عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 11-24-2017, 04:15 PM
 
آلماسية : رُوحُ كِفاحٍ ✿

[ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:100%;background-image:url('http://b.up-00.com/2017/11/151152815384672.png');"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]
مرحبا من جديد ..

شو اخباركم ؟؟

من جديد كتبت قصة مختلفة ، ما بتزكر اني كتبت متل هيك بعمري ،،

بصراحة انا ما مقتنعة فيها كتير ،، بس حابة آخد آرائكم



( كِفاحٌ يسقي جَدْبَ روح )



[COLOR="Mintcream"]


كانَ جالِسًا بين أَشلاءِ زهور البنَفْسَجِ , متخفيًا تحت آخر سنديانة رُحمتْ في المَكان .
لَمَحْتُهُ من بعيدٍ, لمْ تكنْ رُؤيتهُ سَهلةً البتة ; فكثافةُ تلكَ السنديانةِ وما حولها من زهور أغرقتْ ذلك الوسيم في حضنها .
أخذْتُ نَفَسًا عميقًا وتقدَّمتُ نَحْوَهُ بخطًى متثاقِلةٍ . فاجئني بروده فهو لم يرفعْ رأسه أبَدَا ولم يبدِ أيَّ استجابة . كادَ جموده هذا يقتلني فجثوت على
ركبتيَّ وعانقتهُ عناقًا طالَ حتى الشَّبعِ .

رفع حينها رأسهُ وناظَرني بنظرةٍ مجهولةِ الملامِحِ , فحاولت إخراجه وإياي
من جو الكآبة ذاك فقمت بنثر شعره البني الحريري على وجهه ,
حاول أَسَدي أن يبتسِمَ ففشِلَ وكأن همومهُ حالت دون ذلك .

نظر إليَّ صامتًا لبرهةٍ ثم قال بصوت رجوليٍّ خالطتْ غِلظَتُهُ
شيئًا من الحنان والرّقة : كِفاحُ ألا تملّيِن فعلَ هذا ؟

أُريدُ البقاءَ مع نفسي قليلًا أرجوكِ .
لم أتمالك نفسي , فصرخت في وجهه قائلة : صحيح ,
الشيءُ نَفسُهُ يتكررُ كلَّ يوم , لكن اعلم شيئًا يا اخي ,
لن أتوقفَ عن اللحاق بكَ ما لمْ تنهِ عُزلتكَ هذه .

شعرت أن أخي انهار حينها , فقد أخذَ يزمجرُ فيَّ قائلًا :
سأبقى هنا منتظرًا الموتَ . أنظري هناكَ .

وأشار بسبابته إلى ما خلف قريتنا وتابعَ قائلًا :
هناكَ على بعدِ بضع خطوات من هنا الموت المحتوم ,
سنموت يا كفاح ويومًا ما ستصل هذه الحربُ إلى
بيوتِنا وتُقَطِعُنا وتجعل من أشلائنا عبرًا لأحفادنا من بعدنا ,,

وصمت للحظات وزفر ثم أردف : هذا وإنِ استمر نسل قبيلتنا ...
أتعجبُ منكِ يا أختي , كيف يمكنك التظاهر بالقوة إلى
هذا الحد ؟ ألا تخافينَ الموتَ ؟

أم أنك ساذجة لدرجة ظنكِ أن الحرب بعد كل تلك
الأرواح التي سلبتها سترحمُنا ؟

ظلَّ أخي يتكلمُ ويشكو , وكأن ختمَ إيقاف الحربِ كان
بين يدي وأنا أخفيته , وكأن حماةَ أرضي طلبوا روحي
فداءَ التحرير ورفضت ...

