عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 03-11-2018, 01:39 AM
 


الفصل الثاني


نزلت الدرجات ومرت بالقرب من زميلاتها من المعلمات ، نادوها لتشاركهم على الغداء في مقهى قريب لكنها رفضت بادب بحجة كثرة انشغالها، قبل ان تخرج من المدرسة رن هاتفها النقال، اخرجته وردت دون ان تنظر
- مرحبا صالح...
- كيف حالك اريج؟... اظن انتهى دومك لليوم
- اجل... للتو
- اذا ابق سآتي لاصتحابك..
ابتسمت بانزعاج ثم قالت بجفاف: "حاضر"
اعادت الهاتف الى الحقيبة وعادت ادراجها لتجلس في غرفة المعلمين بينما زميلاتها يتهامسن:
- ظننتها قالت انها مشغولة، فجأة اصبحت متفرغة عندما دعاها خطيبها
ضحكت اخرى لتقول:
- لا يمكن لومها... فخطيبها وسيم ولا يرفض له طلب
- رغم ذلك لم تبدو لي انها تعشق خطيبها، لطالما استقبلته بجفاف
- انت محقة، لاحظت هذا الشيء ايضا
- استغرب كيف ما يزال معها وهي بهذه الشاكلة، حتى لا تهتم لجمالها، لا احمر شفاه، لا اكسسوارات، اظافرها غير مقلمة
- وهي مملة جدا...
فرط الجميع ضحكا ثم قالت احداهن:
- ربما هو يحب المراة البسيطة
- هناك فرق بين البساطة والعجرفة، انها دائما متفاخرة بنشاطها وتاديتها لواجباتها كما يجب على عكس المحاطين لها
- هذا صحيح... لا بد انها تندب حظها لانها تعمل في مدرسة مشؤومة كهذه، لا بد انها تظن ان مكانها في مدرسة مرموقة يقدر الباقيين اتعابها...

سمع صوت سيارة تصف قرب المدرسة ثم هاتف اريج يرن، علمت المعلمات انه خطيب اريج فخرجن لالقاء التحية، بين احاديثهن وضحكاتهن تجاوزتهن اريج بصعوبة حتى وصلت الى السيارة اخيرا، القى صالح التحية عليها واجابت بجفاف دون ان تنظر لزميلاتها دخلت السيارة، قالت احداهن:
"كيف تستطيع ان تحتملها، انا اعامل خطيبي بطريقة افضل مما تعاملك وهو يطالبني بالمزيد"

ابتسم بحرج والقى التحية عليهن ودون ان ينتظر الاجابة دخل السيارة وانطلق مسرعا، قاد السيارة بعصبية بينما ساد الصمت بينهما حيث كانت مركزة على كتاب بين يديها، اوقف السيارة امام مقهى فابعدت نظرها عن الكتاب لتنظر حولها مستغربة، قالت:
- الى اين؟
- علينا ان نتحدث

قالها ونزل من السيارة ثم فتح لها الباب ليدعوها للخروج، تنهدت بانزعاج ثم قالت:
- كأن لدي الكثير من الوقت لاضيعه...

زم صالح شفتاه محاولا كبت اعصابه، اقفل السيارة ما ان نزلت وسارا معها الى طاولة هادئة، نظر اليها مضيقا عيناه يبحث عن النقطة التي عليه ان يبدا منها الموضوع فقاطعت شروده: "تكلم بسرعة لا وقت لدي "

تنهد ثم غطى وجهه بيديه ثم عاد لينظر اليها وقال بتأنيب:
- الى متى ستبقين هكذا؟...
- ما الذي تقصده بهكذا؟
- انت تعاملينني كما تعاملين الغرباء... انا خطيبك
- انا اعاملك كما اعامل جميع الناس، قريبا كان ام غريبا
- لا تعامل المراة خطيبها كما تعامل بقية الناس
- وهل تقترح علي ان اقفز فرحا لرؤياك واسرع لاعانقك امام زميلاتي؟
- ليس من الضروري كل تلك البهجة، يكفي ان ترسمي ابتسامة سعادة لملاقاتي، هل اطلب الكثير؟...
- ان كان هذا كل ما تطلبه فلك ذلك من الان فصاعدا

تنهد صالح بانزعاج وحملق بعيدا ثم قال" انسي الامر كأنني لم افتح لك هذا الموضوع"

يعلم صالح معنى كلامها جيدا، الابتسامة التي سترسمها ستكون ابتسامة منزعجة ساخرة بكل وضوح، والاغلب ان ذلك سيزيد الوضع سوءا، عاد لينظر اليها وهو يسألها عما تريد ان تأكله لكنه وجدها قد غرقت في قراءة كتاب احضرته معها

ضرب رأسه متذمرا:
" احضرت الكتاب معك الى هنا!... ضعيه جانبا دعينا نأكل الان..."

