عرض مشاركة واحدة
  #66  
قديم 05-17-2018, 02:14 PM
 


الفصل الحادي عشر



بعد اسبوع:

اخترقت اشعة شمس ظهيرة تموز اللاهبة ستارة النافذة الشفافة البيضاء لتنير غرفة الجلوس ذات الاثاث الخشبي العملي، اعطت اشعتها لمعانا

للشعر الكستنائي القصير للمستلقي بكسل على اريكة حمراء مخملية، ساندا احدى قدميه على يد الاريكة وقدمه الاخرى فوق ظهر الاريكة،

اما يديه فكانت لهم وظيفة اخرى وهي التكبيس على شاشة الهاتف في حين راحت عينيه البنيتين تتجولان بملل على الشاشة التي عرضت

اول لعبة سخيفة وجدها على سوق بلاي ليقضي به على ملله، فجأة اتصال قطع اللعبة، ارتسم الانزعاج على وجهه حين رأى اسم المتصل ثم رد:

- لؤي ببرود: اهلا... اي خدمة؟...

- حسناء : اين انت لم تكلمني منذ اسبوع؟

- اذا؟... هل اشتقت الي؟

- لا تكن سخيفا، ليست من عادتنا ان نفترق لاكثر من يوم

- ما الذي تريدينه؟

- لما تكلمني بجفاف هكذا؟

- الغريب اني ما زلت اكلمك بعد ما فعلته ذلك اليوم

- ما فعلت ذلك اليوم؟

- لقد طردتني من بيتك، وامام والدتك

- بربك لؤي، لقد كنت غاضبة حينها

- ولانك غاضبة علي ان اتحمل منك الاهانات؟

- لطالما تحملت حماقاتي، ما الذي تغيير الان؟

- كل شيء، لا انت انت ولا علاقتنا كما كانت، انا لم اعد احتمل اكثر من ذلك

- ما قصتك مع علاقتنا؟

- لا شيء، حسنا، لقد اتصلت للاطمئنان علي، ورأيت انني بخير، يمكنك ان ترتاحي الان، الى اللقاء...

- لؤي!... ما الذي يحدث معك؟... بعمرك لم تتحدث الي هكذا

- ستعهدين مني الكثير من الان وصاعدا

- هففف... لكني افضلك كما كنت

- تعلمين اني افضلك ايضا كما كنت، لكنك لم تهتمي يوما لذلك

- هفف حسنا... سأحاول ان اعود كما كنت لكن ارجوك لا تريني وجهك الاخر هذا، انه مخيف

اعتدل لؤي جالسا محاولا أن يهدأ ثم قال:

- سنرى

- على كل حال، هل يمكنك ان تأتي الي؟ احتاج الى احد بجانبي

- هه... وماذا حدث الان؟

- لؤي مازلت تتحدث الي كأنك مرغم على ذلك

- حسنا... ربما لانني مرغم حقا

- لكنني اعتذرت اليك

- اه ان كان هذا يحل المشاكل فاعتذر عن طريقة كلامي، هل هذا يرضيك؟...

- لؤي!...

- اسف احدثك لاحقا

قطع الاتصال، اسند ظهره على ظهر الاريكة شبه مستلق وعاد ليكمل لعبته التي كان يلعبها قبل ان تتصل به، لم تمر دقائق حتى رن الجرس، نادت ام صالح لؤي لكي يفتح الباب لكنه لم يحرك ساكنا، مشت غاضبة وهي تتذمر حتى فتحت الباب، نظرت الى حسناء مستغربة:

- هل كنتي تبكين؟...

- لا شيء مهم، اين لؤي؟

- اه ذاك الصبي سيصيبني بالجنون، منذ اسبوع لا يبدو طبيعيا

- هل يمكنني ان اراه؟

- اه بالطبع، تفضلي

نادته امه قائلة:

- لؤي!... لقد اقبلت حسناء لتراك

- لم يجبها فدخلت حسناء لغرفة الجلوس لتراه نصف مستلق على الاريكة مازال بملابس النوم، اقتربت منه لتسلم عليه، رد التحية بلا مبالاة، جلست بالقرب منه فابتعد عنها، عادت واقتربت منه فحدجها نظرة قاسية مما جعلها تبتعد لا اراديا فعاد لهاتفه، قالت له:

- ما الذي يحدث معك؟

- وهل تهتمين؟

- بالطبع؟ اولسنا اصدقاء؟

- هل تظنين؟

- كف عن الرد على السؤال بسؤال

- حسنا... لما اتيتي على كل حال؟

- لقد اخبرتك انني احتاج الى من يقف الى جانبي في محنتي

- علما انني تغيبت عنك لمدة اسبوع ولم تكلميني، يمكنني ان اخمن ان شيء ما حدث اليوم

اخفضت رأسها بحرج لتقول:

- هذا صحيح

- هه... اذا هل علي ان ادعي لكي يصيبك كل يوم مكروه كي تتذكريني؟

- لؤي!... انت اليوم لست طبيعيا

- هل تظنين ذلك؟

- بربك احكم انت بنفسك

- اظنني اليوم اصبحت طبيعيا

- حقا؟...

- على كل حال انت جئت لتبثي لي همك، اليس كذلك؟ حسنا... دعينا نرى... ما الذي جرى؟

ترددت حسناء في الكلام اذ ان هذا الذي تراه امامها ليس نفسه لؤي الذي يبرع في مواساتها دائما، لكن بعد كل شيء هو صديقها الاقرب، قررت ان تحدثه عسى ان يلين لو استمع اليها:

- هل علمت ان قصة زواج جواد كانت مجرد كذبة؟

- هذا ما يقال في الارجاء

ترددت في الحديث مجددا ثم قالت:

- لقد ذهبت اليه بعد ان سمعت بالخبر

- واو... يا له من خبر مؤثر

- انا لم اقل الخبر بالكامل...

- اوه اسف تابعي...

استجمعت شجاعتها ثم قالت:

- لقد رفضني...

- حقا؟... هذا خبر جديد

- لقد قال انه كلما نظر الي اذكره باريج

قالت جملتها واجهشت بالبكاء بينما لم يكد يسمع لؤي كلامها حتى خر ضاحكا، توقفت حسناء عن البكاء لتنظر الى لؤي مصدومة، ما الذي حدث له فجاة، لؤي الحنون الذي عهدته لسنين اختفى!...

اخيرا قرر ان ينزع نظره عن هاتفه ليتوجه اليها قائلا بسخرية:

- فقط اتمنى لو كنت هناك لارى وجهك حينها

نظر اليها مازالت مصدومة فقال:

- هل انتهى حديثك؟ ام هناك المزيد؟

ظلت صامتة فقال لها:

- حسنا يبدو انه انتهى، لقد اديت واجبي كصديق اصبح بامكانك الرحيل

- لؤي!...

