الموضوع: Xll | إِثنا عَشرْ
عرض مشاركة واحدة
  #67  
قديم 09-05-2017, 10:58 PM
 


[ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:100%;background-image:url('http://up.arabseyes.com/uploads2013/20_01_17148491402152649.png');"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]

.
[ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:90%;"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]

[/ALIGN]
[/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN]
[/ALIGN]
[/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN]
[ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:100%;background-image:url('http://up.arabseyes.com/uploads2013/20_01_17148491402152649.png');"][CELL="filter:;"][ALIGN=center][ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:90%;"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]
[/ALIGN][/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN][/ALIGN][/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN]
[ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:100%;background-image:url('http://up.arabseyes.com/uploads2013/20_01_17148491402152649.png');"][CELL="filter:;"][ALIGN=center][ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:90%;"][CELL="filter:;"][ALIGN=center][LEFT]



[/ALIGN][/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN][/ALIGN][/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN][ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:100%;background-image:url('http://up.arabseyes.com/uploads2013/20_01_17148491402152649.png');"][CELL="filter:;"][ALIGN=center][ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:90%;"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]














واقتبست حروفك من قرص الشمس , لمعانها وسطوعها

كريستال




كل ما أمسكه براحتيه كان ينبثقُ من بين كفّيه كرمالٍ ذهبية
رمالٌ تتشتت و تأبى أن تبقى في ذكرياته
فقط جزءٌ واحد من مجلّد الماضي ، قد نسيه كما لو لم يكن
عليه إستعادة تلك الرمالِ المُراقة ، و إعادة تعبئتها في ساعة روحه الرملية ، حتى تتحرك عقاربُ ساعته مجدداً ~





الفصل الثامن : الرضوخ || بلادُ العجائِب





أمسكت كاحلةُ العينينِ بيدها كُراستها و قلبتها و هي تُشيحُ ناظريها نحوه ، تعتري جسدها بزةٌ بيضاء تناقضُ بشرتها السمراء ، أجفلت بتململ ثم زمّت شفتيها و نطقت بإمتعاض :" أوي أوليفار ! متى ستتقبلُ الواقع و تبدأ بالإلتزام بأوامري حتى تُشفى ؟ "

صرخَ مُنفصماً بها و قد ارتعشت كل أوتارِ بدنه :" أنا لستُ مجنوناً ؟ لماذا تظنونَ هذا .."

قاطعته و هي تُدون في الكراسة :" إذاً جرعة ريسبيريدون و نلتقي بعد أسبوعين حتى تختلي بنفسك .. "
ثم انصرفت مشمئزةً بعد أن نطقت تلك الجملة ..

طأطأ ديجوريّ الشعر رأسه و رفعه مجدداً وقد إستحال بريقُ عينيه اللازورديتين إلى لمعانٍ زبرجدي متوهج ..
انتصب بجسدهِ الضامر و فتح النافذة وقد شقت إبتسامةٌ هيستيريةٌ سبيلها في ثغره ، تزامن ذلك مع دخولِ الممرضة للغرفة والتي صرخت بدورها :" فليساعدني أحد ، المريضُ 29 يحاول القفز من النافذة مُجدداً !"

لم يأبه الشابّ لمن يتزاحم خلفه ، و همّ بالقفزِ مُغمضاً عينيه ، تطايرت خصلاتُ شعره مع الريح و خمد الوهجُ في مُقلتيه ، تغيرت قسمات وجهه الهائجة لهدوء ، بإنتظار أن يُغمرَ برائحةِ النِيطل ويكتنفه موتٌ دمثٌ أدجن ..


تقدّمتِ الممرضة من النافذة ، كانت تخشى أن ترى الأشلاء ، خائفة أن تحدق بدماءٍ متناثرة لكنها فغرت فاهها لمّا لم تجد أي شيء ، كما لو أنه اختفى في سراديبِ العدم ..

