عرض مشاركة واحدة
  #16  
قديم 03-19-2018, 06:40 PM
 

الفصل الرابع

*قبل سبع سنوات*

تناثر شعرها الكستنائي على وسادتها النيلية بينما تعلقت عينيها البنيتين على نصف قلب معدني مسطح قد اسودت زخارفه المحفورة لقدمه، معلق بسلسلة فضية ناعمة، راحت ابتسامة حب تتراقص على محياها وهي تتذكر يوم استلمتها، تتذكر نظرات صاحب القلادة، ابتسامته، مشيته وهيئته...


صورته مطبوعة في ذهنها وتتكرر في كل حين كأن الامر حدث امسا، فجأة دخلت الام غرفتها فسارعت في اخفاء السلسلة تحت وسادتها، قالت الام "هيا تعالي ساعديني لتجهيز العشاء"

نهضت دون جدال وهي تخفي السلسلة داخل قبضتها فسبقتها الام الى المطبخ بينما القت هي نظرة حانية اخيرة الى السلسلة ثم ارتدتها واخفتها تحت سترتها واسرعت خلف والدتها...


دخلت المطبخ لتجد امها قد جهزت بعض الاطباق وتامر يأخذهم الى غرفة السفرة، تقدمت فطلبت منها امها ان تجهز بعض الاشيا، استلمت المهمة دون ان تعرف ماهيتها

تعمل وعقلها في مكان اخر بينما امها تتأمل بحسرة ابتسامتها البلهاء التي ترافق شرودها طوال الوقت

انهوا العشاء ولم تذق اريج الا بضع لقمات، طلبت الام من اريج توضيب العشاء وتجلي الاطباق، امتثلت بابتسامة هادئة، ثم ارسلت الام تامر ليكمل دروسه، نهض متذمرا وذهب حتى بقيت وحدها مع زوجها، نظرت اليه متفكرة كيف تفتح له الموضوع كي لايغضب

اخذت نفسا عميقا ثم نادته، نظر اليها مبتسما، فقالت بتردد ظاهر:

"ما سيحصل لو ان اريج احبت شابا غير صالح؟..."

نظر اليها متوعدا ثم قال:

- الافضل لها الا تفعل... فمصيرها محتوم...

- وماذا لو كان الشاب انسانا محترما

- لا احد يظهر حقيقته قبل ان يبلغ مأربه

- لكن

- هبة!... لقد تحدثنا عن هذا الموضوع مرارا ولن اغير رأيي...

تنهضت الام بحزن وقالت:

- حسنا... كما تشاء

---

وضعت اخر طبق غسلته في مكانه مع البقية، اخذت منشفة معلقة قربها مبلولة جزئيا، جففت يداها ثم رمتها جانبا لتسرعت الى غرفتها وتفتح جهاز اللابتوب،

فتحت الفيسبوك، تفقدت الرسائل، هناك رسالة من نوال، رسالة من جلنار، رسالة من حسناء خطيبة جواد السابقة، تنهدت بانزعاج:

"الا تقنع هذه الفتاة، لقد اخبرتها منذ فترة ان جواد يريد نسيانها ولم يعد مهتما بها، لكن ذلك لم يزدها الا اصرارا... اذ حين سمعت انه يريد نسيانها تأكدت انه لم ينسها بعد ومازال يحبها، والان هي تصر على ان احدث صوت الببغاء لأخبرها انها نادمة عسى ان تقنع اخاها جواد بالعدول عن رأيه

ولكني انا نفسي لا اريد ان يغيير رايه فكيف عساي اطلب منها ذلك، في الواقع اخبرت صوت الببغاء بذلك لكن بطريقتي الخاصة، على سبيل المثال:
(صوت الببغاء!... تلك الغبية مازالت مصرة على ان تقنعي اخاك بان يسمح لها بالاستمرار بازعاجه)

ان لاحظتم اني ناديتها بصوت الببغاء، لا تستغربوا فقد بدات اناديها بهذه التسمية منذ اخبرتني ان جواد اصبح يناديها هكذا، وحين رأيته شخصيا يناديها بهذه التسمية اعجبتي الفكرة وفعلت مثله، نعود للموضوع

ربما لو اني طلبت منها بطريقة لبقة لكانت فكرت بالامر، لكن طريقتي في الطرح جعلتها تضحك وتقول لي:
(انسي امرها، حين تجد ان لا احد يساعدها على ذلك ستسأم وتنسى، مع اني ارغب لو انها لا تنسى بسهولة انتقاما لما فعلته باخي...)

