الموضوع: Neverland رواية
عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 10-03-2017, 12:58 PM
 
الفصل الثاني : ظلام أبيض، نور أسود.
ظلامٌ تخللَ المكان و صورةٌ باهتة مشوشة عُرضت على عيناه.
أذناه تطنان و الصوت يصلُ مسامعهُ كما لو كانَ تحتَ الماء.
ما يراهُ ذلكَ الطفلُ الآنَ ليسَ سوى غرفةٍ في فوضى عارمة و امرأة بشعرٍ أبيضَ ناصعٍ تجلسُ على كرسيٍ خشبيٍ قريبًا منَ الشرفة تحدقُ بخارجها بعيناها الورديتانِ المائلتانِ إلى الحمرة و الخاليتانِ منَ الحياة و هو يحدّقُ بها بدوره من فتحةٍ صغيرةٍ بينَ الباب و عتبته.
فتحَ البابَ على أوسعهِ فقال " أمي ؟."
التفتت بيضاء الشعرِ إليهِ تحدقُ بهِ لوهلةٍ منَ الزمنِ مما جعلهُ يقشعرُ توترًا.
هَمست " دين.."
ازدردَ ريقهُ بصعوبةٍ و ازدادَ تشبثهُ بملابسهِ ففردت ذراعيها أمامهُ مردفة " تعالَ إلى هُنا ."
التمعت عيناهُ ليهرولَ نحوها سريعًا باغيًا عناقها لكن و في آخرِ لحظةٍ هي تشتت إلى ضبابٍ و لحقتها الغرفةُ كذلكَ فأمسى الطفلُ كحليُ الشعرِ عسليُ العينينِ يقفُ على الظلام، تحتَ الظلام، و بينَ الظلام.
طرفَ بعينيهِ العسليتينِ مرة، اثنتان، ثلاث، و الرابعةُ تحولت بها العتمةُ إلى تلكَ الغرفةِ مجددًا.
لكن هذهِ المرة أصبحت فوضى الغرفةِ خرابًا، زجاجُ الشرفةِ التي كانت تحدقُ بها تحطمَ و كرسيها الخشبي أمسى أوصالًا عدة.
أما هي فقد كانت جاثيةً على الأرضِ بشعرٍ مبعثرٍ بينما يركلها رجلٌ ضخم البنية أسودُ الشعرِ و اللحية أسمرُ البشرة و أخضر العينينِ على بطنها بقوةٍ شديدة.
هتفَ بحنق " ماذا فعلتِ أيتها الساحرة اللعينة !، أهكذا تردينَ أفضاليَ عليكِ !!"
همست بارتجافِ و قد تغلغلها الخوفُ متوغلًا في شتى خلاياها " آسفة، أنا آسفة !، رجاءً سامحني !."
تراجعَ الطفلُ إلى الوراءِ محدقًا بالرجلِ بعيونٍ متسعةٍ تنذرُ بذرفِ الدموعِ في أيةِ لحظةٍ مغطيًا فاهُ بكلا كفيهِ ضاغطًا عليهِ بشدةٍ
همسَ مرتعبًا " أبي ؟."
نظرَ نحوهُ الرجلُ بعينانِ مفتوحتانِ على مصراعيهما نظرةً بعثت في جسدِ الطفلِ صقيعًا و لو كانت النظراتُ تقتل لتحولَ إلى أشلاء.
فتحَ الشابُ كحليُ الشعر عيناه العسليتانِ على أوسعيهما ليعتدلَ في جلوسهِ على سريرهِ مريحًا جبينهُ على راحةِ كفِ يدهِ آخذًا نفسًا عميقًا.
جاءهُ صوتٌ مرحٌ مألوفٌ قائلًا " صباح الخير آيدن !، أخيرًا استيقظت ؟، لو لم تستيقظ الآنَ لأيقظتكَ بنفسي أتعلم ؟، لقد كنتَ تبدو و كأنك تعاني من كابوسٍ ما ~"
نظرَ كحلي الشعر نحوَ مصدرِ الصوتِ فإذ بهِ شابٌ عشريني بشعرٍ أخضرَ غامق طويل و مجعد مربوطٌ بشكلِ ذيل الفرس امتلكَ بشرةً سمراءَ و عينانِ برتقاليتانِ أخذتا منَ البنِ لونًا خفيفًا.