- لقد سمعتني جيدا

- هل تحاول الانتقام مني لما فعلته ذلك اليوم؟

- لا احاول شيئا، لقد اتيت لتشكي الي همك وقد فعلت، انتهت مهمتك، يمكنك الرحيل

- نحن صديقين منذ زمن، الاصدقاء لا ينتقمون من بعضهم بل يتسامحون

- حسنا... فاذا نحن لم نعد اصدقاء

- لؤي... لا تقل ذلك... لقد كنا مقربين جدا، لا يمكنك الغاء صداقة سنين بسبب لحظة غضب

- انت محقة، لذلك اطردك الان بكل برود واتوقع ان اذهب لزيارتك المرة القادمة وترحبي بي بالاحضان، والان اذهبي

دفعها ليطردها فسقطت على الارض، نظر اليها من الاعلى باحتقار بينما هي لا تزال على الارض تكاد لا تصدق انقلابه المفاجئ، ادمعت عينيها وهي تنظر اليه عسى ان كان مقلبا من مقالبه يعترف بذلك، او ان كان فقط يحاول الانتقام قد ينتهي انتقامه قبل ان تخرج، لكنه قال ساخرا:

- لا تنسي ان تستقبليني في الاخضان عندما اعود لزيارتك فهذه كانت مجرد لحظة غضب

التفت ليعود الى اريكته قائلا:

- هذا ان ذهبت لزيارتك مجددا


اقبلت ام صالح لترى حسناء على الارض، اسرعت اليها لتساعدها على النهوض وبذلك عادت حسناء الى وعيها وادركت ان لؤي لم يكن يمزح ولا ينتقم، انما حتما يقصد انهاء صداقتهم كليا...

نهضت عن الارض واسرعت للخارج باكية، نظرت اليها ام صالح مستغربة فاقبلت للؤي:

- انت!... ما الذي حدث لصديقتك؟

- انسي امرها امي، انها فتاة مدللة اكثر من اللازم، سرعان ما ستجد احد يواسيها

- ما الذي تقصده؟

- لا تشغلي بالك بذلك، ان كنت لا افعل فلما تفعلين

اخذت الام تعنفه على كلامه عن صديقة طفولته بينما حاول هو عدم الاصغاء مركزا على لعبة هاتفه المملة،

لكن انشغاله في الحقيقة كان بالتفكير بحسناء، اذ اقبلت بكامل زينتها،

يبدو انها بحثت عن افضل ملابس وجدتها في الخزانة بعد التي ارتدتهم يوم ذهبت لاستقبال جواد في المطار،

ولا ننسى ذلك التبرج الذي صبغ وجهها بأكمله كما يفعل المهرجين، ورغم ذلك كانت تبدو رقيقة وناعمة،

عجبا للمكياج الذي يحول وردة لمهرج ومهرج لوردة،

شعرها الاشعث المتمرد عادة كان اليوم مسرحا املسا ناعما لامعا

ولولا لونه المائل للاحمر لكانت بالطبع نسخة عن اريج، لن استغرب لو جواد قال انها تذكره بها

ولن انسى عطرها الذي تستعمله من اول ايام الصبا، لم تغييره يوما،

كلما شممته في اي مكان يذكرني بها

لكن بعد كل شيء، هذا التزيين كله كان لاجله هو جواد لا غير، حين علمت بأن زواجه كان مجرد مقلب اسرعب لترتدي افضل ما لديها لتذهب اليه

حقا كنت اتمنى لو انني كنت حينها هناك لأرى وجهها حين اخبرها بأنها تذكره باريج بدلا من ان يكون العكس

لطالما كانت تخبرني انه لو اعجب باريج فلانها تذكره بها ولكن بعد كل شيء سيكون لها لانه احبها دوما وسيبقى يحبها

اليوم تأكدت من العكس، تأكدت انه يحب اريج وهي حسناء التي تذكره بالاخرى

واما جواد فحسابه قريب، ما ان تخطب اريج سأنزل صور خطبتها على الفيسبوك واول منشن سيكون من نصيب جواد

من حقه ان يكون اول المباركين لها...


دخل صالح المنزل ليجد لؤي على نفس الحالة منذ اسبوع، ملقى على اريكة لا يتحرك الا لدخول الحمام وللاكل، ولا يخرج من المنزل ابدا

استند على حافة الباب يتأمله بانزعاج ثم قال:

- هل ستبقى على هذه الحالة للابد، قم وابحث لنفسك عن عمل مفيد

نزع لؤي نظره عن الهاتف لينظر الى اخاه ببرود ثم قال:

- اذا متى خطبتكما؟

- لما تبدو مهتما اكثر مني بالامر؟ اهتم انت بفتاتك

- فتاتي طردتها من حياتي، سابحث لنفسي عن حياة جديدة

- اذا اتمنى ان لا تكون حياتك الجديدة هي حياتي حيث اراك تتدخل فيها كثيرا مؤخرا

- لا صدقني لن تكون حياتك، على العكس، سأبتعد عنك وعن اريج بقدر ما استطيع فقد قررت السفر

نظر اليه صالح ببلاهة ثم التفت ليتجه الى غرفته قائلا:

- حظا موفقا اذا...

نهض الاخر بنشاط قائلا:

- صدقا... لقد قدمت طلبا للعمل في سويسرا وقد قبلوني، وصلتني التأشيرة، والسفر بعد اسبوع

استدار صالح بسرعة:

- بعد اسبوع!... انها مزحة من مزاحك الثقيلة اليس كذلك!

- لا... ليست كذلك... انني جاد حقا... لقد قررت ان انسى حسناء وانشئ لنفسي حياة جديدة، لذلك قررت العمل خارج البلاد وقد اتعرف هناك على شابة تنسيني حبي الميؤوس...

تفكر صالح بالامر ثم ربت على كتف لؤي قائلا:

- اتمنى لك التوفيق من كل قلبي

- وانا اتمنى ان احضر خطبتك قبل السفر

نظر اليه صالح مستغربا ثم قال:

- اخطب، باقل من اسبوع!... الامر يتطلب وقتا

هز لؤي كتفاه قائلا:

- اني اشجعك منذ زمن على الخطبة لكنك كنت تؤجل دائما، تعلم كم ارغب بحضور خطبة او زواج، فلا تخطب وانا في الخارج

- اذا سأنتظر عودتك

- هل ستؤجل خطبتك لمدة سنة لاجلي؟

- سنة؟... اتقصد اننا لن نراك لمدة سنة؟...

- ماذا؟... وهل تراني ثريا لاسافر شهريا او اسبوعيا؟... انني ذاهب لكسب رزقي، لاستطيع ان اشتري منزلا كي اتزوج، وليس لابذر الاموال يمينا ويسارا

- زفر صالح بانزعاج ليقول:

- ربما انت محق... حسنا سأكلم اريج بالامر ونرى متى يمكننا ان نجري الخطبة، اي يوم انت مسافر؟...

- الاحد القادم، لا تضعها تلعب بعقلك كالعادة لتؤجل اكثر، كن رجلا هذه المرة

نظر صالح بازدراء لاخيه ثم تفكر بالامر، انهم اسبوع ويومين فقط، قد تكفي لاجراءات الخطوبة، قال: "حسنا ساكلم اريج بالموضوع ونخبر العائلة بموعد الخطبة..."