شرارات الشر تراقصت في عينيها وابتسامتها الخبيثة لم تغب حتى غيرنا الموضوع، في الواقع، لطالما كنت اظن ان صوت الببغاء لطيفة- لطالما بمعنى بعد تعرفي عليها عن كثب- لكني بعد ان تعرفت عليها عن كثب اكثر اكتشفت انها ككل الناس فيها جانب طيب وجانب شرير،

لكن طبعا جانبها الطيب غالب على الجانب الشرير، نعود لموضوعنا، لن افتح الان رسالتها والا سأضطر الى ان ارد عليها، وان رديت عليها ستفتح مواضيع شتى ولن تمنحني الحرية لاكمل ما فتحت الفيسبوك لاجله..."

كملت البحث بين الرسائل لكن للاسف، لا رسالة من وقح البرية، لم يطل حزنها لعدم وجود رسالة فقد توجهت مباشرة الى صفحته الشخصية لترى انه انزل صور جديدة له مع اصدقائه في فرنسا، صارت تقلب الصور بابتسامة حالمة، حتى انتهت من الصور فعادت تقلبهم بطريقة معاكسة على عجل الا الصور التي اعجبتها عادت لتتأملها بهدوء، فتحت رسالة جديدة لتحادثه، وقفت محتارة، ماذا تكتب له، بعد عصر دماغ كتبت له:

(مرحبا...
كيف حالك؟...
اتمنى ان تكون على افضل حال...)

تمعنت بالرسالة قليلا ثم تنهدت:
"الرسالة رسمية جدا..."

امحت وعادت لتكتب:
(كيف حالك ايها المزعج...)

وقبل ان تكمل حذفت بسرعة ما كتبت وهي تقول:
"لا لا، هذه الرسالة قد تكون مجزرة... "

تفكرت قليلا ثم كتبت:
(مرحبا... كيف حالك... يبدو ان اصدقاؤك كانو مشتاقين لك كثيرا وصنعوا لك احتفالا لعودتك و....)

نظرت للرسالة:
"ليست جيدة، يبدو اني اتدخل في خصوصياته اكثر مما يجب...
وما المشكلة في ذلك، فهو يتدخل دائما بخصوصياتي دون اذني، كما انه مؤخرا سمح لي بالتدخل..."

تنهدت بانزعاج ثم قالت:
"حسنا قال انه سيسمح لي بالتدخل في امر واحد فقط وليس كل شيء... يا اللهي ما اكتب الان؟..."

تفكرت قليلا بشرود ثم كتبت:
- مرحبا... كيف خالك؟

فقط ذلك ما كتبت، انتظرت الرد بينما تتأمل رسالتها لتصعق مما كتبت:
"يا اللهي هناك خطأ طباعي"

اعادت كتابة كلمة حالك بطريقة صحيحة مرفق مع * نجمة التصحيح وجلست تنتظر رده لكنها وجدته غير متواجد، جلست تقلب بين صفحات الانترنت حتى اقبلت امها اليها:

- اريج... هل انهيت دروسك

نظرت اليها اريج بملل ثم قالت:

- فيما بعد امي... لدي شيء مهم جدا على الجهاز على ان انهيه قبلا

تقدمت الام لتجلس بالقرب من ابنتها فاصفر لون اريج، ان رأتها امها تتحدث مع جواد بالتأكيد ستظن انها تحبه كما ظنت مسبقا، رغم انهما مجرد صديقين، حسنا قبلا كانا اعداء لكن الامر اختلف الان، غيرت الصفحة الى صفحة نوال بسرعة وبدات تقرأ رسالتها:

كانت قد ارسلت وجه كبير بعيون على شكل قلوب كتبت:
"لن تصدقي... لقد اتفقت مع ايمن على ان يطلبني من اهلي بعد ان ننتهي الامتحانات الرسمية"

لا اراديا رسمت اريج ابتسامة وسارعت لتباركها، تسالها عن احوالها ومخططاتها الى ان تكون امها قد ملت وذهبت، لكن امها بقيت مكانها الى ان وصلها رسالة جديدة، فتحت المحادثات لترى انه جواد وامها مازالت بالقرب منها

نظرت اليها امها:
"لقد وصلتك رسالة، الن تفتحيها..."

