الموضوع: نوافذ فينوس
عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 06-14-2018, 06:21 PM
 
[ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:900px;background-image:url('https://www.up4.cc/image97405.html');"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]

| جناح يوليوس |

في القرية المهجورة التي لا يُعرف لها اسم ولا تاريخ, ثمة قصر ضخم أشبه بقلعة مثالية للشؤم, أسواره العالية تحرسها سيوف مدماه مغروسة في مشهد يبث الخوف في نفس الرائي
هذه الليلة تختلف عن باقي الليالي المعتادة, و بدا الظلام أكثر من مجرد ظلام الليل العادي, إذ كانت هناك عاصفة هوجاء محملة بالأمطار وربما معها الكثير من الأفكار المثيرة لتغزوا عقل ليونيل الذي ما انفك عن التبسم لها بامتنان وهو يحتضن جروه الصغير بين يديه خلف أبواب الشرفة
هالته تموج بشيء ما تجعل ممن يراه لأول مرة تصاحبه رغبة عميقة بالصراخ
عصفت الريح على النوافذ, كان مساءاً يستقبل الخريف, و لم يكن ثمة أثر للحياة في أرجاء القرية
مضى بهدوء في دهليز القلعة الذي يعكس ضوء البرق الغاضب, ونعله الخشبي يطرق الأرض الرخامية, كان يرتدي ثوب تقليدي ياباني بسيط, وشعره الطويل مربوط إلى الأعلى مثل ذيل الحصان, يتمايل مع مشيته المهيبة
دفع إحدى الأبواب الواسعة وقد بدا خشبها مهترئاً, أصدر الباب صوت صرير مزعج, وجروه الصغير يتبعه بمرح خلاف الأجواء
كانت الغرفة مسدولة الستائر, مسودة تماماً إلا من ضوء النار الموقدة بخفوت, والشموع المعلقة, لكن لا زالت البرودة اللاسعة جليةً في الهواء, و لم يُبدِ أي تأثر حيال الجو.
هُناك آخرون يتشاركون هذا الجو المريع الصامت, لكنهم مطموسين في الظلال عدا أعينهم الظاهرة بقسوة, كان الجميع في حالة انتظار شيء ما, عيونهم تبدت كما لو أنها متأهبة لأي مجهول ملعون
ظهرت ساعة خشبية مهترئة في إحدى الأركان وبجانبها ظل تابعه, بينما استقر ضيوفه على الأرائك ويبدو البلل على الأرضية, كان المكان جد فوضوي
قال ليونيل بهدوء يتأمل النار وألسنتها تتراقص في عينيه :
" أهلاً بكم يا سادة! "
تنهد لا لسبب, و بهمس نادى وقد سبقه صمت قصير : " ثاندر "
أجاب صوت ما فوراً " سيدي! "
بنعومة طرح عليه السؤال : " لماذا لم يأتِ يوليوس؟ "
ساد صمت مختلف, هذه المرة رهبة من نوع مغاير قد جاب في الأجواء
بدا صوت ثاندر خافتاً متزعزعاً حزناً وهو يجيب : " يوليوس يا سيدي قد مات! "
منذ سنة مضت قد قتل, وسيده يعلم ذلك بالفعل مما جعل تابعه المخلص يتردد في الإجابة, غير أن أحد الجالسين كان يعلم تماماً مقصد ذلك السؤال, وإن كان يوليوس صديقه طفولته العزيز فهو إذاً أخاه الصغير!! كان سؤاله مجرد افتتاحية لموضوعه!
علا صوت الرعد و جلس سيده القرفصاء ومد يديه ليلتقط جروه ويداعب أذنيه: " نعم "
زم شفتيه وأكمل بشرود : " يوليوس مات وأنا هنا كالبائس أحاول ولادة شيطان ما يسكن روحي الغاضبة "
أيقن كل من سمع كلامه بأن الشيطان قد ولد بالفعل, و لذا لم هم هنا في الأساس؟
تم لم شمل البعض, وليس الكل, ولا أحد يعلم حتى هذا الوقت السبب وراء هذا
تابع سيدهم وغدت نبرته الناعمة كهمس غاضب مثل فحيح أفعى سامة :
" كل من يوجد هنا _ "
تنفس بصعوبة وملامحه لا تكاد تُرى : " قد تم تأكيد ولائهم لسيرس "
انتفض أحدهم واقفاً بفزع وكأنه تعرض للسعة من نار : " مستحيل!! "