كمْ كنتُ حزينةً ومقهورةً على شبابِ أخي , فقد كانَ ينظرُ إلى
السماء التي تكحلت بلونِ عينيه ويتمتمُ مرتجفًا, شعرتُ
حينها أنَّ الخوف قد أحرق روحه وأذبلها منذُ وقتٍ
طويل دونَ إدراكٍ منّي ولا شعور . وماهي إلا لحظات
حتى شعرتُ بيدِهِ المرتجِفَةِ تتلمَّسُ يدِي فجأة ,
حاول استجماع قواه وقال : ليلةٌ مظلمةٌ بلا نجوم ,
فضَّلَ القمر فيها الرحيل على البقاء خوفًا من ظلام
الحربِ الذي كان أعمق من ظلام هذا الليلِ , ألا تذكركُ هذه
الليلةُ بإحدى الليالي الخوالي يا كفاح ؟

رفعتُ ما كان متدليًا من خصلاتِ شعري بطوق الورد
خاصتي وتنفستُ الصعداءَ ثم قلتُ : أتقصدُ الليلةُ التي
سرقت فيها الهيجاءُ روحَ شقيقيَّ قاسمُ الأشوس ,
الليلة التي جلسَ فيها العَدُوُّ فوق دمائِهِ مسترخيًا ظنًا منهُ
أنَّ رُوحَ الكِفاحِ مع روحِ الهزبر قد ماتتْ .

زَفَرَ أخي بقوة , فشعرتُ حينها أنه بحاجة إلى حضني
فلم أبخل عليه , وعندما ألتقت أعيننا في
غسق الدُجى سألته قائلةً : أتخافُ الموتَ يا عثمانُ ؟

لم أكد أن أُتِمَّ كلماتي تلك حتى قال : نعم أظن هذا ,
أعلم وجهَةَ نظركِ قد يكون الموت خيرًا من حياةٍ بانتظاره ,
لكن المشكلة تكمن في كيفية خروج الروح .

أتعلمين يا أختي ؟ أصوات السلاحِ مؤلمةٌ وقاسية ,
كلما سمعتها أشعرُ وكأنها مصنوعة من الظلام ,

أخبريني كيف عساي أتحملها وقد كانتْ تزعجني
ضحكاتُك البريئة ؟ في الواقع يا أختي أظنني أخاف
مما بعد الحرب , من جوع وتشرد وجهل وضياع ...
سرقت منا هذه الحربُ كلَّ شيءٍ ولم يتبقَ لنا من أرضنا
سوى التراب وهذه السنديانة ,ألا تستحق منا هذه الحرب
بعد كل ما فعلته الخوف على الأقل ؟

لمْ أَكَد أفتحُ فمي للردِّ حتى اقترب منّي أشبال أخي الشهيد ,
لم أحبذ الخوض بالحرب وإظهارَ خوفِ أخي على
مسمعٍ منهمُ لكي لا أُحرِجَهٌ فآثرتُ أخذَهُمْ وَ الرَّحيلَ .

كان ابن أخي مراد انسانًا هادئًا دافئًا كشمسِ نهارِ الربيع ,
لطالما وصفتهُ بأنهُ مشرقٌ مرهفٌ بالأحاسيس ,
قويٌ هزبرٌ في ميادين القتال . أما شقيقتهُ عتيقة
فقد كانت إنسانةً متفائلة إلى أبعد الحدود ,
تنظر للحياة دائمًا من منظور الربيع الذي لا ينجلي ,
ولأنني تمنيت أن يتطبع أخي بذرة من طباعِها
جعلتُ منها خليلته وصاحبته .

و لمّا كان موقعُ قريتِنا متوسِّطًا بين مستوطناتِ العدوِّ
وقواعِدِ المقاومَةِ , كانَ علينا أن نكونَ حذرينِ
محتاطين
فإغضابُ مستبدِّنا لا يُكَلِّفُهُ سوى قنبلة
واحدةٍ من مدفعيتِهِ القاهرَةِ التي تكون حتمًا كافيةً
لإزالةِ قريتِنا عن خارطةِ بَلَدِنا المحزونِ .

سرتُ لدقائقَ مع مرادٍ , كنت أحدثهُ عن حالِ أخي
لعلَه يجدُ حلا يزيلُ ضيقة صَدري هذه .
فقال : لن تقتل الحرب عمي وإنما خوفه هو من سيقتله .

لأول مرة شعرت بقلةِ الحيلة , أنا كفاحٌ شعرت أن جبالًا
حالت دون أن أجدَّ ما يرفعُ الهم عن صدرِ أخي.

فقلت بكدرٍ : وهل سنتركهُ ضحية للخوف يا مراد ؟
أخاف أن يفقد عقله .