زفرَ مجيبًا " أنتَ لَن تفعلَ بلا شك... تعجبكَ رؤيتي هكذا لا ؟، كريس."
اكتفى كريس بالابتسامِ فأخذَ آيدن نفسًا عميقًا آخرَ مردفًا " أكنتُ أبدو بذلكَ السوء ؟."
أجابَ كريس بمرحٍ دونَ تردد " أجل !، كنتَ مثيرًا للشفقةِ بحق !."
همهمَ آيدن كإجابةٍ ثمَ قالَ " أَحضر سيفاي !، سننطلقُ حالما أغيرُ ثيابي !."
لَم يتخلَ كريس عن ابتسامتهِ و لا مرحهِ فانحنى بأدبٍ قائلًا " كما يأمر سموكَ."
رماهُ آيدن بوسادَتهِ منزعجًا فهتف " اخرس و اذهب للجحيم !."
أما كريس فقد خرجَ من غرفةِ آيدن الفخمة بوجهٍ أحمرَ إثرَ الضربة التي تلقاها من وسادةِ آيدن و معَ ذلكَ فهو يضحكُ بعلوٍ و استمتاعٍ كونهُ نجحَ في إغاظةِ مقابلهِ نجاحًا ساحقًا.
مرّ الوقتُ على خروجِ كريس و آيدن شاردٌ تمامًا في أمرٍ ما....
جرى الوقتُ و آيدن على حالهِ و أخيرًا قررَ تركَ سريرهِ و النهوض لتغييرِ ثيابهُ و قد فعلَ حقًا.
ما إن انتهى حتى وقفَ قربَ مكتبهِ يحدقُ بدرجهِ العلويِ بهدوءٍ و عيناهُ تبرقانِ حنينًا.
مدّ يدهُ نحوَ الدرجِ ببطءٍ شديدٍ و فتحهُ ببطءٍ أشدَ بعدَ فإذ بدفترٍ أبيضَ منَ الجلدِ اكتسبَ درجاتٍ عدة من الرماديِ و البنيِ لقدمهِ يأسرُ أوراقهُ قفلٌ منَ الحديد الصدأ.
تلمسهُ بأناملهِ ببطء بينما تلتمعُ في رأسهِ ذكرى لوالدتهِ بيضاءُ الشعرِ.
تحدثت بفزعٍ مِن بينِ أنفاسها اللاهثة " دين !، اسمعني عزيزي !، هذا الدفتر عليكَ حمايتهُ و لو كانَ ما كان !، لا يجبُ على والدكَ و أخيكَ أن يريا هذا الدفترَ معكَ !، مصيرُ مئات الآلاف من البشرِ يعتمدُ عليكَ !، إن وجدتَ المفتاحَ فتحته !، و إن لَم تجدهُ قبلَ بلوغ الخامسة و العشرينَ كسرته أفهمت !."
عادَ إلى واقعهِ على صوتِ يدِ كريس تطرقُ البابَ المفتوح و صاحبها يقفُ متكئًا عليهِ فحدقَ بهِ آيدن بهدوءٍ قائلًا " و سيفاي ؟."
رفعهما كريس بيدهِ الأخرى فكانا سيفانِ عريضانِ قصيرانِ متماثلانِ أطول مِن سكينِ الصيد و أقصرَ من السيفِ العادي
تقدمَ آيدن نحو كريس بخطواتٍ واسعة، ثابتة تفيضُ بالثقة فعلقَ سيفاهُ على خصرهِ متجاوزًا كريس
هتفَ " فلننطلق كريس !، لَم يبقَ الكثير !."
تبعهُ كريس الذي علقَ على ظهرهِ رمحًا معَ ابتسامتهِ التي لا تفارقُ شفتيهِ بينما فكرَ آيدن " بقيَ القليلُ فقط أمي !، و عندها سأجعلكِ حرةً غيرَ حبيسةٍ لذلكَ الخسيس !، القليلُ فقط !."
سارَ آيدن في ممراتِ القلعةِ و كريس خلفهُ و يدورُ في رأسيهما أمرٌ واحدٌ فإن اختلفا في الشكلِ و الشخصية هما لا يزالانِ يحتفظانِ بسرٍ يهددُ المستعمرة بأكملها بالتغيير و لا يعلمهُ غيرهما سوى ثالثهما.
