الفصل التاسع
" لما أنت سعيد..لم أفهم!؟"
نظرت ليزا ببرود لجدها بعد يناولها الرسالة لتقرأها..عبس بارتن قائلاً " ألم تفرحي بهذا الخبر؟.."
نظرت للرسالة مجدداً..ثم رمتها بإهمال على سريرها ووقفت..تقدمت من جدها تنظر له بهدوء قبل أن تقول بصوت باهت " لم يعد يهمني أي شيئ متعلق بهما..قبل سنوات كنت لافرح بخبر رغباتهما أخيراً بالأستقرار هنا في الوطن..ولكن..الوضع تغير..ولم أعد أهتم..صدقاً.."
تأملها بارتن بإمعان..لقد تغيرت فعلاً..حفيدته المرحة دائماً..كانت تخبئ خلف نظراتها الضاحكة روح طفلة حزينة..موجوعة من أقرب الناس لها..ولكن ماذا بيده ليخفف وجعها؟!.."
إبتسمت فأشرق وجهها وقالت بحنان " أنتم عائلتي بارتن..وأبناء أعمامي وعماتي هم أخواتي..أنتم لم تشعروني بحاجتي لوجود والدان في حياتي..قبل سنوات ومنذ بدأ هوس ابي وأبي بالسفر..أنت كنت معي..رافقتني ودعمتني لاكمل دراستي..جعلتني أبقى معك هنا..ورفضت بقائي تحت رعاية الخدم..قبل أن يعود مايكل من الخارج ونعيش سوية في باريس..انتم عائلتي..دائماً.."
ضمها بارتن لصدره..وبدا وكأنه كبر فجأة..ضم جسد حفيدته الصغير..يشعر بأرتعاشها وهي تحاول كبح دموعها..همس " أبكي عزيزتي..أخرجي هذا الوجع من داخلك..وأشهقي بألم حتي يتوقف تماماً.."
وكأن كلماته كانت هي مفتاح أنهيارها..وأنهارت تبكي..تبكي..كما لم تفعل من قبل..مذ كانت طفلة صغيرة بحاجة لوالدين..خذلاها..
"""""""""""
مساءاً..دلفت لغرفة ستيف لتجده أمام المرآة يعدل ربطة عنقه الزرقاء اللون..قالت بدهشة متقدمة منه " انت ستخرج؟"
ألتفت لها بهدوء..ثم عاد يكمل..قائلاً " السيد هريستون دعاني لحفل عشاء مقام على شرف آبنته
..وخطيبها..هل تودين القدوم معي؟"
نظرت له رافعة حاجبها " تريدين أن آتي معك؟.."
" حسناً..أنا لا أريد شيئاً..لا تقفي هكذا..أحضري لي السترة.."
فعلت وأحضرتها له..شردت تتأمله في أنعكاش المرآة..حادت عيناه لتلتقي بعينها..ثم همس " ما الأمر؟"
أرتبكت..ثم قالت بتردد " سآتي معك..إمنحني عشر دقائق.."
غمز له بمرح قائلاً " عشر دقائق؟!..أليست قليلة جداً بالنسبة لكي كفتاة.."
أرتفع حاجبها بإستنكار..قبل أن تعقد حاجبيها قائلة بدهشة " ستيف..هل أنت مريض؟..لا أصدق أنك تتحدث الي بهذه النبرة.."
نظر لها طويلاً..بلا معنى واضح..قبل أن يقول بصوت بارد " عشر دقائق جوليا...."
غادرت الغرفة و صوت ضحكاتها يأتيه..فأبتسم..وأكمل أرتداء السترة...
بعد عشر دقائق..
هبط ستيف درجات السلم..ليجد الجميع جالس في غرفة الجلوس..أمام التلفاز الذي خفض أحدهم صوته..ليبدو وكأنهم يشاهدون شيئ صامت..لكن كل واحد منهم شارد بنظراته بشكل غريب..
قال بهدوء " ما الأمر؟...."
نظروا له فجأة جميعاً..فعرف أنهم لم يشعروا بدخوله ..وقف ويل قائلاً بصوت ساخر يشوبه مرارة " ألن تبارك لي يا أبن العم..لقد خطبت..أتريد معرفة من تكون؟.."
قالت تينا بصوت عالي بحدة " ويل توقف.."
نظر لها ويل رافعاً حاجبه بسخرية " ما الأمر تينا..هل سنخبئ أمر خطبتنا عن ستيف..؟"
" ويل أصمت.."
كان هذا صوت ستيف الغاضب..وفي لحظة..لحظة لم يتوقعها الجميع..كور ستيف قبضته وضرب وجه ويل ليقع أرضاً..
وقف الجميع ونظروا إليهما بذهول..قال بارتن بحدة " ستيف..."
رفع ستيف قبضته في وجه ويل..وصرخ بطريقة إجفلت الجميع..وأنكمشت ليزا الجالسة بعيداً في الزاوية..مراقبة بوجه شاحب..
