عرض مشاركة واحدة
  #91  
قديم 02-01-2017, 08:26 AM
 
[ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:100%;background-image:url('http://up.arabseyes.com/uploads2013/01_02_17148592663790712.jpg');"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]
35

~جوليا~


لم تكف روز عن النواح منذ مغادرة راي ، وظلت ملتصقة بي خشية أن تفقدني ، وهي تدرك أنها لا تستطيع عمل شيء من أجلي ..
كنت لا أجد الكلمات المناسبة لتهدئتها ، فلا شيء يمكن أن يهدئني ليهدئها ..
تمنيت لو أنهم قتلوني قبل قدومهم ، حينها سيكون الأمر أسهل بكثير ، ولما جعلت روز تعاني كالآن ، لقد كان طلبي سخيفاً آن ذاك ..
حسناً الندم لن يجدي الآن ، وبما أنهم هنا فل أقل ماأودت قوله لهم ..


أخذت نفساً عميقاً وقلت بصوت هادئ : إسمعي ما أريد قوله يا روز ، أنا أعتذر بشدة منك ، فقد كنت أعلم أنك كنت تعانين مع عائلتك لكنني لم أستطع فعل شيء من أجلك ، كنت أدرك أنهم يعاملونك بقسوة ولكنني التزمت الصمت متظاهرة بالغباء ، لقد كنت أشعر بالذنب طوال الوقت لكن لم يكن بيدي عمل شيء ، ثم أنك لم تفكري في إخباري ولذا لم أحب أن أتدخل دون موافقتك ، رؤيتك تتظاهرين وكأن لا شيء يحصل لك كان يؤلمني ، لكنني كنت أجاريك في تصرفاتك ، أعلم أنك تألمت كثيراً في حياتك ، لذا أنا أسفة جداً ..


هزت روز رأسها بالنفي قائلة بصوت متحشرج : لا بأس يا جوليا ، أنا لست غاضبة بسبب شيء سخيف كهذا ، لاداعي لأن تعتذري ..
ابتسمت بعذوبة متمتمة : هذا جيد ..


إلتفت إلى سوبارو وقلت : أما أنت يا سوبارو فأنا أعتذر على قسوتي معك في أول يوم لك في المدرسة ، لقد زل لساني آن ذاك وأنا أشعر فعلاً بالذنب ، عندما طلبت مني ذلك الأمر الغريب لم أتردد بسبب شكلك أو شخصيتك ، لكن لأنني كنت أرفض الفكرة وليس أنت بذاتك ، وموافقتي كان لأنني أدرك أنك لم تكن جاداً .....
قاطعني سوبارو بقوله : ولماذا تظنين أنني لست بجاد ؟؟
- هذا كان واضحاً من طريقة طلبك ، قلت هذا وكأنك كنت ترغب باختباري ليس إلا، وعندما وافقت لم تبد عليك السعادة إطلاقاً وهذا يعني أنك كنت تمزح وحسب ..
صمت بعدها لبرهة قبل أن أكمل : بعد أن تم إختطافي تسببت لكم بالكثير من القلق ، وواجهتم العديد من المواقف الصعبة من أجلي لذا شكراً لكما على ذلك ، وأنا سعيدة حقاً لأن لدي أصدقاء مثلكم ..


أمسكتني روز من أكتافي وبدأت تهزني بعنف قائلة وسط دموعها : لا تتحدثي وكأنك على وشك أن تموتي ، أنت ستبقين معنا حتماً ..
قلت بجدية وبنبرة عالية قليلاً : روز تماسكي قليلاً ، موتي لا يعني نهاية العالم ، أنا سأموت اليوم حتماً ، لذا حاولي تقبل الواقع ..
هزت روز رأسها بهستيريا وهي تصرخ : لا أريد ذلك لا أريد ذلك ، لا أستطيع أن أتخيل وقتي من دونك ، إذا ذهبت فأنا لن أستطيع تحمل هذا ، أرجوك يا جوليا إبقي معي ..


هذه الروز تقول هذا وكأن الأمر بيدي ، أنا لست مخيرة لتطلب مني البقاء ، أنا مجبرة على ذلك لماذا لا تستطيع فهم هذا ؟؟
كان منظرها يسبب لي الألم ، لماذا كان يجب أن تمر بكل هذا ؟؟ هي لن تستطيع تحمل ما سيحصل لها ، المسكينة أتمنى فعلاً لو كنت مكانها ..

عندما أموت لا أدري ماذا سيحل لها وماذا ينوون فعله لها ، آه يا روز أنا فعلاً أحمل همك ، لكن ليس بوسعي عمل شيء من أجلك ..

نظرت إلى سوبارو وأنا أقول بصوت حاولت فيه أن أجعله طبيعياً بعيداً عن الإرتعاش : سوبارو أرجوك إحم روز من هؤلاء الأشرار ، لا تجعلهم يذيقونها ألوان العذاب ، هي فتاة ولن تتحمل قسوة أولئك الوحوش ....




لم أستطع متابعة الكلام ، فأنا أشعر بأنني سأنهار ، ولا أريد أن أبين هذا لأحد ..
مرت دقائق صمت لم يتخلله إلا نواح روز وشهقات يومي ، وفجأة فُتح الباب ودخل رجالان أحدهما المشوه والآخر يوما ..
انقبض قلبي عند رؤيتهم ، وزادت روز من تشبثها بي ..


فتح الحارس باب الزنزانة ، ودخلا متوجهين نحونا ، قال يوما : تعالي معنا يا جوليا ..
حاولت إبعاد روز الممسكة بي بقوة ، لكنها كانت تأبى ذلك ، والرجلان ينظران إلينا بترقب ..

لكن وبعد أن طال الأمر شعرت بأنهما قد شعرا بالضجر ، وخفت أن يفعلا شيئاً سيئاً لروز ، لذا أبعدتها عني بقوة ووقفت مبتعدة عنها ، وأنا أتجاهل ندائها وصراخها ..
عندما وصلت إلى الباب إلتفت إليها فإذا بها منهارة حتى الموت ، والآنسة يومي بجوارها تحاول تهدئتها ..
إبتسمت إبتسامة باهتة وتمتمت بهدوء : وداعاً يا عزيزتي روز، إنت أفضل صديقة لي ..


غادرت الزنزانة وأنا أجر خطواتي بصعوبة وأسير بثقل وبطء ، من المرعب أن تدرك أنك تسير نحو قبرك مجبراً ..
كان الرجلان يسيران خلفي وأحدهما يحمل مسدسا كان قد صوب فوهته نحوي خوفاً من أي حركة غريبة قد أقوم بها ..
هذا الغبي إذا كان سيقتلني إذاً ليقتلني بمسدسه الآن ، لماذا يقودونني إلى خارج القبو ؟؟
لاشك في أنهم يفكرون بأمر ما ..


خرجنا من ذلك القبو المظلم ، واستقبلني أحد الرجال وهو يلقي بسيف طويل أمامي ..
قبل أن أتفوه بكلمة سبقني يوما بقوله : سنلعب معك في هذا المنزل لعبة الصائد والفريسة ، وسنسمح لك بالدفاع عن نفسك ضد هجماتنا ، تستطيعين الركض حيث ما تشائين ، لكن لن تستطيعي الخروج من المنزل ..
إلتفت إليه وقلت بهدوء : إذا كان مسموحاً لي بحمل سلاح فأنا سأختار رشاشاً عوضاً عن السيف ، فعصر الساموراي قد انقضى منذ قرون ، ولم يعد أحد يقاتل بال..... ..


رفع قدمه ليركلني لكنني تفاديت الركلة ببراعة فأنا معتادة على الهجمات المباغتة..
قال يوما بحدة : إحملي السيف واركضي بعيداً حالاً ..
قلت بملل مصطنع : لا أريد ذلك ، إن أردت قتلي فاقتلني هنا والآن ، لا رغبة لي باللعب معكم ..
نظر إلي بخبث وقال : لو كنت مكانك لما قلت ذلك ، فلو استطعت التغلب علينا جميعاً سيتسنى لك إنقاذ أصدقائك ، إنها فرصة ثمينة ..

أعجبتني فكرته مع أنني على يقينة أن اللعبة لن تكون سهلة ، لكنني سأحاول ، وحتى لو لم أفلح في إنقاذ أصدقائي أكون قد تمكنت من قتل مجموعة منهم ..

التقطت السيف وركضت هاربة نحو السلالم الحلزونية ، وركضت حتى نهاية الممر وبعدها قررت الإختباء في الغرفة التي عن يميني ..
فتحت الباب بحذر وأطليت برأسي لأرى إمرأتان جالستان على الأرائك الحمراء وفور أن رأياني حتى قفزتا من مكانيها ، ووجها بمسدسهما نحوي ..


