستمعوا الى نصائح العجوز لانه يعرف الكثير،
لكن لا تنفذوا ما يطلبه منكن الا بعد ان تقرفوه حياته
فلنجعل شيبه اكثر نصوعا وبياضا
وتذكروا دوما "الكسل شعارنا"
بيم
شكرا لما فعلته البارحة معي
لولا تصرفك ربما لكنت غادرت الفريق للابد
هذا على اقل تقدير
ربما كنت قتلتكم نفرا نفرا وقطعتكم اربا اربا ثم
وزعت اشلائكم في الغابة لتأكلها الوحوش الضارية...
اسفة تحمست قليلا هه هه
احم احم
المهم
انتبهي للفريق بما انك ذراعي اليمنى
والنائبة غير موجودة لتحل مكاني
وولية العهد ما زالت صغيرة لتتولى المهمة
اراكم قريبا باذن الله"

التوقيع: شخابيط


تبادل الفريق النظرات الحائرة بينما سقطت الورقة من يد
سوهاني لتنضم الى صدمة بيم وما لبثت ان بدأت تبكي
بهستيريا:" لااااا اميييي... لماذا ذهبتي وتركتنا... امييييي"
اتتها صفعة من بيم لترمش سوهاني عدة ترميشات وهي تنظر
الى بيم بعيون ملئها الدموع، قال بيم بحزم محاولة شد رباطة
جأشها:" امك لم تمت، لقد ذهبت الى المنطقة الامنة لانها
احست ان ذلك لمصلحة الجميع، عليك ان تتفهمي مواقفها
وتجاريها وليس العكس" نهضت سوهاني كأن شيء لم يكن،
وضعت يدها امام جبهتها كالتحية العسكرية وقالت:"لها ذلك"
ابتسمت بيم باطمئنان ثم نظرت للجد برو وقالت: "اذا؟... هل ننطلق؟..."
نظر الجد اليهم بجدية، اخذ نفسا عميقا ثم اطلقه وقال:"
"هناك شيء مهم عليكن معرفته قبل انطلاقنا...
لقد تجاوزنا المنطقة الامنة ومن هنا ستحفو بنا الاخطار من
كل صوب فابقوا منتبهين جيدا"
نظر الكل اليه مذعورا وساد الصمت ثوان حتى سمع من بعيد
اصوات بعض الحيوانات الماوحشة تتقاتل، ازردى الجميع
ريقه بينما وضعت سوهاني يديها على بطنها قائلة بحرج:
"يبدو ان ما يزقزق عند الجوع في بطني وحوشا بدلا من العصافير
نظر اليها الجميع ببرود ثم تنهدوا بارتياح، حمل الجميع
متاعهم وانطلقوا بينما وقفت هاك تنظر اليهم نظرات غريبة
حتى نادتها سوهاني:"هيا هاك والا تهت وحدك في الغابة"
اسرعت هاك حتى وصلت لبقية الفريق وظلت تمشي بقربهم
صامتة حتى وصلوا الى قرية قديمة نما على بيوتها الصغيرة
الخزاز، تقشرت ابوابها الخشبية بفعل الشمس والمطر،
اسواقها ركام خاوية فاصبحت كأنها قرية اشباح لا بشر،
سبقهم الجد بعزم فسار بعده الفريق مرتجفين وظلوا يمشون
الى ان وصلوا الى ساحة القرية وقد انهكهم التعب، وجلس
الجميع في مصحة بعيدة عن المنازل ليبتعدوا قدر الامكان
عن منظرهم الكئيب وما يخلفه من اثر مميت في النفوس،
جلسوا قريبين من بعضهم عسى ان يزداد شعور الامان، بينما
هاك جلست وحيدة تحت جذع شجرة، انضمت اليها سوهاني
وحاوطتها بذراعها تقول لها:"لما انت جالسة وحدك؟... ظننتك
اصبحت فتاة اجتماعية بعد غيابي ذاك اليوم! حتى كدت
اخشى ان يسرقك احدهم مني، ما بالك؟ هل هناك ما يزعجك؟..."
