عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 09-23-2017, 03:12 PM
 
[gdwl]أسندتُ رأسي على الكُرسي مُحدقةً إلى ماوراء النافذة .. إلى الطُلاب المُتجمعين حول الحافلات الأُخرى

سمـِعتُ صوتًـا عرفته على الفور قائلاً ( سأجلس بجوارِك ! )

( لا لن تفعــل .. سأجلس أنا ) نظرتُ إلى صآحبة الصوت بإستغراب رافعة حاجبي الأيمن .. ثُم إلى ريو الذي
بدت إماراتُ الغضب تظهر على تقاسيم وجهه

صرخ بوجه من يُخاطبهــا بعناد وحِدة مُشددًا على قبضة يديه ( أنا من سيجلس بجوارهــا ! ) ..

أجابت ببرود وثقة ( أنا من ستجلس بجوارها .. لا تنآقشني )

أصبحتُ أنظُــر إليهمــا بنظرات إستهزاء والإبتسامة الساخرة لم تُفارق شفتآي ..

حملت حقيبتــي السوداء متوسطة الحَجم عن فخذي لأضعهــا على الكرسي بجانبي ثُم صُحت بإبتسامة لطيفة زائفة

( آوه ، أنا حقًــا أُفضل الجلوس وحيدة .. يُمكنكمــا الجلوس بجانب بعضكمــا .. هكذا أفضل للجميع ! )

نظر كُلٌ من ريو ورين إليّ بنظراتٍ غاضبـة مُشتعلة .. فما لبثتُ أن بادلتُهما تلك النظرة بأكثر إرعابًا وغضب !

فذهبـا وجلسا ورائي بآخر كُــرسي موجود بالحافلة وكُل منهمـا يشتُم الآخر بغيظ وعداوة

تنَهدتُ بعمق ووضعتُ كوعي على حافة النافذة بينما باطن كفي الايسر يحمل وجهــي

شعرتُ بشيء غريب ، وكأنه خوف مُمتزج بإنتظــار وحماسة .. مشاعر إختلطت بعضها ببعض لتُنتج شعورًا لا يُمكنني وصفه !

إهتزت الحافلة أخيرًا مُعلنة عن بدء تحرُكهــا .. نظرتُ من حولــي .. لقد إمتلأت بطُلاب فصلي والبعض كان من فصولٍ أُخرى

سمـِعتُ صرخة قويــة آتية من خلفي دلالة الحماس فنظرتُ إلى صآحبها الذي كان – بالطبع – ريو المُتعجرف !

( ياللحمـــآسة .. ستكون أمتع رحلة على الإطلآق !! )

هززت رأسي نفيًــا وأسفاً على حالي .. لولا هذا الأخرق الذي ورائي كُنت سأكون غارقة في النوم أغوص بإحلامي الوردية الآن

وقف ريـو مُمسكًا كُرسيي بيده اليُسرى حتى يبقى ثابتًا ولا يقع .. وبيده الأخرى على مايبدو جريدة للرياضة ملفوفــة بقوة و يوُجه مُقدمتهــا نحو فمــِه

صَرخ إحدى الشُبــان ضاحكًــا ( آوه شباب .. إستعـِدوا ، ريُـو سيُفجر طبلة آذانكم بغضون دقآئق ! )

وجه لهُ ريو نظرة ثاقبة مازحًا ثُم فَتح فمَــه ليبدأ ماسيبدأُه ، أظن أنه سيُغنــي !

بدأ الصُـراخ بـِأعلى صوتـِه مُطلقًــا ألحان عجيبـة تصُم الآذان بحدتها .. وصوتٌ لن أكون مُبالغة إن شبهته بنعيق حمآر !!

أخذ يدور ويمشي بثقة من أول الحافلة حتى آخرها يُغني إحدى الأغاني المشهــورة هذه الأيام لمُغنية معــروفة ..

إقتَرب مني ثُم إنتشَل حقيبتــي ليضعها على فخذي .. ونظر لي بنظراتٍ حالمة رقيقة مُقربًــا وجههُ لي بينما أنا أبتعد كُلمــا إقترب

قال وهوُ يغنــي مُشددًا بقوة على كلمات الأغنيـة دون إبعاد عينيهِ عن عيني ( أُحبـــــكِ .. نعم أنا أُحبـــــــــك أحُبــكِ )

صُبغ وجهي باللون الأحمر من شدة خجلي وصفعتُه إلا أنها صفعة بسيطة أظنها دغدغته من خِـفتها !

سَكت قليلًا ليستوعب الموقف وأغمض عينيــه بهدوء ..

ثُم أطلق ضحكة خفيفــة مُتقطعة و فاجأني بضربة على رأسي بتلك المجلة الملفوفة التي يضُمها بقوة بكفة يدِه

قال وهو مايزال يضحك إلا ان نبرته غُلفت قليلًا بالسُخرية

( لا أُحب رؤية شكل أصابع يدكِ بتاتًا عندما تُطبع على خدي ، يكون الأمر مُزعجًــا عندما أنظر لمرآتي الحبيبة ! )

قطبت حاجباي في إنزعاج وأدرتُ وجهي ناحية النافذة مُصطنعةً الغضب .

بينما كان الجميعُ يضحك ، شد إنتباهنــا صوت إحدىَ الطالبات العالي وكأنها لاحظت شيئًـا

( شباب ، ألا تظنون معي أن مينــوري وريو ثُنائي رائع ! فإنهُما إذا إجتمعا يُشكلان مُهرجين مضحكين جدًا )

قال ماكوتو صديق ريــو المُقرب بتأييد ( حتىَ مع أنهُم قَد تعرفوا على بعضهـِم بأيام قليلة ! )

أعقبت أُخرى بجانبه من إحدى الفصول الأُخرى تتوجه بسؤالها – الأخرق - إلينا ( نعم ، هل أنتُما على علاقة ؟ )

حَل الصمت ليكون سيد الموقف .. ثُم أصبح كل ما يُسمع هو الهمسآت ومايُرى هوَ الإيماءات بالإيجاب
بالطبع لقد فغَرتُ فاهي مذهولة !

كان ريو ينظُر إلي تارةً وإلى الطُلاب جميعًــا الذين صوبوا أنظارهُم إلينا تارةً أُخرى

دَوت صرختنا بالوقت ذاته مُتعجبيّن في إنكار ( مُستحيــــــــــل )

قُلت بسُرعة مُعترضة أشد إعتراض على مايقولونه مُشيرة لنفسي ثُم لريو

( مُستحيلٌ ذلك ! أنا مينــوري .. على ... عـ ... ـلى علاقة بهذا الكائن !!! )

ضحكتُ بسُخــرية ثُم قلت ( آه ، دُعابة ظريفـة .. حقًــا ظريفة ! )

صاح ريو مُحاولاً إعادة الجوّ كمــا كان قائلاً بأمر ( هدوووء يا أصحاب .. هدوء ، لا تُقاطعونـي فأنا لم أنتهي بعدُ من أغنيتي )

قُلت بإعتراضٍ إمتزج بترجيّ ( لا ! الرحمـــة .. )

لم يُبــالي بقولـي بل أخذ مجلتـه من جديد وعاد للغناء والطلاب من حوله كان منهُم من يضع أصابعه في أذانه خشية الصمم وكان من يُصفق بحماس ويُغنــي معه

بينمـا أنا تنهّدتُ بإستسلام وأسندتُ رأسي على الكرسيّ بتعَب ..

توقفت الحافلة عـِند إحدى الإشارات عندما أضاءت بلونٍ أحمر تأمر بالوقوف

أحسستُ بشيء ما يمشي على سآقي .. لم أبالي فلقد ظننتُ أنني أتخيل لا أكثر

لكن مادفعنــي للنظر إلى ساقي لأتأكد هو شعوري به من جديد !

ما إنْ تعرفتُ على ماهية " ذلك الكائن الصغير " الذي يُسمى بـ " عنكبوت " حَتى دوت صرخةُ أستطيعُ جزم أنها قد وصلت إلى آخر شارع من هذه المنطقة

وقفتُ بحركة لا إرادية أقفز في هلع والدموع قد تلألأت في عينــي ..

رُحت أتلفت يمنة ويسرة لأرى الذُعر في عيون الجميع من حولــي ..

وقفتُ بمُنتصف الحافلة أبكي واضعة يداي على وجهي

شعرتُ بـريو يقف خلفــي قائلا بتساؤل وصوتٍ خائف ( مينــوري .... مابكِ ؟ تبكين ! )

تحَركت الحافلة من جَــديد بسُرعة لتُحدث هزة أسقطتنــي أرضًــا ..

وللأسف سقطتُ على ريو الذي كان خلفـي لأًصبح في حجـره !

رفعتُ وجهـي لتظهـَر آثار الدموع البــاردة على وجنتيّ

رأيتُ ريو مُقطبًــا حاجبيه ويبدو أنه يتألم مُمسكًـا ظهره بيدهِ اليُمنى والأخرى تُمسك بذرآعي

لقد كان يستند على شيء كمُرتفع أو أشبه بـِدَرجٍ صغيـر يفصل بين الكراسي الأمامية والخلفية

لابُد أن ذلك آلمه كثيــرًا .. هُوَ حتى لا يستطيع الكلام .. !

قال بألم مغمضًــا عينيه بقوة ( ظهــري المسكين .. عمودي الفقــري الجميل .. ياللهول ماذا تأكُلين مينـوري ؟ )

ودَدت لو أصفعُــه إلا أن معهُ الحَق في قول مايشــاء .. لقد سقطتُ عليه هذا حقًــا يبدو مؤلمًــا ،

( يستحـِقُ ذلك .. الأهَم أنكِ لم تُصــابي بأذى ! )

رفعتُ رأسي لأنظُــر إلى تلك المخلوقة الصغيــرة .. أو كما إعتدتُ مُناداتها .. " الشبح ! "

هذه الفتاة تجعل الحَــكة تُباغتني حتى تكاد تقتلنــي .. حَكة الحيرة التي تُصيب رأسي الفضولي المليء بالتساؤلات !

أحيانًــا أشعُر أنها من طَرف جــدي لتحميني لا أدري لماذا ؟ ..

[ أعلم .. ستقولون أنه شعورٌ أخرق فعلاً .. لكن صدقًــا ، ألا يشعُـر أحدكم بذلك مثلي ؟ أم .. أم أنها مُجرد تخيُلات وأفكار غبيّــة بنظركُــم ! ]

أومأتُ بالإيجاب بسُرعة .. لم أجـِد غير تلك الحركة لتكون مُنــاسبةً للرد

كانت تقف أمامي بشموخ ونظراتها الحادة أرعبتنــي – كما هي العادة - ..

أشعُر بالغموض يلُفها من كل جانب ، يا إلهي كم هي مَخلوقة عجيبــة !

جُلت ببصري بعيدًا عنها لأنظُــر للطلاب لوهلة .. إذ بي أرى منظرًا فظيعًــا ،

كُــل العيون مُتجهة نحونا تنظُر بتعجُب وقَد توسعَت في ذهــول .. والبعض في ترقُب .. والآخر بإعجاب كما يبدو .. ولكن لـِمَ هذا ؟

تنهَــد ريو ببساطة وحاول النهــوض وتوقف فجأة فأصبح يقف بشكلٍ .. كيف أصفه ؟ غبي !

وقفتُ ومشيت إلى حيث تلك الشبح ريــن التي كانت أمامي لأصبح بجانبها ..

سألتُـه بقليلٍ من التوتر محاولة قدر الإمكان تجاهُل النظرات من حولي

( هـ .. هـل تحتاج إلى ... مـ ... مساعدة ؟ )

( مينــوري بالطبع يجبُ أن تساعديــه .. لقد أنقذ حياتكِ ! )

كان ذلك صوت إحدى الفتيــات قائلة بأمر إمتزَج بإنكار وتعجب ..

أنقذ حياتي ؟ لن أعلق على هذا .. لن أعلق على كلام غبي كهذا أبدًا !

حاولتُ مساعدتَـه بأي طريقة إلا أنني لم أعرف ماذا أفعــل حقيقةً .. لا أُريد لمسه مطلقًــا فقُلت بإحباط

( أنا ... أنا آسفة ! )

عاد قلبـي يدُق بقوة وسُـرعة كما السابق .. فقط بمُــجرد أن نظر ريو إليّ بنظرة حادة لم أعلم ما مغزاها

قال بلهجة غريبــة ( هل أنتِ آسفة حقًــا ؟ )

~

~

حاولتُ مساعدتَـه بأي طريقة إلا أنني لم أعرف ماذا أفعــل حقيقةً .. لا أُريد لمسه مطلقًــا فقُلت بإحباط

( أنا ... أنا آسفة ! )

عاد قلبـي يدُق بقوة وسُـرعة كما السابق .. فقط بمُــجرد أن نظر ريو إليّ بنظرة حادة لم أعلم ما مغزاها

قال بلهجة غريبــة ( هل أنتِ آسفة حقًــا ؟ )

نظرتُ إليهِ قليلًا لأدقق ببصري على ملامحـه التي لم أفهمها ثُم أومأت بالإيجاب قائلة بخفوت

( نعــم .. )

رفعَ حاجبهُ الأيســر بثقة ثٌم قال بإبتسامة جذابة ( حسنًـا ، هذه الكلمة لا تُجدي نفعًــا معي .. )

إعتدل بوقفته كمن لم يصب بضربة قوية أبدًا ثُم جلس على ذلك الدَرج الذي إصطدم به وقام بثني ساقه التي رفعها لتُغطي جزءًا من صدره وبطنه

أمسك ذقنه بإبهامه وسبابته في تفكيــر وقال بـِمَرح

( أظنُ أنكِ من النوع الجبان أليس كذلك ؟ مارأيُــكِ إذًا بإن نلعب لعبة بيت الأشباح غدًا حال وصولنـا إلى مدينة الملاهي .. سيكون ذلك عظيمًــا )

سكتَ قليلًا ثم أردف ضاحكــًا ( أتطلعُ لرؤية وجهكِ الخائف من جَديد )

صُحت بإعتراض ( ماذا ؟ يالك من وقح .. كـ )

قاطعنــي إحدى الطلبة الذي أثار غيظــي بقولهِ ( يافتاة ! لقد أنقذ حيـاتكِ فلتقبلـي بعروضه المُغرية )

نظرتُ إلى ذاك الفتى بحدة وصرخت ( سُحقًــا لك فلتصمُت .. لم أكُن سأموت على أي حال فكيف يُنقذ حياتي ؟ )

وجّه الجميعُ إليّ نظرات لومٍ وغضب .. هل يروننــي وقحة الآن ؟ وماذا عن ريو وتصرفاتـهِ هذه !

آه يا إلهــي كم أود أن أقسم شعري لنصفين وأسحبُــه الآن

[ إحدى العادات التـي أفعلُها عند غضبي الشديد !! ]

تنهدت بعُمق ثم قُلت بإستسلام مُنصــاعة لأمره ( حسنًــا .. لكن ، إن حَدث شيء لي فستكون المسؤول عن هذا )

ضحـِك بخفة وهَز رأسه إيجابًــا دون أن يتلفظ بكلمة ..

أدرتُ نصف جسمي لأًصعق بالشبح تقف بمحاذاتي ولم تتحرك أبدًا .. لقد خـِلتُها رجعت لمقعدها منذ فترة !

ليس ذلك فقط .. بل كانت تُمسك بطرف قميصي كطفلة صغيـرة مُلتصقة بأُمهــا ..

وقفنــا على هذه الحال دقائق لم أعلم طولها حقًــا .. لكن لحُسن الحَــظ أن صوت السائق نبهنـا على أننا إقتربنا لنستعد

إستدَرت بكامل جسمـي ومَشيت عدة خطواتٍ بطيئة وتلك الشبح خلفي وكان ريو خلفها

آوه لحظــة ! .. صوت السائق !

إنني أعرِفُــه ...

إلتفتُ إليه لأتأكد من شكوكــي ... إنهُ ذو شعرٍ بُني حريري مُبعثر ومُهمَل ويرتدي قُبعة سوداء هذه المرة ..

عامل النظافة المُنحــَرف !

ظللت قُرابة العشر ثوانٍ أقف هكذا بمُنتصف الحافلة ثُم سـِرت إلى حيثُ مقعدي وجلست .. وكانت رين بجانبـي

رين و ريو ، رُبما هذان الأخوان العجيبــان يجتمعان في نقطة واحدة وحيدة على الأقل ..

ألا وهيَ الألتصاق بالناس بشكلٍ يُثير الغيظ ويؤدي إلى حالة نفسية صعبــة

آوه .. عاودتُ النظر إلى ساقي من جديد .. لقد إختفى ذاك العَنكبوت ! لابد أنهُ طار وإلتصق بشيءٍ آخر عندما تحركت الحافلة

هذا جيّــد .. فليلتصق بما يشاء إلا أنا ..

توقفت الحآفلة من جــديد ،

نظرتُ إلى ماوراء النافذة بجانبي إذ بي أرى أننا قد وقفنا أمام مبنى متوسط الحَجم
هو المكان الذي سنمكث فيه على مايبدو !

أدرت رأسي عند سماعي لضجة الطُلاب وصوت فتح باب الحافلة ..

وقفتُ بعدما وقفت رين لتعود للوراء لأخذ حقيبتهــا كما فعل أخوها ريو

حَملتُ حقيبتـي على كتفــي و نهضت من على كُرسيي بتكاسُل وأدخلتُ أصابعي الطويلة للتخلل شعري الأسود

متوسط الطول لأُرجعه للوراء فتعود خُصلاته مُتمردةً للأمام

ها أنا ذا أخرجُ من جو الحافلة البآرد ليصطدم الهواء المُعتدل اللطيف من الخارج بوجهــي ويُداعب خصلات شعري بنعومـة

تنفستُ بعُمق ثم أطلقتُ زفيرًا ينُم عن الرآحة وإبتسامة واسعة لطيفة رُسمت على فمــي

كُنــا أول حافلة تصل إلى هُنــا ثُم أقبلت أخرى بجانبنــا بعد عدة دقائق ..

دخلتُ إلى ذاك الفندُق أمشي وراء الطُلاب اللذين أخذوا يلحقون بـريو وأختـه الشَبح

سمـِعتُ ريو يصيح بصوتٍ عالي يُحدثنــا جميعًـا

( حسنًــا شباب ، سأقوم الآن بمُناداة كل ثلاثة أفراد سيكونون مع بعضهــم في غرفة واحدة وسأعطيهُم مفتاح غُرفتهم ! )

أخذ يفعل كما قال إلى أن جاء دوري وإبتسَم

( مينــوري ، هيكارو ، آكي .. ستكونون معًــا في غرفة واحدة )

( أليس من الأفضل أن تكونوا معًــا بغرفة واحدة يا ريو ومينــوري ؟ )

قال تلك الجملـة الفظيعة أحد الشُبان الوقحين مما جعَــل وجهي أنا وريو يُصبغان بالأحمر خجلاً فقال ريو مُتصنعًا الغَضب

( أحمق لا تقُل هذا وإلا لكمتُك لتطير إلى المدرسة وتدرس مع بقية الحمقى هُناك ! .. )

ضحـِك الجميع من شكل وجوهنــا المُشتعلة غضبًا وخجلاً في آن معًــا .. فأخذت إبتسامةُ لطيفة تشق طريقها شيئًا فشيئًا إلى وجهي ... ثُم ضحـِكت !