نظرت الى امها مترددة ثم قالت:
"امي انه شخص مزعج وكثير الكلام، ان حدثته الان فهو لن يسكت ابدا وبذلك لن استطيع ان انهي الحديث..."

قبل ان تكمل كلامها فتحت الام المحادثة لترى الرسالة:
"خالي جيد،
اهكذا تسالين عن خالي وتنسين السؤال عني؟ "

نظرت الام لابنتها التي اصفر لونها لتقول لها:
"ظننتك قلتي لا تريدين الحديث معه؟... لكنني ارى انك انت من ابتدأ الحديث!..."

اخفضت اريج رأسها محرجة بينما فتحت الام صفحته الشخصية لترى صورته عن قرب ثم قالت:
"كما توقعت... اسمعيني اريج"

- حسنا وان كنت اتحدث معه، اين المشكلة؟ اخبرتك سابقا انه ليش شخصا مهما بالنسبة لي..."

تنهدت الام ثم قالت بهدوء:
"اريج!... لا داعي لان تخفي عني... ليس لدي شيء ضدكما، ولكن احاول ان ارشدك للصواب، تعلمين ان اباك.."

- امي لقد اخبرتك الف مرة انني لا احبه ولا يحبي

- ان كان كلامك صحيحا كفي عن التحدث اليه

صمتت اريج ثم ابعدت وجهها عنها لتقول بصوت خفيض:
- ولما علي ذلك؟ ان كان لا يشكل خطرا؟... انه مجرد صديق...

- مجرد صديق!... ظننتك قلتي انكما عدوان!...

- حسنا لقد كنا

- هل لاحظت ان علاقتكما تتطور سريعا؟...

- اي علاقة امي؟... لقد اخبرتك انه مجرد صديق

- اريج!... ان كان مجرد صديق عادي كأي صديق اخر فقاطعي صداقته من الان فصاعدا، لديك الكثير من الاصدقاء... لن يضرك ان تتخلي عن واحد

رفعت رأسها بتحد لتسال:
- ولماذا... لقد اخبرتك انه ما من علاقة ود بيننا فلما افعل ذلك؟ هل ستطلبين مني ان ابتعد عن اصدقائي الشبان كلهم فقط لاني محجوزة لابن عمي ودون موافقتي...

- اريج ارجوك استمعي الي...
انا فقط خائفة عليك، لا اريد ان تعاني في المستقبل

- اطمئني امي لن افعل

نظرت للحاسوب لترى رسالة جديدة وصلت منه، قبل ان تقرأها اغلقت الحاسوب قائلة:
"لدي دروس علي ان اكملها ان لم تمانعي... "

اغمضت الام عينيها بقهر ثم رفعت يداها بقلة حيلة وقالت:
"حسنا... ما بيدي ان اصنع، فلتدرسي جيدا ان استطعت التركيز..."

خرجت الام بينما اريج تقلد جملتها ساخرة ثم توجهت لحقيبتها المدرسية لتحمل كتاب الفزياء وتنظر اليه ببؤس، لذة المادة كلها ذهبت مع وقح البرية، رمت الكتاب جانبا لتبحث عن كتاب اخر، استلقت على السرير وهي تتفرج على الكتاب شاردة الذهن، علمت بعد فترة ان امها محقة، لن تستطيع التركيز، لكن لما ذلك؟

تشعر انها تعيش حلما رائعا وفي الوقت نفسه ينتابها شعور مخز مقيت شكت انه الضمير، تفكرت بموضوع خطبتها من سالم، لقد وعدت انها لن تدخل بحب جديد وانها ستتفرغ للدراسة، لكنها لم تستصغ فكرة خطبتها من صالح كما انها لا تستطيع الدراسة مهما حدث، عقلها مشغول بشيء اخر دائما...

---

دخل احدب نوتردام للحصة ليعلمهم، اسندت اريج رأسها على الطاولة شاكية بهمس:
"يا اللهي ليس مجددا، ان هذا الاستاذ ممل بشكل لا يصدق..."