****

إرتمى جسمه على أرضٍ وَعِرة ، مكانٌ مُظلم تخترقُ سدفتهُ أصواتٌ و كلام .. أهذا هو العالم الآخر ؟!
تسارعت نبضاتُ قلبه لتواجد أشخاصٍ غيره فآثر التواري عنهم بما أنهم قد إنشغلوا بشخصٍ وصل معه نفس الهنيهة ..

مهلاً ، قد إنتبه لوجوده ذلك اللعين ، ما ميزه كان شعرهُ ..
زنبقةٌ سوداء إختلج البياضُ بتلةً واحدةً فيها ، نبسَ المعنيُّ موجهاً كلامه لأوليفار : " إلى متى ستبقى مُختبئًا عندكْ؟.."

تنهد الرجل الطويل بتذمر ما لم يحصل على جواب, فأخرج من حقيبته الظهرية مصباحه اليدوي و سلّطه على الجدار الأبعد, فور ما وقع الضوء عليه حتى انكمش على نفسه و بعينيه تعبٌ و ارتعابٌ واضح

تقدمت منهُ شابةٌ سمراءُ أفريقية ، لا إرادياً صرخ فيها دون إستيعابِ أيٍّ مما نطقت :"لا تقتربي!!.."
حاولت رغم ذلك: "لا تجلس وحيـ..دًا "
فصمَ عبارتها عندما صرخ مُجدّدا و بقوة أكبر حتى مالت عيناه إلى الجحوظ: "قلتُ دعيني و شأني!..ابتعدي..!"
حتى تراجعت مكانها ، لابدّ أنها تظنه مجنوناً الآن لكن ليس بيده حيلة ، إنها تذكره بتلك الطبيبة المريضة .

و بعد أن إطمئنت نفس أوليفار بأن لا أحد سيحاول الكلام مع مجنونٍ مثله ، تقدم منه رجلٌ عاري الصدر قرفصَ قُبالته و حدثه بمودة :" أدعى زيرو .. ما اسمك أنت ؟ "

كان ميقاتُ أوليفار قد حلّ أجله و إستلم زمام الأمور شخصٌ آخر ، روحٌ تبلورت في لبّ أوليفار ، تشاركه الحياة و تمده بقوةً لا يستطيعُ الحصول عليها وحده ، فنظر أوليفار نحو محدثه و قد إلتمعت قزحيتاه كقطعتي زبرجد باهت و أجاب :" أوليفار..أوغس"

ابتسم له الأسمر مُضيفًا: "ما رأيك لو تنضم لنا, فلنجلس سويًا,كما أنه يبدو لي أنك تشعر بالبرد"
كان جسد أوليفار بالفعل يرتجف لكنّه علّق بنبرة بريئة مُفحصًا هيئة زيرو:
" يفترض أن تشعر أنت بالبرد!"

فهزّ الأخير رأسه مُحافظًا على تلك الضحكة الخفيفة متقبّلًا موضعه كوسيلة لإلقاء الدّعابات.

انتهى بأن طاوعه أوليفار و جلس على يسار شخصٍ ذو شعر أشبه بشعرِ غراندي المصبوغ ، نعم يشبه شعر جارته العجوز الخرفاء و التي صرعها الموت منذ سنة ، كان مُصرًا على البقاء بعيدًا عن جوين التي كانت على يمين الشاب النائم
و أخذ هايريت قميصًا قُطنيًا من حقيبته التي كانت تعج بأغراض كثيرة و قدّمه لزيرو، أمسكه الأخير ممتنا

ناظر أوليفار الشاب النائم و قد افترش رأسه الأرض الجرداء .
بعد تردد طال و امتد ، تنحنح بتثاقل و أسند رأس النائم على كتفه دون أن ينفُر من الشخير الصادر عنه أو من تقلباته المزعجة.

بعد مرور الوقت ، و توالي الأحداث و الأشخاص بدا لهُ أن الجحيم ليس بتلك الفظاعة التي تخيلها ، إنه أفضل بكثير من جهنم البيضاء التي كان يقطُنها دون سبب ، فهنا في العالم الآخر إستطاع تكوين صداقات ، رغم أن أغلبهم غريبو الأطوار إلا أن هذا المكان يعبق بإريحية مُبهمة ، أو أنه قد إشتاق جداً لطيشِ الشباب
و الذي لم يعش منه شيئاً حتى الآن مع أنه لم يبلُغ سن الإستقلالية بعد ، أم أن شهر آب قد مضى منذ زمن ؟
هو لا يدري ، فذاك الشهر الدموي لا يستحقُ أن يُعاش به أي عيد ميلاد !