آه لقد حَــل الليلُ أخيرًا ! ...

أخبرنا ريوُ عندمـا هَم بإعطائنا المفاتيح أننا سنذهَبُ إلى مدينة الملاهي غدًا
صباحًـا في وقتٍ مُبكر

أتمنى أن يمُر كل شيءٍ على خيــر .. لا أعلمُ لـِمَ لا أحُس بالأمان هُنــا ،

نظرتُ إلى الساعة السوداء متوسطة الحجم المعلقة على الحائط .. إنها تُشير إلى التاسعة مساءً ،

نظرتُ من حولي نظرةً خاطفة .. الغرفة مُرتبـة ونظيفة ورائحة العـِطر الجميل مُنتشرة في أرجائها

آكي وهيكارو قَد خرجتا منذ فترة للقاء بعض الصديقات

حسنًــا إذًا لـِمَ لا أخرج لأستنشقُ الهواء بالخارج قُرب البحَر ؟ أظن أنه لا بأس بذلك !

إرتديتُ معطفي الوردي ذو القبعــة بسُرعة مُتجهة إلى باب الخروج ..

نظرتُ إلى الغرفة من جَديد ثُم أغلقت الباب خلفــي ،


~

في أحد الأحيــاء الهادئة جداً والتي تُنير الاضواء البيضاء ظُـُلمتها

حيثُ لآ يُسمع إلا مواء القطط البآحــثة عن الطعــام في كُل قمامةٍ تلقاها !ّ

كانت الساعةٌ تُشير إلى الحادية عشرة ليلاً ..

تحديداً في بيت مُتوســط بتصميم حديث – بالنسبــة لذلك الوقت – في الحديقة الخارجيةِ له بالتفصيل !

( ريوتـــآ ... توقف أُريد اللعب معـــك ! ) كان ذلك صوت صُراخ طفلةٍ صغيــرة لم تتجاوز الخامسةَ منْ عُمرها

تُنــادي من بعيــد طفلاً آخر كان يختبئ خلف أكبر شجــرة في تلك الحديقـة ..

كان ذاك الطفل مُسنداً ظهره على الشجــرة .. فأمال رأسـه لينظُر إليها ثم أخرج لسانه الصغيــر بحركةٍ
مُشاكسـة وقآل بعنآد يُخاطب تلك الطفلة

( أمسكي بي .. ثُم يُمكنكِ آللعب معي ! )

ضربت تلك الفتاة الصغيــرة الارضيــة بقوةٍ دلآلة الغضب الشديد ..

وإستعَدت لإطلآق ألحانٍ صاخبة عبآرةً عن صرخات بُكاء حاد ..

فأقبل ذاك الفتــى الصغيــر " ريُوتـــا " الذي يبدو يكبرهـا بعدة سنوات مُسرعاً بإتجاهها حاملاً الكُـرة بيديه وقال
بعدمــا وضع يده على كتفهــا

( لآ أرجوكِ .. كُنت أمزح ، لنلعـــب معاً لكن أرجوكِ لا تبكي ... إتفقنا ؟ )

إبتسمت تلك الفتـــاة الصغيــرة بطفوليـــة وقالت بطريقة مَضحكــة لعدم مقدرتها على النُطق جيداً ( حثنــاً ) " حسناً "

أخذا يلعبــان سويةً مُصدرآن ضجةً كبيــرة مما حَث بقيّــة الأطفآل اللذين كانوا بدآخل المنزل على الخروج

ليــنضموا إليهم وليــزدآد الصخَب والإزعآج بشكل جنونيّ !

بالنسبــة إلى الجيرآن ، فلقد أخذوا يصرخون بعصبيةٍ شديدة من خلآل نوافذ منآزلهم ليكُف الأطفآل عن الصُرآخ

لكنهُــم مُجرد أطفآل ... فمنَ سيُبآلي ؟

أما بدآخل المنـــزل .. فكانت الأجواء مُختلفــةً لكن ليس إلى ذلك الحَد البعيــد !

فكان الجوّ إحتفالياً جميـــلاً مليئاً بالضحكــات والإبتسآمآت المُوزعة على وجوه الجميــع .

يجلسون حول طاولــة مُستطيلة طويلــة تقع بوسط غُرفة المعيشــة الكبيــرة نوعاً ما ..

رجلُ عجــوز مع زوجتـه التي لا تختلف عنه حالاً .. يتحدثون ويُلقــون النكآت لإبنائهم الكبــار

اللذين أصبحوا الآن رجالاً مُتزوجيـــن ولديهم عدة أطفآل !

كان منهم من يتحدث عن أعماله ومشــاريعه في علمــه ..

والبعضُ الآخر عن معاناته مع أطفآله وزوجته العنيدة ... وما إلى ذلك من الاحاديث

فجأةً دخلت تلك الطفلةُ الصغيرة ذآت الشعر الأسود القصير جداً والعينين العسليتيين الواسعتين ..

ترتدي ثوباً أبيض طويل بالنسبة إليهــآ ..

أقبلت بإبتسامةٍ لعوبةٍ مرحة تتخللها البراءة من خلآل البــاب الذي يُطل على الحديقةِ الأمامية التي كانت تلعب فيهــا مع أخيها " ريوتـــا "

وإتجهَــت إلى عمهـــا الشـــاب البالغ من العُــمر السابعة والعشـــرون عامًا ، مع ذلك لم يكُن متزوجاً .

إرتمت في حُضنــه بمَرح والسرور لم يُفــارق نبرة صوتهــا الطفولية العذبة .

( شيـــــن ! ) .. إلتفت عم تلــك الطفلة إلى إمرأة جميلــة تبلغ الثانية والثلاثيــن من العُـمر فأجابها مُبتسماً ( ماذا ؟ )

قالت وهي تجلس بجانب زوجهــا حول الطآولة

( أيُمكنك إحضــار أطباق الحلوى من الثلآجة ؟ لقد تعبت جداً ولا أستطيع الوقوف على قدميّ )

غَمز شيــن بمرح وقال مُبتسماً ( من دواعِي سروري ! ) ..

سمـِع الجدْ كلآمهآ فقال مُعترضاً وهو ينهض بنشـآط ( كلآ .. دعنــي أنا أذهبُ مع طفلتــي الحُلوة )

قالت تلك المرأة بإبتسامةٍ صغيــرة عذبة وبمرح مُتصنعةً الغضب

( حسناً .. لكن أرجوك لا تلمس قطعةً واحدة ! )

( آه علِمت أنكِ ستقولين ذلك ، هذا عِقابٌ قاسٍ لي ) .. قآل الجَد ذلك مُدعياً الإحباط وهو يُمسك بيدِ تلك الطفلة الصغيرة مُتجهين سويةً إلى المطبــخ

مرت فتــرة قصيرة وهُو ينتشل كل طبقٍ ليضعه فوق طاولة المطبَــخ .. والطفلة واقفةٌ بجانبه مُمسكةً بطرف سرواله الزيتي الطويــل

( جـــدي أُريد اللعــب بالخارذ مع ريُوتــآ ! ) .. " بالخآرج "

حَرك شفتيه ليُطلق بضع كلمات من بينهمــا لكنهُ سكت عندمـآ أحس بشيء غريب يُحثه على الصمت ..

أمسك يدهــا الصغيرة بقوة عـِندما سمـِع صوت إطلاق النيرآن وصراخ أفراد العائله ..

حَمل تلك الطفـــلة لتكون على ظهرهِ بسُرعــة وقلبه يكاد يخرُج من مكآنهِ من شدة خوفــه ..

صحيح أنه عجوز .. لكنه مازال يحمــل بعض الطــاقة التي كان يتحلى بها في شبآبه !

طوقت تلك الفتاة يديهــا حول رقبتهِ بشكل تلقائي وقالت مُتسائلة ( جدي .. ماذا بك ؟ )

إتجه ناحية البـــاب الذي يؤدي إلى خارج المطبخ ليُطل على غُرفة المعيشــة

لكنهُ لم يستطِع رؤية شيء بسبب الدُخـــان الكثيف الذي أعمى بصيرته حينهـــآ

أصبح يلتفت الجد بعينيه بشكــل سريع ومُريب والعَرق يتصبب من جبينــه ..

مما دبّ الرعب في قلب الطفلة التي بدأت في التساؤل وصوتهــا يرتجف ( جـ ... جـددي .. مآبك !!! )

كان ذلك بسبب سماعه لصُراخ الأطفال وزوجتـه والآباء والامهات بغرفة المعيشــة ..

وصوت إطلاق رصاصاتٍ أيضاً !

وما كان مُرعبـــاً اكثر هو أصوات الرجـــال الغريبين اللذين إقتحموا المنزل بشكلٍ مفاجئ مما أثار الخوف بداخلـِه

( آشششش ! ) قال الجد ذلك وهو يُحاول تهدئة الطفلة بهَزه لها وهي على ظهــرِه

أدار وجهه إلى الخلفَ ليلحَظ وجود البــاب الذي بالمطبخ المؤدي إلى الحديقةِ الخلفيــةِ للمنزل

أسرع لإمساك مقبض البــاب .. ما إن أمسكهُ حتى فتحه على مصرعيه وإنطلق بخطواتٍ متسآرعة وآسعة للهروب

إتجه لبــاب الحديقةِ الخآرجي الخلفي ونبضات قلبه تتســارع بشكلٍ رهيب .. والطفلة مازالت تصرُخ باكية ..

نظر خلفه نظرةً خاطفـــة ليرىَ أن المنزل يحتــرق والدُخان يتصاعد للأعلى بكثآفه

ولهَب النيــران ينعكس في عينيــه ووجهــه ..

أما الطفلةُ فكانت تسعــل بقوّة من بين بُكائهـا .. فقال الجَد بقليلٍ من الصرامة ( أُصمدِي مينــوري )

سمـِع الجَد صوت أحد الرجــال العميق يُنــاديه مُهدداً ( توقف عندك وإلا أطلقتُ النـــار ! )

إلتفتَ إليه الجد بخــوف وصمت .. لكن الشجاعة - التي لا يدري اتته من أين – تسللت إلى قلبه ليقول بقوة

( فلتذهب للجحيــم ياهذا ! )

ركض الجد بخطواتٍ واسعــة إلى حيثُ الباب الخلفي المؤدي للخارج مُتفاديًــا الرصاصات التي يُطلقهـا ذاك الرجُل بصعوبة .

وبعد ركضٍ طويــل دام فترة لم يعلم طولهــا .. ولا يعلم حَتى قدماه قادته إلى أين !

وصل إلى إحدىَ الأحياء الفقيـرة المظلمة الشبه مهجــورة يقف سارحًــا حائرًا لا يعرف ماذا يفعَــل

قُتلت جميع العائلة تقريبًــا ولم يبقى سواه هو والطفلة مينــوري .

أحس بقطراتٍ تسقُط على رأسه بشكلٍ مُتقطع فرفع رأسهُ للسماء ...

قال بهدوء من بين دموعـهِ الحارة ( سُحقًــا ستُمطر ! )

إلتفت بنصف وجههِ إلى حفيدته الصغيـرة ليراها تُحاول كبت شهقاتها ومنع نفسها من البكاء وآثآر الدموع على وجنتيهـا الحمرآوتين

إبتسَم بحُزن وأسى على الحال الذي وصل إليه .. بشكل مُفاجئٍ جدًا !

أخذ يمشي بخطواتٍ ثقيلةٍ والحُزن يكسر قلبه المدفون بين أحشائه إلى قطع متعددة صغيرة ..

لآ يعلم إلى أين يتجـِه .. وبمَن يطلب العَــون ، كان تائهًــا مُشتت الأفكار .

توقف بمُنتصف الشارع عندمــا رأى سيارة سوداء كبيرة اللون تقف أمامه فجأة

رفع رأسهُ بتفاجؤ وإستغراب قائلاً في تعجُب ( ما به هذا الأخرق ؟ )

نظرَ الرجُل صاحبُ السيارة السوداء الذي – على مايبدو – لم يتجاوز الخمسة والثلاثين من عُمره
وقال ببرود ( تفضل يآ سيدي ! )

رفع الجد حاجبه الأيمن دلالة الإستغراب ثُم هَم بالمشي مُبتعداً ، إلا أن صاحب السيارة تقدم بسيارته ليسُد الطريق مُصرًا على تلبية طلبـِه

فجأةً أخذَ المطر يهطل بغزارة على رأس الجَد وحفيدته الصغيــرة ، لم يعلم ماذا يفعل ..

هل يوافق على طلب المجهول ؟ أم يرفُض !

................

( مينــوري ؟ )

قَآطع ذكريآتي ذاك الصوت البآرد الذي أفزعني فإلتفتُ برأسي لأنظُر في عيني ذاك الشخص التي لمعت عاكسةً ضوء القمَر

( ريــو ... ؟ )

كُنت جالسة على شاطئ البَحــر والظلام يلفُني من كل جانب ، أضم ساقاي بذراعـي وأغوص في ذكريآتي

العميقة الموحشة والدموع تنساب على وجنتيّ بهدوء

رأيتُ التفاجؤ ظاهرًا على وجهه فما لبثت أن مسحتُ دموعـي ورسمت إبتسامة بسيطة على فمي

( لا شيء ... فقط راودتنــي ذكرى سيئة )

هَز رأسه إيجابًا بهدوء دون أن ينبس بكلمة وظل يتأمل معي واقفًا مكانه ورائي إلى السماء المليئة بالنجـوم اللامعة

قال بعد فترة صمتٍ بسيطة بمَرح ( هيه يامُهرجتــي .. مارأيُــكِ أن نشتري شيئًا باردًا نشربُه ؟ )

قُلت بغضب ( لستُ مُهرجتَك ، كًف عن إغاظتي ! )

وسُرعان ماتبدِل الغضب إلى سعادة فقلت بمرح وتلقائية ( لكن موافقة .. على حسابــك ! )

~~


هَز رأسه مُوافقًا ثُم أمسك بيدي وأخذ يركَض بي مُنطلقاً بحماس بينما عاد " ذاك الأبله " يدُق بقوة داخل صدِري

لو كان بيدي لأخرجتُـه من صدِري ورميتُـه بعيدًا .. ياله من قلبٍ مُزعج !!

وصلنا إلى متجرٍ كبير الحَــجم نوعًا ما .. يوجد به عدد قليل من النــاس فدخلنا إليه بهدوء ننظر حولنا بحيرة

أخذ ريو يجُر سلةً كبيرة أمامهُ ويضع فيها أشياء كثيرة .. حقيقة كانت جميع الأشياء لا نفع لها ، يبدو أنه

يُخطط لإقامة حفلة في غرفته وجمع الشباب .. إنهُ تخمين فقط !

فجأةً ودون سابقِ إنذار .. سمِـعنا ضجّةً آتية من الباب الأمامي للمتجر .. وإنطفأت جميع الأنوار وأصبحَ المكانُ مظلمًا بعض الشيء

أُصبت بالذُعر فإلتصقتُ بذراع ريو الذي نظَر إلي بإستغراب

راح يمشي بهدوء مُتجهًـا إلى مكان المُحاسب القريب من باب الخروج .. إلا أنهُ تراجع بتردُد قائلاً

( مينوري .. لا تُصدري أي صوت حسنًا ؟ إتبعيني فقط ! )

قلت بخوف وتساؤل وأنا أنظر في عينيه الحادتين ( لماذا ؟ مالذي يحدُث ؟ )

ترَك السلة جانبًا وأمسك بمعصمــي وأخذ يدُور بالمتجر كاملاً دون أن يتخذ وِجهةً مُحددة ..

قلتُ لأقطع جو الصمت المُرعب الذي أكرهُه ( هل ... هل هُم لصوص ؟ )

كان مُعقدًا حاجبيه ويبدو عليه الغضب ..

أجابني بهدوء دون النظر إليّ ( أظُن ذلك )

وجدنا أمامنا بابًا كبيرًا فُتح نـِصفُه فدخلنا إلى ماوراءه .. نظرت حولي لأتفحص تلك الغُرفة ...

لا يوجد فيها سوى مصباح واحد أبيض مُعلقًا في السقف يُنير أجزاء صغيرةً منها .. ومساحتهُا واسعة

إلا أن ماجعلها ضيقة هو وجود الصناديق الكثيرة الموضوعة بعضها فوق بعض

سمـِعتُ صراخ أطفالٍ ونـِسوة مما جعلني أشعُر وكأن قلبي فعلاً سيخرُج من مكانه

قلت بخفوت أحضن رأسي بين كفيّ ( اه كُنت متأكدة .. مُتأكدة تمامًا بإن هذه الرحلة ستكون كارثة .. مُصيبة !! )

لم يُعلق ريو الواقف بجانبي على كلامـي بل ظل صامتًـا وكأنه ينتظر شيئًا ما ، رُبما ينتظر رحيلهُم فقط .

سمـِعتُ صراخ رجال يبدو أنهم لا يتجاوزون الثلاثة يُحدثون الموجودين بصرامة

قال أحدهم بوضوحٍ يُكلم إمرأة بأمر( أعطيني كُل مالديكِ من مجوهرات يا أنتِ .. أو ودعي طفلكِ للأبد ! )

كانت تصرُخ وتبكي في آن معًـا .. ومن صوتِ إرتطام شيءٍ ما بالأرض الأقربُ أنهُ قام بصفعها أو إلقاء شيءٍ عليها ،

وهذا ماجعل أوصالي ترتجف ...

( هل أنتِ فـِعلاً جبانة لهذه الدرجة ؟ لم أتصور أنكِ ستكونين هكذا ! )

نظرتُ إلى ريو بعينين دامعتين .. كان يُسند ظهره على الصناديق ويمُد رجلة اليُسرى بينما يُثني اليمنى ليُريح ذراعه عليها وينظر إليّ ببرود

كُنت واقفة أراقب من فتحة الباب الصغيـرة أولائك اللصوص

تركتُ الباب وإتجهتُ إلى ريو لأجلس بجانبه بهدوء .. وأصبحتُ أقترب أكثر منه حتى أكاد ألتصق به

لم أشعُر بنفسي إلا وأنا أُسند رأسي على صدره وذراعه اليسرى تلُفني

رفعتُ رأسي لأرى وجهه قد صُبغ كاملاً باللون الأحمر وينظر إلى الجدران

طأطأت رأسي في خجل ثُم مالبثت أن إتسعت عينــي بذهول

دفعتُه عني بقوة وأنا أصرُخ

- من تحسبُ نفسك هاه ! .. أيها الأخرق لا تلمسني .. لا تفعل هذا !

دقائق مَرت ونحن ننظر إلى بعضنا في ذهول وفي عينينا بريق غريب ..

حَتى قطع تلك اللحظة صوتُ الباب يُدفع بقوة ليرتطم بالجدار ..

وجّهنا بصرنا إلى ذاك الرجُل المُقنع الذي لا يظهر من وجهه سوى عينيه الضيقتين !

وها هوَ ذا قلبي يرقُص خوفًــا ما إن إقترَب مني أنا بالذآت وفي عيونه لمعة شر واضحة !!