خرج من المنزل ليتوجه الى اريج ويكلمها بالامر فعاد لؤي الى اريكته والى لعبته المملة

---

فغرت اريج فاهها بصدمة عندما سمعت كلام صالح، قالت بانفعال:

- لا تقل لي ان لؤي سيستمر بالتدخل بحياتنا هكذا على الدوام بعد زواجنا

- لا لن يفعل، لقد اخبرتك انه مسافر، سيبقى خارج البلاد لمدة عام، يأتي لأجازة قصيرة ثم يعود لسفره

- حسنا... ذلك افضل...

- اذا متى بامكانك ان تجهزي كل ترتيبات الخطبة

اجابت بيأس:

- لست ادري...

- اسمعي، الخطبة ستكون هنا في بيتك، انا سادبر امر الضيافة اعرف شخصا اوكله بهذه الامور، لقد استعمله صديقا لي وكانت الضيافة ممتازة، يبقى امر فستانك والمكياج وخواتم الخطوبة، هل نذهب الان لاختيار الخواتم؟...

نظرت اليه بقلة حيلة لا تدري ما تقول، نظرت لكتابها بين يديها، كان ملجئها الوحيد قالت:

- على ان ادرس، ربما تذهب وحدك لاختيارهم

- اريج... عليك تختاريه بنفسك ليعجبك، كما انه عليك ان تجربيه ليكون على مقاسك على الاقل

تنهدت بانزعاج فقال لها: "هيا انهضي وغيري ملابسك لننطلق، سأكلم والدتك في هذه الاثناء لارى متى يمكنكما استئجار فستانك..."

لم ينتظر ردها بل خرج من الغرفة قبل ان تجادله لعلمه انه لو بقي ستحاول اقناعه بعدم ذهابها معه، وصل للمطبخ فسمعت اريج صرخة الحماس من والدتها وايقنت حينها ان يوم البحث عن الفستان قد حسم ايضا

بعد برهة طرق صالح الباب ففتحت له وخرجا سوية، دخلا متجرا للجواهر، اخذت عيناه تجول على الخواتم بينما هي اخذت اول خاتم ظهر امامها لتقول:

- هذا ينفع

نظر اليها صالح مستغربا، اذ ان الخاتم لم يكن على ذوقها حسب علمه بذوقها منذ سنين، جربته ولم يكن على مقاسها، فوضعته واخذت اخر لم يكن ينتمي لذوقها ايضا، امسك يدها التي تحمل الخاتم وقال لها:

- مهمتنا هنا ليست اطعام دجاج كي نفعل الامور بعشوائية، هذا خاتم خطبتنا وسيكون خاتم زفافنا ايضا، سيلازمك مدى العمر لذا اختاري ما يعجبك...

اجابته ببرود:

- في غرفة كحال غرفتي سيضيع الخاتم كما ضاع كتاب الجغرافيا ولن اراه الا مرة في السنة

رمش صالح عدة مرات مصدوما فهزت اريج كتفاها بلا مبالاة وقالت:

- ارأيت؟... الامر سيان...

سحبت يدها من يده لتجرب الخاتم فكان واسعا، ومع انها لم تكن مبالية بشكل الخاتم لانها اصلا مجبرة على الخطبة إلا انها ما كانت لتختار هذا الخاتم لانها تقززت من منظره، لم تكد تضعه مكانه حتى امسك صالح يدها ليدخل في بنصرها خاتما ناعما مزخرفا زخرفات جميلة مميزة، كان تماما كما لو انها هي اختارته

نظرت اليه مصدومة، انه يعرفها اكثر مما تعرف نفسها، ابتسم لها وقال:

- عشرة (بكسر العين) سنين لا تذهب سدى، ان لم يكن مقدرا لك اختيار الزوج الذي اردته على الاقل اختاري الخاتم الذي تريدين...

اخفضت بصرها بحزن فاردف صالح:

- وكذلك الامر سأفعل انا، سأختار ايضا الخاتم الذي اريد... قد لا نحب بعضنا حب رومنسي، لكن يمكننا ان نتفاهم ونعيش بهناء، ومع الايام قد تتطور علاقتنا

ابتسم بألم ليبعثر شعرها الكستنائي، نظرت للخاتم بشرود فقالت له:

- هذا الخاتم ايضا واسع علي اصبعي...

- لا باس، سنخبر الصائغ عن مقاسك ليضبط له المقاس

- لكنه في الواقع لا يعجبني

- قطب حاجباه باستغراب فقالت:

- لقد كبرت وتغيير ذوقي... هذا النوع لم يعد يلائمني

خلعت الخاتم لتضعه على الطاولة الزجاجية التي تعرض العديد من الاكسسوارات لتنظر نظرة شاملة على الخواتم وتختار اكثرهم بساطة، حلقة ذهبية لا زينة عليها ولا زخارف ولا حتى تلمع، استغرب صالح اختيارها اذ انه ذوق ميت بينما ارتسمت ابتسامة باردة على ثغرها قائلة:

- انه المطلوب بالضبط

نظر اليها صالح بريب قائلا:

- هل انت متأكدة من اختيارك؟ الا تفضلين الذي اخترته لك؟...

- لا هذا جيد، كما ان مقاسه جيد ايضا

دفع ثمن الخاتمين ثم خرجا، هي بابيسامة باردة وهو متجهم من تغيير اريج، كان قد فكر انه سيتوافق معها لانه يعرفها حق المعرفة وبذلك سيعرف كيف

يتعامل معها، لكنه الان يرى انسان جديد يقف امامه لا يعرف عنه الا ما رآه مؤخرا في هذا الاسبوع، فتاة مملة ذوقها ميت شغوفة بالدراسة مهووسة بالذكاء

لما هذا التغيير المفاجئ؟ هل هذا كله بسبب تلك التي سرقت حبها؟ ايمكن ان تلك التي تزوجت من تحب كانت ترتدي خاتما كالذي اختارته الان؟

هل يفاتحها بالامر ام ان هذا سيضايقها اكثر؟ تغيير شخصية اريج المفاجئة جعلت بينه وبينها حاجزا حتى لم يعد يعرف كيف يتعامل معها...

- هل تغديتي؟

- لست جائعة

نظر اليها متفكرا:

- افهم من كلامك انك تغديتي ام لا؟

- لا يهم، طالما اني لست جائعة

- حسنا... انا لم اتغدى بعد، سنمر بمطعم لاكل وان اردت يمكنك ان تشربي شيئا ينعشك من هذا المناخ الخانق، وفي الوقت نفسه نتفق على ما تبقى من الخطبة

نظرت اليه بضيق لتقول:

- لقد اخذت ما يكفي من نهاري، إن اردت أن تذهب اذهب بعد ان تعيدني للبيت فلدي الكثير من الدرس لاتفوق

نظر اليها بصدمة ثم قال:

- الا يمكنك ان تتفرغي ولو لاسبوع فقط؟

رفعت رأسها بتحد قائلة:

- لا ولا لثانية، من الجيد انني اتيت معك لأختار الخاتم...

