الفصل الخامس : The girl in the planetarium
تركَ الأوراقَ تنزلقُ مِن يدهِ يُحدق بالفراغ شاردًا فهمس " لا يُعقل... شيءٌ كهذا لا يجب أن يوجد منذ المقام الأول !!"
و لَم يَمُرَ مِن الوَقتِ وهلة حَتى حَسمَ تيم أمرهُ.
شَددَ عَلى قَبضتهِ ؛ عَقدَ حاجبيهِ و عبسَ بشدةٍ يُغادرُ المكانَ بخُطى عَريضةٍ ؛ ثابتةٍ شامخة.
ثُمَّ إلى وِجهتهِ آميسّاموندو تَحديدًا جوليكا كيه آثينا.
هوَ اقتحمَ مَكتبها دونَ مُقدماتٍ بَينما كانت تَحتسي فِنجانًا مِن الشايِ كعادتها
نطقَ بنبرةٍ صُلبةٍ " دعيني أُقابلُ لورِنزو !"
وضعت بُنية الشعرِ فِنجانها جانِبًا تتحدثُ بتململ " هو في السجنِ الانفراديِ مُنذُ قَتلَ بروس دونالد.. ليس هُناكَ طريقةٌ لتلتقيا."
قلبَ الداكنُ عَيناهُ الزرقاوتانِ مُكتفًا ذِراعَيهِ فسَخِر " و كأنكِ لا تستطيعينَ فِعلَ شيء !"
أردفَ بجدية " تريدينَ مِني أن أجلبَ لكِ مِلكي وَي أليسَ كذلك ؟ إذًا دعيني أراه !"
أغمضت جوليكا عَينيها تزفرُ بحدةٍ " و ماذا ستفعلُ برؤيتهِ ؟"
سَكتَ تيم قَليلًا ثُمَ أجابَ بهدوء " أريدُ نَفضَ الغبار عَن بَعض الأمور..."
ابتسمت تزفرُ ساخرةً بهدوء " هكذا إذًا..." رفعت جوليكا مفتاحًا إلكترونيًا بَينَ إصبعيها الأوسطِ والسبابةِ تُميلُ بِهِ نَحوَ آستولفو لتردف " لا تتركهما وحدهما أبدًا."
انحنى لَها فِضيُ الشعرِ مُتخذًا زاويةً حادة مُطبقًا عَلى جَفنيهِ " أمركِ آنستي."
انتشلَ البطاقةَ مِن بَينِ أنامِلِ سَيدتهِ مُتوجها بِخُطاهُ نَحوَ البابِ ليتبَعهُ الداكنُ بصمتٍ.
و ما إن طرقت أقدامهما أرضيةَ الجانبِ الآخرِ مِن البابِ حَتى اتسعت ابتسامتها بجانبيهِ تستكملُ فِنجانَها بَينما تستنتجُ الحديث الذي سيدورُ بَين هذينِ الاثنينِ حينَ يَلتقيا.
-" الأمورُ تُصبحُ أكثرَ إثارةً للإهتمام..." هيَ تمتمت بَينَ خفوتِ قهقهاتها.
أما داخلَ السجن، تَحديدًا داخلَ زِنزانةِ لورِنزو، بَينَ العتمةِ جَلسَ هادئًا كأنما صارَ جزءًا مِنها بعدما سَلبتهُ سَمعهُ و صَوته.
وحدهُ ما كانَ يُضيءُ هوَ تَبغُ سجارةٍ اعتنقتها أصابعهُ النحيلة ودُخانٌ تَنفخهُ شفتاهُ مُتصاعدًا مُتشتتًا إلى لا شيء.
أذناهُ اللتانِ خُيلَ لهُ فناءُ سَمعِهما التقطتا وقعَ أقدامٍ يجيءُ مقتربًا مِن بابِ غُرفتهِ لكنهُ فَضلَ إعتبارهُ وهمًا عابر.
غَيرَ مُكتفٍ بتجاهلهِ إنما رفضَ وجودهُ بالكاملِ، و بَينما كانَ يُخططُ لاستكمالِ ما يفعل غيرَ آبهٍ بمحيطهِ اخترقَ مَصغاهُ صَوتًا آخرَ أجبرهُ عَلى الانتباه.