شددتُ قبضة يدي على قميص ريـو الابيض المُخـطط بخطوطٍ سماوية بالطول وانا ادعو الله بداخلي ان يحفظنـي ويُبقيني على قيد الحياة

بصراحةٍ لا أود الموت .. خصوصًا بموقفٍ كهـذا !

وقف ريـو بسُرعة مُمسكًـا يدي بقبضتـه الكبيرة وملامـحُه الجديّة التي أُحبها ظهَرت من جديد على وجهه لتُوضـِح عن غضبـِه

هَمس لي بهدوء قائلاً بأمر دون أن يُبعد نظره عن ذاك اللص

- سأحاول أن أُلهيه .. عـِندما أترُك يدكِ أُهربي بسُرعة .. من ذاك الباب

حَدقتُ في عينيه اللتان تنظُران لباب موجود بإحدى زوايا تلك الغُرفة .. أتمنىَ ألا يكون مُقفلاً

ثُم قُلت على عجل دون شعورٍ مني

- لن أذهب من دونك

ما إن إنتهيتُ من جُملتي تلك حتى توردت وجنتآي علامة للخجل الذي جعل شُحنة كهربائية غريبة تسري بجوف رأسي كُله !

قال هامسًـا لي راسمًا تـِلك الإبتسامة المُشاكسة على ثغـِره ليُطمئنني

- مُهرجة ! .. إن أردتي ان اتوقف عن إغاظتك إفعلي ما أقول

- كفاكُمــا ثرثرة ... أنتِ !!

نظرتُ إلى المتحدث – الذي كان اللص بالطبع - بنظرةً خاطفة خائفة ما إن قصدني بندائه وقلبي تزداد نبضاته سُرعة كُلمـا إقتَرب خُطوة

اخذ يُشهر مُسدسهُ الأسود اللامع من بين يديه علينـا .. ويهز رأسه مُشيرًا إلى سوار معصمـي الذهبي

أردتُ التحَدث والإعتراض إلا أن ريو سبقنـي بقولـِه

- ياللجُبن ! تُشهر مُسدسك الصغيـر أمامنــا هكذا ، ولو أنكَ لم تحمـِله لإستطعتُ تقطيعك إربًا أيها الأرنب !

صُدمت .. اهوَ بهذه الشجاعة ؟ لم أتوقع قولًا قويًا كهذا سيصدُر منه ..

ضحـِك بخفة ثُم عاد ليقول بإستخفاف رافعًا حاجبه الأيسر في سُخرية

- لستُ خائفًا من مُسدسك بالطبع ، إلا أنني أعرف أفعال اللصوص المُلتوية لذلك سأبقى هادئًـا حتى لا يكون هنالك خسائر !

يبدو أنه قد إستفز اللص التي أخذت عيناه تضيقان أكثر والشَرر يتطاير من عينيه

تَرك يدي إلا أنني لم أتحرك ساكنة مُترددة .. موقفٌ صعب بالفعل ، فماذا لو هَربت وأطلق النار عليّ .. سأكون ميتة وهذا ما لا اريده !

زفَرت بضيق وعيناي تلمعان من دموعي المحبوسة فيهما والرؤية قد أصبحت مشوشة ضبآبية !

أحسستُ بقرصة على خاصرتي فقفزت مذعورة ونظرتُ إلى ريو بحنق ، فإذ به يُشير بصعوبة بإن عليّ الهرب حالاً

بعد تردُدٍ ومحاربة لنفسـي الخائفة تشجعتُ أخيرًا للهَرب .. فأطلقتُ لساقاي العنان وأخذت أركض واصرخ خائفة إلى الباب

فتحتُــه بخفة وسهولة ، حمدًا لله أنهُ لم يكُن مقفلاً .. كاد قلبي يسقُط أرضًا من شدة رُعبي !!

خرجتُ للشآرع .. إنهُ يطل على حَي مُخيف أشبَه بالمهجور .. إلا من بعض القطط ذات العيون المُخيفة التي تعكس ضوء القمر !

أخذتُ أنظر حولي يُمنة ويُسرة في توتر وريبة ، ويُمكنُني سماع دقات قلبي المُتتالية القويّة

مشيت عدة خطواتٍ للوراء وأنا أشعُر بإن أشياءً حادة كالإبر تُغرز بصدري ، أظُنني أشعُر بالذنب لتركي ريو خلفـي !

زفرتُ بضيق وأنا أمشي مُتجهة إلى .. لا أعلم ! لنُقل إلى المجهــول ،

رآحت الدموع تتجمعُ بعينـي من جديد لتُنذرني على قُرب بُــكائي .. أنا خائفة ، لا أُريده أن يُصــاب بإذى

سلكت دموعـي مجرى واحد على كُل من خديّ لتُحدث نهران جاريان يأبيان التوقف والسكون

إحتضنتُ أعلى رأسي بيديّ وقُلت بإنكار وإعتراض

- سأعود ، لن أترُكه وحده ... كيف فعلتُ ذلك وهربت ؟ كيف !!

- حقًــا .. كيف لكِ ان تترُكيه وحيدًا هُنــاك ..

إتسعت عينآني ذهولاً عندما سمِعتُ صوته الآتي من الخلف ، فإلتفتُ بسُرعة للوراء ليصطدم شعري بوجهي إثر قوة الهواء الذي هَب فجأة

- ريو !

- بشحمه ولحمـِه ..

رفعتُ بصري للأعلى قليلاً لأرى شخصًا طويلاً ذو جسم عريض نوعًا ما وشعر بُني مبعثر بإهمال تُخفي نصفه قُبعة سوداء يقف بجانب ريو .. وسيجارةُ إعتدت رؤيتها مآبين شفتيه .

- المُنحرف !

- مازلتِ تُناديني بهذا الأسم ؟ مُزعجة !

نظر ريو بتعجُب وحيرة وغباء موجهًا نظره إليّ تارة ثُم لكين تارة أخرى مُتسائلاً ماسبب هذه الألقاب !

قُلت بتساؤل وأنا أقوم بمسح دموعـي المُتمردة التي تأبى الوقوف

- كيف ؟

- أوه تعنين مالذي حَدث ؟ لقد أرسلتُ رسالة بهاتفي لكين ليُحضر المساعدة ..

- متى ؟ أنا لم أرَك تفعلُ بذلك

إبتسم بإستهزاء وقال واضعًا يديه في جيبيّ بنطاله

- كُنتِ مُنشغلة في النظر إلى اللصوص عَبر فتحة الباب أيتها الذكية !

- هكذا إذًا ، لكن بعدها مالذي حَدث ؟

قال ريو بلا مُبالاة

- لا شيء ، لقد فروا هاربيـن فَور سماعهم صوت سيارة الشُرطة تقترب .. جُبناء !!

مشيتُ بهدوء خلفهما عندما همّـا بالتقدم وأنا أشعُر بالراحة والإطمئنان ..

عاد ريو يقول بعد فترة صمت وهو ينظر إلي بطرف عينـِه موجّهًا كلامه لكين الهادئ

- كين ! آه لو ترى وجه مينــوري الخآئف ، أُقسم أنك ستضحك بشدة

- توقف أيها الغبي !

- ماذا ؟ أنا غبي أيتها الحمقاء المُدللة ؟!

- لستُ كذلك .. إنَك أحمق

- مُهرجــة !!

نفختُ خديّ بالهواء من شدة غضبي ثُم زفرت وأنا أسرع بخطواتي الواسعة الى وسط الشارع مع النظر إلى حذائي الورديّ البسيط لأتجاوزهُما بعدة خطوات

لكنني وقفتُ فجأةً ساكنة مُتجمدة عند سماعي لبوق سيارة مُسرعة بإتجاهي ..

أصبح صدري يعلو ويهبط بسُرعة من التنفس السريع دلالة الخوف ..

لا أعلم كيف إلا أن قدميّ قد شُلتا تمامًا ولا أستطيع تحريكهما ! وكأنما قَد وَضعت صخرتان كبيرتان عليهمـا لتمنعهما من الحراك !





.

.

.

فتحتُ عينــي بـِبُطء بعد فترة لم أعلم طولهـا .. لكنني أحسستُ أنها طويلةُ جدًا !!

أخذت بؤبؤتا عيني تتحركان في سُرعة لتستكشفا ماحولهمـا

كان يتجمع حولي عدد قليل من الأشخاص الغُرباء منهم من ينظُر إليّ بقلق والآخر بترقُب ..

فقُلت هامسة بتساؤل

- مالذي حَدث ؟

نظرتٌ إلى نفسي ... مُلقاةً على الأرض وقد مُزقت أجزاءٌ صغيرة من بنطالي الأبيض والخدوش قد شوهّت يدي .

أخذت أصوات مُختلطة تندفعُ كُتلة واحدة على مسامعي تسألُني ما إن كُنت على مايُرام !

تجاهلتُها و رُحت أتتبعُ بفضول شديد مصدر الأصوات البعيدة التي تصرُخ بصوتٍ عالٍ .. فعرفتُ حالاً أنها آتيةُ من الخلف

نظرتُ بسُرعة خلفي إذ بي أرى أُناسًا قد تجمعوا ليُشكلوا دائرة إلتفت حَول عمود الإنارة الطويل الذي على الرصيف الذي يفصل بين شارعين

حآولت الوقوف .. إلا أنه قد إستوقفني ألم فظيييع برُكبتي اليُمنى

أمسكتُ بنطالي من طرفه لأرفعهُ للأعلى .. لقد تلطّخ بالدماء .. لكن بشكلٍ بسيط لا يدعو للخوف !

أنزلتُه مرة أخرى وحاولت جاهدة أن أتحمل الألم الذي أشعُر به كُلما مشيت خطوة

إن هذا الألم لآ يُساوي ما شعرتُ به بصدري حينها أبدًا ..

عندما رأيتُ عدة رجال يحملون شابًا ذو شعرٍ أشقَر يرتدي قميصًا أبيض اللون خُطط بخطوط سماوية بسيطة

ومعهم ذاك الآخر ذو الشعر البُني المُبعثر بإهمال ، الذي كان وبكُل بساطة " كين " الذي – ولأول مرة – أرى ملامح الخوف قد ظهرت جليّة على وجهه !

إذًا هذا ماكانوا مُتجمعين حوله ؟!!!

لا أعلم كيف .. أو متى فعلتُ ذلك ! إلا أنني فجأة أصبحتُ مع أولائك الرجال أصرُخ بإسم ريو بهستيرية

بالكاد أستطيع رؤية وجهه المُلطخ بالدماء وهذا ما أثار فزعي !!

أمسكني كين من ذرآعي بقوة مُحاولاً تهدِأتي إلا أن ذلك مُستحيـــل ..

كُنت ألحق بهم لأُمسك بيد ريو المليئة بالخدوش والجروح النازفة المُتدلية دون حراك ..

جميع الأفكار السوداء قد تجمعت بذهني .. أسوَؤها الموت ، خـِفت أن يرحَل ويترُكنــي .. لا أريد ذلك !

أبعدني كين عن الرجآل ليستطيعوا إدخاله بسُرعة إلى سيّــارة الإسعاف التي أتت مُسرعة قبل عدة دقائق فقط

كان كين مُمسكًا بي بقوة حَتى أنه قد لف ذراعيهِ حولي .. حاولت الإفلات بعدة طُرق إلا أن ذلك لم يُجدي نفعًا

كآن يُحاول تهدأتي بكلماتٍ بسيطة إلا أنني لم أُعره أدنى إهتمام ... لم أكُن حتى أسمع مايقول بوضوح ، كُل ما أفكر به الآن هوَ ريو !

هَمت سيارة الإسعاف بالذهاب وأنا أتبعُها بعيني ، لتترُكني مابين ذراعي كين مُصابة بالدوآر !!

أصبح كُل شيء يدور فجأة .. حتى صارَ السواد هو كُل مايُمكنني رؤيته فقط .






رؤيةُ ضبآبية .. عقلٌ مشوش .. و ألم فظيع !

هذه الكلمآت البسيطة هي تعبيرٌ بسيط عن حالتــي تلك اللحظة عندما أفقت على هَمس أحدِهم

أغمضتُ عينيّ بقوة ثُم فتحتهمــا لتٌصدمان برؤية وجه ريو أمامهُمــا

فتحتُ فمي لأصرُخ فزعة متفاجئة إلا أن يدهُ البآردة الملفوفة بالضمادات البيضاء قد منعتنـي من ذلك

أبعدتُها بعُنف عن فمي ونهضت بسُرعة بينما هوَ إبتعد قليلًا دون إبعاد نظره عني

تأملتُ ماحولــي .. كانت الغُرفة مُظلمة نوعًا ما إلا من نور شاشة التلفاز المُعلق بالأعلى الذي يُوزع ضوءه في أرجائها

الغُرفة هادئةٌ جدًا .. يوجد بها عدة أسرة يملؤها بعض المرضىَ الذين يغطون – على مايبدو – بنوم عميق !

أُحب هذه الأجواء .. خاصة مابعد مُنتصف الليــل !

عُدت للتحديق في وجه ريـو وقد لفت نظري شيءٌ ما على جانب وجهه فأزحتُ غطاء السرير عني قليلًا وإقتربت منه لأمسك ذقنه بهدوء

كان واقفًــا بسكون دون حرآك ويبدو انه مُتعجب مني من نظراته المُندهشة

حَركت وجهه لليسآر قليلًا لألحظَ خدشًا طويلًا نوعًا ما على خدِه ويصل إلى نهاية وجهه

سمـِعت ضحكة خافتة تصدُر منه فنظرت إليه .. كان مُغمـِضًا عينيه ويبتسم

- مابك !

- هيا إضحكي ، أعلمُ أنكِ تُريدين الضحـك لرؤية وجهي الجميل قَد تشوّه بهذا الخدش البشع

نظرتُ إليه بإستغراب وتعجب في آن معًا .. وقلت مُستنكرة

- إطلاقًــا .. تبدو جميلًا به !!

- كاذبة .. يُمكنك الضحك إن شئتي لكن لا يُمكنك الكذب عليّ بقولكِ هذا !

- أحمق ، أٌقسم أنك تبدو ... جميلاً

ضحـِكت بشدة عـِندما رأيت وجنتيه قد إحمرتا خجلاً .. ولا تنطلق من بين شفتيه سـِوى كلمتيّ " لا و كآذبة " بطفولية من شدة خجله !

نظرتُ إليه من رأسه لقدميه .. كانت غرته الشقراء ثابتة للخلف بواسطة مـِشبك بنوتي صغير لطيف

لتظهر مُلصقات الجروح على جانب جبهتـِه الأيسر ..

أما رجلهُ اليُمنى فكانت تلفها جبيرة بيضاء ، لابُد أنها قد كُــسـِرت !

سألتُــه بفضول شديد والإستغراب واضح على مُحياي

- مالذي حَدث ؟ لا أذكُر شيئًــا سوى أنني كُنت أقف بمنتصف الشآرع !

- حمقــاء .. آه ، بسببكِ كــِدتُ أفقد حياتي الثمينة !

- كفاك ثرثرة .. أخبرني فقط

- حسنًــا

نظر إليّ قليلًا ثُم أشار بيده على أن أُفسح المجال له للجلوس على طرف سريري الأبيض

إمتثلتُ لأوامره فجلس بالقُرب مني .. وأغمض عينيه فبدأ بالكلام بلهجة مغرورة تنُم عن البطولية التي يحسبها إحدى صفاته !



~

~

نظر إليّ قليلًا ثُم أشار بيده على أن أُفسح المجال له للجلوس على طرف سريري الأبيض

إمتثلتُ لأوامره فجلس بالقُرب مني .. وأغمض عينيه فبدأ بالكلام بلهجة مغرورة تنُم عن البطولية التي يحسبها إحدى صفاته !

- عندمـا رأيتكِ كالبلهاء واقفة أمام تلك السيارة المُسرعة دون حراك .. كُنت أعلم أنكِ بإنتظار البطل – الذي هو أنا – ليَهُب للمُساعدة

- سُحقًــا لك فلتتكلم بجدية !

- أووه حسنًاً ، لا أعلم كيف فعلتُ ذلك ولـِمَ عرضت حياتي للخَــطر .. إلا أن رؤيتكِ بتلك اللحظة واقفة بخوف لا تعلمين مالذي يجب فـِعله .. شَجعتني أن أدفع بنفسي إليكِ لإنقاذكِ .. إنني أقولها بجدية الآن !

- حسنًا .. أكمل

- دفعتٌــك بقوة للأمام لتصطدمي بالناصية أما أنا فقد إصطدمت بالسيارة لأطير بعيدًا وأصطدم مرة أُخرى بعمود الإنارة ..
لذلك قد كُسرت ساقي .. أما يدي فلقد أصبحت كخريطة الكُرة الأرضية من الكدمات التي تلونت بها ..

حَل الصمت فترة قصيرة جدًا .. بالأحرى ماتُقارب الدقيقتين ثُم عاد للقول بغضب

- وكُل هذا بسببـِك !
- آسفة ..

- لا بأس ..

- يا شباب .. كفاكُمــا ثرثرة ، أزعجتُماني بقصصكم البطولية الرومانسية .. المُستشفيات لا تصلُح للمواعدة خصيصًا بغُرف مُلئت بالمرضى !

كان ذلك صوت تذمر إحدى العجائز التي يبدو عليها أنها ليست من النوع اللطيف إطلاقًـا

نهض ريو بهدوء وحَذر من على سريري وهو يضحَك ..

لا أعلم لـِمَ فعلتُ ذلك ورميتُ بكومة الخجل والغضب على رأس ريو حيثُ قُلت

- لا تضحك ياوجه القطــة !

إلتفت إليّ بسُرعة والغضب العآرم قد إكتسحه

- ماذا ؟ أظنُ أنني لم أسمعكِ جيدًا

- وجه القطـــة !!

- أبسبب هذا الخدش أصبحتُ ... قطة ؟

هَززتُ رأسي بالإيجاب دون أن أنبس بكلمة

- إذًا فالقـِطط تُعجبكِ ، نعم .. هي جميلةُ أيضًا .. مثلي !

- مالذي تعنيه ؟!

رفع أنفه بغرور وهو يتجهُ إلى سريره الذي يكون بجانبي ولا تفصل بيننا سوى ستارة خضراء طويلة !

- ألستِ من قال أن هذا الخدش هُنا ، يجعلنــي جميلاً !

- أنا .. أنا فعلت ؟

- آه يا إلهي .. أستدّعين أنك لم تقولي هذا ؟

لم أستطـِع قول شيء .. ففضلتُ السكوت وتجاهُل الأمر برمتــه .. في النهاية أعلم أنهُ المُنتصـِر .

هَز رأسهُ أسفًــا وحَرك سبابتهُ بالقُرب من أعلى أذنه بحركة دائرية في الهواء تدُل على أنه يصفني بالمجنونة !

- سُحقًا لك .. أتظن بإنك عاقل ؟ حتى الأطفال بعُمر السادسة أعقل منك وأذكى

- أتقصدين بمن هُم بعُمركِ عزيزتــي ؟

آآآآآآآآه مُستفز .. لو أنني لم أكُن هُنــا أقسم على أنني سأفعل شيئًا غير جيد له .. أبدًا !!!!