نظرت اليها نوال بشفقة ثم قالت:
"لقد بدأت تشتاقين للاستاذ جواد..."

رفعت راسها تنظر الى نوال بتهديد:
"لا، ليس الامر هكذا... كل ما في الامر ان هذا الاستاذ ممل..."

اخفضت نوال راسها كي لا يراها الاستاذ تتكلم وقالت لاريج:
"لا بأس في ان تعترفي باشتياقك له فانت تحبينه كما سبق ان اعترفت، وانا صديقتك، لا يجب ان تخفي علي... كنتي تنزعجين حين كنت اخفي عليك..."

اخفت اريج رأسها بين ذراعيها فوق الطاولة وقالت:
"لم اعد احبه، لقد قررت نسيانه..."

فنجرت نوال عينيها قائلة:
"بهذه السرعة!..."

رفعت نظرها ال صديقتها وهي تبعد خصلات شعرخا عن وجهها لتقول بحزن:
" هناك ما لم اخبرك به يوما..."

رمشت نوال مستغربة فقالت اريج:
" ابي يريد تزويجي من ابن عمي ولا يرغب بتغيير رأيه ابدا... لما علي ان احبه واعاني من حبه، يكفيني انني عينيت مسبقا ولم انسى بسهولة، لا اريد ان اعاني مجددا..."

عادت نوال لترمش مستغربة:
"حسنا انتي تعانين الان بسبب الاستاذ ولكن من الذي لم تستطيعي ان تنسيه بسهولة قبلا..."

نظرت اليها اريج باستياء ثم عادت لتنظر الى الاستاذ الذي بدأ يشرح ولم ينتبه ان نصف الصف يتحدث لضعف سمعه بسبب التقدم في العمر، قالت اريج:
" وهل تظنين ان ذلك الاحمق هو اول من احبه في حياتي، لقد احببت غيره عدة مرات..."

اظهرت نوال تفهما، وبعد سكوت قالت اريج:
"لكن الحب الاخير كان اصعبهم..."

اظهرت نوال عبارات تشجيع لصديقتها، رفعت اريج رأسها الى نوال وسالتها:
"لقد سمعت ان الحب الاول لا ينتسى، ولكن اكتشفت انني كلما احببت شخصا جديدا اتعلق به اكثر من سابقه، كيف تفسرين ذلك؟..."

نظرت اليها نوال عاجزة عن الاجابة ثم قالت:
"لا اعلم، فانا لم يسبق لي ان احببت غير ايمن..."

ابتسمت نوال بسذاجة وقالت:
"انه حبي الاول واظنه الاخير..."

نظرت اريج الى نوال متفكرة:
"من الجيد انني نسيت قمر الليل فقد كان حبها الاول، اظن لدي مشاكل اكبر من التفكير بهذا الان... ماذا افعل كي اقنع ابي ليتخلى عن مخطته؟..."

---

وصلت اريج الى المنزل وفتحت امها الباب، دخلت لتجد تامر يخرج من غرفتها مسرعا وعانق والدته، استغربت تصرفه لكنها لم تدر ما الذي حدث بالضبط، دخلت غرفتها لتجد حاسوبها المحمول مفتوح ونصف ازراره منتشرة حول الحاسوب، منهم على السرير والبعض على الارض قد اختلطو ببعض ملابسها الملقاة من هنا وهناك...

ما ان رأت المنظر حتى صرخت باسمه، القت حقيبتها المدرسية جانبا واسرعت اليه، احتمى بأمه بينما هي تحاول الوصول اليه لتضربه، ابعدته الام عنها وهي تسألها عما حدث، اخبرتها بالقصة وهي تصرخ غاضبة، نظرت الام الى تامر معاتبة ثم قالت له:
"اعتذر من اختك تامر..."

اعتذر تامر لها بينما اعترضت هي: "وبما يفيدني اعتذاره، اعتذاره لن يصلح حاسوبي..."

نظرت الام الى ابنتها ببرود لتقول لها:
- لا بأس، فانت لن تحتاجيه لفترة من الزمن

عقدت اريج ذراعاها قائلة باعتراض:
- بلى احتاجه...

