عرض مشاركة واحدة
  #73  
قديم 06-04-2018, 10:22 AM
 


الفصل الثاني عشر

بعد ان اعادها صالح لمنزلها دخلت غرفتها بتعب كئيب، رمت حذاء الكعب كيفما كان دون ان تنظر اين يقع ثم اقفلت الغرفة وارتمت على سريرها وبدأت تستعيد مجرى الاحداث مع جواد في هذا اليوم

لقد رأت في عينيه مشاعر متفدقة، كان مختلف عما كانت عليه عيناه الساخرة قبل سفره، ربما اخر لقاء بينهما بدأت تلك النظرات ولم تعلم حينها ما اصاب قلبها اذ كان عليها الاستماع لامها والابتعاد عنه قدر الامكان

ففي النهاية كانت امها محقة، احبته وتعلقت به بشدة ونسيانه لم يعد بالشي السهل

ادمعت عيناها وهي تتذكر كلامه "لقد اشتقت اليك"

اغمض عيناها بقهر لتنحدر الدموع على وسادتها وبدأت ذكرياتهما معا تتدفق على رأسها، لطالما احست انه يحبها، وكان سامر دائما ما ينوه لذلك

اذا لماذا تزوج تلك؟!...
لم يبدو مجبرا على ذلك لانها حامل
بل كان سعيدا وفخورا
حسب قوله "اي شاب يتمنى ان يجد مثلها، طويلة وشقراء وذكية..."
انها بالضبط الصفات التي تنقصها هي
حسنا ربما ليست بذلك القصر، ومشكلة الذكاء يمكنها ان تحلها لو اكتفت بالدراسة طوال النهار دون ان تلتهي باي شي اخر، لكن حسب علمها انه يكره الشقار فقد كاد ان يقتلها حين صبغت شعرها للاشقر

لكن في كل الحالات ينقصها العامل الاهم وهو الحظ
الحظ لم يكن حليفها في اي وقت من الاوقات
لا مع جواد، ولا مع ايمن، ولا مع الذين سبقوهما...

سمعت صوت والدها عاد من العمل ويسأل عنها، فضلت التظاهر بالنوم فاخر مرة سأل عنها فور عودته من العمل لم تكن النتيجة مرضية

علما ان صوته الان هادئ بخلاف تلك المرة، الا انها ليست بصدد فتح اي حديث او الجدال مع احد، سمعت امها تقول

"دخلت غرفتها منذ فترة ربما هي نائمة الان... او تدرس، هل اذهب واناديها... "

- لا لا... دعيها ترتاح الان، اكلمها غدا

- هل هناك شيء ما؟

دام صمت الاب قليلا ثم اجاب:

- لا... لا شيء

سمعت خطواتهما يتجهان الى غرفة الجلوس ولم تهتم ببقية الحديث اذ كان الموضوع لا يخصها، حاولت ان تتجاهل ما يمر من ذكريات برأسها فحملت كتابا وحاولت الدرس لكن هيهات

ابى رأسها الا ان يقفل، استبشرت بنتيجة امتحان جيدة على هذه الحالة، ظلت تقلب من كتاب لكتاب عسى ان تكون المشكلة بالمادة المملة وليس براسها لكن دون جدوى

لا بد ان المشكلة برأسها لانها تبقى شاردة الذهن، بل المشكلة بقلبها الذي يرفض نسيان احمق فضل اخرى عليها

حين علمت انها لن تستطيع الدرس رمت بنفسها على سريرها عسى ان تستطيع ان تنام لكن للاسف لم يحدث، ومع ذلك ظلت مستلقية في سريرها شاردة، بين الحين والاخر تدمع عيناها فتحاول المكابرة لاجل كرامتها حتى اخيرا انقطعت الكهربا

وعلمت من ذلك ان الساعة اصبحت ال12 ليلا، وتذكرت حين كانت في مثل هذه الساعة تتجول في البيت للتأكد من ان الاوضاع أمنة ثم تقفل غرفتها وتركض لحاسوبها بحماس قاتل

تذكرت سعادتها حينها وقارنته بشقائها حاليا ثم اجهشت بالبكاء، الوضع حاليا يبدو امنا كما كان دائما فلا صوت في الخارج، يبدو ان الجميع نيام

مسحت دموعها وتوجهت للباب، فتحت القفل وخرجت بهدوء متوجهة مباشرة للمطبخ، سكبت كوب ماء وبدأت تشرب ببطء بينما تجول نظراتها على اماكن توصيل الكهربا لتجدها فارغة من هاتف امها، يبدو انها لم تشحنه هذه الليلة في المطبخ لسؤ حظها

هزت كتفيها لا مبالية لتضع كوبها في حوض غسيل الاواني ثم توجهت لغرفتها قائلة: "وما حاجتي لهاتفها، فانا لن اكلم جواد... يكفي ما فعل بي لقاؤه اليوم... علي نسيانه..."

بينما كانت تمشي صوب غرفتها سمعت صوت رسالة وصلت على الواتساب، توقفت مباشرة، الصوت كان قادم من غرفة الجلوس، ارادت ان تستدير لتحضر الهاتف لكنها جمدت مكانها مجددا

لقد قالت توا انها لا تريد محادثته، عادت لتكمل سيرها لغرفتها تدفع قدماها رغما عنهما وقلبها معلق بغرفة الجلوس حتى خطر لها:

" ماذا لو نشر على الفيسبوك سبب زواجه او شي من هذا القبيل؟... "

دون تفكير استدارت واسرعت الخطى نحو الهاتف لتأخذه وتفتح حسابها على الفيسبوك، دخلت صفحة جواد مباشرة

فتحتها وفتشت بها مرارا لم تجد اي منشور يدل على زواجه، وتلك الشقراء بالكاد وجدت لها صور بين صورهم هو واصدقائه

انتقلت مباشرة الى صفحة سامر فوجدت صور جديدة لهم، كان يبدو جواد في الاغلبية عابسا متجهما وكانت بينهم تلك الشقراء

لكنها لم تكن جالسة بالقرب من جواد، هل هما متشاجران يا ترى؟ لكنها تبدو سعيدة، ايعقل انها نكدة قلبت حياة جواد لتجعله عبوسا هكذا ثم ابتعدت عنه لانه اصبح مملا؟...