نُمت على جانبي الأيمن بحيث يكون ظهــري أمامه .. فلقد كان ينام هو أيضًا على نفس الجآنب

أغمضتُ عيني بهدوء لأنام .. إلا أن ذلك مُستحيل .. كُنت أعلم بإن نومي هو شيء مُستحيل الآن .. لقد إستيقظت قبل دقائق فكيف أنام مرة أُخرى ؟ لا أستطيع !

أخذتُ أتقلب على السرير مُحاولة بجُهدٍ أن أنام .. إلى أن نهضتُ مُتذمرة حتى تطاير شعري بشكلٍ مُرعب على وجهي
- بسسس .. أيها الوحش من عالم الظلام !

إلتفتُ إلى من كان يهمس إلي والذي كان – بالطبع ريو – الذي عرفتـُه من بحة صوته المُميزة

- ألم تنم أيها البطل .. صآحب وجه كالقطط !

- صاحب وجه جميل كالقـِطط .. أليس سيئًــا بالنسبة لكِ أن أًصحح أخطاءك ؟ خرقاء ! يجيب ألا تنسي إضافة أهم الكلمات حتى تُصبح الجُملة كاملة وصحيحة !

- لم أخطئ .. إضافة كلمة " جميل " مايجعلُها خاطئة .. إنك تظلم الكلمة بنسبها إليك إيها البشع !

- ماذا ؟ حسنًا ، إن كُنت بشعًــا – كما تدعين - .. فما أنتِ اذًا ؟ وحشٌ مُظلم أتى من العالم الآخر لينشُر الظلام في كوكب الأرض !

- لديك خيال خـصب .. هل تكتُب رواية ما ؟

- مُنذ أن رأيتكِ قررتُ ذلك .. فأنتِ تُذكرينــي بأفلام الرُعب .. إذا تمحوَرت حول " الأحياء الأموات " بالذات
أخذتُ أقرب شيءٍ مني يُمكنني رميُه على ريو ألا وهو كأسٌ ورقي خفيف الوزن !

ما إن رفعتُ يدي لأرميه حتى أوقفني إرتطام عُلبة مناديل ورقية بالأرض مُحدثة صوتًا قويًا نوعًا ما بما أن الغُرفة كانت هادئة .

- الرحمـــة .. إِن قُلت أنَّ المُستشفيات ليست مكانًا مُناسبًا للمواعدة ، هل ستًصبح مُناسبة لأن تكون حَلبة مُصارعة ؟

يا إلهــي .. كدتُ أجزُم أنها هيَ – فعلاً – من يكون قد أتى من عالمٍ آخر ..

عينيها الضيقتين الزرقاوتين تلمعان تحت جُنح الظلآم ، أظُن أننا قد أثرنا غضبهــا فعلاً !

- ناما !! ..

- لكــ ..

- أُصمت أيها القط الأشقر ... ونَم ، حـــــــــــــالاً !!!!

- كيف لكِ أن تنعتيني بالقط الأشقر هاه !

- ماذا ؟ كيف لك أن ترفعُ صوتك على امرأة يا هذا !

- امرأة ؟ أأنتِ من " فصيلة " مينوري ؟ لا تنسي إضافة " عجــوز " إلى جُملتك يا جدة !!

- عجوز و جدة ؟ من تصف بالعجوز هُنــا ؟ لَم أزل إمرأة بالخمسين من عُمرها
قاطعتُ ريو الذي فتح فمَهُ ليرُد على تلك العجوز بقولي بغضب

- فصيلة ؟ هل أصبحتُ إحدى الحيوانات الآن !!!

قاطعنــا صوت فتح الباب الذي كان يقف خلفه مُمرضة بدا الإستغراب جليًا على وجهها ذو الملامح الهادئة
- مالذي يحدُث ؟

سمِعنــا صوتًا أنثويًا رقيقًا هادئًــا يتحَدث بلُطف إليها من خلف إحدى الستائر

- أيتها المُمرضة .. أيُمكنكِ إسكات هؤلاء المُزعجين .. ساعتين حاولت فيهما تذوق طعم النوم إلا أنني بت أشعُر أن هذا مُستحيل بوجودهـِم !

- حسنًــا .. يُمكنني تدبُر الأمر

- أشكُركِ ..

نظرت تلك المُمرضة إلى وجوهـِنا المُتعجبــة بتعجُب هيَ الأخرى .. ثُم قالت برجاء

- رجاءً .. فاليحترم كل منكم وجود مرضى آخرين هُنــا .. ليعُد كل منكُم للنوم !

خَرجت بعدما رأتنا جميعًــا قد أصبحنا في حالة سكون وهدوء وكُل منا يُحاول إرجاع النعاس لعينيه

أخذتُ أنظُر للسقف وأعُد حتى المئة .. لرُبما أنام حقًا ..

- إثنان وخمسون .. ثلاثة وخمسون

- سبعة وعشرون .. ثمانية وعشرون

نظرتُ إلى ريو بغضب الذي كان يُقلدني في هذا الأمر .. المُصيبة أن صوته قد شتت تفكيري ولا أعلم إلى أي رقمٍ قد وصلت الآن !!
- ريـــو !!

نظَر إلي ببراءة وتعجُب رافعًا حاجبيه وقال مُتسائلاً

- ماذا ؟

- أتعلم بأنني أكرهُك ؟!

- كاذبة ..

- بل إن هذه الكلمة قد خرجَت من داخل أعماق جوف قلبي !

- أليست كل تلك الكلمات ذات معنىً واحد ؟

- تقريبًا ، لكني أردت أن تفهمَ مقصدي بدقة ووضوح !!

- هل تقصديـــن ..

أخذ يُميل جسدهُ إليّ من فوق سريرِه وعلى وجهه إبتسامةُ مكر وخُبث

- أنكِ تُحبيننـــي ؟

~

كِدت أصرخ لولا أنني تداركتُ الوضع ووضعتُ يداي على فمــي بسُرعة لأحجُب صرختي عن الجميع

سمعتُ قهقهاته القوية التي لم يستطــِع كبتها على الإطلاق سامحًا لها بالخروج بحُرية .. حتى رأيت دموعه تنهمر من شدة الضحــِك !!

أصبح وجهي أشبه بشُعلة من نار مـِن شدة الحرارة التي أحسستُ بها ، لو أني لم أكُن بشرًا لكُنت واثقة أنه قد تبخّر !

نهضتُ من سريري مُسرعة إلى ريو الذي بدا خائفًا مما قد أفعلُــه به .. إلا أنني لم أقصد سوى الستارة لأسحبهـا لليسار حتى تمنعهُ من رؤيتي ..

وقفتُ خلفها مُعطية إياها ظهري وكفي تُغطي فمــي المفتوح بشرود

أُحس أن قلبي قد ثآر كالبُركان .. أو هاج كأمواج البحــر .. أو .... أو كقُنبلة قد إنفجَرت للتو !

- لكنْ لـِمَ ؟ هل أنا مريضة بمرضٍ ما ؟!

- مينـــوري ....

صُعقتْ عندما سمعتُ صوتًا واثقًا قريبًا جدًا من أُذني .. لذلك لم أتحَرك أبدًا ولم أنبُس ببنت شفة

قآل وهو مايزال واقفًــا خلفي

- أنا ...

هل يسمعُه ؟ أُحس بإن صوت قرع طبول قلبــي تصـِل إليه من قوتــِها !!!

- ألم تسمعا ؟ ألم تفهما ؟ سأقوم بركلكُما كالكُرة إن لم تصمُتــا .. آه رأسي ، سينفجر !!

تـِلك المُزعجة المُتذمرة .. قاطعت ريو عن الكلام .. آهٍ كم أود قتلها هذه اللحظة ، لن أندم على ذلك

فلرُبما أخلص شعبًا كاملًا من وحشٍ مُزعج يُثير الغيظ ؟!

تقدمتُ عدة خطواتٍ للأمام ومازال وجهي مُشتعلاً وقد أصبح كحبة طماطم حمرآء اللون ثُم قلت بعدما إستدرتُ لأصبح مواجهةً له

- مالذي أردت قوله ؟ لا تُبالي بها !

- كلا .. لا بأس ، عودي للنوم فقط ..

إستدار ليذهب إلا أنني أمسكتُ بذراعـِه لأمنعُه من ذلك وقلتُ بعناد

- أخبرني ... الآن

- أيتها العنيدة المُدللة ، إنه ليس بالشيء المُهــِم ..

- بلى .. أريد مَعرِفته .. رُبما ، رُبما هوَ مُهم لي !

- حسنــًا ..

حَك رأسهُ بتوتر واضح ثُم قال

- أردتُ كأس ماء ، لقد شربت قارورة الماء خاصتي كلها ، أشعُر بالعَطش

أصبتُ بإحباط .. لقد كُنت مُتشوقة إلى سماع تلك الكلمة ... لحظة أيُ كلمة ؟

أحبكِ ... كلآ !!!

أظُنني أصبتُ بإنفصام الشخصية .. أو .. رُبما بالخَرف المُبكر ؟!

- يا إلهــــي .. يا إلهــــي

- مابكِ مينـــوري ؟

كُنت أمسُك رأسي بيديّ وأهزُه نافية غير قابلة بالذي أمُر به الآن .. ولا حتى بالتفكير الأخرق الذي أٌفكر بـِه !!

رفعتُ بصري إليه وبقيت على وضعيتي الخرقاء تلك ولم أنطق سوى بـ " هاه " التعجُبية خاصتي

إبتسم بلُــطف ومسح بيده شعري بعشوائية ثٌم قال بهمس

- رُبما المرة القادمــة !

- ماذا ؟

وقف خلف الستارة الطويلة وأغلقها بهــدوء

- لا شيء ..

تتبعتُ رجليه بعينـــي وهُما ترتفعان للأعلى عندما هَم بالصعود

على السرير لينام ..

يالحظه .. ومالذي سيجعلُنـــي أنام أنا ؟!

أطلقتُ زفرة تعبٍ وإستياء .. فهي كُل ما أستطيع التعبير به عن حالتي الآن ...

كُنت أنظر إلى أصابع رجلي بشــرود والدموع المُتجمعة داخل عيني تجعل الرؤية ضبابية أمامي ..

أليسَ من الغباء أن أبكي ؟

أخذت أميلُ للخلف ورَميت كتلة جسدي المُتعب على السرير ذو المفرش الأبيض الناعم بإهمال ورُحت أنظر للسقف ببلاهة ثٌم همست لنفسي

- مالذي حَل بكِ ايتها الخرقاء ؟

كان الجزء العلوي من جسمي على السرير أما ساقاي فكانتا عند طرفه .. أي أن قدماي تطآن الأرض

أغمضتُ عينــي شيئًا فشيئًا بهدوء ..... حتىَ غفوت وأنا بتلك الوضعية المُتعبة !

.
.
.
.

ضحكـــات صاخبة .. أصوات مُزعجــة .. حوارآت وهمسآت وهمهمات مُختلطة ببعضها البعض

هيَ ما أيقظتنــي لحُسن الحظ .. لإني إن بقيتُ نائمة على تلك الوضعية بالأمس لوقتٍ أطول لما إستطعتُ الحراك أبدًا !

فتحتٌ عينــي لتُبصر وجهًا لم أعرف صاحبه من أول مرة .. فأغلقت عيني وعاودت الكرة لتتضح الرؤية

شعرٌ أشقر مُنسدل على جبينهـا بنعومة .. وعينين بُنيتين ناعستين تنظُران مباشرة ببرود .. وفمٌ صغير ينطق بعدة حروف لتشكل كلمات بسيطة

- مي نو ري ! صباحُ الخير ..

رفعتُ رأسي فزعة بحركة مفاجئة لا إرادية ليصطدم برأسها الذي كان يُقابل وجهي تمامًا

حَككتُ جبينــي بألم ونظرتُ إليها .. لم تُبدِ أي إنفعال مُطلقًا !

- مالذي أتىَ بكِ إلى هُنــا ؟

لم تُجبنــي بحرفٍ واحد حتى ، فتنهدتُ باستسلام إلى أن فاجأني سقوط حقيبتــي بين يديّ !

رفعتُ رأسي إذ بي أرى آكي وهيكــارو واقفتان بالقُرب من السرير تبتسمــان بغرابة .. وقد كانت آكي من ألقى بحقيبة ملابسي عليّ

إبتسمتُ بدوري وحييتُهما ببساطة

- مرحبًــا ...

قالت آكي بغرآبة ولهجـة لم أفهمها أبدًا

- أهلاً ... يبدو أنهُ قد حدثت أشياءٌ كثيرة بالأمس !

- امم .. حسنًا ،أظن ذلك .

إكتفينــا بالصمت للحظات إلى أن قاطعنــا صوت تميّز ببحة مُحببة يقول بمرح

- آه سأخرُج ... أكره أجواء المستشفيــات ، تُصيبنــي بالإختناق !!!

نظرتُ إلى ريو وقد رسمتُ إبتسامة لطيفـة على فمـي لأكتفي بها كتحية بسيطة !

كان مُتكئًا على عكازين ليتوازن بمشيتـه بما أن رجلهُ قد كُــسرت

نهضتُ من على السرير وأخذت بخطواتي أتجـِه إلى الحمام لأبدل ملابسـي التي أصبحت في حالة يُرثى لها

أجزم بإن من سيراني للوهلة الأولى سيقول بإنني مُتشردة ... آه يآ إلهي كم هي مُتسخة !
.

.

.

- آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآه !

أطلقتُ زفرة إرتياح وكأنها أزاحت همًــا كالجبل من على صدري ..

إنني أقفُ الآن أمام حافلة المدرسة الصفــراء الكبيرة التي يقودها كين لأركبهــا .. وقد سبقنـي الجميعُ في ذلك !

- مينـــوري .. لن ننتظركِ أكثر من دقيقتين ، أسرعي ايتها المُدللة !

قُلت صائحة مُقطبة حاجباي في غضب

- لستُ مُدللة ياوجه القطــة ..

صعدتُ الحافلة بسُرعة فأنا أعلمُ أنه ليس من المُستحيل أن يفعلها ويأمُر المُنحرف بالحراك وتركي بالمشفى !

- لقبٌ جديد ؟ يجـبُ أن نُضيف ذلك لقائمة ألقاب ريو ..

- ماذا ؟

صرخ ريو بفزع عند سماعه لكلام هيكــارو التي عادت للتحدث قائلة

- لقد قامت الفتيات بإنشاء قائمة مُخصصة لك .. لجمع ألقابك التي تُؤلفهـا مينـوري ، يقُلن أنها ظريفة جدًا

- وهل المُتعجـرف وذو المنقار ألقاب ظريفة ؟ إنها بشعة .. بشكل لا يُصدق !!!

ضحكتُ بشكلٍ هستيري عند سماعي لكلام هيكــارو وهي تتحدث بمُنتهى البرائة والعفوية بينما ريو يستشيط غضبًا وقد أصبح كحبة طماطم تكاد تنفجر من قوة العصــر

مَشيتُ بخطواتٍ باردة لآخر الحافلة ومازال الضحك مُلازمًا لي .. لا أُريد أن أصاب بالصُداع بعد مُشاجرة كلامية عنيفة قد تحدُث بيني وبينه إن جلست قريبة منه

لكن استوقفتني يدٌ قوية احتضنت ذراعي بقوة لتمنعنـي من إكمال خطواتي

إلتفتُ إلى صاحب تلك اليَد ..

لم تكُن سوى " الشبــح " رين ذات العيون الناعسة المُرعبــة !

اكتفيتُ بنظرات مُتسائلة تُريد تفسيرًا عن فعلهــا هذا ؟!

- إجلسي .... بجانبــي

سمعتُ ضحكة سآخرة آتية من خلف المقعد الذي تجلس عليه ريــن فوجّهت بصري لصاحبها .. كان ريو

- مينــوري ، صدِقيني .. إن جلستي بجوارهـا ستُصابين بلعنة .. أقوىَ حتى من لعنة الفراعنة !

- ماذا ؟

أخذ الخوف يتسلل شيئًا فشيئًا إلى قلبـي ليُحيطه من كل جانب والقلق قد قيّده حتىَ شجعني ذلك لأن أبعد يدها عني وأرفع ذراعي عاليًا حتى لا تُمسكها ..

كانت تُحاول الوصول إليها بعدة محاولات و بشتى الطرق .. إلا أنها كانت قصيرة كطفلة بالمرحلة الإبتدائية !

- آه يا إلهي ، فقط إجلسي بجانبهــا هيَ لن تفعل شيئًا يَضركِ أيتها البلهاء !!

نظرتُ إلى آكي الغاضبة وهي تُشير إليّ بعينيهــا لأجلس بجانب رين التي أخذت الدموع تتجمع في عينيهــا ..

لــِمَ هيَ مُتعلقةٌ بي بشدة ؟ .. هذا مُزعج !

أنزلتُ ذراعي بهدوء لتُمسك بطرف قميصي الأســود الذي ينتهي عند أسفل كوعـي بقليل ..

وأفسحت لي المجال للجلوس في المقعد الذي يُجاور النافذة الكبيــرة ..

كان الصمت والسكون قد خيّم على المكان من حولنــا .. ولا يُسمع سوى صوت دندنة كين بـِمَرح

توقفنــا بـِأمر من إشارات المرور التي قد أضاءت باللون الأحمَـر تُـلزم على الوقوف

وقفت آكي لحظتهــا وتتبعتُهــا بعيني لتجلُس بجوار ريو بهدوء مُبتسمة بغرآبة .. أشعُر بهالة غريبة مُخيفة تلتف حولهـا !

كانت تلعب بأطراف شعرها بدلآل وإبتسامة خجولة قد رُسمت على ثغرهـا .. بينما عينيها تحدقان في ريو الذي قد إبتسم

بهدوء إلا أن التساؤل كان جليًا على ملامحه بحيث أنه قد شعر بالفضول عن سبب كُل هذه الحركات كما شعرتُ أنا !

- إقترب الموعـــد .. !

- أيُ موعد ؟

قالها ريو بتساؤل ثم مالبث أن ابتسم ابتسامةً واسعة وكأنه قد تذكّر مايتحدثان عنه

- اوه .. نعم ، لكن قدمي قد كُــسرت .. لن أستطيع الذهاب رُبما !

- لا بأس .. صدقني لا مُشكلة في ذلك ، سيكون الذهاب لصالحنا .. أو لصالحك بالأحرى

كُنت أُنظر إلى الشوارع من خلف النافذة مُدعية الشرود إلا أن ذهنـي لم يكُن إلا مع الذيَن خلفي وأذني تستمع لحوارهما البسيط بحيرة شديدة

أيُ موعد ؟ أُريد أن أعــرف !!

أسندتُ كوعي على حافة النافذة وأناملي قد شقت طريقها لتتسلل داخل شعري الأسود لترفع غرتـي عن جبيني بهدوء وأنا أُفكر والفضول يكاد يُمزقنـي !

إن الفضول الشديد فعلاً داء .. وأتمنى أن أجد له قريبًا دواء !!

لم أعي وصولنا إلا عندما هزت رين كتفـي بقوة حتى خـِلتُها ستكســِره .. عنيفةُ جدًا !!!!

