الموضوع: خطى جهنميَّة
عرض مشاركة واحدة
  #16  
قديم 08-27-2018, 11:45 PM
 
في مكان ما ، بين غشاوة الصقيع و الثلج المتساقط ، كانت هاناكو تسير إلى جانب ذلك العملاق الصقيعي !
بدأ المساء في الحلول ، كل شيء ملون بالأبيض ، الظلام يستفحل ،
هاناكو تحدق في ذلك الشاب ، تسير بخطوات متثاقلة ، غارقة في تفكيرٍ طويلٍ . . .

- ما بالك تحدقين بي بهذه النظرات البلهاء ؟
- أنا . . . ما غايتك ؟
- ما الذي تعنينه ؟ أي غاية تتحدثين عنها ؟
تقبض كلتا يديها ، تشدد قبضتيها و هي متوقفة عن السير ، تسير بضع خطوات سريعة لتتقدم ، تتصدى لهـ بكلتا يديها

- ما هدفك من مرافقة فتاة غريبة و انت تعلم انها جهنمية ، فتاة تمثل خطرا على حياة من حولها ! ما غايتك من الذي تفعله هيا قل ؟!
- هاه ! اسمعيني ايتها الفتاة المجنونة !
- بدون مراوغة في الحديث ! اجب بوضوح !! ما هدفك من مرافقتي ؟
- اسمعي اذا كانت مرافقتي لك تزعجك اخبريني بهذا و سأغادر ، هل تفهمين هذا ؟
- سألتك سؤالا و لم تجبني ! بل انك تستمر في التهرب كالجبان أيها الجليدي ! أنا حتى لا اعرفاسمك انت حتى لم تعرف نفسك حتّـــى !
- أهذا كل ما يزعجك ؟ تبحثين عن اسمي !!
يبتسم ابتسامة ماكرة ، ابتسامة أشعلت غضب هاناكو لتتوهج عيناها غضبا !!
- أيها الوغد ! سحقا لك !!
- ما الذي تلفظت به أيتها الجهنمية ؟ هيا اعتذري !
- أعتذر ؟ هه ! لما؟ ماذا تراني كي أعتذر لشاب مثلك ؟
- قلت اعتذري !
- قلت أجب عن أسئلتي !
- قبل قليل كان سؤالا و الآن تقولين أسئلة ؟
- من أنت ؟ و ماذا تكون بالضبط ؟ و ما غايتك من مرافقتي ؟
فجأة أمسك يدها و جذبها نحوه بسرعة و أغلق فمها بيده الباردة و حملها مسرعا يختبئ خلف صخرة جليدٍ كبيرة . . .


" مشرد ، مطارد ، جائع ، خائف ، أكاد أتجمد بردًا ، ضائع ! سحقا لك أيتها الحياة اللعينة ! "

هذا ما قاله شاب تحت مراقبة نظرات هاناكو و مرافقها الذي بلا اسم إلى حد السّـــاعة !