ابتسم وأجابني قائلًا : ستحل عندما يقرر مقاومة العدوِّ ,
عندما يجد شيئًا ليقويَّ نفسهُ من أجلهِ .
عمتي إنه الذكر الوحيد في هذه القرية الذي لم ينضم لصفوف المقاومين سيشعر بالحاجة إلى هذا عندما يجد الجميع قد ابتعد عنه .

قاطعتهُ بقولي: أمانُكَ يا الله , ينضم لماذا وهو في حالةٍ كهذه؟
يَسْكُتُ قَلبُهُ إن رأى سلاحًا ,حماه الله.

وبعد بضع لحظات سُمعتْ أصواتُ صرخات عميقة ,
مختلطةٌ بأصوات البنادق وروائحِ البارود .
أخذتُ نفسًا عميقًا حينها وقلت لمرادٍ : لا بدَّ أنه دَورَنا الآن .

لم أتمَّ جملتي حتى تذكرْت أخي , ركضتُ باتجاهه
كمن بعقلها خرق . اتسع صدري عندما رأيته ,
وإن كان بحالٍ بائسَةٍ كهذه . كانَ متمسكًا بسنديانته
الأخيرة ويلهث . اقتربت منهُ وقلت لهُ بعجلة :
هيا يا عثمان , لا وقت لدينا للخوف .

أجابني إجابة أحرقتْ ما لم يحترقْ من قلبي ,
فقد قال : كفاح , إن ذهبت وسلمتُ نفسي لهم سيعطونني الأمان ؟

احتضنته مجددًا وقلت : لا أمانَ لك إلا في حضني ,
لا تخفْ , أجعلُ من نفسي درعًا لأحميكْ .

أوقفني مرادُ عن الكلامِ وجعلني أسحب أخي من
مكانهِ بقوله : عمتي أرجوكِ , سيصلُ المقاومونَ إلى هنا
, إن لم يأسرنا العدو ستزهقُ أرواحنا ونضيع في
غياهب الملحمة التي ستقع , أرجوكِ دعيني
أؤمنكم في مكان ما لتتسنى لي فرصة القتال .

ابتسمتُ في وجهه قائلةً : حسنًا وسأقاتلُ أنا أيضًا
, أنتَ خُذ عتيقة وعثمان إلى مركز المقاومة وأحضر المساعدةَ .

والتفتُّ إلى عتيقة وأردفت قائلة : عتيقة , هيا أحضري لي البندقية .
أخذ أخي يصرخ , شعرتُ أن صرخاتهُ تلك قطَّعَت
أحشاءه أثناء خروجها , كنت أعلمُ أنه لا يريدُني
أن أموتَ , فقد شهدَ ذلكَ المسكين موت أخيه ووالدهِ من قبل .

هممتُ بقولِ ما يهدئ روعه لكني سمعتُ صوت رصاصةٍ خرجتْ على مقربةٍ منّا
, فالتفتُّ فإذ بي أرى مرادَ ساقِطًا على الأرضِ عاجزًا كجثةٍ هامدةٍ .

رميتُ بنفسي إلى جانبهِ أتحسسُ نبضه , لم يكنْ قلبُ شبليِ ينبضْ ,
ولم نملك حينها وقتًا للبكاء فَقدْ كانَ الملعون الذي أطلق نارًا على خيرة شبابِ هذه الأرض يهيننا , ويتمادى في أحلامه التي ما كان لينالَها وإن مِتنا .

وبينما كان العشراتُ من أقرانهِ يقبضونَ على الأهالي حتى جاءَ حماةُ ديارِنا
, جاؤوا متسلحين بالإيمان وحب الوطن قبل العدة والعتاد
, جاؤوا وبثوا الرعب في نفوس أشباهِ الرجال هؤلاء
الذين عندما أدركوا حقيقة هزيمتهم استداروا للانسحاب .

عندما استدار ذلك اللعين ليهرب فوجئنا برصاصة
مزقتْ أشلاءهُ القذرة , وصُعِقنا عندما عَلمنا أنها
خرجتْ من تلك البندقيةِ التي كانت بين يدي أخي .

نظرتُ إليه مُتعجبة , أنَّى لهُ أن يعرف كيفَ يستعمل السلاح ؟
أم أنني كنت أتخيلُ ؟ لم أسلهُ أبدًا ,
وبقيت أناظرُ أولئكَ الفارّينَ رغمَ كل ما لديهمْ من سلاح .
أصبتُ بالسوء عندما توقف أحدهمُ عند جثة صاحبه
التي أزهق روحها عثمان , لم يردْ الهرب خاسرًا تمامًا فلف
يده المخضلة بالدماء حول عنقي وأخذني معهُ دون حولٍ منّي ولا قوة .

