عرض مشاركة واحدة
  #43  
قديم 12-20-2017, 01:01 AM
 
[cc=الفصل]
الفصل السابع
" الاجتماع| قرارات مختلفة "

- ما حدث لها؟!! أترينني تلك الشقيقة القلقة على أختها؟! إني لا أهتم لمشاكلها أو ما واجهته من متاعب, أياً كان ما ستقولينه فلن يغير من شعوري تجاهها شيئا!

نطقت بكلماتها الساخرة مأسورة بأحداث الرواية التى تقرأها, غير مدركة لمدى قوة وقع كلماتها على الجالسة بجانبها متصلبة.

لم تظهر أي ملامح على وجه مايا غير القسوة المتشحة بالبرود المنافس لبرود الجليد و هذا ما زاد من صدمة انجيل منها.
لم تكن تظن أن مايا تفكر ب تيفاني على هذا النحو و هي التى أخرجتها من سجن الجدران الأربعة الذي حبسها بعيداً عن العالم الخارجي!!
و لكم زادت دهشتها عندما رأتها تنقلب ناحية الجهة الأخرى فور ما أغلقت روايتها متدثرةً باللحاف.
ألسنت: غادري رجاءً, لست بمتفرغة لأستمع إلى حديث لا يعنيني.

بلعت ريقها قبل أن تتحدث بهدوء علَّه يمتص غضبها: أنى لك قول هذا عن شقيقتك؟!

نظرت لها باهتمام مريب يشوبه شيء من الانزعاج , فاضت بكلمات أكثر جنوناً -كما نعتتها انجيل- من سابقتها: لأنها قد أجبرتني على الخروج و تعدت على كسلي!!

جحظت عينا انجيل لوهلة سرعان ما أغمضتهما وهي تفكر داخلها في مدى غباء السبب الذي تراه مايا مهماً و مبرراً لكرهها أختها و معتقدةً أنه حجة مثالية!
هتفت في برود يشوبه شيء من التأنيب و السخرية: يا له من سبب سخيف, مهما يكن من المستحيل أن تكره الأخت أختها!!

انتصبت فور ما تسللت عبارة انجيل إلى سمعها, عقدت حاجبيها في انزعاج فتهادت كلماتها الشاكية: سخيف؟؟!! التعدي على خصوصيات الغير بات سبباً سخيفاً لكرههم؟! يا له من عالم دنيء هذا الذي أعيش فيه!
و علت نبرة الأسف و اليأس على صوتها لحظة نطقها لأخر كلمات جملتها!

رمقتها انجيل بحدة لتردف متجاهلةً جل ما قالته من تذمر: أحقاً لا يهمك أمرها؟!

لثانية أو ثانيتين لمحت بريق التوتر في عيني مايا العسليتين المشربتين ببعض من الاصفرار الآسر في جوفهما فسرعان ما بهت بريقها.

نطقت بعنجهية: فليحدث لها ما يحدث.

- حتى لو أنها قد تواجه الموت؟!

لوهلة ارتبك صوت مايا و أخرجت صوتاً دلَّ على قلقها إلا أنها عادت إلى وضعها غير المكترث: حتى لو قتلت.

تأففت انجيل بيأس فنزعت ثقلها عن الأريكة التى أصدرت صوتاً خافتاً كما لو أنها سعيدة بإبعاد وزنها عنها: على أية حال لقد سلمتك ما طلبته مني المعلمة و...
رمقتها بحدة انطوى خلفها تهديد كما تلك التى طغت على نبرتها: لا تأتي إلي باكية إن وصل إلى مسامعك صدفة ما حدث لها.

اكتفت بقول هذا ثم ابتعدت عن السرير بعدما تبادلتا النظرات لفترة تخللها توتر و كهربة الأجواء من حولهما و استغل الصمت تلك الفترة ليطغى بجبروته عليهما.

توقفت أمام الباب و ناظرت مايا بعمق انطوى خلف بريق كريمتيها ففهمت المستلقية ما تريده الأولى فأمسكت جهاز تحكم صغير كان بجانبها و نقرت على أحد أزراره فتح الباب و غادرت محدثة نفسها " تبدو كأنها تعرف كل شيء!!"

اكفهرت ملامح سوداء الشعر فتقلبت في سريرها بإنزعاج باحثة عن الهدوء, لكنها لم تشعر برغبة عارمة للنوم و كلمات انجيل تربك نبضات قلبها.
استلقت على ظهرها, و رمقت السقف ببريق باهت, يؤلمها انقباض قلبها, و تغلغل القلق داخلها متوغلاً في شتى كيانها, شعور غريب ينتابها،هي ترغب حقاً في معرفة ما حصل لتيفاني!

- تبا للتصنع!! يا لي من حمقاء لو اني جعلتها تخبرني ما حصل لما عانت روحي هكذا!
صمتت لفترة لعلها تشعر بالراحة النفسية بعدما أنبت نفسها بصوت مرتفع لكن لا فائدة, لازالت روحها ترتجف قلقاً و قلبها ينبض بجنون, هتفت مؤنبة تيفاني: إنه بسببكِ يا هذه! لما تحبين جعلي أقلق هكذا؟!...آه تباً.
صرخت غاضبة و قد أحمر وجهها نتيجة تجمع الدم في رأسها, دفنت نفسها تحت البطانية لتتقلب محاولة النوم, لكن روحها ظلت تعذبها و هي تناضل!

*~
نزلت على الدرج مسرعة لتتجه إلى الصالون من فورها فاستوقفتها السيدة كريستين و هي تضع الأطباق على الطاولة نتيجة لاتصال المطبخ بالصالون و لا يفصل بينهما سوى جدار محطم نصفه بطريقة فنية مبهرة.