نظرت الى سوهاني ثم ابتسمت وهزت براسها نافية، امسكت
سوهاني بيدها وقالت لها:" ما رايك ان نطلب من الجد برو ان
يصطاد لنا طيرا شهيا؟ اشعر إنني لم اتذوق اللحم منذ سنة..."
- نظرت اليها هاك مستغربة:" لكنك اكلت البارحة السمك
- هه... كأن السمك يعتبر لحما... اريد لحما حقيقيا
امسكتها من ذراعها واسرعت الى الجد برو الذي كان يقرب
عكازته الى احدى عيناه مغمضا الاخرى يتفحصها ويجري
عليها تجارب غريبة، صاحت سوهاني:"اوهايو ايها. الجد... لقد
طلع الصباح، هل تصطاد لنا بعض الطيور للغداء؟
نظر اليها الجد متفكرا ثم عاد ليتفحص عكازته وهو يقول:"لا
طيور في هذه الجزيرة الا في المنطقة الامنة..." ارتسمت
الصدمة على وجه كلتاهما لتصرخ سوهاني غاضبة:" مستحيل
ان تتواجد جزيرة بلا طيور"
رد دون ان يلتفت اليها:"اذهبي وتأكدي بنفسك.."
انتزعت سوهاني منه العكاز لتقول له:"ركز معي يا هذا... اريد
طيرا مشويا..."
نظر اليها العجوز ببرود ثم بدا على وجهه الرعب، اخرج خنجرا
من جيبه فاحتمت سوهاني وهاك بسرعة الا ان العجوز رمى
بالخنجر بعيدا عنهما، انتفضت سوهاني غاضبة:"اكنت تريد
ان تقتلني فقط لاني اخذت عكازتك؟..." نهض العجوز
متجاوزا اياها لينضم الى بقية الفريق الذين كانوا غارقين
بالصدمة، سحب خنحره من جذع شجرة واعاده الى جيبه
موجها كلامه لفاير:" الم اطلب اليكن ان تخفوا شعركم؟... ام
تريدين الانضمام الى زوزي؟..." سارعت فاير باخفاء خصلة
من شعرها كانت قد تهربت من قبعتها فعاد العجوز ليجلس
تحت الشجرة، اسرع اليه الفريق متسائلين عن ذلك الغصن
الذي هاجم فاير، نظر العجوز اليهم ليرى ملامحهم مفعمة
بالفضول والذعر معا، عاد ليشتغل بعكازته قائلا:"لن تحتملوا
سماع الحقيقة..." ارتفع صراخهم بحماس راجين ليعرفوا منه
سر ما حدث فنظر اليهم يائسا وقال:"حسنا ان كنتم مصرين!..."
نهض ليتكئ على عكازته، وضع قبضته امام فمه محمحما ثم
قال مشيرا للأعلى:"اريتم الاغصان المتشابكة في الاعلى؟..."
هز الفريق رأسه ايجابا فقال العجوز:" الاحظتم انه يختلف
نوعا ولونا عن الاغصان الطبيعية؟..."
ظهرت الصدمة على وجوه اعضاء الفريق ونظروا لبعضهم
يستنكرون كلامه إلا فاير وسنو اللتان كانتا تلاحظان كل
كبيرة وصغيرة على الجزيرة كي يكتبا تقريرهما في قسم
غرائب وعجائب، اخرجت سنو دفترها وقلبت صفحتان لتنظر
في عنوان 'غلاف الاغصان' قرأت:
"يلف الجزيرة نوعا غريبا من الاغصان المتشابكة، اشبه
بشعيرات مكثفة متماسكة ، لونها ابيض داكن، اشبه بحبال
سميكة اكل عليها الدهر وشرب"
اعادت نظرها للعجوز الذي ابدى اعجابا في معلوماتها، قال:
انها بالضبط كما وصفتي، ان هذه الأغصان في الحقيقة ليست
اغصانا انما هي شعر سليلة رابونزل، تحوق به الجزيرة بأكملها
كي تبقي كل شيء تحت سيطرتها، تتحكم به من مكانها
بالبرج لتسرق من شعر زائري الجزيرة فتضمهم الى كمية
شعرها المسروق ثم تتحكم بمن سرقت منه، حسب المكان
التي تسحب منه الشعر تمنحه احدى الخطايا السبع، لذلك
اخذت من زوزي شعرة الحسد، وعندما علمت زوزي انها لن
تستطيع الاستمرار معكم كي لا تتغير مشاعرها تجاهكم
للأسوأ قررت العودة، ولو انها تمكنت من فاير لكانت الان
انضمت لزوزي حسب الشعرة التي سحبتها، لذلك طلبت منكم
من البداية اخفاء شعركم"
شحب وجه فاير عند سماعها للخبر بينما نظرت بقية الصديقات
لبعضهن مفزوعات، اما سوهاني نظرت ببرود الى الجد برو
قائلة: "متى سنأكل طيرا مشويا؟..."