" ماذا تظنك نفسك؟..هل بدأت تتصرف كالأطفال؟..لا..أنت عندما كنت طفلاً كنت أفضل من هذا..ألست أنت من أخذت عهداً على نفسك أن تحمي ليزا..أن تشعرها بأنك كوالد..كأخ..كصديق لها..لكنك لم تحميها كما يجب..وجرحت مشاعرها كثيراً..كالأن تماماً.."
أتسعت عينا ويل وكأنه تذكر عهده القديم..قبل أن يتذكر شيئ..فيهب واقفاً..مشيراً لها..قائلاً بصوت عالي وبحدة " وأليست هي من جرحت مشاعري قبل سنوات..عندما تقدمت لخطبتها..فرفضتني بكل غرور..وأني لا أساوي شيئ.."
" ماذا يحدث هنا؟.."
كانت تلك جوليا التي دلفت للغرفة..والتي وجدت الوضع غريباً في غرفة الجلوس..ووجه ويل يدل على شجار حدث معه..
قالت العمة ماريا بصوت صارم " توقفوا عن هذا..هيا ستيف أذهب ولنتحدث لاحقاً.."
صدرت شهقة بكاء فألتفت الجميع لليزا التي تبكي بحرقة..وهي تقول بإستنكار " انت تكذب..أنت تكذب.."
نظر لها ويل بوجه جامد..رغم أنه يتألم لما سببه لها من وجع في تلك اللحظة..وقفت ليزا وتقدمت منه..قائلة بخفوت " أنت لم تتقدم لخطبتي أبداً..لم تفعل.."
عقد حاجبيه وهو يتمالك نفسه كي لا ينفجر فيها وقال كازاً على أسنانه " قبل سنتين..أتصلت بكي..أخبرتك أنني أدرك صغر سنك..وأعرف أن جدي سيرفض الأمر..أخبرتك أن تعطيني وعداً..وعداً صغيراً أنك لي..ولن تتزوجي غيري أبداً..وعداً كان بمثابة شيئ أردته أن يعطيني أملاً..فأفقديني أياه بعد أن أغلقت..وبعثت برسالة قائلة فيه _ لا أريد الزواج بك أبداً _.."
شهقت ليزا وتراجعت بصدمة " أنا لم أرسل شيئ كهذا أبداً..أنا حتي لم أرد عليك لاسمع شيئ كهذا..هل سمعت صوتي ويل ؟..أخبرني هل سمعتني أحدثك؟"
هز ويل رأسه بنفي..وعقد حاجبيه بدهشة " من رد علي إذا لم تكوني أنتي؟.."
" أنا فعلت..."
صوت مايكل وهو يدلف للغرفة بوجه عابس جعل الجميع يلتفت إليه بصدمة..صرخت ليزا بإستنكار " أنت؟..لما؟.."
ألتفتت ستيف لجوليا..قائلاً بهدوء " هيا بنا..لقد تأخرنا..."
قالت مستنكرة " هل سنتركهم هكذا ونذهب ؟.."
قال بصوت صارم مشيراً للباب " هيا أمامي.."
"""""""""""
في السيارة
كان شارد النظر في الفارغ..صامت..متباعد..
قالت جوليا متسألة " لماذا برأيك فعل مايكل هذا ؟..أي لما قد يحاول ان يبعد أخته عن ويل بهذا الشكل "
نظر لها بطرف عينيه..ثم عاد ينظر للفارغ قائلاً بجفاف " لانه شخصية تتلاعب بالفتيات من حوله..ظن أن ويليام لديه نفس الشيئ..هو ظن الجميع مثله..لا يهتم بمشاعرهن..لذا قرر أن يبعد أخته عنه.."
عقددت جوليا حاجبيها بتفكير " لكن ألا تظنه سبباً فاشلاً..؟.."
" أجل أظن..العائلة في النهاية تمتلك العديد من العقد..قد يكون بسببها أيضاً.."
" أي عقد تقصد؟.."
نظر لها مستنكراً..ثم قال بعجب " كنتي تبدين وكأنك على معرفة بكل شيئ..أتجهلين تاريخ العائلة؟.."
أرتبكت قائلة " أنت مخطئ..أنا لا أعرف الكثير..أخبرني قليلاً عنكم..أعمامك وعماتك..ليزا ووليام..أريد أن أعرف.."
عبس مفكراً..ثم قال بعد برهة " أنا لدي عمان وعمتان..عمي الأكبر هو والد ليزا ومايكل..وعمي الأصغر منه هو والد ويليام ولم ينجب غيره..ماتا والدا ويليام عندما كان في الخامسة عشر في حادث سير في أفريقيا..اما والدا ليزا ومايكل فهما لهما هوس غريب بالسفر..مايكل كان كبيراً في السادسة عشر من العمر عندما بدأ هذا..ولكن ليزا كانت صغيرة جداً في 12..جدي أهتم بها كما فعلنا جميعاً..سافر مايكل ليدرس في الخارج..ثم أتى وأخذها معه لتكمل ثانويتها في باريس..ثم عادا الأن بعد إلحاح من جدي.."
فكرت في كلامه قليلاً..ثم سألته " وعماتك؟..أعرف أن لك أثنتان..ماذا حصل لعمتك صوفيا.."