اجابت بهدوء دون ان ترفع نظرها عن الكتاب:

- اسفة لا وقت لدي، فيما بعد سيتوحب علي وضع اسئلة لامتحان الصف الخامس، ومراجعة دروس بقية الصفوف لاشرحها لهم غدا

- انهم في الابتدائي وانت تشرحين في كل سنة نفس الدروس، لا اظنك بحاجة لمراجعتها، لا بد انك تبصمينها بصما...

- هذا غير صحيح... اني انساها من سنة لسنة

- فاذا ما جدوى دراستك كلها؟... انت ستنسين ما درسته في كل حال

- احتاج للشاهدة للعمل

- انت تملكينها بالفعل

رفعت رأسها عن الكتاب متذمرة:

"هل لاحظت انك تتكلم كثيرا..."

- قال رافعا صوته:

- بل هل لاحظت انك لا تعطينني شيئا من وقتك

- كما تعلم، فاقد الشيء لا يعطيه، ان كنت لا املك وقتا لنفسي فمن اين اجد وقتا لك؟...

- لانك ترهقين نفسك باشياء غير ضرورية، كنت تريدين شهادة للعمل، اخذتها اصبحتي تريدين شهادات عليا، ستأخذينها قريبا والان تقولين انك تنوين البدء بدراسة اختصاص جديد!... ولما ذلك... انظري الى الشابات في سنك، يهتممن بنفسهم، يخرجن مع اصدقائهن مع خطيبهن، يتمتعون بالحياة بدلا من البقاء سجناء العلم

- قل ما شئت، هذه حياتي واقضيها كما اشاء...

- اتعلمين شيئا... لم اعد ارغب بالاكل، ولا اظنك ترغبين بذلك ايضا فقد اخبرتني امك انك بالكاد تأكلين، هيا انهضي لاوصلك الى البيت...

اغلقت الكتاب على اصبعها كي تعلم اين وصلت بالقراءة ثم نهضت بتململ وخرجت قبله، جلست في السيارة، تبعها صالح وشغل المحرك، نظر اليها نظرة اخيرة قبل الانطلاق ليرى ان المشكلة التي افتعلها معها لم تحرك فيها ساكنا، غضب لذلك فاختطف الكتاب من يدها ورماه في المقعد الخلفي وانطلق، نظرت اليه باندهاش ثم الى الكتاب في الخلف، عادت لتنظر اليه بغضب فلم يهتم لغتابها فابعدت نظرها عنه لتشرد في النافذة

اوصلها للبيت، اخذت كتابها من المقعد الخلفي وصعدت منزلها دون ان تسلم عليه، نظر اليها بحقد ثم اخذ نفسا عميقا واطلقه، قال:
"ان الوضع بيننا يزداد سوءا يوما بعد يوم..."

---

اخرجت مفتاحها وفتحت باب المنزل، دخلت خلسة كي لا يسمعها احد ويفتح معها حديثا، وصلت الى غرفتها لتجد تامر مستلق على سريرها يتأمل احدى كتبها وفوق راسه علامات استفهام، اسرعت اليه لتأخذ منه الكتاب قائلة:

"هذا الذي بين يديك ليس لعبة من العابك السخيفة كي تحملها، ان لم يكن لك عمل هنا فاخرج بعد اذنك فلدي الكثير لافعله واريد بعض الهدوء..."

اعتدل جالسا وهز كتفيه ثم قال:

- بل لدي شيء لافعله...