إنتصب العجوز عن الأرض ، مهلاً أقد كان حيّاً ؟ لقد بدا له كمن طواهم ردى الجحيم ، فأنى له أن يقف و يتكلم بطلاسمٍ لم يأبه أوليفار بها ،ثم تمتمت تلك السمراء بجملة أجبرت بها الضوء أن ينتهك حُرمة الدجى الطاغي على المكان ..
تباً لا خير يؤتى ممن يشبهون تلك اللعينة !

و من بين كل الأبواب و كل الجمل ، فطنت عيناه تِلكما الجملة !
مُقدمة ذلِك الكتاب !
الإستهلال المأساوي الذي تصدر كل صفحةٍ في حياته !

* الحياة ليست بتلك البشاشة لِتوضِح لنا سبب جلافتها ~ *

إزدرد لعابه و قد حاصرته زاوية من ذلك الضوء ، لتفصله عن الإثني عشر ، هو لا يملك القدرة لفتح الباب أو أنه يقدر لكنه لا يريد ، عاد بريقُ كريمتيه لازوردياً لكنه لم يدرك شيئاً بعد!
جالَ طرفه في المكان عله يفهمُ ما جرى حتى اللحظة .
هو يريدُ الخروج من هنا، هذا المكان الذي لا يدري عنه شيئاً لكن لا سبيل له إلا هذا الباب..
أخذ نفساً عميقاً و حرك المقبض لينبلجَ الضياء حتى إبتلع كيان أوليفار كاملاً ~


***

إنسلت وليداتُ الشمس تداعب أهدابه الطويلة ، فضغط عينيه و أفرج عن بؤبؤيها بعد ذلك ..
المكان المظلم الذي كان به ، لم يعد كذلك
لقد إستحال غابةً مطرية شاسعة ، ..

و من بينِ الأحراج ، لاحَ له ظل فتاةٍ صغيرة ، زرقاوية العينين ، دمسة الشعر ، تمسك بيدها ساعةً كروية و تناظرها متوترة ثم تركض مسرعة كما لو أنها قد تأخرت على موعدٍ ما ..

ركض أوليفار وراءها مُحتاراً ، لكن هيئة تلك الفتاة ، أذناها الطويلتان ، و ذيلها الزغبي الصغير قد لفتا إنتباهه غير أن تلك الفتاة مألوفة ، لقد رأها سابقاً! أين ؟.

وثبت الصغيرةُ لتدخل في جحرِ أحد الأشجار الفارعة ..
أراد هو اللحاق بها و بشدة حتى قفز في أعقابها و قد داهم فؤاده شعورٌ غثيث صوبَ ما أقدم على فعله !!

كما لو أنه إنتقل بعدياً كان الطريق نحو الأسفلِ طويلاً ، تتطاير حوله أوراقٌ قد ساخَ عليها الحبرُ الأزرق و ترتطم بوجهه الأحرفُ التي لا تشكل منظوماً مُعيناً
تغيرتْ مصفوفة الحروف أخيراً حتى شكلت جملةً قرأها ببساطة أن " حُلّ لعنتك قبل الثانية عشرة !! "

بعدها أرهف سمعه ضربات العقارب ، عقاربُ الساعة التي قد توقفت عند الرقم ثمانية ، و بدأت الأوراق المشوهة بالحبر تنكشف و يتجمع حبرها السائخ لتبدو كأوراق روزنامة ، جميعها تحتوي تاريخ اليوم الثامن من شهر آب !
أسيلاحقه ذلك الشهر حتى الممات ؟ مالذي يريد أخذه منه الآن ؟

بدأ الضوء الدال على نهاية الوقوعِ بالسطوع ، لكن ذلك الضوء ليس ببصيص الأمل ، فالوقوع عن هذا الارتفاع قاتل !
لم يأبه بذلك ، فهو يريد الموت بكل حال ..