يمضي ذلك الشاب قدما ، يحفزه العناد الأخرق ، لم تستطع عيني هاناكو الإبتعاد عنه ، تحاولان الهروب بلا جدوى ، تتساءل :
" لماذا يستمر بالمضي قدما رغم ان في هذه الاوقات من المغري الاستسلام ، و هذا ما يفعله الكثيرون حتما ، يسمحون للحياة اليومية العادية ان تطمرهم بالثلوح الى ان يلتصقوا بمكانهم ، يتوقفون ببساطة ،
يدعون الثلوج تطمرهم على أمل أنه في وقت ما ستتوقف الثلوج و ستعود السماء الصافية من جديدٍ ! "
نعم ! هذا ما قالته محادثةً ذاتها الضائعة في مكان ما بين غياهب ظلام عالمها الثاني !!
يبتعد ذلك الشاب عنها خطوة فخطوة ، إلى أن تلاشى في الأفق البعيد ، أو ربما هذا ما ظنتهـ هاناكو ، فثلوج كهذه تقضي عن الإتجاهات ، تواري الارض و الجبال الشاهقة ، الجبال نفسها التي تسلبنا زرقة السماء حتى في أجمل أيام الربيع ، حتى و الشمس ساطعة و العصافير مغرّدةٌ !!
آثار أقدام ذلك الشاب لاتزال مطبوعة !
- " اسمع ! فلنتبع خطاه !! لربما وصلنا إلى مكان ما ! "
- " لا تتصرفي ببلاهة ، الم تسمعي ما قاله عن نفسه بنفسه و لنفسه ! "
- " ما ! ؟ "
-" مشرد و ضائع و مطارد ! و نحن كالحمقى نتبعه ! "
- " أنا اخترت اتباعه و سافعل قبل ان تختفي اثار اقدامه و تدس تحت ندف الثلج ، ان اردت المجيء مرحبا بك و ان لم ترد فاذهب اينما شئت ان الطرق امامك !! "
- " اي طرق ؟ اترين اي طريق امامك ايتها ؟ ! "
- " ماذا ؟ أيتها الـ ماذا ؟ "
- " اصمتي احدهم قادم ! "
و بينما هما يتجادلان ، يقطع حديثهما السخيف ذاك ظهور حصان أسود ، تركبه امرأة تتوهج نارًا ! تشعل غضب الثلوج ، لتذيبها قهرًا !
يحدق ذلك الأخرق بتلك السيدة ببلاهة ، بينما نبضات هاناكو تتسابق ، حدقتا عينيها تتسعان ، تتنفس بصعوبة ، تبحث عن كلمات لتنطق بها ، و لكن لسانها يخونها ، فالكلمات فرت شوقا أم رعبا ؟ لا أعلم
كل ما اعلمه انها لم تجد ما تنطق به ، يا للمسكينة !!
تلك السيدة تغادر ، تتوارى امام عينيها ، و ذلك الاخرق يحاول استفهام ما يجري و لكن بلا جدوى ، فوعي هاناكو غادر مع مغادرة السيدة ،
تحاول هاناكو الإمساك بظل السيدة ، بسرابها ، بالذرات التي لامستها ، بـ . . . بـ . . . بـ اللاشيء ! نعم فهي أمسكت بـ اللاشيء !
-" هاناكو ! هاناكو ! هاناكو ! " و يزجر ذلك العملاق الأبله بـهاناكو : " استفيقي ! "
ليقشعر بدن هاناكو من أعلى رأسها إلى أسفل أصابع قدمها و تصرخ بدهشة : " ماذا ؟ "