أخذتُ أصرخُ , وعتيقة وعثمانُ كذلك , كانا يلحقانِ بي ,
وعندما شعرَ ذاك الجبان بذلك حملني على كتفه فأسقط
طوقَ الورود الذي كان على رأسي .

أدخلني خاطفي في سيارته الضخمة بعد أن شوَّهَ وجهي بصفعاتِ
يديهِ التي كانت أشبه بالحديدية , سارت بنا السيارةُ لأكثر
من ساعة علمتُ حينها أنني دخلت كيانهُ أو ما يجدر
بي أن أسميها أرضنا المحتلة .

أصبتُ بالإحباط والوحدة في غياهب السجون وظلماتها ,
وشعرتُ أن أعواد المشانق تنتظرني كل يوم .

بقيتُ هناك أشهرًا وأيامًا منها ما آكلُ فيها ومنها ما لا أرى فيها قطرة ماء .
دخل عليَّ ذات يوم رجل قبيح الهيئة والمنظر ,
قال لي بتعجرف : انتهى يا امرأة , سيطبق حكم الإعدام فيكِ اليوم .

لم أكن خائفةً من الموت قط , كنت أعيش حياةً
أظلم من ظلام القبر الذي سأوضع فيه
; لذا رفعتُ
رأسي وقلت لهُ كلامًا أزال جزءًا – وإن كان بسيطًا –
من الكدر الذي أصاب روحي .
وبعد دقائقَ قليلة أخرجوني من زنزانة الشؤم تلك وأدخلوني
إلى سيارة عسكرية قسرًا .
كنتُ قادرةً على رؤيةِ حشود الناس , الشامتين منهم والمحزونين ،
الصحفيين والجنود والمدنيين ، كانت أصواتهم تملأ المكان وتزيد على رعبه رعبًا .

توقفتِ السيارة فجأة ,شعرتُ أننا وصلنا إلى مشنقتي
لكن سرعان ما تغيرت فكرتي تلك عندما أمسك بي الجنود
وخرجوا من السيارة مذعورين.

رأيتُ العشرات بل المئات من أهل قريتي والمقاومين ،
كانوا يرابطون خلف الحدود ينتظرون رؤيتي؟! لا بل يريدون فعل شيء آخر ,, الخناجر والبنادق التي بين أيديهم تقول هذا .
صمت الجميع لبرهةٍ سمعتُ بعدها صوتًا كانَ مألوفًا بالنسبة إلي ،
شقَّ الصفوف ورفع بندقيته وابتسم لي ،، لم أصدق ما رأيتْ , أخي عثمان ؟!

وضعَ أحد الجنود بندقيتيه على رأسي طالبًا من تلك
الجموع التراجع , لكنه وبعد أن أدرك أنه لا نصر له قرر الانسحاب معي .

وفجأة انفجر رأسُ ذلك الجندي الذي كان ممسكًا
بي وَلوَّث دمُهُ القذر أرض وطني .
ابتعدت قليلًا باتجاه أقرانيَّ فإذ بهم يفجرونَ قلوب جنود العدو واحدًا تلو الآخر
, كانَ نصيبي من ذلك الاقتتال رصاصة خدشت منتصفَ كتفي .

اقتربت من أميرتي عتيقة و أسدي عثمان , كانَ شخصًا آخر , وكأن ابتعادي عنه جعل منه رجلًا مغوارًا .
عانقني وقال : أدركتُ في غيابك أن فقدان الوطن والأحبةِ أشدُّ فتكًا من الموت
, أدركتُ أنه لا عيشَ لضعيفٍ في ساحة حرب, وأرضنا يا أختاه ساحةُ حرب .
ربما لم أعِ هذا في وجودِ من يحميني , وإنما أدركته عندما أصبحتُ أعزلًا بلا حماية .


تمَّت .


[/ALIGN][/COLOR]
[/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN]
__________________

أريد أن يتسع فمي اتساع فوهة بركان لأصرخ في وجهك






رد مع اقتباس