ضرب العجوز راسه بكفه فاردفت هاك:"لا اظن ان سليلة
رابونزل ما زالت حية، لقد قلت مسبقا ان احداث الرواية
حدثت منذ العصور الوسطى، فكيف تكون حية؟"
- لقد كانت ساحرة، السحرة عمرهم اطول من عمر البشر...
- اسف لكني لا اصدق ذلك
- هذه حريتك ولكن ضعي في الحسبان ان ذلك ممكن للاحطياط
- انت تحاول ان تظهر نفسك على انك تعرف كثير... لكن في
الحقيقة قرأت الرواية من هاتف زوزي ثم تاتي لتتجبر علينا
- انا اتجبر عليكم!...
- اجل... بغض النظر انك اجبرت زوزي على ترك الفريق بعد ان
اجبرتها على كتابة الرسالة لتتخلص منها كونها كانت تعترضك في كل حين
- دفعتها سوهاني مستنفرة: ما الذي دهاك هاك؟ لست على طبيعتك
- بل انا كذلك، فقط احاول فضح هذا العجوز
- لا يمكنك ان تتحدثي هكذا عنه فقط لانك تظنين ذلك...
انضمت هاري لسوهاني لتطلب دليلا على كلامها لكن هاك لم
تملك شيئا لتقدمه كبرهان، فلم ترى ما يسوغ كلامها الا: "لقد
استيقظت البارحة قبل الفجر بقليل فسمعت اصوات مألوفة،
نهضت وتوجهت اليهم لأرى ذلك العجوز يهدد زوزي بالعكاز"
- العجوز ببلاهة: كأن زوزي ستخاف من عكاز... انت واحد من
اثنين، اما كنتي تحلمين اما ان سليلة رابونزل سرقت منك
شعرة الكذب وانت نائمة...
- يبدو لي انك اخترعت قصة سليلة رابونزل كي تخفي فيها
فضائحك، اولا تبعد زوزي عن الفريق ثانيا تتهمني بالكذب
- رفع الجد برو حاجبه بتحدي وقال: اذا انت لاتكذبين الان؟...
جمدت هاك حينها، لوهلة شعرت انها كشفت، بل لوهلة عاشت
الواقع حين كانت قد غرقت بكذبتها وصدقتها بكل حذافيرها،
امالت برأسها عنه بغضب لتقول:"ولما قد افعل ذلك؟..."
- لقد اخبرتك... رابونزل سرقت منك شعرة الكذب وهي
تتحكم بك الان
استشاطت غضبا قائلة:"لا تغطي فعلتك بخرافة... من يصدق
ان السحرة موجودين وان عمرهم يزيد عن الخمسمئة عام؟...
- حسنا... الى اين تريدين الوصول؟
- اريد لزوزي ان تعود للفريق بينما تغادره انت
- لا بأس... سأنسحب انا، ولكن زوزي لن تعود فهي اختارت
الذهاب بارادتها، كما انك ستنسحبين انت ايضا لانك حاليا
خطر على الفريق بما انك تحت تاثير سليلة رابونزل
- ما زلت تحاول تفريق فريقنا
- بل احاول حمايته قدر الامكان...
التفتت هاك الى بقية الفريق معلنة:
- فلتحسموا انتن الامر، من يريد ان ينسحب العجوز ومن يريد
بقائه؟...