لتضيف و الحزن يطغو على ملامح وجهها :
-" لا . . . لا شيء !! "
لم يشأ ذلك الأبله الإثقال عليها بأسئلتها السخيفه ،
- " تبدين متعبة "
- " أجل ، نوعا ما ! "
- " سأحملك على ظهري ، و لنبحث عن مكان نرتاح فيه ! "
-" تحملني على ظهرك ؟ أتراني طفلة صغيرة ؟ "
- " اصمتي و اصعدي هيا ! "
- " لكي تهزأ مني ! و تذكرني بهذا المعروف طول العمر ؟ مستحيل ! "
- " حسنًــا ! "
قالها بثقة كبيرة ، أشعرت هاناكو أن في كلامهـ خدعةً ما !
و فجأة ، و هاناكو شاردةٌ في مكانٍ بعيد تهوم بلا خريطةٍ ، شعرت أنها تطير و تطفو عاليًــا ، لتستفيق من كوتبيس يقظتها و تجد نفسها محمولة على ظهر العملاق الأبله . . .
تصرخ بدهشة :
-" ما الذي تفعله هيا أنزلني أيها الأبله ! "
-" أعطني سببا واحدا يجعلني أنزلك ، و أعطني سببا واحدا يجعلك تنادينني بـ الابله ؟ "
- " اممم حسنا لا املك سببا يجعلك تنزلني غير اني منزعجة من هذا الفعل ، اما بالنسبة للسؤال الثاني فانا لا اعرف اسمك ايها الابله ! "
-" انزعاجك لن يضرني و لن ينفعني لذلك التزمي الصمت ، و لا تناديني بـ الابله ثانية هل فهمتي ؟ "
-" و ما الذي سأناديك به غير الابله ايها الابله ؟ هل سأناديك بالعملاق الابله مثلا ؟ "
-" يوشيرو ! "
> يوشيرو ؟ أخبرني ذلك الشاب باسمه أخيرا ! لطالما رفض و تهرب من الإجابة عن سؤالي عن اسمه ! <
-" حسنا يوشيرو ! هل هذا هو اسمك ؟ "
- " لا بل هذا عمري ! "
قالها ببلاهة و برود يغزو نبرته !!
-" حسنا حسنا يوشيرو ! على أية حال اسمك جميل !! "
-" هه ، كجمال عينيك ؟ "
-" كف عن ازعاجي ! ثم انني لست بمزاج يسمح لي بالتطاول مع عنادك و سخافاتك يا أبله ! "
-" ما الذي قلته توا ؟! "
-" هيهي يوشيرو يوشيرو ! هااه اسمع انا لا اهابك ، انا لا اهاب احدا هل فهمتني ، لكني تعبة ! تعبة ! و اكبر همومي الآن هو الراحة ! "
-" حسنا ! حسنا " لكن صوتك اخنرق طبلتي اذني و ربما سبب ثقبا فيهما ! "
-" لا شأن لي فيما يحدث لطبلتي أذنيك ، فطبلة قلبي تكاد تتوقف عن الدق يا فاهم ! "
- " انظري ! ما ذاك الشيء البني الذي يلوح في الافق ؟ "
- " هااه !! يبدو كَــكُــوخ ! اتجه نحوه !! هيا اسرع اسرع !! "
-" رويدك يا هاناكو رويدك !! كفي عن ضربي بكلتا قدميك !! "
-" اعتذر ! و لكن طلبي للراحة ملح ! هيا اسرع بالتوجه نحوه !! "
-" اصبري قليلا فانا احمل قاروروة غاز على ظهري و الثلج يغطي قدمي ! "
-" ماذا تقصد بقارورة غاز ؟ هل تصفني بقارورة غاز ؟ أبله ! انا لست بذلك الثقل ثم انك من اراد حملي !! "
-" و ان اردت إلقاءك أُلقيك فلا تستفزيني !! "
-" هااه انه امامنا ، هو كوخ بالفعل ! انزلني انزلني ! "
-" ماكرة !! "
يدخل كليهما الكوخ !! ليرتاحا قليلا من مشقة السير الطويل !!
-" حمدا لله ! هيه ألن تقوم بإشعال تلك المدفأة ؟ "
-" ألا تجدين الامر مثيرا للريبة ؟ المدفأة يبدو أنها أطفأت بوقت ليس بطويل !! "
-" لا يهمني ! هيا أوقد نيرانها !! "
-" حسنا حسنا !! "
تستلقي هاناكو أمام المدفأة ، زفرت أنفاسها ، سكنت بين طنينها الحاد بلا حراك كفراشة تم دهسها بقدم طفل صغير !
