عرض مشاركة واحدة
  #23  
قديم 03-21-2018, 06:28 PM
 

[align=center][tabletext="width:899px;background-image:url('http://www.up-9.com/image168680.html');"][cell="filter:;"][align=center]
[/align][align=center]





«كُن كل شيء، ثم لاشَيء.»
_يُوري





لم ينم.

إنتظرها يوشيرو في منزلها فترة طويلة، و ما فتئ، حتى مضي من الوقت ساعتين بعد منتصف الليل.

ترامى إلى مسمعه طرقات كعب بالخارج، هرع إلى النافذة، نظر إلى الأسفل، رآها، فنزل السلم اللولبي في عُجالة يقصد الطابق الأرضي، و لما بلغه، حث الخطى صوب الباب، ثم فتحه.

جفلت، إذ كانت بصدد فتحه.

أسفر عن إبتسامة مرتبكة حين دلفت، و عقب ذلك، أغلق الباب خلفها.

دار بينهما حديث جديٌّ يغلب عليه المزاح، ثُم حدث أن طالبته بتبرير، أو لعل هذا ما ضنه حين قالت:

_هات ما عندك، إني موقنة بأن لديك ما تقوله.

كان ليقول لها بأنه جاءها زيارةً ليس إلا، لو أنها أتت أبكر بساعات.

تردد هنيهة، دس كلتا يداه في جيبي معطفه الطويل -مفكوك الازرار- قبل أن يقول بصوت عميق متزن النبرات:

_إتصلت بكِ.

أومأت بالإيجاب فيما تعيد شالها المخملي إلى كتفها، ثم قالت:

_أدري، لم يكن لي أن أجيبك.

_لماذا؟

سألها مقطبًا، حركت كتفيها، و قالت بنبرة مهتزة في شيء من الغضب:

_هكذا فحسب.

ألجمته كلماتها، كانت ستتجاوزه صوب الداخل لولا أنه أمسك بمعصمها، و في حركة سريعة ألصق ظهرها عرض الحائط، و حاصرها بذراعيه.

تضرجت وجنتها بحمرة حياء، حدجته بنظرة حادة و لم تعقب، حاولت أن تفلت، لكنه أبى أن يتركها. سألها بنبرة ذات معنى:

_تتجنبينني؟

جاهدت لإبقاء عينيها في عينيه.

_أهذا همك؟ أتيت من أجل أن تعرف لما لم أرد على مهاتفتك؟!!.

رد بإقتضاب:

_و إن يكن!

أشاحت ببصرها عنه، كتفت يداها، و لم يبدو أنها ستقول شيئا، فاستطرد:

_أعلم أن ثمة ما يحدث معك.

_و؟

تحثه، فيواصل:

_ قرأت ما نشر عنك بالجرائد، من تحقير و نقد هدام، لطالما كنت مستهدفة مذ ذاع صيتك. لكن، ما لا أفهمه هو لما تتصرفين على هذا النحو مؤخرًا؟.

زفرت أنفاسها، ثم سألت على مضض:

_مالذي تقصده؟!

_كفاكِ مماطلة!.

ضرب بقبضته على الحائط بالقرب من رأسها، فذعرت.

دار بينهما صمت لدقائق، تناهى إلى مسمعهما خلاله نباح كلب الجيران.

حررها بأن تراجع للخلف، حكت أرنبة أنفها و تنحنحت.

_أنا بخيـ..

قاطعها : لا تكلميني!.

إضطربت، لم تجد بدًا من الإعتذار بصوت خفيض:

_آسفة.

أسدل جفنيه، رجع بشعره إلى الوراء، تنهد، ثم أدبر، و لما فتح الباب، هتفت:

_أراكَ غدًا.

لم يلتفت، حتى بعد أن سمعها، و قد آلمها ذلك.

أغلقت الباب خلفه، ثم قصدت غرفتها في الأعلى، و هناك رمت بثقلها على السرير، حملقت في سقف الحجرة، قبل أن تتساءل، لما يبدو كل شيء بعيدًا، حتى السقف.

ثمة شيء ثقيل قابع فوق صدرها، ضربت على صدرها، ثم لم تدري إلا و هي تبكيه حتى غلبها النعاس، فنامت.



في اليوم التالي، كانت الساعة ما يقارب التاسعة صباحًا حين إستيقظت، شعرت برأسها ثقيلاً، كذلك جفناها.