-" لورِنزو." قالَ تيم بشيءٍ مِن الهدوء، ما دفعَ المَعنيَ لرَطمِ كُلِ مُخططاتهِ بالجِدارِ مُهمهمًا بتساؤول فاستمعَ إلى تذمر تيم الذي انطلق فجأة
-" يا إلهي رائحة السجائر تنبعث بشدة ! هل هي مسموحةٌ في الحبس الانفراديِ حَتى ؟"
ابتسمَ البُنيُ بجانبيةٍ يسخر " رُميتُ هُنا دونَ أن أُجردَ مِن مُمتلكاتي الشخصية كما تَعلم." فزفرَ تيم بقوةٍ يسأل مُستنكرًا " و مُنذُ مَتى وأنتَ تُدخن ؟"
نَفثَ دُخانهُ يجيبُ ببرود " أفعلُ مِن وقتٍ لآخر..."
و هذه المرة جاء دورُ تيم في الهمهمةِ ليحُلَ الصَمتُ في الأرجاء بِضعَ وَهلةٍ مِن الزمنِ.
-" كَيفَ حالُكَ ؟" بصوتٍ خَبت نبرتهُ تيم سألَ، مما دفعَ لورنزو للابتسامِ زافرًا بسخريةٍ ثُمَ يُجيب " ليس بالسوء الذي توقعته."
أردف " كيف تجري الأمور عندك ؟"
ففاجأهُ ردٌ غَير مُتوقع مِن تيم جاء على صيغةِ سؤال " لِماذا صنعت شيئًا كهذا لورِنزو."
سكتَ المَعنيُ قَليلًا يُحدقُ بدُخانِ سجائرهِ المُتصاعد حَتى نهضَ بتثاقلٍ أخيرًا يتكأ بظهرهِ عَلى البابِ ذا النافذة الزجاجية ثُمَّ أجاب " إذًا فقد وجدتها... المُستندات..."
-" أجل." أجابَ أسودُ الشعرِ باختصار.
استنشقَ رفيقهُ نفسًا مِن تبغهِ ليتحدثَ بَينما ينفثهُ " و إن بررتُ لكَ أنتَ لَن تقتنعَ أستفعل ؟"
هزَ تيم رأسهُ نافيًا رُغمَ عِلمهِ بكونِ لورِنزو لا يُراقبهُ فسألَ أمرًا آخر " لِمَ قَتلتَ بروس دونالد ؟"
-" لَم أفعل." لورِنزو قالَ بهدوءٍ رُغمَ إجابتهِ السريعة.
بَللَ دَكِنُ الخُصلاتِ شِفاهُ يُعلل " الأدلة تقول عكس ذلكَ."
فما كانَ مِن رَفيقهِ سِوى أن ابتسمَ ساخِرًا زافِرًا الهواءَ بحدةٍ حينَ فَكرَ إن هذا مِن طباعِ مُقابلهِ حَقًا.
و لذا أجابَ ساخِرًا " تيم أنا عالم، و إن عاملتُ شخصًا كفأر تجاربَ في سبيل العلم فهذا لايعني أني سأقتلُ آخر !"
أخذَ تيم نفسًا عَميقًا يجمعُ أصابعهَ بقوةٍ شديدةٍ قَبِضًا إياها ليهتفَ بشيءٍ مِن الغضب " بحق الإله فسر موقفكَ بشكلٍ صحيحٍ لورِنزو !"
مَسحَ المعنيُ الابتسامةَ عَن تعابيرِ وَجههِ يستبدلها عبوسًا وجِدية " لاشيء لتفسيره، أنا لَم أقتل، لم يكن لديَّ أيُّ دافعٍ للقتل."
-" إذًا لِمَ لا تدافع عن نفسكَ ! لِمَ أنتَ راضٍ هكذا !!"
كُسارةُ وَقتٍ مَرت بصمتٍ وركود، و لورِنزو أرخى جَفناهُ لترتجفَ عيناهُ بَريقًا خافتَ حينما فَكر.
لا يمكنهُ البوحُ بشعورهِ هذا، لا يمكنه أن يُفصحَ عَن رَغبتهِ التي لطالما دَفنها عَميقًا داخلَ قلبه، موصدًا عليها سلاسلًا وقُفلًا ثَقيل.
مُحيطًا إياها وقلبهُ بوفرٍ مِن الجليد الرقيقِ واضعًا قِناعًا من البرود والقسوة.
أمنيةٌ رَغِبَ بِها، أن يوقفهُ أحدٌ عِندَ حَدهِ قَبلَ أن يكتملَ مِلكي وَي.