نظرتُ حولي .. لم يكُن لآكي أو ريو أيُ أثر .. حتى كين قد ترجّل من الحافلة وأصبحنا وحدنا !

نظرتُ إليها بغضب مُقطبة حاجباي .. كُنت سأهمُ بالصياح قائلة " مالذي تُريدينـهُ أيتُها المُرعبة " إلا أنني قد إزدردتُ لُعابي

بخوف وقد تصبب جبيني عرقًا ... مع أن الجو جميل جدًا

كانت تبتســِم بشــَر وشيطانية كأنها شيطانٌ غريب قد تجسد على هيئة مخلوق صغير " أشبهَ " بالإنسان



قلت والتردد قد طغى على صوتـي ليجعلهُ متقطعًا مُرتعشًا من الخوف

- ماذا دهاكِ !

- مي نو ري ! .. مارأيُك في حُــضور حفلة ستُقام في منزل أحد أصدقاء والدي ؟

- هاه ؟ حفلة ؟

أومأت بالإيجاب ، ما إن فتحتُ فمــي لأقول " لا " .. حتى قاطعتنـي بقولها بسُرعة

- رائع ... ستحضُرين إذًا !! .. سأجهز لكِ كُل شيء .... كُـــل شيء !!! ليس عليكِ سوى القدوم والإشراق .. ستلمعين بين الحشود ، سيرآكِ الجميع كالشمس الساطعة ، ستكونين كالنجمـة المُتألقة في السماء .. بل كالقمَر المُنير الذي سيأسر عيون الناظرين له .. ستُنيرين كُـل بُقعة مُظلمة تمُر فيها آكي لتمحيهــا من الوجود ..

ما إن إنتهت من جُملتها تلك .. أقصد نصها التعبيري الطويل !! حتى أعقبتهُ بضحكــة مُجلجلة جعَلتني أجزم أنها مجنونة فعلاً أو مُصابة بإحدى الأمراض النفسية أو العقلية .. لا شك في ذلك !

حمِلت حقيبتي بين ذراعي كالطفل الصغيــر وأطلقت لساقاي العنان حتى تنطلقا بحُرية لتنجياني من هذه الصغيرة

حمدًا لله أنها ليست معي بنفس الغُرفة وإلا .... لا أُريد حتى تخيُل ما قد يحدُث !

دخلتُ الفُندق من جديد .. كان عاديًا لا بأس به وبسيطًا جدًا يجلب الكآبة كغيره ، هه وكأنني قد زُرت فاخرًا قبله .. !

رُحت أتجه بخطواتي الباردة إلى المصعد .. ضغطت زر الصعــود وإنتظرت طويلاً حتىَ وصل وفُتح البابُ أمامي

رفعتُ رأسي وحَركته لتتحرك خصلات مُتمردة من على عينـي لأتمكن من الرؤية ببساطة

إبتسمتُ عند رؤيتي كين واقفًا بإحدى الزوايا ودخلت بهدوء

- هل ستذهب إلى مكانٍ ما ؟

- لا ! ، أنا فقط أتسلى بالصعــود والنزول عبر المصعد

- حقًــا ؟ هل هي هواية من نوع آخر ؟

- رُبمـــا !

ضحـِكتُ بخفة .. ياللحماقة ، بل ياللجنون .. ليس طلاب هذه المدرسة وحدهم مجانين ومعقدين .. بل العاملين فيها أيضًا !

نظرتُ للأعلى .. كان كُل رقمٍ يُضيء يدُل على أننا قد وصلنا لإحدى الطوابق ..

وغُرفتي تتواجد بالطآبق الخامس وها نحنُ ذا بالرابع .. لقد اقتربنا ،

عندما أصل سأُعــد لي كوب حليبٍ دافئ ثُم أنام ... سُحقًا لهذه الرحلة ولتذهب مدينة الملاهي للجحيم !!

- لستُ معتادًا على قول هذا .. لكن ، أرجوكِ إحذري .. لا تكوني فريسةً سهلة

- هاه ؟

مالذي يتفوه به .. ولـِمَ التحذير ، حسنًا ... هذا أشعرني بقليلٍ من التوتر فاكتفيت بهز رأسي إيجابًا والبقاء صامتة ..
أظن أن ذلك أفضل .

فُتح الباب وخرجتُ منه بسُرعة .. إلتفتُ ورائي لأراه واقفًا دون حراك فسألته بفضول

- ألن تخرُج ؟ هل ستُكمل هذه اللعبة السخيفــة

أومأ بالإيجاب وابتسم .. عجيبٌ أمرُه !

رفعتُ يدي لأودعه ضاحكة ثٌم أخذت أشُق طريقي لغرفتـي بمَرح وأنا أدندن بألحان حزينة لأغنية أعشقُهـا

دقآئق سريعة مرت إلى أن أصبحتُ واقفةً أمام باب غُرفتــي التي تشاركني فيها آكي وهيكارو

ما إن هممت لفتح الباب حَتى فُتح بقوة لتصطدم الحافة برأسي بقوة

- آآه .. سُحقـــًا

- آسفـــة .. هل تأذيتي ؟

- لا بأس هيكــارو ..

نظرتُ إليها بتعجُب .. كان يبدو انها تستعد للذهاب لمكانٍ ما

- هل ستخرُجين ؟

- ماذا ؟ هل ستظلين هُنــا ! .. سنذهب لنلعب يا فتاة فلتستعدي

زفرتُ مُستائة بينما أنا أدخُل للغرفة حتى رَميتُ جسدي بإرهاق على سريري المُريح وقُلت ببرود

- لن أذهب .. سأبقى هُنا لأنام وحَسب .. رحلة مُمتعة .. رافقتكما السلامة .. إلى اللقاء !

- كســولة !

قالتها آكي وهي تهُز كتفيها بلا مُبالاة .. ثم أخذت حقيبتها وانطلقت بصُحبة صديقتها إلى مدينة الملاهي مع باقي الطُلاب .

بكُل بساطة قد غفوت ، لم أنَل كفايتي من الراحة بالأمس .. لقد كُنت أفكر كثيرًا حتى استطعت النوم !

.
.
.

فتحتُ عينــي بهدوء وأغلقتها ثانيةً .. لا أستطيع تحمُل إزعاج هذا الطرق العنيف !

كان الباب يُطرق حتى يكاد يُكســر ..

صرختُ بقوة باستياء إمتزج بغضب واضح على صوتي

- سُحقــــــًا لك أنا قـــــــــادمة !

دخلتُ الحمام لأغسل وجهــي قبل الشروع في فتح الباب الذي سيُصيبني بالجنون

خرجتُ وأنا أعبث بشعري بعشوائية ثم فتحتُ الباب على مصرعيه من شدة غضبي وصرخت

- مــــــــاذا !

- مي نو ري !

نظرتُ للأسفل بسُرعة لأرى الشبــح واقفة أمامي مُبتسمة بشكلٍ فظيـــع .. رُعب ! رُعب حقيقـــي !

أبعدتني من أمامها وأخذت تمشي بخطواتٍ واثقة إلى داخل الغُرفة ..

تتبعتُها بنظراتي المذهولة إلى أن استقرت على إحدى الكراسي المُلتفة حَول طاولة صغيرة بالقُرب من الشرفة

أغلقتُ الباب بعد تنهيدة صغيـرة ونظرتُ إلى الساعة المُعلقة على الجدار

لا تزال التاسعـة وخمسٌ وأربعون صباحًا فقط .. لم أنَم سوى عدة دقائق إذًا !

رَميتُ كتلة جسدي المُرهق على السرير ثانية وأنا أنظُر إلى رين التي أخذت تُشاهد التلفاز ببرود ..

قُلت بتلقائية دون أن أُفكر بالجُملة التي قد إنطلقت من فمي

- لـِمَ أنتِ مُرعبة ؟

ياللأسف .. يبدو أنني قد نطقتُهـا بصوتٍ مسموع ، فلقد إلتفتت إليّ بسُرعة لكن مالبثت أن إبتسمت بهدوء

- هذه طبيعتــي .. فأنا هادئة جدًا ، أكره كل شيء مُلون .. وأكره الأشياء التافهــة .. كأفعال ريو – مثلاً - ، لا أستطيع تغيير شخصيتي !

- حسنًــا .. لم أقصد قول ذلك

- أعلم .. لذلك لا بأس ، هذا السؤال لم يعُد يجرحُ مشاعري

لم يعُد ؟ إذًا فلم أكُن أول من يسألها هذا السؤال ؟ ...

اووه مهلاً ... يا إلهي إنها تشعُر ! ... بصراحة ، أحيانًا إن فكرتُ بالأمر أحس أنها معدومة المشاعر والأحاسيس

لكن .. رُبما هيَ تُخفي شيئًا ما عجيب يجعلها هكذا لم تُظهره لأحَد .. من يدري !



~

فزعت وكاد قلبي أن يسقُط أرضًا عند سماعي صوت الباب يصطدم بالجدار بقوة وشخص ما يصرُخ

- موو ها ري جا تي !

لم أتحرك ساكنة من على السرير كالميتة .. إنني مُتعبة لدرجـة لا تًصدق

وقفت ريــن بهدوء واقتربت مني

- مي نو ري ! ماذا بكِ ؟

- لا شيء .. فقط مُتعبة .. قليلًا ، ثٌم ما بال هذه اللهجة الغريبة التي تقطعين بها إسمي ؟

إبتسَمت دون تعليق وراحت تجلس مرةً أُخرى على الكُرسي متجاهلة سؤالي !

إقترب ريــو من سريري وأخفض رأسه قليلًا ليكون مواجهًا لي تمامًا ثم قال

- اوه مينــوري مُتعبة ؟ أين كيف متى ؟ لماذا ؟ ماذا !

- إخرس أيها المُزعج .. رأسي يكاد ينفجــر

زم ريو شفتيــه باستياء كالأطفال وهَــز رأسه بالموافقة وابتعَد ليجلس بالسرير المُجــاور لي

- أشعُر بالمَــلل .. عـِندما علـِمتُ أنكِ لم تذهبي قررتُ المجيء إليكِ

- لـِمَ إليّ بالذات ؟

- لإفتعال المُشاجراتِ والمشاكل بالطبع !

- هه رائع !

قُلت آخر كلمة لديّ بسُخرية وأغمضت عينيّ حتىَ أغفو قليلًا .. دقيقتين على الأقل ،

لكن .. إن كانا هذان الاثنان معي .. فمن المُستحيــل أن أنعَم بالراحة !

- آه .. لا أُصدق أن جدي سيأتي السبت القآدم .. سيكون الأمرُ مُملا ولن أستطيع الهروب من الحصص

لقد كـُنتُ شبه نائمة .. أستطيع سماع مايقول إلا أنني أعجز عن إستيعاب كلامه بسُرعة إلا إن دققتُ به

- مينــوري .. كفاكِ كسلاً ، لقد كُنتِ نائمة بالأمس كُـلِه وكأنكِ أحد الدِببة في سُباتها الشتوي !

وضعتُ كفيّ على جبينــي لأبعد خصلات شعري عنه وأغمضت عيني ثم قُلت

- لا أعلم .. لكنني أشعُر بإني لستُ بخير !

أخذ ريو عكازيه ووقف بحذر .. ثُم رمىَ بثقل جسمه على سريري ووضع عكازيه بجانبه ..

رفع يدهُ للأعلى وقربها مني .. شعرتُ بالخوف قليلًا وقد أحسست بوجهي يحترق .. لابد أنني أصبحتُ كحبة طماطم الآن

- مالـذي .. سـ .. ـتفعلُـه !

أمسكتُ بيده قبل أن تصل إلى وجهي .. ونظرتُ إليه بفضول ، كانت ملامحهُ باردة ليست كما هيَ العادة

أمرني بترك يده قائلاً بهدوء

- إترُكيها

فعلتُ كما أراد وتركتُهــا ليتحسس جبينــي ..

- لستِ مُصابة بحمىَ ، هذآ جيّــد !

أشحتُ بوجهي عنه بعيدًا وقطبتُ حاجباي بإنزعاجٍ كالأطفال

- أعلم .. أنا فقط أحتاج للنوم

- لكن .. من سَيُسلينــي ؟

قَسّمتُ شعري لنصفين وشددتُهما بقوة حتى شعرت أنني قد أقسِـم رأسي بسبب ذلك !!

وما شأني أنا به ؟ هوَ حتى لا يهتمُ إن كنت فعلاً مُتعبة أم لا .. مايُهمه هو اللعب والحصول على المُتعة

قُلت مُتذمرة بهَمس

- سُحقــًا لك !

نهضتُ من السرير ووقفتُ بسُرعة وكان كُل من الأخوين ينظران إليّ بفضول

قُلت لهما وأنا أُرتب قميصي الاســود بهدوء

- سأذهب لشراء شيء يُمكننــي أكله

- لا تنسينــي يا عزيزتــي

نظرتُ بنظراتٍ غاضبة تكاد تخترق ذاك الريو الذي كان يبتسم بطفولية .. ومع ذلك تلك الابتسامة لم تُفارق شفتيه !

- لقد أنقذتُكِ من الموت ! أهذا جزائي ؟ نظراتٌ مُخيفة ومُعاملة وحشيّــة ؟!

- آوه ماذا ؟ هل ستذُلني الآن وتجعلنـي " مُهــرجة " فعلاً لديك لأنك قُمت بإنقاذي مرة فقط !

أمال رأسهُ للجانب الأيمن وابتسَم بثقة وغرور

- ماذا عن اللصوص ؟ ألم أنقذ حياتكِ تلك المرة أيضًــا

حآولت قدر الإمكان كتم غيظي فأغمضت عيني لفترة حتىَ أُقاوم شعور الغضب الذي إجتاحني ،

مشيت متجاهلة وجودهما وأغلقت الباب بقوة خلفي بعد خروجي ..

لا أعلم لِمَ في كل مرة أفكر فيها بإنني سأتجاهلَه .. أحس بإنني أنجذب إليهِ أكثر !

أنا لَم أعرفه سوى لفترة قصيرة .. قصيرةٍ جدًا ، فكيف أتأثر لهذه الدرجة ؟ عجــــيب !!

إبتعدتُ عن الباب – الذي كُنت أستند عليه منذ لحظات – لتأخذني خطواتي الواثقة إلى المـِصعَد

كان يُفتح شيئًا فشيئًا إلا أنه لم يكُن هنالك أحدٌ بالجوار .. كيف ؟

ذهبتُ إليه إلى أن وقفتُ أمامه مصدومة بشدة

- كيـــن ! مازلتْ تُمارس هذه الهواية الخرقاءَ إلى الآن ؟

ضحِـك بخفة و كان من الواضح أن ضحكتهُ تلك إمتزجت بالسُخرية .. إلا أنني لا أدري لـِمَ !

دخلتُ إلى المصعَد لأقـِف أمام كين مذهولة بالفعـِل .. كان يضغَط جميع الأزرار مرةً واحدة وبشكلٍ مُتتالي كالأطفال

- هَوس ؟

- ماذا ؟

- مهووس بالأزرار ؟!

- كلآ !

إكتفى بتلك الكلمة البسيطة لتكون جوابًا على سؤالي ، ثُم زفر زفرة مَلل واضح وضجر

فتحتُ فمي للبدء بسؤالٍ آخر إلا أنه قاطعني بقوله

- أشعُر بالضجَــر .. كأن الأيامَ كُلها إتفقَت أن تكون كبعضها !!

نظرتُ إليه بتعجُب .. لم أتوقع أن جُملة كتلك ستخرُج من شخصٍ مثلـه ..

لم أستطـِع النُطق بشيء قد يُخفف من إستيائه لذلك إكتفيتُ بهز رأسي بالإيجاب ..

ما إن تراجعتُ قليلًا للوراء لأرتاح بظهري على مرآة المصعد حتى توقف فجأة وبدون سآبق إنذار !

إخترق السكون من حولنا صوتُ إحتكاك ...

أصبح القلق يتسلل إلي ببُطء .. كُنت أُدوُر بؤبؤتا عيني في محجرهما بفضول وسُرعة وكأني أترقبُ شيئًا ما

بدون أن أشعُر أصبحتُ قريبةً جدًا من كين حتى كدت ألتصق بـِه ..

- هذا غيرُ جيّــد !

- لا تضطربي .. فقط إبقي هادئة .. كُل شيءٍ على ما يُرام .. حدث ذلك قبل قليل وعاد للحَركة بعد عدة دقائق

نظرتُ إليه والدموع قد حُبست بعينــي .. ولو كان بإمكانيَ ذلك لصرختُ بوجهه " أنت مُنحرفٌ مغفل ! "

قُلت بهدوء بصوتٍ مُرتجف

- حـ ... ـسنًـا !!

ضغَط زر الطابق السُفلــي عدة مرات .. إلا أنهُ لم يحدُث شيء

- إستعمل هاتف الطوارئ .. أو أيًا كان

نظرَ إليّ تارةً ثُم إلى السماعة الحمراء الصغيرة المُعلقة فوق الأزرار تارة أُخرىَ ورفعها

- لا تعمَـــل !

- مـــــــــــاذا ؟

صرخت بتلك الكلمة بوجهه وأنا أشُد ياقة قميصـِه بعُنف وغضب والدموع قد أخذت تجري من عينيّ بغزارة

" سـأموت " .. عـِبارة أصبحتُ أرددها بتتالي والخوف قد طغى عليّ بالكامل ، لم أكُــن أفكر بسواه ... بالموت !

حَل الصمت فجأة ليكون سيد الموقف ..

إقتربتُ من كين بثقة وخطواتٍ ثابتة وإبتسامةٌ واسعة قَد رُسمت على ثغــري ..

رأيتُ ملامح الإرتياب والقلق بادية على وجهه الوسيــم .. وبهذا إتسعت إبتسامتي أكثر !!

- حُــلم ، أليس كذلك ؟

- حُلم ؟ مينــوري !!

كان يبتعدُ للوراء كُلما إقتربتُ منه شيئًا فشيئًا وكأنني أهُب للقضاء عليه

- للتو كُنت أريد أن أغفو وريو بجواري .. سأستيقظ بسبب صُراخهِ المُزعج وثرثرته التي لا تنتهي .. صحيح ؟

- توقفــي !

صُدمت أشد صدمة .. عندما تلقيت تلك الصفعةُ القوية منه بعدما نطق آخر كلمة من فمه .. والتي قَد جعلت كامل وجهي يلتفُ للجهة اليُمنى

قال بغضبٍ لأول مرة ألحظه عليه

- كان ريو صادقًــا عندما وصفكِ بالجبانة البلهاء ، أموقف كهذا يجعلُكِ ضعيفة .. !

أمسك كتفيّ بيديه القويتيــن وحدق بعيني مُباشرة .. لقد كانت عيناهُ تلمع ببريقٍ عجيب

- أكره الضُعفاء ، كونــي قوية ... فبهذا الشكل سيتم القضاء عليكِ بسهولة .. ستكونين فريسةُ سهلة !!

صرختُ بقوة حَتى ظننتُ أن صوتي قد يختفي نهائيًا من بعد تلك الصرخة

- سأكون فريسة من ؟ أنت أحمق .. أنت كاللــُغز .. لا أستطيع فهمَــك !!!

من بعد ذلك خارت قواي وسقطتُ أرضًا ثُم .. بكيت ، وبكيت .... وبكيت !