ناظرتها باهتمام فنطقت قلقة متجهة إليها: هل أنتي بخير؟! إن ملامحك تدل على انزعاج, هل قالت لك مايا ما يضايقك؟!...سأريها تلك الفتاة!
ظلت تربت على رأس انجيل مطمئنة إياها فما كان من الأخيرة سوى أن ترسم ابتسامة صغيرة على شفتيها أثناء حديثها, و حينما أوشكت على اختتامه ابتعدت عنها لتصعد أول الدرج ناطقة آخر كلماتها بنبرة سكنها التهديد و الوعيد عاقدة حاجبيها و غزت الجدية تقاسيم وجهها!

أوقفها صوت انجيل المطمئن للنفس: لا بأس لم تزعجني البتة!
تراقصت على شفتيها تلك الابتسامة الزائفة المفيدة عادة مع الآخرين في مثل هذه المواقف, لكن مع فراسة و فطنة السيدة كريستين من المستحيل أن تنجح!
جارتها لحظة نزولها من الدرج و وهي تبادلها الابتسامة ذاتها: هذا جيد, كنت قلقة حقاً من أنها استشاطتك بكلامها, تعرفين كلام مايا كالخنجر المسموم يصيب الوتر الحساس ليكون سبباً آخر في ابتعاد الآخرين عنها! إلا أنها فتاة لطيفة حقاً و تبذل قصارى جهدها لإظهار جانبها الحنون, فلا تعتقدي أنها نرجسية أو متكبرة عزيزتي!!

لم تلحظ انجيل الابتسامة المصطنعة على وجه السيدة كريستين, لكنها التمست الأناة في نبرة صوتها لتنبلج ابتسامتها الملائكية رغماً عنها!
تحدثت بأدب جم: أعلم ذلك.
انحنت لها برقي ثم اتجهت إلى الباب, وقفت في الحديقة وتطلعت نحو نافذة مايا لتتنفس في ضيق و تنبس لذاتها:
" فلتفعل ما يحلو لها"
*~
لم تستطع أن تصف شعور السعادة الذي غمرها، تفجرت شحنات الفرح داخلها و استوطنت هالاتها شتى كيانها و شقت البهجة تقاسيم وجهها الذابل.

تألقت ابتسامتها و تلألأت عيناها الترابية كما تتلألأ النجوم في كبد السماء الأدجن، و عانقت الطمأنينة و الراحة قلبها لحظة رؤيتها لجثمان صديقتها المنتظر!

استكانت روحها و هدأت ضربات قلبها فلم تعد تؤلمها، و الهدوء قرر أن يؤنسها فنفضت عن نفسها القلق و الإرهاق الذي أثقل صدرها.

أحست بحرارة تلسع وجنتيها و كذلك عينيها، و ما هي إلا لحظات حتى انهمرت دموعها كزخات المطر ، بخطى سريعة خطت نحو كورال لتهوي بجانبها و تحتضن جرمها بعدما رفعته عن الأرض.


ربتت برقة على رأس رملية الشعر لتتهادى كلماتها المتلعثمة من السعادة : سعيدة انك بخير...لا تعلمين مقدار قلقي عليك حتى أني آذيت نفسي, رغبة مني لإنقاذك مما كنت فيه، إني سعيدة للغاية حتى أني قد أموت الان!!

ابتعدت عنها و جذبتها من كتفها لتضعها بجانب زووي، جلست أمامهن ترمقهن بنظرات طوت الأمان بين ثناياها و قد لسعت البهجة روحها كما تلسع ندبات الثلج المتساقطة البشر.
*~

فتحت باب المنزل بخمول غلف حركاتها و ذبولٌ رسم على ملامحها, نطقت ببرود: لقد عدت.

استقبلتها والدتها برحابة صدر أمام الباب و معالم التفاؤل و السعادة تشاركتا في احتواء تعابيرها: هل سحقتي مايا هذه المرة؟
و قد طافت زرقاوتيها في رحاب الأمل, واثقة أن ابنتها حققت ما كانت تبتغيه!

سرعان ما بهت لمعانها لحظة نطق انجيل لكلماتها الخاملة أثناء نزعها لحذائها: و كأن السنة تعيد نفسها!
فهمت معنى عبارتها القصيرة فثبط حماسها و اعتلى الإحباط ملامحها الجذابة, قالت بصوت هادئ: هكذا إذاً, لابد من أنها تبذل جهدها كل مرة! هذا مذهل حقاً!
التفتت عائدة إلى الصالون و أردفت بغير اكتراث نتيجة لتفشي الحزن في كل طرف من جسدها مسبباً حرقان قلبها فقد أرادت أن تبتهج و تتفاخر لكون ابنتها في المرتبة الأولى و لو لمرة واحدة: هناك ضيف يبحث عنك.

عبرت الممر الطويل و شعرها الأسود القصير يتحرك متزامناً مع حركاتها و لم تكلف نفسها ارتداء ملابس مكلفة بل فضلت ارتداء المريحة.

انطوت الدهشة أجزاء وجهها كما تلك النبرة التى سيطرت على صوتها: ضيف؟!
و استكانت في مكانها متخشبة, تتساءل في قرارتها عن هذا الضيف الغريب الذي أطل عليهم دون سابق إنذار, و قد أكدت لنفسها بأنها لم تدعُ أحداً لزيارتها من أصدقائها أو بالأصح صديقتها, فمن هو هذا الغريب؟!

بعد فترة أحاطتها ظلت فيها متصلبة في مكانها تحركت قدمها اليمنى تسبق قرينتها عابرة الدهليز لإشباع فضولها الهائج حول هذا الضيف, و قد استبدلت عيناها الخمول بأخرى برق فيهما الفضول!!