استطعت إقفال الباب قبل أن يصيباني بالرصاص ، وركضت مبتعدة عن الغرفة ، وقلبي يخفق بصورة غير طبيعية ..
فجأة أصابتني طلقة نارية لامست عضدي وسبب نزيفاً جعلني أفقد توازني ، لكنني تداركت الأمر بسرعة واستطعت إكمال الركض ..
بينما أنا أركض دون هدف إلتفت إلى الوراء لأجد المرأتان تركضان خلفي ، ويطلقان النار بعشوائية ..


قررت الإختباء في غرفة أخرى ، واخترت أقرب غرفة لي ، دخلت الغرفة ومن الجيد أنني لم ألاقي أحداً ، والغرفة كانت ذات إضاءة خافتة ..
قررت الإختباء خلف الباب ، وحين يفتحان الباب سأشن هجومي عليهما وآخذ مسدسهما ..


لكن إنتظاري قد طال ولم يدخلا الغرفة ، وأنا لا أظن أنهما قد أضاعاني فأنا كنت أبعد عنهما بمسافة بسيطة ، ولابد من أنهم قد رأياني حين دخلت هذه الغرفة ..

أفزعني صوت ذكوري آتي من المجهول : الشخص الذي يطاردك لن يدخل هذه الغرفة فهذه هي قانون اللعبة .
ذعرت كثيراً والتصقت بالجدار أكثر ، وأنا أمسك بسيفي بشدة ، أخذت ألتفت يميناً وشمالاً باحثة عن مصدر الصوت ..
تحركت الستائر الزرقاء ليظهر منها الرجل الذي خمنت أنه صاحب الصوت ..
قال وهو يقترب مني ببطء وبين يديه سلسلة طويلة : لقد طُلب منا الإختباء في إحدى الغرف ، ومن المسموح لنا مطاردتك في الممرات فقط ، وإذا ما اختبأت في غرفة ما فيمنع على المطارد الدخول إليها بما أن المكان ليس ملكاً له ، والآن أنت في أرضي لذا ستكونين فريستي ..


رفع سلسلته ليصيبني بها لكنني أفلحت في الهرب بما أن حركته كانت بطيئة ، اقتربت منه محاولة جرحه بالسيف إلا أنه كان يحرك سلسلته بطريقة دائرية مانعاً إقترابي ..


لكن هذ الغبي لا يدرك أن قوتي لا تكمن في السيف ، لذا ألقيت بالسيف عليه ليوقف دوران سلسلته لأوجه له لكمة في بطنه جعله يسقط أرضاً ..
إلتقطت السيف بعد أن وضعت قدمي على يده الممسكة بطرف السلسلة ، وقلت وأنا أضع نصل السيف على رقبته بتهديد : لا تقم بأي حركة متهورة ، وإلا كانت نهايتك على يدي ..

بدى على وجه هذا المجرم الخوف ، وبؤبؤتاه المثبتتان نحوي تتحركان بإضطراب دلالة جبنه ، على الرغم من أنهم يسلبون أرواح الآخرين بسهولة إلا أنهم يخافون الموت ، هه يالهم من جبناء ..

نطقت بهدوء : كيف تشعر الآن وأنت تدرك أن حياتك مهددة بالخطر ؟؟ لاشك بأنك خائف ، فهذا سيكون شعور جميع البشر ..
زدت من ضغط قدمي على يده مكملة : هذا هو الشعور ذاته الذي تسببونه للأبرياء أيها المجرمون الحثالة ..

قال بصوت حاول أن يخفي رعشته خلفها : أنا لم أقم بشيء سيء لك ، لذا دعيني وشأني ، ستكونين مجرمة مثلنا إذا قتلتني ..
جملته أغاظتني كثيراً لذا صحت بغضب : لا أهتم إن كنت سأصبح مجرمة أو لا ، أنا مجرمة منذ زمن وقد مات أثنان بسببي ، لذا قتلك لن يؤثر علي بعد الآن ، لا تظن أنني سأشعر بالندم لقتل مجرم مثلك ، على العكس أنا سأكون قد قدمت إنجازاً لتخليصي العالم من شخص قذر مثلك ..

كل ما أتفوه بي هو ليس إلا كذبة ، فأنا لن أجرؤ على قتله ، فهو لم يقم بشيء سيء حتى الآن ، وأنا لم أقابله إلا الآن ، لذا ربما هو ليس على شاكلة ساي ، وحتى لو كان من ضمن هذه المنظمة إلا أنني لا أحب أن أسيء الظن بالآخرين ..

أخذت نفساً عميقاً لأتمالك أعصابي ، وقلت وقد أعدت صوتي إلى طبيعته : أخبرني لماذا انضممت إلى ساي ؟؟
قال وهو يحملق فيني : أبعدي نصل السيف عني أولاً حتى أستطيع التحدث بحرية ..
وخزته بالنصل الحاد وتسببت في جرح عنقه قليلا ، وقلت بتحذير : أتظنني حمقاء يا هذا ؟؟
قال بذعر : أنا لم أكن أفكر في أن أهجمك عليك عندما ترخين دفاعك ، لذا إهدئي قليلاً ..


هذا الغبي أسيظن أنني سأصدقه !! هه مستحيل ، هذا الرجل لا يعرف من أكون ..
تمتمت بحذر : إسمعني سأسألك عدة أسئلة وأريد منك أن تجيب بكل صدق ..
ثم إبتسمت قليلاً متابعة كلامي : أسئلتي عادية جداً لذا لا أظن أنك ستكذب ، السؤال الأول كم عدد الأشخاص الذين يعملون تحت إمرة ساي ؟؟
- خمس وعشرون شخصاً إذا استثنينا كيتورا ، ستة إناث والبقية هم رجال يتفاوت أعمارهم من الثلاثين إلى الأربعين ..


أعجبني جوابه المفصل لذا إبتسمت له وقلت : نحن مراقبون الآن أليس كذلك ؟؟
- نعم فيوما ثبت كاميرات مراقبة في كل مكان ليراقب كل مجريات اللعبة ..

محوت الأبتسامة عن وجهي وقلت بجدية : أخبرني يا هذا ما هو هدفكم من تكوين هذه المنظمة ؟؟
صمت لبرهة قبل أن يجيب: نحن تجمعنا لتطبيق العدالة الحقيقية ..

جوابه كان مطابقاً لما قاله ساي سابقاً ، لكنني لا أفهم ماذا يعنون بالعدالة الحقيقية ، لا أفهم حقاً نظرتهم للعدالة ، لذا قررت سؤاله عن هذا مباشرة ..

حينها أجابني : كل شخص هنا قد عاش حياة قاسية ، وساي كان منقذنا ، عندها قررنا توحيد قوانا وبناء منظمة تطبق العدالة بشكل صحيح ..
- لازلت لم أفهم وجهة نظركم بعد ، وضح بصورة أدق >> قلتها ببرود .


بدى عليه الإستياء وهو يقول : ما ذنبي إذا كنت غبية ولا تستوعبين بسهولة ؟!
زفرت حينها وقلت بإستستلام : حسناً لست مهتمة بأهدافكم كثيراً ، فأنا أدرك أنني سأموت لا محالة ..
لمحت بريق المكر يبرق في عينيه بينما قال : إسمعيني لدي صفقة ستعجبك ..
صمت منتظراً مني قول شيء لكنني ظللت أنظر إليه بترقب دون أن أتفوه بكلمة ليكمل هو : إذا تركتني الآن فأنا أعدك بأن أقتلك بطريقة لطيفة ..

أيحاول هذا المعتوه خداعي !! حتى الغبي لن يوافق على عرض كهذا ..
إبتسمت لأغيظه قائلة بمرح : لا شكراً ، لست بحاجة إلى لطافتك ..
لم يخفى علي نظرته الغاضبة ، لكنني تصنعت عدم ملاحظتها ، وأنا أفكر في طريقة يمكنني من الهرب وإنقاذ الجميع ..


***

~ يوما ~


كنت أراقب جوليا من غرفة المراقبة ، لقد استطاعت الإطاحة بأحد أفراد المنظمة ، لكن يبدو أنها لا تنوي قتله ، ياترى ماذا ستفعل ؟؟
كان أمامي مجموعة من الشاشات التي تريني ما يحصل في كل ركن في المنزل ..


تلك المرأتان تنتظران خروج جوليا من الغرفة بفارغ الصبر ، لقد وضعت مجموعة من القوانين لزيادة المتعة ، فلو هجم الجميع عليها في آن واحد لاستطاعوا قتلها ببساطة ، وستنتهي اللعبة بسهولة ، وأنا لا أريد لهذا أن يحدث بسرعة ، أريدها أن تشعر بالخوف لوقت أطول ..