- لن تستخدميه من الان وصاعدا الى ان تنهي امتحاناتك وتنجحي...

فغرت اريج فاهها بصدمة:
- انت تمزحين معي!... لكني احتاجه للدراسة

- انت لا تدرسين على حاسوبك، انك تضيعين وقتك كله بالحديث مع الاصدقاء...

- هذا غير صحيح...

- لقد حسم الامر اريج، لن اغيير رأيي ابدا، انت لن تلمسي حسوبك حتى تنتهي امتحاناتك...

ظلت اريج تنظر الى والدتها بتحد حتى احست انها فعلا لن تستطيع ان تغيير رأيها، بدأت شفتاها ترتجفان فصرخت ما ان هطلت دموعها:

"انتما لا تسمحا لي بفعل شيء مما احب، انت تمنعينني من فترات الراحة وابي يجبرني على الزواج ممن لا احب، انتما لا تهتمان بمشاعري ابدا..."

انسحبت الى غرفتها، اغلقت الباب بعنف، نظرت الى حاسوبها بعينان دامعتان، مسحت دموعها وبدأت تلملم ازرار الحاسوب لتضعهم جانبا، نظرت اليه بحسرة ثم اغلقته وارتمت على السرير غاضبة، بعد برهة اتت امها لتطلب منها ان تنضم اليهم للطعام، اخبرتها اريج انها لا ترغب بالاكل فانصرفت الام متذمرة...

نظرت اريج الى حاسوبها بحزن، يبدو ان شوقها للتحدث مع وقح البرية مبالغ فيه بالنسبة الى مجرد صديق، يبدو ان والدتها كانت محقة، تبين لها اخيرا ان الوقح ليس مجرد صديق بالنسبة اليها انما هو صديق عزيز

اجل بالطبع فهو يقدم لها النصح المفيد كما يقدم لها المناديل الورقية في احرج الاوقات، تفكرت بالامر جيدا، السبب الاخير سخيف، لكن بعد كل شيء هو مهم جدا، فلا يعلم مدى الحرج من الانقطاع من المناديل الورقية وسط مجتمع الا الذي جرب

نهضت بخفة لتقفل الباب دون ان ينتبه احدا وشغلت حاسوبها، وبدأت تفكر:
"ماذا لو كنت احبه حقا؟
في هذه الحالة يجب ان استمع الى امي ولا اكلمه مجددا
والا قد امر بحالة مدمرة مجددا
كما حدث معي حين احببت قمر الليل
واني لن احب المرور بتلك التجربة مجددا"

اخذت تفكر وتحلل بينما تفتح الفيسبوك، لم تكد تقنع نفسها ان عليها الابتعاد بدلا من اللعب بالنار حتى وجدت رسالة من وقح البرية تستقبلها، رمت كل ما فكرت به وتوصلت اليه عرض الحائط لتبتسم ابتسامة عريصة بينما تعدل جلستها استعدادا للحوار
قرأت الرسالة التي امتنعت البارحة عن قرائتها بسبب امها:

" اين اختفيتي؟
غبية كعادتك
هكذا ترسلين سلاما وتختفين وانا انتظرك لتردي!..."

نظرت للرسالة عابسة ثم كتبت:
"انت الغبي
قدر ظروف الغير
لقد دخلت امي ومتعتني من اكمال محادثاتي..."

- ولما منعتك؟

اردت ان تكتب لكنها توقفت فجأة: "هل من الصائب ان اكتب له ان امي تظنني احبك؟... "

احمرت خديها وقررت تغيير رأيها وتكتب سبب اخر، تفكرت قليلا:
"في الواقع، قد اختفي كليا الى ان انتهي من امتحانات الرسمية..."

- اوه... تلك فترة طويلة

- تقول امي انني امضي الكثير من وقتي على الحاسوب وعلي ان اتفرغ للدرس

- وهي محقة، يجب ان تدرسي

- لا تكن سخيفا، لا يمكنني ان امضي ثلاثة اشهر فقط بالدرس دون ان اريح عقلي بشيء اخر

- اطلبي منها ان تسمح لك ولو يوما بالاسبوع، يوم الاحد مثلا، او يوم واحد بالشهر على الاقل

- كل ذلك الوقت!... هذا كثير

- الا تريدين النجاح؟

- بالطبع اريد ولكن ليس على حساب عقلي

- لقد اخبرتك انك غبية ولكنك لا تصدقيني، انهم ثلاثة اشهر وتمضي...

