عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 04-25-2017, 01:08 AM
 
ذهببة: دموع تحت ظل القمر// the moon





متألق و جميل...
أحسنتِ


مجرد إبتسامة
تمنيتها
مجرد حضن
أردته
مجرد دفئ
حرمت منه
قصة قصيرة بقلمي :
دموع تحت ظل القمر

خطوات مبعثرة , وجهة مجهولة ,قلب ميت , روح ممحوة ,

جسد أشبه بضريح هائم , بخطوات متثاقلة , بأعين فارغة , بوجه شاحب , وخصلات فوضوية , و معطف أسود طويل رجولي غلف كتلة أحزان تلك ,

نظرت عاليا إلى السماء , بعد أن أزاحت قبعته كبيرة عن وجهها , نظرت رغبتا في أن تجد أي شيء في السماء, أي شيء فوجدتها سوداء قنطريرا ,

أضحت كما لو أن كل أبواب الدنيا صدت في محياها , أعادت رأسها تنظر للأمام ,

لم تأبه لكونها تقطع الشارع في منتصف الليل , بوجه عبوس و جثة هامدة , تابعت خطواتها مترنحة

بغتة رأت نورا غلف جسدها , تلاه بوق سيارة , وصراخ سائق مرعوب , ومع صياحه , سمعت ذلك الصوت , صوتا أعاد لها وجهاً غابت عنها ذكراه




بين عواصف الدهر العالقة في ذلك الفراغ السرمدي . هبت الرياح وهطلت الأمطار وتساقطت الثلوج , ثلوج ذابت في بحار النسيان الهائجة , الممتدة على أفاق الماضي .

لا ضوء ينساب بين تلك الغيوم السوداء المتشابكة , بدت وكأنها تقلد الليل بغضبها , تزمجر رعودا تمزق صمت الغياهب , وظلت تلك الذكرى تمتطي زورق الآلام في فراغ عينيها تأبى أن تغرق ليمحوها النسيان

لم تجد مفرا من تلك الذكرى التي أضحت كابوسا يؤرقها فلا مرت لحظة إلا وذلك الكابوس يقرع أبواب قلبها حتى جفت دموعها ,

وصار لذلك الكابوس أصداء و امتد أمر حتى صار له جسد , وباتت له روح ,

أمسى يلاحقها وغدى يرافقها , يعيش بداخلها , بين أنقاض قلبها الذي مات بولادة الذكرى التي نشأ منها ,

تركت الزفرات ألم تبوح بما في داخلها من أسى , نفضت غبار الماضي عن جسدها المحزون , ونهضت تتأمل ما يحيط بها غير هالة أوهام


لم تكد عيناها تطرأ أشلاء الماضي , حتى جافتها الكلمات , لم تجد ما تعبر به وكأنها كانت لتعزيه قبل موته , عادت تمعن النظر ,


لا شيء لتراه غير الظلام الدامس , يغلف القبو العتيق القذر العفن , الواقع أسفل ملجأ الأيتام

أمضت طفولتها فيه , تتململ بين جدرانه ,

كم أمضت سنونا جالسة في تلك الزاوية , مكفهرتا متقوقعة على ذاتها , تتجرع الآلام , تعاني أوجاع تلك الذكرى قبل أن تكبر أكثر مما كبرت هي ,

حمل الجبال ولا حمل ذكرى ملعونة لعينة في قلب طفلة رضيعة ,


سألته في فضول و كأنها لم تسأله مثل هذا السؤال من قبل

" هل ستموت بموتي ؟ "


, أجابها بهدوء مريب

" وكأنك لا تعرفين لسؤالك جوابا "


عادت تترك زفراتها الهوجاء , التي كادت تختنق من شدة طمرها بداخلها ,


و توجهت نحو نافذة صغيرة مغلوقه بشباك أسود غليظ , لا يمر منها إلا شعاع ضوء قليل و الآن بعد أن ارتدت السماء رداء الليل الأسود لم تغد منه أي أنوار , هائمة الفكر

لا شيء كانت تعيش لأجله


لم تدون في دفتر حياتها أي ذكرى بيضاء , لتتشبث بها


هي تعلم أنها تشبه البشر , ولكنها لا تدرك أنها بشرية , ليس ذنبها أنها ولدت في الديجور لتعيش فيه للأبد


تعيش بطشه , تعيش رعبه , حتى ظنت أن هذه هي الحياة , مرة طعم , واجمة الشكل , كئيبة المنظر , صعبة الطرق , لا ينجوا فيها إلا أقوى


أما هي فاختارت الهرب , اختارت أن تمحوا من أذاها من البشر , من الأبنية , من الطرق , بطريقتها الخاصة , ليس انتقاما من البشر , فهي لا تعرف معنى الانتقام


بل لأنها ظنت أنها لن تستطيع النسيان مثل البشر , إلا إذا محت ذكرياتها من الواقع ,

وذكرياتها كلها كانت للأذية ومعاناة , كانت تظن حتى الأبنية لها روح ,

ليس ذنبها أنه لم يمر أحد عليها ليعلمها معنى الحياة وماهية الأشياء , ومعنى أن تكون بشرا


كم من ذكرى محتها , ولم تبقى إلا تلك الذكرى حية , هي ترفض أن تموت - ذكرى رافضة للنسيان - أضحكته هذه الفكرة