فجأة إقتحم أحدهم الغرفة وقال بصوت لاهث : يوما الشرطة قادمة ماذا نفعل ؟؟ لنلغي اللعبة حالاً فأنا قلقة من أن يقتحموا المنزل ، ويكتشفوا أمرنا ..
أدرت كرسيي نحوها وقلت بإطمئنان : لا تقلقي يا راي ، فالشرطة هنا لأن حادثة سرقة حصلت للمنزل المجاور ..
- وكيف علمت ذلك ؟؟
- لقد أخبرني صاحب المنزل ، وأعلمني أنه سيبلغ الشرطة بالأمر ، لذا لا داعي للذعر ..


تنفست راي الصعداء وقالت : ظننت لوهلة أن أمرنا قد كُشف ..
قلت بإبتسامة واثقة : مادمت أنا من يقودكم فهذا مستحيل ..
سألت راي بقلق : إذا كنت تعلم أن الشرطة ستكون بالقرب من هنا إذاً لماذا لم تؤجل مهمة قتلها ؟؟ أنا لا أشعر بالإطمئنان ..


عدت أنظر إلى الشاشة حيث جوليا تقيد العضو المنبطح على الأرض بإستسلام وقلت مجيباً : لم أحب تأجيل هذه المتعة بمجرد أن الشرطة قريبة منا ، كما أن الإجتماع لا يحصل إلا نادراً ولهذا كان هذا اليوم هو الوقت المناسب ، لا أحد يشك في أمرنا يا راي لذا توقفي عن الخوف من الفراغ.


شعرت بوقع كعبها على الأرض المغطى بالسيراميك تقترب مني ، وعندما وصلت بجواري قالت : أووه لم أظن أن جوليا ستتمكن من الإمساك بأحدهم ..
ابتسمت قائلاً : إنها مذهلة فعلاً ، لو أنها انضمت لنا عوضاً عن مجموعة القمامات اللاتي معنا لكان هذا أفضل ..
صاحت راي بغضب وقد فهمت ما كنت أعنيه : ماذا تعني يا يوما ؟؟ أتقول بأننا نحن الإناث مجرد قمامة ؟؟


حركت كتفاي بلا مبالاة متمتماً : إنها الحقيقة يا راي لذا لا تغضبي ، أنت وبقية الإناث اللاتي معنا لستن سوى مجرد إضافات زائدة ، وهذا رأي الجميع وليس رأيي وحدي ..


احتقن وجهها من شدة الغضب ، ويبدو أن لسانها قد انعقد حتى باتت لاتدري كيف ترد علي ، وجل ما فعلته هو أن أدارت ظهرها وغادرت الغرفة بعد أن صفعت الباب بقوة ..


لم أعرها إهتماماً وحتى لو كسرت باب الغرفة فهذا لا يخصني ففي نهاية الأمر هو منزل أخيها..


عدت أراقب جوليا التي كانت تدور في أرجاء الغرفة ، وكأنها تبحث عن شيء ما ، بحثها لن يجدي نفعاً فأنا حرصت بأن أخفي جميع الأشياء المهمة كالمفاتيح والهواتف وغيرها ..
كما أن النوافذ كانت مصنوعة من زجاج يصعب كسرها إذاً لا شيء آخر أمامها سوى الخروج من هذه الغرفة والتوجه إلى غرفة أخرى لتجرب حظها ، لكن الطريق لن يكون بآمن فهناك المرأتان اللتان تنتظرانها خارجاً ..
وضعت يدي على خدي متمتماً بإستمتاع : ماذا ستفعلين الآن يا جوليا ؟؟


لفت إنتباهي خروج الرجل المغطى بالضمادات من الغرفة التي كان يجب عليه البقاء فيه ، وسار متوجهاً نحو غرفة المراقبة التي أنا فيه الآن ، ولكن وقبل أن يصل إلي قلت له : ماذا تنوي أن تفعل عد إلى غرفتك حالاً ؟؟

الجميع يضع سماعات في أذنه لنكون على تواصل وليسهل علي إلقاء أي أمر إذا طرأ أي تغيير حتى يصل إلى مسامع الجميع ، في الوقت نفسه كنت قد عطلت الجزء الخاص الذي يمكنهم من الحديث معي وقد فعلت ذلك حتى أمنعهم من الشكوى ، فهم سيملون حتماً من إنتظار جوليا ، وإذا ما سمحت لهم بالتواصل معي فهم لن يتوقفوا عن الشكوى ، وأنا لا أحب أن أزعج نفسي من سماع شكاويهم ، وهذا هو الحل الأمثل ..



لكن ذلك الرجل كان ينظر ناحية الكاميرا ويشير إلي بعشوائية جعلني عاجزا عن فهمه ، شعرت ان في جعبته امر هام ، لذا لم يكن أمامي سوى أن أحضره إلي ..
قلت له : تعال لتتحدث إلي بوضوح فأن لا أستطيع فهم حركاتك ..


بقيت أنتظر قدومه ، وما هي إلا دقائق حتى سمعت مقبض الباب يتحرك يعلن عن قدومه ، لكنني لم ألتفت إليه لأستقبله فقد كنت منشغلا بمراقبة المنزل من الخارج عن طريق الكاميرات حتى أضمن أن لا أحد من الشرطة قريب من المنزل ..


وآخر ما تذكرته هو صدمة كهربائية أصابتني على حين غفلة جعلني أسقط في الظلام ..

***
~ سوبارو ~


صوت بكاء روز يزعجني ويفقدني أعصابي ، أتفهم أنها حزينة على جوليا التي تلاقي حتفها الآن ، لكن لتراعي أن هناك أحداً معها مصاب بالصداع ..


لازمني الصداع لأيام طوال ، وصوت نواحها يزيد من حدة الصداع ، وليس هذا وحده لكن التفكير في أن جوليا ستموت الآن بسببي هو أكثر عامل مؤثر علي ..


أغبط روز فعلاً على قدرتها الفذة في البكاء بشكل متواصل ، وإظهار مشاعرها بشكل واضح دون أي تحفظ أو كبرياء ..


لا أعلم كيف كنت بارداً جداً عندما كان المجرمون على وشك أخذها ، كانت تعتذر وكأنها هي المخطأة ، والمفروض أنني أنا من يجب أن يعتذر لها فهي قد عانت كل هذا بسببي ..
أنتابني التبلد فجأة ولم أظهر بعض الحزن على ما سيحل لها ، وكأنها لم تكن تعنِ لي شيئاً ..

لقد كانت في يوم ما صديقة وزميلة لي في الصف ، حتى لو أننا لم نتقابل إلا منذ بضعة أسابيع وقد كانت تتعامل معي بطريقة مستفزة قليلاً في البداية إلا أنها في نهاية الأمر كانت قد أصبحت صديقة لي ..
هذا هو عيبي ، أنا حقاً لا أقدر العلاقات ولست وفياً إطلاقاً ، وقد أخون أحدهم في أية لحظة كما فعلت مع جوليا وياماتو من قبلها ..

أكره هذه الخصلة فيني لكن لا يسعني التغيير ، كم أكره نفسي الغبية ..
شددت على قبضتي بغيظ ، وأنا أشعر بأن الندم بدأ يتملكني أخيراً ، مشاعري بطيئة الإنفعال كثيراً ، فأنا لا أغضب بسرعة ولا أكره بسرعة ولا أندم بسرعة ، بل كل هذه المشاعر تحدث ببطء ، وهذا أكبر دليل على ذلك الآن ..

كان يجب أن أشعر بالذنب عندما كانت جوليا هنا لأعتذر لها من أعماق قلبي ، ولكنني كل ما فعلته عند رؤيتها هو التحدث معها ببرود ومحاولة إستفزازها ..


رفعت ببصري نحو الحارس وقلت بهدوء : أيها الرجل أريد مقابلة جوليا ولو قليلاً ..
نظر إلي بازدراء قائلاً : ستراها لكن ليس الآن ، بعد أن تصبح جثة ..
توجهت نحو القضبان وأمسكتها بين يدي وأنا أعصرهما بقوة صارخاً : أنا أحتاج رؤيتها الآن وحالاً ، هناك ما يجب أن أقوله لها ، أرجوك لن يتطلب الأمر الكثير من الوقت ، بصع دقائق تكفيني ، المهم أن أتخلص من مشاعر الندم هذه ..


انهيت سيل كلماتي وأنا أتنفس بقوة ، لقد خرجت عن طبيعتي لأنني غاضب من نفسي كثيراً ، وما زادني غضباً هو تجاهل الحارس لي ، وكأنني لم أتحدث إليه ..


انهرت على الأرض وأنا أحاول كبح جماح غضبي ، لكن الغريب أن صوت أنفاسي هي وحدها التي تصل إلى مسامعي ، وقد حل الصمت فجأة ..