*~
تغلبها في منامها و عقد حاجبيها و إخراج أنين حاد بين فترة و فترة ،كل الدلالات تشير إلى شعورها بالإنزعاج و الضيق اللذان يجريان مجرى الدم في عروقها!
أخرج لها عقلها الباطني أسوأ السيناريو الذي من المحتمل أن تمر به تيفاني, فارتج جسدها و عكفت روحها عن إيجاد الراحة من هذا كله!
أما آن لها أن ترتاح و لو لدقيقة واحدة؟! إن هذا يؤلمها باطنياً أكثر من الظاهر, ألا يكفي أن القلق يعانق جرمها و اخترق حيَّز هدوئها؟! أيجب أن تعاني هكذا؟! تخترق الكوابيس سراديب عقلها فتخرج لها الأسوأ, ألا يحق لها ان تنعم بالسلام الداخلي؟!
فقط المفر من هذا كله!!
وصل الأمر معها لحده فانتصبت في جلوسها و ظلت ترمق غرفتها بتوتر انبلج على ملامحها يشوبه شيء من الإرهاق نتيجة لتفكيرها المستديم بأختها!
هتفت بغضب مدفون داخل كيانها النحيل: تباً لك تيفاني! فلتتبوأي مقعدك من النار! إنها أول مرة خلال حياتي السادسة عشر أكره فيها النوم! هل تتصورين حتى؟! مايا تكره النوم بسببك؟!!!! آه حقاً, عليك أن تدفعي ثمن ذلك بأي طريقة!
تأوهت متألمة كردة فعل طبيعية لإنقباض قلبها بقوة كأن شخصاً ما أخرجه من قفصها الصدري و عصره بين يديه بدون هوادة قبل أن يتحول الى أشلاء تتطاير الدم في الأرجاء!
أمسكت قلبها و ضغطت عليه حتى تجعدت ثياب نومها, انحنى جذعها وبدت معالم الألم على وجهها القاسي, لم تستطع إخراج أي صوت غير تأوهات مبحوحة متقطعة و حارة دلت على ما تمر به من ألم لن يفهمه أحد غير من كانوا على نفس القارب!
أرجعت جسدها إلى الخلف و استلقت على ظهرها بعد جهد مبذول من جهتها, داخلها تجري الحرارة كما لو أن البركان قرر صب حممه داخل جثمانها الذابل و لم يجد غيره ليحتوي نيرانه!
بالكاد نطقت قبل أن تفقد شعورها بوجوده و أنفاسها تبتر عبارتها بين الفينة و الأخرى: تباً...إنه بسببها...لقد عادت تلك الحالة....
امتدت يدها ببطء إلى جانب وسادتها, أمسكت بجهاز التحكم و نقرت على زر فتح الباب و حاولت رفع صوتها قدر ما تستطيع علَّ والدتها تسمعها و بذلت ما تقدر من جهد لرفع مستوى ظهرها: أمي~
انجلى صوتها و تدريجيا أغلقت حدقتيها لتسقط مغمي عليها كالجثة الهامدة بلا حراك نتيجة لضغطها المنخفض! و من معالم وجهها تعرف مدى الإرهاق و التعب اللذين مرت بهما, ليبلل عرقها جسدها فما كان منها سوى أن تغرق فيه!
~*
تباعدت أهدابها عن بعضهما ببطء احتواه حذر و حيطة فكشفتا عن عسليتيها فور ما عاودت إغلاقهما لحظة اصطدامهما بالضوء المعمي المنبثق من الثريا المعلقة, فتحتهما مرة أخرى بعد فترة بسيطة و لم يترك الحذر حركاتها وإنما تضاعف أضعافاً مضاعفة, قطبت حاجبيها و جالت الغرفة بنظراتها المتسائلة, و علامات الدهشة تعتري عرش وجهها!
أرهف سمعها صوت من المستحيل أن تنسى صاحبته: لا تتفاجئي لقد انتهت المرحلة الأولى, إننا في استراحة الآن, فلتتخلي عن حذرك و حيطتك المبالغ بهما!!
انفجرت أساريرها و تنقلت بين شرايينها فتهلهل وجهها, قلت نبضات قلبها شرعة, و استراحت ذهنياً و جسدياً أخيراً كما كانت تتمنى في داخلها طول فترة المرحلة الأولى, التفتت إلى صاحبة الصوت بابتسامة شقت ثغرها فتوهجت عسليتاها و توغلت السكينة متسللةً إلى شتى أطرافها!
اندفعت معانقة إياها كطفل صغير لم يجد الأمان في أي مكان كما وجده عند جحر والدته فعصرها بين ذراعيه الصغيرتين عطشاً و جشعاً في أمانها فأردفت بصوت ينبأ بنوبة بكاء حبستها صاحبته: لا تعرفين كم كنت خائفة و قلقة, اعتقدت أنني سأموت هناك, ذكريات تلك الأيام لم تنفك عن غزو سراديب عقلي و مهاجمتي نفسياً حتى ظننت أن الوقت يعيد نفسه!
بادلتها العناق برحابة صدر و ابتسامة هادئة تتراقص على شفتيها, همست بصوتها الدافئ: أعلم كم هو صعب ما واجهته.
جرت السكينة مجرى الدم لدى كورال و آنست بالدفء يلتف حول قلبها, أعقبت: لا تعلمين كم كنت خائفة!, خفت من الموت و من فقدانكم, خفت من والدي و اهتز جسدي تلقائياً, إن الأمر أشبه بلعنة أرسلها إلي, مرة أخرى لا أريد أن أكون بمفردي.
-كلا لن تكوني بمفردك, سأكون معك, لا تقلقي
ابتعدت عنها و مسحت على شعرها برقة و أردفت:- ثم إنك تغلبتي عليهم بمفردك, انتِ مذهلة جوليا...
بترت حديثها ب تأوه أُخرج منها مغتصباً كردة فعل لضربة تلقتها من كورال التى عقدت حاجبيها في انزعاج, و أبرمت ملامحها و نظراتها القاتلة المصوبة ناحيتها لا تبشر بالخير أبداً بل بنقيضه, هتفت متحججة تلمس كتفها الأيمن الذي تعرض للضرب: ما ذنبي إن كان اسمك الحقيقي؟!
-لهذا السبب أكرهه
اجابت مشيحة بوجهها للجهة الأخرى في ضيق و قد طغى الحزن الذابل على وجهها كما تلك التي طغت على نبرتها.
صمتت تيفاني و قد توزع الحزن في تقاسيم وجهها كتلك الطاغية على وجه كورال, أطبق جو من الصمت المثقل المريض عليهما و كلتاهما تفكران في ملحمة كورال المستساغة في عبارة واحدة تجمعها كلها " المعاناة ".
لكم عانت مع والدها المريض الذي لا يستحق أن ينادى ب والد, فلم يرحمها من ضربها أو حتى شتمها و البصاق عليها, حتى وصل به الحد الى أن يستخدم جسدها لإطفاء سجاراته اللعينة, لم يجعلها تعاني ظاهرياً بل باطنياً أيضا, فكم مرة تمزقت روحها بسببه و هي تصر في نفسها أنه يريد التنفيس عن غضبه لا غير و سيعتذر لها فيما بعد, إلا أنه لم يكن من هذه النوعية من الآباء!