- ان كنت تقصد ازعاجي فذلك لا يعتبر من الاشيا المسموحة

- جزء من الغرفة لي وانا اقرر ما افعله بها

- ان اسمح لك بوضع بعض اغراضك في غرفتي لا يعني انني اعطيك جزءا منها

القى تامر نظرة على الفوضى حوله ثم هز كتفيه وقال:

- ولا اظنني ارغب بالحصول على جزء منها، ان غرفتي اجمل بكثير

- اذا اذهب اليها واتركني وشأني

القى بنفسه على سريرها متذمرا:
- لكني اشعر بالملل

- لما لا تذهب عند صديقك المزعج ذاك

- لقد ذهب اليوم الى الضيعة

- وما ذنبي انا، لدي انشغالاتي

فجأة جلس وابتسم بخبث، نظر الى حقيبة يدها وقال:

- ان اعرتني هاتفك أتركك وشأنك

نظرت اليه باحتقار:
- لا تحلم بذلك، اخر مرة اعرتك اياه حذفت الكثير من البرامج المهمة لتنزل لعبة سخيفة

- لعبة سخيفة!... الت السخيفة التي لا تعرف اهمية تلك اللعبة

حدجته نظرة قاتلة، رفعت سبابتها مهددة:
- ان وجهت الي تلك الكلمة مجددا...

- سخيفة

قطع كلامها بتلك الكلمة ليستفزها فاسرعت تهجم عليه لكنه دخل غرفته واوصدها، صارت تطرق على الباب وتصرخ ليفتح فبدا يردد كلمة سخيفة، ابتعدت عن الباب وقالت له:

- من الافضل لك الا تخرج من غرفتك والا ستكون نهايتك على يدي

- يا ماما ... خوفتيني

قالها ساخر بينما اضطرت اريج ان تبتلع غصتها وتعود الى غرفتها، خلعت معطفها والقته في الاريكة، خلعت خذاءها والتقت بهم بعيدا دون النظر اين وقعا، القت بنفسها على الفراش واغمض عيناها لتصفي ذهنها، ما هي ثوان حتى جلست وفتحت كتابها لتكمل درسها، اقبل اليها اخاها مجددا ليقول:
- لست افهم ان كنتي بالكاد تأكلين فكيف تستطيعين الركض خلفي طوال النهار، من اين تحصلين على الطاقة
- العلم يا عزيزي... اكل اشيا مفيدة والان اتركني وشأني
- حسنا... اعلم انك مشغولة وانت تعلمين انني ضجر، لنعقد صفقة، تعيريني هاتفك الى ان تعود امي ولا احذف شي من برامجك

نظرت اليه بشك ثم قالت:
- ولن تنزل اي العاب ايضا؟...

- كما تشائين

- اذا ماذا ستفعل به

- لا ادري، ساجد شيئا التهي به، قد استمع الى بعض الاناشيد الموجودة به

نهضت بتكاسل لتتوجه الى حقيبتها وتفتح القفل فتعطيه اياه، ارتسمت ابتسامة كبيرة على ثغره واختفى بلمح البصر، عادت للدراسة بينما دخل هو غرفته وبدا يبحث في الاصوات، الاغلبية تسجيل لمحاضرات الجامعة، واخرى تسجيلات لكتب قراتها على عجل لتستمع عليها فيما بعد، نظر للهاتف بازدراء:
"ان اختي مملة حقا..."

خرج من الاصوات ليبحث في مكان اخر، لا العاب ابدا، لا برامج تواصل الا الواتساب، ولما لا، قد يكون فيه اشيا مسلية، او بالاحرى اناس مسليين

دخل الى المحادثات يبحث بين الاسماء:

- ابو اربع عيون

- طالع من كتاب التاريخ

- صرصور مفعوص

- هبلة بنص عقل

- صرصور مفعوص 2

اخذ يضحك على الاسماء، اخيرا وجد اسم لفتاة (ليندا) وهذا كان مقصده من البداية، فتح المحادثة والقى التحية، انتظر لدقائق ولم ترد

عاد ليبحث بين الاسماء ليجد اسم فتاة اخرى، القى التحية فجاءه الجواب:
"احدثك فيما بعد، منشغلة جدا"

هذا الجواب المزعج ذكره باحدهم، فكر:
"ان كان كل اصدقاء اختي على هذه الشاكلة فلا استغرب ان تكون اختي هكذا... لكن قد يكون استفزازها مسليا كما هو الحال مع اريج..."

كتب:

- كيف حالك؟

لاحظ انها قرات لكنها لم تجبه، كتب مرة اخرى:
"هل تراك تتجاهلينني عمدا؟..."

الامر نفسه قرات لكنها لم تجب

كتب لها مرة اخرى:
"ان لم تجيبي هذه المرة سازعل منك..."

تفكر قليلا، لما لم تصلها الرسالة اذ كانت متصلة؟ هل فرغت البطارية فجأة؟ ربما...