لازمن الفتيات الصمت حائرات فأردفت هاك: ما بالكن؟... الم
تنتبهوا ان هدفه تشتيت الفريق؟ البارحة كان يقول لزوزي ان
على الفريق ان يبقى متماسكا بينما اليوم يفصلنا واحدا تلو
الاخر، لن يبقي علينا باقية...
نظرت الصديقات لبعضهن حائرات، كلامها مركب بطريقة
يصعب ايجاد فيه ثغرات اما هو فكلامه عبارة عن خرافة
لكنها السبيل الوحيد لتفسير ما يجري، ابتسم العجوز بوهن
كأنه ادرك مسبقا ما سيجري فتصديق خرافة ليس بالامر
الهيين، فانحازت لهاك واحدة بعد الاخرى حتى بقي وحيدا،
سارت هاك بتعالي وتبعها بقية الفريق منكسات رؤسهن خجلا منه...
---
سرن في الطرقات الحجرية العتيقة ينظرن يمينا وشمالا،
الاماكن تشبه بعضها، البيوت المخيفة في كل مكان، الاغصان
المتحركة او خصل السليلة كما سماها العجوز تحوم حولهن،
تحاول الوصول اليهن في كل ان، حكت سوهاني ذراعها
محاولة ابعاد توترها بعد ان اقشعر بدنها من المنظر، نظرت
للفريق لترى الفتيات توجهن انظارهن الى هاك التي كانت
تبدو شبه ضائعة، تنظر للطرقات محتارة ثم الى الفريق الذي
يراقب ما تصرفاتها باستمرار، كأنهن حائرات ايتبعنها ام يعدن
ادراجهن الى الجد الذي يعلم خافية الاشيا في هذه الجزيرة
المريبة، فجأة التفت الجميع الى هاري ليجدوها متجمدة في
مكانها ترتجف، اشارت بيدها الى احدى المنازل قائلة:"كان هناك..."
نظر الجميع الى حيث تشير ليروا ان لا شيء غريب، اردفت
هاري:"كان هناك شيء غريب!... شيء مكسو بالشعر الاشعث
تحرك بسرعة خاطفة كما... كما... لست ادري ولكنه كان مرعبا..."
عاد الفريق ليوجه نظره الى ذلك المكان فتتحرك هواجسهم،
وزعن نظراتهن بين البيوت حولهن، اصوات همس تصدر من
هنا وهناك، همس غير طبيعي، همس شاحب من حناجر
لازمتها قحة، همس فيه قرقرة مبحوحة تهفو لشيء واحد:
لحوم بشرية...
تجمعن متعاكسات يحمين ظهور بعضهن واخرجت كل واحدة
من حقيبتها خنجرا، خرج بين ظلال منزل، هيئة سوداء تمشي
على ساقين محنيين، مقوس الظهر، منكب الكتفين للامام،
ذات شعر اشعث يغطي كامل الجسم، ما ان خرج من الظل
حتى اتضحت ملامحه، انه بشري، لكنه ليس بشري طبيعي،
بدا كأنه تحول الى زومبي، ما ان رفع رأس تجاه الفريق حتى
فتح فمه واطلق صيحة مهولة، على اثرها بدأت تظهر المزيد
من التحركات بين ظلال بقية المنازل، عقدت بيم حاجبيها
وقالت بعزم:" ما ان اعطي الاشارة نبدأ الهجوم، وافقنها بقية
الفريق، عدت بيم للثلاثة وصاحت:"الان!..."
رفعت خنحرها لتهم بالهجوم لكن اوقفها رؤية صديقاتها يهربن
صارخات بعد ان القين الخناجر ارضا، نظرت الى نفسها
وحيدة والزومبي يهجمون، على هول المشهد فقدت ما تبقى
لها من رباطة جأش فدماغ فهربت تجاههن الفريق الهارب
تشاركهم الفزع والصراخ...




[/ALIGN]
[/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN]
__________________














التعديل الأخير تم بواسطة العجوزة زوزو ; 10-27-2016 الساعة 01:39 PM
رد مع اقتباس