أيعلم حتى كم مرة ذرفت الدموع لأجله؟! أيدرك مدى حبها له في صغرها و مهما كان ما يفعله بها إلا انها تبتسم في وجهه؟! ألا يفتقد تلك الطفلة التى كانت تستقبله عند الباب كلما جاء من عمله معانقة قدميه؟! ألا يفهم مشاعرها؟! لماذا يصر على تعذيبها حتى بعد أن ابتعدت عنه؟!!, كفى بكل هذه الترهات كفى, فلتختفي كما تذروا الرياح حبيبات الرمل, فقد لتمت بأسوأ ميتة قد يموت بها الإنسان, لو أنها تعرف كيف تكسر هذه اللعنة البغيضة لفعلت من الأزل!
نفضت كورال رأسها فور ما تسللت تلك الذكريات في عقلها للحظة لم تستدركها حواسها فقد غفلت عن العالم و سبحت في اللاوعي, ارتجف جسدها للحظة و تعرق وجهها.
تربعت في جلوسها بوهن و توغل الألم أطراف جسدها بمجرد تذكر تلك الذكريات الأليمة التى تأبى الاندثار.
فتحت تيفاني فمها موشكة على قول شيء ما علَّه ينسي كورال كل تلك الندبات بعدما لمحت الألم و الأسى قد طغيا تماماً على ملامحها و جسدها و روحها! لكن منعتها صرخة زووي غير المعتمدة من ذلك: تيفاني!!
أجفلت تيفاني في خوف و انتفضت كورال في مرقدها هي الأخرى, دوت صرخة زووي النائمة البرج بكل أجزائه محطمة بذلك حاجز الصمت الذي دام لوقت ليس بطويل لكن بالنسبة لهما بالطبع هو وقت طويل!
اعتلت ابتسامة صغيرة عرش تيفاني عندما التفتت إلى البريئة النائمة مؤكدة في داخلها أنها تحلم بمقاتلة تلك العفاريت: إنها مذهلة حقاً!
رمقتها كورال باهتمام في حين كانت نظراتها متركزة على زووي, حثتها عسليتا الأولى على الإكمال, فاسترسلت ممتنة لزووي: لقد كدت أن أُقتل في لحظة ما! لكنها قامت بحمايتي رغم إصابتها بالحمى!
همهمت كورال ثم رمت نظراتها الخاوية على زووي, فغبطتها في داخلها على شجاعتها التي ألجمت الألسن!
همست في شيء من الإعجاب المنطوي خلف نبرة البرود:- إنها مثيرة للإعجاب حقاً!
وافقتها تيفاني عبر إيماءة من رأسها, تأففت كورال و نظرت الى السقف ثم جالت الغرفة بنظراتها الثاقبة محاولة تحليل الغرفة التى تتواجدان بها كعادة متأصلة بها منذ الصغر.
لم يكن هناك ما يعطي أي تلميح للمرحلة الثانية فخلو الغرفة من أي أثاث ساهم في غرابتها, و لم يجذب اهتمام كورال غير الثريا المعلقة في الأعلى ثم تجاهلتها مدركة أنه لا علاقة لها في الأمر, هي وجدت فقط لإضاءة جوانب الغرفة و اختراق خلوة الظلام!
قالت بحدة أبرزت مدى ذكائها: على ما يبدوا أن الجولة الثانية ستبدأ هنا في هذا الحيز الفارغ!
بحلقت فيها تيفاني بشيء من البلاهة: ما أدراك؟! أهي حاستي البصر و العقل؟!
و كم كانت واضحة نبرة التهكم التى علت صوتها!
ناظرتها كورال بطرف عينيها و قد اجتاحتها رغبة عارمة في قتلها, فابتسمت المعنية ببراءة علَّها تمتص غضب الاولى, فهما في موقف لا يقبل فيه السخرية
-إنها حاستي السادسة
تأففت و قالت عباراتها مبحلقة في الفراغ بسكون.
هزت تيفاني رأسها لأعلى و أسفل مجارية رفيقتها التى تفكر بشيء يصعب وصفه داخل جرمها!
استدركت تيفاني بعد مضي وقت ليس بالطويل و لا القصير أمراً أرادت مناقشته مع كورال فتكلمت ضاربة قبضتها براحة كفها مما انتشل الأخيرة من شرودها:- آه صحيح...لقد سألتني زووي عن ماضيك..
بترت كورال عبارتها بحدة بعدما تجهم وجهها و طفت غشاوة ضبابية على عينيها منعتها من رؤية ما حولها فقد أطل الغضب عليها جاعلاً إياها عمياء لا ترى فعقدت حاجبيها: و هل أخبرتها؟!
و تأكدت من أن لا يخلو صوتها من التهديد و الوعيد.
أجفلت تيفاني خائفة و قد قبض قلبها بقوة آلمتها فهي تخشى غضب كورال فلا تحمد عاقبة من يغضبها! و بلعت ما وجدت من ريق علَّه يمتص توترها.
رفعت يديها أمام وجهها الأبله مدافعة عن نفسها و قالت بارتباك مؤكدة: لا... لا طبعاً لم أخبرها...لم أخبرها...آه إني أقول الصدق فصدقيني!
وقد طغت نبرة الترجي صوتها كتلك التي حاصرت ترابيتيها!
تنهدت في ضيق و أعقبت: أصدقك يا هذه...إني أصدقك...لكن...