حدق نحوه سيده بملامح ممسوحة وعينيه البنفسجيتين بدت باردتين كالصقيع ولم يبهت السخط في عينيه: " خمسة من أصل ثلاثين وغداً "
أدرك الجميع أن الغضب الذي يسود البيت ما هو إلا نبذة حقيرة عن الغضب الكامن في قلب ليونيل
لقد عُرف في السابق أنه شيطان المنظمة " سيرس " المجنون, لكنهم لم يروا قط أن ارتقى غضبه لهكذا درجة! و يا للإثارة! لذلك تبسمت بعض الوجوه المظللة منتظرةً الأوامر.
أردف ليونيل وهو يضع جروه الصغير بين يدي ذلك الذي أنكر قوله, وأجلسه قائلاً : " لا داعِ للانزعاج صغيري ماثيو, سأجعلك تستل السيف في هذه المهمة إن أردت "
أضاف وهو ينظر للجميع بابتسامة تتعطش إلى الانتقام : " لكن هناك أمراً ما سيميز هذه المهمة عن سابق المهام يا رفاق "
ومن جديد دوى صوت الرعد بقوة وكأنه يترنم مع رغبة صاحب البيت الذي تطلعت إليه العيون بلهفة, ثم أكمل وهو يسير إلى إحدى النوافذ : " سنعطيه دوراً في إحدى المسرحيات التي سأنسجها الآن "
مد يده اليمنى ليناوله ثاندر ذو المعالم المخفية بعض الأوراق, بينما تابع ليونيل وهو يتصفحها : " لكن أولاً أنا مدين للفنان صاحب اللوحة المعلقة في ردهة البيت, لقد أسميتها جناح يوليوس, أهي رائعة؟! إنها تصف اللحظات الأخيرة لرفيقنا الراحل "
رد أحدهم بهدوء, كان صوته المتزن الوقور دوماً ما كان يبدو رائعاً لأذن ليونيل : " لقد جئت متشوقاً لرؤيتك! وبالكاد تنبهت للأثاث المهترئ, على الرغم من أنني لمحتها سريعاً إلا أني لم أتمعن تفاصيلها, تبدو عظيمة حين أسترجع صورتها في ذاكرتي, أتوق لمعرفة تفاصيل مسرحيتك "
أردف يسخر من صديقه ثاندر: " يا سيدي "
بينما سأل آخر بحيرة و قد ظهر صوته طفولياً : " لكن من هذا الرسام؟! وكيف علم بأمرك ليرسل تلك اللوحة؟! "
وجه ليونيل نظراته المستاءة تجاه الشخص الأول وقال : " فاوستوس لست سيدك ولا تقلد ثاندر العزيز! "
أضاف ببساطة وهو يكتف ذراعيه وقد أمال رأسه : " نيكولاس كاسيل, إنه من رسم تلك اللوحة, ثم إني قد سرقتها يا فينيست ولم يرسلها إليَ "
أطلق فينيست الصغير صاحب النظارات الطبية, صوتاً يدل على الفهم لا على الغرابة كونه معتاد مثل الجميع على تصرفات ليونيل المجنونة
ثم قال فاوستوس ذو الشعر الطويل ولكن بجدية بدت مهيبة أكثر: " تخطط لجعله جزء من المسرحية؟ إن كان كذلك فستكون طوكيو إذاً المسرح الوحيد المناسب لها بلا شك! "
تفاجأ ماثيو وسأل بغرابة وقد تأتأ من الصدمة : " طوكيو؟ لكن .. لن .. هناك والد كـ .. إنك تعلم!! "
صمت عندما ارتفع صوت الرعد إلى درجة أخلت تفكيره وكلامه, خُيل إليه أنه لم يستطع تحديد ملامح سيده ذلك أن النار قد بدأت تخبو بشكل غريب لكنه أحس بعيونه التي تُصوب نحوه
ردد فينيست يكلم نفسه : " انقلاب "
وافقه فاوستوس بإيماءة خفيفة مغمضاً عيناه الحادة لتختفي مع ظله
سأل ماثيو بشك أخيراً السؤال الذي انتظره ليونيل : " ما الذي تخطط إليه؟ "
وكان الجميع يأمل أن الإجابة ستأتي واضحة بدون ألغازه الرائعة التي تعكس شخصيته المعقدة, وقد أصاب أملهم على غير العادة حين أجاب ليونيل وهو يزيح الستائر : " محض مسرحية ذات فصول سأنسجها الآن, وأنتم جزء منها كذلك "
ووقف يتأمل البرق وقطرات المطر تضرب النافذة بقوة بلا انقطاع, بدت ملامحه مستمتعة بصوت الرعد الذي يعلو أكثر فأكثر
استرسل بعدها بشرود : " ما رأيكم بأن نبدأ بعرض الشخصية الرئيسية أولا؟ ماذا عن مناقشة أدواركم فيها؟ و عن التصنيف المناسب لها؟ لست واثقاً من النهاية بما أن مزاجي يبدو جيداً الآن.."