إلتفت إلى روز وكما توقعت ، لقد توقفت عن البكاء وظلت تنظر إلي بتفاجؤ ..
حسناً أنا أدرك سبب تفاجئها ، لم تعتد على رؤية هذا الجانب مني ..

قمت بتعبئة صدري بكمية كبيرة من الهواء ، ونفثتها بهدوء وبشكل متزن ، وحينها استطعت العودة إلى ما كنت عليه ، لذا قلت بصوتي الهادئ والطبيعي : روز أنا سأكون معك دائماً ، وسأحميك من كل شر ، فهذه هي وصية جوليا ، وأنا سأنفذها حتى لو تطلب الأمر بأن أضحي بحياتي ..

احتدت ملامحها وصرخت في وجهي بغضب : لا تتصرف وكأنها كلمات جوليا الأخيرة ، هي ستعود حتماً وكل ما سيفعلوه هو تعذيبها فقط ، حي حتماً ستعود يا سوبارو وستحميني بنفسها ..


إنها في حالة يرثى لها ، هي تتمسك بأوهام زائفة ويجب أن تدرك ذلك ، ثم التفتت بعدها روز إلى الممرضة التي كانت تبكي بصمت في مكانها ، وجسدها يرتعش بشكل غريب وقالت بذات النبرة الغاضبة : كفي عن البكاء أيتها الممرضة ، فجوليا ستحزن إذا عادت ووجدتنا نبكي بهذا الشكل ..


مسحت دموعها بيدها بوحشية وقالت وهي ترسم إبتسامة عريضة قائلة : الشيء الذي سيخفف عن جوليا هي رؤيتها لنا مبتسمين وكأن شيئاً لم يحصل ، فهي لا تحب لأحد أن يحمل همها ..


لم يعجبني تصرفاتها ، وكان لابد لي من إعادتها لصوابها ، لذا صرخت بغضب : كفي عن الجنون يا روز ، هم قالوا أنهم سيقتلونها ولا أظن أنهم سيتراجعون عن قرارهم ..


لم تدعني أكمل جملتي إلا وقد غطت أذنيها بإصبعيها ، وأخذت تهز رأسها بالنفي غير راغبة في تصديقي ..
يبدو أنه لا جدوى من محاولة إقناعها ، إن كانت الأوهام سترضيها إذاً لتعش فيه ..

فجأة وقف الحارس وقبل أن يغادر قال بجفاء : سأعود قريباً ..
ماهي إلا ثواني حتى فُتح الباب مجدداً ، لكن لم يكن الحارس السابق هو من دخل إلى هنا ، بل كان شخص آخر مغطى بالضمادات وهو ذاته الذي أتى لأخذ جوليا ..

لم أعره إهتماماً لكن عندما اقترب من الزنزانة وأخذ يفتح قفل الباب شعرت بالذعر ، صرخت بحدة : ماذا تنوي أن تفعل ؟؟
كان حينها قد فتح قفل الزنزانة وهم بالدخول إلينا ولكنه توقف في مكانه وبدأ يزيل الضمادات عن وجهه ، وحركته تلك أثارت ريبتي ، إلى ماذا يهدف يا ترى ؟؟


وبعد أن أنهى فتح ضماداته تفاجأت بأن وجهه خالي من الحروقات ، والغريب أنه ينظر إلينا بإبتسامة هادئة ..

قال و هو يخرج شيء ما من جيب بنطاله : لا داعي للقلق أنا نوسكي شرطي أتيت لإنقاذكم ..
لم أصدق ما سمعته أذناي ، أقال أنه شرطي للتو ؟؟ لم أستطع التصديق إلا حين رأيت الشارة التي يحملها والتي يؤكد صحة قوله ..
شعرت بالسعادة تغمرني حتى أنني رغبت بالضحك تعبيراً عن فرحي ، إلتفت إلى روز والممرضة وهما لم يكونا أقل صدمة وسعادة مني ..


تقدم إلينا الشرطي وساعد الآنسة يومي على النهوض بما أنها مصابة في ظهرها ، وأنا رافقت روز نحو الخارج ولازلت غير مصدق لما يحصل حتى الآن ..
عندما خرجنا من القبو كنت أرى المكان يعج برجال الشرطة ..


تحدثت روز بلهفة واضحة وهي تسأل الشرطي الواقف أمامنا : أين جوليا ؟؟ ماذا حل بها ؟؟
رد قائلاً : لقد أخذناها خارجاً وهي مع والدها الآن بكل تأكيد ..


هرعت روز مسرعة خارج المنزل وأنا كنت ألاحقها ، فأنا لست بأقل لهفة منها ، أريد أن أتأكد من أن ما يحصل هو حقيقة لا مجرد خيال نسجه عقلي ..
عندما خرجنا كانت سيارات الشرطة تملأ المكان ، ورجال الشرطة يقودون المجرمين المقيدين نحو السيارات ، لأخذهم إلى السجن لينالوا جزاءهم ..

وقع عيني أخيراً إلى حيث تقف جوليا بجسدها الهزيل أمام والدها الذي كان يتحدث معها والسعادة تغمره ..
نظرت إلى روز التي يبدو وأنها لم تجد جوليا بعد بسبب الدموع التي تشوش رؤيتها ، لذا وضعت يدي على كتفها وقلت مشيراً إلى مكان جوليا : أنظري إن من تبحثين عنها واقفة هناك ..

ما إن أنهيت جملتي لم أرى إلى الغبار التي خلفتها ورائها ، وتبعتها الممرضة التي تسير بسرعة أقل بسبب حالتها الصحية ..


كنت سألحق بها لولا أنني رأيت السيد كازوما واقفاً على مسافة من جوليا وينظر إليها وإبتسامة دافئة مرسومة على شفتيه ..
توجهت إليه وقلت : لماذا تنظر إليها من هذه المسافة ؟؟ إذهب وتحدث معها ..
هز رأسه بالرفض قائلاً : لا أظن أنها ترغب في رؤيتي ، هي لن تسامحني حتى لو كانت لي أسبابي ..
أمسكت بيده وأنا أجره متحدثاً : تعال معي وبرر لها سبب تصرفاتك ، وأخبرها عن الرسالة التي أوصلتها إلي والتي كانت سبباً في نجاتنا ..


قال وهو يقاومني : أتركني يا سوبارو ، لست مستعداً لمقابلتها بعد ..
توقفت رغماً عني بعد أن أثقل المدير نفسه ولم أعد قادراً على سحبه ، لكن المثير في الأمر أننا أصبحنا على مقربة من المكان الذي تقف فيه جوليا ، حتى أنها انتبهت لوجودنا ، وأخذت تنظر إلى المدير بوجه خالي من التعبير لا يمكن التكهن بما في داخلها ..


كنت أنقل ببصري بينهما وأنا متلهف لما سيحصل الآن ، والصمت كان يخيم على المكان ، لولا تدخل الممرضة التي صاحت مشيرة إليه : لمذا هذا المجرم لازال طليقاً ؟؟ حضرة المحقق إنه متواطئ معهم ، ألقي القبض عليه ..
كلامها قطع تحديقهما ببعضهما ، بينما قال والد جوليا : هو لم ينضم إليهم بإرادته ، بل هو مجرد ضحية مثلكم ..
احتقن وجه الممرضة من الغضب وأخذت تصرخ : ضحية !!! من قال هذا لك ؟؟ لا تدعه يخدعك كما خدعنا ، إذا كان ضحية مثلنا هل كان سيجلدني حتى ينسلخ جلد ظهري ؟؟لقد كان حراً طليقاً ، لكنه لم يكبد نفسه عناء إنقاذنا ، بل كان يتسلى بمراقبتنا نتعذب بين أيديهم ، إنه مجرم حقير يستحق العقاب ..


ثم أمسكت بكتفا جوليا وأخذت تحركهما بعنف وهي تقول : قولي شيئا يا جوليا ، ألم يعترف أمامنا بأنه شخص مجرم ؟؟ أدلي بشهادتك لينال هذا الحقير جزاءه ..
لم ينطق والد جوليا بكلمة ، وحدق في السيد كازوما يشجعه على التبرير موقفه ، لكن المدير أنكس رأسه وهو يقول : أعتذر إليك آنسة يومي على جلدي لك بهذه الوحشية ..
ثم سكت بعدها ولم يخبرنا عن سبب إنضمامه إليهم وسكوته كل هذه المدة ، ليكمل عليه والد جوليا : لقد كان المجرمون يهددونه بأطفاله ، لذا لم يستطع إلا الانصياع لأوامرهم مرغماً ، ولكن له الفضل الكبير في إلقاء القبض عليهم وإنقاذكم ..