سقط ! لكنه ارتدّ عالياً ، إنها ثمرة فُطرٍ عملاقة !
وقع على سطحها المرن مجدداً فانزلق نحو الارض بكل سلاسة
نهض و نفض الغبار عن أسماله ، ملابس المرضى هذه ليست بالمريحة بتاتاً !

لمح الفتاة ذات الاذنين تركضُ مجدداً فلاحقها حتى اضمحل كيانها بين جمعٍ من الناس ، الذين ما إن رأوا أوليفار حتى بدأوا بالهمس ، " أليس ؟ لقد أتت أليس ؟ إنها هنا !! "

دنتِ الجموع نحوه و هو يتراجع خطوةً خطوة ، حتى إلتصق ظهره بالحائط القرميدي ..
أمسكه أحد الرجال و قد كان يعتمرُ قبعةً سوداء كما كل ملابسه ، حدّج به و صرخ :" أين أليس ؟! إنه أنت صحيح ؟ هذا الجسد لكن ليست هذه الروح ؟! أظهر لنا روح أليس ! بأمرٍ من ملكةِ القلوب امنح جسدك له ، استسلم لليفار !! "

إستيقظ أوليفار مجزوعاً ، غارقاً بعرقه و قد تسارع نبضه و أختلت وتيرة أنفاسه
" أكان ذلك حُلماً ؟ "
ناظر المكان ، البيتُ خالي الوفاض ذاته ، الغبار الكثيف ، و أصوات البكاء نفسها
بطشَ الأصلعُ السمين ليغتصب حُرمة الصمت السائد
يبدو أنه لم يلمح أوليفار ، أو أن أوليفار ليس سوى طيفٍ هنا !
تمشى الرجل البدين متبختراً حتى وصل نحو الزاوية التي تكورت بها إمرأة و طفلاها مَن مسّهما الرَوع ..

أطلقَ الرجلُ تشجؤاً مقرفاً و نبس :" انصتي باتريشا ! لقد راهنت عليكِ اليوم ، وقد خسرت لذا هلّمي لأوصلك عند مالكك الجديد .."

كان غضبها قد بلغَ الأطنابَ مؤذِناً عن إستشاطةٍ و صراخٍ تلخصا بـ :" أنا زوجتك يا هذا ؟ كيف تُراهن علي ؟! ألم تمل من القِمار أبداً !؟ راهنت على منزلنا و أغراضنا و أموالنا ، لولا المال الذي منحني أياه والدي لكنا نتضطجع في قارعة الطريق و الآن أنت تكرر أخطاءك و ... "

بترت كلامها صفعةٌ ألقتها جانباً ، أطلق المتبجح " تسك " ساخطة ثم دنا من ولديه و قد كان ابنه ذو الأعوام الست قد حاوط توأمته ليحميها منه ، خائفاً مُرتاعاً..

أمسك به والده من رقبته و وجه كلامه لزوجته :" سيموت إن لم تقبلي ! "
حافظت هي على رباطة جأشها متشبثة على أمل أنه لا يوجد أب قد يقتل ابنه لكن إزرقاق شفتيه و تجمد حدقتيه قد أشعلا الخوف في قلبها ، حتى راعها بعد دقائق تهدل كفه للأسفل و إنقطاع سلسبيل أنفاسه !!

باغت ذلك المشهد روح أوليفار التي تتفرج على الماضي ، أهو ميتٌ مذّ ذلك الوقت ؟ ألم يكن سوا روحٍ تترنحُ فقط ؟؟

صرخت باتريشا مفجوعةً وفي صياحها بحةُ بكاء :" كيف تقتل ابنك أيها المريض ؟ كيف تجرأت على قتل ليفار ؟؟ "

ذلك الاسم المنطوق ؟ كيف وصل لثنايا شفتيها ؟
ليفار هو شخصٌ من نسج خياله ، كيف له أن يتخذّ مطرحاً في ماضيه ؟!