هوَ الآنَ ومِن أعماقِ فؤادهِ يَدعو أن لا يجدها أحد، علها تعيشُ بطبيعيةٍ بَعيدًا عَن عالمِ آميسّاموندو حالكِ السواد.
سيكذب لو قالَ أنهُ لا يملكُ أدنى فكرةٍ عَن مكانها الآن، لكنهُ قَد كذبَ كَثيرًا بالفعلِ مُنذُ نعومةِ أظافرهِ.
لِذا لا بأس لو كَذبَ هذهِ المرة أيضًا، ولا بأس لو أُعدمَ بتهمةٍ مُلفقةٍ علهُ يُكفرُ عَن خطاياهُ بحقِ الشابة ولو قَليلًا.
أغمضَ عَينيهِ يسترجعُ نفسهُ إلى أرضِ الواقع يسأل " أتثقُ بيَ تيم ؟"
أجابَ الداكنُ دونَ ذرةِ ترددٍ واحدة " أكثر مِن نفسي ! لِذا أترجاكَ لورِنزو فسـ--" بَترَ جُملتهُ حينَ سَمِعَ صَوتَ رفيقهُ يتخللُ أذناه
-" إذًا أنصحكَ بالتوقف عن هذا تيم.. و اسأل فتاةَ الآثينا عَن مِلكي وَي، حينها فقط ستعلمُ كُل ما تبتغي عَنها.."
-" ما الذي تعنيه لورِنزو ! أجب !"
أخذَ الداكنُ يُرددُ اسمَ بُنيِ الشَعرِ مِرارًا، لَكِنَ كُلَّ ما تلقاهُ كانَ التجاهلَ مِنهُ إذ أنَّ الأخيرَ قَد عادَ إلى سَريرهِ الصُلبِ بالفعل، آخذًا في تصورِ الموقف بَينَ رَفيقهِ وجوليكا بعدَ حين جازمًا بصحةِ توقعاتهِ.
أما على الجانب الآخر من الزنزانة لكمَ تيم البابَ الحديدي بقوةٍ يهتفُ حانقًا " لست أهتم بعد الآن ! افعل ما يحلو لكَ ! أبله !!"
اتكأ لورِنزو عَلى فخذيهِ يُطأطأ رأسهُ مُبتسمًا برضى، بَينما تركَ تيم المكانَ بخطواتٍ عريضةٍ عنيفةٍ عابسًا بغضب.
و ما إن فعلَ وابتعدَ مسافةً لا بأس بِها، و عندما خطا آستولفو أولى خطواتهِ نحوَ الرحيل.
بعثرَ لورنزو صوتهُ في الهواءِ دونما اهتمام " من الأفضل ألا تحشروا رقابكم في أمورنا أكثر أو سُتقطع."
-" وماذا يمكن لسجينٍ أن يفعل ؟" أجابَ فِضيُ الشعرِ بهدوءٍ شديدٍ يتركُ المكانَ خلفهُ.
في تلكَ الأثناء حيثُ آل وِستاليا، القبة السماوية.
فّيوليت سوداءُ الشَعرِ كانَت تمشي بتسارعٍ بَينما تُحدقُ بالسقفِ.
إذ كانَ كَما لَو أنهُ قِطعةٌ مِن السماء، يُصوِرُ مافيها مِن أجسامٍ وتجمعاتٍ نجميةٍ حَتى أدقِ ذراتِ الغبارِ سواءَ كانَ مُضيئًا أم مُعتمًا.
كَما لَو كُنتَ في مَكوكٍ مِن الزُجاجِ لتُيقنَ جمالَ المجرةِ بعَينيكَ.
السُدمُ تَشقُ طَريقها مُتوهجةً عَلى بساطٍ مِن العتمة، والنجومُ تلتمعُ بألوان تدرجت مِن أبردها إلى أكثرها سخونة.
كقوسِ مَطرٍ تعبثرَ بفوضويةٍ غَيرَ آبهٍ للنظام، كأدواتِ رسمٍ سُكبت على قماشٍ أسود، أو خيوطٍ رفيعةٍ مُغتزلة تتشابكُ مُلوِنةً العدم حولها تنتشلُ مِنهُ الركود.
ويستحال وصف النجومِ بشيءٍ أسمى طالما لا وجودَ لما يضاهيها سِحرًا وفتنة، فبدا العالمُ مُتلألأ في عينا الشابة التي كانت أولى أمانيها رؤيةُ سماء الفلك.