ان كان كذلك فهو يستحق، لما يختار زوجة كتلك، واعترض على اهله واصر الزواج منها لانها شقراء طويلة ذكية

تنهدت بانزعاج لاحظت انها نسيت هدفها الاول من فتحها للفيسبوك فانتقلت الى المنشورات الاقدم حيث كان جواد في فرنسا

وجدت العديد من المنشورات ومنها عن قلب جواد المفطور لإنقطاع حبيبته عنه، لكن لا شيء عن زواجه

ايعقل ان المقصودة بحبيبته ليست هي بل تلك الشقراء؟ فهي لم تظهر معهم في الصور الا نادرا

ربما كانا متشاجرين حينها وكان قلبه مفتورا لفراقها وبالتالي اريج لم تكن الا صديقة يملأ وقته معها الى ان تكون حبيبته قد عادت او تصالحت معه...

زفرت بتعب ووضعت يداها على رأسها محاولة طرد كل الاحتمالات التي كسحت دماغها ولم تعد تدري ما تفعل

انتقلت الى الرسائل لتجد جواد قد ارسل لها فوق المئة رسالة، فتحتهم لتصعد الى اخر رسالة قرأتها اخر مرة فتحت الفيسبوك، عسى ان يكون اعتذر لها عن زواجه من اخرى شارحا الاسباب

او الاصح ان ينقل لها البشرة حيث انهما لم يكونا مرتبطان ليعتذر منها وهو لا يعلم بمشاعرها حتى ليشرح لها الاسباب

قرأت العديد من الرسائل منه عن ان الفيس بدونها ممل وانه سيكون الاول في فرنسا لو طال غيابها لانه اصبح يجد وقتا للدراسة

وهكذا رسائل لكن لا شيء عن زواجه، وقبل ان تكمل قراءة خمسين رسالة من اصل اكثر من مئة وصلها اشارة عن رسالة جديدة من جواد

تجمدت لرؤية الاشارة، لم تدري ان كان عليها ان تجاوبه او لا، ربما هي بالنسبة اليه مجرد صديقة لكنها هي تحبه، وان تحدثت اليه سيصعب عليها نسيانه اكثر

رأت ان افضل ما تصنع هو الخروج من الفيسبوك ثم رمت هاتف والدتها جانبا، اسندت رأسها على ظهر الاريكة مغمضة عينيها بضيق، تجمعت الدموع في مقلتاها حين علمت انها ستضطر ان تودعه وفي الوقت نفس لا تستطيع،

فها فضولها يلح عليها ان ترى ما الذي كتبه لها جواد ويصر على ذلك، نظرت للهاتف واخذته، تنهدت بانزعاج ورمته، شدت شعرها مصدرة صيحة نفاذ صبر، ظلت شاردة لفترة ثم نظرت للهاتف وفتحت الفيس لترى ان رسائله الجديدة وصلت للثلاثين

تبا ما كل الذي كتبه في كل تلك الفترة القصيرة؟ قرأت اخر بضعة رسائل:

"اريج ردي على
الامر ضروري جدا ومستعجل
اريج اين تختفيتي"...

وهكذا الرسائل السابقات
يا ترى ما هذا الامر الضروري والمستعجل؟
وضعت الاحتمالات امامها الاغلبية كانت سيئة، واسوأهم

"ساعديني في حل مشكلتي مع زوجتي،
انت فتاة قد تفهمين عقليتها اكثر مني..."

احتمال وارد فهذا عمل الاصدقاء، وبصفتها صديقة عزيزة فلا بد من طلب مساعدتها، لكنها ليست صديقته فعلا فهي تحبه وان اعتبرها هو مجرد صديقة

ومساعدته على حل مشاكله مع زوجته لن تكون مهمة سهلة، سيكون الامر اشبه بحين طلب منها ايمن ان تخبر نوال عن مشاعره وهي كانت تحبه حد النخاع

اغمضت عيناها بقهر لتدمعا وهي تحاول ان تتماسك دون ان تبكي، فتحت عيناها حين سمعت رسالة جديدة وصلت

"اريج ارجوك ردي علي...
اريد ان اعلم ردك لاعلم كيف اتصرف
جاوبي على سؤالي..."

وما سؤاله يا ترى؟ لا يلزمها الا ان تصعد للاعلى لترى الرسائل السابقة، لكن ماذا لو كان الاحتمال الذي فكرت به صحيح؟ ان تحاول الاصلاح بينه وبين زوجته، وماذا لو انه سألها ان كانت تحبه ليترك زوجته؟

التمعت الفكرة في رأسها ورأت بصيص امل سرعان ما انطفئ حين علمت ان فكرتها غبية، ان كان يحبها ما كان ليتزوج اخرى منذ البداية

لكن ماذا لو انه لم يتفق مع زوجته ورأى الانفصال هو افضل حل، وادرك اخيرا انه يحبها هي؟...

همت بالصعود لتعلم سؤاله لكن فجأة ظهر في عقلها وجه لؤي وهو يهددها، للاسف حتى وإن احبها جواد فمصيرها اما الزواج من صالح اما من لؤي

خير لها ان لا تخاطر وتتزوج صالح، فلا يمكنها ان تتصور حياتها مقرونة مع لؤي

"اريج ما بك؟...
ردي على
اخبرتك ان الامر ضروري جدا..."