ثم إلتفت إلى االمدير وقال موجهاً خطابه له وحده : طفلاك بأمان ، ومساعدتي ستأتي بهم قريباً ، فهم في طريقهم إلى هنا قريباً ..

تهلل وجهه وأشرق ، لكن سرعان ما أختفت هذه التعابير عندما قالت الممرضة بامتعاض : أتتركونه هكذا دون عقاب ؟؟ سكوته عن المجرمين من أجل طفليه ليس بمبرر كافي ..
ثم أكملت وصوتها بدأ بالتهدج والدموع تجمعت في عينيها : لقد عانيت أنا وجوليا كثيراً لعدة أسابيع ، تذوقنا فيها ألم يعادل ألم سنوات عديدة ، كاد يضحي بنا من أجل طفليه ، كان يرانا نتعذب ولم يكلف نفسه عناء مساعدتنا من أجل الحفاظ على حياة طفليه ، إنه يرى حياتنا رخيصة مقارنة بأبناءه ، هذا ليس بعادل إطلاقاً ، يجب أن ينال جزاءه ..


عندما أنتهت بدأت دموعها بالإنسكاب ليكمل قصة معاناتها التي قاسته في هذا المكان ، لتأخذها جوليا في حضنها وتمسح على ظهرها بحنان بالغ ، عندما أرى هذا أشك في أن جوليا هي الكبرى هنا وليست الممرضة ..


والغريب أكثر أنني لا أرى أي أثر يدل على أنها قد بكت ولو قليلاً ، كان وجهها شاحباً لكنه طبيعي ، على عكس روز التي كان عينيها متورمتان من فرط البكاء ، وأنفها محمر بالإضافة إلى آثار الدموع المرسومة على خديها ..


ما سبب صمودها يا ترى ؟؟ ألا يجب عليها أن تبكي !! ما مرت به لم يكن بالقليل أبدا ، لكن لو فكرت قليلا هي لم تبك حين أخذوها لقتلها ، لماذا قد تبكي حال مقابلتها لوالدها ..


لم أرهق نفسي كثيراً في التفكير بشأنها ، فهناك أسئلة عديدة أرغب في طرحها على مسامع والد جوليا ..
قلت بجدية : سيدي المحقق أخبرني كيف استطعت التوصل إلى مكاننا ؟؟ وكيف استطاع أحد الشرطيين التسلل بينهم دون أن يثير الشك ؟؟
- سيكون لنا اجتماع آخر بشأن هذا الموضوع في الوقت الحالي علينا معالجة المصابين ..


أنتبهت لتوي لعضد جوليا المربوط بقطعة قماش أبيض قد تحول إلى الأحمر أثر نزيف ، قلت بتفاجؤ : كيف أصبت يا جوليا ؟؟
نظرت إلى حيث النزيف ثم قالت بإبتسامة : طلقة نارية ..
شهقت روز وقالت : هل يؤلمك ؟؟ آسفة لم أنتبه إليه إلا الآن ..
- لا بأس إنه لا يؤلم إطلاقاً ، مجرد جرح سطحي ، أنا سعيدة لأنه لم يصبني في منطقة قاتلة ..


بعدها بدقائق رأينا طفلين يركضان بإتجاهنا ، ليسرع المدير إليهما ويحتضنهما بقوة بعد أن جثى على ركبتيه ، أدركت حينها أنهم طفليه اللذان كانا رهينة لدى المجرمين ..
كان صوته مختنقاً وهو يقول لهما : لقد اشتقت إليكما يا صغيراي ، الحمد لله أنكما بخير ..
انفجر الطفلين بالبكاء وهم يتحدثون وسط شهقاتهم بكلمات ليست واضحة ، منظرهم كان مؤثراً كثيراً ، أنا لن ألومه إطلاقاً على مسايرة المجرمين إن كان من أجل الحفاظ على طفليه ..
نظرت إلى الآنسة يومي لأجدها تحدق في ظهر كازوما بنظرات تملأها الكراهية والحقد ..


يبدو أن هذه السيدة لن تسامح المدير بسهولة ، لكنني لم أعلم كيف هي مشاعر جوليا حتى الآن ، فهي كانت تبغضه كثيراً بعد أن تفاجأن به ، لكنها الآن أدركت الحقيقة ولم تظهر مشاعرها حتى الآن ، لذا لست واثقاً من أنها قد سامحته أو لا ..


قلت مخاطباً جوليا : جوليا ألا زلت تبغضين المدير حتى بعد أن علمت سبب انضمامه إليهم ؟؟
أجابت دون أن تنظر إلي : أنا لا أبغضه ..
جوابها لم يكن كافياً ، لذا قلت وأنا أحثها على الكلام : إذاً هل سامحته على صمته طول هذه المدة ؟؟
- هذا ليس من شأنك ..


نظرت إليها بغيظ ، لم أصبحت باردة بهذا الشكل ؟؟ هذا الجانب منها لم يعجبني ..
لكنني إلتزمت الصمت حفاظاً على كرامتي ..


تم أخذ الممرضة إلى المشفى لمعالجتها وبقيتنا رافقنا السيد روك لسيارته كنت أجلس بجوار والد جوليا الذي يقود السيارة ، والبقية جلسن في الخلف ، وألححت على والد جوليا أن يروي لنا ما حصل أثناء الطريق ، لكنه وعدنا بأن يخبرنا في وقت لاحق ، فالسيارة ليس المكان المناسب للتحدث ..

فجأة تذكرت قضية روز التي لم تحل بعد ، لذا قلت وأنا أرفع بصري نحو مرآة السيارة التي عكس وجها : صحيح أيها المحقق روك ماذا حصل بشأن قضية موت والدة روز وأخيها ؟؟
لم يخفى علي الرعشة التي انتاب روز حينها ، ليقول والد جوليا بهدوء : لا تقلق لقد تكفلت بالأمر ..
- هل وجدت الفاعل الحقيقي ؟؟ > قلتها بفضول ..
نظر إلي بطرف عينه وهو يقول : سنتحدث بشأن هذا لاحقاً ..


***
~ روز ~


انتابني رعشة حين ذكرني سوبارو بقضية القتل ، لقد كنت بلهاء حين سعدت بإنقاذي ، وتناسيت تماماً أمر قضية القتل ..


كنت أرغب في سؤال السيد روك عن المكان الذي يجب أن أذهب إليه ، لكنني خجلت من ذلك ، وأنا أدرك أنه لا مكان لي بعد الآن ..
أحسست أنني أوشك على البكاء إذا تفوهت بكلمة ، لذا تظاهرت بأنني نائمة لأتجنب الحديث معهم ..
وسؤال يراودني ، أين سأبيت هذه الليلة ؟؟
توقفت السيارة ويبدو أن سوبارو قد ترجل من السيارة فقد فتحت عيني خلسة لأرى جوليا تخرج من السيارة وتصعد إلى الأمام ..

عدت أغمض عيني وأنا أسمع جوليا تقول لوالدها : يبدو أن روز متعبة كثيراً ، لقد نامت بسرعة ..
رد والدها : وأنت تبدين أكثر تعباً يا جوليا ، لقد طلبت من والدتك أن تعد الطعام على الرغم من أنني لم أخبرها بعودتك بعد ، فأنا لم أحب تعليقها بسراب كاذب ، ستسعد كثيراً عند رؤيتك يا جوليا ، فهي مشتاقة لك كثيراً .. - وأنا اشتقت لها أيضاً هي وجودي ، لا أصدق أنني غبت عنهم عدة أسابيع فقط ، لقد كانت طويلة جداً وكأنها سنوات ..


خيم الصمت على المكان بعدها ، وما هي إلا دقائق حتى توقف السيارة ، وشعرت بيد جوليا التي تهزني لتوقظني من نومي الكاذب ..
تظاهرت بأنني استيقظت للتو وتمغطت بكسل ثم قلت : أووه وصلنا ، لم أحس بنفسي ..
ابتسمت جوليا دون أن تقول شيء ، وفور خروجنا من السيارة كان أمامنا مجموعة من الشرطيين في استقبالنا ، نظراتهم مصوبة نحوي ووالد جوليا أخذ يتجادل مع أحدهم ويبدو عليه الغضب ..


أمسكت جوليا بيدي وسحبتني نحو منزلهم ، لكن يد أخرى من الشرطة امتدت وأمسكت بي وقال بصوت أجش : هي ستأتي معنا ..
أدركت حينها أنهم سيلقون بالقبض علي ، ويبدو أنهم كانوا ينتظرونني هنا منذ مدة ..