لا تدري، مالذي يحملها على العيش، تشعر أن الحياة تضعها في متاهة، لا نهاية لها، و لا مخرج منها.

تقلبت على جنبيها.

غالها ذهنا بصورته، يوشيرو، تراه يرى إنطفاء روحها؟.

ألهذا، صب إمتعاضه عليها.

لا يعنيها غضبه بقدر ما يعنيها السبب.

لكنها، رغم ذلك، لا تجرء على سؤاله.

قاومت احساسها بالدوار، و جلست على أطراف الفراش.

غادرته مترنحةً من الإعياء، وقع بصرها على التلفاز المعلق بالحائط، و فكرت في أنها لم تعد تطلع على الأخبار، مذ باتت تغدقها سُمًّا.

حروب، هرطقة، جرائم، هراء، يأس و كآبة، ثم تأتي هي في الآخر كإشهار ممل.

يزدريها الكُتاب بعد آخر كتاب نشرته، كتاب عن الحقيقة، و كل الحقيقة.

لم تكن الحقيقة محبوبة يومًا، مالذي إنتظرته

حركت رأسها بعنف، كأنما لتنفض عنه الأفكار.

حملت حقيبتها المرمية من على الأرض، فتحتها، إستلت منها هاتفها، تفقدته. تمتمت:

_نفذت بطاريته!

وضعته فوق المنضدة، و وصلته بالشاحن.

فتحت الدرج أخرجت حاسوبًا و مدونة، نزلت بهما إلى حجرة المكتبة، مكان خالٍ إلا من الكتب، طالما رأته ملاذها من كل الأشياء.

أنارتها، قلبت عينيها في انحاءها حتى استقرتا على أكداس من الكتب المتراصة أرضًا على كثب من المكتبة، لم تنظمها بعد، و لم تخصص لها وقتًا.

إنتحت لها مكان بالزاوية، و تربعت.

حطت الحاسوب فوق حجرها، فتحته، و إنكبت تكتب.

لكن، لم تلبث أن توقفت، راجعت النص.

بدى لها سخيفًا، سخيفًا حد القبح.

فتحت مسودة أخرى، و كتبت فيها ثانيةً.

عادت لتقرأ، حملقت في الشاشة بملامح مشمئزة.

هذه المرة، لم تبقي على ما كتبت، مسحته دون تردد.

تكتب مجددًا، ثم تمحي، تكتب، تتصلب أطراف يديها، تزفر.

ينال منها الضجر، فتغلق الحاسوب، و تضعه جانبًا، ثم تتحامل لتنهض، تدعك وجهها بكلتا يديها.

يضيق المكان بها، تختنق.



بعض الأمور لابد أن تحدث، لهذا عندما تفقدت يوري هاتفها، كانت أغلب الرسائل و الإتصالات التي وردت من آي.

لم تقرأ الرسائل، هاتفتها، لم تسهبن في الحدث، كانت محادثة مقتضبة،إتفقتا فيها على مكان لقاء، و موعد معين، ثم بتر الخط.

طالما كرهت يوري التواصل عبر الهاتف، دائمًا ما كانت ترى و تقول، أن كل حوار لابد له من جلسة، و إلا لن يكون ذا معنى.

_

توقفت سيارة التاكسي بها أمام دور السنيما.

دفعت له، ثم ترجلت.

ضلت واقفة حتى بعد أن غادرتها السيارة، تطلعت إلى العلاء. إستقرت أول قطرات المطر على وجنتها، و قبل أن يستحيل غزيرًا، صانتها مضلة أحدهم.

خفضت بصرها، فوقع على عيني أوكيغاوا الخضراوتان، غرقت فيهما، كما لو أنها اكتشفتهما توًا، كان يبتسم لها، كما يفعل عادة.

خلفه كان يوشيرو ماثلاً على بُعد خَطوتين، بيده يحمل مظلته البيضاء، و بصره شاخص في الأرض، يأبى النظر إليها، تحسبه يتجاهلها.

_تأخرتِ.

عادت ببصرها إلى أوكيغاوا، لا تدري بما ترد على عتابه، تعمدت أن تصل متأخرة عن الفلم بزمن قليل، حتى لا تواجه أي أديب، و إن وجدت الصحافة.