تكلم السمين بعنهجية ، رافعاً أنفه حتى وصل مستوى عينيه :" ألن تصمُتي ؟"

فور أن أنهى جملته أمسك ابنته من رقبتها هي الأخرى ، فعادوت الأم صراخها :" لا ليس أوليفيا أيضاً "

ضحك الأب بجنون و قرّب وجه ابنته لوجهه مثبتاً ناظريها نحو أمها ليتلفظ بصلف :" أوليفيا ؟ إنه أوليفار يا مجنونة ، أنه فتى ! من مِنا المريضُ الآن !؟ "

تلاشتِ الأخيلةُ من حوله بكل هدوء وفي كينونته الأعاصيرُ تضطرم .
أحاط جسده النحيل بيديه وقد إنزوى في زاوية سديمٍ لا ضي فيه ، هو حتى لا يعلم إن كان في الزاوية أم لا !

أرهف سمعه صوتُ بكاءٍ مألوف ، بحث عن مصدره ليجد نفسه الصغيرة ، يجلس بنفس الوضعية التي هو عليها الآن لكن جسده أكثر ضآلة و شعره أشدّ طولاً
تقرّب من نفسه الصغيرة ، يريدُ أن يَلمس إنعكاسه
لكن أنامله اختلجتِ الإنعكاس كما لو كان مجرّد إنكسارٍ للضوء
مجرّد سراب ..

تقدم خيالٌ آخر من خياله ، لقد كان خيال والده
بإبتسامة صفراوية مرعوبة ، نبسَ غير راغبٍ بإجابة :" أنا لم أقتُلك ليفار ، لذا هلّا سامحتني ؟ "

ثأثأ الصغيرُ ناطقاً حروفاً تحشرجت مع دموعه :" ليفار ليس هُنا ! "

طفا الإحتقانُ على ملامح البدين ، و بشدة أراد أن يُلحِق الصغير بأخيه
ليعصُر مِقبضَ مدّيّته و يُشهرها راغباً أن يتركها تنهشُ لحم الجسدِ أمامه
لكن ما حصل كان عكسَ ذلك ، فهو لم يشعر إلا وقد إخترقت سكينةٌ أحشاءه وباتت تُغرزُ كأنيابِ سَبعٍ جائع
ناظره ابنه بعيونٍ تلمعُ زبرجداً و قال :" لقد عدت أبي ، لأمنحَك مِقعداً في الجحيم ! "

تشتتتِ الأخيلةُ كشزراتِ النورٍ وقتما يبتلعُها سديم ، و أدرك أوليفار أخيراً كيفَ تشّكل ليفار و ماهيّة الروحِ التي تُقاسمهُ بدنه ..
يبدو أن لاوعيهُ قد مُسح تلك الذكرى التعيسة من سلسة حياته
لذا هز لم يدرك حتى أن ليفار كان توأمه ..
هذا المكان قد أرجع حَلَقةً مفقودةً من سلسالِ ذاكرته ، حَلَقةً كان سيكون سعيداً لولاها


عادَ مُحيطهُ يتلوّن و يتركب حتى استحال بلاطاً رُخامياً لقصرٍ مَهول ، زخارِفٌ و منحوتات ، مع كل التفاصيل الصغيرة منها و الكبيرة التي منحت القصرَ فخامته , حتى ملابسه قد تبدلت لتصير طقماً رسمياً أسود
تطلّع هو بعينيه اللازورديتين نحو العرشِ أمامه ليجد
إمرأةً حمراء ملابسها و كذلك شعرها و مُقلتاها
كأنما لُطِّخت بالدماء ، أو سَكبت شَفقَ السماءِ عليها
حمحمتِ المرأةُ و لفظت بوقار :" إذاً أنت أليس الحاليّة ! سأختصِرُ الكلام المعسول و التعارُف و أخبرك بالنص المُودع عندي "
ثم تابعت :" لأليسَ المنسية ، حمّالةُ الأسيّة ، قد حُدتِ عن الصواب ، وجعلتِ الخطيئةَ ثَواب ، لذا وقبل الثانية عشرة ، تَخطي العَثرة ، في واقعك تجسد الكثيرون ، الأرنبُ و القُبعّاتي و شيشر و البارون ، وقد ظلمتِ منهم أحداً ، وعليكِ الاعتذار غَداً ، لتمحي عنه وصمةَ العار و الإساءة و دويّ الشجار "
ختمت جُملتها المُبهمة و أمرت حارِساً بشكلِ أوراق اللعب أن يَرمي أوليفار خارِجاً ..