- وماذا ان لم انجح

- ادرسي تنجحين
لكن ان استمريت بتضييع وقتك هكذا فلن تنجحي

- انا لا اضيع وقتي، انا فقط اريح ذهني من ضغوطات الدراسة

- تريحين ذهنك ثلاث ساعات من اصل ساعة دراسة!

- هذا غير صحيح (مرفق بفيس مجلوط)

- حسنا بلا اعذار، هيا انهضي وادرسي، حين ارجع من السفر اريد ان ابارك لك النجاح

عند سماعها لعودته من السفر انقلبت حالتها فجاة من التجهم الى السعادة، ابتسمت لكلامه ثم كتبت له،:
- وانت ايضا عليك ان تدرس كي ابارك لك بدوري

- من الجيد انك فهمت سبب طردي لك منذ البداية، انك لا تسمحين لي بالدرس

قلبت حالتها مرة اخرى للغضب وكتبت:
- انا لم اجبرك على التحدث معي

ارسل سلسلة هاهات مترابطة ثم قال:
- كنت امزح معك، الان هيا اخرجي من الفيسبوك وانهضي للدراسة

ابتسمت له رغم عدم رؤيته لها وقالت:
" حسنا الى اللقاء..."

- الى اللقاء...

اطفأت الحاسوب ووضعته جانبا ثم نهضت لتتوجه الى حقيبتها وتخرج مفكرتها وتنظر اليها بشرود،ظلت هكذا لفترة حتى ادركت انها لم تقرأ شيئا منها بعد، اعادت المفكرة الى حقيبتها وهي تقول:

" ربما احتاج الى بعض الطعام، ان بقيت دون غذاء لن يعمل عقلي بشكل صحيح..."

خرجت من غرفتها لتجد امها توضب الغداء، نظرت اليها الام مستغربة:
"هل غيرتي رايك بالنسبة للاكل؟..."

" اجل... اظن انني لن استطيع التركيز بدروسي ان لم اكل اولا..."

نظرت اليها الام بريب والى حالتها التي انقلبت فجاة لتقول:
"حسنا اجلسي سأحضر لك طبقا..."

جلست اريج وابتسامة امل تعلو ثغرها وتشرد في البعيد حتى استيقظت على صوت الطبق الذي وضع امامها، نظرت الى الطبق ثم الى امها لتراها تنظر اليها غاضبة، امحت اريج ابتسامتها فجاة محاولة اخفاء ما حدث لكن الام لم تكن بذلك الغباء فقالت لها:
"عندما تقررين ان تعصي اوامري على الاقل لا تفرحي بفعلتك وتظهريها للعلن... "

اخفضت اريج راسها بحزن بينما انصرفت امها لتكمل عملها، نظرت لامها عن بعد، هي لا تحب خداع والدتها لكن التنازل عن الحاسوب لمدة ثلاثة اشهر امر مستحيل، ربما يجب ان تعرض عليها ما اقترحه جواد، يوم في الاسبوع خير من لا شيء

انهت طعامها وحملت طبقها الفارغ لتضعه في حوض غسل الاواني، نظرت الى امها هنيهة لتناديها بتردد، نظرت اليها الام باستياء فقالت اريج:
- هل يمكنني ان اعمل على الحاسوب على الاقل ايام العطلة؟
لا يمكنني ان استمر بالدراسة طوال الوقت، سأصاب بصداع وتقل قدرتي على التركيز

نظرت اليها امها مطولا ثم تنهدت وقالت:
"حسنا... فقط ايام العطلة، ولمدة نصف ساعة فقط

ابتسمت اريج لتعانق امها حتى قالت الام:
"وتحت مراقبتي..."

فجأة ذهب كل الحماس، امها لن تسمح لها بالتحدث مع جواد، لكن على الاقل هذا افضل من لا شيء

شكرت امها واسرعت لغرفتها لتحاول الدرس لكن كالعادة تركيزها انصب في مكان اخر...



__________________
شكرا دودي عهدية العيد ميلاد الحلوة




هديتي لاني انشط روائية