اغمضت عيناها لتسترسل دموعها، للاسف ستضطر ان تترك سؤاله معلق اذ لا يحق لها ان تختار من تريد، مصيرها محدد من زمن

نظرت لرسائله التي توالت دون انقطاع وعلمت انها يجب ان تنهي الموضوع نهائيا والا قد تضعف في يوم من الايام فما كان منها الا ان الغت حسابها على الفيسبوك

تركت هاتف والدتها واسرعت الى غرفتها باكية، ارتمت في السرير معانقة وسادتها تكتم فيها شهقاتها تفكر

" لا يجب ان ابكي عليه فهو متزوج وانا ايضا مقبلة على الخطوبة من غيره، لكنني لست قادرة على نسيانه... انه متزوج... فلما ابكي عليه وقد فضلها..."

مسحت دموعها وسرعان ما عاد خدها ليبتل

" ربما لذلك السبب، لانه فضلها علي... ربما لو علمت انه احبني حتى لو لم استطع الزواج منه قد يشفي ذاك غليلي، بل ربما كان ذلك سيؤذيني اكثر..."

شدت العناق على وسادتها وهي تزيد من وطئة بكائها، لما لم يختار القدر غيرها لتكون فتاة العائلة، لو انها ولدت شابا لاختارت حبها كما يحلو لها لكنها ولسؤ حظها...

وزادت من بكائها حتى احست ان قلبها سينفجر فحاولت الارتخاء لكن دون جدوى،

الذكريات والتحليلات تجاهم عقلها دون رحمة حتى ادركت ان الهرب من البكاء اليوم مستحيل

قد يكون الزمن كفيلا لضمل الجرح لكنه سيأخذ وقتا طويلا، ربما لا تحتاج الى الزمن، ربما تحتاج لقرار صارم، الاول كان حذف حسابها في الفيسبوك والثاني سيكون قتل المشاعر بما انها لا تستطيع ان ترضخها لمشيئتها

لكن كما يبدو لن يحدث ذلك اليوم لانها متأثرة جدا

اذا لا بأس، من الغد وصاعد ستحرم على نفسها البكا الضحك والاهم الحب، من الغد وصاعدا ستكون انسانا جديدا

وتمنت من كل قلبها ان تلتزم بقرارها لو انها التقت بجواد ولا تتأثر برؤيته كما حدث اخر مرة، بل يجب عليها ذلك، فهو متزوج ولم يحبها يوما

ستسمح لنفسها بالبكاء اليوم لكنه سيكون اليوم الاخير...

اخذت دفتر يومياتها من تحت الوسادة لتمر سريعا على ذكرياتها مع جواد ودموعها تزداد مع كل ذكرى سعيدة كانت ام مزعجة، فالان بنظرها كلها بدت سعيدة

وصلت الى اخر يوم كتبت، كان يوم التقت بجواد في المطار ويوم اجبرها لؤي على القبول بالارتباط من صالح، يبدو ان هذا الاسبوع كان مملا لدرجة انه لم يستحق كتابة شيء منه في مذكراتها

مازال المتبقي في الدفتر ما يقارب المئة صفحة، لو كتبت الى نهاية الخريف كالعادة قد ينقصها بضعة اوراق او تزيد حسب حجم الاحداث المهمة

لكن كما يبدو ان الاحداث المهمة القادمة منعدمة، ستتزوج من صالح وتهتم بدراستها، ومهما كانت اهمية الاحداث من حولها فلن تكون لها ادنى اهمية بالنسبة اليها، ربما عليها ان تختتم دفترها هذه السنة قبل حلول الخريف

مسحت دموعها محاولة التوقف عن البكاء لكن لمجرد التفكير بما ستكتب انهالت دموعها، اخذت قلمها وفتحت صفحة جديدة وقبل ان يعلن القلم عن قرارها كتبت الدموع مشاعرها على الصفحة

تجاهلتهم لتكتب بينما الدموع مستمرة بالهطول:


"انا لم اولد للحب...
كلما بحثت عنه اراه يبتعد عني مرة تلو الاخرى...
يبدو انني ولدت لمصير اخر
فليذهب الحب للجحيم
سأتقبل الواقع كما هو واشق لنفسي طريق جديد
على احدهم ان يدفع الثمن
وكما يبدو ذلك الشخص سيكون انا... "

مسحت دموعها لتنظر بكبرياء الى الصفحة التي زال حبر اجزاء بعض كلماتها من اثر الدموع،

بحثت حولها بنظراتها لتجد صندوقا تضع فيه بعض الكراكيب، توجهت اليه لترمي ما بداخله فوق منضة وعادت لسريرها، اغلقت الدفتر بحزم ثم اقفلته ورمته في الصندوق، خلعت سلسلة جواد لتنظر اليها نظرة اخيرة، ما ان تشوش منظرها اثر الدموع حتى القت بها داخل الصندوق مع الدفتر

وضعت يدها موضع قلبها لتشرد قليلا وهي تحاول التخلص من دموعها، اخذت نفسا عميقا لتنزع يدها من موضع قلبها وتستقر داخل الصندوق، قالت مخاطبة قلبها:

"هنا سيكون مكانك من الان فصاعدا، معزولا في ظلمة هذا الصندوق في مكان لا يدري بك احد ولا يمكن ان يصله احد..."

مسحت الدموع التي انهمرت مجددا وجالت بعينيها في الغرفة، اين تضع الصندوق؟ إن حاتم دائما يدخل غرفتها ويقلبها رأسا على عقب وسيجده بسرعة، ربما تضعه في مكان عال

فكرت مجددا "لو تركته في الغرفة سأجده يوما ما وقد اتأثر لرؤيته، اذا سيكون علي ان اخرجه من الغرفة..."

تفكرت بأفضل مكان لتضع فيه الصندوق "انها العليا... مكان لا يزار الا من شخص واحد ومرتين سنويا فقط... سيكون هناك بمأمن... "

وضعت الصندوق داخل حقيبة نايلون لتخفي ملامحه، اسرعت لتحضر السلم فتحته تخت العليا وصعدت عليه، دخلت العليا وبحثت عن ابعد زاوية ووضعته هناك...