أستند لظهر كرسيه وبدا غاضباً..جداً..تشنج جسده بقهر ثم قال " ماريا وصوفيا..كانتا تؤمتان أصغر من أبي بسنتين..تزوجت عمتي ماريا من طبيب له علاقة سيئة مع جدي لهذا لا يزورونا..بينما عمتي صوفيا تزوجت..مجنون..سفاح.."
توقفت السيارة وقد وصلوا للمكان..
بوجه عابس " وصلنا..هيا.."
نزل من السيارة..ثم ألتف حولها ليفتح بابها..مدت يدها لتحضن كفه الممدودة..شعرت برجفة تسري في جسدها من هذا التلامس الخفيف..سارت معه لداخل المنزل الذي بدأت الحفلة فيه تصير أكثر حماساً..
مال ستيف على أذنها يهمس " لا تبتعدي عني.."
أحمرت وجنتيها ورفعت نظرها له..لتجد نظرة الأعجاب في عينيه وهو يتأمل فستانها الأسود الطويل..بلا أكمام..لكنها فضلت أرتداء سترة شفافة قليلاً عليه لتخفي بشرتها البيضاء..وأرتدت الكعب لتصير أطول..وصففت شعرها ليظهر أستدار وجهها...بينما وضعت زينة حفيفة على وجهها أظهر بوضوح جمال ملامحها الرقيقة..ولمعت عينيها البنية في الأضاءة..فكانت مبهرة..
كان بستقبالهما السيد والسيدة هريستون..إبتسمت السيدة لونا وهي ترحب بجوليا قائلة " مرحباً عزيزتي..أنرتي حفلتنا.."
إبتسمت جوليا قائلة برقة " هذا نور طلتك وجمالك سيدتي..مبارك لابنتكم.."
مال ستيف على أذن جوليا عندما دلفا للقاعة
بهمس " السيدة لونا تعشق الأطراء..أراهن أنها تعشقكي.."
أحمرت جوليا ولم تقل شيئ..بينما تسير بجواره ترفع فستانها قليلاً لتسير للداخل..
كانت العروس جميلة..ترتدي فستاناً أبيض قصير..ويتمايل شعرها الأشقر حول رأسها..بينما ترقص مع خطيبها والسعادة علي وجهها الجميل...
" هل نرقص؟.."
نظرت ليد ستيف الممدودة لها..ثم لوجهه المبتسم بحنان..ثم مدت يدها له..ورقصا..
لم تشعر جوليا في حياتها بمثل هذا الشعور..لقد كانت تكره الرجال..تعتقد أن جميعهم كوالدها..لم يظهر من يغير نظرتها إلا بارتن الذي أحتضن وجعها وضمد جراحها بعطفه..وستيف..إنها يشعرها بشعور رائع..تنفعل دقاتها بقربه..كما الأن..وهي تشعر أنها أميرة..يبهج فؤادها برقته وحنانه..وإعجابه بها..
رباه لكم أحبه..
أتسعت عيناها وهي تقابل نظراته الهادئة..هل تحبه؟!..لا تفسير سواه..لكن هل يحبها هو ؟..قالها قبلاً..ولكنها لم تشعرها صادقة..وكأن نبرة سخرية تتخللها..لا مشاعر حب صادقة..
""""""""""
بعد آنتهاء الحفل..ركبوا السيارة التي أنطلقت بهم في طريق العودة للمنزل..كان الجو هادئاً في السيارة..
نظرت له جوليا بطرف عينيها..ومازالت مذهولة مما عرفته قبل قليل..مما شعرته..
رأته يزيح ربطة عنقه ويفتح أزار قميصه وبدا..مرهقاً..جداً...سألته وهي تميل عليه " هل أنت بخير؟"..
أجفل من سؤالها الذي قطع هدوء السيارة..وقال بعد برهة وهو ينظر لعينيها " أجل..متعب قليلاً.."
ثم..لم يدروا ماذا حدث حقاً..بدأت السيارة بالأهتزاز..وبدا وكأن السائق لا يستطيع التحكم بها..سألها ستيف بقلق " ما الأمر؟.."
وجه الرجل كان فزعاً وهو يقول " لا أدري السيارة لا تتوقف أو تبطئ..أحاول تجنب الأصدام..هذه السيارة بها عطل.."
هتفت جوليا برعب " يا إلهي.."
قفز ستيف فوراً للمقعد المجاور للسائق..وحاول معه الضغط على مكابح السيارة دون جدوى..
" إصدم بالشجرة.."..
هتف الرجل برعب " ماذا تقول؟..هل أنت مجنون؟.."
قال ستيف ببرود وهو يمسك المقود بالفعل مديرا أياه بأتجاه الشجرة " ستعمل الوسادات لمنع الضرر..جوليا أحذري..وأنت أنزل رأسه...لا نستطيع سوا فعل هذا.."
وأصدمت السيارة بالشجرة..ولكن كانت المفاجأة..أن الوسادات..لم تعمل..
"""""""""""""
أنتهي الفص التاسع..
قرأة ممتعة..
الفصل القادم سيكون بنفس هذا اليوم..
الي اللقاء |