تفكر بكلامها لبرهة، لقد اصبحت مزعجة جدا، لم يعد يعلم ايشاجرها ام يترأف بها بسبب ظروفها، كل ما يطلبه منها اسبوع لتجهيز امور الخطبة ليس الا، وبعدها فلتأخذ كل وقتها لتدرس

لم يخطر بباله انها تحاول تأجيل الخطبة لانها غير راغبة بها لانها مجبرة عليها لانها من وافقت عليها بكامل ارادتها حسب ما قال لؤي وهي وافقته،

اذا المفروض انها غاضبة لان ذلك الاحمق اختار اخرى عليها، وما ذنبه هو لتفرغ كامل غضبها عليه، لقد راعها بما فيه الكفاية،

نظر اليها بقلة صبر ليؤشر لها الى السيارة قائلا:

- اصعدي الى السيارة، دعيني اوصلك للمنزل...

---


استند لؤي على حافة الباب عند اريج ليقول لها ساخرا:

- من الان بدأت بتعذيب اخي؟... لم يكن هذا اتفاقنا...

سرعان ما نزعت اريج نظرها عن كتابها لتوجهه الى لؤي الذي كان يوجه اليها نظراته الحاقدة، قالت وهي تحاولت تبرير فعلتها بتوتر:

- اسفة لكن لا يمكنني تمضية يومي باللهو من هنا وهناك وامتحاناتي على الابواب

- هذا ليس عذرا، تذكري ان اخي سيكون اولوياتك من الان فصاعدا، ثم يأت البقية

- هذا لن يحدث، يكفي انني قبلت ان تكون الخطبة في هذا الاسبوع لاجل سموك، لانك قررت السفر فجأة

- ظننت ان هذا الخبر سيفرحك، فانت سترتاحين مني لسنة كاملة

ظل ينظر اليها ساخرا بينما هي تنظر اليه بحقد حتى قال:

- لدي خطة لتعتذري لاخي عن سوء تصرفك، هيا انهضي ستأتين معي

- اعتذر له!؟...

قالتها بصدمة فأجاب:

- بالطبع، لقد اخطأت بحقه، هو يفعل المستحيل ليرضيك وانت تجافينه هكذا... ليكن بعلمك انه تخلى عن حبيبته بكامل ارادته لاجلك، بعكسك انت التي قررت الارتباط به بعد ان تخلى عنك الاخر

اخفضت رأسها لتبعد نظرها عنه مقطبة الحاحبين فقال:

- هيا اسرعي فالوقت يمر، ثم ارتدي فستان يلائم لسهرة حبيبين

فغرت فاهها وهي تنظر اليه مدهوشة فقال:

- انتما ستخطبان بعد اسبوع، عليكما ان تتأقلما على الرومنسيات، سأخرج من الغرفة لتغيري ملابسك، خمس دقائق وعليك ان تكوني جاهزة

كاد ان سينسحب من غرفتها لكنه توقف حين سمعها:

- وان لم اذهب معك؟ هل ستأخذني رغما عني امام اهلي؟...

عقد ذراعيه مضيقا عينيه ثم اقترب بخطوات واثقة ليقول باستفزاز:

- بل سأطلب من ابي ان بفسخ خطوبتك من اخي لاني مولع بحبك ثم اطلب يدك من عمي، لن يصعب عليه التصديق فالكل يعلم ان التي كنت احبها قطعت علاقتي بها كليا، لم نعد لا احباب ولا اصدقاء...

نظرت اليه مصدومة:

- هل قطعت علاقتك بحسناء!... لما؟

نظر اليها بازدراء ليقول:

- هذه شؤني فلا تتدخلي بها، الان افعلي ما طلبته منك والا سأنفذ تهديدي

زمت شفتاها بحنق بينما ينظر اليها بتحد، ابعد نظره الى خزانتها ثم قرر ان يختار الفستان بنفسه لانه يعلم انها غبية ولن تختار الا ابشع ما لديها جكارة به، فتح الخزانة وبحث بين الفساتين اختار واحد بينهم فيروزي قصير للركبة وانيق، رمى الفستان اليها قائلا:

- خمس دقائق واريدك جاهزة من لبس وميكاج وغيره

انصرف وهو ينظر الى ساعته وهو يحدد الوقت فنهضت هي متأففة، اخذت الفستان لتنظر اليه بيأس، عليها ان تفعل ما يطلبه منها، انه مجرد اسبوع وتنتهي منه...

ارتدته وسرحت شعرها وتركته ينساب بحرية الى نصف ظهرها، وضعت القليل من المكياج ثم انتعلت عليه كعبا عاليا بنفس لون الفستان، بدت انيقة ورشيقة بعكس ما اعتادت ان تظهر عادة، خرجت الى حيث ينتظرها لؤي مع والدتها لتنظر اليها امها وتضع كفيها في خديها مذهولة:

- ابنتي الصغيرة!... لقد اصبحتي كبيرة وجميلة!... انظري الى نفسك...

ابعدت اريج وجهها بضيق بينما اخذ لؤي يتأملها بصمت حتى قال بجفاف:

- دعينا ننطلق

اسرعت لتسبقه لكنها كادت ان تقع بسبب العكب العالي الذي لم تعتد عليه، امسكتها والدتها بمساعدة لؤي، ما ان اعتدلت بوقفتها حتى صاح لؤي غاضبا:

- ماهذا؟... ان كنت لا تجيدين السير بالكعب فلما ترتدينه

نظرت اليه بعبوس وكادت عيناها ان تفيضا الدموع حتى تدخلت والدتها قائلة:

- مهلك يا رجل... هذا الفستان لا يتناسب معه الا الكعب، كما انه ان لها ان تعتاد على تلك الاشيا التي اهملتها قبلا

- ولم تختر الا الان لتعتاد عليها، لديها مدة اسبوع لتجربهم في المنزل قبل موعد الخطبة

صرخت اريج:

- اولا ليس لدي اسبوع لتلك السخافات لأن لدي دراسة، ثم تذكر انك انت من اختار الفستان واصر علي لارتديه

تأملتهم الام مستغربة بينما نظر اليها مطولا بحقد وقال ببرود:

- دعينا نمضي الان واتمنى ان تنتبهي اكثر في مشيتك ولا تعيد الكرة، فلا ارغب في مساعدتك كل دقيقتين كي لا تقعي ارضا

رفعت رأسها بتكبر قائلة:

- ومن قال اني ارغب بمساعدتك

مشت لخارج المنزل وكادت ان تتعثر على اول درجة لكنها تداركت الامر واستطاعت ان تتجاوز السقوط، ضرب لؤي جبهته بضيق وسبقها الى السيارة قائلا:

- اتبعيني الى السيارة

عضت شفتها السفلى بحقد، خلعت حذاؤها ونزلت السلالم بسرعة وعادت لترتديهم قبل ان تخرج من البناء، صعدت الى السيارة وانطلقا

---


ركن لؤي السيارة تحت منزله، خرجت اريج من السيارة وهي تعدل تنورة فستانها الفيروزي

محاولة عدم الوقوع بذلك الكعب بينما خرج لؤي وفتح الباب الخلفي للسيارة ليأخذ منها الاكياس التي اشتراها بينما كان يلقن اريج خطوات الخطة