و فضلت أن تختتم عبارتها بتوتر انبلج على صوتها فهي لا تستطيع التعبير عن شعورها بالكلمات, ببساطة لأنها لا تمتلك هذه القدرة التى تمتلكها تيفاني فبالتالي تسهل على الآخرين فهمها, لكن الأخيرة لا تبوح بما تشعر به!
تسألت تيفاني بعد دقيقة من التردد و قد اتضح على ملامحها مقدار توترها: إلى متى ستظلين صامتة و جعلهن محتارات هكذا؟!
هي حتماً استعدت لتلقي غضب كورال التى قد تفجره عليها, لأنها لن تتجرأ – رغم جرأتها- على الحديث عن ماضيها لأي شخص, ففضلت أن تغلق عليه بينها و بين تيفاني و قلة من الأشخاص الذين شهدوا الحادثة!
أجابت ببرود عميق احتل نبرتها: قريباً...قريباً جداً
ناظرتها تيفاني باهتمام شاركه شيء من عدم التصديق ففي داخلها ليست متأكدة إن كانت ستخبرهم حقا.
مدت خنصرها مذُ أنها غير متأكدة منها و قالت ببراءة نقية سيطرت على صوتها و وجهها: وعد؟!
استغربت كورال حتى أنها فغرت نصف فاهها لكنها سرعان ما ارتسمت ابتسامة لطيفة على ملامحها و مدت إصبعها هي الأخرى و أعقبت: وعد
و قد استطاعت باحتراف أن تخفي ابتسامتها المصطنعة و حزنها الذي عانق ملامحها عن تفاني! و مع ذلك ابتسامة صغيرة شقت ثغرها عندما فعلتا وعد الخنصر.
أو هذا ما ظنته كورال في داخلها, إنها لا تعلم أن تلك الإبتسامة التى ظنت أنها أخفتها بامتياز و ملامح الحزن قد انبلجتا و بوضوح في عينا تيفاني فاستدركت الأخيرة مدى تعمق الجرح الذي تركه والدها داخلها و كل مرة يزداد فيها تعمقاً إلى حد قد يصل بها إلى الانتحار لربما لا يوجد له أي علاج سوى لقاء والدتها بعد مرور سبع سنوات من الفراق!!
*~
- انتي على الأرجح مندهشة من قدومي رغم أننا لا نعرف بعضنا البعض, لكني أؤكد لك أني لم آتي إلى هنا عبثاً! لقد أتيت لأستفسر عن مسألة حيرتني فوثقت أن الإجابة عندك!
تحدث أبيض الشعر الذي نافس الصقيع في لمعانه و لونه و لربما كان أجمل منه حتى بلطف و رقة تبنتا نبرته الضخمة و حاول قدر استطاعته أن يلين من ملامحه القاسية, و توهجت لازورديتيه حينما وقعتا على المتمثلة مقابله بفصل بينهما طاولة بأربع أرجل قصيرة تموضعت فوقها كؤوس سبح فيها عصير الليمون الذي قدمته والدتها لكلاهما.
تنهدت بهدوء و جالت الغرفة البيضاء المفعمة بالحياة بسبب أثاثها الفاخر الذي تماشت ألوانه مع حائطها بعينين نائمتين, رمت كريمتيها عليه بعدما شردت في المجهول و قالت بنظراتها الخاوية مثل نظرات الموتى: لا بأس, فقد أنقذتني فيما سبق.
اكتفت بهكذا عبارة و التزمت الصمت شاعرة بأنه ما من داعٍ لحشو الحديث بكلام لا معنى له, انتابتها ثقة عالية بأنه فهم ما اختصرته من امتنان في هذه العبارة.
شعر هو عندما سمع نبرتها الهادئة بأنه بحاجة إلى الدخول لصلب الموضوع دون مقدمات سخيفة في نظرها!
فاندفع قائلاً: ما العلاقة التى تربطك ب زووي و صديقاتها؟!
ارتفع فمها لأعلى كاشفاً عن ابتسامة متهكمة فأجابت بسخرية: هل أنت ولي أمرهن لتسألني هكذا سؤال؟!
دهش منها و قد توسعت حدقتيه و هو الذي توقعها كيان جسد اللطافة, و ما زاد من صدمته منها هو علو موسيقى ضحكاتها الغرفة برقة و أردفت بلطف: المعذرة كنت أمزح فقط, إني شقيقة كريستال
صمتت لفترة لتسترسل ببراءة طغت على ملامحها و دفعت بجسدها إلى الأمام بفضول منها: ما علاقتك ب زووي؟!
أجابها برقة التمستها في صوته: مجرد صديق التقيت به قبل أسبوع.
أومأت برأسها متمتمة بكلمات لم يفهمها بل لم يسمعها حتى, أكمل هو حديثه معرفاً بنفسه بعدما استشعر أهمية ذلك:- ادعى بيك مخترع ألعاب...على الأرجح أنتِ تعرفين اسمي!
لم تكن هناك صدمة مر بها أقوى من هذه الصدمة التى حطمت قلبه و حولته إلى أشلاء, أنها لا تعرف اسمه و ليست مهتمة بالألعاب ،شعر بالإحراج من تلبسه رداء التبختر أمامها, ليبتسم ببلاهة أخفتها وسامته الصارخة.
حثته على الإكمال عبر صمتها فأردف: أتيت إلى منزلها لأخذ الملاحظات حول لعبة ما.