قُلت من بين بُكائي وشهقاتي الموجعة ويداي تتحركان في الهواء بعشوائية من شدة غضبي

- أنا فعلاً ضعيفة .. لا يُمكنني تحمُل أي شيء ... خصوصًا إن كان الأمر يتعلق بالموت ، أنا .. لستُ خائفة منه لأجل

نفسي .. بل من أجل جدي الذي سيبقى وحيدًا عاجزًا إن مُت .. صحيحٌ أني بعيدة لكن يُمكنني الإتصال به ، يُمكنُني زيارتُه ،

لكن .. إن مُت ... فلن أبقى بجانبه ، ومايُزيدني ألمًــا هو قوله الذي يتردد صداه بأُذني دائمًا

" الوحــدة أكثر ما أخشاه ، إن فقدتُــك فلن أعيش بسلام .. وربما لن أعيش أصلاً ! "

شعرتُ بعد آخر كلماتي بذراعٍ تُحيطنــي ، شعرتُ بحُضن دافئ للمرة الأولى في حياتي أُحس به !!

سمـِعتُ عنه ، مـِنْ صديقاتي .. أو التلفاز .. أو بالقصص والروايات .. عن هذا الشعور الغريب والجميلٌ جدًا بالوقت ذاته

عـِندما تلُف الأم إبنتها بكُل عطف بين يديها .. لتغمُرها بالحنان وكأنها تقول ( أنا هُنـا .. لن يؤذيكِ أحدٌ مادُمت بقُربكِ )

هكذا شعرت .. وكأن كين قد قال هذه العبارة لي !

أحسستُ أنه قد كانت لدي طاقةً هائلة من الحُزن قد فُرغت للتو .. قد خرجَت وأتمنىَ ألاّ تعود

أردتُ رفع رأسي قليلًا إلا أنني لم أستطع ذلك .. كان كين يضعُ ذقنه عليه ويمسح على شعري بهدوء

شددتُ قبضتي على معطفهِ الأبيض القُطني بقوة لأطلب منه عدم تركي .. أنا لا أُريد أن أصحو .. إن كان حُلمًا !!

فجأة .. أصابني الذهول وأحسستُ أن قـِدرًا .. لا بل برميلًا من الماء البارد قَد صُب علي مرةً واحدة ..

فلقَــد وصلنـا إلى الطابق السُفلي دون أن أشعُر .. وقد فُتح باب المصعــد كاملاً .. لأرىَ ما لم أتمنىَ رؤيتــه !!

أٌتمنــى فقط لو تنشَق الأرض وتبتلعنـي على أن أُرى بهذه الحالــة !!!

[ أنتِ جميلـة ]

فجأة .. أصابني الذهول وأحسستُ أن قـِدرًا .. لا بل برميلًا من الماء البارد قَد صُب علي مرةً واحدة ..

فلقَــد وصلنـا إلى الطابق السُفلي دون أن أشعُر .. وقد فُتح باب المصعــد كاملاً .. لأرىَ ما لم أتمنىَ رؤيتــه !!

أٌتمنــى فقط لو تنشَق الأرض وتبتلعنـي على أن أُرى بهذه الحالــة !!!

- مـ ... ـينورر ي !

كانت تقف آكــي وهيكآرو مذهولــتان مما تراه أعيُنهمــا ، لا ألومهمـا فمن لن يُصدم إن رآني هكذا ؟!

دفعتُ كين بعيدًا عني بقوة ووقفتُ مُنتصبة بسُرعة ..

مررتُ بجانب آكي عندما مَشيتُ قاصدةُ باب الخروج إلا أنها أوقفتني بإمساكها لذراعي ، ثم قالت مُتسائلة

- ماهذا ؟

- ماذا ؟

- الذي رأيتُه للتو !

قُلت بلهجة باردة والملامح الجامدة قد رُسمت على وجهي

- فقط .. لا أعلم مالذي حدث إلا أن المصعد قد توقف فجأةً وشعرتُ بالخوف ، وساعدني كين ..

- أمُتأكدة أنكِ لم تحذفي الكثير من التفاصيل ؟

نظرتُ إليها بنظراتٍ حادة تحمل معنى " وما شأنُــكِ ؟ " ، فتركت يــدي لأمشي بعيدًا حيثُ باب الخروج

آكي ، شيئًا فشيئًا بـِتُ أبغُضها ، تصرفُاتها أصبحت مُستفـــزة لا تُطاق !

أسرعت بخطواتــي إلى أن خرجتُ من الفندق أخيرًا .. ليصطدم الهواء العليل بخصلات شعري فيتطاير بنعومة

طأطأتُ رأسي بتفكير في الذي حَدث للتو .. ماكان يجبُ عليّ دفعُ كين

حسنًا ، من الأساس كان خطأً كبيرًا مني أن أنفجر وأبكي أمامه

- سُحقــًا كم هذا مُزعج !

نظرتُ إلى ساعتي التي كانت تُشير إلى الثانية عشرة تمامًا .. مر الوقت كلمح البصر !

لكن .. كيف لآكي وهيكــارو أن تتواجدا هنا ؟! لقد قالتا أنهما ستذهبان مع باقي الطُــلاب ..

تنهدتُ بضجــر وقُلت بهمس لنفسي

- لا أظن أن ريو قلقٍ عليّ الآن ، أو رُبما هو قلق بشأن الطعام الذي ينتظره فقط !

إبتسمتُ بيني وبين نفسي مُطأطأة رأسي أنظُر إلى حذائي الأبيض البسيط ..


~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~


خرجتُ وبحوزتي أكياسٌ كثيرة مُعبئة بكل ما يُمكن أكلُـه .. وتُمسك يدي بحليب الفراولة الذي أعشقُـه جدًا

مَشيتُ وأنا أُحدث نفسي بحيرة وجدية في آن معًا ..

- أُحس أنني قد أصبحتُ أميل إلى ريو كثيرًا .. وكأنني بدأتُ أعجب به ... هذا إن لم أكُن أُحبه !!

تنهَدت بعُمق ، فبمُجرد التفكير بهذا الأمر يجعلنــي تعيسة

شخصية البطل فيهِ تُعجبني ... لكن الجانب الآخر من شخصيته مُستفز يجعلنُـي أصاب بنوبة من الغضب العارم في لحظات !

كما أن مُزاحهُ ثقيل وتصرفاته مُحرِجــه ..

عيُوبه كثيرة .. فكيف أُحبه ؟

كم هذا صعب !

وصلتُ إلى الفُندق دون وعيّ مني أو شعورٍ باللحظات التي قد مرت وأنا أمشي فيها للوصول ..

دخلتُ لأرى ريو قد خَرج من المصعد الذي كُنت به مع كين قبلاً

إقترب مني بغضب وهو يُحاول الإسراع بعكازيه للوصول إليّ

- مابكِ أيتها الخرقاء ، لــِم تأخرتي ؟ لقد شعرتُ بالخوف !

- تخاف من ماذا ولماذا ؟ إن الطعام بخير .. أقصد لقد أحضرتُ لك شيئًا تأكله فلا تخف

- أيتُها الغبية لقد خــِفت عليكِ ... !

ضحِكتُ بسُخرية وقلت

- لا تُحاول الكذب ، فأنا أعرفُك ..

- لا ، لا تعرفيني !

- بلى ...

- كما تشائين .. إذًا فالتكن نظرتُكِ لي سيئة ، فهذا لا يُهمني حقًا ..

نظرتُ إليه بغضب وألقيتُ بالأكياس جميعها في وجهه .. مُستفز ! ، صعدتُ السلالم خوفًا من أن يعلق المصعد بي وحدي هذه المرة ..

أخذتُ أتمتم بعصبية وعند رفعي رأسي لأعلى رأيتُ كين يضحَكُ ببساطة والسيجارة موضوعة مابين شفتيه كالعادة

قُلت بتعجُب وقد إحمــر وجهي بالكامل

- لـِمَ تضحك ؟

نزل السلالم بسُرعة ليترُكني خلفه غاضبة وهو يقول

- لا شيء لا شيء !


~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~


إنها الساعةُ الرابعة عصرًا .. وها نحنُ ذا نركب حافلاتنا لنعود أدراجنا ، أخيــــرًا !

شعرتُ وكأنني في حُلم قد تحقق بعد جُهد إستمر لسنين طـِوال .. كم يُسعدني ذلك ،

صعدت الحافلة بهدوء وكُل طالب جلس بمكانه السابق .. كما أن ريو عاد لغـناء أغنيته السخيفة السآبقة

أتمنــى فقط أن نصل بسُرعة لكي أتخلص منه ... لكن أعتقد أن ذلك مُستحيل ، سيلتصق بي كالغرآء وأنا واثقة !

~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

حسنًــا ، لن أتطرق إلى اليومين السابقين .. بما أنه لم تحدث أحداث جديدة تستحق الذكر

وسأكتفــي بهذا اليوم ... يوم السبت ، بداية ( التعــاسة )

خَرجتُ من غرفتي ثُم أغلقت الباب خلفــي بهدوء ..

- ها نحنُ ذا نبدأ من جديد .. سُحقًا !

- مي نو ري !

لم ألتفت خلفــي .. فقط نبرةُ الصوت تلك التي تجعل القشعريرة تسري بجسدي .. تجعلني أعرف صاحبتها فورًا

- أهلاً رين .. صباحُ الخير !

تقدمتُ بضع خطوات وتقدمت هيَ الأخرى بجانبي .. لنتجه إلى صفوفنــا مع باقي الفتيات

قالت بعد فترة صمت

- سيأتي جدّي اليوم !

أومأت إيجابًــا دون إجابتها .. لستُ بمزاجٍ جيدٍ للحديث

لكن سُرعان ما ابتسمتُ بفرح وقُلت لها

- إذًا .. لن يكون ريو المُدير .. ذلك رائع !

وافقتني رين بابتسامة هادئة مع هزة بسيطة لرأسها ... ،

دفعتُ الباب بحُرية ثم دخلتُ إلى الفصل وأنا أتثاءب واضعة يدي على فمي

لمـِحتُ ريو يجلسُ على كُرسييّ ينظُر إلى ماخلف النافذة بشرود .. ليسَ ذلك مـِن عادتـِه

عِندما اقتربت .. رأيتُ تلك المُتعجرفة تجلـِسُ بجانـِبه .. آكي !

وقفتُ خلفها .. علّها تشعُر بقدومي فتذهب .. رؤيتها فقط تجعلني غاضبة !!

- لا يحق له فـِعلُ ذلك ! كيف يصفعُك بقوة هكذا ؟!

سمعتها تقول تلك الجملة التي جعلت ريو يلتفت ببرود إليها ثُم نظر إليّ

توسعت عيناي إندهاشًا عندما لمحت أثر صفعة على خده الأيمن

وقف بهدوء ووقفت آكي بعده بسُرعة لتصطدم بي بقوة حتى كدت أقع !

عقدت حاجباي غضبًا فأبعدتُها بقوة بشدي لطرف قميصها ثُم جلست على كُرسيّي متجاهلة وجودهُما

نظرت آكي إلي بغضب ثُم قالت مُزمجرة

- حمقآء ماذا بكِ ؟ لم أكُن أعلم بوجودك حتى

أخذتُ خصلة من شعري ولففتها حول إصبعي بدلآل ثم قلت

- لا يُهمني ..

نظرت إليّ بغضب وهمّت لتُهاجمنــي رافعة يدها لتصفعنــي ..

إلا أن ريو قد صرخ قائلاً بأمر

- كفــى !

إبتعدت آكي بعد فترة من الصمت وفي عينيهـا حقد وآضحٌ جدًا .. لكنني لا أكترث فعلاً !

مرت الدقآئق سريعة كلمح البَصــر .. والجميعُ يحدق إلى ريو بقلق .. مما جعَــل الفضول يطغى على أفكاري

أصدرت صوتًا بحنجرتي لألفت إنتباههُ ثُم قلت

- مآ سبب ...

- لا تتدخلــي !

قآلهآ بحدة مُقاطعًا سؤآلي مما جعلني أتردد واشعر بتوترٍ كبيــر ..

لكننــي سُرعان ماقُلت بغضب

- فليكُن .. فأنا لا اهتم !!

- جيد .. فأنا لا احتاجُ إهتمامكِ ..

نظرتُ إليه وقد فغرتُ فاهي تعجُبًا .. ثُم قلت ببلاهة

- ماذا ؟ هل هيَ حبيبتُــك ؟

لا إجآبة ! .. أظن بإن صمته يعني ( نعم ) .. لابُد أن صديقتَه قد صفعتـه لأنها قد شعرت بغيرة شديدة من مُعجباته ، أو ربما قد خانها أو ربما ... !

- يُمكننــي سمآعُكِ .. هل يُمكنكِ التفكير بشأن الصفعة بصوتٍ مُنخفض بحيثُ لا يُمكنني سماع همسكِ !

خجِـلت كثيرًا فطأطأتُ رأسي مُتحاشية النظر إليه لكنني قُلت بتردد بعد فترة صمت ..

- حسنًا .. يُمكنك إخبآري متى شئت ، رُبما يُمكنني إصلاحُ الأمــر

هَز رأسه إيجابًــا إلا أن ملامح اليأس جليّة على وجهه ..

رنّ جَرسُ الحصة الأولى اخيرًا ليُعلن عن بدئها ..

وأثناء ذلك قآل لي ريو ببرود دون النظر إليّ

- رُبما .... يُمكنكِ مُساعدتي !

شعرتُ بفرحة غامرة قد تسللت إلى قلبي فجأةً فقُلت بسرور

- حقًــا ؟! كيف ! هل تُريدنــي أن أُحادثها ..

ضحــِك ريو بخفة ثُم قال

- الأمر لا يتعلق بفتاة .. لم تستطع أي فتاة حَتى الآن أن تمتلكنــي !!

ثُم إقترَب منيّ بهدوء وهَمس بأذني

- ســِواكِ !

شعرتُ بأن الدم كُله قد تجمع بعروق وجهــي ليجعلهُ كحبة طماطم مُشتعلــة بشكلٍ عجيب ، فدفعتهُ بقوة عنيّ لأقول صارخة

- يكفــي ..

ضحــك بقووة وهو ينظُر إلى وجهــي بـِفَرح ثُم قال

- يُعجبني النظر إلى وجهكِ وانتِ غاضبة .. أشعُــر براحةٍ عجيبة !!

- سُحقــًا لك هذا ليس مُضحكًا البتة

صَمت قليلاً وهو ينظُــر إليّ بشرود

- في الفُسحة .. يجبُ ان أحادِثكِ !

قبل أن أنطق بحرفٍ واحد .. رأيتُ مسطرة خشبية طويلـة قد ضُربت بقوة على طاولتـي فجأة مما أثار فزعي

رفعت ببصري لأعلى لأرىَ مالم أتمنى رؤيتَــه

- مارأيُكمــا بإكمال حديثكما المُمتع هذا في الخارج .. إن لم تكُن الحصة مُهمة لكمُــا !!

إزدرأت لعابي بتوترٍ ثم قلت بتردُد دون النظر إليه

- آسفة أستاذ ..

- لا بأس ، فأنا أعلمُ أنكِ طالبة مُهذبة ..

ثُم أشار بمسطرته العجيبـة نحو ريو قائلاً بغضب

- إلا أن هذا المُشاكس يُريــد تحويلكِ إلى فتاة مُشاكسـة لكي أُجن ! إلا أن ذلك مُستحيل ، لن تستطيع يا ريو صدقني .. !

فأطلق بعد جُملته الطويلة تلك ضحكة إنتصار مُجلجلة جعلتنـي أضحك رُغمًا عني

قال ريـو بنبرة مُستهترة تصحبها ضحكة خفيفة

- لا أحتاج لفعل ذلك .. فلابُد أنك قد جُننت فعلاً قبل أن أفعل اي شيء

- أتعلم ؟ مايُدهشني حقًا ، أن درجاتك دائمًــا ما تكون مُمتازة !!

- بسيطة يا أًستاذ ، السر في ذلك أنني أملـِك عقلاً ذهبيًا ، وذكاءً حاد .. " وقال بغرور " وربمـا وسامتي لها دور كبيـر ايضًا

رأيتُ الاستاذ قد إحمَر وجههُ غضبًا وهو يرى إبتسامة ريو الوآثقة .. فأخذ يضرب بمسطرته تلك بخفة على رأسِ ريو ثُم إبتسَم فجأه مما أثار تعجُبي

- فتى مُشاكس !!!

حَك ريــو موقع الضربة بإنزعاج وهو ينظــُر للأستاذ بغضب ثم قال بهمسٍ مسموع

- آه عنيــف جدًا !

سألتُه بعدمـا عاد الأستاذ للشرح

- مابه ؟ وكأنه مُصابٌ بمرضٍ نفسي

- نعم إنفصام بالشخصيـة !

- حقًــا ؟

- لا تُصدقي فقط أمزح !

زفرتُ بإنزعآج ونظرتُ نحو الاستاذ الذي كان يوجه نظراته الحادة إلينا بقوة مما جعل قشعريرة غريبة تسري بجسدي ،

في النهآية .. رن جرس إنتهاء الحصــة أخيرًا .. وهكذا مع بقية الحصص الأخرى إلى أن حانت اللحظة التي كُنت انتظرهــا منذ البداية .. الفُسحة !

نهضتُ من على الكُرسي بنشآط وقُلت لريو بنظرآتٍ يملؤها الفضول واللهفة

- ستُخبرني الآن ! هاه .. الآن صحيح ؟

- نعم .. لكن إبقي هادئة .. بهذه الحماسة تبدين كطفلة حمقآء في الخامسة !

نظرتُ إليه بإنزعاج إلا أنني إكتفيت بهز رأسي موآفقة

مشينــا سوية إلى السآحة الخآرجية وجلسنآ على إحدى الكرآسي الموضوعة بعشوآئة هنآك ..

قُلت له بحمآس وفي جوفي طاقة هائلة لا أعرف ماهي .. أو حتى لـِمَ أُحس بها ؟

- هيّــا ! تحدث .. قُل قُل

رأيتُ نظرآت الإستغراب واضحة كوضوح الشمس على وجهه مما جعلني أنظُر بعيدًا بخجل .. لكن ماشعجني للنظر إليه من جديد كانت ضحكتُه الرنانة التي أطلقها

- حسنًا حسنًا .. لكنْ ، عديني ألا تخذلينــي .. فأنا فعلاً .. أحتاجُكِ كثيرًا مينوري !

عندما قآل آسمي .. شعرتُ بقلبي سيخرج لـِوهلة .. وكأن أحدًا يُحاول نزعه من مكآنه .. شعُور مُخيف إلا أنه .. وياللغرابة ! قد أسعدني !!

حَل الصمتُ بيننآ ليكون سيّد الموقف .. كآن يُشبك أنامله ببعضهآ بتوتر وآضح جدًا .. ونظرآتُه القلقة كانت تُوزغ في الأرجاء .. فأحببت أن أشجعه بقولـي

- لا بأس .. تأكد أنني سأكون في صفـِك .. سأسآعدُك !

ابتسم بغموض ثُم قآل بلهجة غريبة

- أنتِ غريبـــة !!