حاولت اريج التهرب من وضعها السيء حيث جالت بنظراتها في الارجاء، لكن ما لم تتوقعه ان تجد جواد جالسا هناك مع عدة من الشباب يؤرغلون ويتحدثون ويضحكون،

بينما كان هو كما لو انه مأخوذ عنهم وهو يتأملها، تضاربت نبضاتها وهي تتأمله، انفرجت اساريرها لرؤيته وتمنت لو تستطيع ان تذهب اليه ركضا لكنها فضلت ان تتعقل لتبقى مكانها،

مع علمها انه تزوج ولم يحبها يوما الا ان ابعاد نظرها عنه كان امرا صعبا بالنسبة اليها

فقد حرمت رؤيته لفترة طويلة وحين اخيرا التقت به تشاجرا لامر سخيف

ارادت ان تشبع نظرها منه ولو انه تطلب منها الاكتفاء بذلك، فهي بالطبع لن ترجو ان ينسى زوجته وان يرتبط بها

فجأة ادار لؤي وجهها تجاهه لتراه ينظر اليها بحقد، انتبهت لما كانت تفعله، فقد كانت قد وعدته ان لا تخدع أخاه مجددا وكما يبدو ان مجرد النظر الى جواد اعتبره خداعا...

قال بتهديد ولؤم:

- اصعدي الى منزلي حالا...

ابعدت يده عنها بعنف لتذهب مسرعة بينما وجه لؤي نظره لجواد ليرى انه كان على اهبة الاستعداد ليهاجمه

رفع رأسه باحتقار وتبع اريج الى داخل البناية حتى وصل اليها، امسكها من ذراعها ليلفها اليه وقال مهددا:

- ان رأيتك تنظرين اليه مجددا...

صمت حين رأى الدموع في عينيها، افلت ذراعها ليسبقها ويقول:

- تعلمين ما سيحدث...

صعدا السلالم حتى وصلا للبيت ودخلا، فتح غرفة صالح لينظر اليها نظرة شاملة وهو يقول:

- كنت تعلمين منذ البداية انك محجوزة لصالح، وقد نبهتك كثيرا من الوقوع في خب غيره... لكنك لم تشائي الا التمرد...

خرج من الغرفة وهو يقول:

- تستحقين ما يحدث لك...

ذهب ليحضر طاولة متوسك الحجم قابلة للطي وضعها وسط الغرفة، ووضع على طرفيها كرسيان،

غطى الطاولة بقماش من الستان ابيض اللون ثم وضع عليه قماش شفاف ازرق اللون يتلائم مع فستانها

طلب من اريج ان تحضر بعض الاطباق والشوق والملاعق من المطبخ

انصاعت دون كلام وحين رجعت وجدته يزين وسط الطاولة بمزهرية عصرية عليها زهور بالوان زاهية...

وضعت الاطباق فطلب منها ببرود ان تضع كل منهم مكانه

اخذت توزع الاطباق متقابلين بينما نزع اوراق وردة جورية زهرية لينثرهم على الطاولة

اخذت اريج تتأمله بشرود، انه يبدع في عمله كأنه يعمل بشغف،

هل يا ترى أعد هذه المأدبة له ولحسناء مرات عديدة؟ لكنه اخبرها انه طلبها مرات عدة ولم توافق عليه...

ان لم يعد لها هذه المفاجئة الجميلة التي يعدها لاخاه فقد خسرت الكثير

لا يمكنها ان تقول الامر عن نفسها اذ انها لا تتمتى ان ترتبط بصالح ولو على طاولة رومنسية كهذه...

لكن بعد للتفكير بالامر، ربما حسناء تفكر مثلها، فهي ايضا تحب جواد وتفضل الجلوس معه على الجلوس مع لؤي

---


ربت صديقه على كتفه ليقول له:

- ان كنت تحبها لما لا تذهب وتطلب يدها من والدها

شفط جواد نفسا طويلا من سيجارته لينفسها ببطء فقال سامر:

- لن تخسر شيء ان حاولت، على الاقل حاول، لتبقى في المستقبل مرتاح الضمير

استدار اليه جواد بملل ليقول:

- لقد اخبرتك مرارا وتكرارا، والدها لن يوافق علي فلما اجرب؟

- ولما لا؟ لن تنقص منك قطعة

- بل سينقص، لما اذهب لطلبها وانا اعلم انني سأرفض؟ انها مضيعة للوقت وللكرامة ايضا... لقد اكتفيت من الركض خلف حسناء حين تخلت عني، لا اريد ان اركض الان خلف اريج مع علمي انه لا نصيب بيننا

- انا لا اطلب منك ان تركض خلفها... فقد جرب

- ولما؟... ان كان والدها يرفض ان يزوجها لغريب عن العائلة وان كان يسكن في البلد، فلما تظن انه سيزوجها من غريب يعيش خارج البلد علما ان ذلك اكبر مخاوفه؟

لما لا تفهم؟ لا سبيل لنا للزواج ابدا... هذا ان كانت هي تحبني اصلا... انها تعشق فتا من صفها وهو لا يحبها، فلتلتزم بالزواج من ابن عمها ذلك خير لها...

تجاهل تعليق صديقه " اسطفل" بينما قعد يسترجع صورتها اليوم، كانت اشبه بملاك بريء صغير بفستان الساتان الازرق لنصف الفخذ بينما قماش شفاف بنساب فوق الساتان الى الركبة ويتحرك مع اخف نسمة صيفية لخفته

ابتسم بألم، يبدو انه سيضطر ان ينسى صورتها التي نقشت بقوة في ذاكره ولا يبدو انه سيكون من السهل نسيانها

اما ملامحها اليوم فلا يبدو انه جد شيئا عليهم، طابع الحزن مازال غالبا على وجهها، كيوم اخبرها ايمن انه يريد ان يعرف مشاعر نوال تجاهه، او يوم اخبرت نوال عن مشاعر ايمن وظلت وحيدة

انها نفس النظرات، نفس الالم لكن اعمق، يبدو انها فقدت الامل كليا من ايمن لذا قررت الارتباط من صالح، وهذا يفسر اتيانها بتلك الاناقة لزيارة صالح...

مد يده الى موضع سلسلته ليغمض عيناه بالم:

- يبدو ان قصتنا لم يكتب لها ان تبدا حتى لتستمر


---

حاوطت سلسلتها بيدها وهي تفكر بجواد بأكتئاب حتى ايقظها من شرودها صوت لؤي:

- هل ستبقين هكذا عديمة الفائدة؟...

نظرت اليه مستغربة اذ انه لا يبدو عليه بحاجة للمساعدة او انه يرغب بها اصلا

كان يعمل من قلبه لكنه اكمل كلامه:

- اتصلي بصالح واسأليه متى سيأتي لمنزله واخبريه انك هنا تنتظرينه بشوق

نظرت اليه جاحظة العينين وهي تفكر:

"انا اقول لصالح مثل ذلك الكلام السخيف!..."