و عاد الحزن يعلو وجهها ، يرسم تكشيرة على ثغرها ، نفس التكشيرة التي قابلت بها يوشيرو لأول مرة و لكن أهدا و أبأس من تلك التكشيرة الغاضبة المتأججة !!
ذلك الوجه الحزين ، تلك الملامح ، يراها يوشيرو لأول كرة ترتسم بتلك الرقة ، بتلك الكآبة ، على وجه تلك الجهنمية ، شرد يوشيرو ، بعد أنح حدق في الظلام طويلاً ، و . . . و جلس يحدث أحدهم ، ربما الزمن اللعين ، ربما الحياة البائسة ، ربما الواقع الأليم ، و ربما . . . و ربما حبات الثلج !
تتوسع حدقتا عيني هاناكو فجأة و تقفز هرعة نحو يوشيرو ،،
-" انت! انت ! انت ناديتني باسمي مرات عديدة ، و ام انتبه إلى الآن ، من تكون و كيف تعرف اسمي ؟ "
تأفف و أخذ نفسًــا عميقًــا ليجيب : " أنا . . . "
يتحرك باب الكوخ مندفعا إلى الداخل معلنا أن أحدهم على وشك الدخول ، ترتبك هاناكو و تحاول استجماع قطع ذاتها الداخلية المتناثرة ، تشد قبضة يدها اليمنى ، تفتحها برقة ، تتوهج عينيها لتشتعل جهنميَّـةً ، تقف بكل ثقة و عزم ، تجمع طاقتها الداخلية لتكون بها كرة لهيب حارقة ، استعدادا للدفاع عن نفسها ، يفتح الباب ، ليدخل رجل عجوزٌ هرم الكوخ بخطواتٍ متباطئة ، يجول بانظاره في الارجاء ، يلمح هاناكو و كرة اللهيبة التي تطفو اعلى يدها ،يرى يوشيرو واقفا الى جنبها ، يبتسم ابتسامة غريبة اربكت كليهما ، ليقول : " اهدآ ، لن أؤذي أحدًا "
تهدأ نيران هاناكو المتأججة و لكن ملامحها لازالت تُقرأ على أنها غير مرتاحة لما يجري هنا ، نفس الشيء بالنسبة لـيوشيرو
-" هل هذا كوخك يا جدي ! " <يوشيرو>
-" اجل يا بني ! "
-" اسفون على الدخول بلا علمك يا جد ! و لكننا تعبنا من السير المتواصل ، و البرد الذي ألم بأجسادنا !! "
-" أجل ، نعتذر "
- " لا عليكما ! الكوخ كبيتكما فلا تخجلا ! "
-" أتعيش هنا وحيدا يا جد ؟ " <هاناكو>
-" أجل ، أعيش وحيدًا هنا ! "
-"منذ متى ؟ " <يوشيرو>
-" قد لا تصدقانني إن أجبتكما ! "
-" هيه ! و لما قد لا نصدقك " <يوشيرو ببلاهة>
-" حسنا ! اعيش هنا منذ آلاف السنين ! او ربما عشرات آلاف السنين ! انا هنا منذ مدة طويله للغايه حتى اني لا اعرف عمري ! "
تتمتم هاناكو و هي تحدق في الفراغ
-" ما هذا المزاح السخيف ! "
-" انا لا امزح يا ابنتي ! "
-" هااه !! اعتذر يا جد !! اعتذر !! "
تكلم نفسها قائلة : كيف استاطع سماع تمتمتي ؟
-" املك حاسة سمع قوية يا ابنتي لذا استطعت سماعك !! "
-" يِــي ! "
أصواتــ :
-" امم ! امم "
-" ما هذا الصوت ؟ " <يوشيرو>
-" اي صوت ؟ " <الجد>
-" لم اسمع شيئا ! " <هاناكو>
تضيف بتعجب :
-" ما ذلك الصندوق الكبير هناك ؟ "
تشير باصبع يدها الى صندوق كبير يلوح خلف بياض الثلج قرب باب الكوخ خارجا !!
-" ذلك ! ذلك لا شيء ، لا تهتمي لهـ ! "
أصواتــ :
-" امم !! امممممممممم !! "
-" ذلك الصوت مجددا ! "<يوشيرو>
-" اجل سمعتهـ ! " <هاناكو>
يتجه كل من هاناكو و يوشيرو الى الصندوق قصد تفقده و التحقق من مصدر الصوت . . .
-"إياكما و الاقتراب من الصندوق ! "
يكتسح ضباب كثيف الكوخ فجأة ليعيق نظر هاناكو و يوشيرو
-" آآآآآآآآه " <؟>

{ نلتقــي في الفصل القادم } !


__________________




أبتسم ! حدادا على موت قلبي . . . 💔
رد مع اقتباس