-" لويس..." هيَ نطقت دونَ أن تلتفتَ خلفها حَيثُ المُنادى يقفُ فأردفت " أشعرُ بالطاقةِ تتسللُ إلى كُلِّ خليةٍ في جسدي... لدرجةِ أن ركبتايَ بالكادِ صامدتان.. رغم أني لا أشعرُ بأنني لستُ بخير.. أشعرُ برطوبةٍ شديدةٍ في عَيني.. ورغم أن الوقت يستحيل أن يتوقف.. لا أريد من هذه اللحظة أن تنقضي.."
تقدمَ لويس يقفُ قَريبًا مِنها، يُحدقُ بالسماء الصناعيةِ ذاتها فأجابَ " أجل... عَلى الأرجح .. أنتِ تشعرينَ بالسعادة.."
وضعت يدها مَيسرَ صدرها تُكملُ " قلبيَ يأبى الهدوء... هُناكَ شيءٌ ليسَ في مكانه... لكنهُ ليسَ شعورًا سيئًا.."
فابتسمَ لها " ماذا لو جربتِ الابتسام ؟" تابعَ بعد أن لاحظَ استغرابَ ملامحها " كَما أفعلُ أنا الآن..."
حدقت بهِ لوهلةٍ لترسمَ عَلى شفتيها بَسمةً لطيفة، تسائلت " هكذا ؟" أومأ لها فأردفت " معكَ حق... لم أعد أشعرُ بأنَ هُناكَ شيءٌ في غَيرِ محلهِ..."
رسمت تعبيرًا مُستغربًا فورَ أن لمحت وجهَ الشابِ أمامها يُحدقُ بِها شارِدًا بنوعٍ مِن الدهشة " ما الأمر لويس ؟"
و ما إن استدركَ وضعهُ حَتى ارتبكَ يدعكُ رقبتهُ ويُشيحُ بزرقاوتاهُ خجلًا " لـ- لا.. لقد أدركتُ أنها المرة الأولى التي تبتسمينَ فيها.."
التفَ مُغيرًا الموضوع سريعًا بتلعثم " فلـ- فلنسرع وإلا تأخرنا.. لدينا الكثير لنفعله اليوم..."
و ما كانوا يقفونَ إلا في ردهة القبة، حيثُ ما كانَ ذلكَ السقف سوى إستقبالٍ للضيوف، ثُمَّ و عن طريقِ شبكةٍ مُعقدةٍ مِن السلالم الكهربائية يمكن الوصول إلى الحجر ذات القواعد المضادة للجاذبية.
هُناكَ حَيثُ يبدأ العرض الحقيقي.
مسارح مزودة بنظارات الواقع الافتراضي لتحاكي سماءَ الليل، ففي حينِ أنَ سقف الردهة لايعرض سوى الجزء المبان من السماءِ فوقَ بِلادهم، يتيح لك الواقع الافتراضي اختيار البقعة التي تشاءُ مِن الفلك.
أو معارض لصورٍ مُجسمةٍ لأهمِ النجومِ ؛ الكواكبِ الوسُدم ؛ متاحفٌ تعرض قِطعًا مِن كواكبَ وطأتها قدمُ البشر.. وقاعاتٌ تحاكي تجاربَ تدريباتِ رواد الفضاء بشكلٍ مُصغر.
قاعات الثقوب السوداء التي تستعرضُ كُلَ ما يتعلقُ بِها مِن نظرياتٍ ومراحلِ نشأتها وتكوينها ؛ غرفُ محاضراتٍ تختصُ بالفلكِ، و أخيرًا مقاربٌ عاليةُ التقنية تسمحُ للمستخدمِ برؤيةِ أخفتِ النجومِ وهجًا.
×[ 20 ديسمبر - الساعة 2:30 دقيقة صباحًا. ]×
بعدَ جولةٍ حَولَ جَميعِ تِلكَ الأقسام ، والتي أخذت مِنهم ما يقارب الثمان ساعات، جلسَ آل وِستاليا بالإضافة إلى فّيوليت على أحدِ مقاعدِ الردهة بينما ذهبَ أكبرهم لإحضار بعض المشروبات الدافئة.
بَينما يترددُ صَدى صَوتُ امرأةٍ تُشعرُ باقترابِ وقت الإغلاق ، كانَ كُلٌّ مِن لويس وإدوارد يجلسانِ عَلى حافةِ المقعدِ بَينما فّيوليت تتوسطهم.