امتلأت رئتيه بالهواء الذي سحبه ثم أعقب: و ما الذي كنت تفعلينه هناك؟!
و عندما شعر بغباء سؤاله؛ فهي حتما ذهبت لزيارة أختها, غيره متلعثما موضحاً إياه: أعني ما الذي حدث هناك؟! تعلمين...الحريق و اختفاء الفتيات...
و صمت عالماً بأنها استدركت سؤاله, حيث انبلج ذلك على سماتها, أجابت بتردد استوطن حركاتها و نبرتها: لا أعلم عن سبب اندلاع الحريق و لكن حول اختفاء الفتيات...لقد رأيت...
صمتت مترددة إخباره عما رأته من ابتلاع الدوامة الإهليجية للفتيات و حاورت ذاتها واثقة من أنه لن يصدقها, لاحظ مدى توترها عندما تشتت نظراتها في أرجاء الصالون.
فحثها قائلاً مقدماً جسده إلى الأمام ومرخياً يديه المتشابكتين عند ركبتيه و ملامح الجدية سكنت وجهه و نبرته: الذي رأيته؟!
التقت لازورديتيه بمثيلتيهما العسليتين, انبثق لمعان من الأولى امتص توتر الأخيرة, رمشت مرتين ثم تحدثت بعدما قضمت شفتها السفلية و أفرغت ما في جوفها من هواء: ربما أنت لن تصدقني لذلك سأحيطك علماً أني و الكذب كالزيت و الماء لا نتوافق البتة!
سحبت نفساً عميقاً فيما أومأ هو برأسه, نطقت بحدة: لقد رأيت ما حدث بأم عيني, انبثقت دوامة إهليجية من التلفاز و سحبت أجرام الفتيات ناحيتها لتبتلعهن!
بحركة تلقائية أغمضت عينيها و قد غُسِلَ عقلها بفكرة سخريته عليها و صدح صوت ضحكته الرنانة, إلا أنها لم تسمع أي مما اعتقدته, ففتحت نصف كريمتيها ببطيء و عندما رأته يبتسم تلك الإبتسامة الجذابة لها فتحت عينيها عن آخرهما و قد طغت الصدمة وجهها!
تحدثت متباعدة الكلمات: هل...تصدقني؟! بريق جذبها ناحيته فشعرت بالأمان و الراحة معه: أصدقك
و كم لامست هذه الكلمة الصغيرة قلبها فأعادت له الحياة بعدما كاد أن يتوقف خوفاً من تكذيبه لها, و مع ذلك لا تزال تريد التأكد إن كانت الكلمة البسيطة هذه صادقة أو كاذبة!
أعقبت عليه و ملامحها مشدوهة: ألا تعتقد اني أتحدث من ضرب الفراغ؟!
تعالت موسيقاه الأرجاء بسبب ملامحها المضحكة, نطق: ألم تقولي قبل قليل أنك لا تتوافقين مع الكذب؟
أومأت له و الدهشة لا تزال تعلو وجهها فأردف: لهذا صدقتك, يبدو عليك أنك من تلك النوعية التي تكره الكذب.
هزت رأسها مرة أخرى و هي لا تزال غير مستوعبة لحديثه, فمن تخبره بما رأته سينعتها بالجنون لكن...هو...هو صدقها!!
ابتسمت له تلك الإبتسامة البريئة الرقيقة التى حركت مشاعره فشعر داخله كما لو أنه يرى أخته و ليست فتاة غريبة عنه!
فسألها فضولاً: ما هو اسمك؟
-انجيل
-إن اسمك يناسب شخصيتك حقاً.
بينما قهقهت هي بأنوثة أكمل بيك حديثه: هل تعرفين الى أي بعد سحبن؟!
أومأت له برأسها و قالت: إنهم داخل لعبة
-لعبة؟!
تبنت الصدمة صوته كما تبنت ملامحه!
-أجل, خذ هذا هو السي دي!
كانت تفتش حقيبتها أثناء حديثها, فمدت له يدها الممسكة بالسي دي المتوهج بألوان غامقة متداخلة ببعضها!
أخذه فقلبه بين يديه و معالم الجدية و الحدة يرافقهما شيءٌ من الاهتمام طغت على تعابيره!
نطق و لازورديتيه لم تبرحا التوهج الذي جذبهما و أغواهما للنظر إليه فقط و الانغماس في أعماقه: إنه غريب جداً...حسناً خذيه و لتأتي غداً إلى الشركة!
أعاد لها ما أخذه منها و أخرج بطاقة سوداء نحتت عليها حروف بيضاء متشابكة بطريقة فنية من جيبه و مدها لها مع قوله: لنتناقش حولها و لربما سنجد حلاً لإخراجهن مما هن فيه!
انتصب واقفاً من على الأريكة الرمادية المفترش فوقها قماش مخطط بالأسود و الأحمر, وقفت هي الأخرى و قد انحنت له ثم رافقته إلى باب الخروج!
*~
عبرت أمام الغرفة ذات الباب الأتوماتيكي حاملة بعض من الملابس المطوية بعناية, جذب انتباهها الباب المفتوح فعادت مسرعة لتقف امامه, ظنت أن مايا قد قررت الخروج أخيرا لكن ضوء الدهليز الذي اخترق خلوة السديم قد أضاف قوة لحاسة بصرها فاستدركت استلقاء مايا الغريب وغير المعهود منها!