فجأة تبادر الى ذهنها لو انها مرتبطة بجواد، كم كان ليكون جميلا ان تنتظره في البيت ليتناولا مع بعضهما عشاءا رومنسية، لكنها اضطرت ان تقطع سلسلة احلام اليقظة حين ناولها لؤي سماعة الهاتف قائلا:

- هيا ما الذي تنتظرينه؟... اتصلي به

اخذت الهاتف شاردة الذهن، اتصلت به ووضعت السماعة على اذنها وانتظرت الرد

- مرحبا

- اهلا صالح... هذه انا اريج

صمت قليلا ثم قال:

- اهلا اريج... اراك في منزلي، هل هناك شيء ما؟

- اممم... لا، فقط اردت ان اسألك... متى ستأتي الى المنزل؟...

- يمكنك ان تسألي ذلك من منزلك...

صمتت قليلا وهي تفكر بجوابه وما صلته بسؤالها دون ان تنتبه للسؤال الذي سألها اياه قبل ان تسأل سؤالها بسبب توترها فاجتاز صالح تلك الفقرة من الحوار وانتقل الى اخرى:

- ظننتك مشغولة بدرسك لدرجة لا تسمح لك ان تأتي لزيارتنا او تسألي عن احوالي ومواقيت عملي...

صمتت اريج لا تدري بما تجاوب فأخذ لؤي الهاتف منها ثم قال:

- الامر انها شعرت بالندم بالنسبة لما حدث بينكما اليوم عصرا فقررت ان فعرضت عليها ان اساعدها كي تعوض لك عن غذاءك بعشاء لذيذ...

- هكذا اذا... طالما انت دخلت على الخط فلن استغرب اهتمام اريج...

- يبدو انه لا غنى عني في حياتكما الرومنسية، افكر بعدم السفر حتى لا تضحى الحياة بينكما باردة في غيابي

- احمق وتبقى احمق

- على كل حال، متى تأتي للمنزل

- بعد ساعة تقريبا

- حسنا... عندما تنهي عملك اتصل بي لآتي لاحضارك

- لا بأس، سآتي مع صديق لي

- هذا افضل، لكن عندما تصل اتصل بنا لنعلم بحضورك ونجهز كل شيء

- اي كل شيء هذا؟

- لا عليك... انت فقط اتصل

- حسنا... مهما يكن

قطع الاتصال وعاد الى العمل متجاهلا وجود اريج

---

نظر سامر لجواد، تارة يحك جبهته بضيق وتارة اخرى يمرر اصابعه بين خصلات شعره متنهدا وهو يوجه نظره الى بناية لؤي، وبالتحديد الى الشرفة عسى ان تخرج اريج فيراها لكن دون جدوى

ربت سامر على كتفه ناصحا:

- كف عن التهريج واذهب اليها وكلمها وارح نفسك وارحنا معك

- احدثها بوجود لؤي!... هل تمزح معي؟... الم تر كيف ادار وجهها عني حين رآها تنظر ناحيتي؟...

- هل انت خائف منه؟... لم اعهدك جبانا

- ليس الامر هكذا... في كل الحالات ابي لا يريد ان اتواصل معها مهما كانت الاسباب... سأجد غيرها يوما ما وانسى امرها...

- لا تكن احمقا... ان كنت تحبها وتحبك فلما تنساها

- نهض باعتراض صارخا:

- ومن قال انها تحبني؟... احبها اجل لكنها تحب غيري

- وما ادراك؟... هل سالتا يوما عن مشاعرها تجاهك؟

- لا لكنني اعرف جيدا من تحب

- لكنك كنت تحب حسناء قبلها وقد نسيتها، هي ايضا ربما نسيته، تصرفاتها كلها تدل على ذلك

- لو نسيته لكانت ارسلت الي السلسلة

- وماذا عنك؟ لم ترسلها لها

- انا كنت افعلها لاجلها

جلس كئيبا ليقول:

- لكنها ستتزوج من صالح بعد كل شيء، حتى دون ان تحبه...

- حسنا... ربما لم تعطك السلسلة لانها خجولة... هل تتصور ان تعطيك السلسلة لتقول لك "نسيته بكل بساطة لانني احببتك بدلا منه..." الفتيات خجولات وينتظرن الخطوة الاولى من الرجل...

- ذلك تحليل غبي وايضا لا ينطبق على اريج... لا اتصورها من ذلك النوع الخجول

- مهما كانت شخصيتها قوية فهي فتاة على كل حال، لا تنسى ذلك

سند جواد ظهره على ظهر الكرسي البلاستيكي عاقدا ذراعيه قايلا بضيق:

- انس الامر

هز صديقه كتفيه قائلا:

- اسطفل

ظل جالسا وهو ينظر الى بيت لؤي وهو يهز قدمه بعصبية حتى اخيرا نهض سريعا وتوجه الى بيت لؤي، صعد السلالم قافزا 3 ادراج 3 ادراج حتى وصل اخيرا وطرق الباب

كان لؤي منشغلا بتجهيز العشاء الرومنسي فارسل اريج التي كانت تجلس بملل على سرير صالح مكتفية بالتفرج، ارسلها لتفتح الباب

ما ان رأت الطارق حتى دق قلبها ناقوس الخطر، لكن قدماها تجمدتا بل كل اوصالها ولم تعد تستطع الا النظر اليه بينما ارتسمت على ثغره ابتسامة حانية اذابت قلبها المتلهف لها منذ امد

اخفضا بصرهما بحياء، حك راسه بحرج وهو يفكر بشيء ليقوله بينما اخذت تلعب بخصلة من شعرها مرتبكة، صمتا لوهلة ثم صادفت ان القيا التحية سوية، ضحكا بخفة وعادا لينظرا للارض

مرر اصابعه بشعره محاولا التخلص من الاحراج بينما صارت هي تلعب باحدى قرطيها بارتباك، راقبها بدقة هذه المرة، ابتسم حين رأى طولها الزائد بفعل الكعب العالي، اتسعت ابتسامته حتى بانت اسنانه حين انتبه ان طولها الحالي اصبح يخوله لتقبيل جبينها دون ان يطأطئ رأسه

خطفت نظرة خجلة اليه لتراه بتلك الابتسامة الواسعة، قطبت جبينها تسأله:

- ما بك

نظر الى حذائها قائلا:

- انتم الفتيات يزداد طولكم فجأة وينقص فجأة...

تهربت منها ضحكة خجلة وهي تخفي قدم خلف قدم فقال:

- مظهرك جديد علي... اعتدت ان اراك بزي المدرسة والبوط الموحل

عبست بابتسامة انزعاج وهي تنظر اليه حين تذكرت لقائهما الاول، حينها كرهته ولم تفكر انها ذات يوم ستحبه وتتعلق به الى هذه الدرجة، لكنها اليوم... تذكرت فجأة وضعه اي انه اصبح متزوجا فرأت ان كل هذه الافكار والذكريات لا داعي لها، سالته ببرود:

- اتريد التحدث الى لؤي؟

استغرب تغيرها المفاجئ لكنه اجاب بسرعة نافيا، سحبها من يدها للخارج ليغلق الباب بهدوء كي لا يقاطعهم احد، نظر اليها مبتسما ليقول بدفئ:

- لقد اشتقت اليك

اتسعت عيناها من الصدمة، نكست رأسها بينما الدموع تجمعت في عيناها، ان كان قد تزوج فلما يفعل ذلك، ربما يقصد انه اشتاق لها

كمجرد صديقة، لكن بعد سماع كلامه هذا حتى التعقل لن ينفعها، ستنسى المنطق بكامله لتستسلم لهواجسها الغبية متنعمة بدفئ حبه الوهمي

رفع رأسها تجاهه متفكرا بطريقة ليخبرها، ايسألها عن مشاعرها ام يخبرها مباشرة عن مشاعره، اغمض عيناه بالم "والنتيحة؟ انها محجوزة لابن عمها بكل الحالات، لو انها حقا تحبه واباح لها عن مشاعره قد يجعل الامر اصعب عليها"

عض شفته محتارة لا يدري ما يفعل بينما تاهت هي بيعينيه المفعمة بشتى انواع المشاعر، قال جواد:

- اريج... انا...