حاولت أن أفلت من قبضته لكنه كان يمسك معصمي بإحكام ، هنا جاء والد جوليا بعد أن ترك الشخص الذي كان يتجادل معه ، وقال بنبرة آمرة : دعها وشأنها ..
تقدم الرجل الذي بدى أعلى رتبة منه : روك لا تتدخل في تحقيقاتي، أنا المسؤول عن القضية ولذا يجب أن نأخذها بما أنها المشتبه الأول في الجريمة ..
صاح والد روك حينها بغضب : أنت لا تمتلك دليلاً يثبت إدانتها ، لذا من الأفضل أن تدعها حتى تأتي لي بدليل ..
- لا داعي من الدليل فهروبها بعد الجريمة وأخذها لبعض حاجياتها يثبت ذلك ، فلو كانت بريئة كما تعتقد لما فكرت بالهرب ..

كان السيد روك ينوي قول شيء لكن جوليا أسكتته قائلة : أنت مصر على أخذها إذاً ، لا بأس خذوها لكنني سأرافقها..
نظرت إليها بذهول ، هل هي جادة ؟؟
لم أكن وحدي المذهولة هنا ، بل الجميع أيضاً ..

قال الشرطي ساخراً : أتظنين أننا سنأخذك إلى مدينة الألعاب ؟؟
ثم أكمل بجدية : هي المذنبة الوحيدة هنا ، وأنت بريئة لا شأن لك بكل ما يحصل ..
إبتسمت جوليا بغرابة وقالت ببطئ : أفهم من كلامك هذا أنكم لا تقبضون على الأبرياء صحيح ؟؟
- نعم وماذا في ذلك ؟؟
ردت بإبتسامة عريضة : إذا لن تأخذوا روز لأنها بريئة ..
قالت عبارتها بثقة مطلقة جعل الشرطي يحدق فيها بإنزعاج ويقول : لا تتدخلي أرجوك فيما لا يعنيك ..


ارتفع صوت رنين هاتفه مما قاطع جدالهما ، وعندما ألقى نظرة على المتصل رد دون تأجيل وقال بصوت جهور : ماذا تريد ؟؟
اخذت ملامحه الجامدة تتحول إلى ملامح حائرة وقال وهو ينظر باتجاهي : هل أنت جاد ؟؟ حسناً سأذهب للتحقق من الأمر ..


أقفل الخط ونظر إلى السيد روك وقال : سأدعها اليوم لأذهب للتحقق من أمر ما ، سأعود حتماً ..
غادروا جميعاً ليخلو المكان إلا مني أنا وجوليا ووالدها ، ثم قال والد جوليا : هيا تفضلا يا آنستاي ..
دخلنا إلى المنزل ووالد جوليا يتقدمنا ، أغلقت الباب خلفي وحين التفت وقع بصري على جودي المتحجرة في مكانها على آخر عتبة من الدرج الذي توسط المنزل ..


فور أن رأتنا حتى وقفت مشدوهة غير مصدقة ، حينها تقدمت جوليا خطوتين إلى الأمام وقالت ببشاشة : ألن تأتي لتسلمي علي يا جودي ، أم أنك لم تشتاقي إلي ..
سمعنا حينها صوتا عاليا أجبرنا على الإلتفات إلى مصدر الصوت فكانت والدة جوليا التي خرجت من المطبخ للتو قد أوقعت الكأس الذي كانت تحمله، وهي الأخرى تقف مشدوهة كإبنتها تماماً ..


استدارت جوليا نحو والدتها وهي تقول : أمي إنتبهي إلى خطواتك قبل أن ......
لم تكمل جوليا عبارتها عندما سقطت والدتها على الأرض وغطت وجهها بكفيها وبدأت بالنواح عالياً ..
هرولت جوليا إليها وجثت على ركبتيها لتحتضن والدتها وهي تقول : أمي كفي عن البكاء ، ها أنا واقفة أمامك بكامل عافيتي ، إبتسمي إذا كنت سعيدة عوضاً عن البكاء ..


لكن والدتها لم ترد عليها واستمرت بالبكاء ، وحينها قالت جوليا ممازحة : يبدو أنك غير مسرورة لرؤيتي ، حسناً سأعود إلى حيث كنت ..
ثم تظاهرت بأنها على وشك الوقوف ، لكن والدتها قامت بجذبها بقوة متابعة بكائها وهي تستنشق رائحة إبنتها بكل حب واشتياق ..


عدت أنظر إلى جودي التي بدأت أيضا بالبكاء في مكانها ، امتلأت جدران المنزل بأصوت بكائهما المتداخل المعاناة الطويلة التي دامت انتهت أخيرا ، حينها انتابني شعور غريب ، وسؤال قفز إلى ذهني فجأة ، لو كان أنا من اختطف هل كانت عائلتي لستقبلني بكل هذه الحميمية ؟؟
أحسست بيد أحدهم تلتف حول كتفي لأنظر إلى صاحبها فإذا به السيد روك ينظر إلي بإبتسامة حنونة وكأنه قد قرأ ما في خاطري ..


بعد هذا الموقف الدرامي اجتمعنا جميعاً حول مائدة الطعام ، والسيدة كينور ملتصقة بجوليا بشكل كبير ويديها لم تتركا يدا ابنتها مطلقا ، وعوضاً عن أن تأكل كما نفعل كانت تنظر إلى جوليا لتروي شوقها ..


كانت الأجواء دافئة جداً فأثناء الطعام كان والد جوليا يضفي جواً مرحاً على المكان، لينسيهم الأوقات الصعبة التي مروا بها ..
أما أنا كنت مجرد مستمعة فقط ، لم أشاركهم في الحديث فأنا أشعر بأنني ضيفة ثقيلة عليهم ووجودي بينهم غلطة كبيرة..


عندما انتهينا من تناول العشاء بدأت السيدة كينور بإستجواب جوليا عن الأمور التي حصلت لها ، فروت لها جوليا ما حصل لها ولكن بإختصار شديد وبطريقة كوميدية ، بالإضافة إلى أنها كانت تزور بعض الأمور ولم تخبرهم بأنهم قاموا بتعذيبها ..
واكتفت فقط بالقول أنهم لم يكونوا يطعمونها جيدا ، ومن الجيد أن والدتها لم تلحظ أظافر إبنتها المقتلعة والتي حرصت جوليا أشد الحرص على إخفائها ..




عندما أصبحت الساعة الحادية عشرة أمرنا السيد روك بالتوجه للنوم بما أننا متعبتين وقررنا تأجيل بقية الأحاديث للغد ..
أصرت السيدة كينور على النوم برفقة إبنتها ، إلا أن السيد روك منعها من ذلك ، وقال أنها ستشبع منها في الغد بما أنها عطلة ، ووافقت بعدها السيدة كينور على مضض ..


في الغرفة قررنا النوم على السرير بجوار بعضنا بما أن السرير يتسع لكلتانا ..
أطفئنا الإضاءة وفي وسط الظلام تحدثت جوليا : لماذا كنت صامتة طوال الوقت يا روز ؟؟


لم أجد جواباً لسؤالها لتقول جوليا بجدية ممزوجة بحنان : روز إياك والتفكير في أنك دخيلة علينا ، أنا واثقة من أن والداي وجودي سعيدين بوجودك بيننا ..
والديها لطيفين لكن جودي فهذا مستحيل ، فأنا وهي لا نتفق على شيء إطلاقاً ..


قررت أن أغير مسار الحديث وقلت بمرح : جوليا كوني حذرة أثناء نومك من السقوط ، فأنا كثيرة الحركة ولن أضمن أنني لن أرفسك ..
ردت جوليا بمرح مماثل : لا تقلقي إذا رفستني سأردها أنا أيضا ..
ضحكنا قليلاً ثم غرقنا بعدها في نوم عميق دون أن نشعر من شدة التعب ..



***
~ جوليا ~


استيقظت متفاجئة وأنا أشعر بأحدهم يقتحم غرفتي ، عندما نظرت لم تكن سوى أمي التي كان الذعر مرسوما على ملامحها ، ووجهها يدل على أنها استيقظت للنوم لتوها ..


قلت بقلق : مابك يا أمي ؟؟
قامت باعتصاري بقوة وهي تقول بسعادة : ما حصل في الأمس لم يكن حلما كما ظننت، لقد هرعت إلى هنا بمجرد أن استيقظت لأتأكد من أنك قد عدت حقاً ..


تأثرت بكلامها حقاً ، تباً لمن كان السبب في كل ما حصل ، قلت وأنا أبادلها الاحتضان : أمي لا تقلقي لن أختفي مجدداً ، ثقي بي ..