توسعت كريمتيها و اعتلى الخوف تعابير وجهها كما تسارعت نبضاتها و تقطعت أنفاسها, أفلتت الملابس من يدها بدون إرادتها و هرولت ناحيتها مسرعة!

جلست على طرف السرير و رفعت رأس مايا الى صدرها, ضربت خدها بخفة ناطقة بصوتها المرتجف: مايا؟! مايا؟! آه يالهي!! هيا استيقظي!!
أبت روحها الإستيقاظ و فضلت الخلود في جحر السديم الأدجن كما أبت هي الابتعاد عنها, فجلست بجانبها تربت بهدوء على رأسها بينما لم تعد تعرف ما تفعله بعد الآن!, عقلها فقد القدرة على التفكير فأصبح خاوياً خالياً من أي معلومات أو خبرات اكتسبتها من خلال عيشها في هذه الحياة القاسية.

في هذا الموقف تحديداً خذلتها قدماها و خانها قلبها فلن يرغب بالابتعاد عن الجثمان المهلك فظل يضرب قفصها الصدري بدون هوادة يذكرها بعدم تركها, فلم تجد خيار آخر غير الانصياع لرغبته!

تسارعت أنفاسها و ضاعت وسط هواء الغرفة البارد, حرارة ساخنة تحرق دمها و خلاياها تجري في شرايينها حتى أنها بدأت تفقد أبجديات الرؤية بسببها, غرقت في الديجور غير عالمة بما ستفعله في خطوتها القادمة لإيقاظ ابنتها!

مرت دقيقة أو دقيقتان بسرعة فكانت بالنسبة للسيدة كريستين كأن دهوراً قد مرت و هي خاضعة لقلقها الذي منعها من تحريك طرف واحد من جسدها غير رأسها الملتفت هنا و هناك و تشتت أنظارها في أرجاء الغرفة.

ما هي إلا فترة بسيطة حتى تباعدت أهدابها عن بعضها كاشفة لها ملامح غير معلومة لشخص أيقنت داخلها أنها تعرفه من نبرة صوته القلقة: مايا؟! هل أنتِ بخير؟!

عاودت إغلاق عينيها في وهن و ضعف ثم فتحتهما علّ كريمتيها تلتقط الصور بوضوح أكثر و هذا ما حدث فعلاً, تدريجياً بانت لها تقاسيم والدتها المغلفة بالتوتر و الإرهاق و سرعان ما بددهما التوهج الذي أضاء على وجهها فتألقت ابتسامتها و قد استكانت روحها أخيراً و ما عادت بحاجة الى التوتر الفظيع هذا!
نطقت بصوت خفيض مرهق غير مهتمة بمقدار سعادة والدتها التى سكنت قلبها فضخها بدوره في أجزاء الجسم كما يضخ الدم: أمي؟!