تنهد بثقل ليمرر اصابعه بين خصل شعره متوترا ثم قال:

- انت... هل... اقصد... ما مشا...

- اريج!

فجأة ارتسم الحقد وجه جواد بينما كسا الفزع ملامح اريج، ارتجفت اوصالها ما ان سمعت صوت لؤي الحازم خلفها يناديها

- ما الذي يحدث هنا ؟

جواد بتحد:

- لا شأن لك

وجه لؤي نظره لاريج بحقد قائلا:

- انت ادخلي اتعامل معك لاحقا

ارادت اريج الدخول لكن جواد امسكها من معصمها ليمنعها قائلا:

- لا... هناك ما يجب ان نتحدث به

امسكها لؤي من ذراعها محاولا ابعادها عنه قائلا:

- ابعد يدك عن ابنة عمي والا سيحدث ما لن يرضيك

- جواد: لن افعل قبل ان...

سحبت يدها من يده بعنف وهي تنظر اليه بحقد، دفعته غاضبة وركضت للداخل، هل الامر لعبة بالنسبة اليه ليأت ويتحدث اليها متى ما شاء ويعبر عن مشاعر هي

بغنى عن سماعها بل محظور عليها سماعها، وبعد ذلك هي التي تعاقب بينما هو يعود لزوجته! يفضل ان يبحث لنفسه عن صديقة اخرى فما فيها يكفيها

ناداها جواد وحاول ان يتبعها لكن لؤي وقف له بالمرصاد ليمنعه، نظر اليه جواد بحقد ثم قال:

- جواد: من حقها ان تقرر مستقبلها

- لؤي: حقا!... لكن لوالدها رأي اخر

- جواد: سأحدث والدها شخصيا

- انصحك ان تتراجع فلن يغيير رأيه

- اعطني العنوان لاذهب اليه

ابتسم لؤي بخبث ثم قال:

- على جثتي

اغلق الباب قبل ان يحاول الدخول مجددا ثم تبع اريج للداخل، حاول جواد ان يكبت اعصابه قبل ان يرتكب جريمة، فهو يريد للامر ان يسير بسرية تامة

يريد ان يتحدث مع والد اريج دون علم اهله لان والده منعه، في حال رفض والدها ينسى الامر كليا، وفي حال اقتنع والدها بعرضه يحاول ان يقنع والده، لكن ماذا لو اريج هي نفسها لا تحبه؟... سيكون مجهوده كله مضيعة للوقت...

ترك الامر حاليا عسى ان يخطط بطريقة افضل قبل ان يفسد المزيد مما افسد، اخرج سيجارة وولعها ليهدأ باله ما لبث ان بدأ يسعل، اطفئ السجارة، رماها ارضا واكمل الى اصدقائه...

---


دخل لؤي غرفة صالح ليجد اريج جالسة على السرير تغطي وجهها بكفيها غارفة بين دموعها وشهقاتها، استند على حافة الباب ببرود ليقول:

- تخنثين بوعدك لي ثم تتباكين!... لقد وعدت ان لا تحدثي جواد بعد ذلك اليوم

نهضت اريج غاضبة وهي تصيح:

- كفا... لقد مللت منكما، بينك وبين جواد سأنهار، ما ذنبي ان قام زوج عمتي بخداعها، وما ذنبي ان ولدت فتاة على غراركم، وما ذنبي ان اتفقتم كلكم على ان تقرروا مستقبلي عني... انه مستقبلي انا وانا الذي يفترض بي ان اتحكم به...

اقترب ببرود بخطوات بطيئة ليصل اليها ويقول بحقد:

- كل ذلك لا يهمني... ما يهمني انك وقعت بحب عدوي اللدود والذي لن اسمح له بان يكون فردا من عائلتنا

- وما شأني انا بعداوتكما؟...

قالتها لترمي بنفسها على السرير وتعود لبكائها، تنهد بانزعاج ثم حك جبهته لا يدري ما يصنع، نظر لساعته، اوشك صالح ان يصل ولا يجب ان يراها بهذه الحالة

والا قد يفسد كل شيء لو علم بما حصل، فحسب علمه ام حبيب اريج تزوج، لكن لو علم هويته فسيعلم انه لم يتزوج وقد يخاول مساعدة اريج مراعاة لمشاعرها، انه فعلا اغرب خطيب عرفه على وجه الارض

اراد ان يكلمها لكنه لاحظها رفعت رأسها وهي تمسح دموعها ثم قالت:

- اظن انه لا داعي لكل تلك الجلبة... فهو متزوج على كل حال...

ادارت وجهها نحوه تبتسم بألم وقالت:

- اليس كذلك؟

شرد بها وبحالها، تصارع مشاعرها رغم المعاماة تحاول الابتسام رغم جرحها، تحاول التناسي رغم عشقها الكبير، نكس رأسه قاطبا حاجبيه موافقا كلامها

انتفض حين سمع صوت صالح في المنزل، اشر لاريج لتنهض بعجل وقال:

" اذهبي بسرعة لغرفة امي، اغسلي وجهك هناك واستخدمي مكياج امي لاعادة ضبط مكياجك لتخفي اثار البكاء، سألهي صالح الى ان تعودي..."

نهضت بعجل وخرجت بينما توجه هو الى صالح متذمرا "تبا... لما لم يتصل قبل ان يأتي لقد قال انه سيتصل"

دخلت اريج الحمام لتنظر الى وجهها الذي اكتسى بالكحل ممزوج بالدموع، عادت لتنزل دموعها، اقفلت الباب وجلست على غطاء المرحاض لتبكي بشهقات مكتومة

بعد دقائق طرق لؤي باب الحمام ليتأكد ان كان كل شيء يسير على ما يرام، اجابته بنعم وما ان لم تعد تسمع صوته حتى نهضت لتنظر الى نفسها في المرآة متفكرة،

الى متى ستستمر بهذا الوضع؟ ان كان لا يحبها وتزوج غيرها فلما تبكي عليه؟ ان لؤي محق، صالح ترك الفتاة التي يحبها لاجلها بينما هي تبكي لاجل جواد!...