أصاب الشك كل من حوله حيال آخر جملة قالها, بيد أن فاوستوس تساءل بصوت يفشي اتقاد روحه لدوره في المسرحية : " أيمكنني تحديد موقعي ودوري في طوكيو إذاً ؟! "
أجاب ليونيل مبتسماً بغموض : " نوعاً ما, أنت ذو وضع مختلف قليلاً عن البقية لكني عمدت لأن يكون كل شيء لصالحك "
علق فينيست بذكاء : " في هذه الحالة لن يكون هُناك تصنيف واضح للقصة, الجزء الذي أنا متأكد بشأنه هو أن هناك مجزرة بشعة في آخر الفصول "
بحيرة تابع يسأل ليونيل : " لكن هل ستجيد تفاصيلها بدقة؟ "
اختفت ابتسامة ليونيل ليميل بفمه كأنه غير متأكد : " حسناً ليس في هذه اللحظة! "
ثم أشار بسبابته اليسرى نحوه مضيقاً عيناه يحاول إعادة جملته الأولى في رأسه : " قلت أن التصنيف غير محدد؟ كلا عزيزي, أنتم ستختارون أداوركم بأنفسكم هذا صحيح, لكنكم لستم سوى شخصيات ثانوية تساعد في ضبط مسار القصة ليس إلا "
تبسم فاوستوس و ظل يحدق في الظل الكائن الذي يجاور ليونيل وسأل بسخرية : " أتساءل هل لثاندر دور ما في الحكاية؟ "
كان سؤاله ذا مغزى لم يدركه أحد عدا ثاندر وسيده, لذا لم يثر سؤاله الغرابة في ليونيل لكنه أجاب بهدوء : " الجواسيس في الواقع يبقون جواسيس في الحكايات كذلك! لكن ليس لي هذه المرة, إن دوره في القصة أقل من ظل شخصية ثانوية غير أنه أهم من الأبطال ذاتهم! "
زفر فاوستوس بضيق يفكر بكم يبدو عمل ثاندر شاق جداً مقارنة بعمله, ولسبب ما تنبأ بقرارة نفسه أن ثاندر سيلفظ أنفاسه الأخيرة حتماً في هذه المهمة وإن أمعن النظر مطولاً لمهارته الاستثنائية فهو إذاً سيفقد حياته في الحدث الأخير من الفصل الختامي, وستكون ميتة سيئة ولا ينوي تخيل ذلك حتى! الجميع عدا ثاندر! صلى للرب بأن يحميه.
عبس ليونيل وكأنه قرأ أفكار فاوستوس لذا قال بإحباط وهو يصوب نحو الجميع نظرة يائسة : " أقول لكم أن المهمة هذه المرة مختلفة! "
عاود الحديث قائلاً : " سنستعرض الآن البطل الأول, حسناً؟ "
وراح يقلب الصفحات بين يديه وهو يتمتم : " لنرى .. بطلنا الأول, أين أنت؟ "
تنبأ ماثيو باسم البطل وقال بلهجة حاول أن يبعث بها اللامبالاة : " نيكولاس كاسل "
ردد ليونيل موافقاً بإيماءة : " نيكولاس كاسل, لكن لنرجئه إلى نهاية النقاش يا ماثيو "
أخرج ورقة من بين الصفحات وكان في ملامحه شيء من السعادة : " هنا! إنها الطبيبة, أساهي ميورا, 28 عاماً "
علق فينيست بعبوس وقد انزاحت نبرته الطفولية جانباً : " أنت تذهب إلى ما هو أبعد من مرماك, ليونيل "
قهقه ليونيل اثارةً : " إنها الساحقة بالنسبة للمسرحية.. أتعلم أمراً؟ كلا .. أتعلمون جميعاً لماذا وضعتها ضمن أول خياراتي؟ "
كان الجميع في انتظار الجواب الذي لم يتأخر لحظة
" إنها صديقة ناتريس الجميلة! "
هربت ابتسامة لم يستطع كبحها من فم فاوستوس, إذ أنه حقاً يعرف ليونيل كأخيه حقاً.
رمى ليونيل الورقة بإهمال وتابع : " وبالطبع هناك العديد من الأسباب الأخرى التي لا حاجة لي أن أذكرها الآن كما نعلم .. "
انثنى ماثيو ليلتقط الورقة التي استقرت بالقرب من قدميه, و عندما تلألأ البرق استطاع لثواني رؤية صورة لشابة ذات شعر قصير, بدا له أن شيئاً ما يسكن في عيناها, هو ذاته الذي يسكن عينا ليونيل, لكن عندما استأنف النظر بمجيء ضوء البرق مجدداً تراجع عن ظنه الذي لا يعلم لماذا راودته هذه الفكرة اللامعنى لها.