قربت السيدة كريستين أذنها من فمها لتلتقط عباراتها و يحللها الذي عاد الى العمل بدقة أكبر محاولة لملمة شتاتها: قلبي يعصرني بقوة حتى أني لم أعد أقدر على تحمله, أشعر لسبب ما أن تيفاني في خطر, هي ليست بأمان, ليست بأمان!
لاحظت السيدة كريستين ارتجاف أطرافها و طحنها لأسنانها, فرمقتها برقة تخللتها الجدية بين ثناياها.
قالت بعدما ابتعدت عنها بمسافة بسيطة: ما الذي حدث لها؟!
هزت رأسها و قالت بصوت خائف و توتر استوطن حروفها، فأمسكت بكتفي والدتها تستجدي بها: حلمت بسقوطها داخل قعر الظلام و قطرات الدم المتناثرة في الأرجاء تزينه و تتوهج بطريقة مقرفة و مخيفة..
صمتت لفترة ثم أردفت جاذبة جسد المتمثلة أمامها: انجيل تعرف, انجيل تعرف ما حدث...علي الذهاب لها.
كابرت على الوقوف متحديةً قدرة تحملها التي ما عادت تتحمل وزن سنبلة حتى!
لولا استوقفتها السيدة كريستين دافعة جسدها على السرير, فنطقت مؤنبة اياها: لا ترهقي نفسك, تيفاني دائما ما تحذرك من ذلك, لا تظني أن إرهاق النفس شيء مذهل, لا إنه فقط عبارة عن تعذيب لجسدك, ارتاحي و نالي قسطاً من الهدوء, ثم اذهبي إلى انجيل انتِ لستِ بحاجة إلى العجلة هكذا, حافظي على رباطة جأشك!
و تأكدت من أن لا يخلوا صوتها من الرقة و الأناة.
فابتسمت بورع لابنتها المشدوهة منها لتردف و هي تدفن جسدها تحت البطانية و تتأكد من تدثرها جيداً: ارتاحي الآن, و صفي ذهنك من كل هذه الأمور, إنها مجرد كوابيس مزعجة!
-ل... لكن أمي...تيفاني حتماً ليست بخير.
تحدثت متحججة:
-لا تقلقي و لا تشغلي بالك, هي حقاً بخير, إذا كانت شكوك أقوى من ظنونك فلتذهبي إلى انجيل
-تباً...حسناً
همهمت ثم رفعت صوتها مطيعة والدتها.
قهقهت السيدة كريستين ثم خرجت من الغرفة و دنت إلى الأسفل ململمة الملابس و هي تتمتم: آه يا إلهي رغم عدم تواجدها في المنزل إلا أنها تصنع الفوضى...حقاً أتدرين مقدار حب أختك لك؟!
وقفت على قدميها و استبدلت ملامح الرقة إلى اخرى جدية غزت تفاصيل وجهها فور ما تسللت عبارة مايا إلى سراديب عقلها, أدخلت يدها إلى جيب تنورتها و أخرجت هاتفها نقرت بسرعة على الأرقام لترفعه بمستوى أذنها, انتظرت استجابة الطرف الآخر بينما تكمل هي سيرها إلى غرفة نومها: نيك...أيمكنك التحقيق عن تيفاني و صديقاتها؟!, لاشيء فقط ينتابني شعور غريب, شعور يخبرني أنهن يواجهن الموت,...حقاً؟! شكراً لك عزيزي!
*~
فتحت عينيها بكسل سكن حركاتها و أول ما رأته غير الحيز الأبيض الفارغ هي أجرام صديقاتها الجلسات بجانبها تقريباً, ناظرنها و هي تحاول الجلوس بطريقة مريحة!
نطقت نارو: كريستال!! أخيراً استيقظتي!!
تحدثت متفاجئة من ناور التى عانقتها فور استيقاظها: ماذا؟! هل أنا آخر من استيقظت؟!
ابتعدت نارو عنها و قالت ببراءة قاتلة: أجل, بدا عليك التعب فعلا. ففضلنا عدم ايقاظك, خشية أن تكوني مرهقة!
كادت أن ترد عليها لولا علو ضحكات زووي الساخرة, أردفت و ابتسامة خبيثة تعتلي عرش وجهها فوكزت مرفق كريستال بمرفقها: هل كنت تحلمين بفارس أحلامك, ألم تملي من هذه الأحلام السخيفة؟!
دفعتها كريستال مما طرحها أرضاً, أوشكت أن تلفظ عبارتها إلا أن سقوط زووي حرمها من ذلك و جذب نظراتها إليها كما سلب اهتمام الأخرين بها, إنها غير مصدقة أنها أسقطت أقوى عضوة بينهن, لكن سقوط الأخيرة لم يكن بسبب ضربتها و إنما بسبب نوبة الضحك التى اجتاحتها مؤلمة مفاصل فمها, فحوطت معدتها بيدها و ضربت الأرض بقدمها, لكن الضحك لم يمنع آلة الحديث عن الكلام فأعقبت: ملامحك ممتعة يا فتاة, لا أصدق أنك أنتِ السبب الرئيسي في نجاتك و نارو, من المستحيل أن كريستال هكذا هي تتمتع بوجه جميل و حسب!
تفجرت شحنات غضب كريستال فتوغلت شراراتها في مفاصلها, لتنهض محمرة الوجه نتيجة لتجمع الدم في رأسها, فلم تعد تتحمل سخرية زووي منها أكثر, يجب عليها أن تضع حداً لها و لتفاهاتها تلك: زووي, أنا لست مثلك قوية جسدياً أو معنوياً, لست شجاعة مثلك أو مذهلة, أنا فقط فناة تملك وجه جميل...نعم... و لكني أملك ما لا تملكينه...
أوقفت الدهشة التى علت وجه زووي صوت نغماتها لتبحلق ببلاهة في كريستال الغاضبة لأول مرة!
بلعت لسانها و ظلت ترمقها لتحثها على الاستمرار كما فعلن الأخريات غير أن كورال رسمت ابتسامة صغيرة مبهمة على شفتيها: إني امتلك عقلاً يساعدني على الهرب من هذه الأحداث دون أن يتبزل جسدي مثلك أو يستحم بالدماء!
و عند لحظة تطرقها لهذه النقطة أيقنت الأخريات داخلهن أن كريستال و نارو هما الوحيدتان اللتان خرجتا من المتاهة دون قطرة دم واحدة تنساب منهما عدا جرح بسيط في رقبة الأولى, فيما خرجت زووي و كورال و تيفاني مستحمات بالدماء و لا يوجد شبر واحد من أجسادهن غير متلطخ بالسائل اللزج!
مرت فترة صمت بسيطة عليهن كسرتها زووي بضحكاتها المزعجة, وثبت واقفة كالمقاتلين بملامح مبهمة طغت علي وجهها.
اقتربت من كريستال لترخي يدها على كتفها: كنت أمزح, أنا أعلم أن لكل واحدة منا ما يميزها , و حان الوقت لنا لنظهر ما كان مبطناً في عالمنا, حيث يظهر معدننا الحقيقي و نكتسب أحاسيس و أمور لم نكن لنكتسبها في عالمنا, الشجاعة, الحماية, القلق على بعضنا, القوى العقلية, المعونة،
رقت نبرتها و رمت نظراتها على رفيقاتها لحظة نطقها لآخر جملتها, كورال, ثم هي, تليها تيفاني, تعقبها كريستال و أخيراً نارو، أكملت: و التغلب على مخاوفنا, لنجعل عالم اللعبة و حيزه عالماً يريد تغييرنا و ليس قتلنا, إنه تحويل بسيط نجريه في داخلنا, لنحول اليأس آلة أمل مستجدي منه القوة لتغيير انفسنا, فلو ملكنا اليأس بسبب اللعبة فنحن سنموت سامحين لهم بقتلنا, لذا نحن بحاجة إلى تحدي اللعبة و كسر قوانينها, إن أرادت تفريقنا سنكون مع بعضنا, إن أرادت قتلنا سنعيش, سننجو لو غيرنا مشاعرنا و نفضنا عنا القلق و الإرهاق و اليأس فهذه كلها دلالات على مشاعر لا يمتلكها سوى الخاسرين, لنتغير بدءً من الآن, كورال, تيفاني, كريستال, نارو!!!
هذا ليس متوقع من زووي ابدا!!, قولها أمور شاعرية كهذه ليس من سماتها و ليس ما اعتادوه منها, رؤية جانب آخر منها صادم نوعاً ما إلا أنه جذاب, كلماتها تلك قد جعلت اليأس و الخوف اللذين سكنهن يتبخران و بعثت فيهن الروح للحياة فأشعرتهن أنهن على قيد الحياة!!
ابتسمت كورال بهدوء و رقة ثم وقفت قائلة: زووي فلتكوني قائدتنا لهذه اللعبة!
تصريحها الصادم أذهلهن أكثر, كورال تتخلى عن القيادة لزووي!!, زووي؟! كتلة المرح تلك؟!
هل مسّ كورال كائن ما؟! أم أنها بقواها العقلية؟! لو كانت كذلك لما نطقت بهذا الهراء , هناك شيء غريب فيها, حتماً تملك مبرراً مقنعا لتصريحها!
كان هذا ما يدور في عقولهن حتى زووي! تعابيرهن مشدوهة, أعينهن بازغة تكاد تخرج من محجريها, و مصت الصدمة ألوان وجوههن!

[/cc]
__________________
سبحان الله -الحمدلله- لا إله إلا الله- الله أكبر