ساروا صمتًا صوب الباب الزجاجي ذا الجوانب الأربع، سبقتهما إلى الداخل حين أغلقا مضلتيهما، ثم أدارا الباب، ولجا إلى الداخل تباعًا، و لحقا بها.

إستقبلوهم إستقبالا لائقًا، ثم ساقوهم صوب القاعة.

و ما إن دخلوا حتى أقبل عليهم، رجل خمسيني، طويل، ذو شعر أشقر تتخلله خصلات شائبة، و مد يده إلى أوكيغاوا، بدى المسؤول عنه.

_ مبروك. ستشهد بأم عينيك عملك الفني!

صافحه فيما يومأ مرارًا برأسه، باسمًا.

تعمدت يوري الوقوف جانبًا، و قد لاحظ يوشيرو ذلك، فغطى عليها، و قد ساعد إنشغال الحظور بالفلم الذي بدأ قبل فترة على ذلك، و لأن الرجل أسهب في الحديث، أخذ بيدها إلى المقاعد المخصصة لهم.

بهتت، خطر لها أن تتوقف به حينًا، لكن لم تفعل، بل جارته خطواته، إذ أدركت، أنه يدري بهاؤلاء المنافقين، الذين يتصيدون الفرص، لينفثوا في وجهها دخان إحتراقهم.

رفعت عن مقعد -الصفوف الاولى- البطاقة الكبيرة التي تحمل إسمها، ووضعتها أرضًا، ثم جلست مكانها، كذلك فعل يوشيرو، ثم لم يمضي من الوقت إلا القليل، حتى جاء أوكيغاوا، و أخبرهما عما جرى بينه و بين الرجل قبل قليل، قبل أن يتخذ مجلسه بمحاذاة يوري.

إجتاحها إحساس بالسرور، و هي ترى العمل الروائي المحبب إلى قلبها، يعرض فلمًا.

نقرت كتف أوكيغاوا يسارها. فهم أن ذات الإحساس يراودها، فضحك، و شاركته الضحك.

ثم إلتفتت إلى يوشيرو يمينها، و تأملته، كان منشغلا بمراسلة أحدهم، شعر بتحديقها، بادلها نظراتها.

_ألا زلت غاضبًا مني.

بخفوت سألته.

_لست أدري.

عاد ينظر في شاشة هاتفه، ثم أضاف قائلا:

_إذن هكذا بدوتُ، لم أكن غاضبًا فعلاً! ربما كنت منزعجًا فحسب، لكن لم أكن غاضبًا.

أعاد هاتفه إلى جيب بنطاله، و انشغل عنها بمتابعة الفلم، غمغمت:

_فهمت.

لم تفهم، و لم ترد التعمق في الفهم، ضلت أسئلتها معلقة دون أن تطرحها عليه.

عادت ببصرها إلى الشاشة، فنقبض قلبها، و اتسعت حدقاتها.

ما تراه حتمًا، لم يكن واردًا في أي سطر من الرواية.

خالت أن ما رأته خرج من الشاشة، كما لو أنها ترتدي نظرات ثلاثية الأبعاد.

إرتابت.

'هَبْني روحك، أهبك مُبتغاك'

تسارعت دقات قلبها حين قرأت ما ظهر عرض الشاشة من كلمات مبعثرة.

شهقت، ثم شخصت في صمتها.

لأنها لم تضع وزن صدق لما رأته.

و لأن وجلها كان أكبر من رغبتها في التعبير عنه.






أهلا أعزائي

أتمنى تستمتعو بهذا الفصل لليوم
الفصل يتجاوز عدد كلماته 1000
و أشوفه صار مناسب، لا قصير، و لا طويل.
إنما بين و بين.

لقيت صور مناسبة لتكون في أذهانكم عن شخصيات القصة.



-

-

-




ما كنت أدري أن يوشيرو له هذا الجانب العصبي
ما علينا، طلع أن يوري شخصية كتومة

أي خطأ أحبكم تشيرون له عشان أصححه
قبل ما تروح الـ24 حقت التعديل

مجددًا تفاعلكم كان سعادة، شكرا لكم بحجم السماء
و إن شاء الله أشوفكم تشعشعون المكان بردودكم لهذا الفصل
و الي بعده بإذن الله




[/align][/cell][/tabletext][/align]

التعديل الأخير تم بواسطة •أيلين| Aileen• ; 03-21-2018 الساعة 10:33 PM
رد مع اقتباس