رغم اشمئزازها من كثرة الغبار وبيوت العناكب المنتشرة الا ان ذلك اراحها لانه دل على انه لا يصل احد الى هذه البقعة

وضعت الصندوق ونظرت اليه مطولا ثم مسحت دموعها لتترك اثار الغبار من يدها التي امتزجت بدموعها

اطالت النظر اليه كأنها تودعه ثم تركت المكان لتعيد السلم لمكانه، وعادت الى غرفتها كأن حملا ازيح من ظهرها فقد تمت المهمة بكل سرية،

رغم ذلك حين نظرت الى مكان الدفتر الخالي احست بالفراغ، فقد اعتاد ذلك المكان على وجود دفتر يخص اسرارها منذ سنين

هزت كتفاها محاولة تجاهل الفكرة كما حاولت تجاهل عدم وجود السلسلة حول عنقها، ثم رمت بنفسها على السرير محاولة النسيان

---



انتزعها من نومها العميق طرقات على الباب، بين السهر البارحة وكثرة البكاء جعل نومها ثقيلا وتأخرت في الاستيقاظ

تقلبت على فراشها منزعجة لتسمع الطرقات مجددا وصوت والدها يطلب اذن الدخول

نهضت من الفراش لتنظر حولها وترى ان الصباح قد طلع، عادت لتنظر الى نفسها لتجد انها ما زالت بالفستان الازرق، زفرت بضيق وتعب ثم قالت له انها ستخرج بعد قليل

- حاولي ان تسرعي لاني سأتأخر على عملي...

- حسنا...

نهضت بثقل ثم نظرت الى نفسها في المرآة لترى عيناها مورمتان لكثرة بكاءها مساء امس، تنهدت بانزعاج متمنية ان لا يحاول احدى والديها الاستفسار عن سبب بكائها علما ان والدها يريد التحدث اليها فلا بد انه سينتبه

على كل حال ستضع اللوم على الدراسة وصعوبة فهمها

بدلت ملابسها واسرعت للخارج، غسلت وجهها لتمحي اثر الغبار والدموع، جففت وجهها ثم سارت الى غرفة الجلوس لترى والدها يجلس شارد

تقدمت لتجلس مقابله فنظر اليها وما زال شاردا ثم قال:

- اولا... صباح الخير

انتقل عدوى التوتر من الاب لابنته فقالت بابتسامة متوترة:

- صباح النور

صمت الاب قليلا ثم قال:

- هل انت سعيدة بارتباطك من صالح؟...

فتحت عيناها على وسعهما، لما تراه يسألها؟ ظنت ان ما اراده حدث ولن يهتم ابدا بمشاعرها ان كانت سعيدة ام حزينة، ثم هل كان حزنها باديا لتلك الدرجة ام انه خمن ذاك؟

ام ان صالح ربما اشتكى سوء تصرفها معه

اردف الاب:

- هل انت راضية بالزواج منه؟ هل يمكنك الاستمرار بالخطوبة ام انك تريدين الزواج من غيره؟

عندما سمعت الجزء الاخر من السؤال كادت ان تدمع عيناها لكنها كافحتهم بعبوس، إلآما يرمي والدها الان؟ لطالما كان همه ان توافق على صالح، لما يسألها الان عن رأيها؟...

هو لن يرضى ابدا بزواجها من اخر لانه يخاف ان يختفي الزوج ويعاني مجددا من مشاكل الطلاق، اذا ما الذي يخطر بباله الان؟

ايقظها الاب من شرودها:

- ماذا؟ ما الذي يشغل بالك؟ اخبريني...

قالها بلهجة حانية احبت لو تفتح له قلبها لكنها خافت لو علم الحقيقة ان ينقلب حنانه لؤما، وذلك المعتوه متزوج على كل حال، فبما سيفيدها الاعتراف

اخفضت بصرها بحزن ثم ما لبثت ان اصطنعت ابتسامة لتقول:

- انا مسرورة مع صالح... وهل اجد افضل من صديق الطفولة؟... اننا نفهم بعضنا كما لا يفهمنا احد اخر

- لكن ليس هذا ما قاله لي صالح مؤخرا... قال انك تغيرتي حتى لم يعد يفهمك ويكاد لا يعرفك...

حسنا... اذا يبدو ان صالح شكاه سوء تصرفها معه وسبب بريبة والدها، صراحة لو امكنها كانت لترفض الزواج منه ببساطة وتعنس كل عمرها

لكن المشكلة بلؤي لو رفضت الزواج من صالح فسيحشر نفسه للزواج منها فقط لانها تشبه تلك الغبية خطيبة جواد السابقة

هزت اريج كتفاها لتقول لوالدها

- تعلم انني على شفير امتحاناتي الرسمية وانا بالكاد افهم ما ادرس، كما ان خطبتي اضحت قريبة وذلك يجعلني متوترة، لكن لا بد انني سأتجاوز الامر بعد الامتحانات

نظر اليها الاب بحذر وقال:

- هل انت متأكدة من ذلك؟... ستكونين سعيدة لو تزوجتي من صالح وعشتي معه بقية العمر

ترددت في رأسها كلمة "لبقية العمر" الامر بالطبع ليست لعبة، هل تؤكد له جوابها؟ لكن جواد متزوج والاغلب انه لن يرض ان يزوجها من خارج العائلة

فاذا لن يبقى امامها للزواج الا لؤي، ابتسمت بسخرية حاولت اخفائها عن ولدها ثم قالت له مؤكدة:

- بالطبع... ولما لا؟...

- لقد رفضت الزواج منه لفترة طويلة وفجأة دون سابق انذار غيرتي رايك

- لقد استطاع لؤي ان يقنعني على طريقته الاصة بان ذلك لمصلحتي

صمت الاب شاردا ثم قال:

- اذا هل نستمر بالخطوبة؟...