ابتعدت عني والدتي وقال باستغراب وهي تنظر إلي : بالمناسبة لماذا تنامين على الآرض والسرير يكفي لكلتاكما ؟؟
ضحكت رغماً عني وقلت : روز لم تدعني أنام بسلام ، لقد كانت تتقلب كثيراً أثناء نومها ..
نظرت إليها أمي بشفقة قائلة بألم : المسكينة لم يعد لها مكان تذهب إليه ..
قلت لأمي بجدية : أمي هل لا بأس ببقائها معنا ؟؟
- بكل تأكيد إنني أعتبرها كإبنتي تماماً ..


أراحني جوابها ، استأذنتها للذهاب إلى دورة المياه ، بعد أن انتهيت كانت روز لا تزال نائمة ، وأنا لم أرد إيقاظها لذا تركتها ونزلت إلى حيث تنتظرني أمي..


ما إن رأتني أمي حتى قالت بوجه مشرق : اجلسي إلى جواري لنتناول الفطور سوياً ..
قال أبي بغيرة مصطنعة : عزيزتي أنت تعاملينها بإهتمام بالغ ، أنا أرفض ذلك ..
تجاهلته والدتي بينما جلست إلى جانبها وأنا أضحك على أبي ، وبينما كنا نتناول الإفطار سمعت صوت ضجيج من خارج المنزل رافقه رنين جرس الباب..
هممت بالوقوف لكن أمي أمسكتني ومنعتني من النهوض وقالت لأبي بنبرة آمرة : إذهب يا روك وانظر من بالباب ..


وقف أبي وهو يتذمر بطريقة مضحكة ، وبقيت أتحدث مع أمي ، فجأة سمعنا صوت صراخ أبي الغاضب وهو يقول : غادروا الآن لا أريد رؤية وجه أحد منكم ..
ارتعبت أمي حين سماعها لهذا ، وبدأت الهواجس تدور في عقلها ، قلت لأطمئنها : دعيني أذهب لأرى ما الذي أغضب أبي ..
أمسكتني بقوة وهي تقول بخوف : لا لن تذهبي أخشى أن يصيبك مكروه ..


ابتسمت بثقة قائلة : أمي لا تقلقي أنا جوليا التي لا يزيدها المصاعب إلا قوة ..
بعد عدة محاولات تركتني أمي أتفقد الوضع شرط أن ترافقني ، وكلما اقتربنا من الباب زاد الصخب الصادر من الخارج أكثر ..


عندما فتحت الباب تفاجأت بمجموعة من الأشخاص الذين وفور أن رأوني تحلقوا حولي وأخذوا يلتقطون الصور ، وسيل من الأسئلة تنهال علي من الجميع ، لأستنتج أنهم مجموعة من الصحفيين و المذيعين الفضوليين الذين أتوا راغبين في تغطية الحدث .


كنت سأتجاهلهم وأعود إلى الداخل لولا أنني سمعت شيء ما لفتني حيث قالت إحدى المذيعات الممسكة بالميكروفون : أخبرينا بالحقيقة يا جوليا أكانت الإشاعة التي أطلقتها روز عنك صحيحة ؟؟ أم أنك كنت مختطفة حقاً ؟؟
قلت بإستغراب وأنا أرفع حاجبي بإستفسار : عن أي إشاعة تتحدثون عنها ؟؟
أجاب صحفي آخر : صديقتك روز أخبرتنا بأنك هربت من المنزل بعد أن حملت بطفل غير شرعي ، وقصة الإختطاف لم تكن سوى كذبة أطلقتها عائلتك للتستر عليك ..


لم أصدق ما سمعته أذناي ، أقال أنني هربت ؟؟ وأن روز من أطلقت هذه الإشاعة ؟؟ لاشك أن في الأمر سراً ، لا يجب أن أسيء الظن بها ..
نظرت إلى أبي الذي كان يكافح ليبعدني عن هذا التجمهر ، إلا أنه لم يفلح في ذلك ففضول هؤلاء الأشخاص غلبت قوة أبي ..


كنت أدرك أنهم لن يدعوني وشأني إلا بعد أن يشبعوا فضولهم كاملاً ، وأنا أرغب في إنهاء الأمور بسرعة لذا قلت : اسمعوني جميعاً سأخبركم بكل شيء شرط أن تدعوني وشأني بعد ذلك ..


وافق الجميع على ذلك بشكل متفاوت ، ولم أكن لأنتظر أسئلتهم التي لن تنتهي لذا بدأت بسرد ما حصل بشكل مختصر وبالطريقة التي رويتها لوالدتي ..
وبررت لهم تصرفات روز وسوبارو حتى لا تتشوه صورتهم ، فسوبارو ليس بسارق وروز ليست بالحقيرة التي تطلق عني إشاعات كاذبة من وراء ظهري ، ولم أفصح عن السبب الرئيسي للخطف ، أي أنني لم ألقي باللوم على روز وسوبارو وجعلت الأمر غامضاً ..


عندما انتهيت ظننت أنهم سيدعوني وشأني ، ولكن ظني قد خاب ، فأسئلتهم لم تنتهي بعد ، الا يكفي أنني زودتهم ببعض المعلومات !!! قد تكون غير ووافية لكنها كفيلة لمساعدتهم في نشر الخبر ..


بعد ان طفح الكيل بي قلت بتهديد واضح : ابتعدوا عني حالاً ، فأنا قد أشبعت فضولكم بمافيه الكفاية ..
قال أحد المذيعين رافضا : لازال هناك أمور أخرى نرغب في سؤالك عنه ، هل من المعقول أنك تجهلين سبب الإختطاف ..
سحبت إحدى الكاميرات التي تصورني ، وألقيتها أرضاً وبدأت أدوس عليها قائلة بحدة : إذا لم تغادروا سأفعل بكاميراتكم مافعلته بهذا ، يفضل أن تبتعدوا إن أردتم أن تحافظوا عليها ..

قال صاحب الكاميرة بغضب : كيف تجرئين على فعل هذا ؟؟ سأنشر في الصحيفة فعلتك هذه ..
قلت بلا مبالاة : لا أهتم ، هيا غادروا حالاً ..
ـ أنت مجنونة ..

غادروا مرغمين وألسنتهم لم تكف عن التذمر لكن لازال هناك صحفي واقف في مكانه ينظر إلي بتحدي ، قلت ببرود : ماذا !! ألم تسمع ما قلته ؟؟ أم أنك لم تفهمني ؟؟
قال بنبرة متحدية كنظراته: أنا أشعر أنك تغاضيت عن الكثير من الأحداث ، وأنا لن أغادر حتى أعرف كل ما حصل من دون أكاذيب ..


أووه يبدو أن هذا الصحفي لا يُستهان به ، إنه حاذق جداً ..
أسعفني أبي حين قال : لندخل يا جوليا إلى المنزل ، وأنت إياك وإزعاج ابنتي ..
قال بإبتسامة خبيثة : أنا لا أهدف إلى إزعاجها ، كل ما أريده هو معرفة الحقيقة الكاملة التي تخفيها ابنتك ..


أمسكت يد أبي وأمي وسحبتهما داخل المنزل متجاهلة ذلك الصحفي ، بينما قال هو عالياً : أنا صحفي والصحفي شغوف دائماً للحقيقة لذا لن أتركك إطلاقاً ..
أقفلت الباب في وجهه وقلت وأنا أنظر إلى والداي بإبتسامة ، وأنا أقول : تجاهلوا الصحافة فحسب فهم يحبون التدخل في كل شيء حتى لو لم يكن الأمر يعنيهم ..


قال أبي ضاحكاً : يبدو أنك ستعانين وقتاً عصيباً من الآن وصاعداً فأنا واثق من أنهم لن يكتفوا بالمعلومات التي قلتها لم ، سيطاردونك حتى تفصح عن كل شيء ..
أمسكتني والدتي قائلة بقلق : أتعنون أنكم تخفون شيئاً آخر لا أعرفه ..


نظرت أبي نظرة خاطفة ليعض على شفته بندم ، بينما تداركت الموقف بقولي : لا إطلاقاً ، لكن وكما تعلمين الإعلاميون يحبون الأمور مبالغة ولن يتركوني حتى أبالغ في بعض الأمور ليكون الخبر أكثر إثارة ..
كلامي قد انطلى عليها بسهولة ، وأبي ابتسم براحة بعد أن تداركت زلته ..


لا أريد لأمي أن تعرف بالأوقات العصيبة التي عانيتها ، وإلا أصبح حزنها أضعاف مضاعفة ، وما عانته أمي يكفيها ولذا لا يجب أن أخبرها بأمور لن تسبب سوى الألم لها ..


جلسنا معاً في غرفة المعيشة وتبادنا أطراف الحديث وبعدها بساعة إنضمت لنا جودي التي كانت تنظر إلي مبتسمة من حين لآخر ..
أختي ليست من الأشخاص الذي يظهرون مشاعر الحب بسهولة ، وحتى في الأمس لم تعبر عن إشتياقها لي إطلاقاً ، ولم تأتي لإحتضاني كما فعل الجميع ، بل إكتفت بالنظر إلي من بعيد والبكاء من فرط السعادة فقط ، لكن هذا يكفيني ..