دُهشت !! .. غريبة ؟ ، نظرتُ إليه بتفاجؤ ثُم صُحت

- لــِمَ ؟ مالغريب فيّ !

قآل وهو ينظر بعيني مُباشرةً

- لا أعلم ، فرُغم علاقتنآ البسيطة .. أو لأكون شديد الوضوح ، رُغم الفترة القصيرة التي عرفتكِ بها إلا أنني أثقُ بكِ أكثر من أي شخص



كانت مكتوبــة بخطٍ كبيــر وواضحٍ ، شعرتُ برغبة مُلحة في البُكــاء .. مالذي فعلته لأستحق هذآ ؟

سُحبت الورقة مني بخفة بينما أنا أنظر إليها ..

- ريو .. أعدها لي !

- أنتِ قبيحــة ؟ من الاخرق الذي كتب هذا !

تعجبتُ حقًا عندما لاحظت غضب ريو الشديد عندمــا قام بتمزيق الورقة بقوة وجعلها اشلاء متناثرة

- لا تجعلـي أشياءً لا قيمة لها تؤثر عليكِ ..

أمسك بقلمـه وأخذ يكتُب على دفتــره بسُرعة ثُم أعطاني إياه لأقرأه

[ لم أكن سأرآفق فتاة قبيحة إلى الحفلة أبدًا .. لذلك لا تكترثي ، فأنتِ جميلـــة ! ]

وآه ! قلبــي .. لن يخرج ، بل أجزم أنه قد خرج من قوة نبضـه الذي يأبى السكون من بعد تلك الجُملة !

ظللتُ فترة لا أعلم طولها .. لكنني بقيت شآردة أقرأ تلك الجُملـة عدة مرآت .. لا أريد أن أنساها ، أريد أن تبقى في ذهني كما هيّ .. دون أن أنقص منها حرفًا واحدًا !

ربما ردة الفعل تلك حمقاء .. حينما رُسمت إبتسامة وآسعــــة مرحة على ثغري .. وكأنني قد جُننت ، لكن لا يُهم .. لأنني شعرتُ حقًا بفرحة غامرة ..

نظرتُ إلى ريو .. كان ينظُر إليّ هو الآخر وإبتسامة هآدئة على مُحيآه ..

أعدتُ إليه دفتــَره دون أن أقول شيئًا ..

~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

الآن ، إنها السآعة السآبعة مسآءً .. لم تبقى سـِوى سآعةٍ واحدة ..

إنني في منزل إحدى صديقــاتي القديمات آللاتي كُن معي في المدرسة السآبقة ..

جلستُ على سرير " آن " التي كانت تُخرج لي من خزانتها عدة فساتين لأختار إحداها للحفلة

لم يُعجبني سـِوى واحدٍ فقط شعرتُ أنه الأفضل والأكثر مُلاءمة لي .. إلا أن " آن " رفضت كُليـًا أن ألبسه بزعمهـا أنه قبيح جدًا ولا يُلائم الحفلات الراقية !

وفي النهاية .. لقد أرغمتنــي على إرتداء فستان بُرتقالي قصير - وكم أكره هذا اللون ! - .. يصل إلى أعلى رُكبتيّ

كان بسيطًا جدًا .. فقط قطعة قُماش صُممت لتكون ثوبًا خاليًا من أي إضافات ،

نظرتُ إلى المرآة المُعلقة على الجدآر وقُلت لها بفضول وأنا أحتضن وجهي بكفيّ

- ألن أحتاج لوضع بعض المساحيق على وجهي ؟

- كلا .. فأنتِ جميلـة بطبيعتكِ .. لا تحتاجين لذلك !

جميلـــة ... تلك الكلمة البسيطة جعلتني ابتسم رُغمًـا عني .. تذكرتُ جُملته ، أسعدتنــي كثيرًا !!

أومأت بالإيجآب .. وأخذت منها حقيبة سودآء صغيـرة أحملها بيدي ..

أما شعري .. فإكتفيت بوضع مشبكِ بُرتقاليّ صغيــر بأعلى أذني اليُمنىَ ..

وقفتُ أمامهــا بتوتر وقُلت

- هل أبدو جيدة ؟

ابتسمت بسعادة ثُم قالت وهي تغمز لي

- بل رائعــة ..

إقتربتُ منها وعانقتهــا بقوة .. إنها فعلاً صديقة حقيقية .. لطالمــا كانت بجانبي عند إحتياجي لها !!

- أشكُركِ ..

ربتت على ظهري بقوة ثم قالت ضاحكـة

- لا شُكر بيننا عزيزتي .. وكفاكِ توترًا .. فأنا أشعُر بجسمكِ يرتجف ، الأمر ليس مُخيفًا لهذه الدرجة .. فقط ستقفين بجانبه وتصافحين الجميع لا أكثر .. وارسمي إبتسامة لطيفة على فمك .. هذا كل مافي الأمر !

- هكذا فقط ؟ مُتــأكدة !

- آه ، أظن ذلك ..

إبتعدتُ عنها بتردُد .. ونظرتُ في عينيهــا اللتان كانتا تمُدانني بطاقة وشجاعة غريبـة ..

تتبعتُهــا لتُرشدني إلى طريق الخروج ، هممتُ بالذهآب لكنها إستوقفتني بقولها

- كوني حذرة ، إن إحتجتي إلى شيء .. يُمكنكِ الإتصال بي .. سأبقى مُستيقطة طوآل الليــل !

أومأت رأسي بالإيجآب وخرجــت بسُرعة ..

~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

آوه لآ .... سُحقــــــــــــًا !!

إنها السآعة الثآمنة تمامًا .. تأخرت ، يا إلهي تأخرت !!!

لقد أضعتُ الطريق .. لقد نسيتُ وصف ريــو ، ألم يقُل أن أتجه يمينًا عندما أرى مُفترق طرق ..

ربآه .. ماذا سأفعل الآن ..

كما أن هذا المكان .. يبدو وكأنه مهجــور منذُ فترة ليست بالقصيرة أبدًا !

المكان مُظلمٌ جدًا .. لا توجد سوى عدة أعمدة إنارة قليلة لا تكفي لتُوضيح الرؤية ..

وقفتُ منتصبـة بفزع عندمـا سمعت صوت حركة يصحبهــا زمجرة مُرعبـة ..

إلتفتُ خلفــي بقليل من التوتر .. وياليتنــي لم أفعل !

- كلــب ! .. هذا ماينقصُنــي ..

عدت للنظر أمامي بسُرعة .. وأخذت أمشي بهدوء .. بحركة بسيطة هادئة .. لا أريده أن ينفعل أو .. يلحق بي بمعنى أدق !

أخذ ذاك الكلب بالنُباح بصوتٍ قوي جعل القشعريرة تسري بكامل جسدي .. فما كانت ردة فعلي اللا إرادية سوى الركض بعيدًا لأنجو بحياتي

آلركض حيث لا أعلــم .. لكن أتمنى فعلاً أن أجد احدًا هُنا يسمع بُكآئي وصرآخي فيُنقذني !

نظرتُ ورآئي .. كان يلحقُ بي بسُـــرعة .. ليصل إليّ .. ربآه ، سأموت .. سأمووووت !

- آه ..

لقد تعثرت .. تلطّخ فستاني بالطين وقد كُسر حذآئي ، وكأن هذا ماينقصنـــي ..

إقترب ذاك الكلب الأسود الكبيـــر منيّ بهدوء .. بينما أنا أزحف بحركة عكسية للورآء .. قدمي تؤلمني لا استطيع النهوض والدموع تحجب الرؤية وتجعلها ضبآبية !!

أغمضتُ عينآيّ بقوة عندمــا قفز علي بكآمل ثقله ليُصبــح فوقي ..

- أرجوك .. أرجوك لا تأكلني !

فاجأني ذلك الكلب بلعقه لوجهــي .. فتحت عيني لأراه يبدو لي كالجرو اللطيف !

- روكــــــي .. !!!!

رفعتُ رأسي بفرح عندمـا سمعت صوت شآب قآدمٍ ناحيتي من بعيـــد ..

صُعقت .. فوجئت .. إندهشت .. كُل تلك العبآرآت توضّح حآلتي الآن

فها أنا ذا أرى أمامي ذلك الشخص .. الذي أُعجبت به سابقًـــا !!

ولابد أن هذا هو كلبُــه روكي ، فهو معروف بحُــبه للكلآب ..

صُحت بغضبٍ عندمــا إقترب مني " آكيــرآ " ذو الشعرٍ الأشقــر الطويل - نوعًا ما - والعينين البُنيتين .. كان يُشبه ريو قليـــلاً .

- أبعد هذا القذر عنيّ ..

- مينـــوري ؟ أهذهِ أنتِ !

أَبعد كلبــه روكي عنيّ فحآولت النهوض حتى لا أتأخر أكثر .. كما أنني لا أُريد محادثة شآب مغرور مُتعجرفٍ مثل هذآ !

نظر إليّ بقلق ثم قآل

- أنتِ لستِ بخيــر .. دعيني أُسآعدكِ !

حآول الإمسآك بذرآعي إلا أنني دفعتُــه عنيّ بقوة ثم قلت بغضب

- لا تقترب مني ... أبدًا !!!!

ضحــِك بخفة وأردف

- مآبكِ .. أصبحتِ شرسة على غير العآدة

صوبت نظرآتٍ حآدة إليه جعلته يزدرد لعآبه بتوتر ..

حآولت النهوض إلا أن كُل محاولآتي بآءت بالفشل .. فما كان بيدي سـِوى طلب المسآعدة منه !

نظرتُ إليه بعينين غآضبتين إلا أنه إستطآع فهم مغزاهآ فأمسك ذرآعي بيده اليُمنى وأحاطني بذرآعه اليُسرى ليمسك خصري

مشينــا سوية بهدوء إلى أن قطع ذلك الصمت صوت آكيرآ وهو يتساءل بفضول

- ذآهبة إلى حفلة ؟

أجبتُــه بحدة

- نعم !

- هكذا ؟ تبدين كالمُتشــردة ..

إلتفتُ إليه بإندهآش لوقاحتــه .. مُتشردة !!

- وما شأنُــك .. ؟ فلتغلق فمك الكبيــر يا هذا ..

ضحك بقوة ثُــم قآل

- سآخذكِ لبيتــي ..

- لا أُريد .. فقط أوصلنــي إلى هذآ المنزل ..

توقفتُ للحظـة فـتوقف معيّ .. أخرجتُ ورقة أعطاني إياها ريو لـوصف المنزل من حقيبتــي السودآء الصغيـرة

- حآولت معرفة الطريق .. إلا أنني فآشلة بذآلك !!

أخذ الورقة منــي بفضول ثُم قآل بإبتسآمة وآسعة

- هكذآ إذًا !! .. هذا جيّد .. فنحنُ ذاهبان إلى نفس الوجهة !

[ أنتِ جميلـة ]

فجأة .. أصابني الذهول وأحسستُ أن قـِدرًا .. لا بل برميلًا من الماء البارد قَد صُب علي مرةً واحدة ..

فلقَــد وصلنـا إلى الطابق السُفلي دون أن أشعُر .. وقد فُتح باب المصعــد كاملاً .. لأرىَ ما لم أتمنىَ رؤيتــه !!

أٌتمنــى فقط لو تنشَق الأرض وتبتلعنـي على أن أُرى بهذه الحالــة !!!

- مـ ... ـينورر ي !

كانت تقف آكــي وهيكآرو مذهولــتان مما تراه أعيُنهمــا ، لا ألومهمـا فمن لن يُصدم إن رآني هكذا ؟!

دفعتُ كين بعيدًا عني بقوة ووقفتُ مُنتصبة بسُرعة ..

مررتُ بجانب آكي عندما مَشيتُ قاصدةُ باب الخروج إلا أنها أوقفتني بإمساكها لذراعي ، ثم قالت مُتسائلة

- ماهذا ؟

- ماذا ؟

- الذي رأيتُه للتو !

قُلت بلهجة باردة والملامح الجامدة قد رُسمت على وجهي

- فقط .. لا أعلم مالذي حدث إلا أن المصعد قد توقف فجأةً وشعرتُ بالخوف ، وساعدني كين ..

- أمُتأكدة أنكِ لم تحذفي الكثير من التفاصيل ؟

نظرتُ إليها بنظراتٍ حادة تحمل معنى " وما شأنُــكِ ؟ " ، فتركت يــدي لأمشي بعيدًا حيثُ باب الخروج

آكي ، شيئًا فشيئًا بـِتُ أبغُضها ، تصرفُاتها أصبحت مُستفـــزة لا تُطاق !

أسرعت بخطواتــي إلى أن خرجتُ من الفندق أخيرًا .. ليصطدم الهواء العليل بخصلات شعري فيتطاير بنعومة

طأطأتُ رأسي بتفكير في الذي حَدث للتو .. ماكان يجبُ عليّ دفعُ كين

حسنًا ، من الأساس كان خطأً كبيرًا مني أن أنفجر وأبكي أمامه

- سُحقــًا كم هذا مُزعج !

نظرتُ إلى ساعتي التي كانت تُشير إلى الثانية عشرة تمامًا .. مر الوقت كلمح البصر !

لكن .. كيف لآكي وهيكــارو أن تتواجدا هنا ؟! لقد قالتا أنهما ستذهبان مع باقي الطُــلاب ..

تنهدتُ بضجــر وقُلت بهمس لنفسي

- لا أظن أن ريو قلقٍ عليّ الآن ، أو رُبما هو قلق بشأن الطعام الذي ينتظره فقط !

إبتسمتُ بيني وبين نفسي مُطأطأة رأسي أنظُر إلى حذائي الأبيض البسيط ..


~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~


خرجتُ وبحوزتي أكياسٌ كثيرة مُعبئة بكل ما يُمكن أكلُـه .. وتُمسك يدي بحليب الفراولة الذي أعشقُـه جدًا

مَشيتُ وأنا أُحدث نفسي بحيرة وجدية في آن معًا ..

- أُحس أنني قد أصبحتُ أميل إلى ريو كثيرًا .. وكأنني بدأتُ أعجب به ... هذا إن لم أكُن أُحبه !!

تنهَدت بعُمق ، فبمُجرد التفكير بهذا الأمر يجعلنــي تعيسة

شخصية البطل فيهِ تُعجبني ... لكن الجانب الآخر من شخصيته مُستفز يجعلنُـي أصاب بنوبة من الغضب العارم في لحظات !

كما أن مُزاحهُ ثقيل وتصرفاته مُحرِجــه ..

عيُوبه كثيرة .. فكيف أُحبه ؟

كم هذا صعب !

وصلتُ إلى الفُندق دون وعيّ مني أو شعورٍ باللحظات التي قد مرت وأنا أمشي فيها للوصول ..

دخلتُ لأرى ريو قد خَرج من المصعد الذي كُنت به مع كين قبلاً

إقترب مني بغضب وهو يُحاول الإسراع بعكازيه للوصول إليّ

- مابكِ أيتها الخرقاء ، لــِم تأخرتي ؟ لقد شعرتُ بالخوف !

- تخاف من ماذا ولماذا ؟ إن الطعام بخير .. أقصد لقد أحضرتُ لك شيئًا تأكله فلا تخف

- أيتُها الغبية لقد خــِفت عليكِ ... !

ضحِكتُ بسُخرية وقلت

- لا تُحاول الكذب ، فأنا أعرفُك ..

- لا ، لا تعرفيني !

- بلى ...

- كما تشائين .. إذًا فالتكن نظرتُكِ لي سيئة ، فهذا لا يُهمني حقًا ..

نظرتُ إليه بغضب وألقيتُ بالأكياس جميعها في وجهه .. مُستفز ! ، صعدتُ السلالم خوفًا من أن يعلق المصعد بي وحدي هذه المرة ..

أخذتُ أتمتم بعصبية وعند رفعي رأسي لأعلى رأيتُ كين يضحَكُ ببساطة والسيجارة موضوعة مابين شفتيه كالعادة

قُلت بتعجُب وقد إحمــر وجهي بالكامل

- لـِمَ تضحك ؟

نزل السلالم بسُرعة ليترُكني خلفه غاضبة وهو يقول

- لا شيء لا شيء !


~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~


إنها الساعةُ الرابعة عصرًا .. وها نحنُ ذا نركب حافلاتنا لنعود أدراجنا ، أخيــــرًا !

شعرتُ وكأنني في حُلم قد تحقق بعد جُهد إستمر لسنين طـِوال .. كم يُسعدني ذلك ،

صعدت الحافلة بهدوء وكُل طالب جلس بمكانه السابق .. كما أن ريو عاد لغـناء أغنيته السخيفة السآبقة

أتمنــى فقط أن نصل بسُرعة لكي أتخلص منه ... لكن أعتقد أن ذلك مُستحيل ، سيلتصق بي كالغرآء وأنا واثقة !

~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

حسنًــا ، لن أتطرق إلى اليومين السابقين .. بما أنه لم تحدث أحداث جديدة تستحق الذكر

وسأكتفــي بهذا اليوم ... يوم السبت ، بداية ( التعــاسة )

خَرجتُ من غرفتي ثُم أغلقت الباب خلفــي بهدوء ..

- ها نحنُ ذا نبدأ من جديد .. سُحقًا !

- مي نو ري !

لم ألتفت خلفــي .. فقط نبرةُ الصوت تلك التي تجعل القشعريرة تسري بجسدي .. تجعلني أعرف صاحبتها فورًا

- أهلاً رين .. صباحُ الخير !

تقدمتُ بضع خطوات وتقدمت هيَ الأخرى بجانبي .. لنتجه إلى صفوفنــا مع باقي الفتيات

قالت بعد فترة صمت

- سيأتي جدّي اليوم !

أومأت إيجابًــا دون إجابتها .. لستُ بمزاجٍ جيدٍ للحديث

لكن سُرعان ما ابتسمتُ بفرح وقُلت لها

- إذًا .. لن يكون ريو المُدير .. ذلك رائع !

وافقتني رين بابتسامة هادئة مع هزة بسيطة لرأسها ... ،

دفعتُ الباب بحُرية ثم دخلتُ إلى الفصل وأنا أتثاءب واضعة يدي على فمي

لمـِحتُ ريو يجلسُ على كُرسييّ ينظُر إلى ماخلف النافذة بشرود .. ليسَ ذلك مـِن عادتـِه

عِندما اقتربت .. رأيتُ تلك المُتعجرفة تجلـِسُ بجانـِبه .. آكي !

وقفتُ خلفها .. علّها تشعُر بقدومي فتذهب .. رؤيتها فقط تجعلني غاضبة !!

- لا يحق له فـِعلُ ذلك ! كيف يصفعُك بقوة هكذا ؟!

سمعتها تقول تلك الجملة التي جعلت ريو يلتفت ببرود إليها ثُم نظر إليّ

توسعت عيناي إندهاشًا عندما لمحت أثر صفعة على خده الأيمن

وقف بهدوء ووقفت آكي بعده بسُرعة لتصطدم بي بقوة حتى كدت أقع !

عقدت حاجباي غضبًا فأبعدتُها بقوة بشدي لطرف قميصها ثُم جلست على كُرسيّي متجاهلة وجودهُما

نظرت آكي إلي بغضب ثُم قالت مُزمجرة

- حمقآء ماذا بكِ ؟ لم أكُن أعلم بوجودك حتى

أخذتُ خصلة من شعري ولففتها حول إصبعي بدلآل ثم قلت

- لا يُهمني ..