تركها واكمل البحث عن ارقام اخرى فوجد "صالح" نظر الى الاسم مستغربا، فعلا انها فتاة غبية، عادة الفتيات تختار اسم مستعار لخطيبها مثل حبيبي، قلبي، روحي، بينما اخته البلهاء اعطت القاب لكل ارقام هاتفها الا خطيبها، ولا حتى كتبت خطيبي، اسمه المباشر، تفكر قليلا وابتسم بخبث: "لنرى كيف يكون كلام الخطاب..." كتب:

- مرحبا حبيبي...

رأى رسالته قرأت لكن لم يجاوب بسرعة، بعد ثوان وصله:
"من معي؟..."

فكر تامر:
"فعلا انك احمق، احدثك من رقم خطيبتك واقول لك حبيبي فمن عساي اكون؟ الا ان كنت معتادة على التحدث مع العديد من الفتيات..."

كتب:
"هذه انا خطيبتك حبيبتك، الم تعرفني؟... في هذه الحالة انا سوف ازعل..."

وصل من صالح:
"بلا تقلة دم، من المتكلم... "

كتب:
"انا حقا زعلت منك الان..."

فجأة جاءه اتصال من صالح، نظر للهاتف وعض شفته السفلى
" تبا... ان حدثته سأفضح بالتأكيد..." نظر للهاتف ثم باتجاه غرفة اخاه وابتسم بخبث، اسرع الى اريج وناولها الهاتف قائلا:
"صالح يتصل بك..."

نظرت للعاتف مستغربة فقد كانت معه منذ لحظات، هل تراها نسيت شيئا في السيارة، اخذت العاتف منه وفتحت الخط:
"الو..."

- اذا كنتي انت حقا المتكلمة، هل ضربت رأسك بشيء ما؟...

- عما تتحدث، يبدو انك انو الذي ضرب رأسه

انسحب تامر الى غرفته فارطا ضحك واقفل قبل ان يسمع صرختها باسمه ترتج في المنزل، راقبت اريج رسايل الواتساب الاخيرة ولطمت راسها تلك الفتاة الثانية التي حدثها كانت دكتورة في الجامعة وهي تكره ان يشغلها احدهم في هذه الاوقات، تسمح عادة لاريج بالتةاصل معها فقط لانها تعلم انها مهتمة جدا بالدراسة ومتفوقة، والان بعد ان تكلم اخاها معها خرب كل شي مما جعل المعلمة تحظر رقم اريج...

نهضت اليه غاضبة تصبح لكنها وجدت الباب مقفل، شتمته عدة شتايم متتالية ثم عادت الى غرفتها، جلس تامر في سريره بملل:
"والان ماذا... لن اتوقع ان تعيرني هاتفها مجددا"

لكن لحسن حظه ان امه اقبلت فاصبح بامكانه ان يستعير هاتفها...

اسرع اليها قائلا:
" امي... لدي خبر مهم لك، اعطني هاتفك لاخبرك به..."

نظرت اليه الام بشك ثم قالت:
- ساعدني اولا بحمل هذه الاغراض الى المطبخ

اخذ عنها الاغراض وادخلها المطبخ توجه اليها وقبل ان يتكلم قالت الام:
"ما الذي فعلته في المدرسة..."

فغر فاهه مصدوما:
"انا لم اتحدث بعد..."

- اخبارك لا تتغير... اذا ما ذا فعلت هذه المرة؟

- سيتوجب عليك الذهاب وهناك يخبرونك

- افضل ان تخبرني لاتجهز نفسيا

- حسنا... كل ما في الامر انني صنعت مقلبا صغيرا باحد الاساتذة ومنعت من الذهاب الى الثانوية الى ان تذهبي لتكلميهم...

ضربت الام رأسها قائلة:
"هذا ما كان ينقصني..."

قاة بحماس:
- اتريدين ان اخبرك عن تفاصيل المقلب

- لا شكرا... ما سمعته للان كافي

- كما تشائين... اعطني الهاتف الان

- لا فانت معاقب

- امي... هو من ابتدا

- كيف يكون هو من ابتدا وانت من صنع المقلب

- لو انه لم يكن لئيما معي لما فعلت ذلك

- اذهب الى غرفتك تامر

تنهد بانزعاج وانصرف الى غرفته وفي طريقه طرق على باب اريج فقط حبا بالازعاج...


---




__________________
شكرا دودي عهدية العيد ميلاد الحلوة




هديتي لاني انشط روائية