كان سقف الردهة محطم, والأرضية تغرق بالماء, ارتكز شعاع الشمس على لوحة " جناح يوليوس " فبدت اللوحة غير واضحة تماماً لعيني ماثيو الذي يرمقها بحذر من أعلى الدرج, وبحضنه الجرو الصغير
فاجأه صوت ليونيل من خلفه : " أستطيع أن أخمن نظرتك الآن "
لم يستدر لكنه كافح لإخفاء ارتباكه وصرح بشجاعة : " أنا.. قلق "
تقدم ليونيل ليقف إلى جانبه بطوله الفارع, مما جعل ذلك يبرز فارق الطول بينهما : " ثق بي ماثيو! "
نظر نحو ليونيل وعاينه بدقه, معالمه مسالمة جداً, كان يبدو كما اعتاد عليه أن يكون إلا أن عيناه بدت مرهقة بالفعل, آلمه رؤية ليونيل متعب هكذا بعد غياب طويل, وشيء ما كالحقد قد استقر قلبه, ضم جروه وهمس بخفوت : " أثق بك "
و بينما يستعد الجميع للمغادرة في الأسفل, وقف فاوستوس ينظر إلى تلك اللوحة بشيء من التأمل العميق, كان يتشح بالسواد, مثل سواد شعره تماماً, كان نحيلاً جداً متوسط الطول
ناداه صوت فينيست من خلفه : " لنذهب فاوستوس! "
لكنه لم يستجب لنداء رفيقه على الفور اذ بقي واقفاً غارقاً عقله في تفاصيل اللوحة
وبعد برهة توسعت عيناه وكأنه اختنق, تمتم بخفوت : " إنها تكتنز رسائل وإشارات خطيرة "
سمعه فينيست الذي راح يتأمل بدوره اللوحة, هز كتفيه زاماً شفتيه متسائلاً, ما الذي يراه الجميع ولا يراه هو؟
و الشيء الوحيد الذي راود ماثيو حين رأى تلك اللوحة هو أنى لهذا السخف أن يغدو مبهراُ هكذا؟

[/ALIGN][/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN]

__________________

here we go





التعديل الأخير تم بواسطة |April| ; 06-14-2018 الساعة 06:48 PM
رد مع اقتباس