وسط حديثنا رن هاتف أبي لأدرك مباشرة أن العمل قادم ، وكان ظني في مكانه ، فقد استأذن أبي منا وغادر المنزل فهو بحاجة إلى استجواب المجرمين ، واستجواب السيد كازوما عن بعض الأمور ، وسيأتي دورنا أيضاً حتى يأخذوا أقوالنا لكن بعد أن نرتاح قليلاً ، وهذا ما قاله أبي ..


قضيت معظم اليوم بجوار أمي وفي فترة المساء غادرت أمي قليلاً لتعد لنا الشاي والبسكويت ، وأنا ذهبت لمساعدتها وتركنا روز وجودي خلفنا ..


كنت أغسل فناجين الشاي بينما أمي تعده ، لكن صوت الضوضاء الصادر من غرفة المعيشة جعلني أترك ما في يدي لأذهب لتفقد الوضع وأمي من خلفي ..
عندما دخلنا كانت جودي وروز يتشابكان بالأيدي ويبدو على كلتاهما الغضب العارم ، والمشكلة أن روز هي الطرف الخاسر كما أرى فقد كانت جودي أعلاها بينما هي في الأسفل ..


سحبت جودي لأبعدها عن روز وأنا أقول بحزم : مابكما تتشاجران ؟؟
كانت جودي ترمق روز بنظرة ثاقبة أما الأخرى فقد كانت تحبس دموعها بصعوبة ..
كررت سؤالي مرة أخرى لكن بنبرة أعلى لتقول جودي بغضب وهي تشير إلى روز : هذه اللعينة ليست سوى خائنة ، اقطعي علاقتك بها ، لا أريد رؤيتها في المنزل ..


قلت بإستنكار : ولماذا ؟؟ ماذا فعلت لك ؟؟
- هي لم تفعل شيئاً سيئاً لي ، لكنها آذتك كثيراً فترة غيابك يا جوليا ، لقد تسببت في تشويه سمعتك كثيراً ، وأصدرت إشاعة بشعة جداً ستفاجئين عند سماعها ..

فهمت ما قصدته لذا فضلت ألا تعرف أمي عن هذا الأمر ، و طلبت منها بلطف إعداد الشاي بينما أحل النزاع بينهما ..
عندما غادرت أمي التفت إليهما وقلت بابتسامة هادئة : جودي ما فعلته روز كان لمصلحتي ، وهي أُرغمت على قول ما قالته ..
لم يغب عن ناظري صدمة روز ، فلا هي ولا سوبارو أخبراني شيئاً عن هذا لكنني اكتشفته صدفة من رجال الصحافة ..

ثم تابعت مخاطبة روز : ماكان عليك إخفاء شيء كهذا عني أنت وسوبارو ، فهذا لن يؤثر علي إطلاقاً ، فأنا واثقة من نفسي وأقاويل الناس لا تهمني ..
وضعت روز يدها على فمها تمنع شهقاتها من الخروج ، أما جودي فقد كانت تنظر إلي بغضب شديد وهي تصيح معترضة : ماذا تعنين بأنها فعلت ذلك من أجلك ؟؟
- الخاطف كان يأمرهم بتنفيذ أمور بشعة وإذا لم ينفذوه فسأكون أنا الضحية ، ولو لم تفعل هذا لربما لم أكن لأقف هنا في هذا اليوم ..


ظننت أن هذا قد أطفأ نار الغضب في داخلها ، لكنني لم أزده إلا حطباً ، فقد اشتعلت جودي أكثر وهي تنطق باستنكار : إذاً كانت على تواصل مع الخاطف منذ مدة ولم تكلف نفسها عناء إخبار رجال الشرطة وإعلامنا بالأمر ..


وضعت وجهي بين كفي وأخذت أحركه بيأس ، هي و روز كتلة من الغباء يسيرون على هذا الأرض ، كما أن لديهم العديد من الجوانب المشتركة ..
قلت بهدوء : عزيزتي جودي الخاطف كان يراقب كل تحركاتها ، ولو أخبرت الشرطة بالأمر سيقتلونني حتماً ، والآن هيا تصالحا ..
أشاحت جودي بوجهها بعيداً وقالت بازدراء : لن أفعل ذلك ، فمبرراتها ضعيف جداً ..


لا فائدة ترجى من محاولة إقناعها ، لذا أخذت روز بعيداً بعد أن حذرت جودي من إخبار أمي عن هذا الأمر ..


***


~ ياماتو ~


كنت في غرفتي أعبث بهاتفي بملل شديد ، وعقلي لا يكف عن التفكير في جوليا و روز وسوبارو ، أنا فعلاً شخص حقير ، لقد تركتهم عندما كانوا في أمس الحاجة إلي..
كان يجب علي التواصل مع الشرطة بما أنني الوحيد الذي يعرف بما يدور وأستطيع توصيل المعلومات دون أن أعرض حياة جوليا للخطر ، لكنني انسحبت في وقت حرج جداً ..




وكل ما أستطيعه هو أن أرجو من أعماق قلبي أن يستطيعوا إيجادها من دون الحاجة إلى مساعدة شخص فاشل مثلي ..


قطع سلسلة أفكاري صوت طرقات مهذبة على الباب ، لتدخل بعدها الخادمة وتخبرني بأن والدي ينتظرني في الأسفل ، ويجب أن أنزل إليه حالاً ..

نزلت السلالم على عجالة وأنا أستغرب سبب طلبه لي بالقدوم إليه على الرغم من أنني واثق من أنني لم أرتكب خطئاً ليوبخني ..
عندما وصلت وجدته جالسا أمام شاشة التلفاز العريضة، وبعد أن أحس بحركتي خلفه قال وهو يشير إلي بالجلوس إلى جواره : تابع هذا معي أنا واثق من أن هذا الخبر سيسرك ..


نقلت بصري من وجه أبي إلى التلفاز ، لأجدهم يصورون باب منزل أحدهم وسط جموع من الناس ، بدى لي المنزل مألوفاً لكنني لا أدري أين رأيته ، لكن عندما فتح صاحب المنزل الباب علمت فوراً أن هذا منزل جوليا ..
أخذت حواسي كلها منصته لما يقولونه ، والأسئلة كانت تنهال على السيد روك كالأمطار الغزيرة ، واستطعت إلتقاط أحدهم يقول : نرغب بمقابلة جوليا لنسألها ..


تجمدت أطرافي وألجمت عن الكلام ، هل من الممكن أن جوليا قد عادت إلى عائلتها وأنهم استطاعوا انقاذها ؟؟
لم أصدق أذناي حتى رأيت باب المنزل يُفتح مجدداً لتخرج منها الفتاة المنتظرة جوليا ، لكن بشكل مختلف عن المعتاد ..
بدت هزيلة كثيراً والسواد يحيط بعينيها ، تركوا والدها وتوجهوا نحوها يسألونها ويستفسرون عن الأمر ، وأنا أنظر بدهشة ..


إلتفت إلى أبي الذي كان ينظر إلي بترقب ، وكأنه ينتظر مني ردة فعل ، لكنني عدت لمشاهدة التلفاز فإذا بها تروي ما حصل لها لكن بإختصار شديد ، فهي لم تخبرهم عن التعذيب الذي تذوقته هناك على أيديهم ، وقد كانت الأمور مبهمة وكان من الواضح أنها تخفي الكثير ..

بعد أن انتهت بدى على الصحفيين عدم الرضى ، لكنها فاجأتني بحركتها حين أمسكت بإحدى الكاميرات وألقته أرضاً حتى انكسر ، وأخذت تهددهم جميعاً وتأمرهم بالرحيل ..


ظللت أرمش غير مصدق أن هذه الجوليا هي نفسها جوليا التي أعرفها ، الفتاة الجبانة كثيرة الإعتذار ، هل من الممكن أنه قد تم استبدالها بأخرى ؟؟ أو أنه قد تم تنويمها مغناطيسياً مما سبب تغيرها ؟؟
أنا لن أعرف هذا إلا بعد أن أقابلها بنفسي ، لكن كيف ؟؟


إلتفت إلى أبي مجدداً بتردد ، فإذا به لم يبعد ناظريه عني ، مما جعلني أتوتر أكثر ، بللت شفتاي الجافتين بلساني وقلت بإرتباك : أأبي أرجوك ، أريد رؤيتها ولو لمرة واحدة ..
صمت طويلاً قبل أن يقول : ..............

نهاية الجزء ..
[/ALIGN]
[/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN]
رد مع اقتباس