لكن امر الارتباط بصالح ليس بتلك السهولة ايضا، فهي لا تكن له الا مشاعر اخوية... حسنا... يبدو انها ستتناسى امر الحب، ستهتم بدراستها فقط، فقد سمح لها والدها ان تكمل دراستها قبل الزواج وهذا ما ستفعله، ستوجه جل اهتمامها لدراستها...

غسلت وجهها وجففته، توجهت الى غرفة ام صالح لتخرج من اخدى الادراج علبة ميك اب وتضع الكثير منه ليخفي احمرار وجهها بسبب البكاء

انتهت ونظرت الى نفسها وهي تتمرن على الابتسام بقلب ميت، اعطاها ذلك شعورا مقيتا قاتلا لكن بعد كل شيء عليها المضي

خرجت من غرفة ام صالح لتتوجه الى غرفة صالح فتجد لؤي يشعل شموع صغيرة في ارجاء الغرفة وسط انارة خفيفة

تقدمت اليه فطلب منها بعجل ان تساعده في اشعال الشموع لتكتمل المفاجئة لان صالح ينتظر في غرفة المعيشة

تقدمت ببطئ لتأخذ منه ولاعة وتضيء الشموع بشرود

انتهيا فاجلسها لؤي على احدى الكرسيين وذهب لينادي صالح، دهل صالح الغرفة فرفع حاجبيه مبهورا، نظر الى اخيه قائلا:

- لقد عذبت نفسك كفاية، شكرا لك

- بالطبع لست وحدي الذي عذب نفسه، اريج كان لها دورا

نظر اليها صالح، جالسة على مرسيها مطأطئة رأسها لا تبدو سعيدة بوجودها حيث هي فقال:

- بالطبع، حضورها الى هنا اكبر دليل على ذلك، يكفي ان تتنازل عن دراستها لدقائق لاتأكد من كلامك...

- لؤي: وكبعا كان لها مساهمات اخرى، كارتداء الكعب العالي مثلا...

وجه صالح نظره لكعب حذاءها مستغربا ثم الى فستانها، ذلك الفستان اشترته حين خطبة محمود ابن عمهما، لما تلبس الان فستان حفلات؟ فليس بينهما تلك الرسميات؟ هل حقا شعرت بالذنب ام انها شخصية اريج الجديدة؟...

يبدو ان الامر سيبقى امرا غامضا ككل ما مر ستبقا في هذا الاسبوع، قطع لؤي شروده:

- هيا اذهب وانضم اليها، سأكون نادلكما، لا داعي لتطلب لائحة الاطعمة فاعرف طعامك المفضل وهو جاهز....

- حقا!... وهل تعرف طعام اريج المفضل ايضا؟

- في الواقع ستشاركك الطعام لذا ستأكل نفس ما ستأكله انت

- يا لك من احمق، ان طعامها المفضل نفس طعامي المفضل

تفكر لؤي بالامر قليلا ثم قال:

- يا لكما من زوج خلقا لبعضهما

قالها مبتسما لينصرف ويتركهما وحدهما، وجه صالح نظره لاريج، مازالت شاردة، هذه عادة جديدة عليها، هل في مل اسبوع تتخول مثلا، ماذا دعاها الان؟

اقترب ليجلس امامها والقى التحية ثم سألها عن حالها، ردت عليه باختصار مع ابتسامة سريعة ما انفكت ان اختفت ما ان انهت كلامها لتعود الى شرودها، نظر اليها صالح:

- امتأكدة انك بخير؟

نظرت اليه شاردة ثم بعد ان حلل عقلها سؤاله ببطء ردت عليه وهي تهز رأسها، تنهد بانزعاج ليقول:

- اريج!... قبل ان نرتبط رسميا، هل انت حقا موافقة غلى خطبتنا؟... هل خقا تريدين ذلك؟...

نظرت اليه تفكر بكلامه، بالطبع لا تريد ذلك، لكن لؤي بالمرصاد، وحتى وان لم يكن كذلك فما مصيرها، الشاب الذي احبته تزوج، رفضها له

لن ينفعها، فلتقبل بصالح افضل من الارتباط بلؤي، تعلم ان لؤي لو اراد لامر ان يحصل سيحصل ولو اضطر ان يفعل المستحيل

اصطنعت ابتسامة لتقول:

- بالطبع موافقة... والا لما اعلن موافقتي

- لست ادري... تبدين غريبة مؤخرا

- انا... انا فقط متوترة بسبب الامتحانات... تعلم... لقد رسبت مرة ولا اريد لذلك ان يتكرر

- يمكنني مساعدتك، لقد اهبرتك سابقا

- لا بأس... انا اتدبر امري

امعن النظر اليها ليحاول ان يفهم ما تفكر به، لم يرى الا حزن كاسح لم يسبق ان رآها تحمله مثيله، تنهد بتعب ليقول:

- حسنا... ان كنت متأكدة من ذلك... فليكن... غدا ستذهبين مع والدتك لتبحثي عن فستان للخطوبة

رفعت نظرها اليه بثقل، تذكرت انها اخبرته لتوها انها موافقة بملئ ارادتها على الزواج ننه فلما التأجيل، هزت راسها راضخة ثم قالت:

- لكن اتمنى الا تزعج دراستي بعد خطبتنا باشيا اضافية

صمت لوهلة ليقول بانزعاج:

- نحن للان لم نتناول عشاء اعتذارك لي... هل ستضيفين الى العشاء اعتذارا جديدا

هزت كتفاها لا مبالية قائلة:

- فليكن

اتكئ براسه على يده متحسرا، دخل لؤي يحمل اطباق طعامهما المفضل، وضعهم على الطاولة وتمنى لهم اوقات سعيدة ثم خرج

نظر صالح للطبق امامه، بدا شهيا وهو لم يتناول الغداء، بدأ يأكل بشهية الى ان لاحظ ان اريج تحلس بملل شاردة، قاطع شرودها:

- الن تأكلي؟

نظرت للكعام ببرود ثم قالت:

- لست جائعة

- اذا ما دورك هنا؟ لا تتحدثين ولا تأكلين، هل انت قكعة اضافية للزينة؟...

جحظت عينيها ثم قطبت لتبعد نظرها عنه بانزعاج فقال صالح:

- عليك ان تأكلي، انا متأكد انك لم تأكلي على الغداء ايضا، ومتأكد انه لولا كل هذا التبرج لمان وجهك الان شاحبا

تفكرت بكلامه قليلا ثم تهربت منها ابتسامة، لا يعلم تن وجهها احمر بسبب البكاء ولا يمط للشخوب بصلة، لكن ان يظن انها شاحبة بسبب الجوع خير لها من ان يعلم انها محمرة بسبب البكاء، والا سيبدا باستجوابها ولن يتركها حتى يعلم كل صغيرة وكبيرة عن سبب بكائها

فقال صالح:

- اذا هيا قلي

نظرت للطعام امامها، بالفعل يبدو شهيا لكن ا نفس لها للطعام، حاولت ان تأمل ولو قليلا لكي ترضيه فلا ضرورة لان يتشاحرا مرتين في اليوم لاحل اسباب تافهة

---
__________________
شكرا دودي عهدية العيد ميلاد الحلوة




هديتي لاني انشط روائية