سألَ إدوارد بنبرةٍ مرحة " إذًا فّيوليت ؟ كيفَ كانَ يومكِ ؟"
هتفت المعنيةُ تلقائيًا بينما تضعُ تعابيرًا طُفولية " مُمتعًا بشكلٍ لا يُصدق !!"
مما دفعَ إدوارد لإطلاقِ ضحكةٍ قصيرة " من الجيدِ ذلكَ !" قالها مبتسمًا بشدةٍ يحدقُ إلى وجهِ الشابةِ مباشرة.
وبينما هوَ يفعلُ وقعت رؤياهُ على خُصلةٍ بيضاءَ شابت قريناتها سوداوات اللون، و قبل أن يتمكن عقلهُ من التفكير، يدهُ ارتفعت لتلامسَ أنامله شعراتها الشهباء برقةٍ فبلطفٍ تذمر
-" بجدية... هذا التنكر متعوبٌ عليهِ لذا ما رأيكِ لو بذلتِ جهدًا أكبر للحفاظ عليه ؟"
فرقت فّيوليت شفتيها بخفةٍ تتأسف، كانت كلمةً واحدة، بنبرةٍ واهنةٍ اقترنت بالهمسِ رويدًا، إلا أنها خرجت مِن باطنِ فؤادها بكل صدقٍ وخلاص.
وحين كان إدوارد على وشك أن يربت على رأسها مهونًا، ما وجد الاثنينِ نفسهما إلا و ساعد الشابة قد خُطفت تُسحب إلى الخلفِ حيثُ يجلسُ لويس.
و بدلَ أن يلتفتَ الى إدوارد المصدومِ يمينه، هو فقط إتكا بذقنهِ الى باطن كفهِ جامعًا بأصابعهِ قبضةً واهية أخفى بها شفته يتطلع إلى الأمام.
نظراته حدقت بالفراغِ مابين من يسير جيئة و من يبتعد ذهابًا.
مشوش العقل عنهم يركزُ مع داكنة الخصلات التي يلتصقُ ظهرُها بمقدمةِ كتفه.
مظهره يوحي بالهدوء، كسكون ليلةٍ ببدرٍ منير، حيث لاشيء سوى حفيف عشبٍ ورياحٍ عابثةٍ بنسيمٍ لطيف.
لكن الحديث اختلف من جهةِ تلك التي معصمها بين أصابعهِ التي تتشبث بلطفٍ فلا تضيق عليه الخناق ولو قليلا.
فسديماها اتسعا مُرتجفين، وقلبها انقبض هلعًا.
هي ازدردت تلتمع عينيها دمعًا ضئيل، فحاولت التملص تتحدثُ بخفوتٍ فوقَ عادتها.
-" لويس... ذراعي..."
و على عكس نبرتها، النيران تأججت تُحرقُ صدرها.
نيرانٌ لو التهبت على أرض الواقع لأحرقت حتى زرقة السماء.
-" لـ- لويس..." ونبرتها غُمرت بالرجاء لهذه المرة.
مما دفعه لتركها دون أن يتفوه بحرفٍ واحدٍ حتى.
الأجواء ركدت فجأة بعد أن كانت تفيض بالحيوية لتضفي طابع من التوتر إلى محيط الشبان الثلاثة.
و لحسن الحظ كان هذا توقيت ديميان ليعودَ مُبتسمًا ومعهُ المشروبات التي وعد بها.
وسط حديثه بحماسِهِ المعتاد، هو تسائلَ مستغربًا بعد أن تلاشت ابتسامته فجأة " ما الأمر معكم ؟ أحدث أمرٌ ما ؟"
فما كان من لويس إلا وأن نهض يتمتم " لا، البتة..."
وحين تدارك إدوارد الوضع هو تلعثم يتكلم بمرح " إ- إذًا أنـ- أنعود ؟"
أوما له ديميان بسكوتٍ و هتف لفّيوليت أن تقفَ بعدها.
و كم كان من الواضح عليها سرحانُ وعيها إلى مكانٍ ما لا شك بأنه بعيد جدًا.
وقبل أن تحط بقدمها على الأرض متخذةً خطوتها الأولى .
وجدت نفسها تهوي أرضًا، ووجدوها تستقرُ على الرخام.
__________________
التعديل الأخير تم بواسطة - إكسينو. ; 07-05-2018 الساعة 10:48 PM |