ابتسمت تهز رأسها مؤكدة فيما عيناها اغرورقت بالدموع، راقبها شاردا ثم قال وهو ينهض:

- حسنا... ان كنت متأكدة من ذلك... لنمضي، امك في الداخل تجهز نفسها لتخرجا وتهتاا فستان خطوبتك، اذهبي وجهزي نفسك انت ايضا

ابتسمت له قائلة: "حسنا" خرج من البيت لتختفي الابتسامة من وجهها، اغمضت عيناها بقهر:

- ما الذي فعلته الان؟ هل كان يعطيني الفرصة التي تمنيتها كل عمري ورفضتها؟ حاولت ان تمنع دموعها التي همت بالنزول وهي تتذكر قرار الامس

غطت وجهها بكفيها متحسرة لما حدث، لكنها اعتادت على سوء حظها ولم تعد تثق بالحياة حين تبتسم لها، اصبحت ان رأت ابتسامة الحياة تبحث عما تضمره لها

لذلك فضلت ان ترفض كل ما تقدمه لها، فكرت انه من الافضل ان تتخلى عما تحب افضل من ان تعيش حلما وهميا الاستيقاظ منه مروع

قطع شرودها رنين الهاتف ثم صوت امها تناديها كي تجيب، سكت على اسنانها بغضب وتوجهت لترد واذا بها صديقتها نوال

- نوال بحماس: مرحبا اريج كيف حالك

- اريج ببرود: بحالة مزرية

- لماذا؟

- انسي الامر

- سآتي لزيارتك ونتحدث بما يجري معك عسى ان تتحسن حالتك

- اسفة لكن لا يمكنني استقبالك الان، سأذهب مع امي لاختيار فستان خطبتي ولا يمكنني تأجيل ذلك لان الخطبة بعد اقل من اسبوع

صمتت نوال لثوان ثم سمعت صرختها:

- خطبتك!... وبعد اقل من اسبوع!... ايتها الخائنة ولم تخبريني...

- هففف.... الامر جرى سريعا ولم يكن لدي الوقت لاخبر احد... حسنا انت مدعوة للخطبة

- من الجيد اني اتصلت لاعرف والا ربما لم اكن لاكون حتى من المدعووين

- ومن يهتم؟... انها مجرد خطبة

- ماذا !... اريج انت غير طبيعية... على كل حال (تحول صوتها لحماس مكتوم) اخبريني ان العريس هو جواد...

قهقهت اريج مخرجة قهرها ثم سكتت وهي تقول ساخرة:

- عما تتحدثين؟... تعلمين اني محجوزة لابن عمي

- نوال بصدمة: لكن... لكنك لا تحبينه

- ومن يهتم

- ومن يهتم!... ستتزوجينه وتبنين عائلة وتقولين من يهتم، ما كنت لاتخلى عن ايمن مهما كانت الظروف، امنعي هذه الخطوبة واخبري والدك بمشاعرك تجاه جواد

ابتسمت بسخرية وهي تفكر انه لو كان لنوال نسيب كلؤي ما كانت لتقول " مهنا كانت الظروف" استمرت نوال بمواعظ الحب وتضحية المحبين وهذا اخر ما ينقص اريج حتى اخيرا قررت ان تقطع كلامها بقولها:

- نوال... انا لا احب الاستاذ جواد... لقد كنت اكرهه ومع الايام استطعت ان اتقبله ليصبح بعدها صديقا مقربا... لكني لا اكن له مشاعر الحب... اعز الاستاذ جواد بشدة لانه وقف الى جانبي في محنتي حيث كنت وحيدة حينما فضلك ايمن علي... كنت احسدك دائما بسببه بينما كان جواد يهدء روعتي هذا كل ما في الامر... الاستاذ جواد صديقي وخطيبك هو الشاب الذي احببت دائما وبما انه اصبح خطيبك الان فلا داعي لان احارب لاجل الذي احب، الا ان كنتي تريدين التنازل عنه...

- ل... لكنك... لكنك قلتي يومها انك تحبين الاستاذ... نكرتي حبك لأيمن

- صحيح... حينها لم اشأ ان اكون سبب الشجار بينك وبينه لذا انسحبت وادعيت حبي له، وصادف ان كانت سلسلته في جيبي ويومياتي معه مما دعم كذبتي، لكنه هو نفسه لم يكن يعلم ان السلسلة معي ولو علم ربما كان سيقتلني...

- هه... ههه لا استطيع ان اصدق

- اسفة نوال... هذه هي الحقيقة... لو كنت مكانك ما كنت لاقبل الدعوة الى خطبتي ولقطعت صداقتنا الى الابد

اعادت السماعة للهاتف وتوجهت الى غرفتها تسب الحياة، صديقتها تعطيها الاف المواعظ عن التضحية لاجل الحب بينما قدم الحب اليها على طبق من فضة، وليس هذا فقط انما تريد ان تفسخ خطوبتها لتساعدها للحصول على قلب جواد متناسية ان والدها عارض عليه وبشدة... مهلا...

يبدو انها نسيت ان تخبر نوال ان جواد اصلا متزوج... على كل حال من يهتم الاغلب ان نوال نفسها ستنسى امر صداقة اريج بعد اعترافها، الا ان كانت ماتزال غبية كعادتها وتتنازل عن ايمن لاجلها...