اعترضَ طريقهما شابٌ عشريني آخر امتلكَ شعرًا أسودًا و عينانِ خضراوتانِ، و رغمَ تبسمهِ فابتسامتهُ ليست ودودةً كتلكَ التي يصنعها كريس إنما تنذرُ سوءً لا سيما حينَ تلقي نظرةً على عيناهِ الحادتانِ العابثتانِ.
قالَ " شقيقي الصغير خارجٌ منَ القلعةِ مسلحًا !، لماذا يا ترى ؟."
احتدت نظراتُ آيدن فقالَ محذرًا " ابتعد عن طريقيَ بليك !.. أنتَ تضيعُ وقتيَ الثمين !."
اتسعت إبتسامةُ بليك ليضحكَ بمرحٍ و قد تغيرت هالتهُ الحادة مائة و ثمانون درجة لتصبحَ مزهرةً تمامًا " آسف آسف !، هذا خطئي !، حقًا اعتذرُ دين !."
هتفَ آيدن منزعجًا " لا تنادني دين !."
أكملَ بليك متجاهلًا كلماتَ اخيه " لكن حقًا ما الأمرُ معَ السلاح ؟، أتودُ إثارةَ بعضِ المتاعبِ لأبي مجددًا ؟."
أجابَ آيدن بهدوء " ليسَ حقًا... ربما..."
ضحكَ بليك مجددًا ليقول " كما هو متوقعٌ من أخي !، لَن تتغير !."
جاءهُ صوتٌ منَ الخلفِ قائلًا " لا أجدُ خروجَ السيد آيدن معَ كريس مسلحانِ غريبًا... إنهما معلمٌ و تلميذه لذا من الطبيعي أن يخرجا للتدريبِ بأسلحتهما سيد بليك."
التفتَ بليك خلفهُ فإذ بهِ شابٌ بشعرٍ برتقاليٍ كثيفٍ بخصلةٍ طويلةٍ من الخلفِ ربطها من الأسفلِ بخاتمٍ ذهبي، امتلكَ بشرةً سمراءَ و عينانِ بنفسجيتانِ.
صححَ لهُ كريس قائلًا " تلميذٌ و معلمهُ جين !، ليسَ معلمًا و تلميذه !."
قلبَ جين عيناهُ بمللٍ فقال " لا تدقق بالتفاصيلِ كريس !، تعلمُ ليسَ و كأنني سرقتُ منصبكَ و ليسَ كأني أركزُ في كلاميَ حقًا !."
نظرَ بليك نحوَ خصرِ جين قائلًا " مسدساكَ العزيزاِ هُنا أيضًا.."
ابتسمَ جين باتساعٍ مكشرًا فأشارَ بإبهامهِ إلى ظهرهِ هاتفًا " و رمحيَ العزيزُ كذلكَ !."
تقدمَ نحوَ كريس و آيدن ليتكأ على كتفِ الأولِ قائلًا بمرح " سأرافقهما !، أشعر أنني بدأت أفقد مهارتي مؤخرًا !."
قالَ بليك بود " اطمئن، لا أظن أن الوحوش تفقد مهارتها."
أغمضَ آيدن عينيهِ عاقدًا حاجبيهِ فقال " و لأول مرة أوافقه، أنتَ و كريس لا تنطبق عليكم القاعدة."
فتحَ عيناهُ و أكمل " إن تدربتما ازدادت قوتكما و إن توقفتما لعقودٍ بقيت كما هي.. هكذا كل شيء."
خطا خطوةً عريضةً إلى الأمامِ هاتفًا " فلنذهب أنتما الاثنان !."
لحقَا بهِ و لحقتهما عينا بليك الخضراوتانِ فجائهُ صوتٌ قائلًا " يالكَ مِن أخٍ سيء !، حتى أنهُ لا يثقُ بكَ !."
نظرَ بليك نحوَ صاحب الصوتِ و هو شابٌ بمثلِ عمرهِ امتلكَ شعرًا بنيًا و بشرةً سمراءَ بالإضافةِ إلى عينانِ زرقاوتانِ كالسماءِ يستريحُ على سياجِ الممرِ المفتوحِ إلى الحديقةِ
أجابهُ بليك مبتسمًا " لا تقلق داريوس ~ ، أحضرُ لهُ مفاجأة بعدَ بضعةِ أيام ~ سيكونُ الأمرُ ممتعًا ."
رد مع اقتباس