كان يقِفُ محتاراً لا يدري إن كان يهذي أم أن كل هذا حقيقة ؟ ولربما كان خيال
لكنه يَعي أمراً واحداً ألا وهو أنه قد أخطأ بحقّ أحدهم !
ولكن من؟ ، فدائماً كان هو من يتعرض للإساءة ، حتى أن الفرصة لم تسنح له بالإساءة لغيره !
قد مات توأمه منذ زمن ، و هو قتل أباه بعد أن طفح الكيل ، أمه تركته صغيراً و رغم أنه يعرف أنها على قيد الحياة و محاولاتها العديدة للوصول إليه لكنه يكرهها ، هي مَن ثَنت طفولته في غياهبِ النسيان . و الشخص الرابع الذي أمضى معه وقتاً كانت الطبيبة اللعينة التي أحالت سِجلّ حياته مَرَضياً بتكهناتها عن كونه مجنوناً ..

بعد تفكيرٍ طويل أدرك أنه لم يُخطأ أبداً ، هذا المكان هو المُخطئ ، هذا العالمُ مشوّه وقد أغدقهُ بالآثم
حتى بات نورُ الخطيئةِ يتحملّ جروحاً لا تزول ...

أغمضَ عينيه فوجدَ الأرضَ تنشقّ كما لو أنها تتثاءب و قد كان موضع قدميه في ثغرها فابتلعته ..

مكانٌ مُظلم مُظلم ..
-" ألن تقرأ لنا أمي القصة اليوم ؟"

-" لا أظن هذا ، فهي مُتعبة أوليفار !"

-" أعرف يا ليفار ، لقد سمعتُ الطبيب يقول أنها لن تكون قادرةً على الإنجاب بعد هذا الحادث ! "

-"مما يعني أننا لن نحصُل على الأخت التي تمنت أمي إنجابها .. حسناً ما رأيك أن نتفقد ماما الآن "

قفز كلاهما عن السرير، ذو العينين الزبرجديتين يقود الطريق و لازوردي الأحداقِ يُمسك دبّه المحشو ليسير في أعقابِ الأول .
وصلا للباب النصف مفتوح ، صوتُ البكاء الذي يتوارى بعده مسموع
إنها هي ، لا تزال تبكي ، ما زالت مكسورة ، مُتهشمة ..

فور أن رأت طفليها حتى فتحت حُضنها لكي تستقبلهما ، وثبا كأرنبين مجزوعين يسألانِ الدفئ
و تشبعا به فور أن أطبقت صدرها عليهما بحنيّة و قد نزفت عيناها دموعاً جرت مجرى السيل على خديها ..

ناظرت هي ولديها بإضطراب ، كانت ترجو لو أنها رزقت بالابنة التي طالما حلُمت بها ..
تمعنت بالأجسادِ الصغيرة على حجرها
و قالت بعد أن تلاشى بريقُ عينيها :" أتريدانِ سماع قصة ، ليفار ؟ أوليفيا ؟ "

يبدو أنها لم تكن مكسورةً فقط بل كانت مُشوهة..