نظرت إليّ بغضب وهمّت لتُهاجمنــي رافعة يدها لتصفعنــي ..

إلا أن ريو قد صرخ قائلاً بأمر

- كفــى !

إبتعدت آكي بعد فترة من الصمت وفي عينيهـا حقد وآضحٌ جدًا .. لكنني لا أكترث فعلاً !

مرت الدقآئق سريعة كلمح البَصــر .. والجميعُ يحدق إلى ريو بقلق .. مما جعَــل الفضول يطغى على أفكاري

أصدرت صوتًا بحنجرتي لألفت إنتباههُ ثُم قلت

- مآ سبب ...

- لا تتدخلــي !

قآلهآ بحدة مُقاطعًا سؤآلي مما جعلني أتردد واشعر بتوترٍ كبيــر ..

لكننــي سُرعان ماقُلت بغضب

- فليكُن .. فأنا لا اهتم !!

- جيد .. فأنا لا احتاجُ إهتمامكِ ..

نظرتُ إليه وقد فغرتُ فاهي تعجُبًا .. ثُم قلت ببلاهة

- ماذا ؟ هل هيَ حبيبتُــك ؟

لا إجآبة ! .. أظن بإن صمته يعني ( نعم ) .. لابُد أن صديقتَه قد صفعتـه لأنها قد شعرت بغيرة شديدة من مُعجباته ، أو ربما قد خانها أو ربما ... !

- يُمكننــي سمآعُكِ .. هل يُمكنكِ التفكير بشأن الصفعة بصوتٍ مُنخفض بحيثُ لا يُمكنني سماع همسكِ !

خجِـلت كثيرًا فطأطأتُ رأسي مُتحاشية النظر إليه لكنني قُلت بتردد بعد فترة صمت ..

- حسنًا .. يُمكنك إخبآري متى شئت ، رُبما يُمكنني إصلاحُ الأمــر

هَز رأسه إيجابًــا إلا أن ملامح اليأس جليّة على وجهه ..

رنّ جَرسُ الحصة الأولى اخيرًا ليُعلن عن بدئها ..

وأثناء ذلك قآل لي ريو ببرود دون النظر إليّ

- رُبما .... يُمكنكِ مُساعدتي !

شعرتُ بفرحة غامرة قد تسللت إلى قلبي فجأةً فقُلت بسرور

- حقًــا ؟! كيف ! هل تُريدنــي أن أُحادثها ..

ضحــِك ريو بخفة ثُم قال

- الأمر لا يتعلق بفتاة .. لم تستطع أي فتاة حَتى الآن أن تمتلكنــي !!

ثُم إقترَب منيّ بهدوء وهَمس بأذني

- ســِواكِ !

شعرتُ بأن الدم كُله قد تجمع بعروق وجهــي ليجعلهُ كحبة طماطم مُشتعلــة بشكلٍ عجيب ، فدفعتهُ بقوة عنيّ لأقول صارخة

- يكفــي ..

ضحــك بقووة وهو ينظُر إلى وجهــي بـِفَرح ثُم قال

- يُعجبني النظر إلى وجهكِ وانتِ غاضبة .. أشعُــر براحةٍ عجيبة !!

- سُحقــًا لك هذا ليس مُضحكًا البتة

صَمت قليلاً وهو ينظُــر إليّ بشرود

- في الفُسحة .. يجبُ ان أحادِثكِ !

قبل أن أنطق بحرفٍ واحد .. رأيتُ مسطرة خشبية طويلـة قد ضُربت بقوة على طاولتـي فجأة مما أثار فزعي

رفعت ببصري لأعلى لأرىَ مالم أتمنى رؤيتَــه

- مارأيُكمــا بإكمال حديثكما المُمتع هذا في الخارج .. إن لم تكُن الحصة مُهمة لكمُــا !!

إزدرأت لعابي بتوترٍ ثم قلت بتردُد دون النظر إليه

- آسفة أستاذ ..

- لا بأس ، فأنا أعلمُ أنكِ طالبة مُهذبة ..

ثُم أشار بمسطرته العجيبـة نحو ريو قائلاً بغضب

- إلا أن هذا المُشاكس يُريــد تحويلكِ إلى فتاة مُشاكسـة لكي أُجن ! إلا أن ذلك مُستحيل ، لن تستطيع يا ريو صدقني .. !

فأطلق بعد جُملته الطويلة تلك ضحكة إنتصار مُجلجلة جعلتنـي أضحك رُغمًا عني

قال ريـو بنبرة مُستهترة تصحبها ضحكة خفيفة

- لا أحتاج لفعل ذلك .. فلابُد أنك قد جُننت فعلاً قبل أن أفعل اي شيء

- أتعلم ؟ مايُدهشني حقًا ، أن درجاتك دائمًــا ما تكون مُمتازة !!

- بسيطة يا أًستاذ ، السر في ذلك أنني أملـِك عقلاً ذهبيًا ، وذكاءً حاد .. " وقال بغرور " وربمـا وسامتي لها دور كبيـر ايضًا

رأيتُ الاستاذ قد إحمَر وجههُ غضبًا وهو يرى إبتسامة ريو الوآثقة .. فأخذ يضرب بمسطرته تلك بخفة على رأسِ ريو ثُم إبتسَم فجأه مما أثار تعجُبي

- فتى مُشاكس !!!

حَك ريــو موقع الضربة بإنزعاج وهو ينظــُر للأستاذ بغضب ثم قال بهمسٍ مسموع

- آه عنيــف جدًا !

سألتُه بعدمـا عاد الأستاذ للشرح

- مابه ؟ وكأنه مُصابٌ بمرضٍ نفسي

- نعم إنفصام بالشخصيـة !

- حقًــا ؟

- لا تُصدقي فقط أمزح !

زفرتُ بإنزعآج ونظرتُ نحو الاستاذ الذي كان يوجه نظراته الحادة إلينا بقوة مما جعل قشعريرة غريبة تسري بجسدي ،

في النهآية .. رن جرس إنتهاء الحصــة أخيرًا .. وهكذا مع بقية الحصص الأخرى إلى أن حانت اللحظة التي كُنت انتظرهــا منذ البداية .. الفُسحة !

نهضتُ من على الكُرسي بنشآط وقُلت لريو بنظرآتٍ يملؤها الفضول واللهفة

- ستُخبرني الآن ! هاه .. الآن صحيح ؟

- نعم .. لكن إبقي هادئة .. بهذه الحماسة تبدين كطفلة حمقآء في الخامسة !

نظرتُ إليه بإنزعاج إلا أنني إكتفيت بهز رأسي موآفقة

مشينــا سوية إلى السآحة الخآرجية وجلسنآ على إحدى الكرآسي الموضوعة بعشوآئة هنآك ..

قُلت له بحمآس وفي جوفي طاقة هائلة لا أعرف ماهي .. أو حتى لـِمَ أُحس بها ؟

- هيّــا ! تحدث .. قُل قُل

رأيتُ نظرآت الإستغراب واضحة كوضوح الشمس على وجهه مما جعلني أنظُر بعيدًا بخجل .. لكن ماشعجني للنظر إليه من جديد كانت ضحكتُه الرنانة التي أطلقها

- حسنًا حسنًا .. لكنْ ، عديني ألا تخذلينــي .. فأنا فعلاً .. أحتاجُكِ كثيرًا مينوري !

عندما قآل آسمي .. شعرتُ بقلبي سيخرج لـِوهلة .. وكأن أحدًا يُحاول نزعه من مكآنه .. شعُور مُخيف إلا أنه .. وياللغرابة ! قد أسعدني !!

حَل الصمتُ بيننآ ليكون سيّد الموقف .. كآن يُشبك أنامله ببعضهآ بتوتر وآضح جدًا .. ونظرآتُه القلقة كانت تُوزغ في الأرجاء .. فأحببت أن أشجعه بقولـي

- لا بأس .. تأكد أنني سأكون في صفـِك .. سأسآعدُك !

ابتسم بغموض ثُم قآل بلهجة غريبة

- أنتِ غريبـــة !!

دُهشت !! .. غريبة ؟ ، نظرتُ إليه بتفاجؤ ثُم صُحت

- لــِمَ ؟ مالغريب فيّ !

قآل وهو ينظر بعيني مُباشرةً

- لا أعلم ، فرُغم علاقتنآ البسيطة .. أو لأكون شديد الوضوح ، رُغم الفترة القصيرة التي عرفتكِ بها إلا أنني أثقُ بكِ أكثر من أي شخص



كانت مكتوبــة بخطٍ كبيــر وواضحٍ ، شعرتُ برغبة مُلحة في البُكــاء .. مالذي فعلته لأستحق هذآ ؟

سُحبت الورقة مني بخفة بينما أنا أنظر إليها ..

- ريو .. أعدها لي !

- أنتِ قبيحــة ؟ من الاخرق الذي كتب هذا !

تعجبتُ حقًا عندما لاحظت غضب ريو الشديد عندمــا قام بتمزيق الورقة بقوة وجعلها اشلاء متناثرة

- لا تجعلـي أشياءً لا قيمة لها تؤثر عليكِ ..

أمسك بقلمـه وأخذ يكتُب على دفتــره بسُرعة ثُم أعطاني إياه لأقرأه

[ لم أكن سأرآفق فتاة قبيحة إلى الحفلة أبدًا .. لذلك لا تكترثي ، فأنتِ جميلـــة ! ]

وآه ! قلبــي .. لن يخرج ، بل أجزم أنه قد خرج من قوة نبضـه الذي يأبى السكون من بعد تلك الجُملة !

ظللتُ فترة لا أعلم طولها .. لكنني بقيت شآردة أقرأ تلك الجُملـة عدة مرآت .. لا أريد أن أنساها ، أريد أن تبقى في ذهني كما هيّ .. دون أن أنقص منها حرفًا واحدًا !

ربما ردة الفعل تلك حمقاء .. حينما رُسمت إبتسامة وآسعــــة مرحة على ثغري .. وكأنني قد جُننت ، لكن لا يُهم .. لأنني شعرتُ حقًا بفرحة غامرة ..

نظرتُ إلى ريو .. كان ينظُر إليّ هو الآخر وإبتسامة هآدئة على مُحيآه ..

أعدتُ إليه دفتــَره دون أن أقول شيئًا ..

~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

الآن ، إنها السآعة السآبعة مسآءً .. لم تبقى سـِوى سآعةٍ واحدة ..

إنني في منزل إحدى صديقــاتي القديمات آللاتي كُن معي في المدرسة السآبقة ..

جلستُ على سرير " آن " التي كانت تُخرج لي من خزانتها عدة فساتين لأختار إحداها للحفلة

لم يُعجبني سـِوى واحدٍ فقط شعرتُ أنه الأفضل والأكثر مُلاءمة لي .. إلا أن " آن " رفضت كُليـًا أن ألبسه بزعمهـا أنه قبيح جدًا ولا يُلائم الحفلات الراقية !

وفي النهاية .. لقد أرغمتنــي على إرتداء فستان بُرتقالي قصير - وكم أكره هذا اللون ! - .. يصل إلى أعلى رُكبتيّ

كان بسيطًا جدًا .. فقط قطعة قُماش صُممت لتكون ثوبًا خاليًا من أي إضافات ،

نظرتُ إلى المرآة المُعلقة على الجدآر وقُلت لها بفضول وأنا أحتضن وجهي بكفيّ

- ألن أحتاج لوضع بعض المساحيق على وجهي ؟

- كلا .. فأنتِ جميلـة بطبيعتكِ .. لا تحتاجين لذلك !

جميلـــة ... تلك الكلمة البسيطة جعلتني ابتسم رُغمًـا عني .. تذكرتُ جُملته ، أسعدتنــي كثيرًا !!

أومأت بالإيجآب .. وأخذت منها حقيبة سودآء صغيـرة أحملها بيدي ..

أما شعري .. فإكتفيت بوضع مشبكِ بُرتقاليّ صغيــر بأعلى أذني اليُمنىَ ..

وقفتُ أمامهــا بتوتر وقُلت

- هل أبدو جيدة ؟

ابتسمت بسعادة ثُم قالت وهي تغمز لي

- بل رائعــة ..

إقتربتُ منها وعانقتهــا بقوة .. إنها فعلاً صديقة حقيقية .. لطالمــا كانت بجانبي عند إحتياجي لها !!

- أشكُركِ ..

ربتت على ظهري بقوة ثم قالت ضاحكـة

- لا شُكر بيننا عزيزتي .. وكفاكِ توترًا .. فأنا أشعُر بجسمكِ يرتجف ، الأمر ليس مُخيفًا لهذه الدرجة .. فقط ستقفين بجانبه وتصافحين الجميع لا أكثر .. وارسمي إبتسامة لطيفة على فمك .. هذا كل مافي الأمر !

- هكذا فقط ؟ مُتــأكدة !

- آه ، أظن ذلك ..

إبتعدتُ عنها بتردُد .. ونظرتُ في عينيهــا اللتان كانتا تمُدانني بطاقة وشجاعة غريبـة ..

تتبعتُهــا لتُرشدني إلى طريق الخروج ، هممتُ بالذهآب لكنها إستوقفتني بقولها

- كوني حذرة ، إن إحتجتي إلى شيء .. يُمكنكِ الإتصال بي .. سأبقى مُستيقطة طوآل الليــل !

أومأت رأسي بالإيجآب وخرجــت بسُرعة ..

~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

آوه لآ .... سُحقــــــــــــًا !!

إنها السآعة الثآمنة تمامًا .. تأخرت ، يا إلهي تأخرت !!!

لقد أضعتُ الطريق .. لقد نسيتُ وصف ريــو ، ألم يقُل أن أتجه يمينًا عندما أرى مُفترق طرق ..

ربآه .. ماذا سأفعل الآن ..

كما أن هذا المكان .. يبدو وكأنه مهجــور منذُ فترة ليست بالقصيرة أبدًا !

المكان مُظلمٌ جدًا .. لا توجد سوى عدة أعمدة إنارة قليلة لا تكفي لتُوضيح الرؤية ..

وقفتُ منتصبـة بفزع عندمـا سمعت صوت حركة يصحبهــا زمجرة مُرعبـة ..

إلتفتُ خلفــي بقليل من التوتر .. وياليتنــي لم أفعل !

- كلــب ! .. هذا ماينقصُنــي ..

عدت للنظر أمامي بسُرعة .. وأخذت أمشي بهدوء .. بحركة بسيطة هادئة .. لا أريده أن ينفعل أو .. يلحق بي بمعنى أدق !

أخذ ذاك الكلب بالنُباح بصوتٍ قوي جعل القشعريرة تسري بكامل جسدي .. فما كانت ردة فعلي اللا إرادية سوى الركض بعيدًا لأنجو بحياتي

آلركض حيث لا أعلــم .. لكن أتمنى فعلاً أن أجد احدًا هُنا يسمع بُكآئي وصرآخي فيُنقذني !

نظرتُ ورآئي .. كان يلحقُ بي بسُـــرعة .. ليصل إليّ .. ربآه ، سأموت .. سأمووووت !

- آه ..

لقد تعثرت .. تلطّخ فستاني بالطين وقد كُسر حذآئي ، وكأن هذا ماينقصنـــي ..

إقترب ذاك الكلب الأسود الكبيـــر منيّ بهدوء .. بينما أنا أزحف بحركة عكسية للورآء .. قدمي تؤلمني لا استطيع النهوض والدموع تحجب الرؤية وتجعلها ضبآبية !!

أغمضتُ عينآيّ بقوة عندمــا قفز علي بكآمل ثقله ليُصبــح فوقي ..

- أرجوك .. أرجوك لا تأكلني !

فاجأني ذلك الكلب بلعقه لوجهــي .. فتحت عيني لأراه يبدو لي كالجرو اللطيف !

- روكــــــي .. !!!!

رفعتُ رأسي بفرح عندمـا سمعت صوت شآب قآدمٍ ناحيتي من بعيـــد ..

صُعقت .. فوجئت .. إندهشت .. كُل تلك العبآرآت توضّح حآلتي الآن

فها أنا ذا أرى أمامي ذلك الشخص .. الذي أُعجبت به سابقًـــا !!

ولابد أن هذا هو كلبُــه روكي ، فهو معروف بحُــبه للكلآب ..

صُحت بغضبٍ عندمــا إقترب مني " آكيــرآ " ذو الشعرٍ الأشقــر الطويل - نوعًا ما - والعينين البُنيتين .. كان يُشبه ريو قليـــلاً .

- أبعد هذا القذر عنيّ ..

- مينـــوري ؟ أهذهِ أنتِ !

أَبعد كلبــه روكي عنيّ فحآولت النهوض حتى لا أتأخر أكثر .. كما أنني لا أُريد محادثة شآب مغرور مُتعجرفٍ مثل هذآ !

نظر إليّ بقلق ثم قآل

- أنتِ لستِ بخيــر .. دعيني أُسآعدكِ !

حآول الإمسآك بذرآعي إلا أنني دفعتُــه عنيّ بقوة ثم قلت بغضب

- لا تقترب مني ... أبدًا !!!!

ضحــِك بخفة وأردف

- مآبكِ .. أصبحتِ شرسة على غير العآدة

صوبت نظرآتٍ حآدة إليه جعلته يزدرد لعآبه بتوتر ..

حآولت النهوض إلا أن كُل محاولآتي بآءت بالفشل .. فما كان بيدي سـِوى طلب المسآعدة منه !

نظرتُ إليه بعينين غآضبتين إلا أنه إستطآع فهم مغزاهآ فأمسك ذرآعي بيده اليُمنى وأحاطني بذرآعه اليُسرى ليمسك خصري

مشينــا سوية بهدوء إلى أن قطع ذلك الصمت صوت آكيرآ وهو يتساءل بفضول

- ذآهبة إلى حفلة ؟

أجبتُــه بحدة

- نعم !

- هكذا ؟ تبدين كالمُتشــردة ..

إلتفتُ إليه بإندهآش لوقاحتــه .. مُتشردة !!

- وما شأنُــك .. ؟ فلتغلق فمك الكبيــر يا هذا ..

ضحك بقوة ثُــم قآل

- سآخذكِ لبيتــي ..

- لا أُريد .. فقط أوصلنــي إلى هذآ المنزل ..

توقفتُ للحظـة فـتوقف معيّ .. أخرجتُ ورقة أعطاني إياها ريو لـوصف المنزل من حقيبتــي السودآء الصغيـرة

- حآولت معرفة الطريق .. إلا أنني فآشلة بذآلك !!

أخذ الورقة منــي بفضول ثُم قآل بإبتسآمة وآسعة

- هكذآ إذًا !! .. هذا جيّد .. فنحنُ ذاهبان إلى نفس الوجهة !

[/gdwl]
__________________
قدمي تسللت بين دجي الليالي
سائلتاً القمر متي سيتحقق حلمي
وهل سوف يحصل ما في بالي
بلون القمر توهجت عيناي
فأصبحت ملكتاً في اليوم التالي

[hide]احبك ياتاشي_كن
[/hide]

لي عودةdevil1]