لكنها هي سترفضه كما سترفض صداقتها للابد، ستبدأ حياة جديدة بعيدة عن الحب والاصدقاء، العلم والعمل هو كل ما ستمنح وقتها

اخذت اول قطعة ملابس ظهرت امامها في الخزانة دون ان تهتم لتنسيق الالوان او الاحجام زارتدتهما لتنضم الى امها ويذهبا سوية ليبحثا عن الفستان

-----




تصاعدت الزلاغيط من بيت اريج حين تمت خطبتها لابن عمها صالح، الكل فرح مسرور بينما ابتسامة باردة ظلت على محياها، اخذ صالح يلبسها الخاتم في بنصرها ثم فعلت هي المثل لتلبسه الخاتم واجرو مناسك الخطوبة كما يفعل الخطاب عادة وما كان ليشك احدا انها تخطب مكرهة او لا مبالية على الاقل

اما لؤي فكان الاسعد بين الجميع، حيث اخذ يصور العريسان ويتوعد برد الدين لجواد، لم يكد ينتهي من التصوير وقبل اختتام الحفلة اخذ ينشر الصور على الفيسبوك ولم يترك صورة الا ووضع اشارة لجواد

---

جلست شيماء تعبث على الفيسبوك بعد نامت ابنتها المزعجة اخيرا، لكن ما ادهشها رؤية صور اشير بها لجواد وهي صور خطبة اريج

فتحت الصور لتتأكد وسرعات ما اتصلت بوالدتها لتحذرها:

- مرحبا امي... هل جواد في المنزل؟

- اجل... ماذا تريدين منه

- هل الهاتف في يده؟

- اجل لما تسألين؟

- يا اللهي اتمنى فقط ان لا يكون على الفيسبوك

- لا اظن... اظنه كان يتفرج على الصور في الالبوم...

- تأكدي من انه لم يفتح الفيسبوك وان لم يفعل حاولي اخذ الهاتف من يده بأقصى سرعة

- لكن لما؟

- افعلي ذلك ثم اشرح لك

توجهت الام الى جواد لتنظر اليه مستلق في سريره مازال يقلب في صور اريج التي ارسلتهم له اثناء سفره، اطمئنت الام ثم اخبرته انها تحتاج ان تستعير هاتفه لان هاتفها فرغ شحنه وهي مستعجلة، ناولها الهاتف وخرجت من الغرفة لتكمل حديثها مع شيماء بعيدا عن جواد:

- حسنا اخذت الهاتف، ما الذي يحدث؟

- افتحي الفيسبوك الخاص به والغي كل الاشارات التي في الصور التي نشرها لؤي مؤخرا، واحذفي صداقة لؤي من عنده، لست ادري حتى لما ما زال يحتفظ به صديقا على الفيسبوك

- ولماذا علي ذلك؟ انها خصوصياته، لا اظنه سيقبل ان اتدخل بها

- امي لو رأي جواد تلك الصور قد يتدمر... اتذكرين اريج التي افتعل مشكلة كبيرة حين عودته بسببها؟ لقد خطبت اليوم من صالح، ولؤي نشر صورها على الفيسبوك وهو يعلم ان جواد يحبها فلم يترك صورة رومنسية لهما الا واشار لجواد عليها، لذا احذفيها وبسرعة

تنهدت الام بانزعاج لتدخل الى الفيسبوك وتبحث عن تلك الصور، لقد كانت فوق العشرين صورة، ضربت جبهتها لتقول لاختها:

- انهم صور كثيرة، الا يمكنني ان ازيل الاشارة كلهم مع بعض؟ هل يجب ان ازيلها واحدة واحدة؟

- لا اظن ذلك

- لكن كيف احذف الاشارة عن الصور، لم افعل ذلك في حياتي...

اقبل جواد اليها قائلا:

- سأزيلها عنك فقد فعلت ذلك كثيرا

التفتت الام بصدمة الى جواد، بالطبع لن تسلمه المهمة اذ كل المهمة كي لا يرى الصور، اخفت الهاتف خلف ظهرها قائلة:

- لا بأس ستساعدني شيماء في ذلك

قطب مستغربا حين رآها تحمل هاتفا في كل يد، لما عساها تحمل هاتفين، ثم ما لبث ان تذكر ان هاتف والدته فرغ شحنه، اذا الهاتف الذي في يدها يكون ل... :


- امي!... هل الاشارات اللتي تحاولين ازالتها، بالفيس الخاص بي؟

تنهدت الام بضيق، لم تعد تدري ما تفعل، قطعت الاتصال لشيماء لتستطيع التركيز مع جواد بينما طلب جواد استعادة هاتفه وهي استمرت بإخفاؤه خلف ظهرها قائلة:

- افضل ان لا ترى ما احاول ان اخفيه عنك

ضيق عيناه ساخرا:

- ولما؟.... هل هي تعليمات ابي ايضا؟

- لا لكن خوفا عليك لا اريدك ان تراه

- ولما؟... اعطني الهاتف

- الامر لن يعجبك جواد... سيؤلمك

قطب منزعجا بينما اخذ الهاتف من يد امه لينظر الى الصور مستغربا، على الهيئة الجديدة لم يعرفها لكن حين رأى ان العريس كان صالح، استطاع ان يخمن ان العروس...

فغر فاهه بصدمة، عاد لينظر الى امه وما زال فاغرا فمه وعاد لينظر الى الصور مجددا، رمش عدة مرات محاولا استيعاب الامر، كانت صورة لاريج وهي جالسة على كرسي مزين ملتصق بكرسي صالح، ترتدي فستان اسود طويل عكس بياضها الناصع بينما ترفع شعرها الكستنائي بطريقة انيقة جميلة ولاح على وجهها بعض المكياج الناعم

كانت اريج تحمل صحن صغير فيه كيك الخطبة وتطعم منه صالح وهو يطعمها بدوره، قلب بالصورة ليرى صورة اخرى وهم يلبسون المحابس، قلب بالصور غير مصدق محاولا تكذيب عيناه، حتى لاحت امامه صورة صالح يقبل خد اريج

حينها لم يحتمل المزيد ليصبح هاتفه ضحية ارتطام بالجدار، تسارع تنفس جواد بينما الام حاولت تهدئته،

تجاهل كلامها ودخل غرفته وبدأ يبحث عن شيء ما في خزانته، تبعته الام لتراه يخرج حاملا في يده علبة سجائر وولاعة