ناظر كلاهما الآخر مُحتاراً ، فشدّ ليفار على كفّ أوليفار مؤازراً له
و نبس الثلاثةُ بهدوء تلك الجملة التي لامست أسماعهم منذ أن كانا نِطافاً مُقدمة القصة التي يهوون قرائتها :" الحياة ليست بهذه البشاشة لتوضح لنا سبب جلافتها .. "

***

" الحياة ليست بشوشة ، صحيح أخي ؟ "
كان أوليفار قد فتح عينيه اللازورديتين ، ماداً يده عالياً ، بينما جسده قد افترش بستاناً شاسعاً من الزنابق السوداء منها و البيضاء

جاءته الإجابةُ من داخله ، بصوتٍ مبحوح
:" لا ليست كذلك ، أوليفار ! لكنه ليس بخطأ أمي ، إنه خطأ الحياة ، خطأ الحياة أننا ولِدنا ، خطأ الحياة أننا تشتتنا ، و خطأها أنك عايشت كل ذلك ! "

ردّ الآخرُ وقد تحشرجت روحه في حلقه :" آسف ، ليفار .."

-" أنا لم أكرهك قط أوليفار ، فقط كنتُ أتمنى لو
رأيتُ الجانب الآخر لعُملةِ الدنيا ، الجانب السعيد !
قد أثقلتُ عليكَ حمولتي ، كُن سعيداً أخي ، و اذهب للقيانِ أمك ، فهي ليست مُخطأة "

سمع تلك الكلمات بهدوء ثم شعر بقلبه يتشطرُ ، و روحه تنفصل ، أنه ينوي تركه فعلاً ! الأخُ الذي حماه دوماً ! مَن كان يعتمدُ عليه ..

بدأ يرىَ طيفَ توأمه يعلو فوقه ، يريدُ أن يسقط ناحية السماء
كما لو أنه يرَى نفسه في المرآة لكن أحداقهُ خضراء و هذا الفارق الوحيد
وقبل أن يتبدد الطيفُ ، أمسك أوليفار كلتا يديه و قد اعتلت ملامحهُ جرأةٌ لم يعهدها ثم صرخ مُجهراً صوته
:" لم لا ؟ لم لا تنشاركُ جسداً واحداً ! نحن من تشاركنا رَحِماً واحداً في السابق ! لم لا نرَ العالم سوياً ؟ ابقَ معي ليفار ، انا لا أريدُ خسارتك ! "

إضمحلت عزيمةُ الإختفاء التي قيّدت فِكر ليفار منذُ لحظات
و طاوع أخاه ليعودا معاً ، جسداً واحداً يحتوي روحين

إنبلج الضوء عند تلامسهما ، سيكونان أقوى من القدر ، أقوى من الحياة ، أقوى من الجلافة التي تطوّق الدنيا

و للخروج من هنا عليهما الإعتذارُ من صانع القبعات ، أي من والدتهما ، فالبارون لقى مصرعهُ العادل على يديهما ، و شيشر ليس سوى طبيبة مريضة لقياها فجأة و لن يسمحا لها بأن تأُخذ دوراً في مسرحية حياتهما السعيدة و أما الأرنب فقد كان أوليفار نفسه ..

وأليس بطلةُ القصة ، ليست بليفار ! ولا أوليفار ؛ إنها كلاهما معاً
هكذا فقط . هذا ما وجَب عليهما فعله مذّ الأزل ، أن يتصالحا روحيّاً ، ألّا يبقيا مُنفصمين كطيفٍ إضطرابيٍّ هشّ

عقارب الساعة عادت للحراك مجدداً ، الساعة التي اوقفها أغسطس
الساعة المتلبدة ، وصلت بسرعة نحو الرقم إثنا عشر
ليخلُق الوجود بوابةً من العدم ، بوابة تلمعُ و تبرق بإتحاد لوني
اللازورد و الزبرجد ، تبرُق كخُضابِ لون سيانَ السماويّ ، لون عينيّ أوليفار الحاليّ ~







[/COLOR] ...

[/ALIGN][/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN][/ALIGN][/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN]
[ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:100%;background-image:url('http://up.arabseyes.com/uploads2013/20_01_17148491402152649.png');"][CELL="filter:;"][ALIGN=center][ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:90%;"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]
[/ALIGN][/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN]

.
[/ALIGN][/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN]


__________________

التعديل الأخير تم بواسطة Crystãl ; 12-07-2017 الساعة 04:50 PM
رد مع اقتباس