هي لم تحتج أن تعبر عنها بالكلمات فهو يقرأ أفكارها , قال في نشوة سخريته

" أترينني ذكرى رافضة لنسيان , أو لنقل الموت ؟ " ,


عادت تجلس في زاوية الطفولة على أرض مبللة بالبنزين , تدس يدها بجيب معطفها . أجابت عليه في اغتياظ


" أنت مجرد ذكرى , فلماذا لا ترحل ؟ "


جلس على أرض مقابلا لها , لم يهتم أبدا لكون أرض مبللة, و رد بغضب

" أراكي تغبطين البشر , حتى صرت تتفوهين بترهاتهم "


نظرت إليه بحسرة , وأطالت النظر إليه , وتمنت لو تكون تلك آخر نظرة , لو كان لها دموع لبكت , أحس بها , فقال رغم قسوة مهجته , ورغم قسوة ما ستفعله


" وما حاجتك للبشر , البشر سيمتون لذلك ينسون ليتابعوا حياتهم بهدوء "


ردت دون تفكير صارخة في وجهه مالئة ذلك الحيز بصدى صوتها المروع

" وأنا أيضا سأموت لأنني مثل البشر "


وكانت ردة فعله , أقوى منها إذ صرخ بصوت أعلى , ولم يكن لصوته صدى

" أنتِ لست بشرية , وما حاجتك للبشر فأنا معك "


لم ترد عليه هذه المرة , وأخرجت علبة كبريت من جيبها و أخذت منها عود ثقاب , لم يشأ منعها , وتركها تفعل ما تشاء , مذعنا لما هي مقدمة على فعله ,


أخفض رأسه لتنسدل خصلات شعره ليلية على عينيه , تأفف بأسى وأخذه الأسف والشفقة لحالها لأن يقول


" أليس لعنادك حدود , تريدين خيبة أمل أخرى "

أشعلت عود الكبريت , وحركت رأسها يمينا ويسارا , وعادت تحاول جمع شتات روحها بألاف الكلمات التي اختلجتها في صدرها , لتقول بهدوء كاذب

" أأنت مستعد للموت ؟ "


وتركت عود الثقاب المشتعل يفلت من يدها





انتبهت لنفسها واقفتا على الرصيف , وتداركت أنفاسها , وأحست بنبض قلبها الميت , سمعت صراخ الناس ,

فأخذت تنظر بعينين جاحظتين بائستين لألسنة اللهب وهي تلتهم ملجأ الأيتام الذي يسكنه أكثر من ستون طفلا


عندها عرفت أنه قد كرر فعلته مجددا , مشت بخطوات مثقلة , بعد أن عدلت قبعة معطفها الرجولي الطويل , ودست يديها بجيوبها ,

توقفت أمام أحد أبواب المطاعم , تستمع لصوت مذيعة أخبار , وهي تنشر نبأ الحريق السادس هذا الشهر ,


أكملت خطواتها التائهة , تسير بضياع في دجى الليالي , لم يعد لها الآن أمل في نيل استراحة أبدية

" خيبة أمل أخرى , ألم أحذرك " قالها بصوت ساخر ,


نظرت إليه وقد عادت الدموع التي فارقتها منذ أن باعت قلبها للظلام , منذ أن كانت طفلة , أكانت ترغب في قتله لهذه الدرجة


عادت تنهمر من عينيها بغزارة أكثر , وبألم أكبر , وبحسرة وندم أقوى و أشر


صرخت بوجهه تحت قبة الليل , حيث لا نجم ولا أمل وتردد صراخها


" لماذا أنا ؟ , لماذا أحمل هذا العبء , لماذا أشعر بهذا ألم ؟ , لما لست كالبشر ؟ , لماذا لا أفرح ؟ , لما لا أضحك ؟ , لماذا لا أستطيع أن أبتسم ؟ "


وقع بصرها على واجهة متجر زجاجية أنارتها إنارة الشارع , رأت انعكاسها الملعون , ولم ترى انعكاسه , وقد كانت تعلم أصلا أنه لا انعكاس له , قالت بهدوء مغموم


" هل يا تراني أخطأت في أمر ما ؟ , حتى صارت حياتي كبؤرة الجحيم , إن كنت أخطأت فأنا فعلا آسفة "


طال الوقت ولم تسمع رده القاسي عليها كالعادة , نظرت نحوه في تساؤل , فوجدته اختفى , ذهلت لوهلة , هذه أول مرة تنظر فيها نحوه فلا تجده


لم تفرح , ولم يبدوا منها ما يدل على البهجة , هي التي كانت دائما تتمنى رحيله , فلما لم تفرح ؟ , ألا تصدق ؟ " ,


لم تكن تعرف أن تلك الذكرى قد صارت شخصا يأنسها في وحدتها , وقد محتها لتبقى وحيدة إلى الأبد تائهة في دجى الليالي تحت ظل القمر



واقترب منها ذلك الضوء بسرعة شديدة تزامنت مع هطول دموعها كما يهطل المطر , وشقت تلك الدموع ابتسامة جميلة , كانت أول مرة تبتسم فيها وآخر مرة ,

~ انتهى ~

دموع باردة


لدفئها ناسية


تحت ظلال القمر


فلا نور لميتة القلب


سجينة الظلام


__________________


رغم كل شيئ

التعديل الأخير تم بواسطة وردة المـودة ; 04-27-2017 الساعة 02:22 PM
رد مع اقتباس