شهقت بفزع لتتبعه معاتبة:

- ما الذي يفعله هذا في حوزتك... ظننت انك قد اقلعت عن التدخين

خرج للشرفة واسند ظهره على قضبان السور ليخرج سيجارة من العلبة وولعها، اخذ نفسا عميقا مغمضا عينيه، حبسه لثوان ثم اطلقه، احس بوجود احد يراقبه فنظر الى باب الشرفة ليرى امه بصورة مشوشة، سرعان ما مسح الدموع قبل ان تظهر للعيان واستدار ليعطي لامه ظهره في حال قررت دموعه ان تخونه مجددا ان لا تراهم امه

حاول حسر الدموع حين تراكمت مشاعر الخزي في قلبه، من اسبوع يحاول الصبر والتماسك لاجل التفكير بطريقة يستطيع بها ان يقنع والد اريج بتزويجه من ابنته، وكما بدا له انه كاد ان ينجح لكن كما يبدو انها هي لم تكن تريده

كان يجب عليه ان يفهم ذلك من ردة فعلها على الفيسبوك، لو انها تحبه ما كانت لتفعل ما فعلت، وان كان السكوت علامة الرضا لكن ليس بتلك الطريقة

ان تحذف حسابها على الفيسبوك دون سلام او كلام وقد كانت انتبهت انه يحدثها وقرأت رسائله...

كان الانسب لو رفضته مباشرة كي لا تدعه متأملا ثم يصدم بصور خطبتها على الفيس

لقد كان سامر مخطأ... اريج لم تكن تحبه ولم تمتنع عن تسليمه السلسلة لانها خجلة من الاعتراف له بحبها، بل لا بد انها ما زالت مغرمة بايمن لكنها تقبلت نصيحته عن غير العادة...

مسح دمعة كادت تخرج من عينه رغم محاولته لعدم البكاء حين احس بيد امه تربت على ذراعه:

- جواد!... ارجوك... اترك التدخين... تعلم انه سيضرك

لم يجاوبها بل لم ينظر اليها حتى فأصرت عليه :" جواد... ارجوك..."

قال بصوت شبه مبحوح محاولا كتم مشاعره:

- اني بخير امي... فقط احتاج لابقى لوحدي... لو تلبين لي هذا الطلب فقط

قالت معترضة بانفعال:

- لا لست بخير وانت تعلم ذلك

التفت اليها جواد مخاولا كبت غضبه وقال:

- انظري الي امي... هل ابدو لك مريضا

ادمعت عيناها وهي تتوسله:

- ان كنت بخير فلا داعي لان تغير ذلك... لا داعي لان تقلقنا مجددا

لرؤية دموعها ازداد قهره، هل يجب ان يحزن والدته في كل مرة يدخل في مشكلة؟... نظر الى سيجارته بقلة حيلة ليرميها من الشرفة وابتسم لامه قائلا:

- هل هذا يرضيك؟...

ابتسمت لتعانقه فبادلها العناق وما ان اصبح في حضنها حتى جاشت مشاعره وبدأ بالبكاء دون توقف، ربتت امه على ظهره قائلة:

- ابك بني ابك، فإخفاء مشاعرك لن يزيدك الا سوأ

- انا احبها امي... احبها وكنت مستدا لاقنع ابي واباها واقنعها هي ايضا، لكنها قررت ان توافق على صالح دون ان تخبرتي حتى...

- لا باس... ستجد افضل منها

- لن افعل... لن اتزوج ابدا...

- سبق ان قلت ذلك حين تركتك حسناء

- الوضع مختلف الان... ليس انني لن اتزوج لانني ما زلت احبها بل لاني لم اعد ارغب بالزواج... ولا اريد تجربة الحب مجددا

- لكل مشكلة حل... سنجد حلا لك فيما بعد... لكن الان عدني انك لن تدخن مجددا

- ...

ابعدته عن حضنها وهي تنظر اليه

- جواد...

- اسف امي... لا يمكنني ان اعدك بذلك الا ان اردت ان اخنث بوعدي

- جواد

- اسف امي... ليس الامر بتلك السهولة

- سأذهب لاعد لك بعض اليانسون عسى ان تهدأ اعصابك

- امي... تعلمين اني اكره اليانسون...

- لا باس، انه كوب واحد فقط

- لكنه مقزز

- اشربه لاجلي... فقط موب واحد

- امرنا لله... افعلي ما شئت

ابتسمت الام واسرعت للمطبخ بينما سرعان ما انمحت الابتسامة من وجه جواد ليبدو عليه البؤس جليا... تأخرت والدته في العودة اذ اتصلت بشيماء لتخبرها بما حدث واخذت تشكو لها حتى سمعت سعال جواد، اسرعت للخارج لتجد جواد واضعا يده على صدر يعاني صعوبة في التنفس وفي يده الاخرى سيجارة... يبدو انه عندما تأخر مل ولم يستطع تخطي رغبته في التدخين ولم نكن امه بجانبه كي تمنعه...

هرولت الى غرفته لتبحث بين ملابسه عن بخاخ الربو فلم تجده، اخذت تبحث بين اغراضه، تحت السرير، قلبت الغرفة رأسا على عقب ثم بحثت في غرفة الجلوس ثم في باقي الغرف ولم تجده، عادت اليه لتسأله عن مكانه لكنها وجدته قد جلس على الارض وازدادت حالته

ارتجف قلبها لمنظره واقتربت منه مسرعة تساله:

- اين وضعت البخاخ؟...

حاول ان يتكلم لكن كلامه كان بالكاد يفهم، يلفظ كلمتان ويسكت ليسترجع انفاسه ثم يسعل ويعود ليلتقط انفاسه
بحثت الام في ملابسه عسى ان تكون في احدى جيوبه لكنها للاسف لم تجدها نظرت اليه وقد بدات تزرق شفتاه فارتمى على الارض ينازع نفسه

جمدت في مكانها على ذلك المنظر، لم تعد تعلم ما تفعل، اتكمل البحث عن البخاخ ام تبحث عن من يأخذه للطوارئ

سمعت صوت شيماء ما زالت على الهاتف بيدها، رفعت الهاتف لاذنها قائلة بصوت مرتعش وقد فاضت دموعها:

- اخوك... جواد انه يموت

- ماذا!...

جاءتها صرخة شيماء لتكمل:

- لقد قلت توا انه بخير ووافق ان يترك التدخين ولو مؤقتا

- انه ممتد على الارض يحتضر ولا يمكنني ان افعل له شيء

- الم يجد البخاخ نفعا؟

- لا استطيع مساعدته شيماء افعلي شيئا


- امي اين البخاخ؟ هل استعمله؟


- لا ادري...

شتمت وهي تقفل الاتصال، حاولت السيطرة على ارتجافة يدها بسبب خوفها على اخاها ثم اتصلت بزوجها واخبرته بالقصة فأسرع الى منزله،

فتحت الام له الباب فجاء ببخاخ جديد من الصيدلية لكنه لم ينفعه فحمله بصعوبة واتجه به الى السيارة وصعدت الام معه

---


بعد مضي فترة على دخول المستشفى رأوا ممرضة تخرج من عنده فسالوها عن حاله للمرة الثالثة

نظرت اليهم بتوتر وهي تحمل صورة الاشعة في يدها فقالت لهم:

- ان المريض قد استقر حاله، لكن...

نظرت الى الصور في يدها فقال والد جواد بنفاذ صبر:

- لكن ماذا؟...

- حسنا لديه ورم في الرئة، نأمل ان لا يكون ورما خبيثا، سنجري له الفحوصوات اللازمة للتأكد

لم تكد تكمل جملتها حتى اغمي على الام، تجمع الكل حول الام لمساعدتها ومن حسن حظها انها كنت في المستشفى

---


دخلوا غرفة جواد ليجدوه ممددا على سرير المستشفى ينظر للسقف شاردا، اقتربوا منه وحييوه لكنه لم يجبهم، دفعه اخوه بانزعاج ليقول:

- كم مرة طلبنا منك ان لا تدخن... لقد اقلقتنا جميعا

- رولا: هذا صحيح... لا تفعل هذا مجددا، لوهلة ظننا اننا فقدناك، حمدلله على سلامتك على كل حال...

ادمعت حينها عينا جواد واخذ يبكي دون صوت ثم قال:

- ولما احضرتموني الى هنا... سأموت بكلا الحالات، هل يجب ان اجرب الموت مرتان؟...

- الاخ الاكبر: عما تتحدث يا هذا؟... ها قد عدت بكامل صحتك وستعود معنا للمنزل

- لا تظنني احمقا... لقد سمعت ما قالته الممرضة... لدي ورم في الرئة

- الاخ: لقد قالت انه ربما لا يكون خبيثا...

- لكنه قد يكون كذلك... كلكم تعلمون اني ادمن التدخين منذ سنين واصبحت ادخن بشراهة مذ تركتني حسناء، فاين الغريب لو كان ورما خبيثا

تمسكت الام بيده وهي تبكي لتقول له:


- لن يحدث لك سوأ... سأدعو لك حتى تجف دموعي وحتى تخور قواي... سأدعو لك وسيستجيب الله دعائي، لا يترك الله اما تدعوه خوفا على ابنها دون ان يستجيب لها

ابتسم لها جواد لتنزل دموعه مدرارا ثم اعتذر لها عن كل ما بدر منه من افعال اغضبتها وازعجتها

طلبت منهم الممرضى ان يخرجو حين حضر الطبيب ليأخذ خزعة من الورم ليفخصه، لم يذكر جواد الا خروج الجميع ومن حينها حياته كلها تغيرت

***


مسح الدموع التي تجمعت في عيناه لينظر من النافذة ليرى الطقس الربيعي انقلب شتوي مجددا وانهمرت الامطار، سرعان ما اعاده المنظر مجددا سبع سنوات للماضي وهو يتذكر عناد اريج حين كانت تحب ان تسير تحت المطر دون مظلة

خرج للشرفة مادا يده محاولا جعل الذكرى ملموسة وهو يفكر:

- يا ترى كيف اصبحت اريج بعد هذه السبع سنوات؟...

***


الاسئلة:

لسلام عليكم بشعين
اسفة لان تأخرت عليكم بلفصل بس مدري كنت مشغولة كتير من اول شهر رمضان
ولهلاء للحقت خلص الفصل وكل ما احي عم رد على رد احدهم
بنص الرد تفصل بطارية التلفون 😅
وازهئ معاش الي خلق ارجع تكتب الرد 😅
الحمظلله هالمرة رديت عليكم وانا موصلة التلفون عالشاحن
خوفا من ان يصير نفس الي صار قبل

الاسئلة

- ليش بتظنو اب اريج سأل اريج اذا كانت بدها تكمل الخطبعة مع صالح او تلغيها 😅
- شو السؤال المهم الي ساله جواد لاريج عالفيس والغبية ما قبلت تشوفو 😅
- اكيد رح ينجي جواد من العملية بس شو بتظنو بيصير فيه
- بما ان الذكريات اهيرا خصلت عاساس فصل او 3 كحد اقصى للذكريات، المهم
شو توقعاتكم للخاضر
كيف بيلتقو اريج وجواد مجددا؟ وكيف يتكون ردة فعلهم؟ شو المشاكل للي بيمرو فيها وكيف الحلول <<< تاخذ افكار
برايكم جواد شو عمل بهول السبع سنين؟ تزوج او ارتبط من وحدة تانية او شو؟


__________________
شكرا دودي عهدية العيد ميلاد الحلوة




هديتي لاني انشط روائية